موقع قصة الإسلام
أقدم الكيان الصهيوني فجر اليوم الاثنين 31 مايو2010م على حماقة جديدة تضاف إلى سجل حماقاته الحافل، بارتكابه مجزرة بحق نشطاء أسطول الحرية العزّل المتجه نحو قطاع غزة؛ مما أسفر عن استشهاد 16 متضامنًا كانوا على متن سفن الأسطول في المياه الدولية، إضافة إلى عشرات المصابين.
ويتكون الأسطول من تسع سفن ويحمل 750 متضامنًا من أكثر من ستين دولة، بينهم 44 شخصية رسمية وبرلمانية وسياسية أوربية وعربية، كما تحمل سفنه أكثر من عشرة آلاف طن من المساعدات الطبية ومواد البناء، إضافة إلى مائة منزل جاهز لمساعدة آلاف السكان الذين فقدوا منازلهم في الحرب الصهيونية على غزة مطلع العام الماضي 2009م، فضلاً عن خمسمائة عربة كهربائية للمعاقين.
وتعد تركيا من أبرز الدول المشاركة في الأسطول وأكثرهم استعدادًا، وقد ظهر ذلك جليًّا في الدعاية الواسعة التي حظيت بها الحملة، حيث استقبلها الشعب التركي بتضامن كبير.
كما نُقل عن منظمي الحملة قولهم: إن كثيرًا من الأحزاب التركية قاموا بدعم هذه المبادرة، حيث بلغ عدد الأتراك المشاركين في الحملة 500 فرد.
وكانت الحملة الأوربية لرفع الحصار عن غزة، إحدى الجهات المؤسسة لائتلاف أسطول "الحرية"، قدّرت وصول إلى قطاع غزة في يوم الجمعة 4 يونيو، إلا أن البحرية الصهيونية لم تحتمل الانتظار فخرجت لهم وهاجمتهم في عمق المياه الدولية!!
وقد حظي أسطول الحرية المتجه إلى غزة بتغطية إعلامية ضخمة، فإلى جانب أنه حمل على متنه أجهزة بث فضائي لأول مرة، فقد ضم ما يزيد على 36 صحفيًّا يعملون في 21 وكالة أنباء ووسائل إعلام عالمية؛ بهدف نقل وقائع تحرّك الأسطول أولاً بأول في مختلف القنوات حول العالم.
ومن بين وسائل الإعلام التي رافقت أسطول الحرية: قناة الجزيرة الإنجليزية، ويورو نيوز الأوربية الناطقة بعدة لغات، و"إنفو بال" الإيطالية، والتلفزيون البلغاري، والتلفزيون التشيكي، ومؤسسة دينس الإعلامية في التشيك، إضافة إلى عدد كبير من الصحفيين والكتاب في صحف أوربية متنوعة.
وفور حدوث الاعتداء الصهيوني على الأسطول تبارت مختلف وسائل الإعلام في تغطيتها للحدث وأظهرت بما لا يدع مجالاً للشك بشاعة الجيش الصهيوني وخبثه، وخاصة حينما أعلنت الإذاعة الصهيونية إصابة الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية بجروح خطيرة خلال العملية التي جرت على بعد 20 ميلاً بحريًّا من قطاع غزة.
وقد أعلن مراسل الجزيرة -الذي أكد أنه يتصل خلسة مخافة كشفه من البحرية الصهيونية التي قطعت الاتصالات- أن مئات الجنود الصهاينة المدعومين من الجو, هاجموا سفن الأسطول في وقت واحد واستخدموا الرصاص والغازات.
الحدث بأقلام المحللين
توقع الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة في مقال بعنوان "سفن الحرية في مواجهة الصلف الصهيوني"، والذي نشر في صحيفة الدستور الأردنية بتاريخ 30 مايو، أن تقوم القوات الصهيونية بالسيطرة على السفن التابعة لأسطول الحرية، حيث كتب: "يوم الأحد 30 مايو، سنكون على الأرجح أمام مشاهد السيطرة الصهيونية على سفن الحرية المتجهة صوب ميناء غزة، والتي اكتملت فصولها من حيث التخطيط والإعداد، بل وجرى إعلان عنوانها "رياح السماء"، وكذلك معظم فصولها الأخرى؛ لأننا نفترض أن هناك ما لم يعلن عنه لأهداف أمنية.
ليس لدى الصهاينة أية نية لتمرير السفن، والسبب أن الأمر يتجاوز مرور بضع مئات من النشطاء السياسيين إلى قطاع غزة، ومعهم مساعدات لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات؛ إذ يعني بكل وضوح وصراحة بداية تحرير الساحل الغزي من السيطرة الصهيونية، بينما نصت اتفاقية المعابر البائسة (2005م) على إبقائه رهن تلك السيطرة، ومعه المعبر البري مع مصر، وإن كان تحت سيطرة أقل صلفًا بالتعاون مع الاتحاد الأوربي.
لو تحرر البحر لكان بوسع قوى المقاومة أن تكون أكثر حرية في الحصول على السلاح، الأمر الذي سيعزز توازن الردع مع العدو، ولو بقدر ما، في حين بني الجدار الفولاذي مع مصر من أجل منع تهريب السلاح وما يتبعه من مستلزمات، أكثر من الاحتياجات المدنية العادية.
ثمّ يعرج الكاتب الفلسطيني على الموقف التركي المشرّف، فيكتب: "وحدها تركيا التي سكتت على تنظيم الحملة التي تنظم برعاية من (هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية) التابعة لحزب السعادة (الإسلامي)، لكن أمر التعامل مع السفن سيترك للطرف الصهيوني، وسنرى بعد ذلك ما يستجد من مواقف في التعليق على صلف الصهاينة، فيما نتوقع أن يكون موقف حكومة أردوجان هو الأفضل".
ويختم مقاله: "قد لا تصل الحملة إلى نهاياتها المأمولة بكسر الحصار بالكامل، لكن رمزيتها لا تخفى على أحد، والصهاينة مهما حاولوا لن يخفوا أزمتهم في التعاطي مع الشعب الفلسطيني، ولولا نفر من هذا الشعب لا يملون الحديث عن وفائهم للمفاوضات ورفضهم للمقاومة، مع عملهم الدءوب على تخليص الاحتلال من الأعباء السياسية والأمنية والاقتصادية، لولا هؤلاء لتعززت تلك الأزمة.
سنتابع على الأرجح مشاهد الصلف الصهيوني على الهواء، فيما يتوعد الغزاة بقطع وسائل الاتصال بين السفن وركابها وبين العالم الخارجي لمنع بث الفضيحة على الهواء، لكن ذلك لن يحول بيننا وبين معرفة التفاصيل؛ لأن الرواة كثر، ولأن وسائل التكنولوجيا قد تجد منفذًا ما لكشف المستور.
سفن الحرية إذن ستعانق الحرية أيًّا يكن السيناريو المقبل، تمامًا كما تمضي فلسطين في طريق الحرية الحتمي، طال الزمان أم قصر. ويبقي الخزي والعار من نصيب الغزاة ومن يسهلون مهمتهم من أي جنس أو لون".
تأثير الحدث على العالم الإسلامي
قابل العالم الإسلامي الخبر في الوهلة الأولى بشيء من الصدمة؛ إذ فاجأهم الصهاينة برد فعلهم العنيف ضد مجموعة من النشطاء الدوليين رغم حرصها الدائم على إخفاء وجهها القبيح وراء مساحيق الدبلوماسية وتمسكها بالمعاهدات الدولية!!
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية -للحكومة المنتخبة- أول من عقّب على المجزرة الصهيونية، فأعلن أن قتلى "أسطول الحرية" شهداء للشعب الفلسطيني، كما أطلق على اليوم الاثنين 31 مايو اسم "يوم الحرية"، داعيًا إلى حراكٍ دوليٍّ وإقليميٍّ داعمٍ للأسطول، مشددًا على أن الحل يكمن في إنهاء الحصار ورفع المعاناة عن غزة.
وطالب هنية، في خطابٍ متلفزٍ بعد اجتماعٍ عقدته الحكومة، "كل الأطراف المشارِكة في حصار غزة إلى الكف عن هذا التواطؤ مع الكيان الصهيوني"، داعيًا في الوقت ذاته إلى "إضرابٍ شاملٍّ الثلاثاء 1 يونيو في الضفة الغربية وقطاع غزة".
وأطلق رئيس الوزراء الفلسطيني على هذا اليوم اسم "يوم الحرية"، نفس اسم القافلة التي مارست بحقها القوات الصهيونية القرصنة في عرض بحر المتوسط. كذلك قرَّرت الحكومة الفلسطينية المنتخبة منح كل المشاركين في القافلة وسام شرف "وسام كسر الحصار"؛ ليظل على صدورهم وسامًا يخلِّد هذه البطولة، ويخلِّد هذه الحركة الإنسانية في ذاكرة الجيل الفلسطيني.
وأخيرًا دعا هنية جماهيرَ الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات إلى "الخروج في مسيرات ومظاهرات غضب واحتجاج على هذه الجريمة النكراء، وتأكيد للتضامن الكامل مع أعضاء القافلة".
وعلى الجانب الصهيوني فقد فرضت البحرية الصهيونية طوقًا على شواطئ غزة لمنع السفن من الخروج إلى البحر، فيما سيطرت على السفن وهي في طريقها إلى ميناء أسدود، كما أُعلنت حالة الطوارئ في منطقة الشمال المحتل بأراضي 1948م بعد أنباء عن إصابة الشيخ رائد صلاح في الهجوم الصهيوني على الأسطول.
أمَّا في تركيا فقد أعلن وزير الخارجية التركي سحب السفير التركي لدى الكيان الصهيوني، وذلك في مقابلة مع قناة الأخبار التابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية، وذلك كرد فعل على الهجوم الذي تعرضت له سفن المساعدات الإنسانية المتوجهة إلى فلسطين.
وأفاد الوزير أنهم على اتصال دائم مع وزراء خارجية مواطني الدول الأخرى المتواجدين في القافلة، وجاء في بيان الخارجية التركية ما يلي: "نتيجة استخدام القوات الصهيونية القوة ضد قافلة المساعدات الإنسانية المتوجهة إلى غزة والحاملة على متنها عدد كبير من المدنيين من شتى بلدان العالم بينهم أطفال ونساء، نستنكر وبأشد شكل مقتل شخصين وإصابة أكثر من 30 شخصًا بجروح حسب المعلومات الأولية. لقد أظهرت دولة الكيان الصهيوني مرة أخرى، وبشكل واضح أنها تضرب بحياة الإنسان ومساعي السلام عرض الحائط باستهدافها المدنيين الأبرياء. نحن نستنكر بشدة التعاملات الصهيونية غير الإنسانية. هذا الحادث المؤسف الذي وقع في المياه الدولية يعتبر انتهاكًا شديدًا للقانون الدولي، وستنتج عنه نتائج لا يمكن تلافيها في العلاقات الثنائية".
كما تم استدعاء السفير الصهيوني في كل من تركيا واليونان وإسبانيا لإبداء الاستنكار والرفض الشديد لما قامت به القوات الصهيونية.
كما ذكر مندوب جامعة الدول العربية أن مجلس الجامعة سيعقد اجتماعًا طارئًا الثلاثاء الأول من يونيو لمناقشة الاعتداء الصهيوني على سفن قافلة المساعدات الدولية التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة.
وعلى جانب آخر، دعا الاتحاد الأوربي إلى التحقيق في سقوط قتلى على متن سفن المساعدات المتجهة لقطاع غزة في الهجوم الذي شنته البحرية الصهيونية، وحثت دولة الكيان الصهيوني على السماح بحرية تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع.
الحدث في كلمات
لقد أراد الكيان الصهيوني توجيه رسالة صريحة إلى المتضامنين مع غزة ومع القضية الفلسطينية، أن ثمن هذا التضامن سيكون باهظًا، وأن دولة الكيان لن تتورع عن استخدام قوتها العسكرية لمنع أي مساندة لغزة، أو للقدس، أو لأي شيء يتعلق بالقضية الفلسطينية.
لقد أسفر الصهاينة عن وجههم القبيح، وأطاحوا بأحلام السذّج في إمكانية إجراء حوار عقلي وسلمي مع دولة الكيان الصهيوني؛ فالرصاص هو لغة الحوار الوحيدة التي سيعتمد عليها الصهاينة في تسوية قضاياهم.
ونرى أن الكرة الآن في ملعب العالم العربي والإسلامي بل وفي ملعب أحرار العالم بكامله، فهل سيتوقف العالم عن دعمه للصمود الفلسطيني في غزة وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، أم سيستمر في تقديم المساندة مع دفع الضريبة المترتبة على ذلك، والتي قد تصل إلى الاستشهاد؟!
في رأينا أن العنف الصهيوني على مر تاريخه لم يستطع أن يوقف يد التأييد والدعم والمساندة للفلسطينيين وقضيتهم العادلة، بل على العكس فقد زادها قوة وصلابة وتصميمًا على تبنّي هذه القضية، ووضعها في مقدمة سلم الأولويات الوطنية والقومية، ومن قبلهم الإسلامية.
تعليق