بسم الله الرحمن الرحيم
عادل طفل مسيحي ذكي في التاسعة من عمره ، كان ذات يوم في طريق العودة مع أبيه من الكنيسة وفي ذهنه تدور تساؤلات كثيرة فسأل والده في براءة :
عادل : أبي ... لماذا يلبس القسيس ملابس سوداء؟
الأب: لكي يعرفه الناس !
هز عادل رأسه بطريقة توحي بعدم اقتناعه
وبعد مسافة قصيرة سأل عادل اباه : أبي لماذا أراك تقبل الصليب كثيرا ؟
أجاب الأب : لأن يسوع المسيح صلب عليه يا عادل
رد عادل في براءة الأطفال قائلا : لكنني أكره هذا الصليب
قال الأب وقد بدا عليه الضجر من أسئلة عادل: ولماذا تكرهه؟
أجاب عادل: لإن يسوع المسيح تعذب ومات عليه
الأب: لكنه مات من أجلك يا عادل!
عادل : من أجلي !! وكيف ذلك
الأب: لكي يكفر عنك خطيئة أبيك آدم حين أكل من الشجرة
عادل: وما دخلي بخطيئة أبي آدم ؟ هل أنا مسؤول عن خطايا جميع الناس الذين خلقهم الله؟
الأب : هذا أمر ستفهمه عندما تكبر يا عادل
استمر عادل في طريقه للمنزل صامتا وهو يتمنى من داخله أن يأتي ذلك اليوم الذي يكبر فيه ويجد الإجابة عن جميع أسئلته
عادل كبر وكبرت الأسئلة في ذهنه وأصبح عمره خمس عشرة سنة. فكر عادل مرة في أن يناقش أمه لعله يجد إجابة شافية عندها
عادل: أمي إذا كان المسيح هو الذي خلقنا فمن الذي خلق المسيح؟
الأم: ولماذا تسأل هذا السؤال يا حبيبي ألا تعلم أن المسيح هو الخالق الذي خلق الكون كله؟
عادل : لكن المسيح يا أمي قد ولد من بطن أمه فمن الذي خلق السيدة العذراء؟
الأم : المسيح أيضا يا حبيبي
عادل: ولماذا دخل بطنها بعد أن خلقها ليولد كما يولد الأطفال؟ وكيف يمكن أن يكون لله الذي خلق الكون أمّا ؟
الأم : أنت تسأل عن أمور كثيرة يا عادل وسوف تعرف الإجابة عنها بمفردك عندما تكبر. من الأفضل لك الآن أن تراجع دروسك لإن موعد الامتحانات قد اقترب .
ترك عادل أمه ودخل غرفته لكي يراجع مادة الرياضيات وفي ذهنه سؤال كبير: هل سيأتي ذلك اليوم الذي يجد فيه إجابة شافية لجميع أسئلته؟؟
نجح عادل بتفوق في الثانوية العامة ودخل كلية الهندسة ولم ينس حلمه القديم فقد كانت الأسئلة تثور في ذهنه بين الحين والآخر و كان يقول في نفسه الآن لم أعد صغيرا ولا أبد أن أجد إجابة عن كل الأسئلة التي تدور في ذهني ولكن .... كانت مذاكرته لا تتيح له الوقت الكافي لكي يبحث عن إجابة شافية لكل هذه الأسئلة ... لكن سؤالا واحدا كان يؤرقه بشدة وهو : ماذا لو مت الآن؟ هل سيحاسبني الله لأني لم أجتهد في الوصول للحقيقة كما أجتهد في المذاكرة؟ فكر عادل قليلا ووجد أن الإجابة المنطقية هي نعم لأن الدين هو أهم شيء في حياة الإنسان وأن المذاكرة ما هي إلا وسيلة وليست هدفا.. كان عادل يشعر في داخله أن المسيحية بها الكثير من التناقضات والأمور المبهمة .. لقد تحير عقله كثيرا كلما قرأ عن شخصية المسيح في الكتاب المقدس .. أهذا حقا هو الرب الذي خلق السماوات والأرض.. إن حديث الكتاب المقدس عن المسيح لا يختلف عن حديثه عن نبي من الأنبياء .. حتى كلام المسيح نفسه إنه يتحدث عن نفسه كما يتحدث أي بشر عادي ! لماذا لم يعترف لليهود صراحة أنه هو الله الذي يجب أن يعبدوه ؟ هل كان خائفا منهم ؟ لا .. إن الرب لا يخاف . فماذا إذن؟ كان عادل يشعر في قرارة نفسه أن دين المسلمين ليس به كل هذه المتناقضات. كل الأمور واضحة عندهم ..
كم يحسد زملاءه المسلمين في الدفعة أنهم لا يعانون مثل هذه الحيرة.. كان عادل يعرف الكثير منهم معرفة شخصية وبعضهم من المتدينين لكنه بدلا من أن يحاور أيا منهم ويستفهم منه عن الإسلام لعله يجد إجابة شافية عن أسئلته - اتصل عادل بزميله جورج ودار بينهم هذا الحوار
عادل : كيف حالك يا جورج إني أريد أن أكلمك في موضوع مهم
جورج : وما هو يا عادل كلي آذان صاغية
عادل: جورج أخبرني بصراحة لماذا تؤمن أن المسيح هو الله؟
جورج ( متعجبا ) : وهل هذا سؤال يا عادل ؟ هل عندك شك في هذا؟
عادل : أريد أن أسمع منك إجابة واضحة يا جورج وأرجو ألا تفهمني خطأ
جورج : لأن أبانا أخبرنا ذلك في الكنيسة منذ أن كنا صغارا
وهذا ما تعلمناه في المدرسة و أبي و أمي وإخوتي كلهم...
قاطعه عادل قائلا: ولكننا الآن أصبحنا كبارا ولابد أن تصير لدينا قناعة ذاتية بأهم أمور الدين
ولا يكفي أن نعتمد على ما قاله لنا الأب أو المدرس في المدرسة و...
جورج: ماذا دهاك يا عادل هل تتصل بي في هذه الساعة لكي نتحدث في هذه الأمور؟
ألا تعلم أن عندنا امتحان ميكانيكا غدا؟
عادل : لكن هذا الكلام أهم من الامتحان صدقني
جورج: ماذا تقول يا عادل إنني أريد أن أحصل على تقدير هذا العام لا ككل مرة
.. هيا هيا أمامك العمر طويل بعد أن تتخرج من الكلية فكر واقتنع فيه كما تشاء
هيا إنني أريد أن أراجع مسائل العام الماضي
أشفق عادل على جورج وأدرك أنه لن يشعر بما يشعر به مهما حدثه وأنهى معه المكالمة
ثم انكب على مذاكرة الميكانيكا
مرت أعوام الدراسة على عادل سريعة و تخرج بتقدير جيد جدا ثم بدأ رحلة البحث عن عمل
ولم يتعب كثيرا فقد وجد عملا بسهولة.
أحب عادل عمله الجديد و كان يظل فيه أكثر ساعات النهار
وعندما يعود ليلا كان ينشغل في أمور متعددة حتى يحين ميعاد النوم
فينام مبكرا لكي يذهب إلى عمله في الصباح وهكذا دواليك ...
وفي يوم بينما كان عادل مستلقيا على سريره يداعب النوم عينيه فكر في نفسه
هل حقق أهدافه التي كان يخطط لها في صغره ؟ لقد تخرج من كلية مرموقة بتقدير مرتفع
ووجد عملا جيدا وها هو على مشارف الزواج...
فكر عادل قليلا ووجد أن هدفا واحدا لم يتحقق إنه الاقتناع الكامل.. سأل عادل نفسه ماذا تنتظر؟ ألم تتخرج من الكلية ؟ ألم تستقر في وظيفتك ؟ ألم تتحرر من أغلب القيود التي كانت عليك وأصبحت قادرا على اتخاذ قرارك بنفسك ؟
ماذا تنتظر إذن؟ لماذا لا تحاول البحث عن الحقيقة التي تروي ظمأك الروحي وتشبع رغبتك في اليقين الكامل؟ كان عادل في قرارة نفسه يوقن أن الدين الحق إن لم يكن هو المسيحية فلابد أن يكون هو الإسلام ولا ثالث لهما لما يعرفه عن الإسلام من خلال تعامله مع مسلمين ورؤيته لمناسك دينهم وتأثره بأخلاقهم .
كم كانت نفسه تمتلئ بالإعجاب والانبهار كلما تذكر تلك الآيات من القرآن التي قرأها صدفة في أحد مواقع الانترنت . إنه يشعر أن هذا الأسلوب ليس بأسلوب بشر ولكنه صادر عن قوة عليا محيطة بكل شيء وتملك كل شيء!
فكر عادل أن يقوم من السرير لكي يبحث في الإنترنت عن المواقع الإسلامية الموجهة لغير المسلمين وتشرح أساسيات العقيدة الإسلامية وتخاطب المسيحيين أساسا - لكنه نظر إلى ساعته فوجدها اقتربت من الثانية عشرة وتذكر أنه على موعد هام في عمله في السابعة صباحا فقرر أن يؤجل هذا الأمر للغد حتى يتمكن للاستيقاظ باكرا.
جاء الغد وانشغل عادل بعمله كالمعتاد ثم رجع إلى البيت منهكا.. مر طيف الفكرة التي عزم عليها أمس على ذهنه لكنه وجد نفسه متعبا وقرر تأجيلها إلى اليوم التالي ..
مر يوم من بعد يوم وانشغل عادل في العمل أكثر وأكثر وكان عادل قد حاز رضى رؤسائه ووضعوا ثقتهم فيه حتى تم ترقيته إلى منصب أعلى في الشركة التي يعمل فيها وأصبحت مشاغله أكثر وصار يقضي في العمل أوقاتا أطول
لم تنقطع صلة عادل بالكنيسة طول هذه المدة فقد كان يذهب إليها يوم الأحد بطريقة روتينية و يؤدي الصلاة بلا روح دون أن يشعر أن لها أي تأثير على حياته.
مرت السنون على عادل وقد تزوج وأنجب وصار وضعه في العمل أفضل حتى صار في مركز إداري هام في الشركة ولما يتجاوز الخامسة والثلاثين بعد
كان حلمه القديم يراوده بين الحين والآخر لكنه لم يكن يتجاوز دائرة تفكيره .. كان يشعر بتأنيب في ضميره أنه قد بلغ ما بلغ ولما يبذل أي محاولة جادة في البحث عن الحقيقة لكنه كان يعلل نفسه كل مرة بأن العمر أمامه طويل و ما لا يدرك اليوم قد يدرك غدا...
مر عام يتلوه عام وانشغل عادل في دوامة الحياة وبينما كان في المصيف يوما وقد وقف على شاطئ البحر يفكر في عظمة خلق البحر لا يرى له نهاية سأل نفسه أيمكن لهذا البحر الهائل ذي الأمواج المتلاطمة أن يكون خالقه عاجزا أن يدفع عنه أذى البشر حين وضعوه على الصليب وناله من الأذى ما ناله؟ هل يكون خالق هذا الكيان العظيم هو من يقرأ عنه في الإنجيل أنه كان يأكل ويشرب وينام ؟! لماذا كان يشرب إذا كان بإمكانه خلق كل هذه الكمية من المياه ؟ ابتسم عادل في نفسه حين شعر بطرافة السؤال لكن لم يلبث أن صاح بأعماقه صوت طالما أخمده طول التسويف : أما آن لك يا عادل أن تبحث عن الحقيقة؟ أترى أن هذا الضمير الذي يؤنبك يكذب عليك ويخدعك ؟ هل خدعك ضميرك الذي تصغي له في عملك دائما مرة واحدة لكي يخدعك هذه المرة؟ لماذا تلتفت إليه في عملك بالشركة ولا تلتفت إليه في عقيدتك ؟ راودته سريعا فكرة أن يلبس ملابسه ويدخل أي انترنت كافيه ليبدأ رحلته إلى اليقين ويتعرف أكثر على الإسلام - لكنه سرعان ما استثقل الفكرة ورأى أن ذلك قد يمنعه من الاستمتاع بالمصيف و كالعادة قرر أن يؤجل هذا الأمر حتى يعود إلى بلده لكي يكون بحثه أكثر جدية !!
رجع عادل إلى منزله و شغلته دوامة الحياة مرة أخرى و نسي ما عزم عليه من قبل و في يوم من الأيام بينما كان يقرأ الجريدة أخذت طفلته الصغيرة ماريان تلعب بين يديه ثم سألته فجأة في براءة قائلة: أبي من هو الإله الذي يعبده المسلمون ؟!
فوجئ عادل بسؤال كهذا أن يخرج من طفلة في مثل سنها وقد نسي أنه كان يسأل أسئلة مثلها حينما كان صغيرا مثلها واستطاع بصعوبة أن يخفي تعجبه من السؤال الذي أثار في نفسه كثيرا من الأشجان ووخزات الضمير.
فسألها : ولماذا تسألين هذا السؤال؟
الابنة في براءة: لأن لي صديقات مسلمات في المدرسة وهن طيبات جدا وأراهن يصلين صلاة جميلة وأريد أن أعرف هل سيدخلن النار؟
أُُسقط في يد عادل حينما سمع رد ابنته ولم يستطع أن يرد عليها لأنه نفسه لم يكن يعرف إجابة يقينية وتمنى كثيرا لو أنه عرف الإجابة لكنه للأسف لم يبذل أي محاولة جادة حتى الآن.
لم تلبث ماريان أن أردفت بسؤال آخر : أبي لقد رأيت يوما قسيسا يصلي لتمثال يسوع المسيح داخل الكنيسة ورأيت أمي تدعو أمام صورة المسيح فهل توجد تماثيل وصور مثل ذلك داخل مساجد المسلمين؟ وهل المسلمون يعبدون الله أم المسيح؟
لم يستطع عادل أن يخفي دهشته هذه المرة من أسئلة ابنته المتتابعة و خاصة سؤالها الأخير إلا أنه تمالك نفسه أخيرا فلم يكن يحب أن تفقد ابنته ثقتها فيه فأجابها بطريقة آلية: عندما تكبرين سوف تعرفين الإجابة عن جميع أسئلتك يا حبيبتي !
في هذه اللحظة كان عادل يعاني سيلا جارفا من وخزات الضمير وهو يشعر أنه خدع ابنته وتمنى في هذه اللحظة أن يعترف أمامها أنه لا يدري الإجابة وأنه يجب أن يبحثا سويا عن إجابة هذه الأسئلة من الآن - وليته فعل فالحقيقة هي أسمى ما يسعى إليه الإنسان - إلا أنه خاف أن تهتز صورته أمام ابنته فاستمر في قراءة الجريدة !!
مرت ستة أشهر على هذه الحادثة وأصيب عادل بمرض خطير وهو ما زال في الأربعين من عمره -وتدهورت حالته سريعا حتى لزم الفراش وأيقن الأطباء أن وفاته أصبحت وشيكة.
أصبحت زوجة عادل وابنته لا تفارقان فراشه وذات يوم وهن ينظرن إليه وهو يتألم ولا تملكان له شيئا لمحت ماريان كآبة عجيبة علت وجه أبيها وظلمة وعبوس لم تر مثلهم على وجه إنسان قط فامتلأ قلبها رعبا ثم سكنت أعضاء عادل إلى الأبد .. لقد مات عادل.. مات ولم تكفه أربعون سنة كاملة أن يتجرد فيها لمرة واحدة كي يبحث عن الحق ..
بكت ماريان كثيرا على أبيها ثم مرت عليها أعوام تلو أعوام و بينما كانت تذاكر دروسها الجامعية ذات مرة ثار في خاطرها طيف أبيها و تذكرت منظره قبل موته ثم فكرت هل يمكن أن يكون هذا حالها عندما تموت؟ وهل لهذا علاقة بأسئلتها الحائرة؟
توقفت ماريان عن المذاكرة وسرحت أفكارها في هذه الأسئلة الحائرة التي لم تعرف بعد إجابة شافية عنها ومر بفكرها أمور كثيرة تمثل مناطق مظلمة في ذهنها كالتثليث والأقانيم الثلاثة والخطيئة الموروثة والاعتراف والأسرار السبعة و...فكرت ماريان أن تبدأ فورا ببحث متجرد يشفي أنين روحها إلا أنها قررت تأجيل الفكرة حينما نظرت إلى ساعتها وتذكرت أن موعد المسلسل العربي قد حان - وليتها لم تفعل !! .... وليت أباها عادل لم يفعل ( التسويف والتأجيل لأهم عمل يعمله إنسان ، ألا وهو : البحث عن الحق للنجاة من النار يوم القيامة )
والآن .... هل ستكون كعادل وماريان ؟ أم ستبحث عن الحق ؟
ربك وخالقك ميزك بالعقل ... ولن ينفعك التعصب ولا اتباع الهوى
ولن ينفعك تقليد الآباء والأجداد ... لن ينفعوك بشيئ
... تفكر ... كم عدد القساوسة الذين أسلموا ؟؟ بالآلاف .... أو حتى بالمئات ،
وفي المقابل : هل سمعت عن عالم مسلم معروف ، اختار النصرانية وترك الإسلام ؟؟
... لا يوجد
ماذا يعني هذا ؟؟
تفكر في الأمر ... واختر طريق الهدى قبل فوات الأوان
... سيحاسبك خالقك على اختيارك ، بعد أن منحك العقل ، وفطرك على التوحيد ، وجعلك في عصر الفضائيات والانترنت ، في زمن يتيسر لك فيه أن تسمع آيات القرآن آناء الليل وأطراف النهار ... ويتبقى منك أن تتجرد للحق ، بصدق وإخلاص ... وستهتدي بإذن الخالق سبحانه .
عادل طفل مسيحي ذكي في التاسعة من عمره ، كان ذات يوم في طريق العودة مع أبيه من الكنيسة وفي ذهنه تدور تساؤلات كثيرة فسأل والده في براءة :
عادل : أبي ... لماذا يلبس القسيس ملابس سوداء؟
الأب: لكي يعرفه الناس !
هز عادل رأسه بطريقة توحي بعدم اقتناعه
وبعد مسافة قصيرة سأل عادل اباه : أبي لماذا أراك تقبل الصليب كثيرا ؟
أجاب الأب : لأن يسوع المسيح صلب عليه يا عادل
رد عادل في براءة الأطفال قائلا : لكنني أكره هذا الصليب
قال الأب وقد بدا عليه الضجر من أسئلة عادل: ولماذا تكرهه؟
أجاب عادل: لإن يسوع المسيح تعذب ومات عليه
الأب: لكنه مات من أجلك يا عادل!
عادل : من أجلي !! وكيف ذلك
الأب: لكي يكفر عنك خطيئة أبيك آدم حين أكل من الشجرة
عادل: وما دخلي بخطيئة أبي آدم ؟ هل أنا مسؤول عن خطايا جميع الناس الذين خلقهم الله؟
الأب : هذا أمر ستفهمه عندما تكبر يا عادل
استمر عادل في طريقه للمنزل صامتا وهو يتمنى من داخله أن يأتي ذلك اليوم الذي يكبر فيه ويجد الإجابة عن جميع أسئلته
عادل كبر وكبرت الأسئلة في ذهنه وأصبح عمره خمس عشرة سنة. فكر عادل مرة في أن يناقش أمه لعله يجد إجابة شافية عندها
عادل: أمي إذا كان المسيح هو الذي خلقنا فمن الذي خلق المسيح؟
الأم: ولماذا تسأل هذا السؤال يا حبيبي ألا تعلم أن المسيح هو الخالق الذي خلق الكون كله؟
عادل : لكن المسيح يا أمي قد ولد من بطن أمه فمن الذي خلق السيدة العذراء؟
الأم : المسيح أيضا يا حبيبي
عادل: ولماذا دخل بطنها بعد أن خلقها ليولد كما يولد الأطفال؟ وكيف يمكن أن يكون لله الذي خلق الكون أمّا ؟
الأم : أنت تسأل عن أمور كثيرة يا عادل وسوف تعرف الإجابة عنها بمفردك عندما تكبر. من الأفضل لك الآن أن تراجع دروسك لإن موعد الامتحانات قد اقترب .
ترك عادل أمه ودخل غرفته لكي يراجع مادة الرياضيات وفي ذهنه سؤال كبير: هل سيأتي ذلك اليوم الذي يجد فيه إجابة شافية لجميع أسئلته؟؟
نجح عادل بتفوق في الثانوية العامة ودخل كلية الهندسة ولم ينس حلمه القديم فقد كانت الأسئلة تثور في ذهنه بين الحين والآخر و كان يقول في نفسه الآن لم أعد صغيرا ولا أبد أن أجد إجابة عن كل الأسئلة التي تدور في ذهني ولكن .... كانت مذاكرته لا تتيح له الوقت الكافي لكي يبحث عن إجابة شافية لكل هذه الأسئلة ... لكن سؤالا واحدا كان يؤرقه بشدة وهو : ماذا لو مت الآن؟ هل سيحاسبني الله لأني لم أجتهد في الوصول للحقيقة كما أجتهد في المذاكرة؟ فكر عادل قليلا ووجد أن الإجابة المنطقية هي نعم لأن الدين هو أهم شيء في حياة الإنسان وأن المذاكرة ما هي إلا وسيلة وليست هدفا.. كان عادل يشعر في داخله أن المسيحية بها الكثير من التناقضات والأمور المبهمة .. لقد تحير عقله كثيرا كلما قرأ عن شخصية المسيح في الكتاب المقدس .. أهذا حقا هو الرب الذي خلق السماوات والأرض.. إن حديث الكتاب المقدس عن المسيح لا يختلف عن حديثه عن نبي من الأنبياء .. حتى كلام المسيح نفسه إنه يتحدث عن نفسه كما يتحدث أي بشر عادي ! لماذا لم يعترف لليهود صراحة أنه هو الله الذي يجب أن يعبدوه ؟ هل كان خائفا منهم ؟ لا .. إن الرب لا يخاف . فماذا إذن؟ كان عادل يشعر في قرارة نفسه أن دين المسلمين ليس به كل هذه المتناقضات. كل الأمور واضحة عندهم ..
كم يحسد زملاءه المسلمين في الدفعة أنهم لا يعانون مثل هذه الحيرة.. كان عادل يعرف الكثير منهم معرفة شخصية وبعضهم من المتدينين لكنه بدلا من أن يحاور أيا منهم ويستفهم منه عن الإسلام لعله يجد إجابة شافية عن أسئلته - اتصل عادل بزميله جورج ودار بينهم هذا الحوار
عادل : كيف حالك يا جورج إني أريد أن أكلمك في موضوع مهم
جورج : وما هو يا عادل كلي آذان صاغية
عادل: جورج أخبرني بصراحة لماذا تؤمن أن المسيح هو الله؟
جورج ( متعجبا ) : وهل هذا سؤال يا عادل ؟ هل عندك شك في هذا؟
عادل : أريد أن أسمع منك إجابة واضحة يا جورج وأرجو ألا تفهمني خطأ
جورج : لأن أبانا أخبرنا ذلك في الكنيسة منذ أن كنا صغارا
وهذا ما تعلمناه في المدرسة و أبي و أمي وإخوتي كلهم...
قاطعه عادل قائلا: ولكننا الآن أصبحنا كبارا ولابد أن تصير لدينا قناعة ذاتية بأهم أمور الدين
ولا يكفي أن نعتمد على ما قاله لنا الأب أو المدرس في المدرسة و...
جورج: ماذا دهاك يا عادل هل تتصل بي في هذه الساعة لكي نتحدث في هذه الأمور؟
ألا تعلم أن عندنا امتحان ميكانيكا غدا؟
عادل : لكن هذا الكلام أهم من الامتحان صدقني
جورج: ماذا تقول يا عادل إنني أريد أن أحصل على تقدير هذا العام لا ككل مرة
.. هيا هيا أمامك العمر طويل بعد أن تتخرج من الكلية فكر واقتنع فيه كما تشاء
هيا إنني أريد أن أراجع مسائل العام الماضي
أشفق عادل على جورج وأدرك أنه لن يشعر بما يشعر به مهما حدثه وأنهى معه المكالمة
ثم انكب على مذاكرة الميكانيكا
مرت أعوام الدراسة على عادل سريعة و تخرج بتقدير جيد جدا ثم بدأ رحلة البحث عن عمل
ولم يتعب كثيرا فقد وجد عملا بسهولة.
أحب عادل عمله الجديد و كان يظل فيه أكثر ساعات النهار
وعندما يعود ليلا كان ينشغل في أمور متعددة حتى يحين ميعاد النوم
فينام مبكرا لكي يذهب إلى عمله في الصباح وهكذا دواليك ...
وفي يوم بينما كان عادل مستلقيا على سريره يداعب النوم عينيه فكر في نفسه
هل حقق أهدافه التي كان يخطط لها في صغره ؟ لقد تخرج من كلية مرموقة بتقدير مرتفع
ووجد عملا جيدا وها هو على مشارف الزواج...
فكر عادل قليلا ووجد أن هدفا واحدا لم يتحقق إنه الاقتناع الكامل.. سأل عادل نفسه ماذا تنتظر؟ ألم تتخرج من الكلية ؟ ألم تستقر في وظيفتك ؟ ألم تتحرر من أغلب القيود التي كانت عليك وأصبحت قادرا على اتخاذ قرارك بنفسك ؟
ماذا تنتظر إذن؟ لماذا لا تحاول البحث عن الحقيقة التي تروي ظمأك الروحي وتشبع رغبتك في اليقين الكامل؟ كان عادل في قرارة نفسه يوقن أن الدين الحق إن لم يكن هو المسيحية فلابد أن يكون هو الإسلام ولا ثالث لهما لما يعرفه عن الإسلام من خلال تعامله مع مسلمين ورؤيته لمناسك دينهم وتأثره بأخلاقهم .
كم كانت نفسه تمتلئ بالإعجاب والانبهار كلما تذكر تلك الآيات من القرآن التي قرأها صدفة في أحد مواقع الانترنت . إنه يشعر أن هذا الأسلوب ليس بأسلوب بشر ولكنه صادر عن قوة عليا محيطة بكل شيء وتملك كل شيء!
فكر عادل أن يقوم من السرير لكي يبحث في الإنترنت عن المواقع الإسلامية الموجهة لغير المسلمين وتشرح أساسيات العقيدة الإسلامية وتخاطب المسيحيين أساسا - لكنه نظر إلى ساعته فوجدها اقتربت من الثانية عشرة وتذكر أنه على موعد هام في عمله في السابعة صباحا فقرر أن يؤجل هذا الأمر للغد حتى يتمكن للاستيقاظ باكرا.
جاء الغد وانشغل عادل بعمله كالمعتاد ثم رجع إلى البيت منهكا.. مر طيف الفكرة التي عزم عليها أمس على ذهنه لكنه وجد نفسه متعبا وقرر تأجيلها إلى اليوم التالي ..
مر يوم من بعد يوم وانشغل عادل في العمل أكثر وأكثر وكان عادل قد حاز رضى رؤسائه ووضعوا ثقتهم فيه حتى تم ترقيته إلى منصب أعلى في الشركة التي يعمل فيها وأصبحت مشاغله أكثر وصار يقضي في العمل أوقاتا أطول
لم تنقطع صلة عادل بالكنيسة طول هذه المدة فقد كان يذهب إليها يوم الأحد بطريقة روتينية و يؤدي الصلاة بلا روح دون أن يشعر أن لها أي تأثير على حياته.
مرت السنون على عادل وقد تزوج وأنجب وصار وضعه في العمل أفضل حتى صار في مركز إداري هام في الشركة ولما يتجاوز الخامسة والثلاثين بعد
كان حلمه القديم يراوده بين الحين والآخر لكنه لم يكن يتجاوز دائرة تفكيره .. كان يشعر بتأنيب في ضميره أنه قد بلغ ما بلغ ولما يبذل أي محاولة جادة في البحث عن الحقيقة لكنه كان يعلل نفسه كل مرة بأن العمر أمامه طويل و ما لا يدرك اليوم قد يدرك غدا...
مر عام يتلوه عام وانشغل عادل في دوامة الحياة وبينما كان في المصيف يوما وقد وقف على شاطئ البحر يفكر في عظمة خلق البحر لا يرى له نهاية سأل نفسه أيمكن لهذا البحر الهائل ذي الأمواج المتلاطمة أن يكون خالقه عاجزا أن يدفع عنه أذى البشر حين وضعوه على الصليب وناله من الأذى ما ناله؟ هل يكون خالق هذا الكيان العظيم هو من يقرأ عنه في الإنجيل أنه كان يأكل ويشرب وينام ؟! لماذا كان يشرب إذا كان بإمكانه خلق كل هذه الكمية من المياه ؟ ابتسم عادل في نفسه حين شعر بطرافة السؤال لكن لم يلبث أن صاح بأعماقه صوت طالما أخمده طول التسويف : أما آن لك يا عادل أن تبحث عن الحقيقة؟ أترى أن هذا الضمير الذي يؤنبك يكذب عليك ويخدعك ؟ هل خدعك ضميرك الذي تصغي له في عملك دائما مرة واحدة لكي يخدعك هذه المرة؟ لماذا تلتفت إليه في عملك بالشركة ولا تلتفت إليه في عقيدتك ؟ راودته سريعا فكرة أن يلبس ملابسه ويدخل أي انترنت كافيه ليبدأ رحلته إلى اليقين ويتعرف أكثر على الإسلام - لكنه سرعان ما استثقل الفكرة ورأى أن ذلك قد يمنعه من الاستمتاع بالمصيف و كالعادة قرر أن يؤجل هذا الأمر حتى يعود إلى بلده لكي يكون بحثه أكثر جدية !!
رجع عادل إلى منزله و شغلته دوامة الحياة مرة أخرى و نسي ما عزم عليه من قبل و في يوم من الأيام بينما كان يقرأ الجريدة أخذت طفلته الصغيرة ماريان تلعب بين يديه ثم سألته فجأة في براءة قائلة: أبي من هو الإله الذي يعبده المسلمون ؟!
فوجئ عادل بسؤال كهذا أن يخرج من طفلة في مثل سنها وقد نسي أنه كان يسأل أسئلة مثلها حينما كان صغيرا مثلها واستطاع بصعوبة أن يخفي تعجبه من السؤال الذي أثار في نفسه كثيرا من الأشجان ووخزات الضمير.
فسألها : ولماذا تسألين هذا السؤال؟
الابنة في براءة: لأن لي صديقات مسلمات في المدرسة وهن طيبات جدا وأراهن يصلين صلاة جميلة وأريد أن أعرف هل سيدخلن النار؟
أُُسقط في يد عادل حينما سمع رد ابنته ولم يستطع أن يرد عليها لأنه نفسه لم يكن يعرف إجابة يقينية وتمنى كثيرا لو أنه عرف الإجابة لكنه للأسف لم يبذل أي محاولة جادة حتى الآن.
لم تلبث ماريان أن أردفت بسؤال آخر : أبي لقد رأيت يوما قسيسا يصلي لتمثال يسوع المسيح داخل الكنيسة ورأيت أمي تدعو أمام صورة المسيح فهل توجد تماثيل وصور مثل ذلك داخل مساجد المسلمين؟ وهل المسلمون يعبدون الله أم المسيح؟
لم يستطع عادل أن يخفي دهشته هذه المرة من أسئلة ابنته المتتابعة و خاصة سؤالها الأخير إلا أنه تمالك نفسه أخيرا فلم يكن يحب أن تفقد ابنته ثقتها فيه فأجابها بطريقة آلية: عندما تكبرين سوف تعرفين الإجابة عن جميع أسئلتك يا حبيبتي !
في هذه اللحظة كان عادل يعاني سيلا جارفا من وخزات الضمير وهو يشعر أنه خدع ابنته وتمنى في هذه اللحظة أن يعترف أمامها أنه لا يدري الإجابة وأنه يجب أن يبحثا سويا عن إجابة هذه الأسئلة من الآن - وليته فعل فالحقيقة هي أسمى ما يسعى إليه الإنسان - إلا أنه خاف أن تهتز صورته أمام ابنته فاستمر في قراءة الجريدة !!
مرت ستة أشهر على هذه الحادثة وأصيب عادل بمرض خطير وهو ما زال في الأربعين من عمره -وتدهورت حالته سريعا حتى لزم الفراش وأيقن الأطباء أن وفاته أصبحت وشيكة.
أصبحت زوجة عادل وابنته لا تفارقان فراشه وذات يوم وهن ينظرن إليه وهو يتألم ولا تملكان له شيئا لمحت ماريان كآبة عجيبة علت وجه أبيها وظلمة وعبوس لم تر مثلهم على وجه إنسان قط فامتلأ قلبها رعبا ثم سكنت أعضاء عادل إلى الأبد .. لقد مات عادل.. مات ولم تكفه أربعون سنة كاملة أن يتجرد فيها لمرة واحدة كي يبحث عن الحق ..
بكت ماريان كثيرا على أبيها ثم مرت عليها أعوام تلو أعوام و بينما كانت تذاكر دروسها الجامعية ذات مرة ثار في خاطرها طيف أبيها و تذكرت منظره قبل موته ثم فكرت هل يمكن أن يكون هذا حالها عندما تموت؟ وهل لهذا علاقة بأسئلتها الحائرة؟
توقفت ماريان عن المذاكرة وسرحت أفكارها في هذه الأسئلة الحائرة التي لم تعرف بعد إجابة شافية عنها ومر بفكرها أمور كثيرة تمثل مناطق مظلمة في ذهنها كالتثليث والأقانيم الثلاثة والخطيئة الموروثة والاعتراف والأسرار السبعة و...فكرت ماريان أن تبدأ فورا ببحث متجرد يشفي أنين روحها إلا أنها قررت تأجيل الفكرة حينما نظرت إلى ساعتها وتذكرت أن موعد المسلسل العربي قد حان - وليتها لم تفعل !! .... وليت أباها عادل لم يفعل ( التسويف والتأجيل لأهم عمل يعمله إنسان ، ألا وهو : البحث عن الحق للنجاة من النار يوم القيامة )
والآن .... هل ستكون كعادل وماريان ؟ أم ستبحث عن الحق ؟
ربك وخالقك ميزك بالعقل ... ولن ينفعك التعصب ولا اتباع الهوى
ولن ينفعك تقليد الآباء والأجداد ... لن ينفعوك بشيئ
... تفكر ... كم عدد القساوسة الذين أسلموا ؟؟ بالآلاف .... أو حتى بالمئات ،
وفي المقابل : هل سمعت عن عالم مسلم معروف ، اختار النصرانية وترك الإسلام ؟؟
... لا يوجد
ماذا يعني هذا ؟؟
تفكر في الأمر ... واختر طريق الهدى قبل فوات الأوان
... سيحاسبك خالقك على اختيارك ، بعد أن منحك العقل ، وفطرك على التوحيد ، وجعلك في عصر الفضائيات والانترنت ، في زمن يتيسر لك فيه أن تسمع آيات القرآن آناء الليل وأطراف النهار ... ويتبقى منك أن تتجرد للحق ، بصدق وإخلاص ... وستهتدي بإذن الخالق سبحانه .
تعليق