بسم الله الرحمن الرحيم
بأمر الله سأقوم بنقل مجموعة من أروع المقالات و الخواطر البيانية حول القرآن
متجدد إن شاء الله:
نقلا عن الاخ اسد العقيدة بمنتدى التوحيد:
** الإعجــاز اللغوي في القرآن الكريـــم **
عندما نزل القرآن على الناس، نزل بلغة العرب فكانت الآيات تنطق بلغتهم "الم"، كهيعص"وكان من المعروف بأن العرب من أشد الناس تفاخرا وكبرياء بلغتهم، فتحداهم الله بأن يقولوا كلاما مثل هذا القرآن فقال متحديا العرب:
"قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "
(سورة القصص، 49)
فعجزوا عن ذلك فجاء التحدي بصورة أخرى.... أسهل من الأولى:
"قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ "
(سورة هود، 13)
فعندما انقلبوا خائبين جاء التحدي الفاضح الدال على عجزهم:
"فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ "
(سورة البقرة، 23)
فأثبت القرآن عجزهم التام في هذا..
"قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً "
(سورة الإسراء، 88)
فبدؤوا بالتشكيك في القرآن ..... وقالوا أنه مجمع للأخبار والأساطير الأولى ..... فأتوا بالنضر بن الحارث وأقعدوه عند النبي وكلما أراد أن يتكلم -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن فليقاطعه ويبدأ بسرد القصص والأساطير التي واجهها في أسفاره وترحاله.. وبالفعل نجحت الخطة في بداية الأمر....وسر بذلك النضر أيما سرور وكان يقول متباهيا:
"بم محمد أفضل مني؟ هو يحدث بأساطير وأنا أحدث بأساطير.."
فنزل قول الله الفصل:
"وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً "
(سورة الفرقان، 5)
وبعد أيام؛ بدء الناس بالملل.. وبدأ يتناقص مجلس النضر الواحد تلو الآخر ..... وتجمعوا عند النبي ليرفعوا راية النصر للقرآن.. فليس القرآن قصصا فحسب وإنما جامع لكل شيء..
فما الحيلة الآن؟؟
وماذا نقول للذين أُذهبت قلوبهم بالقرآن؟؟
أيعترفون أنه من الله فتذهب مكانتهم ويبين كذبهم!!
لا والله؛ فأشيعوا أن النبي يأخذ القرآن من رجل اسمه (( الرحمن )) في اليمامة وهو رجل أعجمي!! عجبا والله
"لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ "
(سورة النحل، 103)
فانقلبوا على أدبارهم خاسرين..
هذا هو موقف العرب من بلاغة القرآن .... وفصاحته واكتماله وتناسقه.. عرفوا أنه من الله ...وأنه لا أحد يستطيع أن يأتي بمثله، ولكن عزة الإثم منعتهم من الإيمان .... فأي مصير لهم بعد أن عرفوا الحق وحادوا عنه..
حتى أنه قَسّم العرب كلامهم إلى نوعين؛ شعر ونثر، ولكل منهما أنواع، فعندما جاء القرآن وحي الله الخالد؛ اضطر العلماء إلى تقسيم الكلام إلى ثلاثة أنواع، شعر ونثر وقرآن، لأنه ما استقام تحت الشعر وما استقام تحت النثر..
وسأتطرق في الإعجاز اللغوي إلى نوعين من الإعجاز..
- الإعجاز البياني .
- الإعجاز التصويري .
وهناك الكثير من صور الإعجاز اللغوي في القرآن، ولكن لضيق الوقت ولسهولة هذين النوعين فهما للعالم والمتعلم..
القرآن.. عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي عجز عنه الخلق.... لم ينظم على بحور الشعر ولا على طريق السجع، تصرفت وجوهه، وتباينت مذاهبــه، خارج عن المعهود من نظام جميع ما عرف العرب في القديم والـحديث، لــه أسلوب خاص لا يشاركه به أحد في كل ما هو في بلاغة العرب في القديم والحديث.. ولنبدأ في نـماذج الإعجاز البياني..
- "وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ "
(سورة الشورى، 43)
- "وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"
(سورة لقمان، 17)
نلاحظ أن في الآية الأولى استخدم حرف التوكيد في
"لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ "
أما في الآية الثانية فلم يستخدم حرف التوكيد فقال
"مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"
ما السر في ذلك؟
هناك نوعان من الصبر صبر ليس لك فيه غريم -كالمرض مثلا- وهو شيء محسوس، وصبر لك فيه غريم -كأن يظلمك شخص ما- وهو شيء ملموس، فكان الشيء المحسوس الذي لا تراه ولكن تحس به يحتاج إلى صبر وهذا
"مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"
ولكن الشيء الملموس يحتاج إلى صبر قوي شديد فكان ذلك
"لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"
=====
"وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ"
(سورة الأنبياء، 46)
يبين الله لنا الضعف البشري أمام عذاب الله.... فاختار كلمة "مستهم" وهي أقل درجات الإصابة، واختار "نفحة" ليدل على ضعفها، وذكر "من" وهي تفيد التبعيض، وقال "ربك" الرحيم يا محمد ، وكل ذلك يدل على أقل درجات العذاب.. فإذا كانوا لا يستطيعون الصبر أمام هذه الدرجة من العذاب، فكيف بالعذاب الذي وعد الله به الكافرين؟
=====
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ "
(سورة التوبة، 38)
النفور يدل على شيء يستوجب السرعة ....وكان مقابل هذا شيء تثاقل البعض عن النفور فجاء القرآن بأسلوبه البديع ليبين لنا شدة التثاقل والانجذاب إلى الأرض بقوله..... "اثّاقلتم" .....فتدل على حب الركون للأرض.
=====
"هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ "
(سورة الفرقان، 74)
- "امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ"
(سورة يوسف، 30)
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً "
(سورة الروم، 21)
- "اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ "
(سورة التحريم، 10)
فمتى تستعمل كلمة امرأة؟ ومتى تستعمل كلمة زوجة؟
من فهمنا للآيات.... تستخدم كلمة زوجة عندما تكون العلاقة مبنية على المودة والرحمة من جانب والتكاثر من جانب آخر..
أما إذا انقطعت العلاقة كما حدث مع امرأة العزيز بخيانة الشرف وامرأة نوح وامرأة لوط بخيانة العقيدة سميت امرأة..
وقد وضح هذا الأمر في قصة زكريا حيث يقول تعالى بلسانه:
"وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً "
(سورة مريم، 5)
فقال امرأتي ووصفها بالعاقر التي لا تنجب، فرد الله تعالى بقوله:
"فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ"
(سورة الأنبياء، 90)
فأسماها زوجة لأنها تحققت العلاقة بالتكاثر.
فسبحان الله الحكيم العليم
=====
"وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ "
(سورة الشعراء، 79،80،81)
قول الله على لسان إبراهيم... فعندما تحدث عن الطعام والشراب قال "هو"، وعندما تحدث عن الشفاء من المرض قال "هو"،
ولكن عندما تحدث عن الموت والحياة لم يقل "هو"،
فما هو السر؟
في مواطن الطعام والشراب قد يتبادر إلى الذهن أن الذي أطعمك وسقاك فلان من الناس حين أتى لك بقليل من الطعام، وكذلك عندما تذهب إلى الطبيب قد تظن أنه هو الذي شفاك.. فاحتاج الأمر أن يؤكد أن الطعام والشراب والشفاء من الله بكلمة "هو"
أما عندما تحدث عن قضية الموت والحياة فلا أحد يشك أنهما من عند الله.
=====
"تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً"
(سورة يوسف، 85)
قالها أبناء يعقوب لأبيهم عندما ما اكتفى بعشرة أولاد وإنما تعلق قلبه بيوسف -عليه السلام- فظل يبكي حتى ابيضت عيناه من الحزن، فيعيبون عليه هذا القول فيقولون: والله ستظل تذكر يوسف حتى تهلك..
ولكن فرق كبير بين ما نقوله من كلام البشر وبين ما يذكره القرآن، فوصف هذه الحالة الغريبة يحتاج إلى وصف غريب واختيار غريب الكلمات حتى تتحقق الغرابة في الموقف....
واستخدم "تالله" للقسم وهي أقل الكلمات استعمالا وأكثرها غرابة، واستخدم "تفتأ" ولم يختر من أخوات كان غيرها لأنها أقلهم استعمالا وأكثرهم غرابة، واستخدم "حتى تكون حرضا" أي تهلك فاختار أقل كلمات الهلاك استعمالا وأكثرها غرابة..
فجاءت الآية لتوضح الوضع الغريب "تالله" الغريب "تفتأ" الغريب "تكون حرضا" الذي يعيش في يعقوب عليه السلام.
=====
"أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ"
(سورة النحل، 1)
فاستخدم القرآن فعل.... للدلالة على غير زمنه، فـ "أتى" فعل ماضي، وكلمة "تستعجلوه" تدل على المستقبل..
فما هو السر في ذلك؟
الجواب.....
هو أن الزمن يحكمنا ولكنه لا يحكم الله، نحن لدينا ماضي وحاضر ومستقبل ..... أما الله فهو الذي خلق الزمان والمكان فلا يحكمه زمان ولا مكان، فالماضي والحاضر والمستقبل مكشوف عنده بالسواء فعندما يتحدث عن مستقبلنا فإنه بالنسبة إليه كأنه ماضي، لأنه أعلم به..
=====
"وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ"
(سورة الأنعام، 151)
- " وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم "
(سورة الإسراء، 31)
كلتا الآيتين تنهى عن قتل الولد من الفقر، وكلتاهما تشير إلى أن رزق الآباء والأبناء من الله، ولكن هناك اختلاف في نهاية الآيتين.. فالأولى "نرزقكم وإياهم" فقدم الآباء على الأبناء، أما الثانية "نرزقهم وإياكم" قدم الأبناء على الآباء..
فما هو سر الاختلاف؟
فلنُزل أي تفكير يقودنا إلى أن هذا الشيء ترادف.....لأن الآية الأولى تخاطب الفقراء وتنهاهم عن قتل الولد بسبب الفقر، فلأنه فقير وجب "نحن نرزقكم" أيها الآباء الفقراء "وإياهم"، بينما
الآية الثانية تخاطب الأغنياء وتنهاهم عن قطع النسل خشية وقوع الأولاد في الفقر، فلما كان الحديث عن الأبناء
الذي قد يعانون الفقر وجب
"نحن نرزقهم وإياكم".
=====
"وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "
(سورة البقرة، 179)
قد حاد بعض الكتاب عن الصواب حين قارنوها بقول العرب .... "القتل أنفى للقتل" .... وقالوا أنها أبلغ من قول الله تعالى، وقد وضح كثير من العلماء أن قول الله تعالى أبلغ وأحكم، وأوجدوا من الحكم فيه فيما يزيد عن 24 حكمة، نذكر اثنين على وجه السرعة..
- لم يقل الله "ولكم في القتل حياة" .... لأن القصاص ليس بالضرورة أن يكون قتلا.... وإنما جعلت الشريعة لولي المقتول القرار، إن شاء يقتل أو شاء يغفر أو يأخذ الدية، فشمل القصاص خيارات عدة فليس بالضرورة القتل.
- الآية صرحت بالهدف وهو "الحياة" ولم تصرح الحكمة بالهدف الحقيقي وهو الحياة وإنما نفت القتل.
=====
"وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
(سورة المائدة، 116، 117،118)
العزة والحكمة في آية تتحدث عن المغفرة؟؟ ما هو إعجاز ذلك؟؟
عيسى عليه السلام يقول لله تعالى إن عذبتهم فإنهم عبادك والأمر يعود إليك، وإن تغفر لهم فلن يسألك أحد يا رب لم غفرت فأنت العزيز الحكيم.. فكأنه يقول اغفر يا رب ولن يسألك أحد لم غفرت، فأنت حكيم في قرارك عزيز لا تراجع..
فسبحانك اللهم وبحمدك
<<يتبع>>
**الإعجاز البياني في القرآن**
سر دخول اللام على جواب لو الشرطية
قال الله تعالى:
(أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ )
[الواقعة:63- 65]
وقال:
( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ )
[الواقعة:68- 70]
تضمنَّت هذه الآيات الكريمة امتنانًا عظيمًا من الله تعالى على عباده بالزرع الذي يحرثون، والماء الذي يشربون.
وهي دليلٌ على عظمة الله تعالى، وكمال قدرته، ومطلق مشيئته، وشدة حاجة الخلق إليه سبحانه.
وقوله تعالى:
{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ - أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ }
استفهام يراد به التقرير، والتوبيخ، دلَّ عليه وجود الفاء عقِب الهمزة... ومعناه: خبروني عمَّا تحرثون من أرضكم، فتضعون فيه البذر:
{ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ }
وعن الماء، الذي تشربون:
{ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ }
والجواب الذي لا يملكون غيره في الموضعين هو قولهم: أنت- ياربنا- منبتُ الزرع من الحب، ومنزِّل الماء من السحاب، ونحن لا قدرة لنا على ذلك...
فيقال لهم: إذا عرفتم ذلك، وأقررتم به، فكيف تكفرون بالله العلي القدير، وأنتم تأكلون رزقه، وتشربون ماءه، ثم تعبدون غيره؟ ولمَ لا تلزمون أنفسكم الإقرار بتوحيده سبحانه، وطاعته، والتصديق بالبعث شكرًا له تعالى على نعمه، التي لا تعدن ولا تحصى عليكم؟
ونقرأ قوله تعالى:
( أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ )
فنجد فيه لمحة من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال:
أأنتم تحرثونه أم نحن الحارثون؟ أو يقال: أفرأيتم ما تزرعون؟ بدلاً من: أفرأيتم ما تحرثون؟ فيتطابق الكلامان... ولكن كلا القولين يُخِلُّ بمعنى الكلام، ونظمه... وبيانُ ذلك أن بين الحرث، والزرع فرقًا؛ وهو أن الحرث يكون أوائل الزرع، ومقدماته، من إثارة الأرض، وطرح البذر فيها، وقد يتبع ذلك سقيُه، وتعهده بالرعاية...
أما الزرع فهو ما يترتب على الحرث، من خروج النبات، وإنمائه، واستغلاظه، واستوائه على سوقه، وانعقاد الحب في سنبله. فقوله تعالى:
{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ}
يعني: أن ما تبتدئون به من الأعمال، أانتم تُبلغونها المقصود، أم الله تعالى؟
ولا يشك أحد في أن إيجاد الحب في السنبل، ليس بفعل الناس؛ وإنما هو بفعل الله العلي القدير... وفي ذلك إشارة منه سبحانه إلى البعث والنشور!
وفي قوله تعالى:
{ لو نشاء لجعلناه حطامًا }
{ لو نشاء جعلناه أجاجًا }
لمحة أخرى من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال: لو شئنا، بدلاً من: لو نشاء؛ لأن(لو)، لا تدخل- عند النحاة والمفسرين- إلا على الفعل الماضي؛ فإن دخلت على فعل مستقبل، وجب تأويله بالماضي... ولهذا تأولوا ( لو نشاء ) في هاتين الآيتين، وفي غيرهما على معنى: ولو شئنا.... وعلى قولهم يكون الفعل( نشاء ) مستقبلاً في اللفظ، ماضيًا في المعنى.
ولعل الصواب في ذلك أن يقال:
إن( لو ) من الأدوات الشرطية، التي تربط بين جملتين؛ بحيث تجعل بين مضمونيهما تلازمًا، لم يكن مفهومًا قبل دخولها.. وهذا ما يُعبَّر عنه بالتعليق الشرطي؛ وهو نوعان: خبريٌّ، ووعديٌّ.
أما الخبريُّ
فهو الذي يكون مُضَمَّنًا جوابًا لسؤال سائل: هل وقع كذا؟ أو يكون ردًّا لقول قائل: قد وقع كذا. فهذا يقتضي المُضِيُّ لفظًا، ومعنى، ولا يصِحُّ فيه الاستقبال بحال... ومن الأول قوله تعالى:
{ فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ }
[إبراهيم:11].
ومن الثاني قوله تعالى:
{ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا }
[السجدة:13]
فهذا تعليق بـ( لو ) زمنه الماضي؛ لأنه خبريٌّ.
أما الوعديُّ
فالغرض منه هو التعليق المحض المجرد من أيِّ معنى آخرَ.. وهذا يقتضي الاستقبال، ولا يصلح فيه المُضِيُّ بحال من الأحوال؛ كما في قوله تعالى:{ لو نشاء }، في الآيتين السابقتين.
وفي قوله تعالى في الزرع:
{ لجعلناه حطامًا }
، ثم في قوله تعالى في الماء:
{ جعلناه أجاجًا }
إعجاز آخر من إعجاز القرآن؛ وهو إدخال اللام في الأول، ونزعها منه في الثاني؛ فأفاد دخولها في الأول تأخير وقوع العقوبة- وهي جعل الزرع حطامًا- لعقوبة أشدَّ منها؛ كما في قوله تعالى:
{حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ }
[يونس:24].
وكثيرًا ما تدخل هذه اللام على جواب( لو )، فتدل على المماطلة في جعله واقعًا؛ كما يشير إليه قوله تعالى في صفة الكافرين:
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ }-
[ الأنفال:31].
والزركشيُّ يسمي هذه اللام:
( مسبوقة ).
وينبغي أن تسمَّى:
( لام التسويف )
لأنها تفيد ما يفيده كلٌّ من(السين، وسوف)، من دلالة على التسويف تارة، والمماطلة تارة أخرى في إيقاع الفعل.
أما نزعها من الثاني فيفيد التعجيل بوقوع العقوبة فورًا- وهي جعل الماء أجاجًا- أي: جعله كذلك لوقته دون تأخير.
وكلا الفعلين مرتبط بمشيئة الله تعالى.. يدلك على ذلك أن قوله تعالى:
{ لو نشاء جعلناه أجاجًا }
قيل على طريقة الإخبار؛ لأن جعل الماء المشروب المنزل من المزن أجاجًا لوقته- أي: شديد الملوحة، والمرارة، والحرارة- لم يشاهد في الواقع؛ لأنه لم يقع،
بخلاف جعل الزرع حطامًا- أي: يابسًا متكسرًا- فإنه كثيرًا ما وقع كونه حطامًا، بعد أن كان أخضرَ يانعًا.
وهذا ما عبَّر عنه تعالى بقوله:
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ }
[ الزمر:21 ]
فلو قيل: جعلناه حطامًا؛ كما قيل: جعلناه أجاجًا، تُوُهِّم منه الإخبار
ومما يدل على ذلك أيضًا أن دخول اللام على جواب ( لو )، لا يكون إلا في الأفعال، التي لا يُتخيَّل وقوعها؛ ولهذا كان جعل الماء المنزل من المزن أجاجًا لوقته، قبل أن يصل إلى الأرض، ويستقر في أعماقها أدلَّ على قدرة الله تعالى، من جعل الزرع حطامًا، وإن كان الكل أمام قدرة الله سواء...
ولهذا عقَّب سبحانه على الأول بقوله:
{ فظلتم تفكهون }
وعقَّب على الثاني بقوله:
{ فلولا تشكرون }
فتأمل هذه الأسرار البديعة، التي لا تجدها إلا في البيان الأعلى!!
<<يتبع>>[
الإعجاز التصويري
"التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن, فهو يعبر عن الصورة المحسة المتخيلـة عن المعنى الذهني، وصور الحالة النفسية والحادث المحسوس والمشهد المنظــور, وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحيــاة والحركة المتجددة، فإذا بالمعنى الذهني هيئة، وإذا بالحالة النفسية لوحة، وإذا النموذج الإنساني شاخص، وإذا الطبيعة مجسمة، وإذا الحوادث والمشاهد والقصص والمناظــر يرجعها لنا فيجعلها شاخصة حية، فإذا أضفت لهذا المشهد وهذه الصورة الحـــوار فكأنك تتخيل مشهد من مسرحية أو فيلم يعرض أمامك.."
(سيد قطب - التصوير الفني في القرآن)
ويقسم لنا سيد قطب -رحمه الله- التصوير إلى قسمين..
1- المعاني الذهنية
يخرج لنا الأشياء والمواقف بصورة حية محسوسة .. وإليكم بعض النماذج..
يريد الله أن يبين لنا أن الذين كفروا ليس لهم أمل في الجنة، وأن قبولهم في الجنة أمر مستحيل .. هذه الألفاظ يعبر عنها القرآن بأعجاز بليغ في صورة فنية رائعة بقوله تعالى
{ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}
(سورة الأعراف، 40)
فيرسم لنا القرآن صورة إنسان يمسك بحمل غليظ "الجمل" ويحاول أن يدخله في فتحة إبره "سم الخياط" فهل يمكن ذلك؟؟
يستحيل ..! فتخيل ذلك لتعبر بها عن استحالة دخول الكفار الجنة
=====
ويصور لنا القرآن صورة فنية عن أعمال هؤلاء الذين كفروا .. وأنها ليست بشيء مهما كثرت أعمالهم .. لأنها خلت من الإيمان فلا قيمة لها .. ولا يستطيعون جمعها لأن الله قد شتتها
{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}
(سورة إبراهيم، 18)
فهؤلاء الكفار يوم القيامة يحاولون جمع أعمالهم كمن يحاول جمع الرماد المتطاير مع الريح في يوم عاصفة.
=====
وصور لنا صورة المشرك الذي يحاول أن يجمع الأموال والأنصار والمناصب فيقول تعالى..
{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}
(سورة الحج، 31)
فهو كالذي سقط من السماء فجاء طير سريع وخطفه فجأة .. فلا أحد يعلم أين ذهب به .. أو كالذي سقط من السماء فجاءت ريح فأنزلت فيه مكان بعيد جدا ليس له نهاية .. فهذا الشخص ليس له بداية "خر من السماء" وليس له نهاية "في مكان سحيق"
=====
ويصور لنا صورا لأقسام المتصدقين .. فيقول واصفا المرائي
{ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الكَافِرِين}
(سورة البقرة، 264)
[color=sky blue]فالمُرائي[/color] ... كالحجر اليابس "صفوان" الذي عليه طبقة رقيقة من التراب فيخيل للناس أنها أرض خصبة صالحة للزراعة .. ولكن عندما يصيبها المطر "الوابل" ينكشف الحجر ويظهر للناس أنها أرض غير طيبة..
ويصف لنا صورة المتصدق المخلص بقوله..
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
(سورة البقرة، 265)
والمتصدق المخلص .. كالبستان الذي ينبت على تل مرتفع يكون كله تراب من أوله إلى آخره "ربوة" فإن أصابها المطر "الوابل" أعطت ضعف ثمارها .. حتى ولو كان المطر خفيفا "الطل" فإنها ستعطي الثمار .. ولا فرق عند الله بين كثير وقليل إذا صلحت النية
=====
2- المعاني النفسية
يصور لنا بها خلجات النفس .. وما يدور في خلد الناس في بعض الأحوال .. نذكر بعضا منها..
يكشف الله لنا عن حال الذي هيّأ الله له العلم فتركه وفر منه وانشغل بالدنيا وملذاتها، فيقول تعالى واصفا إياه بصورة رائعة
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
(سورة الأعراف، 175،176)
فهذا حال من ترك العلم ولهث وراء الدنيا..
=====
ويضرب الله لنا مثل المؤمن الذي لم يستقر الإيمان في قلبه .. فهو متزعزع العقيدة راغب في الدنيا
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}
فيصفه الله أنه على طرف الهاوية فعند أول اختبار له يسقط فيها .. فذلك ليس له ربح لا في الدنيا ولا في الآخرة
=====
ويمثل لنا يوم القيامة.. ذلك اليوم المفزع وما يحدث فيه من بعث وحشر للناس ..
{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ}
(سورة القمر، 9)
وإنه لمن أعجب المناظر التي تفيد الكثرة .. منظر الجراد المنتشر المتزاحم .. فالناس يوم الحشر كالجراد المنتشر في الأرض
=====
كما وصف لنا يوم القيامة بقوله
{إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا}
(سورة الإنسان، 27)
فيا عجبا من هذا الوصف!! من يستطيع وزن اليوم؟؟ يزنه من خلقه .. ويدل لنا على شدته على النفوس..
=====
ومن أعجب ما هو موجود في القرآن .. أسلوب قص المناظر .. فعندما وضع سيدنا يوسف عليه السلام صواع الملك في متاع أخيه "بن يامين" وأخذه بحجة السرقة .. وحالوا أن يسترجعوه فلم يفلحوا .. عندها اجتمعوا وذكروا بعضهم بالوعد الذي وعدوه أباهم بحماية أخيهم فقال كبيرهم
{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَفِظِيِن * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}
(سورة يوسف، 81،82،83)
فمن بعد ما ذكر ما حصل معهم في مصر انتقل مباشرة إلى رد فعل يعقوب عليه السلام .. ولم يحتج إلى ذكر أنهم رجعوا وقابلوا أبيهم فشعر بفقدان ولده فسألهم عنه فقالوا إنه سرق .. إلى آخر الأحداث..
بأمر الله سأقوم بنقل مجموعة من أروع المقالات و الخواطر البيانية حول القرآن
متجدد إن شاء الله:
نقلا عن الاخ اسد العقيدة بمنتدى التوحيد:
** الإعجــاز اللغوي في القرآن الكريـــم **
عندما نزل القرآن على الناس، نزل بلغة العرب فكانت الآيات تنطق بلغتهم "الم"، كهيعص"وكان من المعروف بأن العرب من أشد الناس تفاخرا وكبرياء بلغتهم، فتحداهم الله بأن يقولوا كلاما مثل هذا القرآن فقال متحديا العرب:
"قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "
(سورة القصص، 49)
فعجزوا عن ذلك فجاء التحدي بصورة أخرى.... أسهل من الأولى:
"قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ "
(سورة هود، 13)
فعندما انقلبوا خائبين جاء التحدي الفاضح الدال على عجزهم:
"فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ "
(سورة البقرة، 23)
فأثبت القرآن عجزهم التام في هذا..
"قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً "
(سورة الإسراء، 88)
فبدؤوا بالتشكيك في القرآن ..... وقالوا أنه مجمع للأخبار والأساطير الأولى ..... فأتوا بالنضر بن الحارث وأقعدوه عند النبي وكلما أراد أن يتكلم -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن فليقاطعه ويبدأ بسرد القصص والأساطير التي واجهها في أسفاره وترحاله.. وبالفعل نجحت الخطة في بداية الأمر....وسر بذلك النضر أيما سرور وكان يقول متباهيا:
"بم محمد أفضل مني؟ هو يحدث بأساطير وأنا أحدث بأساطير.."
فنزل قول الله الفصل:
"وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً "
(سورة الفرقان، 5)
وبعد أيام؛ بدء الناس بالملل.. وبدأ يتناقص مجلس النضر الواحد تلو الآخر ..... وتجمعوا عند النبي ليرفعوا راية النصر للقرآن.. فليس القرآن قصصا فحسب وإنما جامع لكل شيء..
فما الحيلة الآن؟؟
وماذا نقول للذين أُذهبت قلوبهم بالقرآن؟؟
أيعترفون أنه من الله فتذهب مكانتهم ويبين كذبهم!!
لا والله؛ فأشيعوا أن النبي يأخذ القرآن من رجل اسمه (( الرحمن )) في اليمامة وهو رجل أعجمي!! عجبا والله
"لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ "
(سورة النحل، 103)
فانقلبوا على أدبارهم خاسرين..
هذا هو موقف العرب من بلاغة القرآن .... وفصاحته واكتماله وتناسقه.. عرفوا أنه من الله ...وأنه لا أحد يستطيع أن يأتي بمثله، ولكن عزة الإثم منعتهم من الإيمان .... فأي مصير لهم بعد أن عرفوا الحق وحادوا عنه..
حتى أنه قَسّم العرب كلامهم إلى نوعين؛ شعر ونثر، ولكل منهما أنواع، فعندما جاء القرآن وحي الله الخالد؛ اضطر العلماء إلى تقسيم الكلام إلى ثلاثة أنواع، شعر ونثر وقرآن، لأنه ما استقام تحت الشعر وما استقام تحت النثر..
وسأتطرق في الإعجاز اللغوي إلى نوعين من الإعجاز..
- الإعجاز البياني .
- الإعجاز التصويري .
وهناك الكثير من صور الإعجاز اللغوي في القرآن، ولكن لضيق الوقت ولسهولة هذين النوعين فهما للعالم والمتعلم..
القرآن.. عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي عجز عنه الخلق.... لم ينظم على بحور الشعر ولا على طريق السجع، تصرفت وجوهه، وتباينت مذاهبــه، خارج عن المعهود من نظام جميع ما عرف العرب في القديم والـحديث، لــه أسلوب خاص لا يشاركه به أحد في كل ما هو في بلاغة العرب في القديم والحديث.. ولنبدأ في نـماذج الإعجاز البياني..
- "وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ "
(سورة الشورى، 43)
- "وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"
(سورة لقمان، 17)
نلاحظ أن في الآية الأولى استخدم حرف التوكيد في
"لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ "
أما في الآية الثانية فلم يستخدم حرف التوكيد فقال
"مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"
ما السر في ذلك؟
هناك نوعان من الصبر صبر ليس لك فيه غريم -كالمرض مثلا- وهو شيء محسوس، وصبر لك فيه غريم -كأن يظلمك شخص ما- وهو شيء ملموس، فكان الشيء المحسوس الذي لا تراه ولكن تحس به يحتاج إلى صبر وهذا
"مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"
ولكن الشيء الملموس يحتاج إلى صبر قوي شديد فكان ذلك
"لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"
=====
"وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ"
(سورة الأنبياء، 46)
يبين الله لنا الضعف البشري أمام عذاب الله.... فاختار كلمة "مستهم" وهي أقل درجات الإصابة، واختار "نفحة" ليدل على ضعفها، وذكر "من" وهي تفيد التبعيض، وقال "ربك" الرحيم يا محمد ، وكل ذلك يدل على أقل درجات العذاب.. فإذا كانوا لا يستطيعون الصبر أمام هذه الدرجة من العذاب، فكيف بالعذاب الذي وعد الله به الكافرين؟
=====
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ "
(سورة التوبة، 38)
النفور يدل على شيء يستوجب السرعة ....وكان مقابل هذا شيء تثاقل البعض عن النفور فجاء القرآن بأسلوبه البديع ليبين لنا شدة التثاقل والانجذاب إلى الأرض بقوله..... "اثّاقلتم" .....فتدل على حب الركون للأرض.
=====
"هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ "
(سورة الفرقان، 74)
- "امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ"
(سورة يوسف، 30)
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً "
(سورة الروم، 21)
- "اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ "
(سورة التحريم، 10)
فمتى تستعمل كلمة امرأة؟ ومتى تستعمل كلمة زوجة؟
من فهمنا للآيات.... تستخدم كلمة زوجة عندما تكون العلاقة مبنية على المودة والرحمة من جانب والتكاثر من جانب آخر..
أما إذا انقطعت العلاقة كما حدث مع امرأة العزيز بخيانة الشرف وامرأة نوح وامرأة لوط بخيانة العقيدة سميت امرأة..
وقد وضح هذا الأمر في قصة زكريا حيث يقول تعالى بلسانه:
"وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً "
(سورة مريم، 5)
فقال امرأتي ووصفها بالعاقر التي لا تنجب، فرد الله تعالى بقوله:
"فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ"
(سورة الأنبياء، 90)
فأسماها زوجة لأنها تحققت العلاقة بالتكاثر.
فسبحان الله الحكيم العليم
=====
"وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ "
(سورة الشعراء، 79،80،81)
قول الله على لسان إبراهيم... فعندما تحدث عن الطعام والشراب قال "هو"، وعندما تحدث عن الشفاء من المرض قال "هو"،
ولكن عندما تحدث عن الموت والحياة لم يقل "هو"،
فما هو السر؟
في مواطن الطعام والشراب قد يتبادر إلى الذهن أن الذي أطعمك وسقاك فلان من الناس حين أتى لك بقليل من الطعام، وكذلك عندما تذهب إلى الطبيب قد تظن أنه هو الذي شفاك.. فاحتاج الأمر أن يؤكد أن الطعام والشراب والشفاء من الله بكلمة "هو"
أما عندما تحدث عن قضية الموت والحياة فلا أحد يشك أنهما من عند الله.
=====
"تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً"
(سورة يوسف، 85)
قالها أبناء يعقوب لأبيهم عندما ما اكتفى بعشرة أولاد وإنما تعلق قلبه بيوسف -عليه السلام- فظل يبكي حتى ابيضت عيناه من الحزن، فيعيبون عليه هذا القول فيقولون: والله ستظل تذكر يوسف حتى تهلك..
ولكن فرق كبير بين ما نقوله من كلام البشر وبين ما يذكره القرآن، فوصف هذه الحالة الغريبة يحتاج إلى وصف غريب واختيار غريب الكلمات حتى تتحقق الغرابة في الموقف....
واستخدم "تالله" للقسم وهي أقل الكلمات استعمالا وأكثرها غرابة، واستخدم "تفتأ" ولم يختر من أخوات كان غيرها لأنها أقلهم استعمالا وأكثرهم غرابة، واستخدم "حتى تكون حرضا" أي تهلك فاختار أقل كلمات الهلاك استعمالا وأكثرها غرابة..
فجاءت الآية لتوضح الوضع الغريب "تالله" الغريب "تفتأ" الغريب "تكون حرضا" الذي يعيش في يعقوب عليه السلام.
=====
"أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ"
(سورة النحل، 1)
فاستخدم القرآن فعل.... للدلالة على غير زمنه، فـ "أتى" فعل ماضي، وكلمة "تستعجلوه" تدل على المستقبل..
فما هو السر في ذلك؟
الجواب.....
هو أن الزمن يحكمنا ولكنه لا يحكم الله، نحن لدينا ماضي وحاضر ومستقبل ..... أما الله فهو الذي خلق الزمان والمكان فلا يحكمه زمان ولا مكان، فالماضي والحاضر والمستقبل مكشوف عنده بالسواء فعندما يتحدث عن مستقبلنا فإنه بالنسبة إليه كأنه ماضي، لأنه أعلم به..
=====
"وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ"
(سورة الأنعام، 151)
- " وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم "
(سورة الإسراء، 31)
كلتا الآيتين تنهى عن قتل الولد من الفقر، وكلتاهما تشير إلى أن رزق الآباء والأبناء من الله، ولكن هناك اختلاف في نهاية الآيتين.. فالأولى "نرزقكم وإياهم" فقدم الآباء على الأبناء، أما الثانية "نرزقهم وإياكم" قدم الأبناء على الآباء..
فما هو سر الاختلاف؟
فلنُزل أي تفكير يقودنا إلى أن هذا الشيء ترادف.....لأن الآية الأولى تخاطب الفقراء وتنهاهم عن قتل الولد بسبب الفقر، فلأنه فقير وجب "نحن نرزقكم" أيها الآباء الفقراء "وإياهم"، بينما
الآية الثانية تخاطب الأغنياء وتنهاهم عن قطع النسل خشية وقوع الأولاد في الفقر، فلما كان الحديث عن الأبناء
الذي قد يعانون الفقر وجب
"نحن نرزقهم وإياكم".
=====
"وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "
(سورة البقرة، 179)
قد حاد بعض الكتاب عن الصواب حين قارنوها بقول العرب .... "القتل أنفى للقتل" .... وقالوا أنها أبلغ من قول الله تعالى، وقد وضح كثير من العلماء أن قول الله تعالى أبلغ وأحكم، وأوجدوا من الحكم فيه فيما يزيد عن 24 حكمة، نذكر اثنين على وجه السرعة..
- لم يقل الله "ولكم في القتل حياة" .... لأن القصاص ليس بالضرورة أن يكون قتلا.... وإنما جعلت الشريعة لولي المقتول القرار، إن شاء يقتل أو شاء يغفر أو يأخذ الدية، فشمل القصاص خيارات عدة فليس بالضرورة القتل.
- الآية صرحت بالهدف وهو "الحياة" ولم تصرح الحكمة بالهدف الحقيقي وهو الحياة وإنما نفت القتل.
=====
"وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
(سورة المائدة، 116، 117،118)
العزة والحكمة في آية تتحدث عن المغفرة؟؟ ما هو إعجاز ذلك؟؟
عيسى عليه السلام يقول لله تعالى إن عذبتهم فإنهم عبادك والأمر يعود إليك، وإن تغفر لهم فلن يسألك أحد يا رب لم غفرت فأنت العزيز الحكيم.. فكأنه يقول اغفر يا رب ولن يسألك أحد لم غفرت، فأنت حكيم في قرارك عزيز لا تراجع..
فسبحانك اللهم وبحمدك
<<يتبع>>
**الإعجاز البياني في القرآن**
سر دخول اللام على جواب لو الشرطية
قال الله تعالى:
(أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ )
[الواقعة:63- 65]
وقال:
( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ )
[الواقعة:68- 70]
تضمنَّت هذه الآيات الكريمة امتنانًا عظيمًا من الله تعالى على عباده بالزرع الذي يحرثون، والماء الذي يشربون.
وهي دليلٌ على عظمة الله تعالى، وكمال قدرته، ومطلق مشيئته، وشدة حاجة الخلق إليه سبحانه.
وقوله تعالى:
{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ - أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ }
استفهام يراد به التقرير، والتوبيخ، دلَّ عليه وجود الفاء عقِب الهمزة... ومعناه: خبروني عمَّا تحرثون من أرضكم، فتضعون فيه البذر:
{ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ }
وعن الماء، الذي تشربون:
{ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ }
والجواب الذي لا يملكون غيره في الموضعين هو قولهم: أنت- ياربنا- منبتُ الزرع من الحب، ومنزِّل الماء من السحاب، ونحن لا قدرة لنا على ذلك...
فيقال لهم: إذا عرفتم ذلك، وأقررتم به، فكيف تكفرون بالله العلي القدير، وأنتم تأكلون رزقه، وتشربون ماءه، ثم تعبدون غيره؟ ولمَ لا تلزمون أنفسكم الإقرار بتوحيده سبحانه، وطاعته، والتصديق بالبعث شكرًا له تعالى على نعمه، التي لا تعدن ولا تحصى عليكم؟
ونقرأ قوله تعالى:
( أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ )
فنجد فيه لمحة من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال:
أأنتم تحرثونه أم نحن الحارثون؟ أو يقال: أفرأيتم ما تزرعون؟ بدلاً من: أفرأيتم ما تحرثون؟ فيتطابق الكلامان... ولكن كلا القولين يُخِلُّ بمعنى الكلام، ونظمه... وبيانُ ذلك أن بين الحرث، والزرع فرقًا؛ وهو أن الحرث يكون أوائل الزرع، ومقدماته، من إثارة الأرض، وطرح البذر فيها، وقد يتبع ذلك سقيُه، وتعهده بالرعاية...
أما الزرع فهو ما يترتب على الحرث، من خروج النبات، وإنمائه، واستغلاظه، واستوائه على سوقه، وانعقاد الحب في سنبله. فقوله تعالى:
{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ}
يعني: أن ما تبتدئون به من الأعمال، أانتم تُبلغونها المقصود، أم الله تعالى؟
ولا يشك أحد في أن إيجاد الحب في السنبل، ليس بفعل الناس؛ وإنما هو بفعل الله العلي القدير... وفي ذلك إشارة منه سبحانه إلى البعث والنشور!
وفي قوله تعالى:
{ لو نشاء لجعلناه حطامًا }
{ لو نشاء جعلناه أجاجًا }
لمحة أخرى من لمحات الإعجاز البياني؛ حيث كان الظاهر أن يقال: لو شئنا، بدلاً من: لو نشاء؛ لأن(لو)، لا تدخل- عند النحاة والمفسرين- إلا على الفعل الماضي؛ فإن دخلت على فعل مستقبل، وجب تأويله بالماضي... ولهذا تأولوا ( لو نشاء ) في هاتين الآيتين، وفي غيرهما على معنى: ولو شئنا.... وعلى قولهم يكون الفعل( نشاء ) مستقبلاً في اللفظ، ماضيًا في المعنى.
ولعل الصواب في ذلك أن يقال:
إن( لو ) من الأدوات الشرطية، التي تربط بين جملتين؛ بحيث تجعل بين مضمونيهما تلازمًا، لم يكن مفهومًا قبل دخولها.. وهذا ما يُعبَّر عنه بالتعليق الشرطي؛ وهو نوعان: خبريٌّ، ووعديٌّ.
أما الخبريُّ
فهو الذي يكون مُضَمَّنًا جوابًا لسؤال سائل: هل وقع كذا؟ أو يكون ردًّا لقول قائل: قد وقع كذا. فهذا يقتضي المُضِيُّ لفظًا، ومعنى، ولا يصِحُّ فيه الاستقبال بحال... ومن الأول قوله تعالى:
{ فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ }
[إبراهيم:11].
ومن الثاني قوله تعالى:
{ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا }
[السجدة:13]
فهذا تعليق بـ( لو ) زمنه الماضي؛ لأنه خبريٌّ.
أما الوعديُّ
فالغرض منه هو التعليق المحض المجرد من أيِّ معنى آخرَ.. وهذا يقتضي الاستقبال، ولا يصلح فيه المُضِيُّ بحال من الأحوال؛ كما في قوله تعالى:{ لو نشاء }، في الآيتين السابقتين.
وفي قوله تعالى في الزرع:
{ لجعلناه حطامًا }
، ثم في قوله تعالى في الماء:
{ جعلناه أجاجًا }
إعجاز آخر من إعجاز القرآن؛ وهو إدخال اللام في الأول، ونزعها منه في الثاني؛ فأفاد دخولها في الأول تأخير وقوع العقوبة- وهي جعل الزرع حطامًا- لعقوبة أشدَّ منها؛ كما في قوله تعالى:
{حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ }
[يونس:24].
وكثيرًا ما تدخل هذه اللام على جواب( لو )، فتدل على المماطلة في جعله واقعًا؛ كما يشير إليه قوله تعالى في صفة الكافرين:
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ }-
[ الأنفال:31].
والزركشيُّ يسمي هذه اللام:
( مسبوقة ).
وينبغي أن تسمَّى:
( لام التسويف )
لأنها تفيد ما يفيده كلٌّ من(السين، وسوف)، من دلالة على التسويف تارة، والمماطلة تارة أخرى في إيقاع الفعل.
أما نزعها من الثاني فيفيد التعجيل بوقوع العقوبة فورًا- وهي جعل الماء أجاجًا- أي: جعله كذلك لوقته دون تأخير.
وكلا الفعلين مرتبط بمشيئة الله تعالى.. يدلك على ذلك أن قوله تعالى:
{ لو نشاء جعلناه أجاجًا }
قيل على طريقة الإخبار؛ لأن جعل الماء المشروب المنزل من المزن أجاجًا لوقته- أي: شديد الملوحة، والمرارة، والحرارة- لم يشاهد في الواقع؛ لأنه لم يقع،
بخلاف جعل الزرع حطامًا- أي: يابسًا متكسرًا- فإنه كثيرًا ما وقع كونه حطامًا، بعد أن كان أخضرَ يانعًا.
وهذا ما عبَّر عنه تعالى بقوله:
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ }
[ الزمر:21 ]
فلو قيل: جعلناه حطامًا؛ كما قيل: جعلناه أجاجًا، تُوُهِّم منه الإخبار
ومما يدل على ذلك أيضًا أن دخول اللام على جواب ( لو )، لا يكون إلا في الأفعال، التي لا يُتخيَّل وقوعها؛ ولهذا كان جعل الماء المنزل من المزن أجاجًا لوقته، قبل أن يصل إلى الأرض، ويستقر في أعماقها أدلَّ على قدرة الله تعالى، من جعل الزرع حطامًا، وإن كان الكل أمام قدرة الله سواء...
ولهذا عقَّب سبحانه على الأول بقوله:
{ فظلتم تفكهون }
وعقَّب على الثاني بقوله:
{ فلولا تشكرون }
فتأمل هذه الأسرار البديعة، التي لا تجدها إلا في البيان الأعلى!!
<<يتبع>>[
الإعجاز التصويري
"التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن, فهو يعبر عن الصورة المحسة المتخيلـة عن المعنى الذهني، وصور الحالة النفسية والحادث المحسوس والمشهد المنظــور, وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحيــاة والحركة المتجددة، فإذا بالمعنى الذهني هيئة، وإذا بالحالة النفسية لوحة، وإذا النموذج الإنساني شاخص، وإذا الطبيعة مجسمة، وإذا الحوادث والمشاهد والقصص والمناظــر يرجعها لنا فيجعلها شاخصة حية، فإذا أضفت لهذا المشهد وهذه الصورة الحـــوار فكأنك تتخيل مشهد من مسرحية أو فيلم يعرض أمامك.."
(سيد قطب - التصوير الفني في القرآن)
ويقسم لنا سيد قطب -رحمه الله- التصوير إلى قسمين..
1- المعاني الذهنية
يخرج لنا الأشياء والمواقف بصورة حية محسوسة .. وإليكم بعض النماذج..
يريد الله أن يبين لنا أن الذين كفروا ليس لهم أمل في الجنة، وأن قبولهم في الجنة أمر مستحيل .. هذه الألفاظ يعبر عنها القرآن بأعجاز بليغ في صورة فنية رائعة بقوله تعالى
{ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}
(سورة الأعراف، 40)
فيرسم لنا القرآن صورة إنسان يمسك بحمل غليظ "الجمل" ويحاول أن يدخله في فتحة إبره "سم الخياط" فهل يمكن ذلك؟؟
يستحيل ..! فتخيل ذلك لتعبر بها عن استحالة دخول الكفار الجنة
=====
ويصور لنا القرآن صورة فنية عن أعمال هؤلاء الذين كفروا .. وأنها ليست بشيء مهما كثرت أعمالهم .. لأنها خلت من الإيمان فلا قيمة لها .. ولا يستطيعون جمعها لأن الله قد شتتها
{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}
(سورة إبراهيم، 18)
فهؤلاء الكفار يوم القيامة يحاولون جمع أعمالهم كمن يحاول جمع الرماد المتطاير مع الريح في يوم عاصفة.
=====
وصور لنا صورة المشرك الذي يحاول أن يجمع الأموال والأنصار والمناصب فيقول تعالى..
{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}
(سورة الحج، 31)
فهو كالذي سقط من السماء فجاء طير سريع وخطفه فجأة .. فلا أحد يعلم أين ذهب به .. أو كالذي سقط من السماء فجاءت ريح فأنزلت فيه مكان بعيد جدا ليس له نهاية .. فهذا الشخص ليس له بداية "خر من السماء" وليس له نهاية "في مكان سحيق"
=====
ويصور لنا صورا لأقسام المتصدقين .. فيقول واصفا المرائي
{ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الكَافِرِين}
(سورة البقرة، 264)
[color=sky blue]فالمُرائي[/color] ... كالحجر اليابس "صفوان" الذي عليه طبقة رقيقة من التراب فيخيل للناس أنها أرض خصبة صالحة للزراعة .. ولكن عندما يصيبها المطر "الوابل" ينكشف الحجر ويظهر للناس أنها أرض غير طيبة..
ويصف لنا صورة المتصدق المخلص بقوله..
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
(سورة البقرة، 265)
والمتصدق المخلص .. كالبستان الذي ينبت على تل مرتفع يكون كله تراب من أوله إلى آخره "ربوة" فإن أصابها المطر "الوابل" أعطت ضعف ثمارها .. حتى ولو كان المطر خفيفا "الطل" فإنها ستعطي الثمار .. ولا فرق عند الله بين كثير وقليل إذا صلحت النية
=====
2- المعاني النفسية
يصور لنا بها خلجات النفس .. وما يدور في خلد الناس في بعض الأحوال .. نذكر بعضا منها..
يكشف الله لنا عن حال الذي هيّأ الله له العلم فتركه وفر منه وانشغل بالدنيا وملذاتها، فيقول تعالى واصفا إياه بصورة رائعة
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
(سورة الأعراف، 175،176)
فهذا حال من ترك العلم ولهث وراء الدنيا..
=====
ويضرب الله لنا مثل المؤمن الذي لم يستقر الإيمان في قلبه .. فهو متزعزع العقيدة راغب في الدنيا
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}
فيصفه الله أنه على طرف الهاوية فعند أول اختبار له يسقط فيها .. فذلك ليس له ربح لا في الدنيا ولا في الآخرة
=====
ويمثل لنا يوم القيامة.. ذلك اليوم المفزع وما يحدث فيه من بعث وحشر للناس ..
{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ}
(سورة القمر، 9)
وإنه لمن أعجب المناظر التي تفيد الكثرة .. منظر الجراد المنتشر المتزاحم .. فالناس يوم الحشر كالجراد المنتشر في الأرض
=====
كما وصف لنا يوم القيامة بقوله
{إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا}
(سورة الإنسان، 27)
فيا عجبا من هذا الوصف!! من يستطيع وزن اليوم؟؟ يزنه من خلقه .. ويدل لنا على شدته على النفوس..
=====
ومن أعجب ما هو موجود في القرآن .. أسلوب قص المناظر .. فعندما وضع سيدنا يوسف عليه السلام صواع الملك في متاع أخيه "بن يامين" وأخذه بحجة السرقة .. وحالوا أن يسترجعوه فلم يفلحوا .. عندها اجتمعوا وذكروا بعضهم بالوعد الذي وعدوه أباهم بحماية أخيهم فقال كبيرهم
{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَفِظِيِن * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}
(سورة يوسف، 81،82،83)
فمن بعد ما ذكر ما حصل معهم في مصر انتقل مباشرة إلى رد فعل يعقوب عليه السلام .. ولم يحتج إلى ذكر أنهم رجعوا وقابلوا أبيهم فشعر بفقدان ولده فسألهم عنه فقالوا إنه سرق .. إلى آخر الأحداث..
تعليق