من يقنع الآخر حازم أم العم صابر؟
أحس حازم بضيق شديد فخرج ليستنشق بعض الهواء العليل لعل الله يشرح صدره ويفرج كربه. اتجهت به قدماه المتثاقلتان إلى حديقة خضراء مزهرة. كان يرغب بالجلوس وحده...لكن ها هو شيخ وقور تجلل وجهه هالة من نور، يتقدم صوبه بخطوات واثقة مثل شاب في مقتبل العمر.
ما أن رآه عن قرب حتى تلاشى انزعاجه من تعكير صفو وحدته.
استأذن الشيخ من حازم بصوت حنون:
- هل يمكنني الجلوس إلى جوارك يا بني؟
- نعم يا عم بكل سرور.
لم يعرف حازم كيف مرت الدقائق بسرعة حيث اندمج مع ذلك الشيخ الغريب بشكل تام وعرفه بنفسه، وحدثه عما يعتلج في صدره من ضيق وغم.
لكن سؤالا واحدا كان يلح عليه، وما لبث أن سأله للشيخ:
- أريد أن أسألك يا عم كيف استطعت عبر سنين عمرك أن تتقلب في هذه الدنيا الغرور محتفظا بهذا الهدوء وهذه الحكمة، لابد أنك عركت الحياة وعركتك؟
ابتسم الشيخ لقول حازم قائلا:
- الصبر هو المفتاح لكل نوائب الدهر يا بني.
قال حازم:
- لا تقل لي يا عم عليك أن تصبر، أنا لا أعرف كيف يقوى الناس على الصبر. كلما حل بي بلاء أجد نفسي قد فشلت في الاختبار.
فوجئ العم صابر بقول حازم، لكنه أجابه بهدوء وسكينة:
- يا بني ألست تحب الله ورسوله؟
قال حازم: نعم والله أحبهما.
قال العم صابر: ألم تسمع قول الله عز وجل:
أصغى حازم إلى تلك الآيات الكريمة من سورة العنكبوت وكأنه يسمعها لأول مرة، أطرق برأسه هنيهة ثم قال مستزيدا من كلام العم صابر:
- لقد كنت يا عم من الغافلين عن هذه الحقيقة، كان يأتيني الاختبار تلو الاختبار، فلا أستلهم منه لا موعظة ولا اعتبارا. فلست من المستغفرين بالأسحار ولا من الذاكرين بليل أو نهار. لذلك تجدني ضجرا قد غلبتني الأكدار، وحار أمري فيما يصيبني من أقدار.
تهللت أسارير العم صابر، فقد صدقت فراسته في حازم، وها هو معدنه الأصيل يظهر في كلامه، أجابه قائلا:
- إن الحياة الدنيا فعلا يا بني حازم لا تصفو لأحد، فكلما حلت أوحلت، وكلما كست أوكست، وكلما أينعت نعت، وهي دار بلاء واختبار، والمؤمن يا بني يظل يبتلى في هذه الحياة حتى يلقى الله عز وجل، ففي كل محطة من محطاتها لا غنى لنا عن الصبر، أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
والحياة يا ولدي حازم مدرسة، لكن العاقل من يتزود لها وأسوته محمد سيد الأنام والأنبياء عليهم السلام، ألم تر كيف صبروا فاصطفاهم الله فكانوا في خير مقام.
قال حازم مستدركا:
- يا عم إن للأنبياء مكانة رفيعة، فكيف أدرك درجة صبرهم، إن ذلك محال.
رد عليه العم صابر موضحا:
- يا بني لا بد لنا في هذه الحياة من مثل أعلى، لذلك نحن لا نتأمل سيرة الصالحين لمجرد التسلية وقتل الأوقات، وإنما للتأسي بهم، والتعرف على أسباب ارتقائهم في الخيرات. وما لا يدرك جله يا بني لا يترك كله.
وإن لك في كثير من البسطاء الذين كانت همتهم عالية في الصبر، قدوة حسنة. ألم تسمع عن ماشطة ابنة فرعون، ألم تسمع عن صبر بلال بن رباح رضي الله عنه وهو يعذب في مكة، ألم تقرأ قصة أصحاب الأخدود في سورة البروج. إن الصبر يا بني هو سلم الارتقاء وسيرة العظماء.
ابتسم حازم فقد أقنعه كلام العم صابر هذه المرة، وقرر الانتفاضة على نفسه والنجاح في امتحان الصبر مهما كلف ذلك من أمر، واتفق مع العم صابر على دوام اللقاء به في المسجد لتدارس القرآن، فقد اقتنع أنه لا صبر إذا لم نتعاهد الإيمان، فشجرة الإيمان هي التي تورق صبرا. فإن لم تكن متجذرة تزعزع الإيمان عند أول نازلة، وظهر المخبوء للعيان، وعرف أحدنا حقيقة إيمانه ودرجة ثباته أو خسارته في امتحانه.
القصة على شكل باوربوينت على الرابط التالي:
http://www.ibnalislam.net/view.php?file=b6dc68b1ac
و على الرابط :
http://www.upgulf.com/dldEyZ18539.rar.html
مع أطيب المنى- أسرة مشروع حراس الفضيلة/حملة وبشر الصابرين
تعليق