و إذا كنت أنت الدليل .. !
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد،
يقول الله جل وعلا، في مُحكم تنزيله :
{وفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}الذاريات21
التفسير المُيسر :
وفي خلق أنفسكم دلائلُ على قدرة الله تعالى، وعِبرٌ تدُلُّكم على وحدانية خالقكم، وأنه لا إله لكم يستحق العبادة سواه، أغَفَلتم عنها، فلا تبصرون ذلك، فتعتبرون به ؟
فتعالوا بنا نتأمل وننظر، كما أمرنا الله عز وجل ..
ننظر إلى أنفسنا ..
إلى بداية وُجودنا ..
إلى عملية التَّكوين الجنيني للإنسان .. وما أدراك ما وراء تلك العملية من تنظيم وإبداع وقصد ورعاية وتسخير !
متوكلا على الله، قمت بترجمة مقال مختصر، مفيد، من كتاب "Dieu ou le hasard ? Il faut choisir"، لمؤلفه الدكتور عبد الخالد عبد الكريم.
وهذا المقال يُصَوِّر قطرة صغيرة من بحر لا ساحل له من الإبداع والتنظيم والتصميم والقصد ...، في عملية تكوّن الإنسان.
أدعُكم معه الآن، ونلتقي بعده إن شاء الله ..
" يُعتبر تكوُّن الجنين في بطن أمه، سيرورة (Processus) في منتهى الروعة.
فبدايتك كانت على شكل بيضةٍ مُلقحةٍ .. خليةٍ وحيدةٍ أصغر من النقطة التي تُنهي هذه الجملة.
وانطلاقا من هذه البداية البسيطة والمُوغلة في الصِّغر .. أخذ جسمك في النمو والتطور، حتى أصبح في غاية التعقيد، وأصبح مُجهزّاً بدماغ يفكر، وعينين تريان، وأذنين تسمعان .. وغير ذلك من الأعضاء المُتخصِّصة.
عندما تصل نواةُ الحيوان المنوي إلى نواة البُويضة، فإنهما يلتصقان، أحدهما بالآخر، في الوقت الذي تتَّحد فيه مُكوناتُهُما. وفي ظرف نصف الساعة التالية، تُحدَّدُ صفات لا تُحصى لهذا الفرد الجديد، داخل هذه البُويضة الصغيرة، بفضل عاملٍ وِراثي يُسمى : الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (ADN).
لا يستطيع "التَّحوُّليون" تقديم أي تفسير مُقنع لهذه السيرورات المدهشة، والتي تَتَّبِع -بكل وضوح- تصميماً مُحدداً سلفاً، يُمكِّن الإنسان وأي كائن آخر من التكاثرِ وتشكيلِ أعضاء في غاية التعقيد.
وتظهر غائيةٌ مذهلة أخرى، فيما يتعلق بالمسكن المُعَدِّ للجنين في بطن أمه.
فكُلُّ تجهيزات الحماية (سَلى (amnios)، حبل سُرِّي، مشيمة، ..الخ) مُدْرَجةٌ في التعليمات الوراثية، لجعل إقامة الجنين مُمكنةً في الرحم.
وللجنين حاجةٌ ماسة لمِثل هذا المسكن الوقائي في بطن الأم، لأنه اعتبارا من الوقت الذي تُلقح فيه البيضة، يُصبح [هذا الجنين] جسما أجنبيا.
ونظام المقاومة (الذي يتمتع به الجسم العادي)، يميل إلى رفض أي جسم أجنبي. ولكن البُويضةَ المُخصبةَ مُعدَّةٌ لحماية نفسها ضد هذا النظام.
ولتغشية الجنين، فإن أولى التعليمات التي تصدر عن ال"ADN"، تتعلق بإنتاج الخلايا التي تُكوِّن الأرومة المغذية (trophoblastes).
ويُعتبر توفير عُشٍّ للجنين، في الرحم من بين أول وظائف تلك الخلايا ..
وبمجرد أن يُثَبتَ هذا العش جيدا، فإنه يبدأ بإفراز هرمون يعمل على إبقاء بطانة الرحم طيلة فترة الحمل.
وبدون تدخل هذا الهرمون، فإن الطمث سيحدث، وبالتالي فالجنين لن يبقى على قيد الحياة.
فمن عَلِم بضرورة مثل تلك الأجهزة، إن لم يكن الله العليم الحكيم !
فبالتأكيد إنها ليست الخلايا نفْسُها هي من علِمَت بذلك، ونفَّذَته صدفة !!
ثم من ناحية أخرى، وعندما يُثبَّتُ الجنين في الرحم ..
كيف يمكنه أن يتغدَّى ؟
كيف يمكنه أن يتنفَّس ؟
كيف يمكنه أن يُصرِّف فضلاته ؟
إضافة إلى القيام بوظائف حيوية أخرى ؟
...
إنه يقوم بكل ذلك، بفضل عضو مُذهل، هو: المشيمة.
وتُعتبر المشيمة بمثابة رئة، حيث أنها تمتص الأوكسجين من دم الأم وتجعله في دم الجنين.
كما أنها تمتص أيضا كل أنواع العناصر المُغذية، وغالبا ما تقوم بهضم أوَّلي لها ثم إذابتها، قبل إعطائها للجنين.
ولا تموت [المشيمة] إلا بعد أن تُكمل العديد من المهام المُعجزة، حيث تُطرد من الرحم بعد الولادة.
"التطور" عاجز عن تفسير هذه السيرورة ذات الحتمية العجيبة !
وفي المقابل، فإن القرآن الكريم قد عرَّفنا بأنها بديع صُنع خالق حكيم عليم هو الله سبحانه وتعالى. " ا.هـ.
نعم، هذا صحيح ! .. فالداروينية عاجزة كل العجز عن تفسير عملية مثل هذه، بكل ما تحمله في طياتها من قصد وغاية وعناية ورعاية وتعقيد وتكامل وتناغم وتنظيم .. بإلقائها على كاهل "الطفرة العشوائية، والانتخاب الطبيعي"!
وحقّاً، ما أروع الوصف الإلهي للرحم بالنسبة للجنين :
{ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ}المؤمنون13
نعم .. قرار مكين !!
مسكنٍ مناسب، مُعدٍّ بآلياتٍ ومراسلات هرمونية متعاونة، لتكييف الرحم وإعداده على مختلف المستويات لاستقبال الجنين ..
مسكنٍ مناسب، مُعدٍّ بأجهزة حماية ووقاية للجنين ..
مسكنٍ مناسب، مُعدٍّ بجهاز وآليات متناغمة متكاملة وفي منتهى الغائية والتعقيد، تزود الجنين بمتطلباته من غذاء وأكسجين، وتُخلِّصه من نتاج فضلاته !
...
بإيجاز مُعجز: قرار مكين .. فسبحان الله العظيم !
فيا ملحد ويا لا ديني ..
أَنْ تنسب ذلك كلَّه للصدفة والعبث، فهذا ضلال مبين ..
أَنْ ترى أن وراء كلِّ ذلك مُبدعا حكيما عليما قديرا، ثم تعتقد أنه أوجدك عبثا، أو أنه لن يقدر على بعثك مرة أخرى .. فهذا أيضا ضلال مبين ..
و إن تسألنا عن الدليل .. فأنت الدليل !
وسبحان القائل في مُحكم تنزيله:
أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى{36} أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى{37} ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى{38} فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى{39} أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى{40}
والقائل أيضا:
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ{78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ{79}
صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_________________
الصور مأخوذة من كتاب : "دارون بين إنسانية الحيوان و حيوانية الإنسان، د. أميمة خفاجي".
تعليق