من الشبهات التى بدأ النصارى يرددونها ويلقونها على عوام المسلمين اليوم هى الأية الكريمة فى أول سورة العلق التى يقول الله فيها ( إقرأ باسم ربك الذى خلق).
عرض الشبهة : يقول النصارى _ ذوى الذكاء اللا محدود _ إذا كان الملاك جبريل فى هذه الاية يأمر محمدا صلى الله عليه وسلم بالقراءة , فأين هى الصحيفة أو الكتاب الذى سيقرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم , على أساس أن كل مقروء لابد له من مكتوب حتى تتم قرءاته.
تدمير الشبهة وتفنيدها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقول ان جهل النصارى باللغة العربية , وقصر أياديهم فى إستيعاب علومها , وإدراك فنونها وسعة مجالاتها , يفضح جهلهم ويكشف قلة حيلتهم وتواضع معرفتهم بلغة القرءان العظيم.
وسنجيب على هذه الشبهه من عدة وجوه :
الوجه الاول: القرءاة تعنى الجمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لابد لجهال النصارى واشباههم أن يتتلمذوا على ايادينا كى نعرفهم أصول اللغة وسعة مرادفاتها ومعانيها.
فالاية الكريمة قالت ( إقرأ باسم ربك الذى خلق) والقرءاة فى اللغة العربية تعنى التلفظ بالشيء وجمعه بعضه على بعض.
لسان العرب لابن منظور(ومعنى قَرَأْتُ القُرآن: لَفَظْت به مَجْمُوعاً أَي أَلقيته.)
(وقَرَأْتُ الشيءَ قُرْآناً: جَمَعْتُه وضَمَمْتُ بعضَه إِلى بعض)
قلت : وهذا يثبت ان مجرد تلفظ النبى صلى الله عليه وسلم بأيات القرءان المجموعة الى بعضها البعض والمرتبة ترتيبا الهيا تعنى ايضا قراءتها, وهذا لا يستلزم ان يكون هناك صحيفة أو كتاب كى يقرأ منه.
والرسول صلى الله عليه وسلم قد جمع القران فى صدره , وهذا الجمع هو عين قراءة النبى صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن الأَثير: تكرّر في الحديث ذكر القِراءة والاقْتراءِ والقارِئِ والقُرْآن، والأَصل في هذه اللفظة الجمع، وكلُّ شيءٍ جَمَعْتَه فقد قَرَأْتَه.
قلت: ولأن الرسول لم يكن قد جمع القرءان فى صدره بعد , فإنه قال للملاك جبريل حينما امره بالقراءة ( ما انا بقاريء) أى ليس فى قلبى شيء أقرأه اليك.
جاء فى العباب الزاخر: وقَرَأْتُ الكتاب قِراءةً وقُرْآناً، ومنه سُمي القُرآن لأنه يجمع السَّور فيضُمّها، وقيل: سُمي به لأنه جُمِع فيه القصص والأمر والنَّهيُ والوعد والوعيد، وقال قُطْرب في أحد قوليْه: يقال قَرأتُ القرآن: أي لَفظْت به مجموعاً: أي القيتُه.
قلت والدليل القاطع المفحم على أن القراءة تعنى الجمع ما قاله الله تعالى ( إن علينا جمعه وقرءانه فإذا قرأناه فأتبع قرءانه) القيامة 17/18
جاء فى الصحاح فى اللغة: وقَرَأتُ الشيء قرآنا، جمعته وضممت بعضه إلى بعض.وقرأت الكتاب قراءة وقرآنا، ومنه سمِّي القرآن.
الوجه الثانى: القراءة تعنى البلاغ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجب على النصارى ايضا أن يدركو أن قراءة الشيء هى تبليغه وتوصيله من راسل إالى مرسل اليه عبر وسيط بينهما.
قال ابن منظور :( وقَرَأَ عليه السلام يَقْرَؤُه عليه وأَقْرَأَه إِياه: أَبلَغه ).
وفي الحديث: إِن الرّبَّ عز وجل يُقْرِئكَ السلامَ. يقال: أَقْرِئْ فلاناً السَّلامَ واقرأْ عَلَيْهِ السَّلامَ، كأَنه حين يُبَلِّغُه سَلامَه يَحمِلهُ على أَن يَقْرَأَ السلامَ ويَرُدَّه.
قلت : ومعنى الاية الكريمة ( إقرأ بأسم ربك الذى خلق) أى بلغ يا محمد ما انزل اليك من ربك , لان القرءان المقروء المبلغ من الله الى الناس من خلال سيدنا محمد هو التنزيل كما قال الله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)المائدة 67
الوجه الثالث: القراءة تعنى التلاوة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يدرك النصارى بسبب تواضع قدراتهم اللغوية ان قراءة القرءان ايضا تعنى تلاوته والتلاوة لا تقتضى ابدا ان يكون هناك شيئا مكتوبا تتلو منه , فكل المسلمين يتلون القرءان _ اى يقرأونه _ فى صلواتهم عن ظهر قلب دون الحاجة الى الكتاب نفسه.
جاء فى العباب الزاخر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أراد أن يقرأ القرآن غَضّاً كما أُنزِل فَلْيَقْرَأْهُ قراءة ابن أم عبد، معناه فَلْيَرَتِّلْ كترتيله أو يُحزِّن كتحزينه أو يَحْدُره كَحَدْرِه.
قلت : هذا دليل دامغ من فم النبى ان القراءة تعنى التلاوة ولا تستلزم ان تقرأ من شيء مكتوب , لأن إبن ام عبد لم يكن له قرءانا مكتوبا خاصا به يقرأ منه , وانما أراد الرسول من الصحابة أن يتلون القرآن كقراءة ابن ام عبد وذلك لصحتها وسلامة التلفظ بحروفها.
قال الشيخ عبد العزيز بن محمد السعيد فى تفسيره لسورة العلق: قال العلماء: إن المقروء إما أن يكون مقروء عن كتابة، وإما أن يكون مقروء عن تلاوة، فإذا لقَّنَه جبريل، وقرأ يسمى قارئا، وإذا قرأ من كتاب، فإنه يسمى قارئا، والمنفي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون قارئًا من كتاب أو كاتبًا في كتاب.
راجع التفسير على هذا الرابط: http://www.taimiah.org/Display.asp?f=part30-00025.htm
قلت : والتلاوة لغة هى القراءة
قال ابن منظور فى لسان العرب:وتَلَوْت القرآن تِلاوةً: قرأْته.
جاء فى القاموس المحيط: وتلى القرآنَ أو كُلَّ كَلامٍ تِلاوَةً، كَكِتابَةٍ: قَرَأْتُهُ.
قلت: وقد جاء فى القرءان الكريم ( الذين أتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) البقرة 121
قال العلامة إبن العثيمين رحمه الله فى تفسير الاية السابقة («التلاوة» تطلق على تلاوة اللفظ ــــ وهي القراءة ــــ)
راجع التفسير على الرابط التالى:
http://www.11emam.com/vb/showthread.php?t=2814:
قلت: إذن مجرد تلاوة المؤمنين للقرءان , فهى قراءة له حتى ولو لم يكن هناك صحيفه او كتاب يقرأون منهما .
الوجه الرابع: قراءة القرءان مكتوبة فى اللوح المحفوظ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
كما أن النصارى _ بجهلهم الفطرى_ تغافلوا عن عمد تلك الايات القرءانية التى تثبت ان جبريل عليه السلام حينما قال للنبى ( إقرأ بأسم ربك الذى خلق) , فإنه جاء بهذه الاية مكتوبة من اللوح المحفوظ . واللوح المحفوظ مسطور سطورا فى صورة مكتوبة كما قال الله تعالى ( والطور. وكتاب مسطور. فى رق منشور) الطور 1/3
ولا حجة للنصارى بعد هذه الاية أبدا, إذا انها تثبت أن ما جاء به جبريل كان مكتوبا فى اللوح المحفوظ , ولم يكن بلا مصدرا مدونا عليه كما يفترون.
الوجه الخامس: قراءة المكتوب تتقيد بذكر المصدر المقروء منه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا يعنى انه لكى تفهم القراءة بمعنى القراءة من شيء مكتوب , فلابد من ذكر المصدر ( سواء كان جريدة او كتاب أو صحيفة) الذى قرأت منه هذا الشيء.
مثال: قرأت فى جريدة الاخبار أن زلزالا ضرب هاييتى
هنا نعرف أن القراءة مصدرها من شيء مكتوب وهو جريدة الاخبار
أما لو أطلقت كلمة القراءة بصفة عامة_ دون ذكر المصدر_ , فقد يفهم منها العديد من المعانى .
مثلا : قرأت 9 آيات من سورة الانفال فى صلاة العشاء , فمعناها انك تلوتها حفظا وتسميعا, ولا تعنى انك امسكت بالمصحف المكتوب وتلوت منه هذه الايات.
مثال أخر: قرأت الفقه على يد الشيخ فلان ( أى تعلمته )
الوجه السادس : المعانى المجازية لكلمة قراءة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
وكلمة قراءة تحتمل عددا من المعانى المجازية , وهذه المعانى _ وإن كانت غير مفيدة فى هذا البحث_ إلا اننى ساوردها لكى أثبت للنصارى ان كلمة قراءة لا تستلزم القرءاة من شيء مكتوب , وان باب اللغة لكلمة قراءة يفيد العديد من المعانى الحقيقية وكذلك المجازية.
مثال(1): قرأت فى عينى الرجل المكر والشر
أى : شعرت ان الرجل يدبر مكرا وشرورا , وهذا بالطبع ليس بقراءة العينين لأن العينين لا يمكن قراءتهما.
مثال (2): بمجرد ان تكلم الرجل , قرأت مقصوده
أى : أدركت هدفه من الكلام
مثال(3): إستطاع الرجل الاصم ( الذى لا يسمع ) ان يقرأ ما قلته عنه بلسانى.
أى : إستطاع هذا الاصم ان يفهم ما قلته عنه ويترجم معانيه.
خاتمة البحث:اعتقد ان بعد هذه الوجوه التى اوردناها فى فهم معنى كلمة قراءة قد تبين لنا حقيقة المراد من قوله تعالى ( إقرا بأسم ربك الذى خلق) وأن القراءة لغة لا تشترط شيئا مكتوبا كما فهم جهال النصارى وأقزامهم , فباب اللغة واسع وليس كعقول النصارى الضيقة المحدودة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم بحمد الله
اخوكم : مجد الاسلام
نقلا عن منتدى جيسس عبد الله
تعليق