الملك "هنري الثامن"، والممثلة "هالة صدقي"، والطلاق النصراني
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيُعتبر موضوع تشريع الطلاق في الإسلام أحد الأمور التي يدندن حولها المنصِّرون ويرونها من وجهة نظرهم من "مساوئ الإسلام"! وبداية نريد أن ننبه على أن المناظرة في الشرائع ينبغي ألا تحتل صدارة المناقشات؛ لأن الشريعة فرع على العقيدة، والمسلم يردِّد قوله -تعالى-: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) (الأنعام:57)، والنصراني ينسج على منوالها: "الحكم للإنجيل"؛ إذن فلتكن المناظرة: هل الإنجيل الذي بين أيدي النصارى الآن هو كلام الله، أو حتى تنزلاً هو كلام عيسى -عليه السلام- بغير زيادة ولا نقصان أم لا؟!
وفي الجهة المقابلة بيان أدلة إعجاز القرآن، وأدلة صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-، بيد أن هذا لا يعني إغلاق باب المناقشة في الشرائع بالكلية؛ فإن من أبواب بيان محاسن الإسلام بيان محاسن شريعته التي تُحقق للناس مصلحتهم في الدنيا والآخرة مقارنة بالتشريعات الأخرى.
ومن ثمَّ فإننا نقول: إن ما يشهده العالم النصراني من اضطرابات في شأن الطلاق هو في ذاتها دعوة إلى الإسلام لمن يملك العقل والتجرد!
ولعل التاريخ سوف يضيف فيما بعد طلاق الممثلة المصرية "هالة صدقي" ليكون الطلاق الأشهر في التاريخ بعد طلاق الملك "هنري الثامن"؛ فالأخير تحولت بسببه إنجلترا من الكاثوليكية إلى البروتستانتية، والأول تشهد الساحة المصرية بسببه جدلاً واسعًا.
ولنذكر لك قصة طلاق الملك "هنري الثامن" على عجالة قبل أن نعرِّج على قصة طلاق الممثلة "هالة صدقي"، وما تبعه من عواصف:
كان الملك "هنري الثامن" متزوجًا من "كاثرين"، ولكنها كانت عاقرًا، وبما أنه يريد وريثًا للعرش أراد تطليق كاثرين والزواج من امرأة أخرى، وبما أن الكنيسة الإنجليزية في ذلك الوقت كانت خاضعة لسلطة البابا في روما؛ فقد تقدم للفاتيكان للسماح له بتطليق زوجته، لكن الفاتيكان رفض طلبه، فما كان مِن الملك بعد أن استشار أهل الاختصاص إلا أن أعلن انفصال الكنيسة الإنجليزية عن الفاتيكان؛ كي يطلق زوجته ويتزوج بغيرها، وتحول معه معظم الإنجليز، بينما ظل معظم الأيرلنديون على مذهبهم الكاثوليكي؛ مما نتجت عنه حربًا أهلية ما زالت نيرانها مشتعلة حتى الآن.
والسؤال هنا: هل يمكن أن يقضي التشريع الإلهي على إنسان قاده قدره إلى أن يتزوج عقيمًا أن يُحرم من نعمة الولد مدى الحياة فلا يجوز له أن يجمع بين زوجتين، ولا أن يستبدل واحدة مكان أخرى؟!
أليس هذا العنت وحده كافٍ في أن يراجع النصارى موقفهم بشأن النصوص التي تزعم أن عيسى -عليه السلام- غيَّر بعض أحكام التوراة، ومنها إباحة الطلاق؟!
وإذا كانت شهرة الملك "هنري الثامن" قد أعطت لمأساته شهرة؛ فإن هناك الآلاف من البشر ممن أصيبت زوجته بداء نفسي أو عقلي، أو بداء بدني يؤثر على قدرتها على القيام بواجباتها كزوجة، وهناك الآلاف ممن هجرها زوجها أو طالت غيبته فصار في عداد المفقودين، أو أصابه عجز لا أمل في شفائه.
ولنترك الآن قصة الملك "هنري الثامن" إلى قصة الممثلة "هالة صدقي" التي لخص موقع "يورو عرب برس" فصولها، ننقله بلفظه دون تدخل:
"تبدأ القصة عام 1993 بقيام "مجدي وليم" زوج "هالة صدقي" برفع دعوى ضدها بعد الزواج بخمسة أشهر طالب فيها ببطلان زواجه بدعوى عدم عذريتها قبل الزواج في واقعة زنا، ولكن المحكمة رفضت الدعوى؛ لأن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين يسمح بذلك في خلال مدة شهر بعد الزواج!
وقام "مجدي وليم" بالاستئناف ساعيًا وراء إبطال زواجه من الفنانة "هالة صدقي"، وظلت القضية عالقة بينهما 8 سنوات قامت في نهايتها "هالة صدقي" بتغيير الملة من الكنيسة القبطية إلى الكنيسة السريانية، ورفعت دعوى خلع عام 2001(1)، وحصلت على حق الطلاق، وحصلت أيضًا على تصريح من الزواج من الكنيسة بعد أن أثبتت الكنيسة أنه كان متزوجًا عرفيًا في لبنان، وهذا يعتبر زنا، وقام 4 شهود بإثبات واقعة الزنا، وبناء عليه حصلت الفنانة "هالة صدقي" على تصريح للزواج الثاني(2).
ويبدو أن أصابع "البابا شنودة" ظلت في خلفية هذه القضية منذ زواجها من رجل الأعمال؛ حيث أعطى في وقت لاحق للفنانة "هالة صدقي" شهادة للمحكمة تقول: "إنه نصحها بعدم الزواج من مجدي وليم؛ لأنه بتاع مشاكل"(3)، كما أنه حسب بعض المصادر أكد أنه وحده هو المسئول عن ملف الفنانة "هالة صدقي"!
وهو ما يوحي بأن القضية أصبحت نزاعًا وتحديًا شخصيًّا بين "مجدي وليم" و"البابا شنودة"، ورفع الأول على البابا دعوى قضاية يطالبه بتعويض 5 ملايين جنيه.
وفي هذا الشأن صرح "مجدي وليم" لمجلة الأهرام العربي الأسبوع الماضي قائلاً: "رفعت دعوى قضائية ضد البابا أطالبه فيها بصرف تعويض مالي قدره 5 ملايين جنيه, وصادر فيه تقرير مفوضية مجلس الدولة بأحقيتي في التعويض,؛ لأنني وحيد والدي, وحينما تم خلعي كان عمري 35 عامًا, والدي توفي, ولم ير لي حفيدًا, عمري ضاع, سأحصل على التعويض وأوزعه على الناس الغلابة, وأقسم بالله سأوزعه على الغلابة أمام الجميع, المهم أريد أن أفتح نافذة أمام كل فرد يعاني بمثل ما أعاني منه, وهم حوالي 50 ألف حالة مثلي أو60 ألف حالة, لكن مَن قاموا برفع قضايا ضد البابا حوالي 5 أو 6 أفراد فقط, وهم ينتظرون ما ستسفر عنه القضية حتى يتحركوا, غير منطقي أن تتزوج طليقتي وتنجب, وأنا يقال عني متزوجها... إذن لا يجوز جواز بيننا"(4).
رفض "الأنبا بولا" رئيس المجلس الإكليريكي إعطاء "مجدي وليم" تصريحًا ثانيًا للزواج مبني على أساس أنه الطرف المخطئ، وعلى أساس أنه هو الزاني، ولا يحق له الحصول على التصريح للأبد، ولكن "مجدي وليم" يؤكد أن شهود الكنيسة هم شهود زور؛ لأن واقعة الزنا يجب أن تشاهد بالعين، وهو ما لم يحدث، وإذا صح هذا الكلام فهذا معناه انحياز الكنيسة والبابا إلى جانب "هالة صدقي" تعنتًا وتعسفًا، وممارسة للسلطة في صالح طرف على حساب الآخر.
وأكد المحامي "ممدوح رمزي" محامي "مجدي وليم" أن "هالة صدقي" لجأت لحيلة تغيير الملة من الكنيسة الأرثوذكسية إلى الكنيسة السريانية في العام 2001؛ لتتمكن من الطلاق، ثم بالزواج في كنيسة العذراء الأرثوذكسية في منطقة مارينا بالساحل الشمالي.
وبذلك ثبت أن تغيير "هالة صدقي" للملة كان صوريًا من أجل الحصول على الخلع، ثم عادت للكنيسة الأرثوذكسية بحكم الخلع لتحصل على تصريح زواج! وهنا تساءل المحامي "ممدوح رمزي" عن وضع الفنانة "هالة صدقي" ونفوذها داخل الكنيسة والمجتمع لكي تخالف الكنيسة نصوص الكتاب المقدس من أجلها؛ بينما يقف آلاف الأقباط ممن حصلوا على أحكام قضائية بالطلاق على أبواب الكنيسة التي تصر على رفض التصريح لهم بالزواج الثاني.
بينما ترفض الكنيسة هذه الاتهامات وتعتبر أسباب قراراتها أمورًا سرية(5)، وأكدت أنها لا تجامل أحدًا، وليس من المنطق مجاملة ممثلة مشهورة من أجل مخالفة تعاليم الإنجيل (هكذا بالمصدر!)، بينما دافعت "هالة صدقي" عن نفسها قائلة: إنها تتعجب لهذه الاتهامات، وقالت: إن الكنيسة التي تحولت لها هي أيضًا سريانية أرثوذكسية، وهناك العشرات مثلها الذين حصلوا على تصاريح للزواج".
هذه هي القصة كما أوردها هذا الموقع، بيد أنه بقي في القصة أكثر فصولها سخونة؛ وهو لجوء "مجدي وليم" إلى القضاء يطالب بإلزام الكنيسة ورأسها "شنودة الثالث" بتطبيق لائحة 1938م التي قدمتها الكنيسة والمجلس الملي، وتم اعتمادها في القانون المصري على اعتبار أنها هي التشريع الديني للأرثوذكس المعتمد من الكنيسة والمجلس الملي العام آنذاك، وصدر الحكم بذلك فعلاً؛ بيد أن الكنيسة اعترضت عليه بأنها لا تعترف إلا بحكم الإنجيل القاضي بقصر الطلاق على حالة الزنا، كما أن الكنيسة لا تعطي تصريح الزواج ثانية في هذه الحالة إلا للطرف البريء!
وإليك نصوص لائحة 1938م فيما يتعلق بأسباب الطلاق:
"مادة 50: يجوز لكل من الزوجين أن يطلب الطلاق لعلة الزنا.
مادة 51: إذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحي وانقطع الأمل من رجوعه إليه جاز الطلاق بناء على طلب الزوج الآخر.
مادة 52: إذا غاب أحد الزوجين خمس سنوات متوالية بحيث لا يعلم مقره، ولا تعلم حياته من وفاته، وصدر حكم بإثبات غيبته؛ جاز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق.
مادة 53: الحكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر يسوغ للزوج طلب الطلاق.
مادة 54: إذا أصيب أحد الزوجين بجنون مطبق أو بمرض مُعْدٍ يُخشى منه على سلامة الآخر؛ يجوز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق إذا كان قد مضى ثلاث سنوات على الجنون أو المرض، وثبت أنه غير قابل للشفاء، ويجوز أيضًا للزوجة أن تطلب الطلاق لإصابة زوجها بمرض العنة إذا مضى على إصابته ثلاثة سنوات وثبت أنه غير قابل للشفاء وكانت الزوجة في سن يخشى عليها من الفتنة.
مادة 55: إذا اعتدى أحد الزوجين على حياة الآخر، واعتاد إيذاءه إيذاء جسيمًا يُعرِّض صحته للخطر؛ جاز للزوج المجني عليه أن يطلب الطلاق.
مادة 56: إذا ساء سلوك أحد الزوجين، وفسدت أخلاقه، وانغمس في حمأة الرذيلة، ولم يُجدِ في إصلاحه توبيخ الرئيس الديني ونصائحه؛ فللزوج الآخر أن يطلب الطلاق.
مادة 57: يجوز أيضًا طلب الطلاق إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر، أو أخل بواجباته نحوه إخلالاً جسيمًا مما أدى إلى استحكام النفور بينهما، وانتهى الأمر بافتراقهما عن بعضهما، واستمرت الفرقة ثلاث سنين متوالية.
مادة 58: كذلك يجوز الطلاق إذا ترهبن الزوجان أو ترهبن أحدهما".
وفي الواقع فإن لائحة 38 تمثل خطوة من ناحية بطريرك الأرثوذكس في ذلك الوقت نحو الاستفادة من تشريعات الطلاق في الإسلام، وهو أمر سبق إليه البروتستانت والكاثوليك بدرجة من الدرجات(6)، وهذا يمثل درجة ممانعة شديدة لدى كثير من رموز الأرثوذكس الذين يرفضون الاقتباس من الكاثوليك والبروتستانت؛ فضلاً أن يكون الاقتباس في شيء مقتبسًا ابتداءً من الإسلام(7)!
وعلى الرغم من أن عقيدة المسلمين في الكتب التي بين أيدي النصارى الآن أنها قد زِيد فيها ونقص، وهذا رأي عدد كبير من رجال الدين النصراني الغربيين؛ إلا أن هذا لا يمنع أن نناقش النصوص التي بين أيديهم؛ لنرى مدى دلالتها على ما فهمه بعضهم من المنع من الطلاق.
يحتج النصارى بهذه القصة من "إنجيل متى" على قصر الطلاق عندهم على علة الزنا، وهي: "جاء إليه الفريسيون ليجرّبوه قائلين له: هل يحلُّ للرجل أن يطلّق امرأتهُ لكل سبب؟ فأجاب وقال لهم: أَما قرأتم أن الذي خلق من البَدءِ خلقهما ذكرًا وأُنثى، وقال: من أجل هذا يترك الرجل أباهُ وأمهُ ويلتصق بامرأَتهِ ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. إذن ليسا بعد اثنين بل جسدٌ واحدٌ. فالذي جمعهُ الله لا يفرّقهُ إنسان. قالوا لهُ: فلماذا أوصى موسى أن يُعطَى كتاب طلاقٍ فتُطَلَّق؟ قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أَذِنَ لكم أن تطلّقوا نساءَكم، ولكن من البَدءِ لم يكن هكذا.
وأقول لكم: إن مَن طلَّق امرأتهُ إلا بسبب الزنا وتزوَّج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمطلَّقةٍ يزني.
قال لهُ تلاميذهُ: إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوَّج.
فقال لهم: ليس الجميع يقبلون هذا الكلام، بل الذين أُعطي لهم؛ لأنهُ يوجد خصيان وُلِدُوا هكذا من بطون أمَّهاتهم. ويوجد خِصيان خصاهم الناس. ويوجد خصيان خَصَوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات. من استطاع أن يقبل فليَقبل".
وهنا تثور عدة أسئلة:
الأول: إن الموقف الرسمي للكنيسة من قضية النسخ أنه لا يقع في الوحي، وإلا كان هذا دليلاً على أنه ليس من عند الله، وهذا النص فيه التصريح بالنسخ، ومهما حاولوا تغيير المسمى إلى الإكمال بدلاً من النسخ؛ فإن الحقيقة التي عبر عنها هذا القول المنسوب لعيسى -عليه السلام- أنه كان حكم الطلاق في شريعة موسى كذا... وهو في شريعة الإنجيل كذا... والجمع بين إنكار النسخ والإيمان بمثل هذه النصوص جمع بين المتناقضات!
الثاني: النص يشير صراحة إلى صعوبة هذا الحكم حتى على الحواريين الذين رأوا -وفق هذه الرواية الإنجيلية- أن ترك الزواج أولى من الزواج الذي لا سبيل من التخلص منه حال فشله؛ فهل يمكن أن يكون هذا هو دين المحبة كما يزعمون؟!
الثالث: تعليل أن "الذي جمعه الله لا يفرقه الإنسان" يبدو تعليلاً غريبًا؛ فالزواج أباحته شريعة موسى -عليه السلام-، ويتم بإرادة الزوجين، ويعقد مراسمه رجل دين وفق عقائد النصارى وإلا فهذا ليس شرطـًا في دين الإسلام.
والطلاق أيضًا شرعته شريعة موسى -*عليه السلام-، ويقع وفق إرادة الزوج، ويعقد مراسمه رجل دين؛ فلماذا إذن ينسب الزواج إلى الله والطلاق إلى الإنسان؟!
ويزيد هذا توضيحًا أن نسأل عن الطلاق الذي كان يتم قبل هذا النسخ: هل هو منسوب للإنسان أم لله؟! وكذلك الطلاق الذي لعلة الزنا منسوب لله أم للإنسان؟!
الرابع: أن الكنيسة خشيت أن يكون في ذلك الموقف تشجيعٌ على الزنا من باب أنه المخرج الوحيد للطلاق، فسمحت بالطلاق في حالة الزنا، ثم سمحت بالزواج مرة ثانية للطرف البريء، وهذا ممَّا لا وجود له في هذا النص الإنجيلي ولا في غيره؛ ظنًا منها أن هذا يسد باب تعمد الزنا بعلة الطلاق، ولكن تبقى عدة إشكاليات:
1- الزاني الذي طلقت منه امرأته وتاب وهو ممنوع من الزواج.. ماذا يفعل؟!
وإذا كان الشيطان قد غلبه فزنى رغم زواجه؛ فماذا يكون الحال وهو ممنوع من الزواج؟! وإذا أضفتَ إلى هذا أن الزاني يمكنه أن يعترف للقس فيغفر له؛ فماذا يمكن للقس أن يفعل فيمن يجيئه معترفـًا بالزنا بعلة أنه ممنوع من الزواج؟!
2- المرأة التي كرهت زوجها وتريد أن تتخلص منه لا يمكن أن تزني لتطلق ثم تذهب لتعترف وتتوب ثم تعيش بقية دهرها في نفس الفتنة.
الخامس: في هذا النص المنسوب إلى عيسى -عليه السلام- أن مشروعية الطلاق كان من أجل قساوة القلوب، ومن المعلوم أن الجيل الذي خاطبه عيسى -عليه السلام- كانوا أشد أجيال بني إسرائيل قساوة؛ حيث قتلوا يحيى -عليه السلام-، وهموا بقتل عيسى -عليه السلام-؛ فكيف يزول الحكم مع بقاء سببه، بل مع زيادته؟! ثم هل يمكن أن يقال مع قساوة قلب أهل هذا الزمان يمكن العودة إلى تشريع الطلاق؟
السادس: يسخر عامة المنصرين من حكم الطلاق مع اعترافهم من أنه كان شريعة لله في يوم من الأيام -حتى وإن كان لعلاج قسوة قلب البعض بزعمهم-؛ فكيف يمكن أن يسمحوا لأنفسهم بالاستهزاء بحكم الله باعترافهم؟!
السابع: حاولت لائحة 38 أن تتمسك قدر الإمكان بالنص الإنجيلي مع استثناء من يتعرض شريكه لحالة تمنع من الاستمتاع، وهو أمر يحتمه العقل وتأباه النصوص الإنجيلية! وصدق الله إذ يقول: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء:82).
ولكن المدهش في الأمر حقًا هو موقف جمعيات الإنسان التي تدافع عن الحرية الجنسية خارج نطاق الزواج كيف تخلت عما تزعم أنه من مبادئها، وارتدت ثوب الكنيسة في عصورها الوسطى الأوروبية، وأخذت تعتبر أن حكم المحكمة اعتداء على حرية النصارى مع أن القضية رفعها نصراني، ومحاميه نصراني، ولائحة 38 وضعها بطريرك النصارى آنذاك!
ومع أن الاتجاه الذي تمثله الكنيسة يمثل اعتداءً صارخًا على حق الإنسان في تكوين أسرة أو إنجاب أبناء، والكنيسة تلزم من زنا وطلقت امرأته أن يظل طوال عمره وحيدًا، ويلزم من كانت امرأته مريضة بالبرص أو الجذام إما أن يعاشرها كذلك أو أن يبقى وحيدًا، ويلزم من كانت زوجته عقيمًا أن يبقى كذلك، ولو كان قادرًا على إنجاب الأبناء.
وأعجب منهم العالمانيون الذين يريدون إرغام المسلمين على عدم التحاكم إلى القرآن الذي فيه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ)، بينما يدافعون عن حق النصارى في أن يتبعوا تأويل كبيرهم الحالي لنص خالف فيه تأويل سابقيه، في الوقت الذي يقول فيه إنجيلهم: "دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"، وينسبون إلى نبيهم أنه رفض تنفيذ حكم الرجم في زانية، ورفض قسمة الميراث بين أخوين!
وعلى أي فنحن غير مشغولين بزوج "هالة صدقي"؛ هل تصرح له الكنيسة بالزواج مرة ثانية أم لا؟! ولكن فقط نتمنى من العالمانيين وجمعيات حقوق الإنسان أن تكف عن مطالبة المسلمين بمخالفة حكم القرآن، وأن تكف عن الدفاع عمن ينتسب للإسلام وهو يريد أن يخالف تعاليمه الصريحة طالما أنهم لم يدافعوا عن حق رجل يريد أن يتزوج وينجب ذرية؛ لأن رجلاً آخر يرى أنه لا يجوز له إلا أن يبقى هكذا مدى الحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1) ينص القانون المدني المصري على أن يتم الحكم في الأحوال الشخصية بما يوافق الشريعة الدينية للزوجين، وفي حالة اختلاف الملة يُحكم بالشريعة الإسلامية.
وتشهد الساحة كثيرًا من حالات التحول للإسلام؛ بسبب ما يعانونه من حالات الزواج الفاشل، وإلزام الكنيسة لهم بالاستمرار فيه بزعم أن هذا هو التشريع الإلهي؛ مما يدفع الكثيرين إلى الاطلاع على الإسلام وشريعته؛ فيترتب على ذلك إسلامهم -بفضل الله تعالى-.
والبعض يريد فقط أن ينتفع بهذا التشريع الإلهي فيغير ملته من إحدى ملل النصارى إلى ملة أخرى؛ لتطبق عليهم الشريعة الإسلامية، فيتمكن الرجل من الخلاص من الزواج الفاشل عن طريق الطلاق، وتتمكن المرأة من ذلك عن طريق الخلع.
(2) كان هذا الإجراء مثار انتقاد واسع من زوج "هالة صدقي"؛ لأن الكنيسة لم تسمع لدعواه على زوجته بالزنا؛ لأنه تم بعد خمسة أشهر من الزواج، وكان طبيعيًا ألا تسمع لدعواها عليه بالزنا، وبالفعل اضطرت هي إلى تغيير الملة، وبما أنها مِن وجهة نظر الكنيسة الأرثوذكسية حاصلة على حكم باطل بالطلاق، ومن ثمَّ يكون زواجها الثاني زنا؛ إلا أن الكنيسة الأرثوذكسية أعادت النظر في القضية بأثر رجعي، وحكمت على الزوج بالزنا بأثر رجعي، وافترضت أن الممثلة حصلت على حكم طلاق صحيح، ومن ثمَّ أُعطيت تصريح زواج ثان، في حين عادت مرة ثانية إلى الأرثوذكسية، ولم يقم أي أحد بحوار مع الممثلة ليناقشها في الاختلافات اللاهوتية بين الأرثوذكسية والسريانية، وما هي الأسباب التي جعلتها تتردد بينهما كما تغُيِّر حقيبة يدها؟!
(3) يزعم رجال الدين النصراني أن الحكم بعدم الطلاق إلا لعلة الزنا ليس فيه مشقة؛ لأنه لو أحسن الطرفان الاختيار لما احتاجا إلى الطلاق بعد، مع أن هذه الحجة لو صحت لكان أول ما ينبغي ألا يلتفت إليه هو الطلاق لعلة الزنا؛ لأنه لا يكاد يخفى أمر أصحاب العفاف من أصحاب الزنا، ولكن السؤال هو: أنه يحدث واقعًا أن يخطئ الإنسان التقدير أو أن يكون الأمر ببلاء قدري: كالعقم، والعجز، والأمراض العقلية والنفسية، ولكن الذي لا يُتصور أن يقدم رجل دين على عقد زواج يعتقد أنه لا يمكن نقضه مع أنه يعرف أن أحد الطرفين "بتاع مشاكل"!
(4) بغض النظر عن الصراع القانوني الدائر بين جميع الأطراف؛ هل يستطيع أحد أن يجيب هذا الرجل -وغيره كثيرين-: هل يستطيع أن يكون أرثوذكسيًا، وفي نفس الوقت يستطيع أن يحصل على حقه الطبيعي في الزواج والإنجاب؟! وماذا لو أنه اتجه إلى الزنا ثم ذهب إلى الاعتراف أمام القس بأنه يضعف أمام شهوته؛ هل سينصحه بالزواج المستحيل، أم يقبل اعترافه، أم ماذا؟!
(5) من الفروق الجوهرية بين الإسلام و النصرانية مسألة "الأسرار السبعة" في الكنيسة التي لا يعرفها إلا "رجال الكهنوت"، وأما عامة أتباع هذه الديانة فلا يعرفونها، ولكن المعلن أن الزواج أحد أسرار الكنيسة السبعة؛ بينما الطلاق من المفترض أن له قاعدته المعروفة، وهي غير منطبقة على حالة هذه الممثلة.
(6) يعتبر الكاثوليك أشد الطوائف النصرانية في باب رفض الطلاق حتى صاروا مضرب المثل، فيقولون عن الأشياء التي لا تقبل الحل: "زواج كاثوليكي"؛ لأنهم لا يقرونه حتى في حالة الزنا، ولكنهم يستعيضون عنه بما يسمونه: "الانفصال الجسدي"، وهو زوال كل مظاهر الزوجية بين الزوجين بيد أنهما في عرف الكنيسة ما زالا زوجين أمام الله!
ومن ثمَّ لا يحصلون على تصاريح زواج ثانية، بيد أن الكنيسة الكاثوليكية قد توسعت في حالات الانفصال الجسدي، ولم تقصرها على حالة الزنا.
(7) تتناسب درجة الحساسية لكل ما هو إسلامي طرديًا مع تصاعد الدور السياسي لبطريرك الأرثوذكس، ورغبته في تغيير وضيعته من رئيس ديني لأهل ديانته إلى رئيس سياسي لهم مع أن هذا ينافى الإنجيل الذي يقول: "دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"، إلا أنها الرغبة العارمة لدى البطريرك الحالي للأرثوذكس في لعب دور الزعيم السياسي للطائفة، والذي تصاعد حتى أخذ صورة من صور الحكم الذاتي من جانب واحد أو "الدولة داخل الدولة" كما يقولون، وإلا فقد تتابع على هذا المنصب أربعة قبله كلهم قَبِلَ بلائحة 38، وعمل بها، وهم: "يؤانس" الذي أقرت اللائحة في عصره، و"مكاريوس"، و"يوساب"، و"كيرلس"، حتى جاء البطريرك الحالي بتوجهاته السياسية.
وإذا كانت الكنيسة ترفض لائحة 38 بزعم مخالفتها للإنجيل؛ فبماذا نفسر تصريح رئيس المجلس الملي العام بكفر من يتحاكم إلى القانون المصري في الميراث؛ لأنه يحكم بالشريعة الإسلامية، وطالب بأن يرجعوا إلى أي كاهن يقسم بينهم الميراث بالتساوي أو يفضل الأكثر حاجة، مع أن الكنيسة تعتمد القول بعدم وجود نظام توزيع للإرث في النصرانية بناء على نص إنجيلي يُنسب لعيسى -عليه السلام- امتناعه عن إتمام قسمة الميراث بين رجل وأخيه، مع أن هذا النص ليس فيه إلغاء شريعة التوراة في الميراث، ولكن فيه الامتناع من القسمة، والفرق بينهما ظاهر كما لا يخفى.
والظاهر أن الكنيسة عمدت إلى ترك التشريع التوراتي في الميراث؛ لأنه لا يُورث البنت إلا في حالة عدم وجود أي أبناء؛ فلو مات رجل وترك ابنًا ذكرًا وعشرة بنات انفرد الذكر بالميراث دونهن؛ ناهيك عن إهماله لميراث الزوجة، مما يضع الكنيسة في موضع المُخل بحقوق المرأة في الميراث، ويُسكت صوتها في الاعتراض على شريعة الإسلام في جعل ميراث المرأة على النصف من ميراث الرجل!
الحاصل: أن الكنائس النصرانية اتفقت على اعتبار الميراث شأنًا مدنيًا محضًا يُحكم فيه بأي تشريع وضعي، ولكن رئيس المجلس الملي عندنا اعتبر التحاكم إلى قانون الميراث المصري كفرًا؛ لأنه مستمد من الشريعة الإسلامية!
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيُعتبر موضوع تشريع الطلاق في الإسلام أحد الأمور التي يدندن حولها المنصِّرون ويرونها من وجهة نظرهم من "مساوئ الإسلام"! وبداية نريد أن ننبه على أن المناظرة في الشرائع ينبغي ألا تحتل صدارة المناقشات؛ لأن الشريعة فرع على العقيدة، والمسلم يردِّد قوله -تعالى-: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) (الأنعام:57)، والنصراني ينسج على منوالها: "الحكم للإنجيل"؛ إذن فلتكن المناظرة: هل الإنجيل الذي بين أيدي النصارى الآن هو كلام الله، أو حتى تنزلاً هو كلام عيسى -عليه السلام- بغير زيادة ولا نقصان أم لا؟!
وفي الجهة المقابلة بيان أدلة إعجاز القرآن، وأدلة صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-، بيد أن هذا لا يعني إغلاق باب المناقشة في الشرائع بالكلية؛ فإن من أبواب بيان محاسن الإسلام بيان محاسن شريعته التي تُحقق للناس مصلحتهم في الدنيا والآخرة مقارنة بالتشريعات الأخرى.
ومن ثمَّ فإننا نقول: إن ما يشهده العالم النصراني من اضطرابات في شأن الطلاق هو في ذاتها دعوة إلى الإسلام لمن يملك العقل والتجرد!
ولعل التاريخ سوف يضيف فيما بعد طلاق الممثلة المصرية "هالة صدقي" ليكون الطلاق الأشهر في التاريخ بعد طلاق الملك "هنري الثامن"؛ فالأخير تحولت بسببه إنجلترا من الكاثوليكية إلى البروتستانتية، والأول تشهد الساحة المصرية بسببه جدلاً واسعًا.
ولنذكر لك قصة طلاق الملك "هنري الثامن" على عجالة قبل أن نعرِّج على قصة طلاق الممثلة "هالة صدقي"، وما تبعه من عواصف:
كان الملك "هنري الثامن" متزوجًا من "كاثرين"، ولكنها كانت عاقرًا، وبما أنه يريد وريثًا للعرش أراد تطليق كاثرين والزواج من امرأة أخرى، وبما أن الكنيسة الإنجليزية في ذلك الوقت كانت خاضعة لسلطة البابا في روما؛ فقد تقدم للفاتيكان للسماح له بتطليق زوجته، لكن الفاتيكان رفض طلبه، فما كان مِن الملك بعد أن استشار أهل الاختصاص إلا أن أعلن انفصال الكنيسة الإنجليزية عن الفاتيكان؛ كي يطلق زوجته ويتزوج بغيرها، وتحول معه معظم الإنجليز، بينما ظل معظم الأيرلنديون على مذهبهم الكاثوليكي؛ مما نتجت عنه حربًا أهلية ما زالت نيرانها مشتعلة حتى الآن.
والسؤال هنا: هل يمكن أن يقضي التشريع الإلهي على إنسان قاده قدره إلى أن يتزوج عقيمًا أن يُحرم من نعمة الولد مدى الحياة فلا يجوز له أن يجمع بين زوجتين، ولا أن يستبدل واحدة مكان أخرى؟!
أليس هذا العنت وحده كافٍ في أن يراجع النصارى موقفهم بشأن النصوص التي تزعم أن عيسى -عليه السلام- غيَّر بعض أحكام التوراة، ومنها إباحة الطلاق؟!
وإذا كانت شهرة الملك "هنري الثامن" قد أعطت لمأساته شهرة؛ فإن هناك الآلاف من البشر ممن أصيبت زوجته بداء نفسي أو عقلي، أو بداء بدني يؤثر على قدرتها على القيام بواجباتها كزوجة، وهناك الآلاف ممن هجرها زوجها أو طالت غيبته فصار في عداد المفقودين، أو أصابه عجز لا أمل في شفائه.
ولنترك الآن قصة الملك "هنري الثامن" إلى قصة الممثلة "هالة صدقي" التي لخص موقع "يورو عرب برس" فصولها، ننقله بلفظه دون تدخل:
"تبدأ القصة عام 1993 بقيام "مجدي وليم" زوج "هالة صدقي" برفع دعوى ضدها بعد الزواج بخمسة أشهر طالب فيها ببطلان زواجه بدعوى عدم عذريتها قبل الزواج في واقعة زنا، ولكن المحكمة رفضت الدعوى؛ لأن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين يسمح بذلك في خلال مدة شهر بعد الزواج!
وقام "مجدي وليم" بالاستئناف ساعيًا وراء إبطال زواجه من الفنانة "هالة صدقي"، وظلت القضية عالقة بينهما 8 سنوات قامت في نهايتها "هالة صدقي" بتغيير الملة من الكنيسة القبطية إلى الكنيسة السريانية، ورفعت دعوى خلع عام 2001(1)، وحصلت على حق الطلاق، وحصلت أيضًا على تصريح من الزواج من الكنيسة بعد أن أثبتت الكنيسة أنه كان متزوجًا عرفيًا في لبنان، وهذا يعتبر زنا، وقام 4 شهود بإثبات واقعة الزنا، وبناء عليه حصلت الفنانة "هالة صدقي" على تصريح للزواج الثاني(2).
ويبدو أن أصابع "البابا شنودة" ظلت في خلفية هذه القضية منذ زواجها من رجل الأعمال؛ حيث أعطى في وقت لاحق للفنانة "هالة صدقي" شهادة للمحكمة تقول: "إنه نصحها بعدم الزواج من مجدي وليم؛ لأنه بتاع مشاكل"(3)، كما أنه حسب بعض المصادر أكد أنه وحده هو المسئول عن ملف الفنانة "هالة صدقي"!
وهو ما يوحي بأن القضية أصبحت نزاعًا وتحديًا شخصيًّا بين "مجدي وليم" و"البابا شنودة"، ورفع الأول على البابا دعوى قضاية يطالبه بتعويض 5 ملايين جنيه.
وفي هذا الشأن صرح "مجدي وليم" لمجلة الأهرام العربي الأسبوع الماضي قائلاً: "رفعت دعوى قضائية ضد البابا أطالبه فيها بصرف تعويض مالي قدره 5 ملايين جنيه, وصادر فيه تقرير مفوضية مجلس الدولة بأحقيتي في التعويض,؛ لأنني وحيد والدي, وحينما تم خلعي كان عمري 35 عامًا, والدي توفي, ولم ير لي حفيدًا, عمري ضاع, سأحصل على التعويض وأوزعه على الناس الغلابة, وأقسم بالله سأوزعه على الغلابة أمام الجميع, المهم أريد أن أفتح نافذة أمام كل فرد يعاني بمثل ما أعاني منه, وهم حوالي 50 ألف حالة مثلي أو60 ألف حالة, لكن مَن قاموا برفع قضايا ضد البابا حوالي 5 أو 6 أفراد فقط, وهم ينتظرون ما ستسفر عنه القضية حتى يتحركوا, غير منطقي أن تتزوج طليقتي وتنجب, وأنا يقال عني متزوجها... إذن لا يجوز جواز بيننا"(4).
رفض "الأنبا بولا" رئيس المجلس الإكليريكي إعطاء "مجدي وليم" تصريحًا ثانيًا للزواج مبني على أساس أنه الطرف المخطئ، وعلى أساس أنه هو الزاني، ولا يحق له الحصول على التصريح للأبد، ولكن "مجدي وليم" يؤكد أن شهود الكنيسة هم شهود زور؛ لأن واقعة الزنا يجب أن تشاهد بالعين، وهو ما لم يحدث، وإذا صح هذا الكلام فهذا معناه انحياز الكنيسة والبابا إلى جانب "هالة صدقي" تعنتًا وتعسفًا، وممارسة للسلطة في صالح طرف على حساب الآخر.
وأكد المحامي "ممدوح رمزي" محامي "مجدي وليم" أن "هالة صدقي" لجأت لحيلة تغيير الملة من الكنيسة الأرثوذكسية إلى الكنيسة السريانية في العام 2001؛ لتتمكن من الطلاق، ثم بالزواج في كنيسة العذراء الأرثوذكسية في منطقة مارينا بالساحل الشمالي.
وبذلك ثبت أن تغيير "هالة صدقي" للملة كان صوريًا من أجل الحصول على الخلع، ثم عادت للكنيسة الأرثوذكسية بحكم الخلع لتحصل على تصريح زواج! وهنا تساءل المحامي "ممدوح رمزي" عن وضع الفنانة "هالة صدقي" ونفوذها داخل الكنيسة والمجتمع لكي تخالف الكنيسة نصوص الكتاب المقدس من أجلها؛ بينما يقف آلاف الأقباط ممن حصلوا على أحكام قضائية بالطلاق على أبواب الكنيسة التي تصر على رفض التصريح لهم بالزواج الثاني.
بينما ترفض الكنيسة هذه الاتهامات وتعتبر أسباب قراراتها أمورًا سرية(5)، وأكدت أنها لا تجامل أحدًا، وليس من المنطق مجاملة ممثلة مشهورة من أجل مخالفة تعاليم الإنجيل (هكذا بالمصدر!)، بينما دافعت "هالة صدقي" عن نفسها قائلة: إنها تتعجب لهذه الاتهامات، وقالت: إن الكنيسة التي تحولت لها هي أيضًا سريانية أرثوذكسية، وهناك العشرات مثلها الذين حصلوا على تصاريح للزواج".
هذه هي القصة كما أوردها هذا الموقع، بيد أنه بقي في القصة أكثر فصولها سخونة؛ وهو لجوء "مجدي وليم" إلى القضاء يطالب بإلزام الكنيسة ورأسها "شنودة الثالث" بتطبيق لائحة 1938م التي قدمتها الكنيسة والمجلس الملي، وتم اعتمادها في القانون المصري على اعتبار أنها هي التشريع الديني للأرثوذكس المعتمد من الكنيسة والمجلس الملي العام آنذاك، وصدر الحكم بذلك فعلاً؛ بيد أن الكنيسة اعترضت عليه بأنها لا تعترف إلا بحكم الإنجيل القاضي بقصر الطلاق على حالة الزنا، كما أن الكنيسة لا تعطي تصريح الزواج ثانية في هذه الحالة إلا للطرف البريء!
وإليك نصوص لائحة 1938م فيما يتعلق بأسباب الطلاق:
"مادة 50: يجوز لكل من الزوجين أن يطلب الطلاق لعلة الزنا.
مادة 51: إذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحي وانقطع الأمل من رجوعه إليه جاز الطلاق بناء على طلب الزوج الآخر.
مادة 52: إذا غاب أحد الزوجين خمس سنوات متوالية بحيث لا يعلم مقره، ولا تعلم حياته من وفاته، وصدر حكم بإثبات غيبته؛ جاز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق.
مادة 53: الحكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر يسوغ للزوج طلب الطلاق.
مادة 54: إذا أصيب أحد الزوجين بجنون مطبق أو بمرض مُعْدٍ يُخشى منه على سلامة الآخر؛ يجوز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق إذا كان قد مضى ثلاث سنوات على الجنون أو المرض، وثبت أنه غير قابل للشفاء، ويجوز أيضًا للزوجة أن تطلب الطلاق لإصابة زوجها بمرض العنة إذا مضى على إصابته ثلاثة سنوات وثبت أنه غير قابل للشفاء وكانت الزوجة في سن يخشى عليها من الفتنة.
مادة 55: إذا اعتدى أحد الزوجين على حياة الآخر، واعتاد إيذاءه إيذاء جسيمًا يُعرِّض صحته للخطر؛ جاز للزوج المجني عليه أن يطلب الطلاق.
مادة 56: إذا ساء سلوك أحد الزوجين، وفسدت أخلاقه، وانغمس في حمأة الرذيلة، ولم يُجدِ في إصلاحه توبيخ الرئيس الديني ونصائحه؛ فللزوج الآخر أن يطلب الطلاق.
مادة 57: يجوز أيضًا طلب الطلاق إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر، أو أخل بواجباته نحوه إخلالاً جسيمًا مما أدى إلى استحكام النفور بينهما، وانتهى الأمر بافتراقهما عن بعضهما، واستمرت الفرقة ثلاث سنين متوالية.
مادة 58: كذلك يجوز الطلاق إذا ترهبن الزوجان أو ترهبن أحدهما".
وفي الواقع فإن لائحة 38 تمثل خطوة من ناحية بطريرك الأرثوذكس في ذلك الوقت نحو الاستفادة من تشريعات الطلاق في الإسلام، وهو أمر سبق إليه البروتستانت والكاثوليك بدرجة من الدرجات(6)، وهذا يمثل درجة ممانعة شديدة لدى كثير من رموز الأرثوذكس الذين يرفضون الاقتباس من الكاثوليك والبروتستانت؛ فضلاً أن يكون الاقتباس في شيء مقتبسًا ابتداءً من الإسلام(7)!
وعلى الرغم من أن عقيدة المسلمين في الكتب التي بين أيدي النصارى الآن أنها قد زِيد فيها ونقص، وهذا رأي عدد كبير من رجال الدين النصراني الغربيين؛ إلا أن هذا لا يمنع أن نناقش النصوص التي بين أيديهم؛ لنرى مدى دلالتها على ما فهمه بعضهم من المنع من الطلاق.
يحتج النصارى بهذه القصة من "إنجيل متى" على قصر الطلاق عندهم على علة الزنا، وهي: "جاء إليه الفريسيون ليجرّبوه قائلين له: هل يحلُّ للرجل أن يطلّق امرأتهُ لكل سبب؟ فأجاب وقال لهم: أَما قرأتم أن الذي خلق من البَدءِ خلقهما ذكرًا وأُنثى، وقال: من أجل هذا يترك الرجل أباهُ وأمهُ ويلتصق بامرأَتهِ ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. إذن ليسا بعد اثنين بل جسدٌ واحدٌ. فالذي جمعهُ الله لا يفرّقهُ إنسان. قالوا لهُ: فلماذا أوصى موسى أن يُعطَى كتاب طلاقٍ فتُطَلَّق؟ قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أَذِنَ لكم أن تطلّقوا نساءَكم، ولكن من البَدءِ لم يكن هكذا.
وأقول لكم: إن مَن طلَّق امرأتهُ إلا بسبب الزنا وتزوَّج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمطلَّقةٍ يزني.
قال لهُ تلاميذهُ: إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوَّج.
فقال لهم: ليس الجميع يقبلون هذا الكلام، بل الذين أُعطي لهم؛ لأنهُ يوجد خصيان وُلِدُوا هكذا من بطون أمَّهاتهم. ويوجد خِصيان خصاهم الناس. ويوجد خصيان خَصَوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات. من استطاع أن يقبل فليَقبل".
وهنا تثور عدة أسئلة:
الأول: إن الموقف الرسمي للكنيسة من قضية النسخ أنه لا يقع في الوحي، وإلا كان هذا دليلاً على أنه ليس من عند الله، وهذا النص فيه التصريح بالنسخ، ومهما حاولوا تغيير المسمى إلى الإكمال بدلاً من النسخ؛ فإن الحقيقة التي عبر عنها هذا القول المنسوب لعيسى -عليه السلام- أنه كان حكم الطلاق في شريعة موسى كذا... وهو في شريعة الإنجيل كذا... والجمع بين إنكار النسخ والإيمان بمثل هذه النصوص جمع بين المتناقضات!
الثاني: النص يشير صراحة إلى صعوبة هذا الحكم حتى على الحواريين الذين رأوا -وفق هذه الرواية الإنجيلية- أن ترك الزواج أولى من الزواج الذي لا سبيل من التخلص منه حال فشله؛ فهل يمكن أن يكون هذا هو دين المحبة كما يزعمون؟!
الثالث: تعليل أن "الذي جمعه الله لا يفرقه الإنسان" يبدو تعليلاً غريبًا؛ فالزواج أباحته شريعة موسى -عليه السلام-، ويتم بإرادة الزوجين، ويعقد مراسمه رجل دين وفق عقائد النصارى وإلا فهذا ليس شرطـًا في دين الإسلام.
والطلاق أيضًا شرعته شريعة موسى -*عليه السلام-، ويقع وفق إرادة الزوج، ويعقد مراسمه رجل دين؛ فلماذا إذن ينسب الزواج إلى الله والطلاق إلى الإنسان؟!
ويزيد هذا توضيحًا أن نسأل عن الطلاق الذي كان يتم قبل هذا النسخ: هل هو منسوب للإنسان أم لله؟! وكذلك الطلاق الذي لعلة الزنا منسوب لله أم للإنسان؟!
الرابع: أن الكنيسة خشيت أن يكون في ذلك الموقف تشجيعٌ على الزنا من باب أنه المخرج الوحيد للطلاق، فسمحت بالطلاق في حالة الزنا، ثم سمحت بالزواج مرة ثانية للطرف البريء، وهذا ممَّا لا وجود له في هذا النص الإنجيلي ولا في غيره؛ ظنًا منها أن هذا يسد باب تعمد الزنا بعلة الطلاق، ولكن تبقى عدة إشكاليات:
1- الزاني الذي طلقت منه امرأته وتاب وهو ممنوع من الزواج.. ماذا يفعل؟!
وإذا كان الشيطان قد غلبه فزنى رغم زواجه؛ فماذا يكون الحال وهو ممنوع من الزواج؟! وإذا أضفتَ إلى هذا أن الزاني يمكنه أن يعترف للقس فيغفر له؛ فماذا يمكن للقس أن يفعل فيمن يجيئه معترفـًا بالزنا بعلة أنه ممنوع من الزواج؟!
2- المرأة التي كرهت زوجها وتريد أن تتخلص منه لا يمكن أن تزني لتطلق ثم تذهب لتعترف وتتوب ثم تعيش بقية دهرها في نفس الفتنة.
الخامس: في هذا النص المنسوب إلى عيسى -عليه السلام- أن مشروعية الطلاق كان من أجل قساوة القلوب، ومن المعلوم أن الجيل الذي خاطبه عيسى -عليه السلام- كانوا أشد أجيال بني إسرائيل قساوة؛ حيث قتلوا يحيى -عليه السلام-، وهموا بقتل عيسى -عليه السلام-؛ فكيف يزول الحكم مع بقاء سببه، بل مع زيادته؟! ثم هل يمكن أن يقال مع قساوة قلب أهل هذا الزمان يمكن العودة إلى تشريع الطلاق؟
السادس: يسخر عامة المنصرين من حكم الطلاق مع اعترافهم من أنه كان شريعة لله في يوم من الأيام -حتى وإن كان لعلاج قسوة قلب البعض بزعمهم-؛ فكيف يمكن أن يسمحوا لأنفسهم بالاستهزاء بحكم الله باعترافهم؟!
السابع: حاولت لائحة 38 أن تتمسك قدر الإمكان بالنص الإنجيلي مع استثناء من يتعرض شريكه لحالة تمنع من الاستمتاع، وهو أمر يحتمه العقل وتأباه النصوص الإنجيلية! وصدق الله إذ يقول: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء:82).
ولكن المدهش في الأمر حقًا هو موقف جمعيات الإنسان التي تدافع عن الحرية الجنسية خارج نطاق الزواج كيف تخلت عما تزعم أنه من مبادئها، وارتدت ثوب الكنيسة في عصورها الوسطى الأوروبية، وأخذت تعتبر أن حكم المحكمة اعتداء على حرية النصارى مع أن القضية رفعها نصراني، ومحاميه نصراني، ولائحة 38 وضعها بطريرك النصارى آنذاك!
ومع أن الاتجاه الذي تمثله الكنيسة يمثل اعتداءً صارخًا على حق الإنسان في تكوين أسرة أو إنجاب أبناء، والكنيسة تلزم من زنا وطلقت امرأته أن يظل طوال عمره وحيدًا، ويلزم من كانت امرأته مريضة بالبرص أو الجذام إما أن يعاشرها كذلك أو أن يبقى وحيدًا، ويلزم من كانت زوجته عقيمًا أن يبقى كذلك، ولو كان قادرًا على إنجاب الأبناء.
وأعجب منهم العالمانيون الذين يريدون إرغام المسلمين على عدم التحاكم إلى القرآن الذي فيه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ)، بينما يدافعون عن حق النصارى في أن يتبعوا تأويل كبيرهم الحالي لنص خالف فيه تأويل سابقيه، في الوقت الذي يقول فيه إنجيلهم: "دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"، وينسبون إلى نبيهم أنه رفض تنفيذ حكم الرجم في زانية، ورفض قسمة الميراث بين أخوين!
وعلى أي فنحن غير مشغولين بزوج "هالة صدقي"؛ هل تصرح له الكنيسة بالزواج مرة ثانية أم لا؟! ولكن فقط نتمنى من العالمانيين وجمعيات حقوق الإنسان أن تكف عن مطالبة المسلمين بمخالفة حكم القرآن، وأن تكف عن الدفاع عمن ينتسب للإسلام وهو يريد أن يخالف تعاليمه الصريحة طالما أنهم لم يدافعوا عن حق رجل يريد أن يتزوج وينجب ذرية؛ لأن رجلاً آخر يرى أنه لا يجوز له إلا أن يبقى هكذا مدى الحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1) ينص القانون المدني المصري على أن يتم الحكم في الأحوال الشخصية بما يوافق الشريعة الدينية للزوجين، وفي حالة اختلاف الملة يُحكم بالشريعة الإسلامية.
وتشهد الساحة كثيرًا من حالات التحول للإسلام؛ بسبب ما يعانونه من حالات الزواج الفاشل، وإلزام الكنيسة لهم بالاستمرار فيه بزعم أن هذا هو التشريع الإلهي؛ مما يدفع الكثيرين إلى الاطلاع على الإسلام وشريعته؛ فيترتب على ذلك إسلامهم -بفضل الله تعالى-.
والبعض يريد فقط أن ينتفع بهذا التشريع الإلهي فيغير ملته من إحدى ملل النصارى إلى ملة أخرى؛ لتطبق عليهم الشريعة الإسلامية، فيتمكن الرجل من الخلاص من الزواج الفاشل عن طريق الطلاق، وتتمكن المرأة من ذلك عن طريق الخلع.
(2) كان هذا الإجراء مثار انتقاد واسع من زوج "هالة صدقي"؛ لأن الكنيسة لم تسمع لدعواه على زوجته بالزنا؛ لأنه تم بعد خمسة أشهر من الزواج، وكان طبيعيًا ألا تسمع لدعواها عليه بالزنا، وبالفعل اضطرت هي إلى تغيير الملة، وبما أنها مِن وجهة نظر الكنيسة الأرثوذكسية حاصلة على حكم باطل بالطلاق، ومن ثمَّ يكون زواجها الثاني زنا؛ إلا أن الكنيسة الأرثوذكسية أعادت النظر في القضية بأثر رجعي، وحكمت على الزوج بالزنا بأثر رجعي، وافترضت أن الممثلة حصلت على حكم طلاق صحيح، ومن ثمَّ أُعطيت تصريح زواج ثان، في حين عادت مرة ثانية إلى الأرثوذكسية، ولم يقم أي أحد بحوار مع الممثلة ليناقشها في الاختلافات اللاهوتية بين الأرثوذكسية والسريانية، وما هي الأسباب التي جعلتها تتردد بينهما كما تغُيِّر حقيبة يدها؟!
(3) يزعم رجال الدين النصراني أن الحكم بعدم الطلاق إلا لعلة الزنا ليس فيه مشقة؛ لأنه لو أحسن الطرفان الاختيار لما احتاجا إلى الطلاق بعد، مع أن هذه الحجة لو صحت لكان أول ما ينبغي ألا يلتفت إليه هو الطلاق لعلة الزنا؛ لأنه لا يكاد يخفى أمر أصحاب العفاف من أصحاب الزنا، ولكن السؤال هو: أنه يحدث واقعًا أن يخطئ الإنسان التقدير أو أن يكون الأمر ببلاء قدري: كالعقم، والعجز، والأمراض العقلية والنفسية، ولكن الذي لا يُتصور أن يقدم رجل دين على عقد زواج يعتقد أنه لا يمكن نقضه مع أنه يعرف أن أحد الطرفين "بتاع مشاكل"!
(4) بغض النظر عن الصراع القانوني الدائر بين جميع الأطراف؛ هل يستطيع أحد أن يجيب هذا الرجل -وغيره كثيرين-: هل يستطيع أن يكون أرثوذكسيًا، وفي نفس الوقت يستطيع أن يحصل على حقه الطبيعي في الزواج والإنجاب؟! وماذا لو أنه اتجه إلى الزنا ثم ذهب إلى الاعتراف أمام القس بأنه يضعف أمام شهوته؛ هل سينصحه بالزواج المستحيل، أم يقبل اعترافه، أم ماذا؟!
(5) من الفروق الجوهرية بين الإسلام و النصرانية مسألة "الأسرار السبعة" في الكنيسة التي لا يعرفها إلا "رجال الكهنوت"، وأما عامة أتباع هذه الديانة فلا يعرفونها، ولكن المعلن أن الزواج أحد أسرار الكنيسة السبعة؛ بينما الطلاق من المفترض أن له قاعدته المعروفة، وهي غير منطبقة على حالة هذه الممثلة.
(6) يعتبر الكاثوليك أشد الطوائف النصرانية في باب رفض الطلاق حتى صاروا مضرب المثل، فيقولون عن الأشياء التي لا تقبل الحل: "زواج كاثوليكي"؛ لأنهم لا يقرونه حتى في حالة الزنا، ولكنهم يستعيضون عنه بما يسمونه: "الانفصال الجسدي"، وهو زوال كل مظاهر الزوجية بين الزوجين بيد أنهما في عرف الكنيسة ما زالا زوجين أمام الله!
ومن ثمَّ لا يحصلون على تصاريح زواج ثانية، بيد أن الكنيسة الكاثوليكية قد توسعت في حالات الانفصال الجسدي، ولم تقصرها على حالة الزنا.
(7) تتناسب درجة الحساسية لكل ما هو إسلامي طرديًا مع تصاعد الدور السياسي لبطريرك الأرثوذكس، ورغبته في تغيير وضيعته من رئيس ديني لأهل ديانته إلى رئيس سياسي لهم مع أن هذا ينافى الإنجيل الذي يقول: "دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"، إلا أنها الرغبة العارمة لدى البطريرك الحالي للأرثوذكس في لعب دور الزعيم السياسي للطائفة، والذي تصاعد حتى أخذ صورة من صور الحكم الذاتي من جانب واحد أو "الدولة داخل الدولة" كما يقولون، وإلا فقد تتابع على هذا المنصب أربعة قبله كلهم قَبِلَ بلائحة 38، وعمل بها، وهم: "يؤانس" الذي أقرت اللائحة في عصره، و"مكاريوس"، و"يوساب"، و"كيرلس"، حتى جاء البطريرك الحالي بتوجهاته السياسية.
وإذا كانت الكنيسة ترفض لائحة 38 بزعم مخالفتها للإنجيل؛ فبماذا نفسر تصريح رئيس المجلس الملي العام بكفر من يتحاكم إلى القانون المصري في الميراث؛ لأنه يحكم بالشريعة الإسلامية، وطالب بأن يرجعوا إلى أي كاهن يقسم بينهم الميراث بالتساوي أو يفضل الأكثر حاجة، مع أن الكنيسة تعتمد القول بعدم وجود نظام توزيع للإرث في النصرانية بناء على نص إنجيلي يُنسب لعيسى -عليه السلام- امتناعه عن إتمام قسمة الميراث بين رجل وأخيه، مع أن هذا النص ليس فيه إلغاء شريعة التوراة في الميراث، ولكن فيه الامتناع من القسمة، والفرق بينهما ظاهر كما لا يخفى.
والظاهر أن الكنيسة عمدت إلى ترك التشريع التوراتي في الميراث؛ لأنه لا يُورث البنت إلا في حالة عدم وجود أي أبناء؛ فلو مات رجل وترك ابنًا ذكرًا وعشرة بنات انفرد الذكر بالميراث دونهن؛ ناهيك عن إهماله لميراث الزوجة، مما يضع الكنيسة في موضع المُخل بحقوق المرأة في الميراث، ويُسكت صوتها في الاعتراض على شريعة الإسلام في جعل ميراث المرأة على النصف من ميراث الرجل!
الحاصل: أن الكنائس النصرانية اتفقت على اعتبار الميراث شأنًا مدنيًا محضًا يُحكم فيه بأي تشريع وضعي، ولكن رئيس المجلس الملي عندنا اعتبر التحاكم إلى قانون الميراث المصري كفرًا؛ لأنه مستمد من الشريعة الإسلامية!