هل في القرآن لفظة غريبة؟

تقليص

عن الكاتب

تقليص

سامسونج مسلم اكتشف المزيد حول سامسونج
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 2 (0 أعضاء و 2 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سامسونج
    3- عضو نشيط

    • 23 ينا, 2009
    • 473
    • .....
    • مسلم

    #16
    لماذا الأسلوب القصصي في القرآن؟

    يسترعي انتباهنا ونحن نتعامل مع القرآن الكريم هذا الاستعمال المكثف الواسع للأسلوب القصصي في أرجاء هذا الكتاب الكريم، فلا تكاد تخلو سورة منه من إشارة أو تفصيل لقصة نبي من الأنبياء، أو أمة من الأمم الغابرة، بل حتى المجالات الأخرى من الأبواب التي تطرق إليها القرآن الكريم (كمشاهد يوم القيامة، ومواقف النعيم والعذاب، والأخبار الغيبية، وبيان الآيات الكونية والطبيعية ... الخ)، فضّل القرآن الكريم أن يعرضها علينا بأسلوب تصويري هو أقرب ما يكون إلى الأسلوب القصصي، فلماذا كل هذا التأكيد على هذا الأسلوب، ولماذا كل هذا الحرص على التزامه في أغلب المجالات التي يقف التاريخ في مقدمتها؟.
    إذا أدركنا أن هدف الله تعالى من إنزال القرآن الكريم هو هدف هدائي وتربوي محض، فإن تلك التساؤلات سرعان ما ستزول من أذهاننا، فالأسلوب القصصي يشكل الدعامة الأساسية للعملية التربوية والتعليمية، وبدونه تبقى هذه العملية مبتورة ناقصة يعوزها التطبيق العملي وعرض النماذج والشخوص الواقعية الحية التي تكتمل بترسيخ المفاهيم التربوية في الأذهان، وتأمين الضمانة التطبيقية والتنفيذية لها، فالنظرية تبقى نظرية وإن كانت متمتعة بمستوى عال من السلامة والصحة، ويبقى الحافز إلى تطبيقها والعمل بها كامناً في النفس ما لم يظهر النموذج العملي الداعي إلى الأخذ بها والمحرض على تحويلها إلى واقع عملي في السلوك.
    وإذن فإن أسلوب دعم العملية التربوية بذكر القصص وضرب الأمثال الحقيقية التي لا يشك الإنسان في صحتها وترتفع إلى مستوى مسلماته وبدهياته يعتبر من أنجع وأنجح الأساليب التربوية على مر التاريخ، وقد فطن الإنسان وهو يشعر بمسئوليته التربوية الجسيمة إزاء الأجيال القادمة، إلى أهمية وخطورة هذا الأسلوب فأخذ به وأولاه أكبر وأشد اهتمامه، والكتب التربوية التي أنتجها الفكر الإنساني على مر العصور مشحونة بالتطبيقات المختلفة لهذا الأسلوب، بل إن القصة هي ـ بحد ذاتها ـ أسلوب من أساليب التربية وشكل من أشكال تعديل السلوك الإنساني وسوقه باتجاه معين.
    ولذلك فلا غرابة أن يعتمد القرآن الكريم (القصة) أسلوباً ستراتيجياً ثابتاً من أساليبه التربوية، ولا عجب أن تحتل (القصص) مساحة شاسعة من هذا الكتاب العظيم.
    عرفنا ـ لحد الآن ـ أن الهدف المحوري الرئيسي من تبني الأسلوب القصصي في القرآن الكريم هو تربية البشرية على ضوء النهج الإلهي وهدايتها باتجاه طريق الفطرة المنتهي إلى الإيمان الأكيد بالله تعالى، أما ما سنذكره من أهداف وأغراض أخرى فهي أهداف وأغراض فرعية ثانوية تصب في النهاية في الهدف الرئيسي الذي ذكرناه، وتعمل على تحقيقه والوصول إليه، وعلى هذا فإننا سوف لا نذكرها على أساس أنها أهداف مستقلة عن الهدف الرئيسي، كما أن ذكرنا لها هو من باب المثال لا الحصر، وإلا فإن أغراض القصة لا يمكن أن تحدد برقم معين ما دام السلوك الإنساني نفسه متشعباً إلى درجة عدم استطاعة الإنسان الإحاطة به.
    يمكننا ـ بصورة عامة ـ تقسيم أغراض القصة القرآنية إلى مجموعتين رئيستين تنضوي تحتها الأغراض الفرعية الأخرى، هما:
    أ ـ الأغراض الموضوعية:
    ونقصد بها الأغراض المتعلقة بالرسالة والدعوة الإلهية من قبيل إثبات صدق الدعوة الإلهية، وإثبات كون القرآن منزلاً من قبل الله تعالى، وما إلى ذلك من أغراض نذكر بعضاً منها فيما يلي:
    1 ـ إثبات إلهية القرآن ـ إن صحّ التعبير ـ أي كون القرآن وحياً إلهياً ليس للبشر ـ ومن ضمنهم النبي (ص) ـ أي دخل في وضعه، وقد تكفلت القصص القرآنية بإثبات ذلك عن طريق النباء والأخبار التي جاءت فيها حول الأنبياء (ع) والأمم الماضية، وقد كانت هذه الأخبار التي جاءت فيها حول الأنبياء (ع) والأمم الماضية، وقد كانت هذه الأخبار من الدقة والتفصيلية بحيث يستبعد الإنسان العاقل استبعاداً كاملاً أن يكون النبي (ص) أو أي أحد من معاصريه قد جاء بالقرآن من تلقاء نفسه، خصوصاً وإنه (ص) قد عاش في بيئة تجهل جهلاً تاماً أو شبه تام الأخبار المتعلقة بالأنبياء والأمم السابقة، وحتى لو كانوا يمتلكون قدراً من المعلومات فإنها كانت شوهاء محرفة ناقصة لبعد عهدهم عن أولئك الأنبياء وتلك الأمم.
    وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الغرض إشارة صريحة في بعض الآيات نذكر منها:
    (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) آل عمران/ 44، (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتين) هود/ 49.
    2 ـ التأكيد على وحدة العقيدة التي بعث الأنبياء من أجل نشرها ودعوة الناس إلى اعتناقها، ونحن نستطيع أن نستنتج هذا الهدف بسهولة من خلال تأمل الآيات التي تتحدث عن دعوة الأنبياء (ع) لقمهم، حتى أن البعض من هذه الآيات جاء مكروراً وبأفاظ متماثلة زيادة في التأكيد على هذا الجانب، لاحظ ـ مثلاً ـ الآيات التالية:
    (لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) الأعراف/ 59، (وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) الأعراف/ 65، (وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) الأعراف/ 73.
    فمثل هذا التماثل الملفت للنظر في هذه الآيات وغيرها لم يأت من قبيل المصادفة وإنما جاء لتأكيد حقيقة أن الدعوات الإلهية كلها تستقي من نور واحد، وأنها جميعها مشتركة في الأصول، وأنها بمجموعها تشكل دعوة إلهية واحدة، وأن هذه الدعوات جاءت ليكمل بعضها البعض الآخر، ابتداء من أول نبي بعث إلى قومه، وانتهاءً بدعوة النبي (ص) التي هي خاتمة هذه الدعوات ومكمتلها.
    3 ـ بيان بعض السنن والقوانين الإلهية والتاريخية الثابتة من خلال تقديم نماذج عملية ومصاديق حية لتلك السنن والقوانين، منها ـ على سبيل المثال ـ حقيقة كون المتبعين للحق أقلية على مر العصور، والمواقف المتشابهة ـ في التمرد على الحق والإعراض عنه ـ للأمم على مر العصور وباختلاف الأمكنة وقلة المؤمنين الحقيقيين بدعوات الأنبياء (ع). وقلما نجد آيات تتحدث عن قصة نبي مع قومه إلا وفيها تأكيد على هذه السنة التاريخية، حتى أن القرآن الكريم عمم هذه السنة على جميع الأمم الغابرة، بل وحتى أمة نبينا (ص) من خلال قوله تعالى: (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون. أتواصوا به بل هم قوم طاغون) الذاريات/ 52، 53. وقوله تعالى طبقاً لبعض الروايات: (والقمر إذا اتسق. لتركبنَّ طبقاً عن طبق) الانشقاق: 18، 19. أي لتحذون ذو الأمم السالفة التي أعرضت عن دعوات أنبيائها، وأنزل عليها العذاب الإلهي نتيجة لهذا الإعراض.
    ومن السنن الثابتة الأخرى التي كشف القرآن النقاب عنها من خلال قصصه، انتصار الحق في نهاية المطاف، وغلبة دعوات الأنبياء رغم التكذيب والاضطهاد اللذين تتعرض لهما في بداية الأمر.
    وهذه الظاهرة تشكل قانوناً تاريخياً ثابتاً لأن الحق يحمل في داخله عوامل دوامه وبقائه وانتصاره، والباطل يحمل ـ في المقابل ـ بذور زواله وفنائه رغم سيادته وانتصاره في بادئ الأمر، وجميع قصص الأنبياء تؤكد على هذه السنة من خلال تلك النهايات التي ترسمها لنا، النهايات التي تصور لنا نزول العذاب الإلهي على الكفرة والمتمردين، ونجاة الأنبياء وأتباعهم وظهور من يؤمن بدعواتهم.
    وقد يسأل سائل في هذا المجال: إن مطالعة القصص القرآنية تثبت لنا أن ذلك الاتنصار وقتي إذ سرعان ما يعود الانحراف عن الدعوة الإلهية بمجرد موت النبي (ص)، وسرعان ما يسود الباطل مرة أخرى، فكيف تنسجم هذه الظاهرة التي أكدت عليها الآيات القرآنية مع ما قررناه مسبقاً من أن الانتصار للحق في نهاية المطاف؟.
    ونحن ـ جواباً على هذا التساؤل ـ نؤكد صحة هذه الظاهرة ونسلم بها، ومع ذلك فإن التأكيد عليها والتسليم بها لا يتنافيان مطلقاً مع حقيقة تلك السنة، فرغم تلك العودات المجددة إلى الباطل، واستئناف الانحراف عن العقيدة الإلهية، إلا أن الانتصار سيكون من نصيب الحق في النهاية.
    قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة/ 33، (ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) القصص/ 5.
    هذا بالإضافة إلى سنن وقوانين أخرى يمكن للمتأمل في القصص القرآنية أن يستنتجها، وقد ذكرنا السنتين السابقتين كنموذج لهذا الغرض القرآني.
    ب ـ الأغراض التربوية:
    ونقصد بهذا النوع من الأغراض ذلك الذي يستهدف تربية الإنسان على المنهج الإلهي، وتقويم سلوكه على الصعيد الأخلاقي الشخصي والعام، وجميع القصص القرآنية تعج بمثل هذه المفردات التربوية اعتباراً من علاقة الإنسان بنفسه، ومروراً بعلاقته مع المجتمع، وانتهاءً بارتباطه مع الخالق ـ تعالى ـ ، وعلى سبيل المثال نذكر فيما يلي بعضاً من هذه الأغراض:
    1 ـ تحذير الإنسان من غواية الشيطان ووساوسه من خلال عرض نماذج حية لأشخاص وقعوا في حبائل الشيطان فكانت النتيجة الندم أو الانحراف في تيار الانحرافات، والقصص من هذا النوع أكثر من أن تحصى، بل أن جميع القصص القرآنية يمكن اعتبارها ـ بالنتيجة ـ من هذا النوع لأن أصل الانحراف هو الشيطان، تعينه في ذلك الإرادة الضعيفة للإنسان، وغفلته عن ذكر الله تعالى. ولعل قصة آدم (ع) وإخراجه من الجنة، وتناوله من الشجرة التي حرمها الله تعالى عليه، وجعل عدم الاقتراب منها شرطاً لبقائه في الجنة وراحته من عناء الدنيا، لعل هذه القصة تعتبر النموذج الأفضل الذي يمكن أن يذكر في هذا المجال كمصداق لهذا الغرض، وقد أشار تعالى إلى هذا الغرض من ذكر قصة آدم وزوجه في قوله تعالى: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) الأعراف/ 27.
    2 ـ تثبيت النبي (ص) والمؤمنين وحضهم على الاستمرار في طريقهم الذي رسمه الله تعالى لهم من خلال عرض صور من صمود ومقاومة الأنبياء (ع) تجاه المحاولات التي كانت تستهدف تقويض الرسالة واحتواء الدعوة الإلهية، وإلى هذا الغرض أشارت آيات من قبيل: (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أوّاب) ص/ 17، (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) الأحقاف/ 35، (وكلاّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) هود/ 120.
    3 ـ تحذير الإنسان من عاقبة الشعور بالاستغناء عن الله تعالى والتكبر والغرور، كقصة قارون التي ذكرت أساساً لهذا الغرض حيث يقول ـ تعالى ـ معقباً عليها: (تلك الدار الآخرة تجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين) القصص/ 83. وكقصة أصحاب الجنة الذين خسروا كل شيء في لمحة بصر بسبب غفلتهم عن ذكر الله تعالى، واستيلاء الإحساس بالاستغناء عنه على نفوسهم، وكقصة صاحب الجنة الذي قال عنه تعالى مشيراً إلى الغرض من سوق قصته: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً) الكهف/ 35. وعشرات القصص الأخرى التي لا يتسع المقام لذكرها.
    كانت تلك بعضاً من أغراض القصة القرآنية ذكرناها تفسيراً لظاهرة الاستخدام الواسع الملفت للنظر للأسلوب القصصي، واعتماد القرآن الكريم عليه محوراً لتحقيق هدفه الأكبر، ألا وهو هداية البشرية وتربيتها على ضوء النهج الرباني.



    تعليق

    • سامسونج
      3- عضو نشيط

      • 23 ينا, 2009
      • 473
      • .....
      • مسلم

      #17
      شبهات حول ترجمة القرآن، وتفنيدها

      ـ الشبهة الأولى :

      ]إن ترجمة القرآن ترجمة حرفية ومن لغته العربية إلى لغة أخرى جائزة، وغير متعذرة. وهم يقصدون بترجمة القرآن التعبير عن معاني ألفاظه العربية، ومقاصدها بألفاظ غير عربية مع الوفاء بجميع هذه المعاني والمقاصد.
      ودليلهم: أن القرآن الكريم لم ينزل للعرب وحدهم فقط، ولذا يجب تبليغه للأم الأخرى الإسلامية عن طريق ترجمته إلى لغاتهم. وتبليغ الإسلام واجب، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.

      تفنيد هذه الشبهة:

      أولاً: إن ترجمة القرآن ترجمة حرفية مستحيلة. فإنه يستحيل أن يترجم القرآن بألفاظ أخرى غير عربية تقوم مقام ألفاظه، وتعبر عن نفس معانيه ومقاصده. وبذلك فكل ترجمة من هذا القبيل لا تسمى قرآناً، وإلا كان محرفاً، ولا يستقيم التعبد به، والصلاة به ويكون في هذه الحالة ترجمة تفسير أو معاني، ولا يكون بل لا يسمى قرآناً.
      ثانياً: إن تبليغ القرآن يمكن أن يتم من خلال ترجمة معانيه، وهو تفسيره بغير لغته. فينقل إلى الشعوب الإسلامية غير العربية، وبلغاتهم، فيفهمون علومه، وتكاليفه، وأحكامه، وعقائده، وشرائعه .. إلخ.
      ثالثاً: إن الرسول (ص) لم يترجم القرآن، ولم يأمر بترجمته إلى لغة أخرى حتى وفي دعوته للأمراء، والملوك، والشعوب غير العربية، وإنما كان يدعوهم إلى اعتناق الإسلام بتوضيحه لهم عقائده، وعلومه وأحكامه.
      رابعاً: وكذلك الصحابة (رضوان الله عليهم) لم يقوموا بترجمة القرآن حرفياً، وهم الحريصون على تبليغ الإسلام، والقرآن، والسنة النبوية للآخرين، وهم الذين قال فيهم الرسول (ص): ((أيهم اقتديتم، اهتديتم)).

      ـ الشبهة الثانية

      :
      إن ترجمة القرآن حرفياً واجبة، وأمر مفروض. ودليلهم: أن حماية القرآن من التحريف تقتضي ذلك، وأن الواجب يقتضي ألا تترك ترجمة القرآن إلى غير العرب حتى تبقى ترجمتنا هي الأصل الصحيح، والمعتمد عليه كقرآن مترجم.

      تفنيد هذه الشبهة:

      أولاً: إن القضية بالنسبة لموضوع الترجمة لا تكمن في مَن هو الذي يقوم بالترجمة. فالقضية هنا: أن الترجمة مستحيلة سواء قمنا نحن بها، أو قام غيرنا، لأنه يستحيل أن يعبر عن معاني القرآن بألفاظ غير عربية، وغير ألفاظه. فلا توجد هناك بين لغات العالم لغة تشبه مفرداتها وألفاظها، وتراكيبها نظيرتها في اللغة العربية، أو يمكن أن تعبر عن معاني ومقاصد القرآن الكريم نفسها. ولتكن الترجمة إذن ترجمة تفسير للمعاني القرآنية، وهذه لا تسمى قرآناً. ولذلك فمهما أوتينا من حرص في ترجمة القرآن، والتعبير عن معانيه بألفاظ، ومفردات، وتراكيب تأتي بها لغات أخرى، فإننا لا نستطيع أن نحقق المراد المقصود من الترجمة، وأن نأتي بقرآن ألفاظه، ومفرداته، وتراكيبه غير عربية.
      ثانياً: إن العناية الإلهية اقتضت أن يكون هذا القرآن، وأن يبقى عربياً لحكمة عدم إمكانية ترجمته أو لحكم أخرى لا يعلمها إلا الله. فقد تظهر لنا بعض حكم القرآن، وقد يخفى علينا الكثير منها. حتى الذي يظهر لنا من الحكم قد لا يكون هو المقصود. وكما قال الإمام السيوطي في الإتقان: ((إن تحت كل حرف من حروف القرآن الكريم معان لا يعلمها إلا الله تعالى)).
      وغني عن البيان القول: إن الله تعالى لم ينزل القرآن،و لم يجعله عربياً إلا لحكمة هو ارتضاها، وإذا قال هو عربي، سيظل عربياً، وعلينا، ولعلنا نعقل ما فيه، ولما نزل لأجله. قال تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) يوسف/ 2.
      وقال تعالى: (إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) الزخرف/ 3.

      ـ الشبهة الثالثة:

      إن ترجمة القرآن حرفياً إلى لغة أخرى اقتضتها السنة النبوية. ودليلهم: قال (الشربنلالي) في كتابه (النفحة القدسية): ((روي أن أهل فارس كتبوا إلى سلمان الفارسي أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية، فكتب لهم: (بسم الله الرحمن الرحيم ـ بنام يزدان بخشايند) فكانوا يقرأون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم. وبعد ما كتب عرضه على النبي (ص) كذا في المبسوط. قال في النهاية، والدراية)).

      تفنيد هذه الشبهة:

      أولاً:
      إن هذا الحديث خبر مجهول الأصل، وفي متنه، وسنده، ولذا لا يجوز الاعتداد به. ولو كان صحيحاً لتواتر، لأهميته.
      ثانياً:
      إن هذا الخبر يحمل في طياته علامات نقضه. لأنه لو صح، فإن المعلوم أن سلمان الفارسي لم يجبهم إلى طلبهم، وأنه لم يترجم لهم الفاتحة، وإنما ترجم البسملة فقط كما هو مستفاد من الحديث نفسه. زد على ذلك أن ترجمة البسملة أيضاً لم تأت كاملة. وإنما نقصت ترجمة (الرحمن).
      ثالثاً: إن الاختلاف في روايات هذا الحديث بالزيادة، والنقصان في لفظه يقتضي الحكم برده، وعدم الأخذ به. فالإمام النووي مثلاً نقله في المجموع شرح المهذب بلفظ آخر نصه: ((إن قوماً من أهل فارس طلبوا من سلمان أن يكتب لهم شيئاً من القرآن، فكتب لهم الفاتحة بالفارسية)). فهذه الرواية تذكر الفاتحة، والأولى تذكر البسملة، وهذا اضطراب يوهن الحديث ويضعفه.
      رابعاً: يترتب على ما سبق عدم ثبوت صحة هذا الحديث. وكذلك تناقضه. وحتى على فرض صحته، فالظاهر، بل والثابت أنه يعارض الأدلة الأكيدة، والمتفق عليها من قبل العلماء على عدم جواز وصحة ترجمة القرآن ترجمة حرفية، وأنه قد يكون المقصود في حديث سلمان الفارسي هو الترجمة اللغوية التفسيرية ليس إلا. والله أعلى، وأعلم.



      تعليق

      • سامسونج
        3- عضو نشيط

        • 23 ينا, 2009
        • 473
        • .....
        • مسلم

        #18

        السحر في القرآن

        * طارق حميدة
        لعل أول ما يلاحظه قارئ القرآن الكريم، هو ذلك الارتباط الوثيق بين السحر والفرعون، بل واجتماعهما معاً في حرب الدين، وهو ما يؤكده السحرة أنفسهم عندما واجهوا فرعون بالقول إنه قد ( أكرههم) على السحر منذ زمن بعيد سابق ليوم المبارزة مع موسىعليه السلام : ( إنا آمنا بربنا ليغفر خطاينا وما أكرهتنا عليه من السحر.)إذ يبدو أن الفرعون كان ينتقي الفتيان الأذكياء ويأخذهم من أهاليهم ويدفعهم إلى من يعلمهم السحر... ثم يفرقهم في المدائن ليقوموا بما "يلزم" لتثبيت حكمه...
        وقد لاحظنا كيف أشار الملأ على فرعون أن يبعث في " المدائن " حاشرين ليأتوه بكل سحار عليم...
        وكذلك فقد رأينا في الحديث الصحيح الذي يروي قصة أصحاب الأخدود، التلازم الوثيق بين السحر والملك، وكيف أن الملك حين احتاج إلى ساحر فانه ينتقي من رعيته من يشاء ليعلمه المهنة، يقول عليه السلام : ( كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إليَ غلاما اعلمه السحر).
        وإذا استعرضنا أنشطة وأعمال السحرة في تثبيت حكم الفرعون وحرب الدين فسنلاحظ الأمور الآتية:
        أولاً : الإلهاء والتخدير :
        ذلك أن حكم الفرعون يتسبب في ظلم الناس وهضم حقوقهم وانتهاك كرامتهم... ومهمة السحرة أن يشغلوا الناس عن التفكير في واقعهم الأليم، ويجعلوهم يعيشون في غيبوبة تنسيهم ألامهم وتقعدهم عن العمل للتغيير، بما يقومون به من أعمال عجيبة وحركات غريبة.
        ثانياً : الخداع وقلب الحقائق :
        إن السحرة في الواقع لا يغيرون حقائق الأشياء، وإنما هم يخيلون للناس أنها تغيرت، وهو ما عبر عن القرآن الكريم في قوله تعالى : ( فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى)، وقوله أيضا ( فلما ألقوا سحروا أعين الناس).
        إن اقرب تشبيه لدور السحرة في واقعنا المعاصر، هو ما تقوم به الكثير من وسائل الإعلام في قلب الحقائق وتزييفيها، وإظهار الحق باطلاً والباطل حقاً، والهزائم انتصارات، والظلم عدلاً، والاستعمار تحريراً، والدين تطرفاًَ وإرهاباً، والمجون فناً، والإلحاد فكراً.
        ثالثاً : تخويف الجماهير :
        إن حبل الكذب قصير، ومهما نشط السحرة القدماء أو المعاصرون، في تزييف الحقائق، فإن الواقع أنصع حجة وأقوى بياناً، وإن عمق الجراحات، البدنية والنفسية والاقتصادية والسياسية، لأقوى من كل عمليات التخدير والإشغال والإلهاء.
        ولذلك يقرر الفراعنة أن من لم يقنعه الزيف، ولم تسكته جرعات المورفين، يحتاج إلى الإرهاب والتخويف كيلا تسول له نفسه القيام بأي عمل ضدهم... ويتحدث القرآن الكريم أن السحرة قاموا بإرهاب وتخويف الحاضرين حيث يقول تعالى : ( فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم ) أي استدعوا مشاعر الرهبة والخوف عندهم، حتى إن موسى عليه السلام قد تأثر- هو الآخر- بهذا المشهد : ( فأوجس في نفسه خيفة موسى)
        رابعاً : تفتيت الأسرة :
        جاء في سورة البقرة أن السحرة يتعلمون ( ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) و الحقيقة أن ذكر هذا الأمر، دون سواه، يبرز خطورته الشديدة، حتى لكأنه ينبه إلى أن باقي الأمور التي يتعلمها السحرة بالمقارنة مع التفريق بين المرء وزوجه لا شيء.
        وقد جاء في الحديث الشريف أن إبليس يبعث سراياه من الشياطين ليضلوا بني آدم، ثم يعودون إليه ليفتخروا أمامه كل بما صنع، فلا يرى لأحدهم إنجازاً - على الرغم من كبر إفسادهم وإجرامهم - حتى يأتيه من يقول إنه فرق بين زوجين، فيقول له : ( نعم أنت، ويدنيه ) !!.
        وإذا ما جرى التفريق بين الزوجين فقد تفتت الأسرة، وما دامت الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع فان تفككها يعني بالضرورة تفكك هذا المجتمع وتفتته... وهذا ما يسعى إليه الفرعون الذي يريد المجتمع مفتتاً ليسهل عليه قياده، وشعار الفراعنة، أجنبيهم ووطنيهم - هو ( فرق تسد ). وقد حكى القرآن عن فرعون أنه ( علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً)
        وما تقوم به الكثير من المؤسسات والدوائر في أيامنا هذه لتفتيت الأسرة أوضح من أن يشار إليه.
        خامساً : الإخراج من الأرض :
        مما يستدعي الدهشة ويسترعي الانتباه تكرير السحرة وآل فرعون الاتهام لموسى وأخيه، عليهما السلام، بأنهما يريدان : إخراجهم من الأرض بسحرهما ( إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما)، ( أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى).
        فمن جهة يتبين القلق الشديد الذي يساور الفراعنة من أن الدعوة جاءت لتزلزل أركانهم وتقلب سلطانهم وتجعل الأرض تميد من تحتهم. ومن جهة أخرى فإنها تعكس ما يقوم به الفراعنة والسحرة من أعمال ومكائد ثم هم يلصقونها بموسى وهارون _عليهما السلام _ إنهم يتهموهما بالجريمة التي هم أنفسهم - الفراعنة والسحرة - متلبسون بها. وذلك كما يقول المثل العربي : رمتني بدائها وانسلت.
        إن الفراعنة سواء كانوا محليين أو أجانب يقومون بسياسات تستهدف تفريغ الأرض من ساكنيها... أو تفريغها من أصحاب الفكر والعلم فيما يسمى بتهجير الأدمغة، كيلا يبقى في البلاد عقول تفكر بتغيير الواقع السيئ، ولا شباب لديهم الهمة والعزيمة للتحرك في مواجهته
        .


        تعليق

        • سامسونج
          3- عضو نشيط

          • 23 ينا, 2009
          • 473
          • .....
          • مسلم

          #19
          شبهة الوحي النفسي

          إنّ الرسول (ص) كان يتمتع بوحي نفسي، وما القرآن إلا من استنباطه العقلي، وإدراكه الوجداني عبّر عنه محمد بأسلوبه، وبيانه، ولغته، ومكنه من ذلك ذكاؤه، وفراسته، وقوة فطنته، وعمق تأملاته، ورفاهة أحاسيسه استخدمها كلها في تلفيق الأخبار، وسرد الغيبيات، وتبيان الحقائق العلمية.

          ـ تفنيد هذه الشبهة:


          يمكننا تفنيد هذه الشبهة بعدة أمور هي:
          أولاً: إن الرسول (ص) لم يعرف عنه أنه كان يتمتع بالوحي النفسي، وقومه يعرفونه حق المعرفة، والقرآن الكريم يتعدى، ويتجاوز كل ما نسبوه إلى الرسول (ص) من صفات، وخوارق، بل يتعدى كل استنباط عقلي، أو إدراك وجداني.
          وكذلك لم يعرف عن النبي (ص) قبل البعثة أنه أُوتي خوارق الأخبار، والغيبيات، والعلوم، كما أنه لم يحدث عن أساطير الأولين، وهو المشهور بصدق الحديث الصادق الأمين.
          ثانياً: فبالنسبة لأخبار الأمم، وقصص الأنبياء مع أقوامهم، فإن ما جاء به القرآن فوق طاقة العقل البشري، ومهما أوتي من ذكاء، أو فطنة، أو فراسة، مما يثبت أن تلك الأخبار، والقصص إنما وردت، وبكل يقين للنبي (ص) عن طريق التلقي، والتلقين، والإيحاء ممن يعلم الغيب. وهذا مصداق قوله تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إنّ العاقبة للمتقين) سورة هود آية 49.
          وقد ربط الله تعالى بين التنزيل القرآني، وسرد القصص على مسامع النبي (ص) مصداق قوله تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) سورة يوسف آية 3.
          وقد تناول القرآن قصص الأنبياء، والرسل، وأخبار الماضين بتفصيل لحقائقها، وتبيين لوقائعها بشكل واضح تعجز عنه العقول، والتنبؤات، وبشكل يخرص الألسنة، ويسكت الأقلام، ويفند الافتراءات، فالقرآن يضرب فى أغوار التواريخ، ويخبر عن أقدم الأخبار في خلق الأمم مما يتجاوز حدود إعمال الفكر بحيث يستحيل على النبي (ص) أو غيره أن يعرفها، أو يطلع على أخبارها. والقرآن نفى ذلك عن الرسول (ص).
          فهذه آيات قرآنية تفصل أحوال موسى، وفي أخباره مع أهل مدين. قال تعالى: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين * ولكنا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين) سورة القصص آية 44 ـ 45.
          وهذه آيات قرآنية تخبر عن كفالة زكريا لمريم، وولادة المسيح منها كلمة من الله تعالى. قال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون * إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يُبشِّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين) سورة آل عمران آيات 44 ـ 45.
          وهذه آيات قرآنية تسهب في سرد قصة يوسف مع إخوته. قال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) سورة يوسف آية 102.
          وقد تناولت الحكمة الربانية في سرد القصص، ورواية الأخبار بين جميع الأنبياء، والرسل أيضاً. قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى) سورة يوسف آية 109. وقد أصل القرآن الكريم عظمة الاعتبار من سرد القصص، وشواهد تثبيت معالم الألوهية لهذا القرآن. قال تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) سورة يوسف آية 111.
          وقد تناول الإعجاز الإلهي في سرده للقصص أرقاماً حسابية وحقائق عددية تثبت ألوهية هذا القرآن، وتنفي عنه صفة الوحي النفسي البشري.
          القرآن يذكر مدة مكث نوح (ع) في قومه، وهي: ألف سنة إلا خمسية عاماً.
          قال تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسية عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) سورة العنكبوت آية 14.
          والقرآن يذكر مدة لبث أصحاب الكهف في كهفهم، وهي: ثلاث مائة وتسع سنوات. قال تعالى: (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً) سورة الكهف آية 25.
          ثالثاً: وبالنسبة للغيبيات المستقبلية: فقد أعجزهم القرآن، وأثبت أن ذلك ليس في مقدور البشر حتى والأنبياء منهم، فقد أخبر القرآن غيبيات كثير من الأمور، والحوادث التي ستقع مستقبلاً، ومنها:
          أ ـ انهزام المشركين في غزوة بدر، مصداق قوله تعالى: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) سورة القمر آية 45. فسورة القمر مكية، وانهزام المشركين حصل في بدر في المدينة بعد هجرة النبي (ص) إليها بسنتين.
          ب ـ غيبية انتصار الروم على الفرس في بضع سنين مصداق قوله تعالى: (الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون) سورة الروم آيات 1 ـ 4.
          ج ـ غيبية أداء عُمرة القضاء، ودخول المسجد الحرام محلقين رؤوسهم ومقصرين مصداق قوله تعالى في سورة الفتح: (لقد صدق الله رسوله الرياء بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) سورة الفتح آية 27.
          د ـ غيبية انشقاق القمر: مصداق قوله تعالى في سورة القمر: (اقتربت الساعة وانشقَّ القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) الآية 1 ـ 2.
          رابعاً: وبالنسبة للحقائق العلمية فما ورد في القرآن يؤكد ألوهية التنزيل القرآني. والجميع على علم بأمية محمد (ص)، ولا شأن له بحقائق العلم الغيبية، والتي أوردها القرآن، والتي لا يزال العلم يكتشفها، ويؤكد حقيقتها كآيات ربانية تنفي عن النبي (ص) قرآنية الاستحداث الغيبي، أو الافتراء العلمي، أو الإيحاء النفسي كما يزعمون
          .
          ـ أمثلة على هذه الحقائق:

          الأولى: حقيقة خلق الإنسان من طين. مصداق قوله تعالى فى سورة ص: (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين) الآية 71.

          الثانية: حقيقة خلق الإنسان أطواراً، مصداق قوله تعالى في سورة المؤمنون: (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة خلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأته خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) الآيتان 13 ـ 14. ومصداق قوله تعالى في سورة نوح: (وقد خلقكم أطواراً) الآية 14.
          الثالثة: حقيقة خلق كل شيء من ماء، مصداق قوله تعالى في سورة الأنبياء: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) الآية 30.

          الرابعة: حقيقة دوران النجوم، والكواكب في أفلاكها. مصداق قوله تعالى في سورة يس: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) الآية 40.
          ولنا القول: بأن شبهة تمتع الرسول (ص) بالوحي النفسي لا تقوم على دليل، وتفقد كل مسوغ. بل هي في حد ذاتها من قبيل الهذيان النفسي الذي انتاب نفراً من الضعفاء الحاقدين من أهل الكفر الذين لم يستطيعوا بأي حال من الأحوال أن ينكروا نبوة محمد (ص)، أو الوحي الإلهي بالقرآن له مصداق قوله تعالى في سورة الأعراف: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إليَّ من ربي) الآية 203. والرسول (ص) بشر من الناس اختصه الله بالنبوة، فلم العجب، والأنبياء والرسل كلهم من البشر!! قال تعالى في سورة الكهف: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) الآية 110. وإنه (ص) بشر لا يملك لنفسه نفعاً، ولا ضراً، ولا يعلم الغيب إلا بإيحاء من الله تعالى مصداق قوله تعالى في سورة الأعراف: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير) الآية 188.
          وإنه (ص) يشهد على نفسه بالبشرية مصداق ما رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن: «سمع رسول الله (ص) خصومة بباب حجرته فخرج إليهم، فقال: إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأحسب أنه صدق، فأقضي له بذلك، فمنن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها، أو يتركها».
          ولعل من المفيد أن نختم الرد على هذه الشبهة بما قاله المفكر المسلم محمد عبدالله دراز في كتابه «النبأ العظيم» حيث يقول: «هذا الرأي هو الذي يروجه الملحدون اليوم باسم (الوحي النفسي) زاعمين أنهم بهذه التسمية قد جاؤونا برأي علمي جديد، وما هو بجديد، وإنما هو الجاهلي القديم، لا يختلف عنه في جملته، ولا في تفصيله، فقد صوروا النبي (ص) رجلاً ذا خيال واسع، وإحساس عميق، فهو إذن شاعر، ثم زادوا، فجعلوا وجدانه يطغى كثيراً على حواسه، حيث يخيل إليه أنه يرى ويسمع شخصاً يكلمه. وما ذاك الذي يراه ويسمعه إلا صورة خيلته ووجدانه، فهو إذن الجنون أو أضغاث الأحلام. على أنهم لم يطيقوا الثبات طويلاً على هذه التعليلات، فقد اضطروا أن يهجروا كلمة الوحي النفسي حينما بدا لهم في القرآن جانب الأخبار الماضية والمستقبلية، فقالوا لعله تلقفها من أفواه العلماء في أسفاره للتجارة، فهو إذن قد علمه بشر. فأي جديد ترى في هذا كله؟!! أليس كله حديثاً معاداً يضاهون به قول جهال قريش!! وهكذا كان الإلحاد في ثوبه الجديد صورة متسخة، بل ممسوخة منه في أقدم أثوابه، وكان غذاء هذه الأفكار المتحضرة في العصر الحديث مستمداً من فتات الموائد التي تركتها تلك القلوب المتحجرة في عصور الجاهلية الأولى مصداق قوله تعالى في سورة البقرة: (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم) الآية 118. وإن تعجب فعجب قولهم مع هذا كله إنه كان صادقاً أميناً، وإنه كان معذوراً في نسبة رؤاه إلى الوحي الإلهي، لأن أحلامه القوية صورتها له وحياً إلهياً، فما شهد إلا بما علم، وهكذا حكى الله لنا عن أسلافهم، حيث يقول في سورة الأنعام: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) الآية 33. فإن كان هذا عذره في تصويره رؤاه وسماعه، فما عذره في دعواه أنه لم يكن يعلم تلك الأنباء لا هو ولا قومه من قبل هذا، بينما هو سمعها بزعمهم من قبل. فليقولوا إذن: إنه افتراه، ليتم لهم بذلك محاكاة كل الأقاويل. وهم يدعون التعقل، ألا فقد قالوها من حيث لا يشعرون».


          تعليق

          • سامسونج
            3- عضو نشيط

            • 23 ينا, 2009
            • 473
            • .....
            • مسلم

            #20
            شبهات حول المكي والمدني من القرآن وتفنيدها

            شبهة الاشتمال على اللغو
            إن القرآن المكي اشتمل على لغو من الكلام في كثير من فواتح السور مثل: ألم وألر، والمر، والمص، وكهيعص، وطه، ويس، وص، وق، ون، وحم، وبذلك فإن القرآن لا يصلح أن يكون هدى وبياناً، ورحمة للناس، لأن اللغو لا يمكن أن يكون هدى، وبياناً.
            ودليل شبهتهم: أن معاني أحرف التهجي هذه لا يفهم معناها حتى من قبل الراسخين في العلم. فالتلفظ بها، والخطاب بها، والبدء بها في بداية السور القرآنية لا معنى له، وهي تحصيل حاصل، وهي كعدمها من حيث معناها، ومفهومها. وأيضاً يزعم أصحاب هذه الشبهة كدليل لها: أن مثل هذه الألفاظ، والتعابير، والأحرف هي من اليهود، أخذها محمد (ص) من كتبتهم الذين كانوا يكتبون له القرآن ليستدل بها على انقطاع الكلام، واستئناف آخر. ويفسرون معناها: بأنه أوعز إليّ محمد، أو أمرني محمد. وهم يشيرون بذلك إلى براءتهم من الإيمان بها، والاعتقاد والتصديق بما يأمرهم محمد بكتابته .. أي يكتبون له هذه الأحرف، ويتبرأون من الإيمان، أو تصديقها. ويبررون تفاسيرهم لأحرف التهجي هذه بقول بعضهم: إن الحروف العربية المفتتح بها أوائل بعض السور إما أن يكون قصد منها التعمية، أو التحويل، أو إظهار القرآن في مظهر عميق مخيف، أو هي رمز للتمييز بين المصاحف المختلفة ثم ألحقها بمرور الزمن بالقرآن فصارت قرآناً.

            تفنيد هذه الشبهة:

            إن خير رد على هذه الشبهة هو ما قام به أستاذنا، وشيخنا العلامة المرحوم محمد عبدالعظيم الزرقاني حيث أفاض وأجاد رداً، وتفنيداً وبالأدلة المستفيضة، والمقنعة نستعين بها، وننقلها كما وردت في كتابه: ((مناهل العرفان في علوم القرآن)) ـ الجزء الأول من ص 226 ـ 236، فبدأ بقوله:
            ((وننقض هذه الشبهة بأمور: (أولها) أنه لم يكن للرسول (ص) كَتَبة من اليهود أبداً. وها هو التاريخ حاكم عدل لا يرحم، ولا يحابي. فليسألوه إن كانوا صادقين. (ثانيها) أنه لا دليل لهم أيضاً على أن فواتح هذه السور تستعمل في تلك المعاني التي زعموها، وهي (أوعَزَ إليَّ محمد) أو (أمرني محمد)، لا عند اليهود، ولا عند غيرهم في أية لغة من لغات البشر. (ثالثها) أن اليهود لم يعرف عنهم الطعن في القرآن بمثل هذا. ولو كان هذا مطعناً عندهم لكانوا أول الناس جهراً به، وتوجيهاً له، لأنهم كانوا أشد الناس عداوة للنبي (ص)، والمسلمين، يتمنون أن يجدوا في القرآن مغمزاً من أي نوع يكون، ليهدموا به دعوة الإسلام. كيف، وهم يكفرون به حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق؟! (رابعها) أن اشتمال القرآن على كلمات غير ظاهرة المعنى لا ينافي وصف القرآن بأنه بيان للناس، وهدى، ورحمة، فإن هذه الأوصاف يكفي في تحققها ثبوتها للقرآن باعتبار جملته، ومجموعه، لا باعتبار تفصيله، وعمومه الشامل لكل لفظ فيه. ولا ريب أن الكثرة الغامرة في القرآن كلها بيان للتعاليم الإلهية، وهداية للخلق إلى الحق، ورحمة للعالم من وراء تقرير أصول السعادة في الدنيا والآخرة.
            وهذا الجواب مبني على أحد رأيين للعلماء في فواتح تلك السور، وهو أن المعنى المقصود غير معلوم لنا، بل هو من الأسرار التي استأثر الله بعلمها، ولم يطلع عليها أحد من خلقه. وذلك لحكمة من حكمه تعالى السامية، وهي ابتلاؤه سبحانه، وتمحيصه لعباده، حتى يميز الخبيث من الطيب، وصادق الإيمان من المنافق، بعد أن أقام لهم أعلام بيانه، ودلائل هدايته، وشواهد رحمته، في غير تلك الفواتح من كتابه، بين آيات، وسور كثيرة، لا تعتبر الفواتح في جانبها إلا قطرة من بحر، أو غيضاً من فيض.
            فأما الذين آمنوا فيعلمون أن هذه الفواتح حق من عند ربهم، ولو لم يفهموا معناها، ولم يدركوا مغزاها، ثقة منهم بأنها صادرة من لدن حكيم عليم، عمَت حكمته ما خفي، وما ظهر من معاني كتابه، ووسع علمه كل شيء عرفه الخلق أو لم يعرفوه من أسرار تنزيله. (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) سورة البقرة/ آية 255.
            (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله) سورة آل عمران/ آية 7.
            ونظير ذلك: أن تكون أستاذاً معلماً، وتريد أن تقف على مدى انتباه تلاميذك، ومبلغ ثقتهم فيك، وفي علمك بعد أن زودتهم منك بدراسات واسعة، وتعاليم واضحة، فإنك تختبرهم في بعض الأوقات بكلمات فيها شيء من الألغاز، والخفاء، ليظهر الذكي من الغبي، والواثق بك الوامق لك، من المتشكك فيك المتردد في علمك، وفضلك.
            فأما الواثق فيك فيعرف أن تلك الألغاز، والمعميات، صدرت عن علم منك بها، وإن لم يعلم هو تفسيرها، ويعرف أن لك حكمة في إيرادها على هذه الصورة من الخفاء، وهي الاختبار، والابتلاء. وأما المتشكك فيك، فيقول: ماذا أراد بهذا؟ وكيف ساغ له أن يورده، وما مبلغ العلم الذي فيه؟ ثم ينسى تلك المعارف الواسعة الواضحة التي زودته بها من قبل ذلك، وكلها من أعلام العلم، وآيات الفضل.
            ولا يفوتنك في هذا المقام أن تعرف أن ابتلاء الله لعباده ليس المراد منه أن يعلم سبحانه ما كان جاهلاً منهم ((حاشاه حاشاه)). فقد وسعَ كل شيء علماً. إنما المقصود منه إظهار مكنونات الخلق، وإقامة الحجج عليهم من أنفسهم، فلا يتهمون الله في عدله، وجزائه، إذا جعل من الناس أهلاً لثوابه، وآخرين لعقابه. (ولا يظلم ربك أحداً) سورة الكهف/ آية 49.
            (الرأي الثاني في فواتح السور) أن لها معنى مقصوداً معلوماً. قالوا: لأن القرآن كتاب هداية، والهداية لا تتحقق إلا بفهم المعنى، خصوصاً أننا أُمرنا بتدبر القرآن، والاستنباط منه، وهذا لا يكون إلا إذا فهم المعنى أيضاً.
            غير أن أصحاب هذا الرأي تشعبت أقوالهم في بيان هذا المعنى المقصود بفواتح تلك السور. فذهب بعضهم إلى أن فاتحة كل سورة اسم للسورة التي افتتحت بها، واستدلوا بآثار تفيد ذلك، منها ما روي عن النبي (ص) أنه قال: ((يس قلب القرآن)) وقوله: ((مَن قرأ السجدة، حفظ إلى أن يصبح)). ومنها اشتهار بعض السور بالتسمية بها. ثم إن ورودها في فواتح سور مختلفة بلفظ واحد، ينافي كونها أسماء للسور. بل شأنها في ذلك شأن الأعلام المشتركة اشتراكاً لفظياً كلفظ محمد المسمى به أشخاص كثيرون. فيضم إلى اسم كل منهم ما يميز مسماه عن غيره، فيقال: محمد المصري، ومحمد الشامي مثلاً. وكذلك فواتح السور يقال فيها: ((الم البقرة، وآلم آل عمران، وحم السجدة)) وهلم جرا.
            وبعضهم ذهب إلى أنها أسماء للحروف الهجائية التي وضعت بإزائها. وهؤلاء منهم من قال: إن المقصود من ذلك هو إفهام المخاطبين أن الذي سيتلى عليهم من الكلام الذي عجزوا عن معارضته، والإتيان بمثله، إنما تركب من مثل هذه الحروف التي في الفواتح، وهي معروفة لهم، يتخاطبون بما يدور عليها، ولا يخرج عنها.
            ومنهم مَن قال: إن المقصود منها هو الدلالة على انتهاء سورة، والشروع في أخرى.
            ومنهم مَن قال: إن المقصود منها القسم بها لإظهار شرفها وفضلها، إذ هي مبنى كتبه المنزلة.
            ومنهم مَن قال: إن المقصود منها بيان نبوة محمد (ص) من ناحية أنه ينطق بأسامي الحروف مع أنه أمي لم يقرأ، ولم يكتب. والمعروف أن النطق بأسامي الحروف من شأن القارئ وحده، لا سبيل للأمي إلى معرفتها، ولا النطق بها، فإتيانه بها، وترديده لها، دليل مادي أمامهم على أنه لا يأتي بهذا القرآن من تلقاء نفسه، إنما يتلقاهُ من لدن حكيم عليم.
            ومنهم مَن قال: إن المقصود منها هو تنبيه السامعين، وإيقاظهم، وذلك أن قرع السمع في أول الكلام بما يعني النفوس فهمه أو بالأمر الغريب، دافع لها أن تصغي، وتتيقظ، وتتأمل، وتزداد إقبالاً: فهي كوسائل التشويق التي تعرض في مقدمة الدرس على منهج التربية الحديثة في التعليم.
            ومنهم مَن قال: إن المقصود منها سياسة النفوس المعرضة عن القرآن. واستدراجها إلى الاستماع إليه. والمعروف أن أعداء الإسلام في صدر الدعوة كان يقول بعضهم لبعض: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون). فلما أُنزلت السور المبدوءة بحروف الهجاء، وقرع أسماعهم ما لم يألفوا، التفتوا، وإذا هم أمامَ آيات بينات استهوت قلوبهم، واستمالت عقولهم، فآمن مَن أراد الله هدايته، وشارفَ الإيمانَ مَن شاء الله تأخيره، وقامت الحجة في وجه الطغاة المكابرين، وأخذت عليه الطرقُ فلا عذر لهم في الدنيا، ولا يوم الدين.
            وقال العلامة المرحوم الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره لسورة آل عمران ما نصه:
            ((إعلم أن القرآن كتاب سماوي. والكتب السماوية تصرح تارةً، وترمزُ أخرى. والرمز، والإشارة من المقاصد السامية، والمعاني، والمغازي الشريفة. وقديماً كان ذلك في أهل الديانات، ألم تر إلى اليهود الذين كانوا منتشرين في المدينة، وفي بلاد الشرق أيام النبوة كيف كانوا يصطلحون فيما بينهم على أعداد الجمل المعروفة اليوم في الحروف العربية؟ فيجعلون الألف بواحد، والباء بإثنين، والجيم بثلاثة، والدال بأربعة، وهكذا مارين على الحروف الأبجدية، إلى الياء بعشرة، والكاف بعشرين، وهكذا إلى القاف بمائة، والراء بمائتين، وهكذا إلى الغين بألف، كما ستراه في هذا المقام.
            كذلك ترى أن النصارى في إسكندرية، ومصر، وبلاد الروم، وفي سوريا، قد اتخذوا الحروف رموزاً دينية معروفة فيما بينهم أيام نزول القرآن. وكانت اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية في مصر. وكانوا يرمزون بلفظ ((إكسيس)) لهذه الجملة: ((يسوغ المسيح بن الله الملخص)) فالألف من إكسيس هي الحرف الأول من لفظ ((إيسوس)) يسوغ. والكاف منها هي الحرف الأول من ((كرستوس)) المسيح. والسين منها هي حرف الثاء التي تبدل منها في النطق في لفظ ((ثبو)) الله. والياء منها تدل على ((إيوث)) ابن. والسين الثانية منها تشير إلى ((ثوتير)) المخلص. ومجموع هذه الكلمات: يسوع المسيح ابن الله المخلص. ولفظ ((إكسيس) اتفق أنه يدل على معنى سمكة، فأصبحت السمكة عند هؤلاء رمزاً لإلههم.
            فانظر كيف انتقلوا من الأسماء إلى الرمز بالحرف، ومن الرمز بالحرف إلى الرمز بحيوان دلَّت عليه الحروف. قال الحبر الإنجليزي ((صموئيل موننج)): ((إنه كان يوجد كثيراً في قبور رومة صور أسماك صغيرة مصنوعة من الخشب، والعظم. وكان كل مسيحي يحمل سمكة إشارة للتعارف فيما بينهم)).
            فإذا كان ذلك من طبائع الأمم التي أحاطت بالبلاد العربية، وتغلغلت فيها، ونزل القرآن لجميع الناس من عرب، وعجم، كان لابد أن يكون على منهج يلذه الأمم، ويكون فيه ما يألفون. وستجد أنه لا نسبة بين الرموز التي في أوائل السور، وبين الجمل عند اليهود، ورموز النصارى، إلا كالنسبة بين علم الرجل العاقل، والصبي، أو بين علم العلماء، وعلم العامة. وبهذا تبين لك أن اليهود، والنصارى كان لهم رموز، وكانت رموز اليهود هي حروف الجمل.
            قال ابن عباس (رض): مر أبو ياسر بن أخطب برسول الله (ص)، وهو يتلو سورة البقرة: (الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) ثم أتى أخوه حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، فسألوه عن (الم) وقالوا: ننشدك الله الذي لا إله ألا هو أحق أنها أتتك من السماء؟ فقال النبي (ص): نعم. كذلك نزلت. فقال حيي: إن كنت صادقاً إني لأعلم أجل هذه الأمة من السنين. ثم قالوا: كيف ندخل في دين رجل دلّت هذه الحروف بحساب الجمل على أن منتهى أجل أمته إحدى وسبعون سنة، فضحك النبي (ص). فقال حيي: فهل غير هذا؟ فقال: نعم (المص). فقال حيي: هذا أكثر من الأول: هذا مائة وإحدى وستون سنة. فهل غير هذا؟ قال: نعم (الر) فقال حيي: هذا أكثر من الأولى والثانية، فنحن نشهد إن كنت صادقاً ما ملكت أمتك إلا مائتين وإحدى وثلاثين سنة. فهل غير هذا؟ فقال: نعم (المر). قال حيي: فنحن نشهد أنا من الذين لا يؤمنون، ولا ندري بأي أقوالك نأخذ. فقال أبو ياسر: أما أنا فأشهد على أن أنبياءنا قد أخبرونا عن ملك هذه الأمة، ولم يبينوا أنها كم تكون؟ فإن كان محمد صادقاً فيما يقول، إني لأراه سيجتمع له هذا كله. فقام اليهود، وقالوا اشتبه علينا أمرك كله فلا نردي أبالقليل نأخذ أم بالكثير؟
            فبهذا تعرف أيها الذكيّ أن الجمل كانت للتعارف عند اليهود، وهو نوع من الرموز الحرفية، فكانت هذه الحروف لابد من نزولها في القرآن، ليأخذ الناس في فهمها كل مذهب، ويتصرف الفكر فيها.
            ولأقتصر لك مما قرأته على ثلاث طرائق فيما ترمز إليه هذه الحروف:
            (الطريقة الأولى): أن تكون هذه الحروف مقتطعات من أسماء الله، كما روي عن ابن عباس (رض) أنه قال: الألف آلاء الله، واللام لطفه، والميم ملكه. وعنه أن (الر) و (حم)، و (ن) مجموعها الرحمن. وعنه أن (الم) معناه أنا الله أعلم، ونحو ذلك في سائر الفواتح. وعنه أن الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد. أي القرآن منزل من الله بلسان جبريل على محمد (عليهما الصلاة والسلام) أقول: إنما أراد ابن عباس بذلك أن تكون الحروف مذكرة بالله عزوجل في أكثر الأحوال، وذكر الله أجل شيء. ويرجع الأمر إلى أنها أسماء مرموز لها بالحروف كما تقدم عن الأمم السالفة من النصارى في إسكندرية، ورومة. ولكن لابد أن يكون هناك ما هو أعلى، وأجلّ.
            (الطريقة الثانية): أن هذه الحروف من أعجب المعجزات، والدلالات على صدق النبي (ص). وهذا مما ترضاه النفوس. ألا ترى أن حروف الهجاء لا ينطق بها إلا من تعلم القراءة. وهذا النبي الأمي (ص) قد نطق بها. والذي في أول السور أربعة عشر حرفاً منها، وهي كلها ثمانية وعشرون حرفاً إن لم تعد الألف حرفاً برأسه، فالأربعة عشر نصفها. وقد جاءت في تسع وعشرين سورة، وهي عدد الحروف الهجائية إذا عدت فيها الألف. وقد جاءت من الحروف المهموسة العشرة وهي: ((فحثه شخص سكت)) بنصفها، هي الحاء، والهاء، والصاد، والسين، والكاف.
            ومعلوم أن الحروف إما مهموسة ـ أي يضعف الاعتماد عليها ـ وهي ما تقدم، وإما مجهورة، وهي ثمانية عشر، نصفها ـ وهو تسعة ـ ذكرت في فواتح السور، ويجمعها ((لن يقطع أمر)).
            والحروف الشديدة ثمانية، وهي ((أجدت طبقك)) أربعة منها في الفواتح، وهي ((أقطك)).
            والحروف المطبقة أربعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، وفي الفواتح نصفها: الصاد، والطاء.
            وبقية الحروف ـ وهي أربعة وعشرون حرفاً ـ تسمى منفتحة، نصفها، وهو إثنا عشر في الفواتح المذكورة.
            فانظر كيف أتى في هذه الفواتح بنصف الحروف الهجائية، إن لم تعدّ الألف، وجعلها في تسع وعشرين سورة عدد الحروف، وفيها الألف؟ وكَيف أتى بنصف المهموسة، ونصف المهجورة. ونصف الشديدة، ونصف الرخوة، ونصف المطبقة، ونصف المنفتحة؟!!
            وإني موقن أن المتعلم لو طلب منه أن يأتي بهذه الحروف منصفة على هذا الوجه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإنه إن راعى نصف الحروف المطبقة، فكيف يراعي الحروف الشديدة؟! وكيف يراعي نصف المجهورة في نفس العدد؟!.
            إن ذلك دلائل على صدق صاحب الدعوة (ص). ففائدة هذا الوجه أهم من الوجه الأول، فالأول فائدته تذكير الإنسان بأسماء الله تعالى. وأما الوجه الثاني ففيه إعجاز للعقول، وحيرة. فيقال: كيف تنصف الحروف الهجائية، وتنصف أنواعها من مهموسة، وشديدة الخ. وهذه الأنواع لم يدرسها أحد في العالم أيام النبوة. ثم لما ظهرت تلك الدراسات، وافقت تلك الحروف بأنصافها!
            إن ذلك ليعطي العقول مثلاً من الغرابة الدالة على أن هذا لا يقدر عليه المتعلمون فإذاً هو من الوحي. وهذا الوجه على قوته يفضله ما بعده.
            (الطريقة الثالثة): أن الله تعالى خلق العالم منظماً محكماً، متناسقاً متناسباً. والكتاب السماوي إذا جاء مطابقاً لنظامه، موافقاً لإبداعه، سائراً على منهاجه، دلّ ذلك على أنه من عنده. وإذا جاء الكتاب السماوي مخالفاً لنهجه، منافراً لفعله، منحرفاً عن سننه كان ذلك الكتاب مصطنعاً، مفتعلاً، منقولاً، مكذوباً، (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) سورة النساء/ آية 82.
            والعالم المشاهد، فيه عدد الثمانية والعشرين. وذلك فيما يأتي:
            1 ـ مفاصيل اليدين في كل يد أربعة عشر.
            2 ـ خرزات عمود ظهر الإنسان منها أربع عشرة في أسفل الصلب، وأربع عشرة في أعلاه.
            3 ـ خرزات العمود التي في أصلاب الحيوانات التامة الخلقة: كالبقر، والجمال، والحمير، والسباع، وسائر الحيوانات التي تلد أولادها، منها أربع عشرة في مؤخر الصلب، وأربع عشرة في مؤخر البدن.
            4 ـ عدد الريشات التي في أجنحة الطير المعتمدة عليها في الطيران أربع عشرة ريشة ظاهرة في كل جناح.
            5 ـ عدد الخرزات التي في أذناب الحيوانات الطويلة الأذناب: كالبقر، والسباع.
            6 ـ عمود صلب الحيوانات الطويلة الخلقة: كالسمك، والحيات، وبعض الحشرات.
            7 ـ عدد الحروف التي هي في لغة العرب التي هي أتم اللغات، ثمان وعشرون حرفاً. منها أربعة عشر يدغم فيها لام التعريف، وهي: ت ث د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ل ن. وأربعة عشر لا تدغم اللام فيها، وهي: أ ب ج ح خ ع غ ف ق ك م هـ و ي.
            8 ـ والحروف التي تخط بالقلم قسمان: منها أربعة عشر معلمة بالنقط، وهي: ب ت ث ج خ د ز ش ص ظ غ ف ق ن، وأربعة عشر غير معلمة وهي: أ ح د ر س ص ط ع ك و هـ ل م لا. وهذا الحرف هو الألف التي هي من حروف العلة. أما الأولى فهي الهمزة. فهذه أربعة عشر حرفاً. وبقيت الياء، وهي تنقط في وسط الكلمة، ولا تنقط في آخرها، فأصبحت الحروف المعلمة أربعة عشر، وغير المعلمة أربعة عشر، والحرف التاسع والعشرون معلم، وغير معلم، لتكون القسمة عادلة. والفضل في هذا العدل للحكيم هو الذي يتشبه بالله بقدر الطاقة البشرية. وهذا جعل ثمانية وعشرين حرفاً مقسمة قسمين، كل منها أربعة عشر كما في مفاصل اليدين، وفقرات بعض الحيوانات.
            9 ـ منازل القمر ثمان وعشرون منزلة، في البروج الشمالية أربع عشرة وفي الجنوبية أربع عشرة. فهذا يفيد أن الموجودات التي عددها ثمانية وعشرون تكون قسمين كل منهما أربعة عشر. فهكذا هنا في القرآن جاءت الحروف العربية مقسمة قسمين، قسم منهما أربعة عشر منطوق به في أوائل السور، وقسم منهما أربعة عشر غير منطوق به في أوائلها. وكأنه تعالى يقول: أي عبادي، إن منازل القمر ثمان وعشرون، وهي قسمان، ومفاصل الكف ثمانية وعشرون وهي قسمان، وهكذا. والحروف التي تدغم في حرف التعريف، والتي هي معلمة كل منها أربعة عشر. وضدها أربعة عشر، فلتعلموا أن هذا القرآن هو تنزيل مني، لأني نظمت حروفه على هذا النمط الذي اخترته في صنع المنازل، والأجسام الإنسانية، والأجسام الحيوانية، ونظام الحروف الهجائية، فمن أين لبشر كمحمد أو غيره أن ينظم هذا النظام، ويجعل هذه الأعداد موافقة للنظام الذي وضعته، والسنن الذي رسمته، والنهج الذي سلكته؟ إن القرآن تنزيل مني. وقد وضعت هذه الحروف في أوائل السور لتستخرجوا منها ذلك، فتعلموا أني ما خلقت السموات، والأرض وما بينهما باطلاً، بل جعلت النظام في العالم، وفي الوحي متناسباً. وهذا الكتاب سيبقى إلى آخر الزمان. ولغته ستبقى معه إلى آخر الأجيال. إن اللغات متغيرة، وليس في العالم لغة تبقى غير متغيرة إلا التي حافظ عليها دين. وهل غير اللغة العربية حافظ عليها دين؟)).
            هذا ـ ولا يخفى عليك أن ذاك الرأي الثاني في فواتح السور أبلغ في نقض الشبهة من الرأي الأول، لأنه ينفي ما زعموه من أساس الاتهام، وهو أنه ليس لهذه الفواتح معنى مفهوم، ويقرر أن معانيها مفهومة على ما تبين في تلك الوجوه السابقة. وإذا كان بعض الناس لا يفهم تلك المعاني، فليس ذلك عيباً في القرآن إنما هو عيب في استعداد بعض أفراد الإنسان. وكتاب الله خوطب به الخواص كما خوطب به العام، فلا بد أن يكون فيه ألفاظ لا يفهمها إلا الخاصة دون العامة.
            وعلى كلا هذين الرأيين يتضح لك أن اشتمال القرآن على هذه الألفاظ، ليس من قبيل اشتماله على لغو الكلام، أو إظهار القرآن بمظهر عميق مخيف، ولا يفهم منه أنها رموز للمصاحف ألحقها مرور الزمن بالقرآن، إلى غير ذلك من الهذيان. بل ثبوت هذه الفواتح لا يقدح في كون القرآن من عند الله، سواء أفادت معنى ظاهراً أم لم تفد على ما بيّناه من حكمة الله البالغة في إيرادها. والله هو الحكيم العليم
            .

            تعليق

            • سامسونج
              3- عضو نشيط

              • 23 ينا, 2009
              • 473
              • .....
              • مسلم

              #21
              شبهات حول جمع القرآن، وتفنيدها

              1 ـ شبهة الزيادة في بعض سور القرآن:
              إن في المصحف ما ليس بقرآن. ويمثلون على ذلك بفاتحة الكتاب والمعوذتين، وحجتهم في ذلك أن الصحابي عبدالله بن مسعود أسقطها من مصحفه، ومن ثم أنكرها كقرآن.

              تفنيد هذه الشبهة:

              أولاً:
              عدم صحة النقل. فإن ما نسب إلى ابن مسعود غير صحيح، بل ومخالف لإجماع الأمة. ولا يعقل، بل يستحيل أن يحصل إنكار مثل هذا من صحابي جليل كعبدالله بن مسعود صاحب رسول الله (ص) الذي كان لا يفارقه، وشهد كثيراً من نزول الوحي، وهو الذي عاصر نزول الوحي في معظمه، وهو الأعلم من غيره بما هو قرآن، وما هو ليس بقرآن. وهو الصحابي الجليل الذي عرف عنه تقواه، وشدة غيرته على دينه، وعلى قرآنه، وبذلك فالعقلانية السليمة تقتضي بطلان ما نقل عن ابن مسعود في هذا الشأن.
              قال الإمام النووي في ((شرح المهذب)): ((أجمع المسلمون على أن المعوذتين، والفاتحة من القرآن، وأن مَن جحد شيئاً منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح)).
              وقال الإمام ابن حزم في كتاب ((القدح المعلى)): ((هذا كذب عن ابن مسعود، وموضوع)).
              وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر: ((أنه (ص) قرأهما في الصلاة)).
              وأخرج ابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر أيضاً: ((فإن استطعت ألا تفوتك قراءتهما في صلاة، فافعل)).
              وأخرج أحمد بن حنبل من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة: ((بأن النبي (ص) أقرأنا المعوذتين، وقال له: إذا أنت صليت، فأقرأ بهما)).
              وقد صحّ عند العلماء عن ابن مسعود نفسه قراءة عاصم، وفيها المعوذتان والفاتحة. وكذلك قرأ المعوذتين حمزة، والكسائي، وجميع القراء السبعة والعشرة، وغيرهم.
              ثانياً: احتمال أن إنكار ابن مسعود كان قبل علمه بأنهما من القرآن. وبعد أن علم أنهما من القرآن آمن بهما، وأخذ بهما، وتمسك بهما. قال بعض العلماء: ((يحتمل أن ابن مسعود لم يسمع المعوذتين من النبي (ص). ولم تتواتر عنده، فتوقف في أمرهما، وإنما لم ينكر ذلك عليه، لأنه بصدد البحث، والنظر، والواجب عليه التثبت في هذا الأمر)).
              ثالثاً: عدم صحة النقل عن ابن مسعود بأنه أنكر قرآنية الفاتحة. وحاشا أن تكون الفاتحة قد خفيت عليه، وهي أم القرآن، والسبع المثاني، ومثلها مستحيل أن يخفى على ابن مسعود. وكذلك لو صح أنه أسقطها من مصحفه، فلا يعني هذا أنه ينكرها.
              قال ابن قتيبة ما نصه: ((وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه، فليس لظنه أنها ليست من القرآن (معاذ الله)، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب، وجمع بين اللوحين، مخافة الشك، والنسيان، والزيادة، والنقصان)).
              رابعاً: إن إنكار ابن مسعود لقرآنية الفاتحة، والمعوذتين، لو صح، فإن هذا لا ينقض قرآنيتهما، وتواترهما، ولا يرفع العلم اليقيني بقرآنية ما صح قرآنيته، وليس من شروط تواتر القرآن، والعلم اليقيني بثبوته ألا يخالفه مخالف حتى ولو كان من الصحابة، وإلا لأمكن هدم كل تواتر، وإبطال كل علم يقيني قام عليه.
              قال ابن قتيبة في ((مشكل القرآن)): ((ظن ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن، لأنه رأى النبي (ص) يعوذ بهما الحسن، والحسين، فأقام على ظنه، ولا نقول إنه أصاب في ذلك، وأخطأ المهاجرون، والأنصار)).

              2 ـ شبهة تأليف آية من كلام أبي بكر:

              إن في المصحف آية هي من تأليف، وكلام أبي بكر، وهي قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومَن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً) سورة آل عمران/ آية 144. وحجتهم في ذلك: أنه عندما توفي الرسول (ص) قال عمر بن الخطاب: ((إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله (ص) توفي، وإن رسول الله (ص) ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل: مات. والله ليرجعن رسول الله (ص) كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال، وأرجلهم، زعموا أن رسول الله (ص) مات)). قالوا: فقام أبو بكر، ورد على عمر. فقال: على رسلك يا عمر، أنصت. فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: ((أيها الناس، مَن كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات ومَن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، ثم تلا الآية: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل غفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومَن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً) سورة آل عمران/ آية 144 وزعموا أنها من كلام أبي بكر رد بها على عمر عندما أنكر وفاة الرسول (ص).

              تفنيد هذه الشبهة:


              إن مجرد تلاوة أبي بكر لهذه الآية في رده على عمر، وتهدئة الناس لا يعني مطلقاً، وبهذه السذاجة، أنها من كلام أبي بكر تفوه بها، أو قالها، وذلك من جهتين:
              الأولى: إن جميع الصحابة، ومنهم أبو بكر يحفظونها، ويعلمون أنها من القرآن، وأنها كلام الله تعالى، وترتيبها في سورة آل عمران، ونزلت قبل وفاة الرسول (ص) ببضع سنين.
              الثانية: أن الكثير الكثير من الصحابة يعلمون سبب نزولها، ومكان، وتاريخ نزولها. وقد ورد في الروايات الصحيحة أن الآية: (وما محمد إلا رسول) قد نزلت في غزوة أحد، عتاباً من الله تعالى على الصحابة، لفرارهم من القتال. حيث إنه عندما أصيب المسلمون في غزوة أُحُد، وكسرت رباعية الرسول (ص)، وشج وجهه، وجحثث ركبته، وشاع بين المقاتلة، أن رسول الله (ص) قد قتل، هنالك قال بعض المسلمين: ليت لنا رسول إلى عبدالله بن أبي بن سلول، فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان. وبعضهم جلسوا. وألقوا بأيديهم، وقال أناس من المنافقين: إن كان محمد قتل قتل، فالحقوا بدينكم الأول. فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: إن كان محمد قتل، فإن رب محمد لم يُقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله (ص)، فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثم قال: ((أللهم إني أعتذر إليك مما قال هؤلاء ـ يعني المسلمين ـ وأبرأ إليك مما قال هؤلاء ـ يعني المنافقين ـ ثم شد بسيفه، فقاتل حتى قتل. وروي أن أول مَن عرف رسول الله (ص) هو: كعب بن مالك فقد ورد أنه قال: عرفت عينيه تحت المغفر تزهران، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا رسول الله (ص)، فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه ينافحون عنه. ثم لام النبي (ص) أصحابه على الفرار، فقالوا: يا رسول الله، فديناك بآبائنا، وأبنائنا، أتانا الخبر أنك قتلت، فرعبت قلوبنا، فولّينا مدبرين. فأنزل الله تعالى هذه الآية: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) إلى آخر الآية.


              تعليق

              • سامسونج
                3- عضو نشيط

                • 23 ينا, 2009
                • 473
                • .....
                • مسلم

                #22
                3 ـ شبهة تأليف آية من كلام عمر:

                إن في المصحف آية هي من تأليف وكلام عمر بن الخطاب، وهذه الآية (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى). وحجتهم في ذلك: أن هذه من كلام عمر بن الخطاب خاطب بها الرسول (ص)، وعرض عليه أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.

                تفنيد هذه الشبهة:

                إن هذه الشبهة لا دليل لها، ولا سند إليها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالمسلمون وخاصة الصحابة يعلمون أنها من كلام الله، ويعرفون سبب نزولها، ومكان، وتاريخ نزولها، حيث قال عمر للنبي (ص): ((لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى)) فنزلت الآية، قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) سورة البقرة/ آية 125. والفرق واضح بين لفظ عمر، ولفظ الآية. فالآية الكريمة جاءت بلفظ الأمر، وعلى سبيل الوجوب، أما كلام عمر فجاء بصيغة الماضي مقروناً بالتمني، والذي عبر عنه بالحرف لو.

                4 ـ شبهة تغيير الخلفاء الثلاثة (أبو بكر، عمر، عثمان) لبعض القرآن
                :

                إن الخلفاء الراشدين الثلاثة: أبو بكر، وعمر، وعثمان حرّفوا القرآن وغيروا، وبدلوا فيه، وأسقطوا كثيراً من آياته وسوره، وزعم بهذه الشبهة غلاة الشيعة، وقد استشهدوا في تأييد اتهاماتهم بأمور كثيرة منها:
                1 ـ ما رووه عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله: ((إن القرآن الذي جاء به جبريل إلى ممد (ص) كان سبع عشرة ألف آية)).
                2 ـ ما رووه، وما رواه محمد بن نصر عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله: (أنه كان في سورة ((لم يكن)) اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم، وأسماء آبائهم)).
                3 ـ ما رواه محمد بن جهم الهلالي وغيره عن أبي عبدالله أن لفظ: ((أمّة هي أربى من أمة)) في سورة النحل ليس كلام الله، بل هو محرف عن موضعه، وحقيقة المنزل: ((أئمة هي أزكى من أئمتكم)).
                4 ـ روى بعض غلاة الشيعة أن هناك سورة تسمى سورة الولاية كانت في القرآن ثم أسقطت بتمامها.
                5 ـ روي بعضهم: أن سورة الأحزاب كانت أكثر، ومعظمها سقط إذ كانت طويلة على مثل سورة الأنعام، وأسقطوا منها فضائل أهل البيت.
                6 ـ ادعى بعضهم أيضاً أن الصحابة اسقطوا لفظ ((ويلك)) من قبل، وأول آية: (لا تحزن إن الله معنا).
                7 ـ ادعى بعضهم أيضاً أن الصحابة أسقطوا لفظ ((عن ولاية علي)) من بعد الآية: (وقفوهم إنهم مسئولون).
                8 ـ ادعى بعضهم أيضاً أن الصحابة أسقطوا لفظ ((بعلي بن أبي طالب)) من بعد (وكفى الله المؤمنين القتال).
                9 ـ ادعى بعضهم أيضاً أن الصحابة أسقطوا لفظ آل محمد من بعد: (وسيعلم الذين ظلموا).

                تفنيد هذه الشبهة:
                يمكننا نقض هذه الشبهة من خمسة وجوه:

                الأول: إن هذه اتهامات لا دليل لها، ولا سند إليها، اتهم بها الصحابة (رضوان الله عليهم) زوراً وبهتاناً، وما تنمّ عنه إلا أن تكون مجرد حقد، وضغينة، ودسائس، قصدوا بها تشويه أخلاقية، وسيرة الصحابة رضوان الله عليهم، وسنتهم، والتي قال فيها الرسول (ص): ((عضّوا عليها بالنواجذ)).
                الثاني: إن بعض علماء الشيعة أنفسهم تبرأوا من هذه الاتهامات.
                قال الطبرسي، وهو من علماء الشيعة المفسرين، والمرموقين في كتابه ((مجمع البيان)) ما نصه: ((أما الزيادة فيه ـ أي في القرآن ـ فجمع على بطلانها، وأما النقصان فقد روي عن قوم من أصحابنا، وقوم من الحشوية، والصحيح خلافه. وهو الذي نصره المرتضى، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء)).
                وقال الطبرسي أيضاً في تفسيره ((مجمع البيان)): ((أما زيادة في القرآن، فمجمع على بطلانها، وأما النقصان فهو أشد استحالة. وإن العلم بصحة نقل القرآن، كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة. فإن العناية اشتدت، والدواعي توفرت على نقله، وحراسته، وبلغت إلى حد لم يبلغه شيء فيما ذكرناه، لأن القرآن مفخرة النبوة، ومأخذ العلوم الشرعية، والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه، وحمايته الغاية، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه، وقراءته، وحروفه، وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيراً، أو منقوصاً مع العناية الصادقة، والضبط الشديد)).
                الثالث: إن التواتر قد قام، والإجماع قد انعقد على أن الموجود بين دفتي المصحف هو كلام الله، هو القرآن من غير زيادة، ولا نقصان، ولا تغيير، ولا تبديل. والإجماع سبيل من سبل الحق قويم: (فماذا بعد الحق إلا الضلال).
                الرابع: إن الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ وهو الذي يزعمون أنهم يتشيعون له صح النقل عنه أنه حبذ جمع القرآن، بل وأثنى على جامعيه: أبي بكر، وعثمان، فد قال علي عن أبي بكر: ((أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر هو أول مَن جمع كتاب الله)). وقال عن عثمان ما نصه: ((يا معشر الناس، اتقوا الله، وإياكم والغلو في عثمان، وقولكم: حرّاق المصاحف، فوالله، ما حرّقها إلا عن ملأ منا أصحاب رسول الله (ص) )). وقوله أيضاً: ((لو كنتن الوالي وقت عثمان، لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان)).
                الخامس: لو كانت ادعاءاتهم صحيحة، لقام علي بن أبي طالب بعد أن استلم الخلافة، وصحح ما حرفه الخلفاء من قبله، ولكن هل فعل شيئاً من هذا؟ هل اتهم أحداً منهم أنه حرف، أو غير، أو أسقط شيئاً من القرآن؟ أبداً أبداً.
                (سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين) سورة الصافات/ آيات 180 ـ 182.

                تعليق

                • سامسونج
                  3- عضو نشيط

                  • 23 ينا, 2009
                  • 473
                  • .....
                  • مسلم

                  #23
                  5 ـ شبهة سقوط قرآناً من المصحف:

                  ويمثلون على ذلك بكلمة ((متتابعات)) الواردة في مصحفي عبدالله بن مسعود، وأبي بن كعب (رضوان الله عليهما).
                  أ ـ ففي مصحف ابن مسعود وردت كلمة متتابعات في آخر آية اليمين، وهي قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) سورة المائدة/ آية 89. وفي مصحف ابن مسعود بزيادة: ((متتابعات)).
                  ب ـ وفي مصحف أبي بن كعب وردت هذه الكلمة متتابعات في آية الصوم، وهي قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) سورة البقرة/ آية 184. وفي مصحف أبي بن كعب بزيادة: ((متتابعات)).
                  تفنيد هذه الشبهات:
                  أولاً: إن هذا مخالف لما ثبت نقله بالتواتر من القرآن، فإن ورود كلمة متتابعات في مصحف ابن مسعود غير متواتر، ومنقول بالشهرة. وإن ما نقل عن مصحف أبي بن كعب منقول بخبر الآحاد، وليس بالتواتر.
                  ثانياً: عن ورود كلمة متتابعات في مصحفي ابن مسعود، وأبي بن كعب هي من قبيل التفسير، والإيضاح، والشرح، والتفصيل للجمل باتفاق جميع العلماء.
                  ثالثاً: عدم صحة الروايات المنسوبة إلى الصحابيين الجليلين. فلم يرد أبداً أنهما ادعيا أن كلمة متتابعات الموجودة في مصحفيهما هي قرآن، ولم يثبت أنهما قصدا بنيتهما أن هذه الكلمة من القرآن.
                  رابعاً: إن الادعاء بأن كلمة متتابعات من القرآن هو في حد ذاته مخالف لإجماع الأمة. ولا يعقل أبداً أن ينفرد هذان الصحابيان بقرآن مثل هذا يدعيانه خروجاً على إجماع الأمة والصحابة.
                  6 ـ شبهة إسقاط أبي بن كعب دعاءً كان يُتلى:
                  إن الصحابي أبي بن كعب أسقط من المصحف دعاءً كان يُتلى. وكان يتلوه، وكان يسميه سورة الخلع والحفد، وهو: ((أللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونتوب إليك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، أللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق))
                  .
                  تفنيد هذه الشبهة:

                  أولاً
                  : عدم صحة ما نقل عن أبي بن كعب أنه أثبت هذا الدعاء في مصحفه على أنه قرآن. وكونه أنه أثبته في مصحفه لا يعني أنه اعتبره قرآناً، ولم تقم الحجة عليه أنه قرآن، ولو كان ذلك لكان أبي بن كعب أعلم به من غيره.
                  قال صاحب ((الانتصار)) ما نصه: ((إن كلام القنوت المروي عن أبي بن كعب أثبته في مصحفه. ولم تقم الحجة بأنه قرآن منزل، بل هو ضرب من الدعاء، وأنه لو كان قرآناً لنقل إلينا نقل القرآن، وحصل العلم بصحته)).
                  ثانياً: من المحتمل أن يكون دعاء القنوت كلاماً من القرآن منزلاً، ثم نسخ، وأبيح الدعاء به، وخلط بما ليس بقرآن. أما ما روي أنه أثبته في مصحفه كقرآن، فهذا لا دليل له.
                  قال صاحب ((الانتصار)) ما نصه: ((ويمكن أن يكون منه كلام كان قرآناً منزلاً، ثم نسخ، وأبيح الدعاء به، وخلط بما ليس بقرآن، ولم يصح ذلك عنه، إن ما روي عنه أنه أثبته في مصحفه)).
                  ثالثاً: إن الادعاء بأن أبي بن كعب أثبت دعاء القنوت في مصحفه على أنه قرآن ادعاء باطل يعوزه الدليل، وتنقصه الحجة، ويفتقد إلى السند، فالصحابة (رضوان الله عليهم) أعلم من غيرهم بالقرآن، وما أثبتوه أجمعوا عليه حفظاً، وتلاوة، وكتابة، وتواتراً فليس من العقلانية السليمة بشيء الاعتقاد أن صحابياً مثل أبي بن كعب قد خرج عن هذا، وانفرد دون الصحابة بالادعاء بأن دعاء القنوت قرآن، وحاشا أن يفعل ذلك صحابي جليل هو أبي بن كعب.

                  تعليق

                  • سامسونج
                    3- عضو نشيط

                    • 23 ينا, 2009
                    • 473
                    • .....
                    • مسلم

                    #24
                    شبهات حول المكي والمدني من القرآن وتفنيدها

                    ـ الشبهة الأولى: تعارض الأساليب

                    إنّ أسلوبي القرآن المكي، والمدني متعارضان. فالأسلوب القرآني المكي يتسم بالعنف، والتشدد، والحدة، والقسوة، والغضب، والوعد، والوعيد، والتهديد، والترهيب، بينما يتسم الأسلوب القرآني المدني بالليونة، والصفح، والسماحة، والعفو، والفضل، والاستنارة.

                    تفنيد هذه الشبهة:

                    إن نظرة عقلانية فاحصة في أسلوبي القرآن المكي، والمدني تفند هذه الشبهة، وتدخض افتراءات التعارض بينهما. فالقرآن الكريم بقسميه المكي، والمدني يشمل على الشدة، والعنف، والليونة، والصفح، وهو في دعوته إلى الحق، والفضيلة، والاقتناع، والإفحام، والشرح، والتوضيح، يستخدم شواهد الحكمة والتشدد، والعقلانية، والتسامح في قسميه، وهو يستخدم أسلوب الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، والشدة والتسامح في مكيه، ومدنيه.
                    أولاً: فالعنف، والشدة، والحدة، والقسوة ليس قصراً على القرآن المكي. فالقرآن المدني يتسم في كثير من آياته بمثل هذه الصفات والشواهد.
                    فقد قال تعالى في سورة البقرة، وهي مدنية: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون. وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون. الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) آية 13 ـ 15.
                    وقال تعالى في سورة آل عمران، وهي مدنية (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك هم وقود النار. كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب. قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد) آية 10 ـ 12.
                    وقال تعالى في سورة النساء، وهي مدنية: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالاً بعيداً. إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً. إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً) آية 167 ـ 169.
                    ثانياً: وكذلك فإن الليونة، والتسامح، والصفح ليس قصراً على القرآن المدني. فالقرآن المكي تفيض آياته في الكثير من سوره بمثل هذه الصفات، والشواهد. فقد قال تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم) آية 54.
                    وقال تعالى في سورة الأعراف، وهي مكية: (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) آية 46.
                    وقال تعالى في سورة يونس، وهي مكية: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) آية 62 ـ 64.
                    ـ الشبهة الثانية: (انقطاع الصلة)
                    إن القسمين المكي، والمدني منقطعا الصلة.
                    فالقرآن المكي تتسم سوره، وآياته بالقصر، أما المدني فتتسم سوره وآياته بالطول.

                    تفنيد هذه الشبهة:

                    يمكننا تفنيد هذه الشبهة بأمرين إثنين.

                    المكي، والمدني استناداً إلى شواهد الطول، والقصر أمر تنقصه الدقة، ويحتاج إلى دليل. ونحن نسأل: متى كان الطول والقصر معياراً صحيحاً في الحكم على نظم أعظم كتاب، وأعجز فرقان، إلا أن يكون السوء ي النية، والتطاول في الكفر، والتمادي في الباطل؟!!.
                    ومع الإقرار بصفة القصر للمكي، والطول للمدني، فإننا لا نشعر بأي تفاوت أو انقطاع بينهما بل بكمال الصلة، والتناسق، وجمال الانسجام، وانتظام الأحكام.
                    ولو كان الأمر كما يدعون، لما غاب ذلك عن أئمة الفصاحة والبيان من العرب، والذي نزل فيهم، وتحداهم فلم يجرؤوا ـ وعلى تماديهم في التحدي ـ على القول بانقطاع الصلة بين قسميه المكي والمدني. وعلى العكس من ذلك، فقد شهدوا له بسميه المكي، والمدني بمراعاة قانون التحكم في قواعد البلاغة، والتناسق في السرد، والتلاوة، والانتظام في النظم، والأسلوب، وهو ينتقل من المكي إلى المدني بالنسبة للسور، ومن الآيات المكية في السور المدنية، والآيات المدنية في السور المكية بالنسبة للآيات.
                    وما القصر للمكي، والطول للمدني إلا شاهد بياني، وبلاغي في أسلوب المخاطبة, والتناسب مع الأحوال. فأهل مكة اتسموا بالتمتع، والتشدد، والغلظة، والصلافة، فكان أسلوب الزجر المتسم بشواهد القصر مناسباً لهم. وعلى العكس من ذلك فأهل المدينة اتسموا باللين، والسماحة، والقبول، فكان أسلوب الإطناب، والإسهاب المتصف بشواهد الطول مناسباً لهم. وعلى العكس من ذلك فأهل المدينة اتسموا باللين، والسماحة، والقبول، فكان أسلوب الإطناب، والإسهاب المتصف بشواهد الطول مناسباً لهم. وهذه غاية التناسق، والتناسب في التخاطب. وهكذا اقتضت شواهد التناسب في المخاطبة مع الأحوال أن يأتي القرآن المكي في معظمه موجزاً قصيراً، والمدني في معظمه طويلاً مطنباً.
                    الثاني: إن القول بقصر المكي، وطول المدني ليس مقبولاً على إطلاقه بل هو على الغالب، ولذا فقد احتوى القسم المكي على سور طويلة كسورة الأنعام، وقد احتوى القسم المدني على سور قصيرة كسورة النصر. ولو كان القول بقصر المكي، وطول المدني على الأكثر والأغلب، لكان صحيحاً، ونحن نسلم به. أما القول بذلك على الإطلاق، فلا يمكن قبوله، وخاصة أن هذا مصحوب بسوء النية، والافتراء على القرآن، والكافر لا يعدم الوسيلة، ولو اتصفت بالتفاهة، والسفاهة للنيل من قرآن ربنا، قرآننا.

                    تعليق

                    • سامسونج
                      3- عضو نشيط

                      • 23 ينا, 2009
                      • 473
                      • .....
                      • مسلم

                      #25
                      ـ الشبهة الثالثة: (التأثر بالبيئة)

                      إن القرآن المكي تأثر بالبيئة. ودليل ذلك القَسَمُ فيه بالكثير من المحسوسات كالليل، والنهار، والضحى، والشمس، والقمر، والتين، والزيتون، وطور سنين، والرياح، والخيل. وهذا عكس القرآن المدني حيث خلا من كل ذلك.

                      تفنيد هذه الشبهة:

                      يمكننا تفنيد هذه الشبهة من خلال أمرين إثنين:


                      أولاً: إن القَسَم بالأمور الحسية إنما هو من قبيل رعاية مقتضى الحال. والقرآن المكي ـ وهو يخاطب صناديد قريش، وأئمة الشرك، وجبابرة العناد ـ أجاد في طرح دلائل الألوهية، وتفنن في عرض أساليب الإفحام بالقسم بالأمور الحسية، والتذكير بشواهد الخلق، والنعم المحيطة بأهل مكة، نبذاً لعقائد الشرك من عقولهم، وطرحاً لشواهد الجحود من أذهانهم سيما وأنهم يؤمنون بتوحيد الربوبية، وهي نسبة أفعال الله إليه تعالى: كالخلق، والرزق، والحياة، والممات، والشفاء، والمرض، وكل ذلك حتى يلفت أذهانهم إلى حقيقة الألوهية، وأنها الخالقة لكل، ولمثل هذه المخلوقات، والنعم، والأمور الحسية التي أقسم الله بها.
                      وكما يقول أستاذنا المرحوم محمد عبدالعظيم الزرقاني: بأن المصاب بداء الشرك لا سبيل لإنقاذه منه إلا بمثل الطريقة المثلى التي سلكها القرآن بعرض دلائل التوحيد من آيات الله في الآفاق على أنظار المشركين. وهذا سبيل متعين في خطاب كل مشرك، ولو كان واحد الفلاسفة، ووحيد العباقرة، وأستاذ المثقفين، والمستنيرين. فحلف القرآن بأمثال هاتيك المخلوقات والحسيات، ليس سبيلاً إلى الطعن في القرآن.
                      ثانياً: إن القسم بالأمور الحسية يوحي، وينبئ بوجود أسرار عظيمة أودعها الله تلك المخلوقات الحسية، والتي أقسم بها. وغني عن البيان: أن هذه الأسرار لا يدركها، ولا يستشفها إلا أولو الألباب من الناس أصحاب العقول الكبيرة حيث إنها لم تُشرح، ولم تفسر في القرآن الكريم. فالله تعالى عندما أقسم بالتين، والزيتون، وطور سنين، وهذا البلد الأمين، فهو يذكرنا بعظم الأسرار، والحوادث، والآثار المحيطة، والنازلة ببني البشر. قال العلامة المرحوم الشيخ محمد عبده في تفسيره لسورة التين: ((وقد يرجح أنها (أي التين، والزيتون) النوعان من الشجر. ولكن لا لفوائدهما كما ذكروا، بل لما يذكران به الحوادث العظيمة التي لها الآثار الباقية في أحوال البشر. فالله تعالى أراد أن يذكرنا بأربعة فصول من كتاب الإنسان الطويل، فإنه كان يستظل في تلك الجنة التي كان فيها بورق التين. وعندما بدت له، ولزوجته سوآتهما، طفقا يخصفان عليهما من ورق التين. والزيتون: إشارة إلى عهد نوح (ع) وذريته. وذلك أنه بعد أن فسد البشر، وأهلك من أهلك منه بالطوفان، ونجي نوح في سفينته، واستقرت السفينة نظر نوح إلى ما حوله، فرأى المياه لا تزال تغطي وجه الأرض، فأرسل بعض الطيور لعله يأتي غليه بخبر انكشاف الماء عن بعض الأرض، فغاب، ولم يأت بخبر. فأرسل طيراً ىخر، فرجع إليه يحمل ورقة من شجر الزيتون، فاستبشر، وسر، وعرف أن غضب الله قد سكن، وقد أذن للأرض أن تعمر، ثم كان منه ومن أولاده تجديد القبائل البشرية العظيمة في الأرض التي أمحى عمرانها، فعبر عن ذلك الزمن بزمن الزيتون. والإقسام هنا بالزيتون للتذكير بتلك الحادثة، وهي من أكبر ما يذكر من الحوادث)).
                      وطور سنين: ((إشارة إلى عهد الشريعة الموسوية، وظهور نور التوحيد في العالم بعدما تدنست جوانب الأرض بالوثنية، وقد استمر الأنبياء بعد موسى يدعون قومهم إلى التمسك بتلك الشريعة إلى أن كان آخرهم عيسى (ع) جاء مخلصاً لروحها مما عرض عليه من البدع. ثم طال الأمد على قومه، فأصابهم ما أصاب من قبلهم من الاختلاف في الدين، وحجب نوره بالبدع، وإخطاء معناه بالتأويل، وإحداث ما ليس منه بسبيل. فمنّ الله على البشر ببداية تاريخ بنسخ جميع تلك التواريخ. ويفصل بين ما سبق من أطوار الإنسانية، وبين ما يلحق، وهو عهد ظهور النور المحمدي من مكة المكرمة. وإليه أشار بذكر البلد الأمين. وعلى هذا القول الذي فصلنا بيانه يتناسب القسم والمقسم عليه)) *


                      تعليق

                      • سامسونج
                        3- عضو نشيط

                        • 23 ينا, 2009
                        • 473
                        • .....
                        • مسلم

                        #26
                        تعدد واحدات الوصف والتسمية


                        لو نظرنا إلى أي نص من نصوص القرآن الكريم، لرأينا أنه يتألف من مجموعة من الكلمات المختلفة، وأن كل كلمة ترتبط مع نظيراتها ارتباطاً تاماً، ومطابقاً تماماً لحقيقة وجودها، وأن ذلك ينعكس في مجموع ورود هذه الكلمات في القرآن الكريم.
                        لو نظرنا الآن إلى هذا النص، من زاوية مجموع تعداد هذه الكلمات المختلفة التي يتألف منها. ضمن هذه الرؤية، سنجد أننا أمام بعد جديد آخر من أبعاد هذه المعجزة، فمجموع كلمات أي نص، يرتبط ارتباطاً تاماً مع حقيقة وجوهر المسألة، التي يصفها ويصورها هذا النص. إن العدد الدال على مجموع هذه الكلمات، هو العدد نفسه الدال على مجموع الواحدات الأساسية التي تخص وتميز المسألة التي يصفها ويصورها هذا النص. وبحيث تكون كل واحدة وصف وتسمية من واحدات وصف وتسمية هذا النص، مقابلة تماماً لواحدة من واحدات المسألة التي يصفها هذا النص.
                        إن النص القرآني الذي يصف مسألة ما، يرتبط بجانب من جوانب هذه المسألة، ويأتي مجموع الكلمات (واحدات الوصف والتسمية) لهذا النص مطابقاً لجوهر وسر جانب هذه المسألة، وإن عدم إدراكنا لماهية وجوهر هذا الجانب، هو سبب عدم إدراكنا لسر مجمع كلمات النص التي تصف هذه المسألة من هذا الجانب.
                        وسنتعرض لبعض النصوص القرآنية الكريمة التي تصف وتسمي مسائل من جانب ارتباطها بمجموع واحدات الزمن التي تخص هذه المسائل. وسبب اختيار ذلك هو علمنا المسبق بمجموع واحدات الزمن التي تخص هذا الجانب.
                        لقد تم اختيار مسائل ذات جانب مرتبط بأعمار المرسلين (ع)، تلك الأعمار التي نعرفها، وهذا لا يعني أن كل نص يتحدث عن المرسلين (ع)، يحمل صورة جانب واحد هو الارتباط بمجموع واحدات الفترة الزمنية التي عاشها المرسلون (ع). إن هناك جوانب وأسراراً كثيرة تصفها وتصورها النصوص القرآنية التي تتحدث عن المرسلين، ولكن عدم علمنا بجوهر وأسرار هذه الجوانب، هو الذي جعلنا نختار المسائل المرتبطة مع الجانب الزمني المعروف مسبقاً.
                        وكل نص قرآني يصف مسألة ما، مهما كانت هذه المسألة، يرتبط مجموع كلماته بجانب من الجوانب التي يصفها ويصورها هذا النص. وإن عدم إدراكنا لمجموع الواحدات الأساسية التي يصفها جانب هذه المسألة عبر النص القرآني الكريم، يحول بيننا وبين إدراك سر مجموع واحدات الوصف والتسمية (الكلمات) التي يتكون منها هذا النص.
                        ولنأخذ أمثلة على ذلك:
                        نحن نعلم أن مجموع سني حياة عيسى (ع) قبل أن يرفع إلى السماء هو (33) سنة، ونعلم أن عيسي (ع) ولد بمعجزة، لذلك فإن مجيئه إلى الدنيا بهذه الخصوصية، أثار آنذاك مسألةً في المحيط الذي حدثت فيه هذه المعجزة.
                        (فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً * فأشارت إليه قالوا كيف نكلم مَن كان في المهد صبياً * قال) 19/ 27 ـ 29.
                        ويأتي النص الذي يصف ويصور ما قاله عيسى (ع)، وهو في المهد، وتأتي كلمات هذا النص بشكل يحمل معه دليل صدق هذه المسألة، التي يصفها ويصورها القرآن الكريم.
                        (إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبياً * وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً * وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً * والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً) 19/ 30 ـ 33.
                        (33)
                        إن مجموع الكلمات التي قالها (ع) هو (33) كلمة، كل كلمة تقابل سنة من سني حياته (ع). وهكذا نرى كيف أن مجموع كلمات النص مطابق تماماً لمجموع الواحدات الزمنية لماهية المسألة التي يصفها هذا النص.
                        وتأتي الكلمات التي تلي هذه الكلمات مباشرة، لتكون نصاً يصف المسألة نفسها، وبواحدات وصف وتسمية مرتبطة تماماً مع عمره (ع).
                        (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون * وإن الله ربي وربكم فاعبدوه وهذا صراط مستقيم) 19/ 34 ـ 36.
                        (33)
                        إن مجموع كلمات هذا النص هو (33) كلمة، وهكذا نراها ترتبط ارتباطاً تاماً مع ماهية المسألة التي يصفها هذا النص.
                        وهذا نص آخر يصف ويصور الافتراء الذي لحق بهذه المسألة.
                        (33)
                        (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه مَن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) 5 ـ 72.
                        (33)
                        ونجد أيضاً أن مجموع كلمات هذا النص هو (33) كلمة، بحيث يرتبط ارتباطاً تاماً مع حياته (ع).
                        وتأتي الكلمات التي تلي هذه الكلمات مباشرة، لتكون نصاً يصف ويصور المسألة نفسها، وبواحدات وصف وتسمية مرتبطة مع عمره (ع).
                        (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم) 5/ 73 ـ 74.
                        (33)
                        (33) كلمة كل كلمة تقابل سنة من سني حياته (ع) قبل رفعه إلى السماء.
                        وهذا نص يصف ويصور مسألة عيسى (ع):
                        (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون * وقالوا أألهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون * إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل) 43/ 57 ـ 59.
                        وأيضاً (33) كلمة تقابل (33) سنةن هي حياة عيسى (ع).
                        وهذا نص آخر يصف ويصور مسألة عيسى (ع)، عبر خطاب من الله سبحانه وتعالى إلى هؤلاء الذين افتروا على الله جل وعلا، بأنه اتخذ عيسى (ع) ولداً.
                        (لقد جئتم شيئاً إداً * تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً * إن كل من في السموات والأرض إلا أتى الرحمن عبداً) 19/ 89 ـ 93.
                        (33)
                        ونرى أيضاً أن مجموع كلمات هذا النص هو (33) كلمة.
                        وهذا نص آخر يصف ويصور مسألة عيسى (ع)، من خلال رد الله سبحانه وتعالى على قولهم وافترائهم بأنهم قتلوه وصلبوه.
                        (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) 4/ 157 ـ 158.
                        (33)
                        وأيضاً (33) كلمة، بحيث يرتبط مجموع كلمات هذا النص ارتباطاً تاماً مع مجموع سني حياته (ع).
                        وهذا نص آخر يصف ويصور مسألة عيسى (ع)، عبر حديث يبين لنا مهمة القرآن الكريم، فمن مهمات القرآن الكريم، إنذار أولئك الذين قالوا اتخذ الله ولداً.
                        (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً * ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً * فلعلك باخع نفسك على أثرهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً) 18/ 4 ـ 6.
                        (33)
                        وأيضاً (33) كلمة، كل كلمة تقابل سنة من حياته (ع).
                        وهذا نص آخر يصور ويصف مسألة أخرى، ترتبط ارتباطاً تاماً بحياة الرسول (ص) وعبر حديث يبين للمؤمنين كيفية مخاطبته ومعاملته (ص).
                        (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم * يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون * إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم * إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) 49/ 1 ـ 4.
                        (63)
                        إن مجموع كلمات هذا النص وهو (63) كلمة، كل كلمة تقابل سنة من سني حياة الرسول (ص)، وهكذا نرى كيف أن مجموع كلمات النص يرتبط ارتباطاً تاماً بماهية المسألة التي يصفها هذا النص.
                        وهذا نص آخر يصف ويصور مسألة أخرى، ترتبط ارتباطاً تاماً بحياة يحيى (ع)، وذلك عبر حديث يبين دعاء زكريا (ع) واستجابة الله سبحانه وتعالى لهذا الدعاء، بأن وهبه يحيى (ع).
                        (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيي وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) 21/ 89 ـ 90.
                        (30)
                        وهكذا نرى أن مجموع كلمات هذا النص هو (30) كلمة، حيث يرتبط ارتباطاً تاماً مع ماهية المسألة التي يصفها ويصورها هذا النص.
                        وهذا نص آخر يصف ويصور مسألة أخرى، ترتبط ارتباطاً تاماً بحياة سليمان (ع).
                        (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب * قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الأصفاد * هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب * وإن له عندنا لزلفى وحسن مئاب) 38/ 34 ـ 40.
                        (53)
                        إن مجموع كلمات هذا النص هو (53) كلمة، تقابل الـ (53) سنة التي عاشها (ع). وهكذا نرى كيف أن كل واحدة وصف وتسمية، تقابل واحدة من واحدات الزمن التي يصفها هذا النص.
                        وهذا نص آخر يصف ويصور مسألة أخرى، مرتبطة ارتباطاً تاماً بحياة صالح (ع)، وذلك عبر كلمات يوجهها صالح إلى قومه، يدعوهم فيها إلى تقوى الله سبحانه وتعالى.
                        (كذبت ثمود المرسلين * إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتتركون في ما ههنا آمنين * في جنات وعين * وزروع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين * فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون) 26/ 141 ـ 152.
                        (58)
                        إن مجموع كلمات هذا النص هو (58) كلمة، كل كلمة تقابل سنة من سني حياة صالح (ع). وبحيث يكون مجموع كلمات هذا النص مطابقاً تماماً لمجموع سني حياته (ع).
                        وهذا نص آخر يصف ويصور مسألة موسى (ع) والسبعين رجلاً الذين اختارهم.
                        (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها مَن تشاء وتهدي مَن تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين * واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به مَن أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) 7/ 155 ـ 156.
                        (71)
                        إن موسى (ع) كان يتحدث باسم نفسه والسبعين رجلاً الذين اختارهم، أي أنه كان يتحدث باسم (71) رجلاً، فعناصر هذه المسألة هي (71) عنصراً، لذلك نرى أن مجموع كلمات هذا النص التي تصف هذه المسألة يطابق تماماً مجموع عناصرها.
                        وهكذا رأينا من خلال النصوص القرآنية السابقة، كيف أن مجموع كلمات النص، تصف وتصور المسألة تصويراً مطلقاً، بحيث يرتبط مجموع واحدات الوصف والتسمية، ارتباطاً تاماً مع مجموع الواحدات الزمنية لماهية المسألة التي يصفها ويصورها هذا النص.
                        * * *

                        تعليق

                        • سامسونج
                          3- عضو نشيط

                          • 23 ينا, 2009
                          • 473
                          • .....
                          • مسلم

                          #27
                          إن العبارة الكلامية المصورة لمسألة ما، هي الشاشة التي تظهر ساحة شعور المتكلم، وتبين تصوره ومفهومه بالنسبة لهذه المسألة.
                          عندما يوجد بداخلنا صورة ما لمسألة ما، ونريد إخراج هذه الصورة ـ عبر الكلام ـ من داخلنا إلى الخارج، فإننا نحتاج إلى عبارة تنضح من داخلنا هذه الصورة. وتكون الصورة الظاهرة التي ترسمها هذه العبارة، قريبة أو بعيدة من الصورة الحقيقية الموجودة بداخلنا ـ في ساحة شعورنا في زمان محدد ومكان محدد ـ بمقدار ما نملك من قدرة التعبير عن ذلك.
                          وأثناء حديثنا لا يمكننا أن نتصور أن كلمات العبارة التي نتحدث بها، تظهر أكثر من صورة واحدة، وأن تنضح من داخلنا أكثر من مفهوم واحد في الوقت نفسه. قد يفهمها الآخرون غير ذلك، وقد تحمل هذه العبارة عدة صور ومفاهيم، ولكننا أثناء النطق بها، لا يمكننا تصور صورتين مستقلتين زماناً ومكاناً في الوقت نفسه، لأننا أردنا ـ أثناء النطق بهذه العبارة ـ تصوير مفهوم ما، يحده زمان محدد، ومكان محدد، ولا يمكننا تجريد هذا المفهوم من إطار المكان والزمان الذي يحكمه، لأننا نحن محكومون بهذا الإطار.
                          لو فرضنا جدلاً أننا نريد ـ أثناء النطق بهذه العبارة ـ تصور أكثر من مفهوم واحد في الوقت نفسه، فإن ذلك يحتاج إلى أن نفلت من إطار المكان والزمان الذي يحكمنا، لكي نجرد كل صورة ـ من الصور التي يفترض أن تحملها هذه العبارة ـ من زمانها ومكانها الخاص بها، ودمجها مع بقية الصور الأخرى، والتي جردت جميعها من هذا الإطار (إطار المكان والزمان)، وبعد ذلك ندخل نحن وعبارتنا هذه إلى إطار المكان والزمان، لنجدها تحمل في كل مرة ننطق بها، صورة محدددة بمكان وزمان مستقلين عن بقية الصور التي حملتها هذه العبارة. وبما أننا نحن محكومون بإطار المكان والزمان، لا يمكننا في تلاوة واحدة لهذه العبارة تصور أكثر من صورة واحدة، ومفهوم واحد، من الصور والمفاهيم التي حملتها هذه العبارة، أثناء تجريدنا إياها من إطار المكان والزمان. وإذا أردنا رؤية صورة أخرى، من الصور التي حملتها هذه العبارة، علينا تلاوتها من جديد بتصور آخر.
                          إن تكوين عبارة تحمل هذه الصفة هو من المستحيل على البشر، لأنه يستحيل عليهم الإفلات من إطار المكان والزمان، وأن يعيشوا في لحظة واحدة زمنين مستقلين.
                          إن الأعظم من ذلك أن نتصور أن هذه العبارة المصورة لمسألة ما، قد اجتزئ منها جزء يصور مسألة أخرى مستقلة زماناً ومكاناً عن المسألة الأولى، وأن لكل من العبارتين ـ العبارة الكلية والعبارة الجزئية ـ استقلاليتها الخاصة بها زماناً ومكاناً.
                          والأعظم من ذلك أن نتصور أن كل صورة من هاتين الصورتين ـ الصورة الكلية والصورة المجتزأة منها ـ ترتبط بجوهر وروح المسألة التي تصفها وتصورها، وبحيث يكون مجمع واحدات الوصف والتسمية ((وواحدات التصوير)) لكل من الصورتين الكلية والجزئية، مطابقاً تماماً لمجموع الواحدات الأساسية المقابلة لكل حالة.
                          قد يتصور بعض الناس أن من الممكن تكوين مثل هذه العبارة التي تحمل صورة مسألة كاملة، وبحيث يكون مجموع واحداتها مطابقاً تماماً لمجموع واحدات المسألة المقابلة، وفي الوقت نفسه يمكن اجتزاء جزء منها، وبحيث يكون مجموع واحدات هذا الجزء مطابقاً تماماً لمجموع واحدات المسألة التي يصفها ويصورها. قد يتصور هؤلاء البعض أنه من الممكن تكوين مثل هذه العبارة. ولكن لو علم من تصور ذلك، أن هذه العبارة الكلية، وعباراتها الجزئية، وكلماتها، وحروفها ـ إذا قورنت بالعبارة القرآنية ـ لكل ارتباطاته الكثيرة التي لا يعلم حدودها إلا الله تعالى، لعلم، على قدر علمه، كم هو مستحيل على البشر تكوين مثل هذه العبارة.
                          لذلك في كلام البشر، لا يمكن اجتزاء جزء من الكلمات التي تصور مفهوماً ما، لتصوير مفهوم آخر مستقل عن المفهوم الذي تصوره الكلمات مجتمعة، وبحيث يكون لكل من المفهومين استقلاليته الخاصة به، وانعكاس ذلك في مجموع الكلمات التي تصف كل مفهوم والتي تطابق بشكل مطلق جوهر هذا المفهوم.
                          أما في القرآن الكريم ـ المتعلق بصفات الله تعالى ـ نجد أن اجتزاء جزء من العبارة القرآنية ـ شريطة اكتمال الصورة التي يصفها ويصورها هذا الجزء ـ يحمل صورة أخرى، مستقلة عن الصورة التي تحملها هذه العبارة كاملة. والإعجاز الإلهي وعظمة التصوير الإلهي تحيط بذلك، لذلك نرى أن مجموع واحدات كل من الصورتين ـ الصورة التي تحملها العبارة كاملة والصورة التي يحملها الجزء المجتزأ منها ـ يأتي مطابقاً تماماً لماهية الشيء الذي تحمله العبارتان في كل حالة. وهذه الصفة هي واحدة من مجموعة الصفات التي لا تنتهي والتي تميز كلام الله تعالى ـ القرآن الكريم ـ عن كلام البشر.
                          لننظر إلى الصورتين التاليتين، الصورة الكلية التي يحملها الجزآن معاً، والصورة الجزئية التي يحملها الجزء الأول.
                          (يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه وأحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سرح مبين * ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب).
                          (33)
                          (وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين) 61/ 6 ـ 7.
                          إن الجزأين معاً يصفان مسألة كاملة، هي الظلم في افتراء الكذب على الله تعالى، أثناء الدعوة إلى المنهج السليم الذي يريده الله تعالى لعباده، وذلك عبر خطاب من عيسى (ع) لبني إسرائيل، يبين لهم فيه هذا المنهج السليم، وكيف أنهم افتروا على الله تعالى الكذب أثناء دعوتهم إليه. فكلمة الكذب في هذه الصورة الكاملة التي تحوي الجزأين معاً، تتعلق بالافتراء على الله تعالى أثناء الدعوة إلى الإسلام. وفي هذه الصورة الكلية نرى أن الجزأين يرتبط بعضهما ببعض ارتباطاً تاماً، لإظهار الصورة التي تحملها هذه العبارة الكلية.
                          ولو نظرنا إلى الصورة المجتزأة التي يصفها الجزء الأول، وبشكل مستقل عن الجزء الثاني، لرأيناها تصف مسألة مستقلة تتعلق بعيسى (ع)، فكلمة الكذب التي انتهت عندها هذه الصورة، تعود إلى قولهم هذا سحر مبين. وهذه الصورة المجتزأة التي تخص مسألة عيسى (ع)، نراها مرتبطة ارتباطاً تاماً بحياته، فهي مكونة من (33) كلمة، كل كلمة تقابل سنة من سني حياته (ع).
                          وهكذا نرى كيف أن كلمة الكذب تحمل صورتين مستقلتين، مرة جاءت متعلقة بقولهم هذا سحر مبين، بعد أن جاءهم عيسى (ع) بالبينات، لذلك رأيناها تدخل ضمن معادلة مرتبطة بحياة عيسى (ع)، ومرة جاءت متعلقة بافترائهم على الله تعالى أثناء دعوتهم إلى الإسلام، لذلك رأيناها تدخل ضمن معادلة أخرى.
                          وأثناء قراءتنا لكلمة الكذب، لا يمكننا بقراءة واحدة، تصور هذين المفهومين المستقلين بآن واحد، وحتى نتصور كل مفهوم علينا بقراءة جديدة. فتصور المفهوم المرتبط بحياة عيسى (ع)، يقتضي الوقوف عند كلمة الكذب. ولتصور المفهوم الكلي علينا عدم الوقوف عند هذه الكلمة، ومتابعة قراءة باقي الكلمات. وقد رأينا كيف أنها في كل حالة تأتي موافقة للمسألة التي تنتمي إليها بشكل مطلق.
                          وهذا مثال آخر.
                          لننظر في الصورة المجتزأة من الآيات الكريمة، والتي تحمل صورة مستقلة مرتبطة بمسألة مستقلة تخص عيسى (ع) وقومه، رغم ارتباطها التام بالصورة الكلية التي يحملها الجزآن معاً ..
                          (وقفينا على أثرهم بعيسى ابن مرسم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين * وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه).
                          (33)
                          (ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) 5/ 46 ـ 47.
                          إن الصورة كاملةً ـ الجزءان معاً ـ تصف لنا مسألة كاملة ومستقلة، هي ضرورة الحكم بما أنزل الله تعالى، وأن مَن لم يحكم بما أنزل الله تعالى فأولئك هم الفاسقون، وذلك عبر مثال يبين كيف أن الله تعالى أرسل عيسى (ع)، وأعطاه المنهج الذي يجب أن يحكم به الناس. ونرى في هذه الصورة أن الجزأين يرتبطان مع بعضهما ارتباطاً تاماً لتكوين صورة هذه المسألة.
                          ولو نظرا إلى الجزء الأول، لرأيناه يرتبط ارتباطاً تاماً بعيسى (ع) وبقومه، ليصف لنا مسألة مستقلة تخص عيسى (ع). لذلك نرى أن عظمة الوصف الإلهي تتجلى في ذلك، فمجموع كلمات هذا الجزء هو (33) كلمة، كل كلمة تقابل سنة من سني حياته (ع).
                          ولو نظرنا إلى الجزء الثاني بشكل مستقل، لرأيناه يصف مسألة عامة، تخص جميع مَن لم يحكم بما أنزل الله تعالى، سواء أهل الإنجيل أم غيرهم. لذلك نرى أن كلمات هذا الجزء لم تدخل في المعادلة المطلقة التي تصف لنا حياة عيسى (ع) وقومه، والمرتبطة بمجموع السنين التي عاشها قبل رفعه إلى السماء. رغم ارتباط هذا الجزء مع الجزء الأول في مسألة واحدة.
                          وهذا مثال آخر ..
                          (يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين * قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر).
                          (33)
                          (قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) 3/ 45 ـ 47.
                          إن الصورة المجتزأة التي يحملها الجزء الأول، تخص حياة عيسى (ع) خاصة، فهي تنقل البشرى التي حملتها الملائكة إلى مريم (ع)، ورد مريم على ذلك، ذلك الرد الذي توجهت به إلى الله تعالى. ونرى أن مجموع كلمات هذه الصورة المجتزأة التي تخص مسالة عيسى (ع) بشكل خاص، أتى مرتبطاً تماماً مع عمره، فمجموع كلمات هذه الصورة هو (33) كلمة.
                          ولو نظرنا إلى الجزء الثاني ـ الذي يرتبط مع الجزء الأول ارتباطاً تاماً ـ لرأيناه يصف طلاقة القدرة الإلهية في خلقه عزوجل للأشياء. وكيف أن هذه القدر لا تحتاج إلى أسباب، فمجرد وجود الإرادة الإلهية تظهر هذه الأشياء للوجود.
                          صحيح أن هذا الجزء أتى جواباً على استفسار مريم (ع)، وكيف ستلد ولم يمسسها بشر، لكنه جواب عام يبين طلاقة القدرة الإلهية، فنحن البشر تعودنا على الأسباب، ويصعب علينا تصور حدوث الأشياء بعيداً عن الأسباب التي تؤدي إليها. فالحمل والولادة لابد له ـ في تصورنا ـ من اجتماع الذكورة والأنوثة والصورة التي يحملها هذا الجزء تبين أن الأسباب هي بيد الله تعالى، وأن قدرته وإرادته وخلقه للأشياء لا تحتاج إلى أسباب.
                          وهكذا نرى أن هذا الجزء الذي يصف ويصور مسألة عامة، لم تدخل كلماته في مجموع الكلمات التي تصف مسألة عيسى (ع)، بشكل خاص ومرتبط به بشكل مباشر.
                          وهذا مثال آخر ..
                          (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذين تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون * إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم * فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا).
                          (33)
                          (من عذاب يوم أليم) 43/ 63 ـ 65.
                          إن الجزء الأول يصف مسألة تتعلق بحياة عيسى (ع) خاصة، وهي مسألة تامة وكاملة. لذلك نرى أن مجموع كلمات هذه الصورة هو (33) كلمة، تقابل الـ (33) سنة التي عاشها (ع) قبل رفعه إلى السماء. ونرى أن كلمة ظلموا في هذه الصورة المستقلة والمنتهية عند هذه الكلمة، تتعلق باختلافهم، بعد أن جاءهم عيسى (ع) بالبينات، فهي مرتبطة ارتباطاً تاماً بهذه المسألة التي تخص حياته (ع).
                          أما الجزء الثاني (من عذاب يوم أليم)، والذي يرتبط ارتباطاً تاماً مع الجزء الأول في مسألة واحدة، نراه يتعلق بالعذاب يوم القيامة، ذلك العذاب المرتبط بالظلم. لذلك نرى أن كلمات لم تدخل في المعادلة المطلقة المرتبطة بالصورة التي يصفها الجزء الأول.
                          ومن هنا ندرك أنه لا يحق لأحد أن يفرض تصوراً خاصاً على معاني العبارات القرآنية الكريمة، لأنه لا يستطيع أن يدرك من هذه المعاني سوى الشيء المحدد، والمسجون ضمن إطار المكان والزمان الذي يحدد تصوره، ولا يحق لأحد أن يفرض حدوداً على بدايات ونهايات العبارات والصور القرآنية، للسبب نفسه. إن الذي يملك القرار في تحديد بدايات ونهايات العبارات القرآنية، وما تحمله هذه العبارات من معان وصور لكل جيل، هو القرآن الكريم ذاته، وماهية الصور التي تصورها هذه العبارات، وحسب ما وصل إليه العلم، وما تحيط به الحضارة التي يملكها هذا الجيل. فلو كان القرآن الكريم يحمل معاني وصوراً محددة، لها عطاء محدد يحيط به جيل من الأجيال، لكان مماثلاً لكلام البشر، وعندها لا يترك شيئاً للأجيال اللاحقة من عطاءاته وإعجازاته، ولكان محكوماً بإطار المكان والزمان الذي يحكم البشر وكلامهم.
                          فمثلاً في الآية الكريمة التالية:
                          (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين). 15/ 22.
                          اجتزأ القدماء من هذه الآية الكريمة ثلاث كلمات (وأرسلنا الريح لواقح) وفسروها تفسيراً مستقلاً عن الآية الكريمة، فعملية التلقيح حصروها في عالم النبات، وهذا التصور ليس خطأ، فالرياح تساهم في عملية تلقي أزهار النبات.
                          ولكن عندما تطور العلم، اتضح أن الكلمات الأربع التي تليها (فأنزلنا من السماء ماء) ترتبط بها ارتباطاً وثيقاً، فإرسال الرياح كان سبباً في نزول الماء من السماء، فهو يقوم بتلقيح الغيوم وبالتالي ينزل المطر.
                          إن التصور الأول صحيح، والتصور الثاني صحيح، وهذان التصوران لا يمثلان جميع معاني هذه الكلمات، فلربما يظهر المستقبل معاني وتصورات أخرى، تحملها الكلمات نفسها التي حملت المعنيين السابقين.
                          ولذلك لا يحق لأحد وضع حدود لبدايات ونهايات اكتمال الصورة القرآنية، وفرض معان خاصة على العبارة القرآنية، لأنه لا يستطيع حصر الصور القرآنية التي تصفها وتصورها هذه العبارة، فالقرآن الكريم حي، وصالح لكل مكان وزمان، ليصور وبالكلمات نفسها لكل جيل ما يناسب علمه وحضارته التي وصل إليها.
                          إن أي تصور يجمد الصور التي تحملها أي عبارة قرآنية، وفق حدود المكان والزمان التي تحكم جيلاً معيناً، أو فكراً معيناً، هو تصور ميت، ينطبق على كلام البشر، ولا ينطبق أبداً على كلمات هي صفة من صفات الله تعالى، وتحمل من المعاني والصور والتفاسير ما إن أصبح البحر مداداً لهذه الكلمات فند البحر قبل نفادها.
                          (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً) 18/ 109.


                          تعليق

                          • سامسونج
                            3- عضو نشيط

                            • 23 ينا, 2009
                            • 473
                            • .....
                            • مسلم

                            #28
                            شبهة إسقاط دُعاء من القرآن

                            إن الصحابي أُبي بن كعب أسقط من المصحف دعاءً كان يُتلى. وكان يتلوه، وكان يسميه سورة الخلع والحفد، وهو: «أللهم إنّا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونتوب إليك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق»
                            .
                            ـ تفنيد هذه الشبهة:

                            أولاً: عدم صحة ما نقل عن أبي بن كعب أنه أثبت هذا الدعاء في مصحفه على أنه قرآن. وكونه أنه أثبته في مصحفه لا يعني أنه اعتبره قرآناً، ولم تقم الحجة عليه أنه قرآن، ولو كان ذلك لكان أبي بن كعب أعلم به من غيره.
                            قال صاحب (الانتصار) ما نصه: «إن كلام القنوت المروي عن أبي بن كعب أثبته في مصحفه، ولم تقم الحجة بأنه قرآن منزل، بل هو ضرب من الدعاء، وأنه لو كان قرآناً لنقل إلينا نقل القرآن، وحصل العلم بصحته».
                            ثانياً: من المحتمل أن يكون دعاء القنوت كلاماً من القرآن منزلاً، ثم نسخ، وأبيح الدعاء به، وخلط بما ليس بقرآن. أما ما روي أنه أثبته في مصحفه كقرآن، فهذا لا دليل له.
                            قال صاحب (الانتصار) ما نصه: «ويمكن أن يكون منه كلام كان قرآناً منزلاً، ثم نسخ، وأبيح الدعاء به، وخلط بما ليس بقرآن، ولم يصح ذلك عنه، إن ما روي عنه أنه أثبته في مصحفه».
                            ثالثاً: إن الادعاء بأن أبي بن كعب أثبت دعاء القنوت في مصحفه على أنه قرآن ادعاء باطل يعوزه الدليل، وتنقصه الحجة، ويفتقد إلى السند، فالصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أعلم من غيرهم بالقرآن، وما أثبتوه أجمعوا عليه حفظاً، وتلاوة، وكتابة، وتواتراً فليس من العقلانية السليمة بشيء الاعتقاد أن صحابياً مثل أبي بن كعب قد خرج عن هذا، وانفرد دون الصحابة بالادعاء بأن دعاء القنوت قرآن، وحاشا أن يفعل ذلك صحابي جليل هو أبي بن كعب.
                            ـ شبهة إنساء الرسول (ص) آيات من القرآن:
                            قالوا: إن الرسول (ص) قد أسقط عمداً، أو أنسي آيات من القرآن الكريم. وحجتهم في ذلك حديث شريف، وآية قرآنية. أما الحديث الشريف فهو ما رواه الشيخان في صحيحهما.
                            أ ـ روى البخاري في صحيحه عن هشام بن عروة عن عائشة (رض) قالت: سمع النبي (ص) رجلاً يقرأ في المسجد، فقال: «يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا»، وزاد في رواية أخرى، وقال: «أسقطتهن من سورة كذا وكذا».
                            ب ـ روى مسلم في صحيحه عن هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي (ص) سمع رجلاً يقرأ من الليل، فقال: «يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطها من سورة كذا وكذا».
                            وأما الآية القرنية فهي قوله تعالى: (سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله) سورة الأعلى آيات 6 ـ 7. فالاستثناء الواقع فيه يدل على أن الرسول (ص) قد أسقط عمداً، أو أنسي آيات لم يتفق له من يذكره إياها.

                            ـ تفنيد هذه الشبهة:

                            يمكننا معالجة هذه الشبهة من حيث تفسير الحديث والآية.


                            أولاً ـ من حيث الحديث:

                            أ ـ إن هذا الحديث لا يصلح حجة، ولا يستقيم سنداً في تأييد هذه الشبهة، وإنما هو حجة عليها. فإن كلمة «أسقطتهن» التي وردت في الحديث معناها الإسقاط نسياناً، وليس عمداً. وما يقوي معنى النسيان، ويؤكده هو مرادفها في نفس الحديث، وهي كلمة: «أنسيتها».
                            ب ـ إن العقلانية السليمة، وشواهد الإيمان الحقة تقتضي استحالة أن يغير الرسول (ص) أو يبدل في القرآن شيئاً إلا إذا أمره الله بذلك، أو كان بإيحاء من الله تعالى كالنسخ، وغيره وإلا لما بلغ الرسول (ص) الرسالة، ولما أدى الأمانة، والله تعالى يشهد على أمانة رسوله، إذ يقول على لسانه: (قل ما يكون لي أن أُبدِّله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ) يونس آية 15.
                            ج ـ إن نسيان الرسول (ص) الوارد في الحديث ليس نسيان تبليغ، وإنما هو نسيان غفلة، وغيبة، وتذكر. وهذا ما يتعرض إليه البشر عادة، والرسول (ص) من البشر ينسى، ويغفل، ويغيب عليه الأمر أحياناً. فروايات الحديث لا تعني أبداً أن الآيات القرآنية التي سمعها الرسول (ص) من الرجل الذي كان يقرأها، وهو عباد بن بشار لا تعني أنها قد انمحت من ذهن الرسول (ص) وإنما غاية ما عنته: أن تلك الآيات كانت غائبة عن الرسول (ص)، وكان لا يتذكرها في تلك اللحظة، ثم ذكرها، وافتكرها بقراءة عباد بن بشار. ومن المعلوم أن غيبة الشيء، وغفلة الذهن غير محوه. والدليل على ذلك أن الإنسان بطبعه ـ والرسول إنسان ـ قد يغيب عنه النص أحياناً إذا اشتغل الذهن بغيره، وهو يدرك في نفس الوقت أن النص مخزون في ذهنه سيستحضره إذا ما نبه إليه، وسيفتكره، وسيتذكره إذا ما ذكر إليه. أما النسيان التام المرادف لإمحاء الشيء من الذاكرة، فهذا مستحيل على الرسول (ص)، وخاصة فيما يتعلق بمهام التبليغ للرسالة، والبيان للقرآن. فنسيان الرسول (ص) لم يكن نسيان تبليغ، أو نسيان بيان للقرآن أبداً، فهو قد أبلغ ما نزل عليه من قرآن، وأطاع أمر الله في التبليغ، والله تعالى يقول: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) سورة المائدة آية 67.
                            والله تعالى قد تكفل ببيانه وتبليغه للناس على لسان رسوله. فهو يقول: (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) سورة القيامة الآيات 16 ـ 19.
                            وقد ذكر الشيخ محمد عبدالعظيم الزرقاني في كتابه (مناهل العرفان): «وقال الجمهور: جاز النسيان عليه فيما ليس طريقة البلاغ، والتعليم، بشرط ألا يقر عليه، لابد أن يذكره، وأما غيره فلا يجوز قبل التبليغ، وأما نسيان ما بلغه كما في الحديث فهو جائز بلا خلاف».
                            د ـ إن نسيان الرسول (ص) الوارد في الحديث ليس نسيان ضياع، أو فقد، وليس إسقاطاً للقرآن الكريم. والدليل على ذلك: أن ما نسيه الرسول (ص) من آيات قرآنية كان قد حفظها، وبلغها لأصحابه، وبينها لهم، فحفظوها ووعوها، وحفظوها في صدورهم، وعقولهم، وقلوبهم، وكتبوها في سطورهم، وفي كتبهم، وفي مصاحفهم. وليس هناك ما يدل على أنهم لم يبلغوها، أو لم يحفظوها، أو نسوها حتى يخاف عليها من الضياع، والفقدان. والقرآن كله بآياته، والتي بلغت حوالي ستة آلاف ومائتي آية وأكثر، تعهدته العناية الإلهية بالحفظ من الضياع مصداق قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) سورة الحجر آية 9.
                            هـ ـ إن نسيان الرسول (ص) الوارد في الحديث إنما هو بمعنى غياب التذكر، والذي ينتاب الإنسان من بعد غفلة، ولكن سرعان ما يضمحل الغياب، ويصفو التذكر. فقد روى أبو منصور الأرجاني في كتاب (فضائل القرآن) أن النبي (ص) كان يقول عند ختم القرآن: «أللهم ذكرني منه ما نسيت، وعلمني منه ما جهلت، وارزقني تلاوته آناء الليل والنهار، واجعله حجة لي يا رب العالمين».
                            ولنا القول: بأن النسيان الوارد في الحديث لا يعني الإسقاط، كما لا يعني نسيان التبليغ. وإنما هو نسيان غفلة، وغيبة، وعدم تذكر من عدم حفظ، ومن بعد وعي، ومن بعد تبليغ. وهذه صفات بشرية، والرسول بشر، يصح منه النسيان، ويصح أن يغفل عما حفظ من القرآن سيتذكره فيما بعد، ولو حصل منه شيء من ذلك النسيان، أو الغفلة، فهذا لا يعني إسقاطاً، ولا امحاءً، لأن القرآن سبق أن حفظ، ودون، وجمع من قبل الرسول (ص) وصحابته.
                            ثانياً: وأما بالنسبة للآية القرآنية التي استندوا إليها في تأييد شبهتهم: بأن الرسول (ص) أسقط عمداً، أو أنسي شيئاً من القرآن، فهي قوله تعالى في سورة الأعلى: (سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله) سورة الأعلى آية 6 ـ 7.
                            وأصحاب هذه الشبهة يرون أن ما جاء في الآية يدل بطريق الاستثناء الواقع فيه على أن محمداً (ص) قد أسقط عمداً، أو أنسي آيات لم يتوفر له من يذكره إياها.
                            ويرد عليهم: بأن الاستثناء الوارد في الآية بجملة: (إلا ما شاء الله) معناه: أن عدم نسيان الرسول (ص) هو بفضل من الله تعالى، ومشيئته، ولا يعني النسيان بذاته، قوله تعالى: (إلا ما شاء الله) يعلق وقوع النسيان على مشيئة الله إياه، والمشيئة لم تقع، والنسيان لم يقع، وبالقاعدة: فإن عدم حصول المعلق عليه، «وهو مشيئة الله» يستلزم عدم حصول المعلق، وهو النسيان. ودليل ذلك أن العناية الإلهية، والمشيئة الربانية، اقتضتا جمع القرآن، ومن ثم بيانه، وتبليغه على لسان الرسول (ص)، وهذا يتنافى مع وقوع النسيان مصداق قوله تعالى: (إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرآنه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه). ومن هنا يبقى الاستثناء الوارد في الآية استثناءً صورياً، وليس حقيقياً، فالله تعالى وعد رسوله أن يقرئه القرآن فلا ينساه، وعلى وجه التأييد.
                            قال الإمام محمد عبده في تفسيره للاستثناء الوارد في الآية ما نصه: «ولما كان الوعد على وجه التأييد، واللزوم، ربما يوهم أن قدرة الله لا تسع غيره، وأن ذلك خارج عن إرادته (جل شأنه) جاء بالاستثناء في قوله: (إلا ما شاء الله)، فإنه إذا أراد أن ينسيك شيئاً، لم يعجزه ذلك، فالقصد هو نفي النسيان رأساً. وقالوا: إن ذلك كما يقول الرجل لصاحبه: «أنت سهيمي فيما أملك إلا ما شاء الله» لا يقصد استثناء شيء وهو من استعمال القلة في معنى النفي. وعلى ذلك جاء الاستثناء في قوله تعالى في سورة هود: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) أي غير مقطوع، فالاستثناء في مثل هذا للتنبيه على أن ذلك التأبيد والتخليد إنما هو بكرم من الله وفضل منه لا بإيجاب وإلزام عليه، ولو أراد عكس ذلك، أي أن يأخذ ما وهب، لم يمنعه من ذلك مانع».



                            تعليق

                            • سامسونج
                              3- عضو نشيط

                              • 23 ينا, 2009
                              • 473
                              • .....
                              • مسلم

                              #29
                              شبهة تأليف القرآن

                              إنّ القرآن من تأليف محمد. صاغه بأسلوبه، وعبّر عنه ببيانه، ونمّقه ببلاغته، وزخرفه بتهيؤاته، ودعمه بمعجزاته، ثم نسبه إلى خالقه، وادعى أنه وحيه، ليكسيه هالة قدسية، جذباً لاحترام، وثقة الناس فيه، ليصبو به إلى مآربه الدنيوية في التسلط، والسيادة، والحكم، والزعامة.

                              ـ تفنيد هذه الشبهة:

                              أولاً
                              : إذا كان القرآن من تأليف محمد، فحديثه الأضعف منه بلاغة، وفصاحة، وبياناً، يكذب ذلك. ولكان الأولى ألا ينسب لنفسه حديثاً، وأن يجعل كل كلامه قرآناً فالتمايز بين القرآن، والحديث النبوي على درجة من الشدة، والوضوح، بحيث لا يخفى على أحد، وعلى الأخص على فطاحل اللغة العربية. فالقرآن في أسلوبه، ونمطه، وبيانه وتناسقه، وخصائصه الأخرى تجعله فريداً في نوعه، مميزاً عن كلام البشر، حيث جاء معجزاً، متحدى به، لم يستطع أحد أن يعارضه، أو يقلده، أو يضاهيه، أو يعيبه، أو يأتي بمثله، أو حتى يحرّفه. أما الحديث النبوي ـ وإن بلغ الذروة في فصاحته، وبيانه ـ فقد تناولته ألسنة المعارضة، والتقليد، والتحريف، فهو لم يجيء معجزاً، ولم يتحد به، ولذا فقد مسّته شواهد التحريف، فكان منه الحديث الصحيح، والحسن والضعيف، والموضوع. وأما ادعاء أعداء الإسلام أن لكلام محمد ضربين: الأول: وهو أن القرآن جاء به على انتظار، وتمهل، وترتيب، وتحضير، فأكسبه مزيداً من التهذيب، والتنميق، والتحبير. والثاني: وهو الحديث النبوي، فعبر عنه دون تريث، أو تفكير، أو تمهل، فجاء محرراً من كل تنميق، أو تخبير. ويرد عليهم: بأن هذا الادعاء يفقد كل أساس مسوغ لصحته. فالقرآن الكريم نزل معظمه مفاجأة، وعلى غير انتظار، أو تمهل، أو تريث، فجاء منمقاً، مهذباً، سامياً في لغته، وأسلوبه، وإعجازه. ونفس الشيء بالنسبة للحديث النبوي: فمنه ما جاء على انتظار، وتمهل وتريث، ومنه ما جاء على غير ذلك، ومع ذلك فكلاهما ورد بنفس الأسلوب، والنمط، والخصائص. وقلما نجد تفاوتاً بينهما، وإنما يبقى التفاوت واضحاً بين القرآن، والحديث في الأسلوب، والنمط، والبيان، والخصائص، ويبقى بينهما كالتفاوت بين مقدور الخالق، ومقدور المخلوق لا يقلل من هذا التفاوت زعم، أو باطل، أو ادعاء، وإلى قيام الساعة.
                              ثانياً: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد، لكان قد نسبه إلى نفسه، ولادّعى الألوهية فضلاً على النبوة، فيحيطه بهالة أكثر قدسية، فيكسب مزيداً من ثقة الناس فيه، فتزيد قداسته فيهم، وبالتالي تتقوى زعامته فيهم، ويشتد تسلطه عليهم. فلو كان القرآن من تأليف محمد لكان الأولى ألا يفرق بينه وبين الحديث، ولا ينتظر أن ينسبه غيره إليه ولكن (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) فالمؤكد تماماً حتى عند أدعياء الكفر أن الرسول (ص) لم يدع جاهاً، ولا زعامة، ولا دنيا، وهو الذي قال لأعرابي عندما هالته عظمة النبوة: «هوّن عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة». ومن الثابت أيضاً حتى بالنسبة لأدعياء الكفر أنه لم يدّع كتاباً، أو علماً من عنده، وما هذه الشبهات إلا من قبيل الكفر، والكفر عناد. والرسول (ص) هو الذي قال فيه ربه في سورة العنكبوت: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون) آية 48.
                              ثالثاً: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد لاستطاع أئمة الفصاحة، والبلاغة، والبيان من العرب أن يكتشفوا ذلك، وكان سهلاً عليهم، فيدحضوا به زعم محمد أن القرآن يوحى إليه من عند الله من جهة، ويقلدونه ـ وهم قد عجزوا عن ذلك ـ من جهة أخرى. فالقرآن الكريم ـ وهم أهل الفصاحة، والبيان ـ أعجزهم في لغتهم، وغزاهم في عقر بلاغتهم، وتحداهم، وبأطلق لسان فيهم، وأعرب لغة بينهم، أن يجاروه، ولو بأقصر سورة منه تتكون من ثلاث آيات، وهي سورة الكوثر، ولكن هل استطاعوا؟ ... قال تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) سورة البقرة آية 23 وقال تعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا مَن استطعتم من دون الله إن كنت صادقين) سورة يونس آية 38. (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) سورة الطور آية 34. ولكن هل استطاع هؤلاء العرب ـ وهم أصحاب الصناعة البيانية، والبلاغية الفائقة ـ أن يجاروا هذا القرآن، أو يعارضوه، أو يقلدوه؟ ... وهل قبلوا التحدي، وهم ملاك النباهة، والحسّ والذوق الأدبي الرفيع؟ الجواب على ذلك أبداً: فقد عجزت أقلامهم، وخرست ألسنتهم، وسقطت شبهاتهم، وفنّدت ادعاءاتهم، فهم المتقولون مصداق قوله تعالى: (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون) سورة الطور آية 33. وهم الخراصون، مصداق قوله تعالى: (إن هم إلا يخرصون) سورة الزخرف آية 20. وقوله تعالى: (قتل الخرّاصون) سورة الذاريات آية 10. وهم المجادلون مصداق قوله تعالى: (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) سورة الكهف آية 56.
                              رابعاً: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد، لكان أسرع الناس في الرد على مَن حاجّهُ في ادعائه، أو افترى على زعمه، أو اعتدى على حرماته. فهذه قصة الإفك التي نالت من شرف زوجته عائشة، ومن كرم نبوته، فقد تأخر نزول الوحي بالقرآن تبرئة لها حوالي الشهر ذاق هو، وزوجته الأمرين طيلة هذه المدة، فلو كان القرآن من تأليفه، فما الذي يمنعه من الرد السريع القاطع لألسنة المتقولين في شرفه؟ ... ولكن، وأنّى لرسول الله (ص) أن يتقول على الله، أو يتقول على الناس وإن فعل ـ وحاشا لله أن يفعل ـ فحكمه إلى الله مصداق قوله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين) سورة الحاقة الآيات 44 ـ 47.
                              وهذه قصة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، حيث صلّى الرسول (ص)، وصحابته حوالي ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس بقي طيلة هذه المدة يقلب وجهه في السماء راجياً من الله تعالى أن يحول القبلة إلى المسجد الحرام بمكة، فاستجاب له، مصداق قوله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينّك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) سورة البقرة آية 144. فلو كان القرآن من تأليفه فما الذي منعه من تحويلها ـ أي القبلة ـ من أول الأمر!!.
                              وهذه قصة أصحاب الكهف، والذين سئل عنهم رسول الله (ص)، فأبطأ عليه الوحي حوالي مدة أربعين يوماً بقي طيلتها في حرج من يهود حيث سألوه عنهم، فلو كان القرآن من عنده فما الذي يمنعه من سرعة الرد عليهم؟!!.
                              خامساً: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد، فكيف نفسر عتاب الله له في القرآن، وفي أكثر من موضع؟!! فهذا عتاب الله له في قبوله لأعذار المنافقين، وإذنه لهم بالتخلف عن غزوة تبوك، مصداق قوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) سورة التوبة آية 43. فمن خلل الرأي، وفساد العزيمة، ونقص الادعاء أن يعتب مدع، أو صاحب فرية على نفسه، وبقوله الذي يدعيه. ولو صحت دعوى نسبة القرآن لنفسه، لما عاتب نفسه، ولما خطأ رأيه، لأن هذا من قبيل التناقض الذي يتحاشاه أصحاب الافتراءات، والرسول (ص) كان أحوج إلى ادعاء الصحة في أقواله وتصرفاته، جذباً للناس حوله، ولاعتناق قرآنه، وليس تنفيرهم، وليس بأن يناقض نفسه، وأن يعيب كتابه. إذن فلو كان القرآن من عنده لما كانت هناك ضرورات لأن يعاتب نفسه أكثر من مرة. وأيضاً هذا عتاب الله له في قبوله الفداء من أسرى بدر، مصداق قوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) سورة الأنفال آية 67 ـ 68. فمن شطحات الأفكار، وتجنب الصواب أن يعتب صاحب فرية على نفسه في تصرف سلكه، أو في رأي أبداه، أو في حكم قرره، وأن يخطئ نفسه، وينذرها بالعذاب العظيم، ومن غيره. وأيضاً هذا عتاب الله له في تولّيه عن أعمى هو عبدالله بن أم مكتوم جاءه يسأله عن دينه، فتولى عنه اهتماماً بأكابر من قريش كان يرجو أن يهديهم الله إلى الإسلام، وهم له كارهون، مصداق قوله تعالى: (عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكّى * أو يذكر فتنفعه الذكرى * أما مَن استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى * وأما مَن جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى * كلا إنها تذكرة) سورة عبس آية 1 ـ 11.
                              -----------------------------------

                              تعليق

                              • سامسونج
                                3- عضو نشيط

                                • 23 ينا, 2009
                                • 473
                                • .....
                                • مسلم

                                #30
                                مفهوم الزمن في القرآن الكريم من خلال المنهج والأسلوب

                                ـ أولاً: من خلال المنهج
                                يجمع القرآن الكريم ـ في عرضه لمادة الزمن ـ بين المعاني الدقيقة والأساليب الواضحة، وبين الدلالات العلمية والتعابير الأدبية، فلا يمكن ألبتة الفصل بينها.
                                فالقرآن الكريم لا يفرد لموضوع الزمن سوراً ولا آيات خاصة به، فهو يخالف بالتالي منهج الدراسات المعاصرة التي تؤلف خصيصاً لهذا الموضوع أو ذاك، وتعنون أبوابها وفصولها بعناوين تحمل دلالة زمنية مجردة، تفصل في ثنايا الكتاب تفصيلاً متسلسلاً وملتزماً بصلب ذلك الموضوع.
                                ولعل السرّ والحكمة في ذلك هو أن القرآن ينفرد عن جميع ما ألف في تاريخ البشرية «بأنه أثر كغيره من الآثار الإلهية، يشاركها في إعجاز الصيغة وهيئة الوضع، وينفرد عنها بأن له مادة من الألفاظ كأنها مفرغة إفراغاً من ذوب تلك المواد كلها، وما نظنه إلا الصورة الروحية للإنسان، إذا كان الإنسان في تركيبته هو الصورة الروحية للعالم كله».
                                فالزمن يغوص في كل جزئيات الكون، ويحسه كل مخلوق، فيتأثر به ويؤثر فيه، وهو لا ينفصل عن الطبيعة، ولا الكواكب، ولا الأحجار، ولا الأشجار ... ولا عن الذرة، ولا الخلية ... وهو حاضر في كل هؤلاء حضرواً أكيداً.
                                وهو من جهة أخرى يسري في جميع سور القرآن وآياته وحروفه، تتذوقه أبسط العقول فهماً، وتتملاه أكبر العقول إدراكاً، وما ذلك إلا للاتساق بين القرآن وبين الكون، شكلاً ومضموناً، فهما من تأليف مؤلف واحد هو الخالق جلَّ علاه، ومن حكمته أن سمّى كلّ واحد منهما آية: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) سورة يس: 37، (كتاب فصلت آياته) سورة فصلت: 3. فلا يعقل أن يتفقا تأليفاً، ويختلفا تركيبا (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) سورة النساء: 82، ويقول جل وعلا: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) سورة فصلت: 53.
                                وإذا استعرنا من الدكتور طه جابر العلواني مصطلحاته، فإننا نقول: هما «كتابان تجب قراءتهما: كتاب منزَّل متلو معجز هو القرآن، وكتاب مخلوق مفتوح وهو هذا الخلق والكون بدءا من الانسان، ولابدّ من قراءتهما معاً لتوجد المعرفة الحضارية الكاملة، التي تمكن الانسان منا لقيام بمهام الاستخلاف، وأداء حق الأمانة، والقيام بمقتضيات العمران. والجمعُ بينهما أمر ضروري، إذ بدونه يقع الخلل» فقد انحرف عن الصواب مَن اكتفى بقراءة دون قراءة.
                                ومن تمام الجمع بين الكتابين التأملُ في أسلوب التأليف المشترك بينهما، غير أنه «يشيع بين بعض الناس الذين يقرأون القرآن بعقلية نقدية تحليلية، بأن القرآن من الناحية الموضوعية لا يتبع نظاماً محدداً، فيبدو وكأنه مركب من عناصر متناثرة، ولكن لابد أن يكون مفهوماً بادئ ذي بدء أن القرآن ليس كتاباً أدبياً وإنما هو حياة ... إن التعليق الوحيد الأصيل على القرآن هو القول بأنه حياة».
                                وإن الملاحظة الوحيدة الأصيلة التي تساق في التعبير عن أسلوب عرض القرآن لمادة الزمن هو القول: بأنه هو نفسه الأسلوب الذي يغمر الكون والحياة، بعيداً عن الأسلوب المقيد الجاف الذي يستبدّ بعقلية النقَّاد والفلاسفة وذوي الاختصاص.
                                ثانياً ـ من خلال الأسلوب:
                                أشار الخطّابي وغيره من البلاغيين القدامى إلى أن القول بإعجاز القرآن في فصاحته وبلاغته وحسن تأليف ألفاظه ... وغير ذلك من مميزات الأسلوب القرآني، لم يكن ليفترق عن القول بإعجازه في معانيه ومضامينه، ومقاصده وأغراضه.
                                وينبغي أن لا يأخذنا الظن فنقصر إعجاز القرآن في بلاغته متجاهلين مضمونه، فنقع في اللفظية المفرطة التي كثيراً ما أفسدت على القرآن جلاله وجماله، وجنت على مكانته ككتاب هدائي حضاري، ولمثل مَن يقف هذا الموقف يقال: «علمك كله لفظ، وروايتك حفظ، وعملك كله رفض».
                                وإنّ المتتبع لمادة الزمن في القرآن الكريم، لتبهره البلاغة المعجزة التي تعرَّض بها لهذا الموضوع، فلا تخلو المعاني الكونية في هذا المجال من محسنات لفظية، ولا أسلوبية، ولا تعدم الإيقاع الموسيقي، ولا التصوير الفني.

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة أبو تيميه الحنبلي, منذ 6 يوم
                                رد 1
                                12 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة أبو تيميه الحنبلي, منذ 2 أسابيع
                                ردود 0
                                13 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة أبو تيميه الحنبلي
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 3 أسابيع
                                ردود 2
                                19 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 17 ديس, 2024, 02:18 ص
                                رد 1
                                31 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 5 ديس, 2024, 12:49 ص
                                ردود 3
                                37 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                يعمل...