وحتى يتم تصور مادة الزمن في القرآن الكريم تصوراً مؤسساً، ينبغي أنيتنبه الباحث إلى هذا الجانب، ويوليه أهمية كبرى، وإلا فنصف التصور عندهضائع.
ومما يلاحظ من القرآن وهو يعرض مادة الزمن توظيفه لفنون البلاغة، من ذلك: الجمع والتفريق، والتقديم والتأخير، والتخصيص والتعميم، واللفظ المشترك وغيرالمشترك، والتغليب، وحياة الألفاظ، والتكرار، والتشبيه، والاستعارة، والكناية،والإيجاز والإطناب، والسجع، والتصوير، والالتفات، والرمز ... وغيرها من فنونالبلاغة مما أحصاه المفسرون والبلاغيون، ومما لم يحصوه بعد، ويمكن إعداد بحث مستقلمستفيض وشيِّق في هذا المجال، أما نحن فنكتفي باستعراض نماذج تقرب الفهم، وتكونسنداً لبحثنا، تاركين الغوص لأهل التخصص:
1 ـ تحديد الألفاظ:
يستثير المتأملفي جدول ألفاظ الزمن في القرآن الكريم، التحديد الدقيق لمكان الألفاظ وسياقها، بحيثيرى اللفظ «قاراً في موضعه، لأنه الأليق في النظم، ثم لأنه مع ذلك الأوسع فيالمعنى، ومع ذلك الأقوى في الدلالة ... ».
ففي قوله تعالى: (هو الأول والآخروالظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) سورة الحديد: 3، نجد لفظتي الأولوالآخر.
فكلمة «الأول» هكذا: معرَّفة، مذكَّرة، ومفردة ... لم ترد بهذا المعنى ـأي اسماً من أسماء الله تعالى ـ إلا في هذه الآية، وكل من المعرفة التي تنفي النكرةوالخفاء، والذكورة التي تنفي الأنوثة والضعف، والإفراد الذي ينفي التعدد والاشتراك ... كل هذا يتفق وصفات الله تعالى، حتى إنه إذا قيل «الأول» ـ في لغة القرآن هكذامطلقاً ـ فإنه ينصرف إلى الله سبحانه وتعالى دون غيره.
وكذلك يقال عن «الآخِر» الذي ورد بمعنى يوم القيامة، ولكنه أسند إلى «اليوم» (واليوم الآخر) سورة التوبة: 19. وأما مطلقاً فيعني اللهَ سبحانه دون غيره.
ويعني بالآخر: «المتأخر عن غيره،لا انتهاء له ... والآخر بالأبدية» وبالأول: «الأول الذي هو بالأزلية».
ومهمابحث الباحث عن لفظين ليضعهما في موضع هذين فإن اللغة لن تسعفه، ولن يجد أبلغ ولاأعمق ولا أدق تعبيراً، أو أحسن وزناً من هذين اللفظين «الأول» و «الآخر»، خاصة وأنالآيات بصدد التعرض لموضوع الإحياء والإماتة، وخلق السموات والأرض، فناسب أن ينبهإلى الأولية والآخرية.
2 ـ المقابلة:
عرَّف البلاغيون المقابلة بأنها إيرادالكلام ثم مقابلته بمثله في المعنى واللفظ، على وجه الموافقة أو المخالفة، وبهذاالمعنى استعمل القرآن الكريم المقابلة كأداة للتعبير عن الزمن في كثير منآياته.
ومن الأمثلة قوله تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيهولتبتغوا من فضله) القصص: 73، فقد جيء في صدر الآية بضدين هما: الليل والنهار، ثمقابلهما بضدين هما: السكون والحركة على الترتيب «ثم عبر عن الحركة بلفظ مرادف،فاكتسب الكلام بذلك ضرباً من المحاسن زائداً عن المقابلة، ذلك أنه عدل عن لفظالحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل، لكون الحركة تكون لمصلحة ولمفسدة، وابتغاء الفضل حركةلمصلحة دون مفسدة».
3 ـ الطباق:
الطباق هو الجمع بين الشيء وضده في كلامواحد، ومن أمثلته في القرآن الكريم: الليل والنهار، الأول والآخر ...
فقد وردلفظ «الليل» في القرآن حوالي مائة مرة، وذُكر في جل المواطن مقابلاً «للنهار»، أوأحد أجزائه مثل: «الضحى» و «الإصباح» و «الفجر» و «دلوك الشمس» ... إلانادراً.
4 ـ الجناس:
من أبلغ أنواع الجناس: الجناس التام، وهو التشابه المطلقلفظاً، والاختلاف معنى، ومن أمثلته عند البلاغيين قوله تعالى: (ويوم تقوم الساعةيقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) الروم: 55.
فالجناس هنا بين اسمين متماثلينهما «الساعة» و «ساعة»، أما الأول فمعناه القيامة، وأما الثاني فيعني مطلقالوقت.
5 ـ التشبيه:
انفرد القرآن الكريم بكثير من التشبيهات البديعة، منهاقوله تعالى: (وجعلنا الليل لباساً) سورة النبأ: 10، فشبَّه الليل باللباس، لأنالليل من شأنه أن يستر الناس بعضهم عن بعض.
6 ـ التصوير الفني:
نحا سيد قطبفي دراسته للقرآن الكريم منحى خاصاً، فلم تكن مفردات القرآن ولا تراكيبه وحدهاشاغلة له بموسيقاها وتناسقها وترابطها، «وإنما كان نظره مركزاً في الأداة المفضلةللتعبير في كتاب الله، ولقد وجدها في التصوير» الفني، فألف كتاباً بعنوان: التصويرالفني في القرآن الكريم.
ومن هذا المنطلق البلاغي المعاصر، نجد أن موضوع الزمنفي القرآن قد عرض عرضاً فنياً بليغاً، وقد أورد سيد قطب عدة نماذج من هذا التصوير،وتحت عنوان «التخييل الحسِّي والتجسيم» يذكر ثلاث صور من صور التشخيص التي تأخذباللبِّ، وتجعل الطبيعة الصامتة أبلغ ناطق، نقتبس منها مشهدين هما:
أ) صورةالليل يسرع في طلب النهار، فلا يستطيع له دركاً ـ وكأنه شخص واع ذو إرادة وقصد ـ (يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً) سورة الأعراف: 54، ويدور الخيال مع هذه الدورةالدائبة، التي لا نهاية لها ولا ابتداء.
وفي هذا كله مستوى من جمال التصويروالتعبير، لا يمكن أن يرقى إليه فن بشري على الإطلاق.
ب) صورة هذا الليل وهويسري: (والليل إذا يسر) سورة الفجر: 4، فتحس سريانه في هذا الكون العريض، وتأنسبهذا الساري على هيِّنة واتِّئاد، فهو بالتالي مخلوق حي، وكأنه ساهر يجول فيالظلام، أو مسافر يختار السري لرحلته الشاقة المضنية.
ومما يلاحظ من القرآن وهو يعرض مادة الزمن توظيفه لفنون البلاغة، من ذلك: الجمع والتفريق، والتقديم والتأخير، والتخصيص والتعميم، واللفظ المشترك وغيرالمشترك، والتغليب، وحياة الألفاظ، والتكرار، والتشبيه، والاستعارة، والكناية،والإيجاز والإطناب، والسجع، والتصوير، والالتفات، والرمز ... وغيرها من فنونالبلاغة مما أحصاه المفسرون والبلاغيون، ومما لم يحصوه بعد، ويمكن إعداد بحث مستقلمستفيض وشيِّق في هذا المجال، أما نحن فنكتفي باستعراض نماذج تقرب الفهم، وتكونسنداً لبحثنا، تاركين الغوص لأهل التخصص:
1 ـ تحديد الألفاظ:
يستثير المتأملفي جدول ألفاظ الزمن في القرآن الكريم، التحديد الدقيق لمكان الألفاظ وسياقها، بحيثيرى اللفظ «قاراً في موضعه، لأنه الأليق في النظم، ثم لأنه مع ذلك الأوسع فيالمعنى، ومع ذلك الأقوى في الدلالة ... ».
ففي قوله تعالى: (هو الأول والآخروالظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) سورة الحديد: 3، نجد لفظتي الأولوالآخر.
فكلمة «الأول» هكذا: معرَّفة، مذكَّرة، ومفردة ... لم ترد بهذا المعنى ـأي اسماً من أسماء الله تعالى ـ إلا في هذه الآية، وكل من المعرفة التي تنفي النكرةوالخفاء، والذكورة التي تنفي الأنوثة والضعف، والإفراد الذي ينفي التعدد والاشتراك ... كل هذا يتفق وصفات الله تعالى، حتى إنه إذا قيل «الأول» ـ في لغة القرآن هكذامطلقاً ـ فإنه ينصرف إلى الله سبحانه وتعالى دون غيره.
وكذلك يقال عن «الآخِر» الذي ورد بمعنى يوم القيامة، ولكنه أسند إلى «اليوم» (واليوم الآخر) سورة التوبة: 19. وأما مطلقاً فيعني اللهَ سبحانه دون غيره.
ويعني بالآخر: «المتأخر عن غيره،لا انتهاء له ... والآخر بالأبدية» وبالأول: «الأول الذي هو بالأزلية».
ومهمابحث الباحث عن لفظين ليضعهما في موضع هذين فإن اللغة لن تسعفه، ولن يجد أبلغ ولاأعمق ولا أدق تعبيراً، أو أحسن وزناً من هذين اللفظين «الأول» و «الآخر»، خاصة وأنالآيات بصدد التعرض لموضوع الإحياء والإماتة، وخلق السموات والأرض، فناسب أن ينبهإلى الأولية والآخرية.
2 ـ المقابلة:
عرَّف البلاغيون المقابلة بأنها إيرادالكلام ثم مقابلته بمثله في المعنى واللفظ، على وجه الموافقة أو المخالفة، وبهذاالمعنى استعمل القرآن الكريم المقابلة كأداة للتعبير عن الزمن في كثير منآياته.
ومن الأمثلة قوله تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيهولتبتغوا من فضله) القصص: 73، فقد جيء في صدر الآية بضدين هما: الليل والنهار، ثمقابلهما بضدين هما: السكون والحركة على الترتيب «ثم عبر عن الحركة بلفظ مرادف،فاكتسب الكلام بذلك ضرباً من المحاسن زائداً عن المقابلة، ذلك أنه عدل عن لفظالحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل، لكون الحركة تكون لمصلحة ولمفسدة، وابتغاء الفضل حركةلمصلحة دون مفسدة».
3 ـ الطباق:
الطباق هو الجمع بين الشيء وضده في كلامواحد، ومن أمثلته في القرآن الكريم: الليل والنهار، الأول والآخر ...
فقد وردلفظ «الليل» في القرآن حوالي مائة مرة، وذُكر في جل المواطن مقابلاً «للنهار»، أوأحد أجزائه مثل: «الضحى» و «الإصباح» و «الفجر» و «دلوك الشمس» ... إلانادراً.
4 ـ الجناس:
من أبلغ أنواع الجناس: الجناس التام، وهو التشابه المطلقلفظاً، والاختلاف معنى، ومن أمثلته عند البلاغيين قوله تعالى: (ويوم تقوم الساعةيقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) الروم: 55.
فالجناس هنا بين اسمين متماثلينهما «الساعة» و «ساعة»، أما الأول فمعناه القيامة، وأما الثاني فيعني مطلقالوقت.
5 ـ التشبيه:
انفرد القرآن الكريم بكثير من التشبيهات البديعة، منهاقوله تعالى: (وجعلنا الليل لباساً) سورة النبأ: 10، فشبَّه الليل باللباس، لأنالليل من شأنه أن يستر الناس بعضهم عن بعض.
6 ـ التصوير الفني:
نحا سيد قطبفي دراسته للقرآن الكريم منحى خاصاً، فلم تكن مفردات القرآن ولا تراكيبه وحدهاشاغلة له بموسيقاها وتناسقها وترابطها، «وإنما كان نظره مركزاً في الأداة المفضلةللتعبير في كتاب الله، ولقد وجدها في التصوير» الفني، فألف كتاباً بعنوان: التصويرالفني في القرآن الكريم.
ومن هذا المنطلق البلاغي المعاصر، نجد أن موضوع الزمنفي القرآن قد عرض عرضاً فنياً بليغاً، وقد أورد سيد قطب عدة نماذج من هذا التصوير،وتحت عنوان «التخييل الحسِّي والتجسيم» يذكر ثلاث صور من صور التشخيص التي تأخذباللبِّ، وتجعل الطبيعة الصامتة أبلغ ناطق، نقتبس منها مشهدين هما:
أ) صورةالليل يسرع في طلب النهار، فلا يستطيع له دركاً ـ وكأنه شخص واع ذو إرادة وقصد ـ (يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً) سورة الأعراف: 54، ويدور الخيال مع هذه الدورةالدائبة، التي لا نهاية لها ولا ابتداء.
وفي هذا كله مستوى من جمال التصويروالتعبير، لا يمكن أن يرقى إليه فن بشري على الإطلاق.
ب) صورة هذا الليل وهويسري: (والليل إذا يسر) سورة الفجر: 4، فتحس سريانه في هذا الكون العريض، وتأنسبهذا الساري على هيِّنة واتِّئاد، فهو بالتالي مخلوق حي، وكأنه ساهر يجول فيالظلام، أو مسافر يختار السري لرحلته الشاقة المضنية.
تعليق