كثيرا ما يستدل الصديق المسيحى بالنص الوراد فى إنجيل مرقص و الذى يقول : " السبت إنما جعل للإنسان , لا الإنسان لأجل السبت , اذا ابن الإنسان هو رب السبت أيضا " على ألوهية المسيح ... و يتساءل الصديق المسيحى قائلا " من عساه أن يكون رب السبت سوى الله ؟ "
اذن باختصار , يرى الصديق المسيحى فى هذا النص اشاره الى ألوهية المسيح .
فهل هذا صحيح ؟ هل حقا يشير النص الى ألوهية المسيح ؟ و هل النص مفهوم فى صيغته الحاليه ؟ هل أجزاء النص مترابطه ؟
سنترك الإجابه لعالمين كبيرين يوضحان لنا هذه المسأله
العالم الأول هو الدكتور بارت ايرمان , و سننقل كلامه بطوله أثناء حديثه عن أحد المعايير التى بها يحكم العلماء على أقوال يسوع , و يستخدمونها بجوار معايير أخرى لتحديد ما اذا كان قولا معينا تصح نسبته الى يسوع أم لا , و هو معيار " الآراميه " .
فلنترك الكلام للدكتور بارت ايرمان (1) :
الآراميه كمعيار لأصالة النص :
بالإضافه الى الثلاثة معايير التى تحدثنا عنهم هنا , اقترح العلماء معايير أخرى بجوارها على مر السنين . أحد هذه المعايير و الذى تعرض لقدر كبير من التقلب فى شعبيته هو معيار " الآراميه " . يقول هذا المعيار بأنه اذا كان قول معين ليسوع يمكن أن نعيده من اللغه اليونانيه التى كتبت بها الأناجيل الى اللغه الآراميه التى هى لغة يسوع الأصليه , و اذا كان معناه فى الآراميه أكثر وضوحا من معناه فى اليونانيه , تزداد احتمالية أن يكون هذا القول قولا أصيل النسبة ليسوع .
هاك مثالا على هذا . فى ختام القصه التى تحكى قطف تلاميذ المسيح للسنابل فى يوم السبت و الوراد ذكرها فى ( مرقص 2 – 23 الى 28 ) يقول يسوع قوله الشهير " السبت إنما جعل للإنسان , لا الإنسان لأجل السبت , اذا ابن الإنسان هو رب السبت أيضا " .
هناك صعوبة فى فهم هذه العباره على الأقل من زاوية معينه . لماذا قال يسوع " اذا " ؟ , لماذا عندما يجعل الله السبت للناس و ليس العكس , يكون ما يترتب على ذلك أن يكون يسوع , ابن الإنسان , هو رب السبت ؟
من الأسهل أن نفهم هذه العباره فى اللغه الآراميه , بما أن الكلمتين اليونانيتين التى تعبر عن " البشر " و " ابن الإنسان " قد تمثل كلتاهما ترجمة للكلمه الآراميه " بار ناشا " , و بالتالى فستكون صياغة العباره بالآراميه على النحو التالى ( جعل السبت من أجل " بار ناشا " , و ليس " بار ناشا " من أجل السبت , و لهذا فإن " بار ناشا " هو رب السبت ) . الآن يمكننا بكل سهوله أن نفهم لماذا جاءت كلمة " اذا " فى العباره , فبما أن السبت قد جعل من أجل البشر و ليس البشر من أجل السبت , اذا فالبشر لديهم مقام أعلى من السبت .
إن المسيحى الذى ترجم هذه العباره الى اليونانيه , سواء كان مرقص أو مصدر أقدم كان بحوذته , ترجم الموضعين الأولين اللذين وردت فيهما كلمة " بار ناشا " على أن الكلمه تعنى " البشر " , و لكنه ترجم الموضع الثالث الذى وردت فيه هذه الكلمه على أنها اشاره الى يسوع , مماخلق مشكله فى كيفية فهم ترابط أجزاء العباره معا .
لا نزال نقف أمام السؤال , ما اذا كان معيار " الآراميه " يمكن له أن يأخذ بأيدينا الى " يسوع التاريخى " , فإذا نجحنا أن نترجم قولا ما الى الآراميه , فهل هذا يعنى بالضروره أن يسوع قد نطق بهذا القول ؟ يمكنك أن ترى بنفسك أين الصعوبه اذا أمعنت النظر فى هذا المعيار , آخذا فى الإعتبار ما رأيناه فى دراستنا من أن أتباع يسوع الأوائل كانوا من الناطقين بالآراميه .
اذا كنا نعلم أن المتحولين الى المسيحيه غيروا أو اخترعوا فى بعض الأحيان أقوالا ليسوع , اذن لا يمكننا أن نفترض بكل بساطه أن هذا قد حدث فقط بين من كانوا يتحدثون باليونانيه , فبكل تأكيد حدث نفس الأمر مع المسيحيين الناطقين بالآراميه .
**** انتهى الإقتباس ****
و دعونا ننقل باختصار ما قاله أستاذ اللاهوت الألمانى " أوتو فليدرر " الذى شرح النص بطريقة أوضح فيقول (2) :
" لتعلموا أن لابن الإنسان سلطان أن يغفر الخطايا "
كلمة " ابن الإنسان " فى هذا الموضع لا تعنى أكثر من معنى " انسان " و هى فى الآراميه " بارناشا " , و بالتالى قصد يسوع أن يصحح فهم اليهود بأن الإنسان له أيضا أن يغفر الخطايا , و ليس هذا لله فقط .
فهم مصطلح ابن الإنسان هنا على أنه " المسيح " فهم غير مناسب لأن سامعيه لن يفهموا هذا من كلامه , بل فهموا أنه يعنى الإنسان كبشر , يوضح هذا ما ورد فى متى 9 – 8 " أنهم مجدوا الله الذى أعطى الإنسان سلطانا مثل هذا " .
و يقول الدكتور أوتو فليدرر فى موضع آخر (3) :
من الملاحظ أن الربوبية على السبت ليست نتيجه مترتبه على الكرامه المسيانيه ليسوع , لأنه بهذا سينقطع الإتصال المنطقى بين العدد 27 و 28 , و بالتالى فمصطلح " ابن الإنسان " هنا يعنى " الإنسان بوجه عام , كما فى العدد 10 .
**** انتهى الإقتباس *****
يتضح مما سبق أن النص لا يشير الى ألوهية المسيح , و يتضح أيضا أن من نقل النص الى اليونانيه قد أفسد ارتباط الجمله بعضها ببعض , و الأهم من ذلك أن هذا التغيير المتعمد الذى أفسد اتساق النص يوضح بكل جلاء الدوافع اللاهوتيه التى كانت لدى كاتب إنجيل مرقص بحيث تجعله يغير النصوص و لا يترجمها بأمانه , ليروج لعقيدة معينه له فى يسوع , حتى و إن أدى هذا الى إفساد ارتباط أجزاء النص بعضها ببعض . و أخيرا و ليس آخرا , كيف يكون كاتب هذا الإنجيل يوحى له من عند الله و هو يفسد النصوص كما أفسد النص الذى بين أيدينا ؟
_____________________________________
(1) Bart D. Ehrman
THE NEW TESTAMENT
A HISTORICAL INTRODUCTION
TO THE EARLY CHRISTIAN WRITINGS
صفحة 193
(2) Otto Pfleiderer, Primitive Christianity, its writings and teachings in their historical connections;volume 2
صفحة 8
(3) Otto Pfleiderer, Primitive Christianity, its writings and teachings in their historical connections;volume 2
صفحة 12
اذن باختصار , يرى الصديق المسيحى فى هذا النص اشاره الى ألوهية المسيح .
فهل هذا صحيح ؟ هل حقا يشير النص الى ألوهية المسيح ؟ و هل النص مفهوم فى صيغته الحاليه ؟ هل أجزاء النص مترابطه ؟
سنترك الإجابه لعالمين كبيرين يوضحان لنا هذه المسأله
العالم الأول هو الدكتور بارت ايرمان , و سننقل كلامه بطوله أثناء حديثه عن أحد المعايير التى بها يحكم العلماء على أقوال يسوع , و يستخدمونها بجوار معايير أخرى لتحديد ما اذا كان قولا معينا تصح نسبته الى يسوع أم لا , و هو معيار " الآراميه " .
فلنترك الكلام للدكتور بارت ايرمان (1) :
الآراميه كمعيار لأصالة النص :
بالإضافه الى الثلاثة معايير التى تحدثنا عنهم هنا , اقترح العلماء معايير أخرى بجوارها على مر السنين . أحد هذه المعايير و الذى تعرض لقدر كبير من التقلب فى شعبيته هو معيار " الآراميه " . يقول هذا المعيار بأنه اذا كان قول معين ليسوع يمكن أن نعيده من اللغه اليونانيه التى كتبت بها الأناجيل الى اللغه الآراميه التى هى لغة يسوع الأصليه , و اذا كان معناه فى الآراميه أكثر وضوحا من معناه فى اليونانيه , تزداد احتمالية أن يكون هذا القول قولا أصيل النسبة ليسوع .
هاك مثالا على هذا . فى ختام القصه التى تحكى قطف تلاميذ المسيح للسنابل فى يوم السبت و الوراد ذكرها فى ( مرقص 2 – 23 الى 28 ) يقول يسوع قوله الشهير " السبت إنما جعل للإنسان , لا الإنسان لأجل السبت , اذا ابن الإنسان هو رب السبت أيضا " .
هناك صعوبة فى فهم هذه العباره على الأقل من زاوية معينه . لماذا قال يسوع " اذا " ؟ , لماذا عندما يجعل الله السبت للناس و ليس العكس , يكون ما يترتب على ذلك أن يكون يسوع , ابن الإنسان , هو رب السبت ؟
من الأسهل أن نفهم هذه العباره فى اللغه الآراميه , بما أن الكلمتين اليونانيتين التى تعبر عن " البشر " و " ابن الإنسان " قد تمثل كلتاهما ترجمة للكلمه الآراميه " بار ناشا " , و بالتالى فستكون صياغة العباره بالآراميه على النحو التالى ( جعل السبت من أجل " بار ناشا " , و ليس " بار ناشا " من أجل السبت , و لهذا فإن " بار ناشا " هو رب السبت ) . الآن يمكننا بكل سهوله أن نفهم لماذا جاءت كلمة " اذا " فى العباره , فبما أن السبت قد جعل من أجل البشر و ليس البشر من أجل السبت , اذا فالبشر لديهم مقام أعلى من السبت .
إن المسيحى الذى ترجم هذه العباره الى اليونانيه , سواء كان مرقص أو مصدر أقدم كان بحوذته , ترجم الموضعين الأولين اللذين وردت فيهما كلمة " بار ناشا " على أن الكلمه تعنى " البشر " , و لكنه ترجم الموضع الثالث الذى وردت فيه هذه الكلمه على أنها اشاره الى يسوع , مماخلق مشكله فى كيفية فهم ترابط أجزاء العباره معا .
لا نزال نقف أمام السؤال , ما اذا كان معيار " الآراميه " يمكن له أن يأخذ بأيدينا الى " يسوع التاريخى " , فإذا نجحنا أن نترجم قولا ما الى الآراميه , فهل هذا يعنى بالضروره أن يسوع قد نطق بهذا القول ؟ يمكنك أن ترى بنفسك أين الصعوبه اذا أمعنت النظر فى هذا المعيار , آخذا فى الإعتبار ما رأيناه فى دراستنا من أن أتباع يسوع الأوائل كانوا من الناطقين بالآراميه .
اذا كنا نعلم أن المتحولين الى المسيحيه غيروا أو اخترعوا فى بعض الأحيان أقوالا ليسوع , اذن لا يمكننا أن نفترض بكل بساطه أن هذا قد حدث فقط بين من كانوا يتحدثون باليونانيه , فبكل تأكيد حدث نفس الأمر مع المسيحيين الناطقين بالآراميه .
**** انتهى الإقتباس ****
و دعونا ننقل باختصار ما قاله أستاذ اللاهوت الألمانى " أوتو فليدرر " الذى شرح النص بطريقة أوضح فيقول (2) :
" لتعلموا أن لابن الإنسان سلطان أن يغفر الخطايا "
كلمة " ابن الإنسان " فى هذا الموضع لا تعنى أكثر من معنى " انسان " و هى فى الآراميه " بارناشا " , و بالتالى قصد يسوع أن يصحح فهم اليهود بأن الإنسان له أيضا أن يغفر الخطايا , و ليس هذا لله فقط .
فهم مصطلح ابن الإنسان هنا على أنه " المسيح " فهم غير مناسب لأن سامعيه لن يفهموا هذا من كلامه , بل فهموا أنه يعنى الإنسان كبشر , يوضح هذا ما ورد فى متى 9 – 8 " أنهم مجدوا الله الذى أعطى الإنسان سلطانا مثل هذا " .
و يقول الدكتور أوتو فليدرر فى موضع آخر (3) :
من الملاحظ أن الربوبية على السبت ليست نتيجه مترتبه على الكرامه المسيانيه ليسوع , لأنه بهذا سينقطع الإتصال المنطقى بين العدد 27 و 28 , و بالتالى فمصطلح " ابن الإنسان " هنا يعنى " الإنسان بوجه عام , كما فى العدد 10 .
**** انتهى الإقتباس *****
يتضح مما سبق أن النص لا يشير الى ألوهية المسيح , و يتضح أيضا أن من نقل النص الى اليونانيه قد أفسد ارتباط الجمله بعضها ببعض , و الأهم من ذلك أن هذا التغيير المتعمد الذى أفسد اتساق النص يوضح بكل جلاء الدوافع اللاهوتيه التى كانت لدى كاتب إنجيل مرقص بحيث تجعله يغير النصوص و لا يترجمها بأمانه , ليروج لعقيدة معينه له فى يسوع , حتى و إن أدى هذا الى إفساد ارتباط أجزاء النص بعضها ببعض . و أخيرا و ليس آخرا , كيف يكون كاتب هذا الإنجيل يوحى له من عند الله و هو يفسد النصوص كما أفسد النص الذى بين أيدينا ؟
_____________________________________
(1) Bart D. Ehrman
THE NEW TESTAMENT
A HISTORICAL INTRODUCTION
TO THE EARLY CHRISTIAN WRITINGS
صفحة 193
(2) Otto Pfleiderer, Primitive Christianity, its writings and teachings in their historical connections;volume 2
صفحة 8
(3) Otto Pfleiderer, Primitive Christianity, its writings and teachings in their historical connections;volume 2
صفحة 12
تعليق