التعامل مع الفتن السياسية في الاسلام

تقليص
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • انامل
    1- عضو جديد
    • 11 فبر, 2010
    • 44
    • student
    • مسلمة

    #1

    التعامل مع الفتن السياسية في الاسلام

    تعاملت الحضارة الإسلامية مع الفتن السياسية من منظور مغاير لم تعهده البشرية من قبل، فلم تُقَابَل كل الفتن بالقهر والبطش كما كان معهودًا من قبل، بل قابلتها بالأساليب المتفاوتة التي تدرأ كل فتنة على حدة، وأوضحت السنة النبوية دور الفرد في أوقات المحن والفتن، فعن عبد الله بن عمرو t أنه قال: بينما نحن حول رسول الله r إذ ذَكر الفتنة، أو ذُكرت عنده، فقال r: "إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا" وشبَّك بين أصابعه، قال: فقمت إليه فقلت له: كيف أفعل عند ذلك، جعلني اللَّه فداك؟ قال r: "الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ"[1]. فحضَّ النَّبي الفرد المسلم، الذي لا يملك من أمره شيئًا ألاَّ يختلط مع الناس في هذه الفتن، والأحوط حينئذ أن يلزم الإنسان بيته.
    التعامل الواقعي مع أحداث الفتن

    الفتنة الكبرى بين علي ومعاوية

    كانت الحضارة الإسلامية واقعية في تعاملها مع أحداث الفتن والثورات والاضطرابات، فأُولَى الفتن التي واجهت الأمة الإسلامية، اختلاف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t مع والي الشام معاوية بن أبي سفيان t؛ فقد أراد علي t عزل معاوية t عن الشام، ومعاوية t كان مُصرًّا على الأخذ بدم عثمان t، فلما تعارض الجانبان، وحدثت موقعة الجمل، ثم صفين، ومن ثم التحكيم، ثم مقتل علي t، فإن الأمة كلها في ذلك الوقت كانت في حالة غليان واضطراب واضح؛ ولذلك فإن أكثر ما يلفت النظر في هذه الفتنة، ما تمخَّض عنها في دَرْئِها، من خلال خليفة المسلمين الحسن بن علي ، فآخر ما أوصى به علي بن أبي طالب t ابنه الحسن t وبني عبد المطلب، أنه قال: "يا بني عبد المطلب، لا ألفينَّكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون: قُتل أمير المؤمنين، قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يُقتلنَّ إلا قاتلي، انظر يا حسن، إن أنا متُّ من ضربته هذه، فاضربه ضربة بضربة، ولا تُمَثِّل بالرجل"[2].

    وهذا النهي من علي t لابنه، هو أمر لا فكاك منه للحسن t وبني عبد المطلب جميعهم بعدم الخوض مرة أخرى في دماء المسلمين، كما حدث في الأعوام السابقة لمقتل علي بن أبي طالب t.

    وعلى الرغم من مبايعة الأمة للحسن بن علي -- بعد مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t عام 40هـ، فإن أول ما فعله الحسن t أنه أعلن عن عزمه لتجنُّب دماء المسلمين، وقرَّر عدم الاعتماد على أهل العراق الذين خذلوه وخذلوا أباه من قبل، فأرسل إلى معاوية t لطلب الصلح، وبالفعل تصالح الطرفان، وتنازل الحسن بن علي t لمعاوية t درءًا لدماء المسلمين، وقطعًا لدابر الفتنة[3].

    إن تنازل الحسن بن علي t لمعاوية t حقنًا لدماء المسلمين، بمحض إرادته، لهو دليل على أن هذه الحضارة أخذت في الاعتبار قيمة المسلم ودمه، وهذا ما لم تعرفه أي حضارة أخرى، فلقد كان الرومان يتلذَّذون بمشاهدة المعارك التي تقوم بين السباع والعبيد؛ حيث يُفتك بالعبد بين فَكَّي السبع، فيتضاحك الجمهور طربًا لذلك. أما الحضارة الإسلامية، فإنها قَرَّرت على لسان رسول الله r أن دم المسلم أشد حرمة عند الله من هدم الكعبة حجرًا حجرًا[4]!

    المرونة التامة في التعامل مع الفتن

    ثورة عبد الله بن الزبير على عبد الملك بن مروان

    ولقد تعاملت الشريعة الإسلامية بمرونة تامة مع الفتنة؛ حيث قَرَّر رسول الله r أنه "إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا..."[5]. وهذا الأمر إقرار لولاية المتغلِّب كما قرَّر جمهور الفقهاء، والغرض من ذلك إجماع الأمة حول إمام واحد؛ حقنًا للدماء، ولمًّا للشمل، ومنعًا لحدوث الفتنة؛ ولذلك فحينما حدث التقاتل والتنازع بين عبد الله بن الزبير t وعبد الملك بن مروان - رحمه الله- على أمر الخلافة، واستقلال عبد الله بن الزبير t بالعراق والحجاز ومصر، ولم يبق مع عبد الملك -رحمه الله- إلا الشام، رأينا كبار الأمة وأهل الرأي فيها من الصحابة وأبناء الصحابة ينهون الناس عن الولوج في هذه الفتنة، التي قسَّمت الأمة إلى شطرين، وعدم مبايعة أحدهما ما داما منشقين متنازعين، حتى إذا انتهت الفتنة بتغلُّب عبد الملك بن مروان رحمه الله، واجتماع الأمة حوله، وجدنا بعض كبار الصحابة يُقرُّون بإمامته ويُبايعونه، ومن هؤلاء عبد الله بن عمر t الذي أرسل إلى عبد الملك رسالة جاء فيها: "إنِّي أقرُّ بالسَّمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سُنَّة الله وسُنَّة رسوله فيما استطعت، وإنَّ بَنِيَّ قد أقرُّوا بذلك"[6].

    الغاية من الابتعاد عن الفتن

    إن الفتنة من المنظور الحضاري الإسلامي أمر يجب الابتعاد عنه قدر الإمكان، والغاية من الابتعاد عن الفتنة تتمثل في حقن دماء المسلمين، وتحقيق الغاية من إقامة الخلافة الإسلامية القائمة على الوحدة والاعتصام ونشر دين الله وعبادته حق العبادة، هكذا كانت -وما زالت- غاية الحضارة الإسلامية، ومن ثم أقرَّت الشريعة الإسلامية قتل الخليفة الثاني مع وجود أول يقوم بالأعباء وينهض بها، فقال رسول الله r: "إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا"[7].

    وهذا الحديث يشرحه الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- بقوله: "إذا استقر أمر الخليفة وانعقد الإجماع عليه فبويع لآخر بنوع تأويل كان باغيًا، وكان أنصاره بغاة، يُقاتَلون قتال البغاة. وقوله: "فاقتلوا الآخر منهما" ليس المراد به أن يُقَدَّم فيقتل، وإنما المراد: قاتلوه فإن آل الأمر إلى قتله جاز"[8].

عن الكاتب

تقليص

انامل مسلمة اكتشف المزيد حول انامل

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة عادل محمد, 13 ينا, 2015, 03:21-م
ردود 2
2,468 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محب المصطفى
بواسطة محب المصطفى
ابتدأ بواسطة كريم العيني, 17 ماي, 2024, 09:16-ص
ردود 0
36 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة كريم العيني
بواسطة كريم العيني
ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 21 فبر, 2007, 03:40-م
ردود 14
4,248 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة سيف الكلمة
بواسطة سيف الكلمة
ابتدأ بواسطة مسلم للأبد, 2 فبر, 2011, 10:28-م
ردود 5
2,074 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة om youssef
بواسطة om youssef
ابتدأ بواسطة ابن النعمان, 1 مار, 2010, 10:25-ص
ردود 0
5,592 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة ابن النعمان
بواسطة ابن النعمان
ابتدأ بواسطة عزيز باأسلامي, 20 أكت, 2012, 05:02-م
رد 1
3,878 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة معارج القبول
ابتدأ بواسطة محب المصطفى, 21 ينا, 2017, 01:19-م
ردود 0
888 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محب المصطفى
بواسطة محب المصطفى
ابتدأ بواسطة لخديم, 14 أكت, 2009, 01:29-ص
ردود 0
1,325 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة لخديم
بواسطة لخديم
ابتدأ بواسطة لخديم, 18 أكت, 2009, 06:16-م
رد 1
2,156 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة احمد المسلم العربي
ابتدأ بواسطة دكتور أشرف, 12 أغس, 2013, 07:36-م
ردود 0
850 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة دكتور أشرف
بواسطة دكتور أشرف
ابتدأ بواسطة محمد سني, 29 يول, 2020, 03:27-م
ردود 0
501 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محمد سني
بواسطة محمد سني
ابتدأ بواسطة فارس التوحيد, 22 يون, 2011, 01:15-م
ردود 0
1,073 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة فارس التوحيد
ابتدأ بواسطة مُعتزة بديني, 25 ديس, 2011, 11:50-ص
رد 1
853 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة مُعتزة بديني
ابتدأ بواسطة دال على الخير, 15 أبر, 2014, 09:59-ص
ردود 2
3,731 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محب المصطفى
بواسطة محب المصطفى
ابتدأ بواسطة mohamadamin, 16 سبت, 2014, 07:41-م
ردود 15
4,014 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة mohamadamin
بواسطة mohamadamin

مواضيع من نفس المنتدى الحالي

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ثابت: صحح أقوالك
بواسطة ام مريم
ابتدأ بواسطة ام مريم, 2 ماي, 2007, 03:57-م
ردود 167
44,005 مشاهدات
1 رد فعل
آخر مشاركة عاشق طيبة
بواسطة عاشق طيبة
ابتدأ بواسطة رسالة حق, 30 أكت, 2006, 06:04-م
ردود 126
23,430 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة نصرة الإسلام
ابتدأ بواسطة محب المصطفى, 22 ينا, 2014, 07:44-م
ردود 117
13,827 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة محب المصطفى
بواسطة محب المصطفى
ابتدأ بواسطة (((ساره))), 2 أكت, 2012, 04:51-م
ردود 110
27,474 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عاشق طيبة
بواسطة عاشق طيبة
ابتدأ بواسطة محب المصطفى, 6 ديس, 2013, 05:28-م
ردود 21
8,009 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة أحد الأنام
بواسطة أحد الأنام
يعمل...