الحوار الخامس
هل انتشر الإسلام بالسيف ؟
هل انتشر الإسلام بالسيف ؟
استكمالاً لسلسلة الحوارات بين أحمد ومينا حول نقاط الإختلاف بين الإسلام والنصرانية والتي بدءناها بالحوار الأول حول الكتاب المقدس عند النصارى, ولماذا يقول المسلمون بتحريفه, كان الحوار الثاني حول القرآن الكريم وأدلة صدقه, وكان الحوار الثالث حول تأليههم للمسيح عليه السلام وحول اعتقادهم في الثالوث, وكان الحوار الرابع حول المرأة بين الإسلام والنصرانية والمجتمعات الغربية والآن نقدم حواراً حول ادعاءات انتشار الإسلام بالسيف.
ياسر جبر
----------
مينا : لا شك أن الإسلام انتشر بالسيف وبالحرب التي قادها المسلمون والتي تسمى الفتوحات الإسلامية.
أحمد : الإسلام لم ينتتشر بالسيف والدليل هو الآتي :
1- بدأ الإسلام بالرسول عليه الصلاة والسلام, ثم تبعه عدد قليل من الصحابة وأخذ العدد في الإزدياد مع افتقارهم للسلطة والقوة ومع تعرضهم للعديد من المتاعب, فلم يبدأ الإسلام من رئيس أو حاكم يسوقهم بالسيف, بل بدأ معتمداً على أدلة صدقه.
2- استمر إنتشار الإسلام في فترات ضعف المسلمين, ولا يزال انتشار الإسلام مستمراً بالرغم من انتهاء الحروب.
3- أكبر البلاد الإسلامية تعداداً مثل إندونيسيا لم تصلها الفتوحات الإسلامية.
4- ينتشر الإسلام في الساحل الشرقي لأفريقيا بالرغم من عدم وصول الفتوحات الإسلامية هناك.
5- خلال أو بعد الفتوحات الإسلامية, لم يجبر المسلمون غيرهم على الدخول في الإسلام ولم يهدموا أماكن عبادتهم, والدليل وجود نصارى في مصر والشام عاشوا تحت الحكم الإسلامي مئات السنين, واستمرت كنائسهم لم تهدم أو تدنس, هذا خلافاً لما حدث في أسبانيا حيث هدموا المساجد أو استولوا عليها وأجبروا المسلمين على اعتناق النصرانية أو البديل كان الطرد من البلاد مع استيلاء الحكومة الأسبانية على أطفالهم وتنصيرهم.
مينا : ولماذا كانت الفتوحات الإسلامية ؟
أحمد : كانت الفتوحات الإسلامية لإيصال الحق إلى الشعوب التي لم تسمع به, وكان بعضها دفاعاً عن الإسلام من القوى التي تريد هدمه أو وقفه, مثل دولتي الفرس والروم الذين ساءهم اتحاد العرب في الجزيرة العربية تحت دين وشريعة واحدة.
فالفتوحات الإسلامية كانت ضد قوات ولم تكن ضد مدنيين, من مزارعين وعمال وكهنة.
مينا : أي أن السيف ساعد في انتشار الإسلام ؟
أحمد : إن أي فكر أو أيدولوجية يساعد على انتشارها التفوق العلمي أو الأخلاقي أو العسكري, ولكن يبقى الحكم بمصداقية الفكرة أو الأيدولوجية معتمداً على أدله صدقه ومعتمداً على استمرار انتشاره أو بقاءه وقت ضعف اتباعه.
فلا مانع أن تساند القوة الفكرة أو المعتقد, وتساعد على انتشارها أكثر وأكثر, ولكن المقياس هو أدلة صحة المعتقد نفسه, واستمرار انتشار المعتقد بغير قوة.
وكما ذكرنا أندونيسيا هي أكبر البلدان الإسلامية تعداداً مع أنه لم تدخلها الفتوحات الإسلامية, وحرية الاعتقاد كانت مكفولة في الدول الإسلامية والدليل وجود نصارى منذ فتح مصر والشام إلى الآن.
مينا : المسيحيون الذين كانوا يعيشون في مصر كمثال, تحولوا للمسيحية نتيجة لقهرهم وإجبارهم, أو هرباً من الجزية, أما أغنيائهم فدفعوا الجزية وحافظوا على المسيحية .
أحمد : هذا الكلام مغلوط لعدة أسباب :
1- أهل مصر النصارى كانوا تحت الاحتلال الروماني, وكان الرومان يضطهدونهم لفرض المذهب الكاثوليكي عليهم حتى أن بطريرك الأرثوذكس كان فاراً ومختبئاً في الصحراء, وكانت حرب الفتح الإسلامي بين الجيش المسلم والجيش المحتل, ولم يتدخل المصريون بل رحبوا بالفتح الإسلامي.
جاء في موسوعة قصة الحضارة ‑ «وول ديورانت» عن فتح مصر: وكان المسيحيون الأرثوذكس في مصر قد قاسَوا الأمرَّين من جرّاء اضطهاد الكاثوليك؛ ولهذا رحبوا بقدوم المسلمين، وأعانوهم على استيلاء منفيس، وأرشدوهم إلى الإسكندرية، ولما سقطت تلك المدينة في يد عمرو بعد حصار دام ثلاثة عشر شهرًا (عام 641). ..حال عمرو بين العرب وبين نهب المدينة وفضل أن يفرض عليها الجزية. ولم يكن في وسعهِ أن يدرك أسباب الخلافات الدينية بين المذاهب المسيحية المختلفة، ولذلك منع أعوانه الأرثوذكس أن ينتقموا من خصومهم الكاثوليك، وخالف ما جرت عليه عادة الفاتحين من أقدم الأزمنة فأعلن حرية العبادة لجميع أهل المدينة([1]).
وجاء في موسوعة قصة الحضارة عن التسامح الديني في العصر الأموي: ولقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون واليهود، والصابئون، يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرًا في البلاد المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زي ذي لون خاص وأداء مبلغ من المال عن كل شخص، تختلف باختلاف دخله وتتراوح بين دينار وأربعة دنانير (من 4.75 إلى 19 دولارًا أمريكيًا) سنويًا. ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين من القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون سن البلوغ، والأرقاء، والشيوخ، والعجزة، والعمْي والفقراء. وكان الذميون يُعْفَوْن في نظير هذه الضريبة من الخدمة العسكرية ولا تفرض عليهم الزكاة. وأصبح المسيحيون الخارجون على كنيسة الدولة البيزنطية والذين كانوا يلقون صورًا من الاضطهاد على يد بطارقة القسطنطينية، وأورشليم، والإسكندرية، وإنطاكية، أصبح هؤلاء الآن أحرارًا آمنين تحت حكم المسلمين.
وعلى الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون، أو بسبب هذه الخطة؛ اعتنق الدينَ الجديد معظمُ المسيحيين ...([2]).
وجاء في موسوعة قصة الحضارة عن فتح أسبانيا في القرن الثامن الميلادي: وعامل الفاتحون أهل البلاد معاملة لينة طيبة....، وأطلقوا لهم من الحرية الدينية ([3]).
كتب الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله- : الإسلام ما قام يومًا, ولن يقوم على إكراه. لأنه واثق من سمو تعاليمه وجودة شرائعه. فكل ما يريده أن يعرض نفسه على العيون المتطلعة. فإذا لم تكن جودة الشيء هي التي تغري بالإقبال عليه وقبوله فلا قبول ولا إقبال, وهذا سر قانونه الوثيق: } لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ { [البقرة: 256], وقد يُضطر الإسلام لقتالٍ لم يشعل ناره, أتظنه إذا انتصر في هذا القتال يلزمهم بترك شركهم واعتناق عقيدة التوحيد؟. لا...فالله تعالى قال:} وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ{ [التوبة: 6], إنه لم يقل له: فإذا سمع كلام الله فأمره أن يترك دينه وليتبع دينك الحق, بل قال له: أطلق سراحه ورده آمنًا إلى وطنه. فإذا أحب أن يدخل في الإسلام فسيأتي طائعًا لا كارهًا([4]).
2- كان عدد المصريين وقت فتح مصر حوالي مليون مصري, وكان الجيش الإسلامي عدده ثمانية آلاف, وبعد الفتح الإسلامي, توجهت غالبية الجيش الإسلامي إلى باقي مدن شمال أفريقيا, والذين بقوا من الجيش في مصر لم يتعدوا الألفين عربي, فكيف يمكن لألفين أن يجبروا مليون مصري على تغيير الدين وعلى الجزية ؟.
فهذا تأكيد على أن النصارى الذين دخلوا في الإسلام دخلوا بكامل إرادتهم, وتأكيد أيضاُ على أن المسلمين في مصر هم نفس أصحاب البلد الذين تحولوا من النصرانية للإسلام, وليس كما يدعي البعض بأن النصارى هم أصحاب البلد والمسلمين أتوا من الجزيرة العربية !, لأنه إن كان سكان مصر الآن 80 مليوناً, فلا يعقل أن يصبح مليون نصراني من 1400 عام, عشرة ملايين الآن, ويصبح ألفي مسلم من ألف وأربعمائة عام سبعين مليوناً الآن !.
3- الجزية لم تكن تحصل إلا من الأغنياء والقادرين على حمل السلاح:
كتب آدم ميتز: «كان أهل الذمة يدفعون الجزية، كل منهم بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات، ولا المترهبون وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار»([5]).
وقد جاء في عهد خالد بن الوليد لأهل الحيرة: «أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيًا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وأعيل من بيت مال المسلمين وعياله»([6]).
وقد طبق عمر بن الخطاب هذا المبدأ الإسلامي العظيم حين مر بشيخ كبير يسأل الناس الصدقة، فلما سأله وعلم أنه من أهل الجزية، أخذ بيده إلى بيته وأعطاه ما وجده من الطعام واللباس، ثم أرسل إلى خازن بيت المال يقول له: «انظر إلى هذا وأمثاله فأعطهم ما يكفيهم وعيالهم من بيت مال المسلمين»([7]).
4- الجزية مقدارها أقل من التزامات المسلم, فكيف يهرب شخص من الجزية إلى التزامات أكثر؟ , فقد ذهب الأمام أبو حنيفة إلى تقسيم الجزية إلى فئات ثلاث:
أ- أعلاها وهي 48 درهمًا في السنة على الأغنياء مهما بلغت ثرواتهم. (وهي تقدر بـ 136 جرامًا من الفضة)؛ ( الدرهم = 2.832جراماً ).(جرام الفضة يقدر بحوالي جنيه مصري واحد)... أي تقريباً 136 جنيه في السنة على الأغنياء .
ب- وأوسطها 24 درهمًا في السنة على المتوسطين من تجار وزرّاع.(68 ج مصري )
ج- وأدناها وهي 12 درهمًا في السنة على العمال المحترفين الذين يجدون عملاً0( 34 ج مصري في السنة )([8]).
وهذا مبلغ لا يكاد يذكر مقارنة بما يدفعه المسلم من زكاة ماله، فلو أن هناك مسلمًا يملك مليون درهم لوجب عليه في زكاة ماله خمسة وعشرون ألف درهم بنسبة اثنين ونصف بالمائة، وهو القدر الشرعي لفريضة الزكاة, ولو أن هناك جارًا له نصرانيًا يملك مليون درهم أيضًا لما وجب عليه في السنة كلها إلا ثمانية وأربعون درهمًا فقط. فأين يكون الاستغلال والظلم في مثل هذا النظام؟!.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في التحذير من ظلم أهل الذمة وانتقاص حقوقهم: «من ظلم معاهَدًا أو انتقصَه حقَّه أو كلَّفَه فوقَ طاقتِه أو أخذَ منه شيئًا بغير طِيبِ نفسٍ فأنا حَجِيجُه يومَ القيامةِ»([9]).
أما المقابل لمبلغ الجزية فهذا ما نقله الإمام القرافي عن الإمام ابن حزم عن إجماع المسلمين من وجوب حمايتهم، ولو كانت الكلفة الموت في سبيل ذلك ([10]).
بذلك نستطيع القول أن: الإسلام لم ينتشر بالسيف, وأن أهل مصر وغيرها تحولوا للإسلام طواعية وليس هرباً من سيف أو هرباً من جزية, وأن الجزية لا تفرض إلا على الرجل القادر, وأن مقدار الجزية ضئيل بالنسبة للالتزامات التي على المسلم نفسه.
مينا : ولكن المسيحية لم تأمر أبداً بالقتال ؟
أحمد : النصرانية أمرت بالقتال وكذلك بقتل المدنيين من أطفال ونساء والدليل:
1- (التثنية 20: 16 «وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نَسَمَةً»).
2- (إشعيا 13: 16 يقول الرب: «وتـُحطَّم أطفالهم أمام عيونهم وتُنهب بيوتهم وتُفضح نساؤهم»).
3- (هوشع 13: 16 يقول الرب: «تجازى السامرة لأنها تمردت على إلهها، بالسيف يسقطون، تحطم أطفالهم والحوامل تشق»).
4- (يشوع 11: 10-12 «وَضَرَبُوا كُلَّ نَفْسٍ بِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمُوهُمْ. وَلَمْ تَبْقَ نَسَمَةٌ. وَأَحْرَقَ حَاصُورَ بِالنَّارِ. فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ مُدُنِ أُولَئِكَ الْمُلُوكِ وَجَمِيعَ مُلُوكِهَا وَضَرَبَهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمَهُمْ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ»).
مينا : ولكن هذه الاوامر في العهد القديم أي قبل المسيح.
أحمد : هذا الكلام مردود عليه بما يلي:
أ- المسيح لم يأت بدين جديد فقد قال: (متى 5: 17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ»).
ب- لم يكن المسيح ملكًا وقائدًا ولا توجد تشريعات من أقوال المسيح إلا نادرة.
ج- حسب العهد الجديد قال المسيح عليه السلام: (لوقا 22: 37 «فَقَالَ لَهُمْ «يسوع»: لَكِنِ الآنَ مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذَلِكَ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا»), فما الذي يفعله من يشتري سيفًا؟
د- لم يقل المسيح في أي وقت إن عهدي هو العهد الجديد ولا تطبقوا الوصايا, بل أمر باتباع الوصايا السابقة.
مينا : ولكن أوامر القتال واضحة في الإسلام, كما في : }قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالله وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ{ [التوبة: 29].
أحمد : الشريعة الإسلامية لا توجد بها نصوص تحض على قتل غير المسلمين, وهناك فرق بين القتل والقتال, فالقتال هو حرب جيش أو قوات, أما القتل فهو إبادة لمدنيين غير مقاتلين ولم يحدث في التاريخ الإسلامي مذابح للمدنيين, وفي نفس السورة التي أحضرت الآية منها يقول الله تعالى: }وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَعِندَ رَسُولِهِ إلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ{ [التوبة 6‑7]. فلم يقل: اقتله واقتل أطفاله وامرأته, ولا يصح الاستدلال بنص أو آية وترك باقي النصوص الخاصة بنفس الموضوع, بل يجب وضع النصوص كلها والجمع بينهم, وإن فعلت ستجد أن القرآن كما أمر بقتال البعض أمر بحسن معاملة آخرين وعدم ظلمهم.
مينا : وكيف هو قتال المسلمين , ألم يكن بالسيف يقومون بالقتل والنهب؟
أحمد : في صحيح مسلم كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِى خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى الله وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ الله فِى سَبِيلِ الله قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله اغْزُوا وَ لاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ ‑ أَوْ خِلاَلٍ ‑ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِى عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله الَّذِى يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِى الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِالله وَقَاتِلْهُمْ...»([11])الحديث.
ومن وصايا أبي بكر الصديق لقائد جيشه: «لا تخونوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا، ولا تقطعوا نخلًا ولا تـُحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرون على قوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».
لذلك نؤكد أنه لا توجد أوامر بقتل المدنيين في الإسلام, ولم يفعل المسلمون ذلك, وإلا ما بقيت نسمة واحدة على غير الإسلام في مصر والشام.
مينا : المسيح أمر التلاميذ أن يبشروا بالمسيحية, ولم يرسل قوات ً لنشر الدين كما فعل نبي الإسلام.
أحمد : هذا قياس باطل لما يلي :
1-المسيح عليه السلام لم يدعوا قومه إلا ثلاث سنوات, فإن كان لم يحارب خلال الثلاث سنوات, فرسولنا عليه الصلاة والسلام لم يحارب إلا بعد 14 عاماُ حيث كانت غزوة بدر, وقبل الحرب وبعدها كان يدعوا ويرسل الرسل صحابته لدعوة القبائل.
2- لم يكن المسيح ملكاً أو قائداً, بل كان تحت الحكم الروماني يدفع الجزية ويهرب من اليهود الذين كانوا يأتمرون عليه.
3- القوات الإسلامية لم تكن أبداُ لحرب المدنيين, أو لإجبارهم على تغيير دينهم.
مينا : سيرة الإسلام مليئة بالقتل والدماء والغزوات, بينما المسيحية تأمر بالمحبة.
أحمد : مجموع من سقطوا في القتال بين المسلمين وغير المسلمين، خلال دعوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام التي استمرت ثلاثة وعشرين عاماً 1226 شخصاً (326 مسلم- 900 غير مسلم) .[12]
أما النصوص المسيحية التي تأمر بقتل المدنيين فقد ذكرتها لك سابقاً , ولو ذهبنا لشهادة التاريخ على الظلم النصراني لغير النصارى سنجد العديد من الأمثلة.
مينا : وهل العدد السابق يشمل الستمائة الذي قتلهم المسلمون بوحشية من بني قريظة ؟
أحمد : نعم يشمل هذا العدد, أما يهود بني قريظة فلا أسف على قتلهم لما يلي:
1- كان يهود بني قريظة في تحالف مع المسلمين, وخانوهم وقت الحرب بالاتفاق مع الأحزاب على قتل رجال المسلمين, وسبي نساؤهم وأطفالهم, فكان عقابهم بمثل ما اتفقوا عليه, وقد اتفق جميع اليهود على خيانة المسلمين, ثم اتفقوا بعدها على قتال المسلمين. لذلك وجب عقاب الجميع.
2- الإعدام هو جريمة الخيانة وخاصة وقت الحرب, وهو نفس التصرف الذي ستتصرفه القوات الدولية ( أو أي قوات مع حلفاءها ) في أي مكان بالعالم مع جزء منها يخون المجموعة ويتآمر مع العدو لقتلهم أو حتى يمدهم بمعلومات استخباراتية.
3- لم يأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بقتلهم, بل اليهود بأنفسهم ارتضوا أن يحكم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه, فحكم عليهم بالقتل, فمن ارتضى بالحَكم فليرضى بحُكمه ولا يعترض.
مينا : ولكن الجميع يعلم أن الإسلام مرتبط بالحروب والإرهاب والعنف.
أحمد : الحروب الكبرى في العالم لم يكن المسلمون طرفاً فيها وكمثال :
- الحرب العالمية الأولى : 20 مليون قتيلأ , ما يقرب من نصفهم من المدنيين .
- الحرب العالمية الثانية : 50 مليون قتيلاُ, ما يقرب من نصفهم من المدنيين .
- حرب الهند الصينية 1945- 1954 - بين فرنسا وفيتنام, مليون وأربعمائة ألف قتيل.
- حرب كوريا وأمريكا والصين – 1950- 1951, حوالي 600 ألف قتيل.
- حرب تحرير الجزائر من فرنسا – خلفت أكثر من مليون شهيد.
- حرب فيتنام – أمريكا , 1964- 1973 , حوالي مليون ومائة ألف قتيل.
- الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب الأمريكي 1861 - 1865, وحصدت حوالي 617 ألف قتيل وحوالي 500 ألف جريح.
مينا : ولكن هذه الحروب كانت سياسية, ولم تكن بدافع ديني .
أحمد : أي حرب طرفها بلد مسلم تربطون حروبها بالدين سواء كانت الحروب لأهداف سياسية أو كانت لأطماع شخصية, وعندما أحضرت لك أمثلة على حروب طرفها نصارى, قلت لقد كانت سياسية فلا تربطها بالدين !!, ما رأيك في بعض الأمثلة البسيطة على حروب دينية:
1- الحروب الدينية في فرنسا لما يزيد على أربعين عامًا خلال القرن السادس عشر، وكان من ضمنها مذبحة «سانت بارتليميو» في 24 أغسطس 1572م, حيث انقض الكاثوليك بمباركة البابا «جريجوري الثالث عشر» على البروتستانت أثناء إحدى الأعياد، وقتلوا منهم حوالي 30 ألفاً، وشنقوا العديد على أغصان الشجر. ([13]).
2- الحرب الدينية بين البروتستانت والكاثوليك في ألمانيا من (1618م‑1648م) والتي هبطت بسكان ألمانيا من 20 مليون نسمة إلى 13.5 مليون نسمة ([14]).
3- الحرب الأهلية في أسبانيا (1936م‑1939م) بين الكاثوليك والبروتستانت، وقد بلغ عدد القتلى فيها 306 ألف شخص ([15]).
ولا ننسى الحروب الصليبية ولا ننسى البوسنة والهرسك ولا ننسى العديد من الحروب الدينية المتسترة وراء أهداف سياسية أو استعمارية.
أختم لك بقصتين من التاريخ تبين أيهما انتشر بالسيف !؟ , الإسلام أم النصرانية :
1- جاء في قصة الحضارة:: «خيرت أسبانيا ( القرن15 / 16) اليهود بين المسيحية أو الرحيل، ولما وجد أن فئة قليلة منهم آثرت التنصر، ... أُمر جميع الأطفال اليهود دون سن الخامسة عشرة أن يفصلوا عن آبائهم وينصروا كرهًا...... وأصدرت الملكة مرسوماً (عام 1499) يخير المسلمين بين الدخول في المسيحية وبين مغادرة أسبانيا، ... وحرم على الأطفال الذكور دون الرابعة عشرة والإناث دون الثانية عشرة أن يغادروا أسبانيا مع آبائهم .. ورحل الألوف، أما الباقون فقبلوا أن يُنصروا ( يتظاهرون بقبول المسيحية للحفاظ على أطفالهم) .، وترك أسبانيا إبان القرن السادس عشر ثلاثة ملايين من المسلمين المتظاهرين بالمسيحية..([16]).
2- جاء في موسوعة قصة الحضارة عن الملك شارل : في عام 771 انفرد شارل بالحكم وهو في التاسعة والعشرين من عمره, ... وكان السكسون المقيمون عند الحدود الشرقية لبلاده وثنيين،... ولما هزم شارلمان السكسون خيرهم بين الاعتناق المسيحية والموت, ثم أمر بضرب رقاب 4500 منهم في يوم واحد. [17]
مينا: مارأيك ان يكون حديثنا القادم عن حد الردة وعن الرق وعن ملكات اليمين ؟
أحمد : لا مانع فليكم هذا حديثنا في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى.
|ياسر جبر
[email protected]
([1]) موسوعة قصة الحضارة ‑ وول ديورانت ‑ الجزء 13‑ ص261‑ 262‑ الهيئة المصرية العامة للكتاب. ,وعلى الإنترنت ص4692‑4693 http://www.civilizationstory.com/civilization/
([2]) المصدر السابق ‑ الجزء13‑ ص130‑ 133 وعلى الإنترنت ص4561/2/3/4/.
([3]) المصدر السابق ‑ الجزء 13‑ ص 282‑ .على الإنترنت ص 4713.
([4]) محمد الغزالي‑ هذا ديننا ‑ ص60. بتصرف.
([5]) آدم ميتز ‑ الحضارة الإسلامية (1/96. (
([6]) غير المسلمين في المجتمع المسلم. د. القرضاوي ‑ مكتبة وهبة ‑ ص 9 عن (أبو يوسف الخراج 144).
([7]) المصدر السابق (ص10). عن (أبو يوسف الخراج ص126).
([8]) معاملة غير المسلمين في الدولة الاسلامية ‑ د.ناريمان عبد الكريم (ص 50) عن الماوردي: الأحكام السلطانية (ص 144).
([9]) رواه أبو داود في سننه ح (3052) في (3/170)، وصححه الألباني ح (2626).
([10]) القرافي‑ الفروق (3/14-15(.
([11]) صحيح مسلم‑ ح 4619.
[12]الحروب المشروعة في الأديان- اللواء أحمد عبد الوهاب- ص 44 . عن حاشية: لواء د. محمد صلاح الدين كامل في رسالة دكتوراه موضوعها: مبادئ الحرب بين المدارس العسكرية التقليدية والإسلامية - دراسة مقارنة. أكاديمية ناصر العسكرية. القاهرة, وتوجد إحصائية مماثلة في:الإسلام والآخر – د. محمد عمارة – عن الدرر في اختصار المغازي والسير – ابن عبد البر- تحقيق د شوقي ضيف- القاهرة 1966 م.
([13]) معجم الحروب‑ د.فردريك‑جروس برس‑ ص ‑323.
([14]) موسوعة قصة الحضارة ‑ وول ديورانت ‑ الجزء 14‑ ص 70. على الانترنت صفحة 4890.
([15]) معجم الحروب ‑ د.فردريك ‑ جروس برس‑ ص‑ 228.
([16])قصة الحضارة ‑ وول ديورانت ‑ جزء 23– ص 93-97. على الإنترنت ص8001- 8005.
[17]موسوعة قصة الحضارة- ج 14 ص 229- 230 . وعلى الانترنت ص 5044- 5045 .