مداخلة الراعي
- 04-29-2004 06:31 PM
عزيزي العميد
تحية لك وسلام
تتكلم عن آباء الكنيسة وكأنهم أصحاب ديانة سرية يعرف أسرارها أفراد قلائل وتتجاهل أن المسيحية في بداية القرن الثاني كانت قد انتشرت في كل دول حوض البحر المتوسط وقد عبر القديس يوستينوس الشهيد في بداية القرن الثاني (120م) عن هذا الانتشار بقوله للإمبراطور الروماني " لا توجد سلالة واحدة من البشر سواء كانت بربر أو إغريق ، سواء كانت ساكنة خيام أو بدو متجولين بينها مصلين ومقدمي شكر لا يقدمون صلواتهم باسم يسوع المصلوب " (Dial:117.) .
وقال العلامة ترتليان (145-220م) ، من شمال أفريقيا ، في دفاعه الذي أرسله إلى الإمبراطور الروماني أيضاً " نحن نملأ كل مكان بينكم ، المدن والقرى والأسواق والمعسكر والقبائل والجماعات والقصر ومجلس الشيوخ والساحة العامة ، ولم نترك لكم شيئاً سوى معابد آلهتكم " .
وكانت المسيحية منتشرة بكتابها المقدس بعهديه القديم والجديد ومن ضمنها الإنجيل للقديس يوحنا والذي اقتبس منه كل الذين كتبوا من آباء الكنيسة تلاميذ الرسل وخلفائهم الذين تسلموا منهم الإيمان ، وكانت الأناجيل معروفة بأسماء كتابها ، وعندما استشهد هؤلاء الآباء بها كان تركيزهم على الكلمة ، كلمة الله ، لا على الكاتب لأن الكاتب كان معروفا عندهم ، وعندما كتب إريناؤس تلميذ بوليكاربوس كان ما كتبه عن كتاب الأناجيل معروفا لكل الكنيسة بدليل أنه لم يناقش أحد مسألة من هم كتاب الأناجيل إلا بعد القرن الثامن عشر ، أما قبل ذلك فلم يسأل أحد عن ذلك لأن الأمر كان معروفا ومسلما به من الكنيسة كلها ، ولم يشك أحد في كتابة يوحنا للإنجيل المعروف باسمه طوال هذه القرون ، فقد كانت المسألة معروفة ومحسومة .
والقديس إريناؤس يؤكد على حقيقة ذلك بقوله " تسلمت الكنيسة 000 من الرسل ومن تلاميذهم هذا الإيمان [ فهي تؤمن ] بإله واحد الآب القدير خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها ، وبيسوع المسيح الواحد ، ابن الله الذي تجسد لأجل خلاصنا " (Against Haer.b i:10,1 ) .
وتكلم عن الأناجيل الأربعة في عصرة كحقيقة معروفة ومسلم بها عند الجميع فقال " ليس من الممكن أن تكون الأناجيل أكثر أو أقل عما هي عليه ، لأنه حيث يوجد أربعة أركان zones في العالم الذي نعيش فيه وأربعة أرواح " رياح " جامعة حيث انتشرت الكنيسة في كل أنحاء العالم وأن " عامود وقاعدة "(1تي15:13) الكنيسة هو الإنجيل وروح الحياة ، فمن اللائق إذا أن يكون لها أربعة أعمدة تنفس الخلود وتحيى البشر من جديد . وذلك يوضح أن الكلمة ، صانع الكل ، الجالس على الشاروبيم والذي يحتوى كل شئ والذي ظهر للبشر أعطانا الإنجيل في أربعة أوجه ولكن مرتبطة بروح واحد " (Ibid. ch. 11,8.) .
وقال أيضا " الأرض التي تقف عليها هذه الأناجيل أرض صلبه حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لها ويبدءون من هذه " الوثائق " ، وكل منهم يسعى لتأييد عقيدته الخاصة منها " (Ibid. ch. 11,8.) . وتسميته للأناجيل بالوثائق يؤكد حقيقة أنها موثقة ومأخوذة من تلاميذ المسيح ورسله .
أما عدم ذكر بوليكاربوس وغيره لأسماء كتاب الأناجيل بالروح القدس فلا يدل أن على أنهم ليسوا تلاميذ المسيح ، فهذه كانت العادة في تلك الفترة أن لا يذكر مدون الإنجيل اسمه ولا يذكر المقتبس منه أو المستشهد بما هو مكتوب أسم كاتب الإنجيل لأن الهدف كان هو المسيح نفسه ، كما ختم القديس يوحنا بقوله " أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولتكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه " (يو31:20) .
وهناك حقيقة هامة وهي أنكم تتجاهلون دائما أن الكنيسة في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها لم تقبل أي سفر من أسفار العهد الجديد إلا بعد التأكد من صحة نسبه إلى أحد التلاميذ والرسل وقد حدث خلاف حول بعض الكتب التي كتبت في الغرب وتأخر وصولها إلى الشرق ، فقبلها الغرب لأنه كان واثقا من مصدرها وتأخر في ذلك الشرق إلى أن تأكد من حقيقة مصدرها وصحة نسبها إلى أحد التلاميذ أو الرسل ، والعكس صحيح فقد قبلت أسفار في الشرق لأنها كتبت في كنائسه وبين مؤمنيه وتأخر قبولها في الغرب إلى أن تأكد من صحة نسبها إلى كتابها الموحى إليهم ، ولم يكن أحد الأناجيل الأربعة ، بما فيهم الإنجيل للقديس يوحنا ، من هذه الكتب المختلف عليها بل كانت مقبولة في كل الكنيسة شرقها وغربها وشمالها وجنوبها دون أدنى شك .
أما عن سؤالك " ما رأيك أنت شخصياً في ما استنتجه إريناوس من أن المسيح جاوز الخمسين عند موته ؟؟؟ " فأقول لك أن العلماء رأوا في قوله هذا مجرد استنتاج شخصي مبني على فهم خاطئ لقول اليهود للمسيح " ليس لك خمسون سنة بعد " (يو57:8) ، وليس على شهادة خارجية ، أي تسلمها ممن سبقوه من آباء الكنيسة ، وهذا هو نص كلامهم :
It may also be said that the opinion as to Christ's age is founded upon subjective grounds (cf. the preceding paragraph of Irenaeus) and upon a mistaken interpretation of John viii. 56, John viii. 57, rather than upon external testimony
Church History of Eusebius/Book III/Chapter 23
أما عن قولك " فلورنيوس الذي كان أيضاً تلميذاً من تلاميذ بوليكاربوس ، ولكنه انحرف إلي الغنوسية ) . فهل تقول أن فلورنيوس الغنوسي تلميذ بوليكاربوس أيضاً أخذ أفكاره الغنوسية عن بوليكاربوس والأخير عن يوحنا الرسول ؟؟؟ طبعاً لا أظن أنك تقول به ..." .
يا عزيزي اقتباسك يقول عن فلورينوس أنه أنحرف ، وأنحرف تعني خرج عن الخط الذي كان يسير فيه ، وكذلك أيضا أنحرف يهوذا عن المسيح فهل يعني ذلك بحسب مفهومك أنه أخذ فكره هذا عن المسيح ؟؟!!
يا عزيزي حكم العقل والمنطق وابتعد عن المنهج السوفسطائي الذي يبغي فقط أبطال حجة الآخر بأسلوب جدلي بعيدا عن العقل والمنطق .
أما بابياس فيصفه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري بالسذاجة والسطحية ولا نأخذ كل ما يقوله على أنه حقائق مسلم بها ، بل ما يتفق فيه مع كتاب عصره من العلماء فقط ، إلا يوجد لك أصدقاء مسلمين ليسوا في علمك بالإسلام ، أو حتى مسيحيين لا يعرفون ما تعرفه عن المسيحية ، أما إريناؤس فقد كان من أهم علماء عصره .
وتقول في ردك على ابن العرب " عزيزي لقد بيّنت لك أنه لا يوجد دليل قاطع وصريح يثبت من هو الكاتب ، وبيّنت أن كل ما هنالك محاولات تعتمد على الظن والاحتمال ، وهذا يكفي من ناحيتي ، وأترك الباقي لك ، فإذا أحببت أن تبني إيمانك على الظن والاحتمالات فهذا شأنك ، ولله الأمر من قبل ومن بعد . " !!
وأقول لك يا عزيزي لا ابن العرب ولا أي مسيحي آخر يمكن أن يبني إيمانه على الظن ، بل كلنا إيماننا مبني على ما سلمه المسيح للرسل وما سلمه الرسل لآباء الكنيسة الرسوليين وما سلمه هؤلاء إلى خلفائهم حتى سلموه إلى من خلفهم وهكذا . وكان هؤلاء جميعا ، وخاصة في القرون الأربعة الأولى للميلاد ، يثقون في صحة ما تسلموه لأنهم تسلموه جيلا بعد جيل داخل الكنيسة ، من شهود عيان للمسيح إلى شهود عيان لتلاميذه إلى شهود عيان لخلفائهم وهكذا ، وعلى سبيل المثال فقد كان القديس اكليمندس الإسكندري (150 -215 م) مديراً لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية وتلميذاً للعلامة بنتينوس ومُعلماً لكل من العلامة أوريجانوس وهيبوليتوس وكان كما يصفه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري " متمرساً في الأسفار المقدسة " (يوسابيوس ك5ف1) ، وينقل يوسابيوس عن كتابه وصف المناظر أنه أستلم التقليد بكل دقة من الذين تسلموه من الرسل ، فقد كان هو نفسه خليفة تلاميذ الرسل أو كما يقول هو عن نفسه إنه " التالي لخلفاء الرسل " (يوسابيوس ك6ف13) ، " ويعترف بأن أصدقاءه قد طلبوا منه بإلحاح أن يكتب من أجل - الأجيال المتعاقبة - التقاليد التي سمعها من الشيوخ الأقدمين " (يوسابيوس ك6ف8:13) ، وذلك باعتباره أحد خلفائهم . ومن ثم فقد سجل التقليد الشفوي الذي سمعه ورآه وتعلمه وعاشه وحوله إلى تقليد مكتوب ، كما شرحه ودافع عنه .
وينقل عنه يوسابيوس ، أيضا ، قوله عن معلميه الذين استلم منهم التقليد " وقد حافظ هؤلاء الأشخاص على التقليد الحقيقي للتعليم المبارك ، المسلم مباشرة من الرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس ، إذ كان الابن يتسلمه عن أبيه 000 حتى وصل إلينا بإرادة الله لنحافظ على هذه البذار الرسولية " (يوسابيوس ك5ف5:11) .
يا عزيزي ما تتخيله في مخك لا وجود له في المسيحية ، وما تحاول أن تصل إليه بالأسلوب الجدلي السوفسطائي لا يصمد أما الحقيقة ، وحقيقة صحة نسب الإنجيل الرابع للقديس يوحنا ساطعة سطوع الشمس في عز النهار .
وتحياتي لك
الراعي / عمانوئيل
تعليق