سلسلة الخلفاء:قاصمة الظهر وما بعدها من أحداث عظام (1)

تقليص

عن الكاتب

تقليص

إيمان أحمد مسلمة اكتشف المزيد حول إيمان أحمد
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إيمان أحمد
    مشرفة الأقسام الإسلامية

    • 9 يون, 2006
    • 2427
    • موظفة
    • مسلمة

    سلسلة الخلفاء:قاصمة الظهر وما بعدها من أحداث عظام (1)

    الحمد لله رب العالمين , وأشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وءال بيته , كما صليت على ءال إبراهيم , إنك حميد مجيد .

    وبعد,

    هذه سلسة تكون بإذن الله مباركة بسيرة من سنتكلم عنهم في هذه الحلقات تباعا بحول الله وطوله ,

    سلسلة سوف نتحدث فيها عن خير فترة مرت على البشرية بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم , حقبة من الزمان لن تتكرر , وأناس ضحوا بكل غال ونفيس كانوا شموسا طلعت في سماء الإنسانية مرة , ولا تطمع الإنسانية أن يطلع في سمائها شموس من طرازهم مرة أخرى , إلا إذا عزم المسلمون أن يرجعوا إلى دين الفطرة –الإسلام- ويتأدبوا بأدبه من جديد , فيخلق الله منهم خلقا آخر يعيش للحق والخير , ويجاهد الباطل والشر حتى تعرف الإنسانية طريقها الحقيقي إلى السعادة والاستقرار,

    فمن هؤلاء الشموس يا ترى ؟


    إنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , إنهم القادة الذين وحدوا الله , واهتدوا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم , أناروا لنا الطريق , وفتحوا الدنيا لا بقصد الفتح والتوسع وإشباع المطامع , بل للهداية ونشر العلم , وتأسيس المدنية الصحيحة الخالية من الشوائب , وهم –وإن كانت أجسامهم تحت الثرى- فإن أعمالهم وسيرهم الطاهرة لم تمت , يل هي خالدة شاهدة لهم بحسن السيرة , ونقاء السريرة , وانتصار الحق على الباطل ,

    وشاهدة كذلك على أن حياة الرجال والأمم إنما هي بعلو الهمم وإخلاص الراعي والرعية لتحقيق المصلحة العامة , وموتها إنما يكون بِخَوَر العزائم والإهمال , وتقديس الأنانية والتباغض والتشاحن والتحاسد.

    وسيكون منهجي بإذن الله تعالى في هذه السلسلة التي أسأل الله لها القبول في قلب كل مسلم وغير مسلم , منهجي سيكون فيها صور وأحداث حدثت وقتئذ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وإلى انتهاء الخلافة التي قال عنها النبي صلوات الله وسلامه عليه : خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ


    وهذه الصور والأحداث تتضمن دفاعا عن الصحابة في وقت قل فيه الورع والخشية من الله في الخوض في سير هؤلاء العظماء بالباطل , ولن أتعرض لحياتهم بالتفاصيل وإنما المقصود من هذه السلسة الرد على سواء متمسلمين أو مستشرقين أو من هم على ملل أخرى , فقد كثر النبح من الكلاب على هؤلاء الشموس في دنيا الإنسانية .

    قال الشيخ محب الدين الخطيب : " ولما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قدوتنا في ديننا , وهم حملة الكتاب الإلهي والسنة المحمدية إلى الذين حملوا عنهم أماناتها حتى وصلت إلينا , فإن من حق هذه الأمانات على أمثالنا أن ندرأ عن سيرة حفظتها الأولين ما ألصق بهم من إفك ظلما وعدوانا , لتكون صورتهم التي تعرض على أنظار الناس هي الصورة النقية الصادقة , فتحسن القدوة بهم , وتطمئن النفوس إلى الخير الذي ساقه الله للبشر على أيديهم , وقد اعتبر في التشريع الإسلامي أن الطعن فيهم طعن في الدين الذين هم رواته ........ وأدركوا أن الذين شوهوا تلك الحسنات وصوروا تلك السجايا بغير صورتها إنما أرادوا أن يسيئوا إلى الإسلام نفسه بالإساءة غلى أهله الأولين , وقد آن أن ننتبه من هذه الغفلة فنعرف لسلفنا أقدارهم , لنسير في حاضرنا على هدى ونور من سيرتهم الصحيحة وسريرتهم النقية الطاهرة "

    وسأقسم هذه السلسلة إلى موضوعات يتناول كل موضوع حدث معين ليسهل الوصول لكل موضوع عبر هذا الصرح الكريم .


    فأسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد والقبول , فما كان من توفيق فمن الله وحده فهو المنعم علينا , وما كان خطأ أو خلل فإليَّ ينسب , وأسأل الله العفو والمغفرة , وأطلب من إخواني النصيحة.


    وبالله التوفيق

    وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
    أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

  • إيمان أحمد
    مشرفة الأقسام الإسلامية

    • 9 يون, 2006
    • 2427
    • موظفة
    • مسلمة

    #2
    وأول هذه السلسلة المباركة إن شاء الله تعالى أحداث ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فهي قاصمة الظهر وما تبعها من مبايعة الصديق وأحداث السقيفة-سقيفة بني ساعدة-


    فترقبوها......




    وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
    أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

    تعليق

    • إيمان أحمد
      مشرفة الأقسام الإسلامية

      • 9 يون, 2006
      • 2427
      • موظفة
      • مسلمة

      #3
      ثبات أبو بكر الصديق وحكته في المحن والشدائد

      ثبات أبو بكر الصديق وحكته في المحن والشدائد:

      كان لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقع شديد على نفوس الصحابة وقلوبهم , إذ أصابهم الاضطراب والحيرة من هول المفاجأة وشدة الصدمة , لقد تعودوا على رؤيته صباح مساء , وكان بالنسبة لهم السمع والبصر , والحياة والأمل , يشملهم بحبه ورعايته , ويغمرهم بشفقته ورحمته , ولم يكن تعلقهم به صلى الله عليه وسلم تعلق اتباع وتشريع فحسب , وإنما كان فوق ذلك تعلق محبة فاضت بها قلوبهم , وتعلقت به أرواحهم فكيف يحيون بدونه ؟

      يقول
      أَنَسٍ
      رضي الله عنه: " لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ ، وَقَالَ : مَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْدِي ، حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا " .

      بَكَتْ أُمَّ أَيْمَنَ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهَا : مَا يُبْكِيكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ
      : إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَمُوتُ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى الْوَحْيِ الَّذِي رُفِعَ عَنَّا " .

      قال ابن رجب رحمه الله : "ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون , فمنهم من دُهش فخولط , ومنهم من أُقعد فلم يطق القيام , ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام , ومنهم من أنكر موته"

      وقال القرطبي مبينا عظم هذه المصيبة وما ترتب عليها من أمور :"قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ ، فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي ، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ
      "وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم , لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة , انقطع الوحي , وماتت النبوة , وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك , وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه"

      وقال ابن إسحاق في السيرة :" ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين فكانت عائشة فيما بلغني تقول : لما توفي صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب واشرأبت –قويت- اليهودية والنصرانية , ونَجُم –ظهر- النفاق , وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم "

      وعلَّق القاضي أبو بكر العربي في كتابه ( العواصم من القواصم) على هذه الحادثة وموقف الصحابة منها وثبات أبو بكر الصديق وحكمته في الخروج من المحنة فقال " واضطربت الحال ، فكان موت النبي صلى الله عليه وسلم ( قاصمة الظهر ) ومصيبة العمر , فأما عليٌ فاستخفى في بيته مع فاطمة , وأما عثمان فسكت, وأما عمر فأهجر –أي خلط في كلامه وأكثر الكلام فيما لا ينبغي بسبب هول المفاجأة- وقال :" ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما واعده الله كما واعد موسى ، وليرجِعَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقطعن أيدي الناس وأرجلهم"

      وفي رواية الإمام أحمد في مسنده : من حديث أنس رضي الله عنه عن يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم :" ثم أرخى الستر ، فقبض في يومه ذلك ، فقام عمر فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ، ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى فمكث عن قومه أربعين ليلة . وإني لأرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وألسنتهم يزعمون ( أو قال : يقولون ) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات "

      وفي رواية أيضا من حديث عائشة وهي تذكر الساعة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم :"فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا ، فأذنت لهما . . . ثم قاما ، فلما دنوا من الباب قال المغيرة : يا عمر ، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : كذبت ، بل أنت رجل تحوسك ( أي تخالطك ) فتنة ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين ، ثم جاء أبو بكر . . وخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفنى الله المنافقين .


      ومعنى أهجر : خلط في كلامه ، وهذى ، وأكثر من الكلام فيما لا ينبغي ، وذلك من هول ما وقع في نفس عمر من هذا الحديث العظيم ، فهو لا يكاد يصدقه .



      وفي رواية البخاري رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت : "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ : يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ ، فَقَامَ عُمَرُ، يَقُولُ : وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ : وَقَالَ عُمَرُ : وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَهُ، قَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ : " أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ "، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ : " أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ "، وَقَالَ : "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" ، وَقَالَ :" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" ، قَالَ : فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ....."


      وفي رواية أخرى من حديث عبد الله بن عباس : " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ : اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ..."
      وَقَالَ ابن عباس : وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا، وقال عُمَرَ: "وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا، عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ "
      وفي رواية أن أبا بكر رضي الله عنه لما تلا الآية قال عمر " أوَ إنها في كتاب الله؟ ما شعرت أنها في كتاب الله "

      وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
      أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

      تعليق

      • إيمان أحمد
        مشرفة الأقسام الإسلامية

        • 9 يون, 2006
        • 2427
        • موظفة
        • مسلمة

        #4
        في اللقاء القادم سيكون الحديث عن معنى كلمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه للنبي لما مات

        "لا يذيقك الله الموتتين أبدا"

        وشبهة أن عليا رضي الله عنه وأرضاه تخلف عن بيعة أبو بكر الصديق , وما معنى أن عليا رضوان الله تعالى عنه استخفى في بيت فاطمة رضي الله عنها وأرضاها ؟

        انتظروا الجواب الشافي بإذن المولى تعالى



        وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
        أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

        تعليق

        • solema
          مشرفة قسم
          الإعجاز العلمي والنبؤات

          • 7 يون, 2009
          • 4518
          • طبيبة
          • مسلم

          #5
          بسم الله الرحمن الرحيم

          متابعة مع حضرتك إن شاء الله ......

          واسم الموضوع مثير وشدنى جدا ................

          جزاك ِ الله خيرا أختى الحبيبة ( ملتقى الأحبة )

          تعليق

          • المدافع عن الاسلام
            5- عضو مجتهد

            حارس من حراس العقيدة
            • 27 سبت, 2009
            • 888
            • محامى
            • مسلم

            #6
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
            جزاك الله خيرا اختنا الفاضله ملتقى الاحبه
            متابعين باذن الله ومنتظرين البقيه
            سؤال مهم جدا وهو سبب من اسباب الخلاف بين السنه والشيعه
            هل بايع على بن ابي طالب ابابكر الصديق رضى الله عنهما؟

            يا أهل بغداد .. لا يطمعن أحدكم ان يكذب على رسول الله وانا حى .....

            (الأمام العلامة المُحدث الدارقطنى ...)

            تعليق

            • إيمان أحمد
              مشرفة الأقسام الإسلامية

              • 9 يون, 2006
              • 2427
              • موظفة
              • مسلمة

              #7
              بارك الله فيكما أختي الحبيبة سوليما قصدي سولاما كما أحببت وأشرت في موضوع أنه لم يناديك أحد به بعد

              وأخونا الكريم المدافع عن الإسلام , وقد شرفني مروركما الكريم,

              ولكن نحن هنا لن نذكر أقوال الشيعة فلسنا هنا بصددها , ولكننا ندافع عن صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم

              فهم أطهر من وطأ هذه المعمورة بعد الأنبياء فرضي الله عنهم أجمعين

              وبالله التوفيق

              وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
              أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

              تعليق

              • إيمان أحمد
                مشرفة الأقسام الإسلامية

                • 9 يون, 2006
                • 2427
                • موظفة
                • مسلمة

                #8
                لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا

                هنا يأتي السؤال ماذا تعني قولة أبي بكر الصديق " لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا" ؟

                قال ابن حجر : قول أبي بكر : " لايجمع الله عليك موتتين " قيل في تفسيرها : هو على حقيقته , وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال –يقصد عمر رضي الله عنه- لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى , فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعها على غيره , كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت , وكالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها , وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها ...."

                فهذا الموقف ظهر فيه جليا شخصية أبي بكر وقوته فبنطقه بكلمات قلائل واستشهاده رضي الله عنه بالقرءان الكريم خرج الناس من ذهولهم وحيرتهم , ورجعوا إلى الفهم الصحيح رجوعا جميلا , فالله هو الحي وحده الذي لا يموت , وأنه وحده الذي يستحق العبادة , وأن الإسلام باق بعد موت محمد صلى الله عليه وسلم .

                ونختم هذا الجواب بوصية أبو بكر للصحابة , كما في رواية البيهقي من حديث عروة ابن الزبير "
                وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَاعْتَصِمُوا بِدِينِكُمْ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّكُمْ، فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ قَائِمٌ ، وَإِنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ تَامَّةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُ مَنْ نَصَرَهُ، وَمُعِزُّ دِينَهُ، وَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ جل وعلا بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَهُوَ النُّورُ وَالشِّفَاءُ وَبِهِ هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ حَلالُ اللَّهِ وَحَرَامُهُ...."

                يتبع إن شاء الله تعالى مع هل تخلف علي عن بيعة الصديق ؟؟؟؟؟

                تابعونا لتعرفوا الإجابة الشافية ..........


                وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                تعليق

                • إيمان أحمد
                  مشرفة الأقسام الإسلامية

                  • 9 يون, 2006
                  • 2427
                  • موظفة
                  • مسلمة

                  #9
                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  ثبوت مبايعة على بن أبي طالب والزبير بن العوام لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم :

                  الحقيقة لقد اضطربت الروايات التاريخية في قضية مبايعة علي بن أبي طالب للصديق , ولعبت الدسائس دورها , ونسجت الافتراءات والأكاذيب حولها بقصد زعزعة التقة بالإسلام بصورة عامة , وبالصحابة بصورة خاصة , وإظهارهم بصورة الجشع والمتهالك على المناصب والأموال ولو بمخالفة الشريعة.

                  القول الأول
                  : تذكر بعض النصوص أن عليا رضي الله عنه , يوم بويع أبو بكر رضي الله عنه البيعة الخاصة –بيعة أهل الحل والعقد- بالسقيفة كان مشغولا بتجهيز النبي صلى الله عليه وسلم , لكنه في اليوم التالي بايع بالمسجد مع عامة الناس فيما عُرف بالبيعة العامة .

                  القول الثاني
                  : تذكر روايات أخرى ورد بعضها في صحيح البخاري –رحمه الله- أن عليا التمس مبايعة الصديق بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها , وكانت وفاتها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر على الراجح , ولك يكن عليا –بحسب ما جاء في هذه الروايات- قد بايع خلال الأشهر الستة .

                  فهنا لزم الأمر إلى تبيان هل علي رضي الله عنه بايع في أول يوم مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم أو اليوم التالي أم بعد ستة أشهر ؟

                  من الروايات التي تؤكد على أن عليا رضي الله عنه بايع أبا بكر رضي الله عنه , ولم يتخلف عنها في اليوم الأول من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم , أو في اليوم التالي من الوفاة :ما رواه البيهقي وأحمد في مسنده –بإسناد صحيح كما يقول ابن كثير في تاريخه- عن أبي سعيد الخدري قال :
                  قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلموَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرَ،.......إلى أن قال : فَصَعِدَ أَبُو بَكْرٍ الْمِنْبَرَ، فَنَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَلَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ، قَالَ : فَدَعَا بَالزُّبَيْرِ، فَجَاءَ، فَقَالَ : قُلْتُ : أَيْنَ ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَحَوَارِيُّهُ؟ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ : لا، تَثْرِيبَ يَا خليفة رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَامَ، فَبَايَعَهُ، ثُمَّ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا، فَدَعَا بِعَلِيِّ ابْن أَبِي طَالِبٍ، فَجَاءَ، فَقَالَ : قُلْتُ : ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَخَتَنِهِ عَلَى ابْنَتِهِ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، قَالَ : لا تَثْرِيبَ يَا خليفة رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَبَايَعَهُ .

                  ونريد أن نوضح أن هذا الكلام الذي وجهه الصديق لعلي والزبير ليس بالضرورة قولهما لهذا القول , وإنما يزيل عنهم الصديق هذا إن جال بخاطرهما.

                  ويروي الطبري في تاريخه
                  عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ : كَانَ عَلِيٌّ فِي بَيْتِهِ إِذْ أُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ : قَدْ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ لِلْبَيْعَةِ، فَخَرَجَ فِي قَمِيصٍ مَا عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلا رِدَاءٌ عَجِلا كَرَاهِيَةَ أَنْ يُبْطِئَ عَنْهَا حَتَّى بَايَعَهُ، ثُمَّ جَلَسَ إِلَيْهِ وَبَعَثَ إِلَى ثَوْبِهِ فَأَتَاهُ فَتَجَلَّلَهُ وَلَزِمَ مَجْلِسَهُ "

                  ** أما رواية البخاري رحمه الله التي تشير إلى أن بيعة علي رضي الله عنه للصديق رضي الله عنه كانت بعد وفاة زوجه فاطمة رضي الله عنها –أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر- فهي : عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ ، وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَالِ "، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الْأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ : لَا وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي، وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ : إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَصِيبًا حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ(
                  أي لم يزل علي يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاضت عينا أبي بكر من الرقة )، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْخَيْرِ(أي لم أقصر)، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ : مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ، وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا : أَصَبْتَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ"

                  بعض استرشادات لما جاء في هذا الحديث :

                  قوله" وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ": قال ابن حجر (أي كان يحترمونه إكراما لفاطمة , فلما ماتت واستمر على عدم الحضور
                  عند أبي بكر قصر الناس عن ذلك الاحترام لإرادة دخوله فيما دخل فيه الناس ، ولذلك قالت عائشة في آخر الحديث " لما جاء وبايع كان الناس قريبا إليه حين راجع الأمر بالمعروف " وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها وتمريضها وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم لأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث رأى علي أن يوافقها في الانقطاع عنه) .

                  قوله " كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ": كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة , وقد ألفوا من عمر قوة وصلابة في القول والفعل ، ، وكان أبو بكر رقيقا لينا.

                  قوله" وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ" : أي لم نحسدك على الخلافة , وقوله :" اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ " أي لم تشاورنا ، والمراد بالأمر الخلافة.

                  ولقد جمع العلماء بين رواية البخاري التي تتعارض في ظاهرها مع ما سبقها من روايات : بأن عليا رضي الله عنه بايع أبا بكر مرتين , الأولى عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في رواية البيهقي السالفة الذكر , والثانية بعد ستة أشهر من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم , حينما توفيت فاطمة رضي الله عنها , وما ذلك إلا لأنها رضي الله عنها أخذت في خاطرها على أبي بكر الصديق بعض العتب , لتوهمها أن لها في ميراث النبي صلى الله عليه وسلم حقا , والصواب خلاف ذلك لورود النص , فلم تكلم الصديق حتى ماتت , فاحتاج على أن يراعي خاطرها بعض الشئ , فلما ماتت رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر مع ما تقدم له من البيعة في اليوم الذي تُوفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم , أو في اليوم التالي له.

                  يقول الحافظ بن كثير معلقا على رواية أبي سعيد الخدري –وقد حكم عليها بالصحة- " وهذا الحديث يساوي بدنة , بل يساوي بَدرَة-سرة ذهب, أي غاية في الأهمية- ....... وفيه فائدة جليلة , وهي مبايعة على بن أبي طالب إما في أول يوم أو اليوم الثاني من الوفاة , وهذا حق , فإن عليا لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات , ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه ....

                  إلى أن قال " ويزيد ذلك صحة قول
                  مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَسَرَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ : " وَاللَّهِ، مَا كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الإِمَارَةِ يَوْمًا وَلا لَيْلَةً قَطُّ، وَلا كُنْتُ فِيهَا رَاغِبًا، وَلا سَأَلْتُهَا اللَّهَ عزوجل فِي سِرٍّ وَلا عَلانِيَةٍ، وَلَكِنِّي أَشْفَقْتُ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَمَا لِي فِي الإِمَارَةِ مِنْ رَاحَةٍ، وَلَكِنْ قُلِّدْتُ أَمْرًا عَظِيمًا مَا لِي بِهِ مِنْ طَاقَةٍ وَلا يَدَ إِلا بِتَقْوِيَةِ اللَّهِ عزوجل وَلَوَدِدْتُ أَنَّ أَقْوَى النَّاسِ عَلَيْهَا مَكَانِي الْيَوْمَ "، فَقَبِلَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْهُ مَا قَالَ وَمَا اعْتَذَرَ بِهِ، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالزُّبَيْرُ : مَا غَضِبْنَا إِلا لأَنَّا قَدْ أُخِّرْنَا عَنِ الْمُشَاوَرَةِ، وَإِنَّا نَرَى أَبَا بَكْرٍ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، إِنَّهُ لِصَاحِبُ الْغَارِ ، وَثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ بِشَرَفِهِ وَكِبَرِهِ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاةِ بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ " .

                  ** والعذر لأبي بكر في ذلك –أي في عدم مشورتهم- هو كما قال المازِرِي:
                  أنه خشي من التأخر عن البيعة الاختلاف لما كان وقع من الأنصار , في سقيفة بني ساعدة .

                  وقال المازري : العذر لعلي في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب ، ولا يلزم كل أحد أن يحضر عنده ويضع يده في يده ، بل يكفي التزام طاعته والانقياد له بأن لا يخالفه ولا يشق العصا عليه ، وهذا كان حال علي لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر.

                  قال القرطبي (صاحب كتاب المفهم في شرح صحيح مسلم): من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة ومن الاعتذار وما تضمن ذلك من الإنصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر ، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة ، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانا لكن الديانة ترد ذلك والله الموفق.

                  وقال ابن حجر : ويحمل قول الزهري-أي في رواية البخاري- لم يبايعه علي في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك ، فإن في انقطاع مثله عن مثله –أي مثل علي عن مثل أبي بكر-ما يُوهِم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك ، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة التي بعد موت فاطمة عليها السلام لإزالة هذه الشبهة .

                  ** وفي نهاية هذا الفصل تجدر الإشارة إلى أمر ذكره صاحب العواصم :

                  من الغريب أن أعداء الإسلام الذين يحملون على أبي بكر رضي الله عنه منع فاطمة من إرثها في فدك وسهمها من خيبر, بينما عليٌ نفسه لما تولى الخلافة لم يعط أحدا ورثها , ولا لأحد من بني هاشم ما تركه رسول صلى الله عليه وسلم لحديث:"لا نورث....."
                  فإذا كان أبو بكر منع ذلك , فيكون قد منع ابنته عائشة أيضا من هذا الإرث!!

                  وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                  أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                  تعليق

                  • إيمان أحمد
                    مشرفة الأقسام الإسلامية

                    • 9 يون, 2006
                    • 2427
                    • موظفة
                    • مسلمة

                    #10
                    الفصل التالي بإذن المولى

                    سنتناول فيه ماذا حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ,

                    ماذا حدث في سقيفة بني ساعدة ,

                    وما الذي فعله الشيخان عندما سمعا باجتماع الأنصار في السقيفة ,

                    ولماذا وقع اختيار الصحابة على أبي بكر , وهل هو من طلب الإمارة لنفسه,

                    كل هذا وأكثر سنعرفه سويا إن شاء الله في الحلقة القادمة من هذه السلسة المباركة

                    فتابعونا ..............

                    وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                    أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                    تعليق

                    • solema
                      مشرفة قسم
                      الإعجاز العلمي والنبؤات

                      • 7 يون, 2009
                      • 4518
                      • طبيبة
                      • مسلم

                      #11
                      بسم الله الرحمن الرحيم



                      جزاكِ الله خيرا أختى الحبيبة ( ملتقى الأحبة )
                      ( متابعة ) إن شاء الله

                      تعليق

                      • solema
                        مشرفة قسم
                        الإعجاز العلمي والنبؤات

                        • 7 يون, 2009
                        • 4518
                        • طبيبة
                        • مسلم

                        #12
                        بسم الله الرحمن الرحيم

                        ممكن المساعدة فى تفصيل هذه النقطة أختى الحبيبة ( ملتقى الأحبة )؟؟


                        فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ
                        تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
                        صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ ،
                        وَفَدَكٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ
                        أَبُو بَكْرٍ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
                        قَالَ :
                        " لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
                        فِي هَذَا الْمَالِ "،


                        ما المقصود بالصدقة وهذا المال فى هذه العبارة ؟؟؟
                        سؤال كمان
                        هل من الممكن أن تفيدينى فى ممتلكات الرسول اللى تركها بعد وفاته إن أمكن
                        ؟؟

                        جزاكِ الله خيرا ونفعنا بكِ .

                        تعليق

                        • إيمان أحمد
                          مشرفة الأقسام الإسلامية

                          • 9 يون, 2006
                          • 2427
                          • موظفة
                          • مسلمة

                          #13
                          بارك الله فيك أخيتي الكريمة سوليما


                          وزادك الله حرصا على العلم والتعلم (الأذان أذن وأنا بكتي هذا الدعاء فأبشري)

                          أما ما معنى الصدقة فهي المعروفة أي لله

                          وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقتسم ورثتي دينارا ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة . رواه البخاري ومسلم .
                          فهذا صريح في استثناء نفقة نسائه ومئونة عامله ، وهو ليس من الميراث الذي يُقسم سمة الميراث ، بل هو صدقة من الصدقات .


                          وقال النووي في شرحه صحيح مسلم :وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا تَرَكْت بَعْد نَفَقَة نِسَائِي وَمُؤْنَة عَامِلِي ) فَلَيْسَ مَعْنَاهُ إِرْثهنَّ مِنْهُ بَلْ لِكَوْنِهِنَّ مَحْبُوسَات عَنْ الْأَزْوَاج بِسَبَبِهِ , أَوْ لِعِظَمِ حَقّهنَّ فِي بَيْت الْمَال لِفَضْلِهِنَّ , وَقِدَم هِجْرَتهنَّ , وَكَوْنهنَّ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ , وَكَذَلِكَ اِخْتَصَصْنَ بِمَسَاكِنِهِنَّ لَمْ يَرِثهَا وَرَثَتهنَّ , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَفِي تَرْك فَاطِمَة مُنَازَعَة أَبِي بَكْر بَعْد اِحْتِجَاجه عَلَيْهَا بِالْحَدِيثِ التَّسْلِيم لِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَضِيَّة , أَنَّهَا لَمَّا بَلَغَهَا الْحَدِيث وَبَيَّنَ لَهَا التَّأْوِيل تَرَكَتْ رَأْيهَا , ثُمَّ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا وَلَا مِنْ ذُرِّيَّتهَا بَعْد ذَلِكَ طَلَب مِيرَاث , ثُمَّ وَلِيَ عَلِيّ الْخِلَافَة فَلَمْ يَعْدِل بِهَا عَمَّا فَعَلَهُ أَبُو بَكْر وَعُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا - , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ طَلَب عَلِيّ وَالْعَبَّاس إِنَّمَا كَانَ طَلَب تَوَلِّي الْقِيَام بِهَا بِأَنْفُسِهِمَا , وَقِسْمَتهَا بَيْنهمَا , كَمَا سَبَقَ , قَالَ : وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ هِجْرَان فَاطِمَة أَبَا بَكْر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - فَمَعْنَاهُ : اِنْقِبَاضهَا عَنْ لِقَائِهِ , وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْهِجْرَان الْمُحَرَّم الَّذِي هُوَ تَرْك السَّلَام وَالْإِعْرَاض عِنْد اللِّقَاء ,قَوْله فِي هَذَا الْحَدِيث : ( فَلَمْ تُكَلِّمهُ ) يَعْنِي فِي هَذَا الْأَمْر أَوْ لِانْقِبَاضِهَا لَمْ تَطْلُب مِنْهُ حَاجَة , وَلَا اِضْطَرَّتْ إِلَى لِقَائِهِ فَتُكَلِّمهُ , وَلَمْ يُنْقَل قَطُّ أَنَّهُمَا اِلْتَقَيَا فَلَمْ تُسَلِّم عَلَيْهِ وَلَا كَلَّمَتْهُ

                          وقوله
                          إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
                          فِي هَذَا الْمَالِ

                          أي من بيت مال المسلمين فآل بيت النبي والعامل على أمور المسلمين وهو الخليفة يأكل من بيت المال
                          هل من الممكن أن تفيدينى فى ممتلكات الرسول اللى تركها بعد وفاته إن أمكن ؟؟

                          إن كنت تقصدين ما طالبت به أم الحسنين رضوان الله عليها فهو فيئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من فَدَك وهي منطقة قريبة من خيبر وخُمُس خيبر ,

                          وقد أثبتنا بالأدلة بما لا يدع مجالا للشك أنها وضعت صدقة

                          فالأنبياء حقيقة لم يورثوا دينارا ولا درهما , وإنما ورثوا العلم كما جاء في الحديث , وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم مرهونة عند يهودي.

                          أرجو أن أكون قد أوصلت لك المعلومة بطريقة سهلة , وأي استفسار أرحب به جدا

                          وبالله التوفيق

                          وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                          أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                          تعليق

                          • solema
                            مشرفة قسم
                            الإعجاز العلمي والنبؤات

                            • 7 يون, 2009
                            • 4518
                            • طبيبة
                            • مسلم

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة ملتقى الأحبة
                            بارك الله فيك أخيتي الكريمة سوليما

                            وزادك الله حرصا على العلم والتعلم (الأذان أذن وأنا بكتب هذا الدعاء فأبشري)

                            أرجو أن أكون قد أوصلت لك المعلومة بطريقة سهلة , وأي استفسار أرحب به جدا

                            وبالله التوفيق
                            جزاكِ الله خيرا أختى الحبيبة ( ملتقى الأحبة ) وبشرك بالخير دائما ........

                            الإضافات كانت رائعة ومفيدة وخاصة توضيح علاقة السيدة فاطمة مع سيدنا أبو بكر
                            ( رضى الله عنهما ).

                            متابعة مع حضرتك

                            تعليق

                            • إيمان أحمد
                              مشرفة الأقسام الإسلامية

                              • 9 يون, 2006
                              • 2427
                              • موظفة
                              • مسلمة

                              #15
                              تولية أبو بكر رضي الله عنه الخلافة :

                              الوقائع والأحداث في السقيفة:

                              في اليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم – وهو يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة – ولمَّا يجهَّز بعدُ – اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة (السقيفة العريش يُستظل به , ,وتداولوا الأمر بينهم في اختيار من يلي الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم , بينما شُغل جماعة بتجهيز جثمانه الشريف صلى الله عليه وسلم وإعداده للدفن , منهم عمه العباس بن عبد المطلب , وابنه الفضل بن العباس , وعلي بن أبي طالب , وغيرهم من ءال بيت النبي صلى الله عليه وسلم , ومنهم حموه أبو بكر الصديق رضوان الله عليهم أجمعين.

                              وفي هذه الأثناء " سرعان ما حسم الأنصار هذا الأمر الجلل في غيبة وانشغال إخوانهم المهاجرين , واتفقوا على تولية زعيم الخزرج سعد بن عبادة رضي الله عنه زعامة الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

                              ***الحجج التي جعلت سعد ابن عبادة –الأنصاري- يستبد الخلافة للأنصار :

                              روى الطبري في تاريخه :
                              عبد الله بْن عبد الرحمن بْن أبي عمرة الأنصاري، أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم" لما قبض اجتمعت الأنصار فِي سقيفة بني ساعدة، فقالوا : نولي هذا الأمر بعد محمد عليه السلام سعد بْن عبادة وأخرجوا سعدا إِلَيْهِم وهو مريض، فلما اجتمعوا، قَالَ لابنه أو بعض بني عمه : إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي، ولكن تلق مني قولي فأسمعهموه.فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله، فيرفع صوته فيسمع أصحابه، فَقَالَ بعد أن حمد الله وأثنى عليه : يا معشر الأنصار لكم سابقة فِي الدين وفضيلة فِي الإسلام ليست لقبيلة من العرب، إن محمدا عليه السلام لبث بضع عشرة سنة فِي قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، وَكَانَ ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رَسُول اللَّهِ ولا أن يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به، حَتَّى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة، فرزقكم اللَّه الإيمان به وبرسوله والمنع لَهُ ولأصحابه، والإعزاز لَهُ ولدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوه منكم وأثقله على عدوه من غيركم، حَتَّى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة (أي الانقياد) صاغرا داخرا، حَتَّى أثخن الله عزوجل لرسوله بكم الأرض(إشارة إلى الغلبة والتمكين)، ودانت بأسيافكم لَهُ العرب، وتوفاه اللَّه وهو عنكم راض وبكم قرير عين، استبدوا (استقلوا) بهذا الأمر ؛ فإنه لكم دون الناس....."
                              وقد أُعجب الأنصار بحديث سيد الخزرج , فأجابوه بأجمعهم : " أن قد وفقت فِي الرأي وأصبت فِي القول : ولن نعدو ما رأيت ونوليك هذا الأمر، فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضا" لكن الأنصار سرعان ما عادوا إلى أنفسهم وقالوا :" فإن أبت مهاجرة قريش، فقالوا : نحن المهاجرون وصحابة رَسُول اللَّهِ الأولون، ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعده؟ فقالت طائفة منهم : فإنا نقول إذا : منا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا الأمر أبدا، فَقَالَ سعد بْن عبادة حين سمعها : هذا أول الوهن" (ولكن تنتبه إلى أننا سنذكر روايات تدل على أن الأنصار سرعان ما راجعوا أنفسهم فس هذا الأمر ورجعوا )

                              وفي رواية ذكرها ابن حجر في (الفتح) من حديث عمر قال : " فبينما نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم , إذا برجل ينادي من وراء الجدار : اخرج إلي يا ابن الخطابى. فقلتُ : إليك عني , فإني مشغول. قال : اخرج إلي فإنه قد حدث أمر , إن الأنصار اجتمعوا فأدركهم قبل أن يُحدثوا أمرا يكون بينكم فيه حرب. فقلت لأبي بكر : انطلق"

                              ويتابع الطبري روايته عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري –وكان المهاجرين قد فرغوا من إعداد النبي صلى الله عليه وسلم من الدفن : "وأتى عمر الخبر، فأقبل إلى منزل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى أبي بكر وأبو بكر فِي الدار وعلي بْن أبي طالب عليه السلام دائب فِي جهاز رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى أبي بكر أن اخرج إلي.فأرسل إليه : إني مشتغل، فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لا بد لك من حضوره، فخرج إليه، فَقَالَ : أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت فِي سقيفة بني ساعدة يريدون أن يولوا هذا الأمر سعد بْن عبادة؟ وأحسنهم مقالةً من يقول : منا أمير ومن قريش أمير؟! فمضيا مسرعين نحوهم، فلقيا أبا عبيدة بْن الجراح فتماشوا إِلَيْهِم ثلاثتهم، فلقيهم عاصم بْن عدي، وعويم بْن ساعدة، فقالا لهم : ارجعوا ؛ فإنه لا يكون ما تريدون.فقالوا : لا نفعل فجاءوا وهم مجتمعون.فَقَالَ عمر بْن الْخَطَّاب : أتيناهم وقد كنت زورتُ كلاما (أي هيئته وحسنته)أردتُ أن أقوم به فيهم، فلما أن دفعتُ إِلَيْهِم ذهبت لأبتدئ المنطق(الكلام)، فَقَالَ لي أبو بكر : رويدا حَتَّى أتكلم ثُمَّ انطق بعدُ بما أحببتَ ، فنطق. فَقَالَ عمر: فما شيء كنت أردتُ أن أقوله إلا وقد أتى به أو زاد عليه."

                              وروى البخاري في صحيحه عَنْ
                              ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى ، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا (كان ذلك في آخر خلافة عمر رضي الله تعالى عنه,فقد بدأت خلافته 13هـ وانتهت 23هـ)، إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ : لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ، لَقَدْ بَايَعْتُ (أي سوف أبايع) فُلَانًا (المقصود كما قال ابن حجر:طلحة بن عبيد الله)، فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ : إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ(أي يثبون على الحكم بغير عهد ولا مشورة , وقد وقع ذلك بعد علي وفق ما حذره عمر)..." الحديث , وفيه أن عمر رضي الله عنه لما رجع إلى المدينة قام في الناس خطيبا , فقال : " .... ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ، يَقُولُ : وَاللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ، يَقُولَ : إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ، أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا(أيأن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل)، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا(أي لم يجتمعوا معنا في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَمَنْ مَعَهُمَا(في رواية:وأن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم,وفي رواية أخرى العباس بدل الزبير)، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ : يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ، لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ(أي اتفقوا عليه,وهو مبايعة سعد)، فَقَالَا : أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا : نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَا : لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ(وفي رواية:امهلوا حتى تقضوا أمركم , ويؤخذ من هذا أن الأنصار كلها لم تجتمع على سعد)، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ(أي ملفَّف جالس في وسطهم)، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا : فَقَالُوا : هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ : مَا لَهُ قَالُوا : يُوعَكُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ(كان ثابت بن قيس بن شِمَاسيُدعى خطيب الأنصار, فالي يظهر أنه هو)، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ : فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ(أي عدد قليل والدّضف هو السير البطئ في جماعة)، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا(أي يقتطعونا عن الأمر وينفردوا به دوننا أي الخلافةوَأَنْ يَحْضُنُونَا (أي يخرجونا)مِنَ الْأَمْرِ، فَلَمَّا سَكَتَ(أي خطيب الأنصار)، أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي، أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ(الشدة)، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : عَلَى رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي، وَأَوْقَرَ وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا، حَتَّى سَكَتَ، فَقَالَ : مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا، وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ الْآنَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ(مَثل تضربه العرب في صاحب الخبرة والرأي)، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ(خِفتُ) مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ(ازدحمنا عليه, ومن الزحام أجرفوه)، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ : قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ(لم يرد عمر الأمر بقتله حقيقة، وأما قوله ‏"‏ قتله الله ‏"‏ فهو دعاء عليه، وفي حديث مالك ‏"‏ فقلت وأنا مغضب قتل الله سعدا فإنه صاحب شر وفتنة ‏)".

                              استرشادات لبعض ما جاء في الحديث من شرح ابن حجر رحمه الله في الفتح:

                              قوله ‏(‏
                              إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً ‏)‏ : أي فجأة , ونطقها البعض بضم الفاء أي انفلات الشيء من الشيء وقالوا: إن الفتح غلط وإنه-أي النطق بالفتح- إنما يقال فيما يندم عليه، وبيعة أبي بكر مما لا يندم عليه أحد، وتعقب بثبوت الرواية بفتح الفاء ولا يلزم من وقوع الشيء بغتة أن يندم عليه كل أحد بل يمكن الندم عليه من بعض دون بعض، وإنما أطلقوا على بيعة أبي بكر ذلك بالنسبة لمن لم يحضرها في الحال الأول، ويؤيد ذلك ما وقع في رواية ابن إسحاق بعد قوله "فلتة ‏"‏ : فما يمنع امرئ إن هلك هذا (يعني عمر) أن يقوم إلى من يريد فيضرب على يده فتكون (أي البيعة) كما كانت (أي في قصة أبي بكر) ‏"‏ ‏.‏

                              قوله ‏(‏وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا)‏ أي وقاهم ما في العجلة غالبا من الشر، لأن من العادة أن من لم يطلع على الحكمة في الشيء الذي يُفعل بغتة لا يرضاه، وقد بين عمر سبب إسراعهم ببيعة أبي بكر لما خشوا أن يبايع، الأنصار سعد بن عبادة، قال أبو عبيدة‏-مَعمر بن المثنى-وهو من علماء اللغة والمفسرين-:‏ عاجلوا ببيعة أبي بكر خيفة انتشار الأمر وأن يتعلق به من لا يستحقه فيقع الشر‏.‏

                              قوله ‏(‏ وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ ‏)‏ قال الخطابي‏:‏ يريد أن السابق منكم الذي لا يلحق في الفضل لا يصل إلى منزلة أبي بكر، فلا يطمع أحد أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر من المبايعة له أولا في الملأ اليسير ثم اجتماع الناس عليه وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا إلى مشاورة أخرى، وليس غيره في ذلك مثله‏"اهـ.‏ وفيه إشارة إلى التحذير من المسارعة إلى مثل ذلك حيث لا يكون هناك مثل أبي بكر (لما اجتمع فيه من الصفات المحمودة من قيامه في أمر الله، ولين جانبه للمسلمين، وحسن خلقه، ومعرفته بالسياسة، وورعه التام) ممن لا يوجد فيه مثل صفاته لا يُؤمن من مبايعته عن غير مشورة الاختلاف الذي ينشأ عنه الشر، وعبر بقوله ‏"‏ تقطع الأعناق ‏"‏ لكون الناظر إلى السابق تمتد عنقه لينظر، فإذا لم يحصل مقصوده من سبق من يريد سبقه قيل انقطعت عنقه , وهو مَثَل يقال للفرس الجواد : تقطعت أعناق الخيل دون لحاقه.

                              قوله ‏(‏ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ ‏)‏ في رواية ابن إسحاق ‏"‏ رجلا صدق عويم بن ساعدة ومعن بن عدي ‏"‏وهما ممن شهد بدرا, قال عروة(فأما عُويم فهو الذي بلغنا أنه قيل يا رسول الله من الذين قال الله فيهم ‏‏" رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا" قال :" نعم المرء منهم عويم بن ساعدة ‏"‏ وأما معن فبلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفاه الله وقالوا : وددنا أنا متنا قبله لئلا نفتتن بعده، فقال معن بن عدي‏:‏ والله ما أحب أن لو مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا، واستُشهد باليمامة سنة 12هـ‏.‏

                              قوله ‏(‏رهط‏)‏ أي قليل، وقد تقدم أنه يقال للعشرة فما دونها، زاد ابن وهب في روايته ‏"‏ منا ‏"‏ وكذا لمعمر، وهو يرفع الإشكال فإنه لم يرد حقيقة الرهط وإنما أطلقه عليهم بالنسبة إليهم أي أنتم بالنسبة إلينا قليل، لأن عدد الأنصار في المواطن النبوية التي ضبطت كانوا دائما أكثر من عدد المهاجرين، وهو بناء على أن المراد بالمهاجرين من كان مسلما قبل فتح مكة وهو المعتمد، وإلا فلو أُريد عموم من كان من غير الأنصار لكانوا أضعاف أضعاف الأنصار‏.

                              قوله( وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الْأَمْر) : في رواية سفيان عند البزار ‏"‏ ويختصون بالأمر أو يستأثرون بالأمر دوننا ‏"‏ ومعنى العبارة كلها : يريد أنكم قوم طرأة غرباء أقبلتم من مكة إلينا ثم أنتم تريدون أن تستأثروا علينا , وحاصل ما تقدم من كلامه –خطيب الأنصار- أنه أخبر أن طائفة من المهاجرين أرادوا أن يمنعوا الأنصار من أمر تعتقد الأنصار أنهم يستحقونه وإنما عرَّض بذلك بأبي بكر وعمر ومن حضر معهما.

                              قوله (وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ) : في رواية ابن إسحاق ‏"‏ قد عرفتم أن هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب ليس بها غيرهم وأن العرب لا تجتمع إلا على رجل منهم، فاتقوا الله لا تصدعوا الإسلام ولا تكونوا أول من أحدث في الإسلام‏"‏‏ , وقد روى أحمد من طريق حميد بن عبد الرحمن عن أبي بكر الصديق أنه قال يومئذ ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الأئمة من قريش ‏"‏.

                              قوله(أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ) : من قال بهذا هو الحباب بن المنذر ومعنى قوله: الجُديل:تصغير الجدل , وهو عود يُنصَب للإبل الجرباء لتحتك فيه , والعُذيق:تصغير عِذق , وهو النخلة , والمرجَّب:يُدعِّم النخلة إذا كثر حملها . والمراد أنه يستشفى برأيه.

                              وفي رواية للبخاري من حديث عائشة رضي الله عنها : ... ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ : فِي كَلَامِهِ : نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ ، فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ عُمَرُ : بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا، وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ : قَائِلٌ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَال عُمَرُ : قَتَلَهُ اللَّهُ .

                              ووقع عند ابن سعد بسند صحيح من مرسل القاسم بن محمد قال ‏"‏ اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة، فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فقام الحباب بن المنذر وكان بدريا فقال‏:‏ منا أمير ومنكم أمير، فإنا والله ما ننفس عليكم هذا الأمر ولكنا نخاف أن يليها أقوام قتلنا آباءهم وإخوتهم‏.‏

                              فقال عمر‏:‏ "إذا كان ذلك فمت إن استطعت ‏"‏ -أي ظنك ليس في محله- قال الخطابي‏:‏ الحامل للقائل ‏"‏ منا أمير ومنكم أمير ‏"‏ أن العرب لم تكن تعرف السيادة على قوم إلا لمن يكون منهم، وكأنه لم يكن يبلغه حكم الإمارة في الإسلام واختصاص ذلك بقريش فلما بلغه أمسك عن قوله وبايع هو وقومه أبا بكر‏.‏

                              وفي رواية أحمد عن أبي سعيد : " قَامَ خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَّا ، فَنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مِنْكُمْ، وَالْآخَرُ مِنَّا، قَالَ : فَتَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الْأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ : فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَإِنَّمَا الْإِمَامُ يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ : " جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا " فبايعوه , ووقع في آخر المغازي لموسى بن عقبة عن ابن شهاب أن أبا بكر قال في خطبته ‏"‏ وكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه، ولن تصلح العرب إلا برجل من قريش، فالناس لقريش تبع، وأنتم إخواننا في كتاب الله، وشركاؤنا في دين الله، وأحب الناس إلينا، وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله، والتسليم لفضيلة إخوانكم، وأن لا تحسدوهم على خير ‏"‏ وقال فيه‏:‏ ‏"‏ إن الأنصار قالوا أولا نختار رجلا من المهاجرين وإذا مات اخترنا رجلا من الأنصار، فإذا مات اخترنا رجلا من المهاجرين كذلك أبدا فيكون أجدر أن يشفق القرشي إذا زاغ أن ينقض عليه الأنصاري وكذلك الأنصاري‏.‏ قال فقال عمر‏:‏ لا والله لا يخالفنا أحد إلا قتلناه، فقام حباب بن المنذر فقال كما تقدم وزاد‏:‏ وإن شئتم كررناها خدعة ‏"‏ أي أعدنا الحرب‏.‏ قال فكثر القول حتى كاد أن يكون بينهم حرب فوثب عمر فأخذ بيد أبي بكر .

                              **وأما عن سبب اختيار الصحابة لأبي بكر :

                              في مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب ‏"‏ قال فقام أسيد بن الحضير وبشير بن سعد وغيرهما من الأنصار فبايعوا أبا بكر، ثم وثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة ‏"‏ ووقع في حديث سالم بن عبيد عند البزار في قصة الوفاة ‏"‏ فقالت الأنصار‏:‏ منا أمير ومنكم أمير، فقال عمر - وأخذ بيد أبي بكر - أسيفان في غمد واحد‏؟‏ لا يصطلحان، وأخذ بيد أبي بكر فقال‏:‏ من له هذه الثلاثة‏؟‏ ‏(‏إذ هما في الغار‏)‏ من هما‏؟‏ ‏(‏إذ يقول لصاحبه‏)‏ من صاحبه‏؟‏ ‏(‏إن الله معنا‏)‏ مع من‏؟‏ ثم بسط يده فبايعه ثم قال‏:‏ بايعوه، فبايعه الناس‏"‏‏.‏
                              ووقع في رواية ابن إسحاق فيما أخرجه الذهلي بسند صحيح عن عمر قال : " قلت يا معشر الأنصار : إن أولى الناس بنبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار, ثم أخذتُ بيده"

                              وفي رواية عن أحمد رحمه الله بإسناد حسن أن
                              عُمَرُ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ بِالنَّاسِ ؟ " فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالُوا : نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ"


                              وفي رواية ابن إسحاق : " ثم أخذت بيده وبدرني رجل من الأنصار فضرب على يده قبل أن أضرب على يده , ثم ضربتُ على يده , فتتابع الناس " والرجل المذكور هو بشير بن سعد والد النعمان رضي الله عنهم أجمعين.


                              وروى الإمام أحمد ما يفيد تراجع سعد بن عبادة رضي الله عنه وتبعه في ذلك الأنصار , وفيها : ".... فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أُنْزِلَ فِي الْأَنْصَارِ وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَأْنِهِمْ، إِلَّا وَذَكَرَهُ، وَقَالَ : وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا، سَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ "، وَلَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ : " قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ ، فَبَرُّ النَّاسِ تَبَعٌ لِبَرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ " ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ : صَدَقْتَ، نَحْنُ الْوُزَرَاءُ، وَأَنْتُمْ الْأُمَرَاءُ"

                              قال ابن تيمية رحمه الله في (منهاج السنة النبوية): هذا مرسل حسن وفيه فائدة جليلة , وهي أن سعد بن عبادة نزل عن مقامه الأول في دعوى الإمارة , وأذعن للصديق بها , فرضي الله عنهم أجمعين"

                              وبالله التوفيق

                              وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ
                              أي لا تميلوا إلى الظالمين والكافرين بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم فتمسكم النار

                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
                              ردود 0
                              69 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله
                              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
                              ردود 112
                              230 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة عادل خراط
                              بواسطة عادل خراط
                              ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
                              ردود 3
                              48 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة عاشق طيبة
                              بواسطة عاشق طيبة
                              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
                              ردود 0
                              146 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة عادل خراط
                              بواسطة عادل خراط
                              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
                              ردود 3
                              104 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة عادل خراط
                              بواسطة عادل خراط
                              يعمل...