سورة (مريم)
تثير هذه الآيه الكريمة سؤالاً:
إذا كان الحق تبارك وتعالى يكره ما تفعله الشياطين بالإنسان المؤمن أو الكافر، فلماذا أرسلهم الله عليه؟
===========
[frame="13 98"]
(سورة : مريم)
أَلَم تَرَ أَنّا أَرسَلنَا الشَّيٰطينَ عَلَى الكٰفِرينَ تَؤُزُّهُم أَزًّا ﴿٨٣﴾
الأزُّ: هو الهزُّ الشديد بعنف أي: تُزعجهم وتُهيجهم، ومثْلُه النزغ في قوله سبحانه وتعالى:* وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ *[الأعراف: 200].
والأَزّ أو النَّزْغ يكون بالوسوسة والتسويل ليهيجه على المعصية والشر، كما يأتي هذا المعنى أيضاً بلفظ الطائف، كما في قوله تبارك وتعالى:* إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ *[الأعراف: 201].
وهذه الآية:
* أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ * [مريم: 83]
تثير سؤالاً: إذا كان الحق تبارك وتعالى يكره ما تفعله الشياطين بالإنسان المؤمن أو الكافر، فلماذا أرسلهم الله عليه؟
أرسل الله الشياطين على الإنسان لمهمة يؤدونها، هذه المهمة هي الابتلاء والاختبار، كما قال تعالى:* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ *[العنكبوت: 2].
إذن: فهم يُؤدُّون مهمتهم التي خُلِقوا من أجلها، فيقفوا للمؤمن ليصرفوه عن الإيمان فيُمحص الله المؤمنين بذلك، ويُظهر صلابة مَنْ يثبت أمام كيد الشيطان.
وللتوضيح أكثر نعود إلى قوله تعالى
[ الإسراء:63 ]
قالَ أَرَءَيتَكَ هٰذَا الَّذى كَرَّمتَ عَلَىَّ لَئِن أَخَّرتَنِ إِلىٰ يَومِ القِيٰمَةِ لَأَحتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلّا قَليلًا ﴿٦٢﴾ قالَ اذهَب فَمَن تَبِعَكَ مِنهُم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُم جَزاءً مَوفورًا ﴿٦٣﴾ وَاستَفزِز مَنِ استَطَعتَ مِنهُم بِصَوتِكَ وَأَجلِب عَلَيهِم بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكهُم فِى الأَموٰلِ وَالأَولٰدِ وَعِدهُم ۚ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيطٰنُ إِلّا غُرورًا ﴿٦٤﴾ إِنَّ عِبادى لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطٰنٌ ۚ وَكَفىٰ بِرَبِّكَ وَكيلًا ﴿٦٥﴾
فقوله تعالى { ٱذْهَبْ } أمر يحمل معنى الطرد والإبعاد. { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ.. } [الإسراء: 63] أي: الذين اتبعوك وساروا في ركابك فجزاؤهم جهنم.
ونلاحظ أن الحق سبحانه قال: { جَزَآؤُكُمْ }. ولم يقل (جزاؤهم) لأنه معهم وداخل في حكمهم، وهو سبب غوايتهم وضلالهم، وكذلك هو المخاطب في الآية الكريمة، وحتى لا يظن إبليس أن الجزاء مقصور على العاصين من ذرية آدم، أو يحتج بأنه يُنفّذ أوامر الله الواردة في قوله تعالى:
{ وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }
[الإسراء: 64]
فليست هذه أوامر يراد تنفيذها؛ لأن هناك فرقاً بين الأمر الذي يُراد منه تنفيذ الفعل، والأمر الذي لا يُراد منه التنفيذ. فالأول طَلَب أعلى من أَدْنى لكي يفعل: اكتب، اجلس. لكن إذا اتجه الأمر إلى غير مطلوبٍ عادةً من العقلاء ينصرف عن الأمر إلى معنى آخر.
وهذا كما تقول لولدك مراراً: ذاكر دروسك واجتهد، وإذا به لا يهتمّ ولا يستجيب فتقول له: العب كما تشاء، فهل تقصد ظاهر هذا الأمر؟! وهل لو أخفق الولد في الامتحان سيأتي ليقول لك: يا والدي لقد قلت لي العب؟!
إن الأمر هنا لا يُؤخَذ على ظاهره، بل يُراد منه التهديد، كما يقولون في المثل (أعلى ما في خَيْلك اركبه).
وقوله: { جَزَاءً مَّوْفُوراً } أي: وافياً مكتملاً لا نقصَ فيه، لا من العذاب، ولا من المعذبين.
والحق سبحانه يقول مخاطباً إبليس: { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ... }.
==============
وقلنا: إن للشيطان تاريخاً مع الإنسان، بداية من آدم عليه السلام حين أَبَى أن يطيع أمر الله له بالسجود لآدم، فطرده الله تعالى وأبعده من رحمته، فأراد الشيطان أنْ ينتقمَ من ذرية آدم بسبب ما ناله من آدم، فقال:* قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *[ص: 82].
وقال:* قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ *[الأعراف: 16].
وهكذا أعلن عن منهجه وطريقته، فهو يتربص لأصحاب الاستقامة، أما أصحاب الطريق الأعوج فليسوا في حاجة إلى إضلاله وغوايته.
لذلك نراه يتهدد المؤمنين:
* ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ *[الأعراف: 17].
ومعلوم أن الجهات ست، يأتي منها الشيطان إلا فوق وتحت؛ لأنهما مرتبطتان بعزِّ الألوهية من أعلى، وذُلّ العبودية من أسفل، حين يرفع العبد يديه لله ضارعاً وحين يخِرُّ لله ساجداً؛ لذلك أُغلِقَتْ دونه هاتان الجهتان؛ لأنهما جهتا طاعة وعبادة وهو لا يعمل إلا في الغفلة ينتهزها من الإنسان.
والمتأمل في مسألة الشيطان يجد أن هذه المعركة وهذا الصراع ليس بين الشيطان وربه تبارك وتعالى، بل بين الشيطان والإنسان؛ لأنه حين قال لربه تعالى:* فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *[ص: 82] التزم الأدب مع الله.
فالغواية ليست مهارة مني، ولكن إغويهم بعزتك عن خَلْقك، وترْكِكَ لهم الخيارَ ليؤمن مَنْ يؤمن، ويكفر مَنْ يكفر، هذه هي النافذة التي أنفذ منها إليهم، بدليل أنه لا سلطانَ لي على أهلك وأوليائك الذين تستخلصهم وتصطفيهم:* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ *[ص: 83].
وهنا أيضاً يثار سؤال: إذا كان الشيطان لا يقعد إلا على الصراط المستقيم لِيُضلَّ أهله، فلماذا يتعرَّض للكافر؟
نقول: لأن الكافر بطبعه وفطرته يميل إلى الإيمان وإلى الصراط المستقيم، وها هو الكون يآياته أمامه يتأمله، فربما قاده التأمل في كَوْن الله إلى الإيمان بالله؛ لذلك يقعد له الشيطان على هذا المسلْك مسلْك الفكر والتأمل لِيحُول بينه وبين الإيمان بالخالق عز وجل.
فالشيطان ينزغك، إما ليحرك فيك شهوة، أو ليُنسِيك طاعة، كما قال تعالى:* وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ *[الكهف: 63].
وقال:* وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *[الأنعام: 68].
وكثير من الإخوان يسألون: لماذا في الصلاة بالذات تُلِحُّ علينا مشاكل الحياة ومشاغل الدنيا؟
نقول: هذه ظاهرة صحية في الإيمان، لأن الشيطان لولا علمه بأهمية الصلاة، وأنها ستُقبل منك ويُغفر لك بها الذنوب ما أفسدها عليك، لكن مشكلتنا الحقيقية أننا إذا أعطانا الشيطان طرفَ الخيط نتبعه ونغفل عن
قَوْل ربنا تبارك وتعالى:
* وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ *[فصلت: 36].
فما عليك ساعةَ أنْ تشعر أنك ستخرج عن خطِّ العبادة والإقامة بين يدي الله إلاَّ أنْ تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى وإنْ كنت تقرأ القرآن، لك أنْ تقطعَ القراءة وتستعيذ بالله منه، وساعةَ أن يعلم منك الانتباه لكيده وألاعيبه مرة بعد أخرى سينصرف عنك وييأس من الإيقاع بك.
وسبق أن ضربنا لذلك مثلاً باللص؛ لأنه لا يحوم حول البيت الخرب، إنما يحوم حول البيت العامر، فإذا ما اقترب منه تنبّه صاحب البيت وزجره، فإذا به يلوذ بالفرار، وربما قال اللص في نفسه: لعل صاحب البيت صاح مصادفة فيعاود مرة أخرى، لكن صاحب الدار يقظٌ منتبه، وعندها يفرُّ ولا يعود مرة أخرى.
ويجب أن نعلم أن من حيل الشيطان ومكائده أنه إذا عَزَّ عليه إغواؤك في باب، أتاك من باب آخر؛ لأنه يعلم جيداً أن للناس مفاتيح، ولكل منا نقطة ضعف يُؤتَى من ناحيتها، فمن الناس مَنْ لا تستميله بقناطير الذهب، إنما تستميله بكلمة مدح وثناء. وهذا اللعين لديه (طفاشات) مختلفة باختلاف الشخصيات.
لذلك من السهل عليك أنْ تُميِّز بين المعصية إنْ كانت من النفس أم من الشيطان: النفس تقف بك أمام شهوة واحدة تريدها بعينها ولا تقبل سواها، فإنْ حاولتَ زحزحتها إلى شهوة أخرى أبتْ إلا ما تريد، أما الشيطان فإنْ عزَّتْ عليك معصية دعاك إلى غيرها، المهم أن يُوقِع بك.
فالحق تبارك وتعالى يُحذرنا الشيطان؛ لأنه يحارب في الإنسان فطرته الإيمانية التي تُلح عليه بأن للكون خالقاً قادراً، والدليل على الوجود الإلهي دليل فطري لا يحتاج إلى فلسفة، كما قال العربي قديماً: البعرة تدل على البعير، والقدم تدل على المسير.. سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!
وكذلك، فكل صاحب صنعة عالم بصنعته وخبير بدقائقها ومواطن العطب فيها،
فما بالك بالخالق سبحانه:* أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *[الملك: 14].
إذن: فالأدلة الإيمانية أدلة فطرية يشترك فيها الفيلسوف وراعي الشاة، بل ربما جاءت الفلسفة فعقَّدتْ الأدلة.
ولنا وقفة مع قوله تعالى: * أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ * [مريم: 83]
ومعلوم أن عمل الشيطان عمل مستتر، كما قال تعالى:
* إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ *[الأعراف: 27].
فكيف يخاطب الحق ـ تبارك وتعالى ـ رسوله صلى الله عليه وسلم
في هذه المسألة بقوله: * أَلَمْ تَرَ * [مريم: 83]
وهي مسألة لا يراها الإنسان؟
نقول: * أَلَمْ تَرَ * [مريم: 83] بمعنى ألم تعلم؟ فعدَل عن العلم إلى الرؤيا، كما في قوله تعالى:* أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ *[الفيل: 1] والنبي صلى الله عليه وسلم لم يَرَ هذه الحادثة، فكيف يخاطبه ربه عنها بقوله:* أَلَمْ تَرَ *[الفيل: 1]؟
ذلك، ليدلك على أن إخبار الله لك أصحُّ من إخبار عينك لك؛ لأن رؤية العين بما تخدعك، أمّا إعلام الله فهو صادق لا يخدعك أبداً. فعلمك من إخبار الله لك أَوْلَى وأوثق من علمك بحواسِّك.
والشياطين: جمعه شيطان، وهو العاصي من الجنّ، والجن خَلْق مقابل للإنسان قال الله عنهم:* وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً *[الجن: 11] فَمنْ هم دون الصالحين، هم الشياطين.
[frame="15 98"]
===========
هل يوجد مثل هذا في الكتاب المقدس ؟؟
(الفاندايك) - (سفر أيوب 1)
6 وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ.
7 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟». فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا».
8 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ».
9 فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟
10 أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ.
11 وَلكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ».
12 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ.
ونفس الأمر في
(الفاندايك) - (سفر أيوب 2 - 6:1)
=============
(كتاب الحياة) - (سفر أيوب 2)
1: ثُمَّ مَثَلَ بَنُو اللهِ مَرَّةً أُخْرَى فِي حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَانْدَسَّ الشَّيْطَانُ أَيْضاً فِي وَسَطِهِمْ،
2: فَسَأَلَ الرَّبُّ الشَّيْطَانَ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟» فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: «مِنَ الطَّوَافِ فِي الأَرْضِ وَالتَّجَوُّلِ فِيهَا».
3: فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ رَاقَبْتَ عَبْدِي أَيُّوبَ فَإِنَّهُ لاَ نَظِيرَ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَهُوَ رَجُلٌ كَامِلٌ صَالِحٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ، وَحَتَّى الآنَ لاَ يَزَالُ مُعْتَصِماً بِكَمَالِهِ، مَعَ أَنَّكَ أَثَرْتَنِي عَلَيْهِ لأُهْلِكَهُ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ».
4: فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: «جِلْدٌ بِجِلْدٍ، فَالإِنْسَانُ يَبْذُلُ كُلَّ مَا يَمْلِكُ فِدَاءَ نَفْسِهِ.
5: وَلَكِنْ حَالَمَا تَمُدُّ يَدَكَ إِلَيْهِ وَتَمَسُّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ».
6: فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا أَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ».
=============
تفسير القمص تادرس يعقوب مالطي :
(الفاندايك) - (سفر أيوب 1: 8)
فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ».
(كتاب الحياة) - (سفر أيوب 1: 8)
فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ رَاقَبْتَ عَبْدِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لاَ نَظِيرَ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَهُوَ رَجُلٌ كَامِلٌ صَالِحٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ».
v كان الصبر بالفعل في أيوب، الأمر الذي كان يعلمه الله، وقد شهد له، لكنه صار معروفًا للبشر خلال اختبار التجربة. فما كان مخفيًا في الداخل وغير ظاهرٍ كثمرةٍ، ظهر بواسطة ما حدث وصار في الخارج[47].
القديس أغسطينوس
v اعتزم الشيطان على الدخول في صراعٍ، ليس مع أيوب بل مع الله، أما الطوباوي أيوب فكان بينهما موضوع النزاع...
لولا أن الله يعلم أن أيوب يستمر في استقامته بالتأكيد لما سلمه للشيطان. إنه لم يسلمه له لكي يهلكه بالتجربة... وقد التهبت نيران الحسد في ذهن المجرب من أجل مديح الله له.
إذ يفشل العدو القديم في اكتشاف أي شر يمكن أن يتهمنا به، يتجه نحو النقط الصالحة ليحولها للشر، وإذ ينهزم بالأعمال يتطلع إلى كلماتنا ليجد مجالاً للاتهام.
إنه يصارع لكي يُظلم نية القلب حتى لا تصدر أعمالنا الصالحة عن ذهنٍ صالحٍ، وبهذا لا تُعتبر صالحة في عيني الديان. فإنه حتى إن رأى ثمرًا على شجرة خضراء في الحر يبحث عن دودة تفسد الجذور.
صورة من التفسير هنا
=============
تفسير القمص تادرس يعقوب مالطي :
(الفاندايك) - (سفر أيوب 1: 12)
فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ.
(كتاب الحياة) - (سفر أيوب 1: 12)
فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا أَنَا أُسَلِّمُكَ كُلَّ مَا يَمْلِكُ. إِنَّمَا لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَيْهِ لِتُؤْذِيَهُ». ثُمَّ انْصَرَفَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ.
لقد سمح الله للشيطان أن يجرب أيوب، كما سمح أن يغربل بطرس الرسول، لكن حرص ألا يفنى إيمانه (لو 22: 32)، فإن التجارب تؤول للمدح والكرامة والمجد (1 بط 1: 7).
التصريح الذي سمح به الرب للشيطان يعطي المؤمن طمأنينة وسلامًا، فعدو الخير لا يقدر أن يمس مؤمنًا دون إذن إلهه، حتى أملاكه لا يقدر أن يقترب إليها بدون سماح إلهه. أما الله فهو الأب القدير المحب الحكيم، يعطي السماح بالقدر الذي نحتمله، وبما يؤول إلى مجدنا إن كنا أمناء.
لقد سمح الله للشيطان بأن ينال سلطانًا لتجربة أيوب البار حسب الحدود التي وضعها له. هنا يميز البابا غريغوريوس (الكبير) بين إرادة الشيطان وسلطانه. فمن جهة إرادته فهي دومًا شريرة، أما سلطانه الذي يُسمح له به من قبل الله فلن يكون فيه ظلم، لأنه بسماحٍ إلهيٍ لأجل تزكيتنا وبنياننا. لهذا لا نعجب مما ورد في (1 صم 10:18) "الروح الرديء من قبل الله اقتحم شاول، وجن في وسط البيت". فهو روح شرير، أما القول: "من قبل الله"، فلأنه ما كان يمكنه أن يقتحم شاول بدون نوال سلطانٍ من الله العادل. يقول القديس بولس: "لم تصبكم تجربة إلا بشرية، ولكن الله أمين، الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون" (1 كو 13:10). لذا يقول داود المرتل: "جربني يا رب، وامتحني" (مز 2:26).
=============
يرى القديس أغسطينوس أن الله يسمح للشيطان أن يُسقط عليهم الضيقات، إما لأجل تأديبهم كما سلم شعبه للسبي بواسطة الغرباء؛ وإما للامتحان كي يتزكوا كما سمح لأيوب أن يُجرب، وإما ليبعث بهم إلي نوال الإكليل كما سمح لشهداء أن يُضطهدوا[63].
v نقرأ في سفر أيوب كيف أن الشيطان نفسه الذي يظهر كمن له كل السلطة إلي حين لا يقدر أن يفعل شيئًا بدون سماحٍ. لقد نال سلطانًا على الأشياء الدنيا، وفقد سلطانه على كل ما هو أعظم وأسمى. سلطانه هذا ليس كمن يصدر عقوبة، بل العقوبة حالة به هو نفسه[65].
v لقد سمح الله للمجرب، لا لكي يعرف ما هو بالفعل يعرفه (عن أيوب)، وإنما لكي نعرف نحن ونقتدي به. لقد سلم للمجرب، فسلب كل شيء. وبقي الرجل مسلوبًا من ممتلكاته ومن أسرته ومن أولاده، لكنه كان ممتلئًا من الله[66].
v سُمح للمجرب أن يجرب إنسانًا قديسًا، أيوب. في لحظة واحدة نزع كل الأشياء، أزال كل ما كان يملكه، نزع الميراث، وقتل الوارثين. لم يحدث هذا شيئًا فشيئًا، بل جملة معًا، بضربة واحدة... فأعلن عن الكلٍ بإعلان مفاجئ. حين أُزيل كل شيء بقي أيوب وحده، لكن بقيت فيه نذور التسبيح التي يرددها لله[67].
v استجاب الله (لشعبه) طلبتهم، أعطاهم ملكًا حسب قلبهم – كما هو مكتوب - وليس حسب قلبه هو. لقد وهب أيضًا ما سأله إياه الشيطان أن يجرب خادمه لكي يتزكى[68].
القديس أغسطينوس
=============
ألا ترون الحدود التي وضعت في الاختبار؟ أما تلاحظون أن الشيطان ما كان يمكنه أن يلمس حتى القطيع لو لم ينل سلطانًا؟
القديس يوحنا الذهبي الفم
=============
v يُسمح للشيطان المجرب أن يثير حربًا على القديسين بكل طرق التجربة، حتى يتزكى حبهم لله، ولكي يكون ذلك شاهدًا. وذلك عندما يُنزع عنهم أو يحرمون أو يصيرون في عوز ومعدمين من الأمور الحسية، بينما يبقون محبين لله، ثابتين في محبته، يحبون بالحق. وبينما يحاول (الشيطان) إغراءهم يبقون غير منهزمين، ولا يغيرون محبتهم لله...
فالعدو يرغب بقوة أن يجرب كل إنسانٍ، إن كان ذلك ممكنًا له، ويسأل الله من أجل الكل لكي يجربهم كما سأل من أجل الرجل البار أيوب... وإذ نال في وقت قصير سماحًا اقترب الشيطان فورًا حسب قوة من سيجربه. هكذا يصارع الشرير معهم حسب شهوته. بهذه الوسائل، أولئك الذين هم مستقيمون وثابتون في حب الله يتزكون عندما يستخفون بكل شيء ويحسبونه كلا شيء بجوار حبهم لله[69].
مار اسحق السرياني
=============
v يُعطى السلطان ضدنا في شكلين، إما للعقاب عندما نخطئ، أو للمجد عندما نتزكى، كما نرى في حالة أيوب[70].
الشهيد كبريانوس
=============
v ليس للأرواح الشريرة السلطان أن تضر أحدًا، يظهر ذلك بوضوح في حالة الطوباوي أيوب، حيث لم يتجاسر العدو أن يجربه إلا حسبما سمح الله به... وقد اعترفت الأرواح نفسها بذلك كما جاء في الإنجيل، إذ قالت: "إن كنت تُخرِجنا فَأْذَنْ لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير" (مت 31:8). فإن كان ليس لديهم السلطان أن يدخلوا الحيوانات النجسة العُجم إلا بسماح من الله، فكم بالحري يعجزون عن الدخول في الإنسان المخلوق علي صورة الله؟![74]
الأب سيرينوس
صورة التفسير هنا
=============
نصوص أخرى :
سفر إشعياء 63: 17
لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ارْجعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ، أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ.
سفر حزقيال 14: 9
فَإِذَا ضَلَّ النَّبِيُّ وَتَكَلَّمَ كَلاَمًا، فَأَنَا الرَّبَّ قَدْ أَضْلَلْتُ ذلِكَ النَّبِيَّ، وَسَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِ وَأُبِيدُهُ مِنْ وَسْطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ.
=============
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تثير هذه الآيه الكريمة سؤالاً:
إذا كان الحق تبارك وتعالى يكره ما تفعله الشياطين بالإنسان المؤمن أو الكافر، فلماذا أرسلهم الله عليه؟
===========
[frame="13 98"]
الرد
[/frame](سورة : مريم)
أَلَم تَرَ أَنّا أَرسَلنَا الشَّيٰطينَ عَلَى الكٰفِرينَ تَؤُزُّهُم أَزًّا ﴿٨٣﴾
الأزُّ: هو الهزُّ الشديد بعنف أي: تُزعجهم وتُهيجهم، ومثْلُه النزغ في قوله سبحانه وتعالى:* وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ *[الأعراف: 200].
والأَزّ أو النَّزْغ يكون بالوسوسة والتسويل ليهيجه على المعصية والشر، كما يأتي هذا المعنى أيضاً بلفظ الطائف، كما في قوله تبارك وتعالى:* إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ *[الأعراف: 201].
وهذه الآية:
* أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ * [مريم: 83]
تثير سؤالاً: إذا كان الحق تبارك وتعالى يكره ما تفعله الشياطين بالإنسان المؤمن أو الكافر، فلماذا أرسلهم الله عليه؟
أرسل الله الشياطين على الإنسان لمهمة يؤدونها، هذه المهمة هي الابتلاء والاختبار، كما قال تعالى:* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ *[العنكبوت: 2].
إذن: فهم يُؤدُّون مهمتهم التي خُلِقوا من أجلها، فيقفوا للمؤمن ليصرفوه عن الإيمان فيُمحص الله المؤمنين بذلك، ويُظهر صلابة مَنْ يثبت أمام كيد الشيطان.
وللتوضيح أكثر نعود إلى قوله تعالى
[ الإسراء:63 ]
قالَ أَرَءَيتَكَ هٰذَا الَّذى كَرَّمتَ عَلَىَّ لَئِن أَخَّرتَنِ إِلىٰ يَومِ القِيٰمَةِ لَأَحتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلّا قَليلًا ﴿٦٢﴾ قالَ اذهَب فَمَن تَبِعَكَ مِنهُم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُم جَزاءً مَوفورًا ﴿٦٣﴾ وَاستَفزِز مَنِ استَطَعتَ مِنهُم بِصَوتِكَ وَأَجلِب عَلَيهِم بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكهُم فِى الأَموٰلِ وَالأَولٰدِ وَعِدهُم ۚ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيطٰنُ إِلّا غُرورًا ﴿٦٤﴾ إِنَّ عِبادى لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطٰنٌ ۚ وَكَفىٰ بِرَبِّكَ وَكيلًا ﴿٦٥﴾
فقوله تعالى { ٱذْهَبْ } أمر يحمل معنى الطرد والإبعاد. { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ.. } [الإسراء: 63] أي: الذين اتبعوك وساروا في ركابك فجزاؤهم جهنم.
ونلاحظ أن الحق سبحانه قال: { جَزَآؤُكُمْ }. ولم يقل (جزاؤهم) لأنه معهم وداخل في حكمهم، وهو سبب غوايتهم وضلالهم، وكذلك هو المخاطب في الآية الكريمة، وحتى لا يظن إبليس أن الجزاء مقصور على العاصين من ذرية آدم، أو يحتج بأنه يُنفّذ أوامر الله الواردة في قوله تعالى:
{ وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }
[الإسراء: 64]
فليست هذه أوامر يراد تنفيذها؛ لأن هناك فرقاً بين الأمر الذي يُراد منه تنفيذ الفعل، والأمر الذي لا يُراد منه التنفيذ. فالأول طَلَب أعلى من أَدْنى لكي يفعل: اكتب، اجلس. لكن إذا اتجه الأمر إلى غير مطلوبٍ عادةً من العقلاء ينصرف عن الأمر إلى معنى آخر.
وهذا كما تقول لولدك مراراً: ذاكر دروسك واجتهد، وإذا به لا يهتمّ ولا يستجيب فتقول له: العب كما تشاء، فهل تقصد ظاهر هذا الأمر؟! وهل لو أخفق الولد في الامتحان سيأتي ليقول لك: يا والدي لقد قلت لي العب؟!
إن الأمر هنا لا يُؤخَذ على ظاهره، بل يُراد منه التهديد، كما يقولون في المثل (أعلى ما في خَيْلك اركبه).
وقوله: { جَزَاءً مَّوْفُوراً } أي: وافياً مكتملاً لا نقصَ فيه، لا من العذاب، ولا من المعذبين.
والحق سبحانه يقول مخاطباً إبليس: { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ... }.
==============
وقلنا: إن للشيطان تاريخاً مع الإنسان، بداية من آدم عليه السلام حين أَبَى أن يطيع أمر الله له بالسجود لآدم، فطرده الله تعالى وأبعده من رحمته، فأراد الشيطان أنْ ينتقمَ من ذرية آدم بسبب ما ناله من آدم، فقال:* قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *[ص: 82].
وقال:* قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ *[الأعراف: 16].
وهكذا أعلن عن منهجه وطريقته، فهو يتربص لأصحاب الاستقامة، أما أصحاب الطريق الأعوج فليسوا في حاجة إلى إضلاله وغوايته.
لذلك نراه يتهدد المؤمنين:
* ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ *[الأعراف: 17].
ومعلوم أن الجهات ست، يأتي منها الشيطان إلا فوق وتحت؛ لأنهما مرتبطتان بعزِّ الألوهية من أعلى، وذُلّ العبودية من أسفل، حين يرفع العبد يديه لله ضارعاً وحين يخِرُّ لله ساجداً؛ لذلك أُغلِقَتْ دونه هاتان الجهتان؛ لأنهما جهتا طاعة وعبادة وهو لا يعمل إلا في الغفلة ينتهزها من الإنسان.
والمتأمل في مسألة الشيطان يجد أن هذه المعركة وهذا الصراع ليس بين الشيطان وربه تبارك وتعالى، بل بين الشيطان والإنسان؛ لأنه حين قال لربه تعالى:* فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *[ص: 82] التزم الأدب مع الله.
فالغواية ليست مهارة مني، ولكن إغويهم بعزتك عن خَلْقك، وترْكِكَ لهم الخيارَ ليؤمن مَنْ يؤمن، ويكفر مَنْ يكفر، هذه هي النافذة التي أنفذ منها إليهم، بدليل أنه لا سلطانَ لي على أهلك وأوليائك الذين تستخلصهم وتصطفيهم:* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ *[ص: 83].
وهنا أيضاً يثار سؤال: إذا كان الشيطان لا يقعد إلا على الصراط المستقيم لِيُضلَّ أهله، فلماذا يتعرَّض للكافر؟
نقول: لأن الكافر بطبعه وفطرته يميل إلى الإيمان وإلى الصراط المستقيم، وها هو الكون يآياته أمامه يتأمله، فربما قاده التأمل في كَوْن الله إلى الإيمان بالله؛ لذلك يقعد له الشيطان على هذا المسلْك مسلْك الفكر والتأمل لِيحُول بينه وبين الإيمان بالخالق عز وجل.
فالشيطان ينزغك، إما ليحرك فيك شهوة، أو ليُنسِيك طاعة، كما قال تعالى:* وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ *[الكهف: 63].
وقال:* وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *[الأنعام: 68].
وكثير من الإخوان يسألون: لماذا في الصلاة بالذات تُلِحُّ علينا مشاكل الحياة ومشاغل الدنيا؟
نقول: هذه ظاهرة صحية في الإيمان، لأن الشيطان لولا علمه بأهمية الصلاة، وأنها ستُقبل منك ويُغفر لك بها الذنوب ما أفسدها عليك، لكن مشكلتنا الحقيقية أننا إذا أعطانا الشيطان طرفَ الخيط نتبعه ونغفل عن
قَوْل ربنا تبارك وتعالى:
* وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ *[فصلت: 36].
فما عليك ساعةَ أنْ تشعر أنك ستخرج عن خطِّ العبادة والإقامة بين يدي الله إلاَّ أنْ تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى وإنْ كنت تقرأ القرآن، لك أنْ تقطعَ القراءة وتستعيذ بالله منه، وساعةَ أن يعلم منك الانتباه لكيده وألاعيبه مرة بعد أخرى سينصرف عنك وييأس من الإيقاع بك.
وسبق أن ضربنا لذلك مثلاً باللص؛ لأنه لا يحوم حول البيت الخرب، إنما يحوم حول البيت العامر، فإذا ما اقترب منه تنبّه صاحب البيت وزجره، فإذا به يلوذ بالفرار، وربما قال اللص في نفسه: لعل صاحب البيت صاح مصادفة فيعاود مرة أخرى، لكن صاحب الدار يقظٌ منتبه، وعندها يفرُّ ولا يعود مرة أخرى.
ويجب أن نعلم أن من حيل الشيطان ومكائده أنه إذا عَزَّ عليه إغواؤك في باب، أتاك من باب آخر؛ لأنه يعلم جيداً أن للناس مفاتيح، ولكل منا نقطة ضعف يُؤتَى من ناحيتها، فمن الناس مَنْ لا تستميله بقناطير الذهب، إنما تستميله بكلمة مدح وثناء. وهذا اللعين لديه (طفاشات) مختلفة باختلاف الشخصيات.
لذلك من السهل عليك أنْ تُميِّز بين المعصية إنْ كانت من النفس أم من الشيطان: النفس تقف بك أمام شهوة واحدة تريدها بعينها ولا تقبل سواها، فإنْ حاولتَ زحزحتها إلى شهوة أخرى أبتْ إلا ما تريد، أما الشيطان فإنْ عزَّتْ عليك معصية دعاك إلى غيرها، المهم أن يُوقِع بك.
فالحق تبارك وتعالى يُحذرنا الشيطان؛ لأنه يحارب في الإنسان فطرته الإيمانية التي تُلح عليه بأن للكون خالقاً قادراً، والدليل على الوجود الإلهي دليل فطري لا يحتاج إلى فلسفة، كما قال العربي قديماً: البعرة تدل على البعير، والقدم تدل على المسير.. سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!
وكذلك، فكل صاحب صنعة عالم بصنعته وخبير بدقائقها ومواطن العطب فيها،
فما بالك بالخالق سبحانه:* أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *[الملك: 14].
إذن: فالأدلة الإيمانية أدلة فطرية يشترك فيها الفيلسوف وراعي الشاة، بل ربما جاءت الفلسفة فعقَّدتْ الأدلة.
ولنا وقفة مع قوله تعالى: * أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ * [مريم: 83]
ومعلوم أن عمل الشيطان عمل مستتر، كما قال تعالى:
* إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ *[الأعراف: 27].
فكيف يخاطب الحق ـ تبارك وتعالى ـ رسوله صلى الله عليه وسلم
في هذه المسألة بقوله: * أَلَمْ تَرَ * [مريم: 83]
وهي مسألة لا يراها الإنسان؟
نقول: * أَلَمْ تَرَ * [مريم: 83] بمعنى ألم تعلم؟ فعدَل عن العلم إلى الرؤيا، كما في قوله تعالى:* أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ *[الفيل: 1] والنبي صلى الله عليه وسلم لم يَرَ هذه الحادثة، فكيف يخاطبه ربه عنها بقوله:* أَلَمْ تَرَ *[الفيل: 1]؟
ذلك، ليدلك على أن إخبار الله لك أصحُّ من إخبار عينك لك؛ لأن رؤية العين بما تخدعك، أمّا إعلام الله فهو صادق لا يخدعك أبداً. فعلمك من إخبار الله لك أَوْلَى وأوثق من علمك بحواسِّك.
والشياطين: جمعه شيطان، وهو العاصي من الجنّ، والجن خَلْق مقابل للإنسان قال الله عنهم:* وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً *[الجن: 11] فَمنْ هم دون الصالحين، هم الشياطين.
[frame="15 98"]
من تفسير فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي
[/frame]===========
هل يوجد مثل هذا في الكتاب المقدس ؟؟
(الفاندايك) - (سفر أيوب 1)
6 وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ.
7 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟». فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا».
8 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ».
9 فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟
10 أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ.
11 وَلكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ».
12 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ.
ونفس الأمر في
(الفاندايك) - (سفر أيوب 2 - 6:1)
=============
(كتاب الحياة) - (سفر أيوب 2)
1: ثُمَّ مَثَلَ بَنُو اللهِ مَرَّةً أُخْرَى فِي حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَانْدَسَّ الشَّيْطَانُ أَيْضاً فِي وَسَطِهِمْ،
2: فَسَأَلَ الرَّبُّ الشَّيْطَانَ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟» فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: «مِنَ الطَّوَافِ فِي الأَرْضِ وَالتَّجَوُّلِ فِيهَا».
3: فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ رَاقَبْتَ عَبْدِي أَيُّوبَ فَإِنَّهُ لاَ نَظِيرَ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَهُوَ رَجُلٌ كَامِلٌ صَالِحٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ، وَحَتَّى الآنَ لاَ يَزَالُ مُعْتَصِماً بِكَمَالِهِ، مَعَ أَنَّكَ أَثَرْتَنِي عَلَيْهِ لأُهْلِكَهُ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ».
4: فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: «جِلْدٌ بِجِلْدٍ، فَالإِنْسَانُ يَبْذُلُ كُلَّ مَا يَمْلِكُ فِدَاءَ نَفْسِهِ.
5: وَلَكِنْ حَالَمَا تَمُدُّ يَدَكَ إِلَيْهِ وَتَمَسُّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ».
6: فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا أَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ».
=============
تفسير القمص تادرس يعقوب مالطي :
(الفاندايك) - (سفر أيوب 1: 8)
فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ».
(كتاب الحياة) - (سفر أيوب 1: 8)
فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ رَاقَبْتَ عَبْدِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لاَ نَظِيرَ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَهُوَ رَجُلٌ كَامِلٌ صَالِحٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ».
v كان الصبر بالفعل في أيوب، الأمر الذي كان يعلمه الله، وقد شهد له، لكنه صار معروفًا للبشر خلال اختبار التجربة. فما كان مخفيًا في الداخل وغير ظاهرٍ كثمرةٍ، ظهر بواسطة ما حدث وصار في الخارج[47].
القديس أغسطينوس
v اعتزم الشيطان على الدخول في صراعٍ، ليس مع أيوب بل مع الله، أما الطوباوي أيوب فكان بينهما موضوع النزاع...
لولا أن الله يعلم أن أيوب يستمر في استقامته بالتأكيد لما سلمه للشيطان. إنه لم يسلمه له لكي يهلكه بالتجربة... وقد التهبت نيران الحسد في ذهن المجرب من أجل مديح الله له.
إذ يفشل العدو القديم في اكتشاف أي شر يمكن أن يتهمنا به، يتجه نحو النقط الصالحة ليحولها للشر، وإذ ينهزم بالأعمال يتطلع إلى كلماتنا ليجد مجالاً للاتهام.
إنه يصارع لكي يُظلم نية القلب حتى لا تصدر أعمالنا الصالحة عن ذهنٍ صالحٍ، وبهذا لا تُعتبر صالحة في عيني الديان. فإنه حتى إن رأى ثمرًا على شجرة خضراء في الحر يبحث عن دودة تفسد الجذور.
صورة من التفسير هنا
=============
تفسير القمص تادرس يعقوب مالطي :
(الفاندايك) - (سفر أيوب 1: 12)
فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ.
(كتاب الحياة) - (سفر أيوب 1: 12)
فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا أَنَا أُسَلِّمُكَ كُلَّ مَا يَمْلِكُ. إِنَّمَا لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَيْهِ لِتُؤْذِيَهُ». ثُمَّ انْصَرَفَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ.
لقد سمح الله للشيطان أن يجرب أيوب، كما سمح أن يغربل بطرس الرسول، لكن حرص ألا يفنى إيمانه (لو 22: 32)، فإن التجارب تؤول للمدح والكرامة والمجد (1 بط 1: 7).
التصريح الذي سمح به الرب للشيطان يعطي المؤمن طمأنينة وسلامًا، فعدو الخير لا يقدر أن يمس مؤمنًا دون إذن إلهه، حتى أملاكه لا يقدر أن يقترب إليها بدون سماح إلهه. أما الله فهو الأب القدير المحب الحكيم، يعطي السماح بالقدر الذي نحتمله، وبما يؤول إلى مجدنا إن كنا أمناء.
لقد سمح الله للشيطان بأن ينال سلطانًا لتجربة أيوب البار حسب الحدود التي وضعها له. هنا يميز البابا غريغوريوس (الكبير) بين إرادة الشيطان وسلطانه. فمن جهة إرادته فهي دومًا شريرة، أما سلطانه الذي يُسمح له به من قبل الله فلن يكون فيه ظلم، لأنه بسماحٍ إلهيٍ لأجل تزكيتنا وبنياننا. لهذا لا نعجب مما ورد في (1 صم 10:18) "الروح الرديء من قبل الله اقتحم شاول، وجن في وسط البيت". فهو روح شرير، أما القول: "من قبل الله"، فلأنه ما كان يمكنه أن يقتحم شاول بدون نوال سلطانٍ من الله العادل. يقول القديس بولس: "لم تصبكم تجربة إلا بشرية، ولكن الله أمين، الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون" (1 كو 13:10). لذا يقول داود المرتل: "جربني يا رب، وامتحني" (مز 2:26).
=============
يرى القديس أغسطينوس أن الله يسمح للشيطان أن يُسقط عليهم الضيقات، إما لأجل تأديبهم كما سلم شعبه للسبي بواسطة الغرباء؛ وإما للامتحان كي يتزكوا كما سمح لأيوب أن يُجرب، وإما ليبعث بهم إلي نوال الإكليل كما سمح لشهداء أن يُضطهدوا[63].
v نقرأ في سفر أيوب كيف أن الشيطان نفسه الذي يظهر كمن له كل السلطة إلي حين لا يقدر أن يفعل شيئًا بدون سماحٍ. لقد نال سلطانًا على الأشياء الدنيا، وفقد سلطانه على كل ما هو أعظم وأسمى. سلطانه هذا ليس كمن يصدر عقوبة، بل العقوبة حالة به هو نفسه[65].
v لقد سمح الله للمجرب، لا لكي يعرف ما هو بالفعل يعرفه (عن أيوب)، وإنما لكي نعرف نحن ونقتدي به. لقد سلم للمجرب، فسلب كل شيء. وبقي الرجل مسلوبًا من ممتلكاته ومن أسرته ومن أولاده، لكنه كان ممتلئًا من الله[66].
v سُمح للمجرب أن يجرب إنسانًا قديسًا، أيوب. في لحظة واحدة نزع كل الأشياء، أزال كل ما كان يملكه، نزع الميراث، وقتل الوارثين. لم يحدث هذا شيئًا فشيئًا، بل جملة معًا، بضربة واحدة... فأعلن عن الكلٍ بإعلان مفاجئ. حين أُزيل كل شيء بقي أيوب وحده، لكن بقيت فيه نذور التسبيح التي يرددها لله[67].
v استجاب الله (لشعبه) طلبتهم، أعطاهم ملكًا حسب قلبهم – كما هو مكتوب - وليس حسب قلبه هو. لقد وهب أيضًا ما سأله إياه الشيطان أن يجرب خادمه لكي يتزكى[68].
القديس أغسطينوس
=============
ألا ترون الحدود التي وضعت في الاختبار؟ أما تلاحظون أن الشيطان ما كان يمكنه أن يلمس حتى القطيع لو لم ينل سلطانًا؟
القديس يوحنا الذهبي الفم
=============
v يُسمح للشيطان المجرب أن يثير حربًا على القديسين بكل طرق التجربة، حتى يتزكى حبهم لله، ولكي يكون ذلك شاهدًا. وذلك عندما يُنزع عنهم أو يحرمون أو يصيرون في عوز ومعدمين من الأمور الحسية، بينما يبقون محبين لله، ثابتين في محبته، يحبون بالحق. وبينما يحاول (الشيطان) إغراءهم يبقون غير منهزمين، ولا يغيرون محبتهم لله...
فالعدو يرغب بقوة أن يجرب كل إنسانٍ، إن كان ذلك ممكنًا له، ويسأل الله من أجل الكل لكي يجربهم كما سأل من أجل الرجل البار أيوب... وإذ نال في وقت قصير سماحًا اقترب الشيطان فورًا حسب قوة من سيجربه. هكذا يصارع الشرير معهم حسب شهوته. بهذه الوسائل، أولئك الذين هم مستقيمون وثابتون في حب الله يتزكون عندما يستخفون بكل شيء ويحسبونه كلا شيء بجوار حبهم لله[69].
مار اسحق السرياني
=============
v يُعطى السلطان ضدنا في شكلين، إما للعقاب عندما نخطئ، أو للمجد عندما نتزكى، كما نرى في حالة أيوب[70].
الشهيد كبريانوس
=============
v ليس للأرواح الشريرة السلطان أن تضر أحدًا، يظهر ذلك بوضوح في حالة الطوباوي أيوب، حيث لم يتجاسر العدو أن يجربه إلا حسبما سمح الله به... وقد اعترفت الأرواح نفسها بذلك كما جاء في الإنجيل، إذ قالت: "إن كنت تُخرِجنا فَأْذَنْ لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير" (مت 31:8). فإن كان ليس لديهم السلطان أن يدخلوا الحيوانات النجسة العُجم إلا بسماح من الله، فكم بالحري يعجزون عن الدخول في الإنسان المخلوق علي صورة الله؟![74]
الأب سيرينوس
صورة التفسير هنا
=============
نصوص أخرى :
سفر إشعياء 63: 17
لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ارْجعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ، أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ.
سفر حزقيال 14: 9
فَإِذَا ضَلَّ النَّبِيُّ وَتَكَلَّمَ كَلاَمًا، فَأَنَا الرَّبَّ قَدْ أَضْلَلْتُ ذلِكَ النَّبِيَّ، وَسَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِ وَأُبِيدُهُ مِنْ وَسْطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ.
=============
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تعليق