بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
النصوص الإنجيلية والتوراتية المؤكدة لوحدانية الله
رب واحد و إله واحد لا يشاركه في ربوبيته و لا ألوهـيته أحد و لا تجوز العبادة إلا له وحده فقط .
لقد تضافرت النصوص الإنجيلية والتوراتية على إثبات تلك العقيدة : أي توحيد الذات و توحيد الربوبية و الألوهية ،
و التي هي أساس جميع الرسالات السماوية ، نصوص العهد الجديد و العهد القديم ، و
فيما يلي بيان بعض هذه النصوص :
أ ـ من العهد الجديد :
(1) جاء في إنجيل مرقس (12 / 28 ـ 32) أن أحد اليهود الكتبة سأل المسيح فقال : ” أيةُ وصيَّةٍ هي أوّل الكلّ ؟ فأجابه يسوع : إن أول كل الوصايا هي : اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد ، و تحب الرب إلهك من كل قلبك و من كل نفسك و من كل فكرك و من كل قدرتك، و هذه هي الوصية الأولى . و الثانية مثلها و هي : تحب قريبك كنفسك . ليس وصية أخرى أعظم من هاتين . فقال له الكاتب : جيدا يا معلم قلت : لأن الـلـه واحـد و ليـس آخـر سواه ..“
ومثل هذا أيضا جاء في إنجيل لوقا و إنجيل متى ، و فيه قال عيسى عليه السلام بعد بيانه لهاتين الوصيتين : ” بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كلـه و الأنبياء “ .
و هذا يؤكد أن توحيد الربوبية و الألوهية أساس الشريعة و أساس دعوة جميع الأنبياء عليهم السلام، و هذا ما صدقه القرآن في قوله عز وجل: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } سورة النحل .. الأية 36 .
و قوله سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) } سورة الأنبياء .
و مما يجدر بالذكر التنبيه إليه أن سيدنا عيسى عليه السلام بين أنه لا وصية أعظم من هاتين الوصيتين ، و أنهما أساس الناموس و أساس جميع دعوات الأنبياء ، و بناء عليه ، فلو كانت ألوهية عيسى عليه السلام و مشاركة الابن لله في ألوهيته ، عقيدة حقة و الإيمان بها شرط ضروري للنجاة و الخلاص الأخروي ـ كما نص عليه دستور الإيمان الذي تقرر بمجمع نيقية ـ لبيـَّن عيسى عليه السلام ضرورة الإيمان بذلك و لم يكتمه ، خاصة في هذا المقام الذي سئل فيه عن أهم الوصايا، فلما لم يذكر ذلك في هذا المقام ، علم أن ألوهية عيسى ليست من وصايا الله عز و جل أصلا .
(2) و جاء في إنجيل يوحنا (17 / 1ـ 3) :
” تكلم يسوع بهذا و رفع عينيه نحو السماء و قال : أيها الآب قد أتـت الساعة … و هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإلـه الحقيقي وحدك و يسوع المسيح الذي أرسلته “.
قلت : ففي هذه الآية بين عيسى عليه السلام أن النجاة الأخروية تكمن في الإيمان بأن الآب هو الإلـه الحقيقي وحده، فلفظة وحدك صريحة قاطعة في انفراد الآب بالألوهية ، و عدم مشاركة أي أحد آخر ـ و منهم المسيح الابن ـ له فيها . و يؤكد هذه أكثر عطف المسيح، كرسولٍ لله تعالى ، فيما يجب معرفته و الإيمان به . و هذا هو عين ما قاله القرآن الكريم و هو وجوب الإيمان بالله وحده لا شريك له ، و بأن المسيح رسول الله ، على نبينا و عليه الصلاة و السلام .
(3) و جاء في إنجيل متى (4 / 8 ـ10) قصة امتحان الشيطان للمسيح : ” ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدا و أراه جميع ممالك العالم و مجدها . و قال له : أعطيك هذه جميعها إن خررت و سجدت لي ! حينئذ قال له يسـوع : اذهب يا شيـطان .
لأنه مكتوب : للرب إلـهك تسجد و إياه وحده تعبد “ .
قلت : فسيدنا المسيح عليه السلام يؤكد على ما هو منصوص في التوراة بأن الرب الإله وحده فقط الذي ينبغي و يصح السجود له و عبادته ، و بالتالي فلا تجوز العبادة و لا السجود لأي شيء آخر غيره ، سواء كان المسيح الابن أو العذراء الأم أو الصليب أو أي كائن آخر سوى الله تعالى .
ثم إن نفس امتحان الشيطان لعيسى عليه السلام و وسوسته له و محاولته إضلاله لأكبر دليل ، في حد ذاته ، على بشرية عيسى المحضة و عدم إلـهيته ، إذ ما معنى امتحان الشيطان لله خالقه و ربه ؟ و متى و كيف يكون الله تعالى في حاجة للامتحان و الاختبار ؟ وما هو الغرض او الغاية من هذا الاختبار ؟
(4) و في إنجيل متى (19 / 16 ـ 17) :
” و إذا واحد تقدم و قال : أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحيوة الأبدية ؟ فقال (المسيح) له : و لماذا تدعوني صالحا ؟ ليس أحد صالحا إلا واحد و هو الله . و لكن إذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا “ .
قلت : لقد نفى سيدنا عيسى عليه السلام بكل صراحة عن نفسه الصلاح
، و لعل المقصود به الصلاح الذاتي المطلق أي القداسة الذاتية المطلقة ، و أثبته لله الواحد الأحد فقط .
و لا أدل من هذا على نفيه الإلوهية عن نفسه ، و ليت شعري ، إذا كان عليه السلام لم يرض بأن يوصَفَ حتى بالصالح فقط ، فكيف يمكن أن يرضى بأن يوصَف بأنه إلـهنا و ربنا ؟
(5) و في إنجيل متى (23 / 8 ـ 10) يقول المسيح عليه السلام لأتباعه : ” و أما أنتم فلا تدعوا سيدي ، لأن معلمكم واحد المسيح و أنتم جميعا أخوة ، و لا تدعوا لكم أبـاً على الأرض ، لأن أباكم واحد الذي في السماوات “.
قلت : المعروف أنه في لغة الإنجيل، كثيرا ما يعبر عن الله بالآب ، و هنا كذلك ، فقول عيسى عليه السلام ” لا تدعوا لكم أبـا على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات “ يعنى ليس لكم إله إلا الله وحده الذي في السماوات، و هذا صريح في نفي ألوهية كل أحد ممن هو على الأرض، و يدخل في هذا النفي المسيح كذلك لكونه على الأرض .
و يؤكد ذلك أيضا الاقتصار على وصف المسيح بالسيد و المعلم و عدم وصفه بالإلـه .
هذا و فيما يلي نورد عبارتين للقديس بولس الذي يحتل مكانة عظيمة لدى إخواننا النصارى حيث تعتبر رسائله من إلهام الله تعالى و بالتالي لها منزلة الوحي المعصوم عندهم ، لذا ألحقت رسائله الأربعة عشر بالأناجيل و اعتبرت جزءا من كتاب العهد الجديد .
(6) جاء في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس (الإصحاح الثامن / 4 ـ 6) : ”… فمن جهة أكل ما ذبح للأوثان نعلم أن ليس وثن في العالم و أن ليس إله آخر إلا واحدا . لأنه و إن وجد ما يسمى آلـهة سواء كان في السماء أو على الأرض ، كما يوجد آلهة كثيرة و أرباب كثيرون . لكن لنا إلـه واحد : الآب الذي منه جميع الأشياء و نحن به . و رب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء و نحن به “.
قلت : فقوله ” ليس إله آخر إلا واحداً “ هو نفس الكلمة الطيبة و شعار التوحيد الخالد الذي بعث به جميع الأنبياء : ” لا إله إلا الله “. و قوله ” و لكن لنا إلـه واحد : الآب الذي منه جميع الأشياء “ في غاية الصراحة و الوضوح في إفراد الآب وحده بالإلـوهية و أن كل ما سواه ـ بما فيهم المسيح ـ مخلوق منه.
و يزيد هذا الإفراد للآب بالألوهية ، تأكيداً ، ذكر يسوع المسيح بعده بصفة الرب فقط ، و لا شك أنه لا يريد بالرب هنا الألوهية و إلا عاد مناقضا لنفسه إذ يكون قد أثبت لنا إلـهين اثنين بعد أن أكد أنه ليس لنا إلا إله واحد ، لذلك لابد أن يكون مراده بالرب معنى غير الله ، و هذا المعنى هو السيد المعلم ، كما تدل عليه رسائله الأخرى .
و كما هو مصرح به في إنجيل يوحنا من أن لفظة الرب ـ عندما تطلق على المسيح ـ يقصد بها المعلم ، ففي الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا ( الآية 38 ) : ” فقالا ربي ! ـ الذي تفسيره : يا معلم! ـ أين تمكث ؟ “
و كذلك في إنجيل يوحنا (الإصحاح 20 / آية 16) : ” قال لها يسوع : يا مريم ! فالتفتت تلك و قالت له ربّوني ! الذي تفسيره يا معلم “
(7) و أخيراً في رسالة بولس إلى أهل أفسس (4 / 6) :
” ربٌّ واحد ، إيمان واحد ، معمودية واحدة . إلـه و آب واحد للكل ، الذي على الكل و بالكل و في كلكم “ .
ب ـ من العهد القديم :
(1) أول وصية من الوصايا العشر التي أوحاها الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام و كتبها له في الألواح ، كما جاءت في سفر الخروج (20 / 1ـ 4) من التـوراة الحالية :
” أنا الرب إلـهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية . لا يكن لك آلـهة أخرى أمامي . لا تصنع لك تمثالا منحوتا و لا صورة مما في السماء من فوق و ما في الأرض من تحت و ما في الماء من تحت الأرض . و لا تسجد لهن و لا تعبدهن “ .
(2) و في سفر الخروج أيضا (23 / 13) :
” و لا تذكروا اسم آلهة أخرى و لا يسمع من فمك “.
(3) و في سفر التثنية من التوراة (6 / 4 ـ 5 ثم 14 ـ 16) يوحي الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يقول لبني إسرائيل :
” اسمع يا إسرائيل! الرب إلهنا رب واحد . فتحب الرب إلـهك من كل قلبك و من كل نفسك و من كل قوتك … الرب إلـهك تتقي ، و إياه تعبد ، و باسمه تحلف ، لا تسيروا وراء آلهة أخرى من آلهة الأمم التي حولكم ، لأن الرب إلـهكم إلـه غيور في وسطكم ، لئلا يحمى غضب الرب إلـهكم عليكم فيبيدكم عن وجه الأرض “ .
منقول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
النصوص الإنجيلية والتوراتية المؤكدة لوحدانية الله
رب واحد و إله واحد لا يشاركه في ربوبيته و لا ألوهـيته أحد و لا تجوز العبادة إلا له وحده فقط .
لقد تضافرت النصوص الإنجيلية والتوراتية على إثبات تلك العقيدة : أي توحيد الذات و توحيد الربوبية و الألوهية ،
و التي هي أساس جميع الرسالات السماوية ، نصوص العهد الجديد و العهد القديم ، و
فيما يلي بيان بعض هذه النصوص :
أ ـ من العهد الجديد :
(1) جاء في إنجيل مرقس (12 / 28 ـ 32) أن أحد اليهود الكتبة سأل المسيح فقال : ” أيةُ وصيَّةٍ هي أوّل الكلّ ؟ فأجابه يسوع : إن أول كل الوصايا هي : اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد ، و تحب الرب إلهك من كل قلبك و من كل نفسك و من كل فكرك و من كل قدرتك، و هذه هي الوصية الأولى . و الثانية مثلها و هي : تحب قريبك كنفسك . ليس وصية أخرى أعظم من هاتين . فقال له الكاتب : جيدا يا معلم قلت : لأن الـلـه واحـد و ليـس آخـر سواه ..“
ومثل هذا أيضا جاء في إنجيل لوقا و إنجيل متى ، و فيه قال عيسى عليه السلام بعد بيانه لهاتين الوصيتين : ” بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كلـه و الأنبياء “ .
و هذا يؤكد أن توحيد الربوبية و الألوهية أساس الشريعة و أساس دعوة جميع الأنبياء عليهم السلام، و هذا ما صدقه القرآن في قوله عز وجل: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } سورة النحل .. الأية 36 .
و قوله سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) } سورة الأنبياء .
و مما يجدر بالذكر التنبيه إليه أن سيدنا عيسى عليه السلام بين أنه لا وصية أعظم من هاتين الوصيتين ، و أنهما أساس الناموس و أساس جميع دعوات الأنبياء ، و بناء عليه ، فلو كانت ألوهية عيسى عليه السلام و مشاركة الابن لله في ألوهيته ، عقيدة حقة و الإيمان بها شرط ضروري للنجاة و الخلاص الأخروي ـ كما نص عليه دستور الإيمان الذي تقرر بمجمع نيقية ـ لبيـَّن عيسى عليه السلام ضرورة الإيمان بذلك و لم يكتمه ، خاصة في هذا المقام الذي سئل فيه عن أهم الوصايا، فلما لم يذكر ذلك في هذا المقام ، علم أن ألوهية عيسى ليست من وصايا الله عز و جل أصلا .
(2) و جاء في إنجيل يوحنا (17 / 1ـ 3) :
” تكلم يسوع بهذا و رفع عينيه نحو السماء و قال : أيها الآب قد أتـت الساعة … و هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإلـه الحقيقي وحدك و يسوع المسيح الذي أرسلته “.
قلت : ففي هذه الآية بين عيسى عليه السلام أن النجاة الأخروية تكمن في الإيمان بأن الآب هو الإلـه الحقيقي وحده، فلفظة وحدك صريحة قاطعة في انفراد الآب بالألوهية ، و عدم مشاركة أي أحد آخر ـ و منهم المسيح الابن ـ له فيها . و يؤكد هذه أكثر عطف المسيح، كرسولٍ لله تعالى ، فيما يجب معرفته و الإيمان به . و هذا هو عين ما قاله القرآن الكريم و هو وجوب الإيمان بالله وحده لا شريك له ، و بأن المسيح رسول الله ، على نبينا و عليه الصلاة و السلام .
(3) و جاء في إنجيل متى (4 / 8 ـ10) قصة امتحان الشيطان للمسيح : ” ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدا و أراه جميع ممالك العالم و مجدها . و قال له : أعطيك هذه جميعها إن خررت و سجدت لي ! حينئذ قال له يسـوع : اذهب يا شيـطان .
لأنه مكتوب : للرب إلـهك تسجد و إياه وحده تعبد “ .
قلت : فسيدنا المسيح عليه السلام يؤكد على ما هو منصوص في التوراة بأن الرب الإله وحده فقط الذي ينبغي و يصح السجود له و عبادته ، و بالتالي فلا تجوز العبادة و لا السجود لأي شيء آخر غيره ، سواء كان المسيح الابن أو العذراء الأم أو الصليب أو أي كائن آخر سوى الله تعالى .
ثم إن نفس امتحان الشيطان لعيسى عليه السلام و وسوسته له و محاولته إضلاله لأكبر دليل ، في حد ذاته ، على بشرية عيسى المحضة و عدم إلـهيته ، إذ ما معنى امتحان الشيطان لله خالقه و ربه ؟ و متى و كيف يكون الله تعالى في حاجة للامتحان و الاختبار ؟ وما هو الغرض او الغاية من هذا الاختبار ؟
(4) و في إنجيل متى (19 / 16 ـ 17) :
” و إذا واحد تقدم و قال : أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحيوة الأبدية ؟ فقال (المسيح) له : و لماذا تدعوني صالحا ؟ ليس أحد صالحا إلا واحد و هو الله . و لكن إذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا “ .
قلت : لقد نفى سيدنا عيسى عليه السلام بكل صراحة عن نفسه الصلاح
، و لعل المقصود به الصلاح الذاتي المطلق أي القداسة الذاتية المطلقة ، و أثبته لله الواحد الأحد فقط .
و لا أدل من هذا على نفيه الإلوهية عن نفسه ، و ليت شعري ، إذا كان عليه السلام لم يرض بأن يوصَفَ حتى بالصالح فقط ، فكيف يمكن أن يرضى بأن يوصَف بأنه إلـهنا و ربنا ؟
(5) و في إنجيل متى (23 / 8 ـ 10) يقول المسيح عليه السلام لأتباعه : ” و أما أنتم فلا تدعوا سيدي ، لأن معلمكم واحد المسيح و أنتم جميعا أخوة ، و لا تدعوا لكم أبـاً على الأرض ، لأن أباكم واحد الذي في السماوات “.
قلت : المعروف أنه في لغة الإنجيل، كثيرا ما يعبر عن الله بالآب ، و هنا كذلك ، فقول عيسى عليه السلام ” لا تدعوا لكم أبـا على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات “ يعنى ليس لكم إله إلا الله وحده الذي في السماوات، و هذا صريح في نفي ألوهية كل أحد ممن هو على الأرض، و يدخل في هذا النفي المسيح كذلك لكونه على الأرض .
و يؤكد ذلك أيضا الاقتصار على وصف المسيح بالسيد و المعلم و عدم وصفه بالإلـه .
هذا و فيما يلي نورد عبارتين للقديس بولس الذي يحتل مكانة عظيمة لدى إخواننا النصارى حيث تعتبر رسائله من إلهام الله تعالى و بالتالي لها منزلة الوحي المعصوم عندهم ، لذا ألحقت رسائله الأربعة عشر بالأناجيل و اعتبرت جزءا من كتاب العهد الجديد .
(6) جاء في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس (الإصحاح الثامن / 4 ـ 6) : ”… فمن جهة أكل ما ذبح للأوثان نعلم أن ليس وثن في العالم و أن ليس إله آخر إلا واحدا . لأنه و إن وجد ما يسمى آلـهة سواء كان في السماء أو على الأرض ، كما يوجد آلهة كثيرة و أرباب كثيرون . لكن لنا إلـه واحد : الآب الذي منه جميع الأشياء و نحن به . و رب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء و نحن به “.
قلت : فقوله ” ليس إله آخر إلا واحداً “ هو نفس الكلمة الطيبة و شعار التوحيد الخالد الذي بعث به جميع الأنبياء : ” لا إله إلا الله “. و قوله ” و لكن لنا إلـه واحد : الآب الذي منه جميع الأشياء “ في غاية الصراحة و الوضوح في إفراد الآب وحده بالإلـوهية و أن كل ما سواه ـ بما فيهم المسيح ـ مخلوق منه.
و يزيد هذا الإفراد للآب بالألوهية ، تأكيداً ، ذكر يسوع المسيح بعده بصفة الرب فقط ، و لا شك أنه لا يريد بالرب هنا الألوهية و إلا عاد مناقضا لنفسه إذ يكون قد أثبت لنا إلـهين اثنين بعد أن أكد أنه ليس لنا إلا إله واحد ، لذلك لابد أن يكون مراده بالرب معنى غير الله ، و هذا المعنى هو السيد المعلم ، كما تدل عليه رسائله الأخرى .
و كما هو مصرح به في إنجيل يوحنا من أن لفظة الرب ـ عندما تطلق على المسيح ـ يقصد بها المعلم ، ففي الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا ( الآية 38 ) : ” فقالا ربي ! ـ الذي تفسيره : يا معلم! ـ أين تمكث ؟ “
و كذلك في إنجيل يوحنا (الإصحاح 20 / آية 16) : ” قال لها يسوع : يا مريم ! فالتفتت تلك و قالت له ربّوني ! الذي تفسيره يا معلم “
(7) و أخيراً في رسالة بولس إلى أهل أفسس (4 / 6) :
” ربٌّ واحد ، إيمان واحد ، معمودية واحدة . إلـه و آب واحد للكل ، الذي على الكل و بالكل و في كلكم “ .
ب ـ من العهد القديم :
(1) أول وصية من الوصايا العشر التي أوحاها الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام و كتبها له في الألواح ، كما جاءت في سفر الخروج (20 / 1ـ 4) من التـوراة الحالية :
” أنا الرب إلـهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية . لا يكن لك آلـهة أخرى أمامي . لا تصنع لك تمثالا منحوتا و لا صورة مما في السماء من فوق و ما في الأرض من تحت و ما في الماء من تحت الأرض . و لا تسجد لهن و لا تعبدهن “ .
(2) و في سفر الخروج أيضا (23 / 13) :
” و لا تذكروا اسم آلهة أخرى و لا يسمع من فمك “.
(3) و في سفر التثنية من التوراة (6 / 4 ـ 5 ثم 14 ـ 16) يوحي الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يقول لبني إسرائيل :
” اسمع يا إسرائيل! الرب إلهنا رب واحد . فتحب الرب إلـهك من كل قلبك و من كل نفسك و من كل قوتك … الرب إلـهك تتقي ، و إياه تعبد ، و باسمه تحلف ، لا تسيروا وراء آلهة أخرى من آلهة الأمم التي حولكم ، لأن الرب إلـهكم إلـه غيور في وسطكم ، لئلا يحمى غضب الرب إلـهكم عليكم فيبيدكم عن وجه الأرض “ .