بسم الله الرحمن الرحيم
وصايا في طلب العلم
الحمد لله الذي خلق الخلق وقدّر الأقدار , أحمده سبحانه وأشكره و فهو للحمد أهل , وأصلي وأسلّم على أزكى البشرية , وأطهر البرية , محمد بن عبد الله , صلوات ربي وسلامه عليه ,, وبعد :
فهذه خواطر ووصايا في الطلب , وأي طلب ننشده , إنه العلم ؛ الذي به تعرف الأمة ربها وخالقها ورازقها سبحانه وبحمده , وبه يعرف الحق من الباطل , والهداية من الضلالة والغواية , وبه ينشر الهدى والفلاح , ويعلو السؤدد والنجاح ..
لذلك كله كانت هذه الوقفات التي أعتبرها قليلة , ولكن لعلها أن تكون حافزا لأخذ العلم من منابعه الأصلية , ومن مظانه المعروفة المعهودة .. فباسم الله نبدأ ..
أولى هذه الوصايا :
1 ـ التقوى : وقد أوصى الله عزَّ وجلَّ به في كتابه المبارك ؛ فقال سبحانه : { ولقد وصيّنا الذين من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } ..
وقال سبحانه : { واتقوا الله ويعلمكم الله } .. فالتقوى : أن تعمل على طاعة الله , على نور من الله , ترجو ثواب الله , وأن تترك معصية الله , على نور من الله تخشى عقاب الله.
والتقوى : ألا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك ..
فمن اتقى الله سبحانه , وخافه وعمل على مرضاته , فلا شك أن تفتح له أبواب العلم , لأنه قد زكّى نفسه , وهذبها , وأدبها بأدب القرآن الكريم , والسنة النبوية المطهرة , إذ أن النبي صلوات ربي وسلامه عليه قد قال : ( اتق الله حيثما كنت ) ..
فحق لمن كان هذا حاله أن يسلك العلم بعد ذلك على نور من الله وهدى .
2 ـ معرفة فضل العلم : فلابد من معرفته , والحث عليه , والإلزام به , فهو فريضة على كل مسلم , وتحمله مطلوب , فهو بمثابة الغذاء للأرواح والأبدان , والقلوب لا تحيى إلا بالعلم , ومن فضائل العلم ؛ أن الله سبحانه قد اشتق له اسما من اسمه , وصفة من صفته , الله تعالى هو عالم الغيب والشهادة , وهو عالم الغيوب , أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا ؛ فعلمنا مالم نكن نعلم , وهذا يدل على قرب العالم من ربه سبحانه وبحمده .
3 ـ العلم أول أمر سماوي أُمرت به هذه الأمة , ولم تؤمر بشيء قبله , وأول ما نزل على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله تعالى : { اقرأ } ؛ هذا يدل على أنه أول نزول على الإطلاق , والأولية تدل على الأهمية .
4 ـ الله ـ تقدست أسماؤه سبحانه قدمه على القول والعمل , علم وقول وعمل , يقدم العلم : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } , والقول لا يصلح إلا بالعلم والعمل كذلك , والقول لا يكون خالصا إلا بالعلم .
5 ـ أن العلم وظيفة الرسل : كل الرسل جاؤوا يعلمون الناس , قال الله تعالى : { هو الذي بعث في الأميين رسولا يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } .. وقال سبحانه : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } , فتعلم العلم تفلح فلاحا لا ند له أخي الحبيب المبارك .
6 ـ العلم بوابة قبول العمل : بمعنى ؛ أن العمل لا يقبل إلا بالعلم , كما في مواقف كثيرة في كتاب الله تعالى , وفي سنة رسول الله ـ صلى وسلم وبارك عليه الله ـ , ومن ذلك قصة خلاَّد بن رافع ـ رضي الله عنه ـ ( المسيء في صلاته ) عندما قدم ودخل المسجد فصلى , فجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسلم عليه , ثم قال له : ارجع فصل فإنك لم تصل ... ففعل ذلك ثلاث مرات .. ثم قال : يا رسول الله : لا أحسن غير هذا ؛ فعلمني ( ما أحسنه والله من أمر يطلبه خلاَّد ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ ) علم أنه يحتاج إلى علم في صلاته , فلم يتردد في أخذ العلم , من معلم الناس الخير ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ , وحتى في قضية الصيد ؛ فالكلب المعلم صيده يؤكل , وأما غير المعلم فلا , فالعلم بوابة قبول العمل , فتعلم ثم اعمل .
7 ـ أن العلم من الأعمال التي تطلب الزيادة منه : وهو من المنهومين الذين لا يشبعان : طالب علم , وطالب دنيا .. وأيهما خير وأبقى للإنسان حتى بعد موته , أليس هو العلم ؛ بلى والله إنه العلم ..
وهذا الإمام أحمد ـ عليه رحمة الله تعالى ـ يأتي ومعه محبرته دائما ؛ فقيل له في ذلك : دائما محبرة محبرة , فقال : من المحبرة إلى المقبرة , فالزيادة من العلم أولى وأفضل
8 ـ العلم خير هدية وأنبل عطية : فها هو ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يبيت ليلة عند خالته ميمونة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبيت عندها ليلة من الليالي , يريد يتعرف كيف حال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا به ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ يقرأ في آخر الليل آخر عشر آيات من سورة آل عمران , ثم ذهب ليقضي حاجته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم عاد , وقد أعد له ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ وضوءا , ثم سأل , ثم دعا له : ( اللهم فقه في الدين , وعلمه التأويل ) , فأصبح ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ حبر الأمة بل هو البحر .
9 ـ العلم نور , نور للقلوب , فبصر القلب يسمى بصيرة , وبصر العين يسمى بصر .
10 ـ العلم ميراث الأنبياء : وانظر إلى حال أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في ملازمته النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما كان يعانيه في أثناء طلبه ؛ فيقول عن نفسه :
( لازمت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ملازمة الرجل لظله , والعين لأختها , لدرجة أني أصرع , فيأتي الصبيان فيركبون عليه ؛ ويقولون : جُنَّ أبا هريرة ) ..
وكان يحفز على أخذ هذا الميراث العظيم ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ .
11 ـ العلم أقرب طريق للجنة : النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما ؛ سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) .
12 ـ أنه أمن من اللعنة : فقد ورد في الحديث : ( أن الدنيا ملعونة , ملعون ما فيها ؛ إلا ذكر الله وما والاه أو عالم ومتعلم ) ..
13 ـ العلم أفضل من العبادة : كما في الحديث : ( وفضل العالم على العابد ؛ كفضل القمر على سائر الكواكب ) , والنفع المتعدي أفضل من النفع الذاتي فحسب , والعالم يعمل على إصلاح النفس وتزكيتها وتهذيبها بما تعلم .
14 ـ العلم أفضل من المال : فالعلم أفضل من المال ؛ لأن العلم حاكم والمال محكوم عليه , والعلم يحرسك وأنت تحرس المال , والعلم يزيد بالإنفاق منه , والمال ينقص بالنفقة ) , ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول : ( العلم يعطيه الله من يحب فقط ) , وأما المال فيعطاه من يحب ومن لا يحب , والمال ميراث الفراعنة , والعلم ميراث الأنبياء .
15 ـ العلم شرف لصاحبه : فها هو ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يقول عنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : ( كنيِّفٌ ملأ علما ) .
16 ـ العلم جهاد للنفس , وصبر لنيل الأجر والرضى : والذي لا يصبر على مجالس العلم ؛ فهو جبان ..
17 ـ أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يتناوبون لأخذه ؛ كما في قصة عمر ـ رضي الله عنه ـ والأنصاري , وهذا يدل على أهميته عندهم .
18 ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا للعلماء ولأهل العلم , فقال ـ عليه الصلاة والسلام : ( من يرد الله به خيرا ؛ يفقه في الدين ) .
19 ـ العلم السعي فيه وعليه عبادة : كما في حديث جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ الطويل , ومحبة أهل العلم عبادة , ونشره بين الناس كذلك عبادة .
20 ـ العلم مما فضل الله به آدم على الملائكة .
21 ـ العلم حفظ للعمل , وحفظ للعمر , وحفظ للوقت ...
22 ـ الإخلاص في طلبه : وذلك إنما يكون بإرادة الإنسان بعمله وجه الله ـ عزَّ وجل ـ والدار الآخرة , ويكون كذلك بإرادة إزالة الجهل عن نفسه , وعن الآخرين بعد ذلك , ويسعى دائما إلى الإخلاص , ولكن الإخلاص عزيز , فطوبى لمن كانت له خطوة يريد بها وجه الله ـ عزَّ وجل ـ , ويا نفس أخلصي تتخلصي ؛ ولكن الإخلاص عزيز , فلا يطلب العلم من أجل أن يباري به العلماء , أو يجاري به السفهاء , أو من أجل أن يقال عنه كذا وكذا , ولكن يرجو ما عند الله تعالى , ويحاول جاهدا تصحيح نيته دائما , بأن يدعوا الله تعالى أن يوفقه ويهديه ويصلح سريرته ونيته وقلبه , إنه هو المعين والمستعان وحده .
23 ـ العمل بما يعلمه المرء : فإنها والله من الأسباب والوصايا التي تثبت العلم , وكذلك فيها بعد عن مشابهة أهل الكتاب الذين يعلمون ولا يعملون , وكذلك هذه هي فائدة العلم , وإلا لما كان له فائدة ؛ إذا كان يؤخذ هكذا فقط , للثقافة والمسابقة ونحو ذلك , ولكن الله الله بالعلم والعمل معا , كما كان هو حال نبينا ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ وكذلك كان صحابته الكرام ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ , وتبعهم على هذا النهج السلف الصالح , من التابعين وأتباع التابعين ـ رحمهم الله تعالى ـ ؛ وهاهو الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ يضرب أروع الأمثلة لذلك , فبعد سماعه لأي حديث من أحاديث المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويتيقن أنه من الأحاديث الصحاح , فيبادر من حينه بالعمل به , فإذا به يعلم ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ احتجم , وأعطى الحجام أجره ) فيبادر ـ رحمه الله تعالى ـ بذلك ..
والحاصل أنه لابد من العمل بما علم الإنسان من علم , حتى ينجو من التبعة ويكون ممن يستمع القول فيتبع أحسنه , ويعمل به بعد ذلك , وهذه والله هي زكاة العلم وبركته التي لا يتحصل عليها إلا من كان كذلك .
24 ـ الحرص على الوقت , والضبط والإتقان لهذا العلم : فلا يضيع وقته فيما لافائدة منه , وإنما يكون من أكثر الناس حرصا على وقته , ويشح به كذلك عمن يضيعه عليه , ويرتب له برنامجا علميا يسير عليه , حتى يضبط به وقته بين أبواب العلم الكثيرة والمتفرقة , ويتقن علمه أيما إتقان , وخاصة علم الشريعة , وحبذا لو تخصص في فن من فنونه الكثيرة , وأتقن تخصصه من كل جوانبه , ولا يترك فيه لا شاذة ولا فاذة إلا قد عرفها وعلمها وأتقنها , وهكذا ...
ولنا في صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسوة إذ أنهم قد ضبطوا وأتقنوا , علمهم الذي تلقوه من النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإلا كيف وصلنا القرآن الكريم , والسنة النبوية المباركة الشريفة , إلا من حرصهم واتقانهم وضبطهم ت رضي الله عنهم وأرضاهم ـ فلقد نقلوا لما حفظوه منه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ إلى الأمة جمعاء لأجل الأخذ به والعمل به , فجزاهم الله خير الجزاء على ما بذلوا وضحوا من أجله .
25 ـ الهمة العالية في الطلب للعلم : وعدم صحبة البطالين والكسالى الذين لا يرعون للعلم اهتماما , وعليه أن يختار الصاحب الذي يعينه على ذلك , كما كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يتناوبون ويتعاونون على ذلك , وإن كان من الذين لا يزيدون من همتك , وإنما يثبطك , ففر منه فرارك من الأسد ؛ كما فعل ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ مع ذلك الفتى الذي قال له : هلم نأخذ العلم عمن بقي من صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا به يقول : أوتظن أن الناس يحتاجون إليك مع وجود من هم أعلم منك ( أو قال كلمة نحو ذلك ) فإذا بابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يتركه ويكمل سيره في طلبه للعلم من الصحابة الكرام , لدرجة أنه كان يجلس عند أبواب الصحابة وتأتي الريح فتسف التراب في وجهه و وذلك في وقت الظهيرة , فعندما يخرج الصحابي , فيفاجأ به عند الباب , فيقول : ابن عم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو أخبرتنا لأتيناك ! فيقول بكل وقار وأدب للطلب : ( العلم يُؤتى ولا يأتي ) ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ فماذا نقول نحن إذن الذين أصبح العلم بين أيدينا ولا يكون عندنا همة عالية لتحمله وأخذه , ألا فليكن لنا أسوة في حال هؤلاء الرجال الأفذاذ الأبطال الذين حفظوا لنا هذا التراث الرباني الإلهي النبوي من الضياع .
25 ـ العلم يجعلك تهتدي بهد الكتاب والسنة : إذ أن ك تأخذ بهما , ولا تلتفت إلى غيرهما , لأنهما هما المنبع الأساسي للعلم , فحق لمن سلك هذا الطريق أن يهتدي بهدي الكتاب والسنة لا محالة .
26 ـ العلم يرشدك ويدلك ويجعلك سليم الصدر : سليم الصدر من الغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء , وغيرها من هذه الأمراض التي تكون في بنيات الطريق , فيتخلص منها مباشرة , لأنها تعكر عليه صفو طلبه , فيبتعد عنها و ولا تكون هي قاصمة ظهره , بالولوغ فيها , وتتبعها , والأخذ بها , فيسلم صدره حينئذ .
• هذه بعض الوصايا والخواطر في الطلب , أسأل الباري سبحانه وبحمده أن ينفعنا وإياكم بها , وأن تؤتي أكلها , وأن يجعلها لنا ولكم من الباقيات الصالحات , إنه ولي ذلك والقادر عليه ...
• والله أعلم ـ وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , والحمد لله رب العالمين ..
الشيخ /علي بن محه غويدي أبو عبد الله .
وصايا في طلب العلم
الحمد لله الذي خلق الخلق وقدّر الأقدار , أحمده سبحانه وأشكره و فهو للحمد أهل , وأصلي وأسلّم على أزكى البشرية , وأطهر البرية , محمد بن عبد الله , صلوات ربي وسلامه عليه ,, وبعد :
فهذه خواطر ووصايا في الطلب , وأي طلب ننشده , إنه العلم ؛ الذي به تعرف الأمة ربها وخالقها ورازقها سبحانه وبحمده , وبه يعرف الحق من الباطل , والهداية من الضلالة والغواية , وبه ينشر الهدى والفلاح , ويعلو السؤدد والنجاح ..
لذلك كله كانت هذه الوقفات التي أعتبرها قليلة , ولكن لعلها أن تكون حافزا لأخذ العلم من منابعه الأصلية , ومن مظانه المعروفة المعهودة .. فباسم الله نبدأ ..
أولى هذه الوصايا :
1 ـ التقوى : وقد أوصى الله عزَّ وجلَّ به في كتابه المبارك ؛ فقال سبحانه : { ولقد وصيّنا الذين من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } ..
وقال سبحانه : { واتقوا الله ويعلمكم الله } .. فالتقوى : أن تعمل على طاعة الله , على نور من الله , ترجو ثواب الله , وأن تترك معصية الله , على نور من الله تخشى عقاب الله.
والتقوى : ألا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك ..
فمن اتقى الله سبحانه , وخافه وعمل على مرضاته , فلا شك أن تفتح له أبواب العلم , لأنه قد زكّى نفسه , وهذبها , وأدبها بأدب القرآن الكريم , والسنة النبوية المطهرة , إذ أن النبي صلوات ربي وسلامه عليه قد قال : ( اتق الله حيثما كنت ) ..
فحق لمن كان هذا حاله أن يسلك العلم بعد ذلك على نور من الله وهدى .
2 ـ معرفة فضل العلم : فلابد من معرفته , والحث عليه , والإلزام به , فهو فريضة على كل مسلم , وتحمله مطلوب , فهو بمثابة الغذاء للأرواح والأبدان , والقلوب لا تحيى إلا بالعلم , ومن فضائل العلم ؛ أن الله سبحانه قد اشتق له اسما من اسمه , وصفة من صفته , الله تعالى هو عالم الغيب والشهادة , وهو عالم الغيوب , أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا ؛ فعلمنا مالم نكن نعلم , وهذا يدل على قرب العالم من ربه سبحانه وبحمده .
3 ـ العلم أول أمر سماوي أُمرت به هذه الأمة , ولم تؤمر بشيء قبله , وأول ما نزل على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله تعالى : { اقرأ } ؛ هذا يدل على أنه أول نزول على الإطلاق , والأولية تدل على الأهمية .
4 ـ الله ـ تقدست أسماؤه سبحانه قدمه على القول والعمل , علم وقول وعمل , يقدم العلم : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } , والقول لا يصلح إلا بالعلم والعمل كذلك , والقول لا يكون خالصا إلا بالعلم .
5 ـ أن العلم وظيفة الرسل : كل الرسل جاؤوا يعلمون الناس , قال الله تعالى : { هو الذي بعث في الأميين رسولا يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } .. وقال سبحانه : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } , فتعلم العلم تفلح فلاحا لا ند له أخي الحبيب المبارك .
6 ـ العلم بوابة قبول العمل : بمعنى ؛ أن العمل لا يقبل إلا بالعلم , كما في مواقف كثيرة في كتاب الله تعالى , وفي سنة رسول الله ـ صلى وسلم وبارك عليه الله ـ , ومن ذلك قصة خلاَّد بن رافع ـ رضي الله عنه ـ ( المسيء في صلاته ) عندما قدم ودخل المسجد فصلى , فجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسلم عليه , ثم قال له : ارجع فصل فإنك لم تصل ... ففعل ذلك ثلاث مرات .. ثم قال : يا رسول الله : لا أحسن غير هذا ؛ فعلمني ( ما أحسنه والله من أمر يطلبه خلاَّد ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ ) علم أنه يحتاج إلى علم في صلاته , فلم يتردد في أخذ العلم , من معلم الناس الخير ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ , وحتى في قضية الصيد ؛ فالكلب المعلم صيده يؤكل , وأما غير المعلم فلا , فالعلم بوابة قبول العمل , فتعلم ثم اعمل .
7 ـ أن العلم من الأعمال التي تطلب الزيادة منه : وهو من المنهومين الذين لا يشبعان : طالب علم , وطالب دنيا .. وأيهما خير وأبقى للإنسان حتى بعد موته , أليس هو العلم ؛ بلى والله إنه العلم ..
وهذا الإمام أحمد ـ عليه رحمة الله تعالى ـ يأتي ومعه محبرته دائما ؛ فقيل له في ذلك : دائما محبرة محبرة , فقال : من المحبرة إلى المقبرة , فالزيادة من العلم أولى وأفضل
8 ـ العلم خير هدية وأنبل عطية : فها هو ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يبيت ليلة عند خالته ميمونة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبيت عندها ليلة من الليالي , يريد يتعرف كيف حال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا به ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ يقرأ في آخر الليل آخر عشر آيات من سورة آل عمران , ثم ذهب ليقضي حاجته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم عاد , وقد أعد له ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ وضوءا , ثم سأل , ثم دعا له : ( اللهم فقه في الدين , وعلمه التأويل ) , فأصبح ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ حبر الأمة بل هو البحر .
9 ـ العلم نور , نور للقلوب , فبصر القلب يسمى بصيرة , وبصر العين يسمى بصر .
10 ـ العلم ميراث الأنبياء : وانظر إلى حال أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في ملازمته النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما كان يعانيه في أثناء طلبه ؛ فيقول عن نفسه :
( لازمت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ملازمة الرجل لظله , والعين لأختها , لدرجة أني أصرع , فيأتي الصبيان فيركبون عليه ؛ ويقولون : جُنَّ أبا هريرة ) ..
وكان يحفز على أخذ هذا الميراث العظيم ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ .
11 ـ العلم أقرب طريق للجنة : النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما ؛ سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) .
12 ـ أنه أمن من اللعنة : فقد ورد في الحديث : ( أن الدنيا ملعونة , ملعون ما فيها ؛ إلا ذكر الله وما والاه أو عالم ومتعلم ) ..
13 ـ العلم أفضل من العبادة : كما في الحديث : ( وفضل العالم على العابد ؛ كفضل القمر على سائر الكواكب ) , والنفع المتعدي أفضل من النفع الذاتي فحسب , والعالم يعمل على إصلاح النفس وتزكيتها وتهذيبها بما تعلم .
14 ـ العلم أفضل من المال : فالعلم أفضل من المال ؛ لأن العلم حاكم والمال محكوم عليه , والعلم يحرسك وأنت تحرس المال , والعلم يزيد بالإنفاق منه , والمال ينقص بالنفقة ) , ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول : ( العلم يعطيه الله من يحب فقط ) , وأما المال فيعطاه من يحب ومن لا يحب , والمال ميراث الفراعنة , والعلم ميراث الأنبياء .
15 ـ العلم شرف لصاحبه : فها هو ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يقول عنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : ( كنيِّفٌ ملأ علما ) .
16 ـ العلم جهاد للنفس , وصبر لنيل الأجر والرضى : والذي لا يصبر على مجالس العلم ؛ فهو جبان ..
17 ـ أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يتناوبون لأخذه ؛ كما في قصة عمر ـ رضي الله عنه ـ والأنصاري , وهذا يدل على أهميته عندهم .
18 ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا للعلماء ولأهل العلم , فقال ـ عليه الصلاة والسلام : ( من يرد الله به خيرا ؛ يفقه في الدين ) .
19 ـ العلم السعي فيه وعليه عبادة : كما في حديث جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ الطويل , ومحبة أهل العلم عبادة , ونشره بين الناس كذلك عبادة .
20 ـ العلم مما فضل الله به آدم على الملائكة .
21 ـ العلم حفظ للعمل , وحفظ للعمر , وحفظ للوقت ...
22 ـ الإخلاص في طلبه : وذلك إنما يكون بإرادة الإنسان بعمله وجه الله ـ عزَّ وجل ـ والدار الآخرة , ويكون كذلك بإرادة إزالة الجهل عن نفسه , وعن الآخرين بعد ذلك , ويسعى دائما إلى الإخلاص , ولكن الإخلاص عزيز , فطوبى لمن كانت له خطوة يريد بها وجه الله ـ عزَّ وجل ـ , ويا نفس أخلصي تتخلصي ؛ ولكن الإخلاص عزيز , فلا يطلب العلم من أجل أن يباري به العلماء , أو يجاري به السفهاء , أو من أجل أن يقال عنه كذا وكذا , ولكن يرجو ما عند الله تعالى , ويحاول جاهدا تصحيح نيته دائما , بأن يدعوا الله تعالى أن يوفقه ويهديه ويصلح سريرته ونيته وقلبه , إنه هو المعين والمستعان وحده .
23 ـ العمل بما يعلمه المرء : فإنها والله من الأسباب والوصايا التي تثبت العلم , وكذلك فيها بعد عن مشابهة أهل الكتاب الذين يعلمون ولا يعملون , وكذلك هذه هي فائدة العلم , وإلا لما كان له فائدة ؛ إذا كان يؤخذ هكذا فقط , للثقافة والمسابقة ونحو ذلك , ولكن الله الله بالعلم والعمل معا , كما كان هو حال نبينا ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ وكذلك كان صحابته الكرام ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ , وتبعهم على هذا النهج السلف الصالح , من التابعين وأتباع التابعين ـ رحمهم الله تعالى ـ ؛ وهاهو الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ يضرب أروع الأمثلة لذلك , فبعد سماعه لأي حديث من أحاديث المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويتيقن أنه من الأحاديث الصحاح , فيبادر من حينه بالعمل به , فإذا به يعلم ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ احتجم , وأعطى الحجام أجره ) فيبادر ـ رحمه الله تعالى ـ بذلك ..
والحاصل أنه لابد من العمل بما علم الإنسان من علم , حتى ينجو من التبعة ويكون ممن يستمع القول فيتبع أحسنه , ويعمل به بعد ذلك , وهذه والله هي زكاة العلم وبركته التي لا يتحصل عليها إلا من كان كذلك .
24 ـ الحرص على الوقت , والضبط والإتقان لهذا العلم : فلا يضيع وقته فيما لافائدة منه , وإنما يكون من أكثر الناس حرصا على وقته , ويشح به كذلك عمن يضيعه عليه , ويرتب له برنامجا علميا يسير عليه , حتى يضبط به وقته بين أبواب العلم الكثيرة والمتفرقة , ويتقن علمه أيما إتقان , وخاصة علم الشريعة , وحبذا لو تخصص في فن من فنونه الكثيرة , وأتقن تخصصه من كل جوانبه , ولا يترك فيه لا شاذة ولا فاذة إلا قد عرفها وعلمها وأتقنها , وهكذا ...
ولنا في صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسوة إذ أنهم قد ضبطوا وأتقنوا , علمهم الذي تلقوه من النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإلا كيف وصلنا القرآن الكريم , والسنة النبوية المباركة الشريفة , إلا من حرصهم واتقانهم وضبطهم ت رضي الله عنهم وأرضاهم ـ فلقد نقلوا لما حفظوه منه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ إلى الأمة جمعاء لأجل الأخذ به والعمل به , فجزاهم الله خير الجزاء على ما بذلوا وضحوا من أجله .
25 ـ الهمة العالية في الطلب للعلم : وعدم صحبة البطالين والكسالى الذين لا يرعون للعلم اهتماما , وعليه أن يختار الصاحب الذي يعينه على ذلك , كما كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يتناوبون ويتعاونون على ذلك , وإن كان من الذين لا يزيدون من همتك , وإنما يثبطك , ففر منه فرارك من الأسد ؛ كما فعل ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ مع ذلك الفتى الذي قال له : هلم نأخذ العلم عمن بقي من صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا به يقول : أوتظن أن الناس يحتاجون إليك مع وجود من هم أعلم منك ( أو قال كلمة نحو ذلك ) فإذا بابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يتركه ويكمل سيره في طلبه للعلم من الصحابة الكرام , لدرجة أنه كان يجلس عند أبواب الصحابة وتأتي الريح فتسف التراب في وجهه و وذلك في وقت الظهيرة , فعندما يخرج الصحابي , فيفاجأ به عند الباب , فيقول : ابن عم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو أخبرتنا لأتيناك ! فيقول بكل وقار وأدب للطلب : ( العلم يُؤتى ولا يأتي ) ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ فماذا نقول نحن إذن الذين أصبح العلم بين أيدينا ولا يكون عندنا همة عالية لتحمله وأخذه , ألا فليكن لنا أسوة في حال هؤلاء الرجال الأفذاذ الأبطال الذين حفظوا لنا هذا التراث الرباني الإلهي النبوي من الضياع .
25 ـ العلم يجعلك تهتدي بهد الكتاب والسنة : إذ أن ك تأخذ بهما , ولا تلتفت إلى غيرهما , لأنهما هما المنبع الأساسي للعلم , فحق لمن سلك هذا الطريق أن يهتدي بهدي الكتاب والسنة لا محالة .
26 ـ العلم يرشدك ويدلك ويجعلك سليم الصدر : سليم الصدر من الغل والحقد والحسد والبغضاء والشحناء , وغيرها من هذه الأمراض التي تكون في بنيات الطريق , فيتخلص منها مباشرة , لأنها تعكر عليه صفو طلبه , فيبتعد عنها و ولا تكون هي قاصمة ظهره , بالولوغ فيها , وتتبعها , والأخذ بها , فيسلم صدره حينئذ .
• هذه بعض الوصايا والخواطر في الطلب , أسأل الباري سبحانه وبحمده أن ينفعنا وإياكم بها , وأن تؤتي أكلها , وأن يجعلها لنا ولكم من الباقيات الصالحات , إنه ولي ذلك والقادر عليه ...
• والله أعلم ـ وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , والحمد لله رب العالمين ..
الشيخ /علي بن محه غويدي أبو عبد الله .
تعليق