بسم الله الرحمن الرحيم
طغت على اللغة الإعلامية المنتشرة الآن لغة الاتهام والهجوم، وطبيعي أن تلك السهام وهذا الهجوم ستتجه إلى الطرف الأضعف في معادلة القوة، خصوصًا والإعلام بطبيعته تعبير عن الطرف الأقوى؛ فلذا وبرغم أن الأمة تنتشر فيها المصائب والمشكلات كطابور يبدأ من الفقر والمرض وانحطاط كرامة الفرد ويصل ذروته بالاحتلال وفقد السيادة، إلا أن اللغة الإعلامية إذا كان ثمة هجوم فهو على " الشيوخ المنغلقين " أو " المقاومة العبثية " أو على "جماعة" لا تملك إلا أن تعد عدد معتقليها
ما ينبغي أن يلتفت إليه الدعاة والإصلاحيون والمجاهدون أمام هذا الهجوم المقصود، هو ألاَّ ينجروا للدفاع عن أنفسهم، والاضطرار إلى "شخصنة الموضوع".
لقد سجَّل القرآن الكريم حوارًا بين سيدنا موسى عليه السلام وفرعون، وحاول فيه فرعون بكل وسيلة أن يخرج من حوار الفكرة إلى اتهام الشخص، ولكن موسى عليه السلام استطاع في كل مرة أن يعيد الحوار إلى الفكرة، وأن يتجاوز محاولات " الشخصنة " هذه حتى انتصر .
لقد جاء موسى برسالة واضحة إلى فرعون " إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ " [الشعراء: 16-17].
ورغم أن فرعون يضطهد بني إسرائيل ويعذبهم، ورغم أن موسى لا يطلب منه لا ملكًا ولا سيادة ولا إعطاء الناس حقوقهم، بل فقط أن يسمح لهم بالخروج من هذه الأرض .. إلا أن فرعون ترك مضمون الفكرة (الرسالة، وإخراج بني إسرائيل)، وقال مهاجمًا موسى عليه السلام : " قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ " [الشعراء: 18-19].
فكانت أولى محاولات " شخصنة الموضوع "، لكن المشكلة الحقيقة أن سيدنا موسى فعلاً ارتكب هذه " الأخطاء " في حياته السابقة، وقد وضع الآن في مأزق " الفضل "، كما وضع في مأزق " البدعة "، فلقد لبث سنين من قبل دون أن تخطر له هذه " الأفكار الدخيلة ".
فكان أن دافع موسى عن نفسه دفاعًا بليغًا وقصيرًا، ولم ينه جملته حتى عاد بالحوار إلى موضوع الرسالة: صحيح أني فعلت هذا حين كنت ضالاًّ ( ولست كافرًا أو جاحدًا كما تدَّعي )؛ ولهذا هربت خائفًا لعلمي بأنه لا عدل في الحكم؛ " قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ " [الشعراء: 20-21].
وهنا انتهى دفاع موسى عن نفسه، ولكنه لم يتوقف هنا أبدًا بل عاد بالحوار إلى المضمون: وبعدها وهب لي ربي حكمًا وجعلني من المرسلين. لكن هل هذه نعمة تتفضل بها عليَّ، وما حدثت إلا لاضطهادك بني إسرائيل الذي جعل أمي تلقيني صغيرًا في النهر، ثم جعلني أهرب خائفًا من الظلم؟! " فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ " [الشعراء: 21-22].
فاضطر فرعون أن يعود إلى الفكرة، ولكنه قفز على اضطهاده لبني إسرائيل وسأل عمَّا ظن أنه يمكن أن يجادل فيه " قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ" [الشعراء: 23].
فأعطاه موسى جوابًا واضحًا وعمليًّا، ولم يحاول تقديم " تعريف نظري " أو أن يصف الله بما يمكن أن يدعيه فرعون " قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ "[الشعراء: 24].
وحاول فرعون -بلهجة ساخرة- ترك حوار الفكرة والرسالة والاستعانة بمن حوله " قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ " [الشعراء: 25]، فلم يمهل موسى أحدًا بل زاد في وصف الله بما لا يمكن أن يدعيه لا فرعون ولا أحدهم " قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ " [الشعراء: 26].
فعاد فرعون إلى "شخصنة" الحوار واتهام المتحدث " قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ " [الشعراء: 27]، ولكن موسى لا يدافع عن نفسه الآن ولا يلتفت لهذه المحاولة بل يستمر " قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " [الشعراء: 28].
وهنا لم يعد أمام فرعون إلا أن ينهي الحوار، وينتقل من قوة المنطق إلى منطق القوة " قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ" [الشعراء: 29]، فتأخذ الرسالة مرحلة أخرى، وهي مرحلة التحدي بالمعجزات والدخول في المواجهة.
إن معايشة هذا الحوار، وطريقة فرعون في إصراره على مهاجمة الشخص؛ لتؤكد بأنه منهج مستمر في تشويه المصلحين، تشويه يصل إلى استعمال كل الوسائل الدنيئة حتى التعيير بما لا سبب لهم فيه، كاستهزاء فرعون بثقل لسان موسى عليه السلام وقلة فصاحته حين نادى في قومه: " وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ " [الزخرف:51-52].
وعلى أية حال، فإن كان أهل الباطل استفادوا من منهج فرعون مباشرة أو عبر ما توحيه إليهم شياطينهم، فعلى أهل الحق أن يستفيدوا من نبي الله موسى عليه السلام
منقول من موقع قصة الاسلام
طغت على اللغة الإعلامية المنتشرة الآن لغة الاتهام والهجوم، وطبيعي أن تلك السهام وهذا الهجوم ستتجه إلى الطرف الأضعف في معادلة القوة، خصوصًا والإعلام بطبيعته تعبير عن الطرف الأقوى؛ فلذا وبرغم أن الأمة تنتشر فيها المصائب والمشكلات كطابور يبدأ من الفقر والمرض وانحطاط كرامة الفرد ويصل ذروته بالاحتلال وفقد السيادة، إلا أن اللغة الإعلامية إذا كان ثمة هجوم فهو على " الشيوخ المنغلقين " أو " المقاومة العبثية " أو على "جماعة" لا تملك إلا أن تعد عدد معتقليها
ما ينبغي أن يلتفت إليه الدعاة والإصلاحيون والمجاهدون أمام هذا الهجوم المقصود، هو ألاَّ ينجروا للدفاع عن أنفسهم، والاضطرار إلى "شخصنة الموضوع".
لقد سجَّل القرآن الكريم حوارًا بين سيدنا موسى عليه السلام وفرعون، وحاول فيه فرعون بكل وسيلة أن يخرج من حوار الفكرة إلى اتهام الشخص، ولكن موسى عليه السلام استطاع في كل مرة أن يعيد الحوار إلى الفكرة، وأن يتجاوز محاولات " الشخصنة " هذه حتى انتصر .
لقد جاء موسى برسالة واضحة إلى فرعون " إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ " [الشعراء: 16-17].
ورغم أن فرعون يضطهد بني إسرائيل ويعذبهم، ورغم أن موسى لا يطلب منه لا ملكًا ولا سيادة ولا إعطاء الناس حقوقهم، بل فقط أن يسمح لهم بالخروج من هذه الأرض .. إلا أن فرعون ترك مضمون الفكرة (الرسالة، وإخراج بني إسرائيل)، وقال مهاجمًا موسى عليه السلام : " قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ " [الشعراء: 18-19].
فكانت أولى محاولات " شخصنة الموضوع "، لكن المشكلة الحقيقة أن سيدنا موسى فعلاً ارتكب هذه " الأخطاء " في حياته السابقة، وقد وضع الآن في مأزق " الفضل "، كما وضع في مأزق " البدعة "، فلقد لبث سنين من قبل دون أن تخطر له هذه " الأفكار الدخيلة ".
فكان أن دافع موسى عن نفسه دفاعًا بليغًا وقصيرًا، ولم ينه جملته حتى عاد بالحوار إلى موضوع الرسالة: صحيح أني فعلت هذا حين كنت ضالاًّ ( ولست كافرًا أو جاحدًا كما تدَّعي )؛ ولهذا هربت خائفًا لعلمي بأنه لا عدل في الحكم؛ " قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ " [الشعراء: 20-21].
وهنا انتهى دفاع موسى عن نفسه، ولكنه لم يتوقف هنا أبدًا بل عاد بالحوار إلى المضمون: وبعدها وهب لي ربي حكمًا وجعلني من المرسلين. لكن هل هذه نعمة تتفضل بها عليَّ، وما حدثت إلا لاضطهادك بني إسرائيل الذي جعل أمي تلقيني صغيرًا في النهر، ثم جعلني أهرب خائفًا من الظلم؟! " فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ " [الشعراء: 21-22].
فاضطر فرعون أن يعود إلى الفكرة، ولكنه قفز على اضطهاده لبني إسرائيل وسأل عمَّا ظن أنه يمكن أن يجادل فيه " قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ" [الشعراء: 23].
فأعطاه موسى جوابًا واضحًا وعمليًّا، ولم يحاول تقديم " تعريف نظري " أو أن يصف الله بما يمكن أن يدعيه فرعون " قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ "[الشعراء: 24].
وحاول فرعون -بلهجة ساخرة- ترك حوار الفكرة والرسالة والاستعانة بمن حوله " قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ " [الشعراء: 25]، فلم يمهل موسى أحدًا بل زاد في وصف الله بما لا يمكن أن يدعيه لا فرعون ولا أحدهم " قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ " [الشعراء: 26].
فعاد فرعون إلى "شخصنة" الحوار واتهام المتحدث " قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ " [الشعراء: 27]، ولكن موسى لا يدافع عن نفسه الآن ولا يلتفت لهذه المحاولة بل يستمر " قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " [الشعراء: 28].
وهنا لم يعد أمام فرعون إلا أن ينهي الحوار، وينتقل من قوة المنطق إلى منطق القوة " قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ" [الشعراء: 29]، فتأخذ الرسالة مرحلة أخرى، وهي مرحلة التحدي بالمعجزات والدخول في المواجهة.
إن معايشة هذا الحوار، وطريقة فرعون في إصراره على مهاجمة الشخص؛ لتؤكد بأنه منهج مستمر في تشويه المصلحين، تشويه يصل إلى استعمال كل الوسائل الدنيئة حتى التعيير بما لا سبب لهم فيه، كاستهزاء فرعون بثقل لسان موسى عليه السلام وقلة فصاحته حين نادى في قومه: " وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ " [الزخرف:51-52].
وعلى أية حال، فإن كان أهل الباطل استفادوا من منهج فرعون مباشرة أو عبر ما توحيه إليهم شياطينهم، فعلى أهل الحق أن يستفيدوا من نبي الله موسى عليه السلام
منقول من موقع قصة الاسلام
تعليق