بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
هل الحقيقة مطلقة ام نسبية
يقول الدكتور محمد جابر الانصارى :( يجب أن يكون واضحاً في غاية الوضوح: أن المطلق مطلق، ولكن الفهم البشري والتفسير البشري لأي جانب من جوانب المطلق هو فهم نسبي" ) .(تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، د. محمد جابر الأنصاري، ص83). وهذا كلام خطير وعليه سوف يحدث اختلاف وتفاوت فى الاراء ووجهات النظر تؤدى بنا وتحتم علينا الاحتكام الى المطلق والثابت كقاضى محايد بينى وبين الطرف الاخر من قبل إن تحوم حوله الكثير من التأويلات و التفسيرات ووجهات النظر الشخصية (تحت الفهم النسبى) التى يمكن إن تجعل الحقيقة المطلقة نسبية أو تفقدها هويتها أو مذاقها ولا يمكن إن تكون الحقيقة كذلك الا بالنسبة للشخص نفسه لانه لو كان الفهم البشرى سوف يغير من وصف الحقيقة من الطلاقة الى النسبية فلن تكون هناك حقيقة انما اراء ووجهات نظر تحتمل الخطا حتى ولو سلمنا بانها صواب فالمهم ما تقوله الحقيقة لا ما يقوله الإنسان الا اذا توافق ما يقوله الإنسان مع ما تقوله الحقيقة وعلى ذلك لابد إن تكون هناك حقيقة مطلقة بجانب وجهة النظر التى تختلف من انسان الى اخر فتكون هناك الحقيقة وهناك وجهة النظر مع الفارق بينهما الذى يجب و يمكن إن يكتشف بسهولة عن طريق الثوابت والبديهيات والا فلن تقوم للحقيقة قائمة , يقول طيب تيزيني فى كتابه افاق فلسفية عربية معاصرة ( النسبية: هي الرأي الذي يقول بأن الحقيقة نسبية وتختلف من فرد إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر)
(افاق فلسفية عربية معاصرة، ص329)
ومن ذلك لا يمكن ان اصف الحقيقة بالنسبية ولا اصفها بالطلاقة الا اذا كانت متوافقة مع القيم والثوابت والبديهيات العقلية غير الخاضعة لوجهات النظر او النزوات والشطحات و الاهواء تحت عنوان الحجج والبراهين لا التفسيرات او التبريرات وبذلك نخرج الحقيقة من دائرة الفهم النسبى فتكون فى منأى عن الانقسام على الذات او الخلط بينها وبين وجهات النظر المريضة و اذا كانت الحقيقة مصدرها هو فم الانسان فقط فلن تخرج عن كونها هراء او سفسطة وجدال عقيم بدون اى شبهة للحقيقة بغض النظر عن الوصف او على احسن الاحوال وجهة نظر تحتمل الخطأ والصواب الا اذا استقبلتها ارضية العقل بل اضطراب واقبلت عليها الفطرة بلا نفور ويمكن ان نتيقن من ذلك اذا اعتبرنا قابلية الفطرة للتشوه وما يترتب على هذا التشوه من الحيود والضلال و رؤية الحق باطل والباطل حق وما يساعد ذلك من تكيف وعصبية وتقليد عن ثقة فى غير محلها الذى يمكن ان يترجم الى وجهات نظر تخدم الشر والشيطان تحت عنوان نسبية الحقيقة .
"فيجب ان نفصل بين الرأى والحقيقة فاذا قلنا مثلا الشمس تشرق كل يوم من الشرق وتغرب من الغرب: هذه حقيقة مؤكدة لا مجال للجدال فيها، أو على الأقل في ضوء معطياتنا العلمية الراهنة
بينما اذا قلنا الشمس أقل جمالاً من القمر: فهذه ليست بحقيقة مؤكدة وإنما هي مجرد رأي شخصي أو تأويل ذاتي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ وبالتالي فليس من حقي إجبار الآخرين على اعتناقه أو التصديق عليه وليس من حقي الادعاء بأنه حقيقة منزلة غير منازعة
وينسحب المنطق نفسه على الكثير من الأمور (الحقائق والآراء) في حياتنا، في الدين والعلم والأدب وفي سائر المجالات" (محمد على ثابت - الحوار المتمدن - العدد: 2442 - 2008 / 10 / 22
)
اما القول بنسبية الحقيقة فهو من اقال الفسوفسطائيون وغيرهم من اهل الضلال " كالبراجماتيون "
وعلى رأسهم كبيرهم الفيلسوف بروتاغوراس - الذين ظهروا في اليونان ما بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد ؛ حيث كانت اليونان تموج بمجموعة من الأفكار والمذاهب المتباينة المتنوعة ؛ فلجؤا لهذا القول في تأييد الآراء المتناقضة ؛ إما شكًا في الجميع ، أو للتخلص من جهد طلب الحقيقة .
يقول الدكتور علي سامي النشار: ( نسبية كل شيء قال بها بروتاغوراس السوفسطائي حين أراد أن ينقد أصول المعرفة "إن الإنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس وجود ما لا يوجد" ثم أخذ بهذا الشُكاك بعد، فطبقوها على الحد كما طبقوها على نواحي العلم كله، فلم تعد حقيقة من حقائق العلم ثابتة أو مستقرة، بل كل شيء –كما يقول هرقليطس- في تغير مستمر) . ( مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص 191 ) .
ويقول الدكتور عمر الطباع عن السوفسطائيين: (وكانت هذه الجماعة تنكر وجود حقائق ثابتة، وتدعي أن الحقيقة نسبية). (السلم في علم المنطق للأخضري، ص7 ) .
- ( لقد عبر بروتاغوراس زعيم السوفسطائيين عن فكرهم في كتابه "عن الحقيقة" الذي فُقد ولم تصلنا منه إلا شذرات قليلة يبدأها بقوله "إن الإنسان معيار أو مقياس الأشياء جميعاً" وفي هذه العبارة القصيرة تكمن الثورة الفكرية للسوفسطائيين في مختلف ميادين الفكر. إنها تعني بالنسبة لنظرية المعرفة أن الإنسان الفرد هو مقياس أو معيار الوجود، فإن قال عن شيء إنه موجود فهو موجود بالنسبة له، وإن قال عن شيء إنه غير موجود فهو غير موجود بالنسبة له أيضاً، فالمعرفة هنا نسبية، أي تختلف من شخص إلى آخر بحسب ما يقع في خبرة الإنسان الفرد الحسية، فما أراه بحواسي فقط يكون هو الموجود بالنسبة لي، وما تراه أنت بحواسك يكون هو الموجود بالنسبة لك، وهكذا ). (مدخل لقراءة الفكر الفلسفي عند اليونان، للدكتور مصطفى النشار، ص70 -71).
فتعاليمهم - كما يقول مؤلفا " قصة الفلسفة اليونانية - ( تعاليم هدامة لكل نظام اجتماعي ؛ للدين ، للأخلاق ، لكل نظم الدولة ) . ( ص 69) .
وللزيادة عن السوفسطائيين ؛ انظر : " تاريخ الفلسفة اليونانية " ليوسف كرم ، و " الفلسفة اليونانية : تاريخها ومشكلاتها " لأميرة مطر ( ص 115 ومابعدها ) ، و " تاريخ الفلسفة اليونانية " لماجد فخري ، و " التعريفات " للجرجاني ، و " قصة الإيمان " لنديم الجسر ( ص 36-37) ، و " فلسفة الأخلاق " للدكتور توفيق الطويل ( ص 47-49 ) ، و " مختصر تاريخ الفلسفة " للمختار بنعبد لاوي ( ص 13-14) ، و " الموسوعة الفلسفية " للدكتور عبدالمنعم الحفني ( 482 ومابعدها ) ، و " المعجم الفلسفي " للدكتور مراد وهبة ( ص 444 وما بعدها ) ، و" ربيع الفكر اليوناني " لبدوي ( 165-180) ، و" قصة الفلسفة اليونانية " ( ص 62-72) ، و مقال " السوفسطائيون " لزكي نجيب محمود ، مجلة الرسالة ، صفر ، 1353.
وفي العصر الحديث :
تلقف أصحاب المذهب " البراجماتي " هذه الفلسفة ؛ لأنها تناسب مذهبهم النفعي المصلحي المتلون :
- ( ليس من شك لدى أحد الآن أن بروتاجوراس هو الجد الأول للبراجماتيين المعاصرين؛ سواء على المستوى الفلسفي، أو على المستوى الحياتي؛ إذ لا يمكن فهم أقوال هؤلاء البراجماتيين معزولة عن آراء جدهم الأكبر ، فحينما يقول وليم جميس: "إن الحقيقي ليس سوى النافع الموافق المطلوب في سبيل تفكيرنا تماماً، كما أن الصواب ليس سوى الموافق النافع المطلوب في سبيل مسلكنا" و"أن المطلق ليس صحيحاً على أي نحو" . فهل يمكن أن نشك لحظة في أنه وأقرانه يمثلون بروتاغوراس العصر الحالي؟! لقد كان شيللر –وهو أحد كبار الفلاسفة البراجماتيين- على حق حينما كتب كتاب " why protagoras not plato معلناً أن بروتاغوراس هو جدهم الأول ) . (فلاسفة أيقظوا العالم، د. مصطفى النشار، ص 77).
- (إن المذهب البراجماتي حين يقرر أن مقياس صحة الأفكار يتوقف على نتائجها، فهو بذلك يجعل الحقيقة نسبية غير ثابتة، أي تتغير وفقاً للظروف وأحوال الأفراد والمجتمعات ) . (تطور الفكر الغربي، لمجموعة من الباحثين، ص 424).
- البراجماتية (تعيد إلى ذاكرة التاريخ نسبية السوفسطائية التي تزعم أن الفرد مقياس كل شيء). (أعلام الفلسفة الحديثة، د. رفقي زاهر، ص 171).
- ( الفلسفة البراجماتية تتلخص اليوم في أفكار موجزة ؛ من أشهرها : .. الحقائق نسبية ، ولايمكن الوصول إلى حقيقة مطلقة ) . ( مقال : الطريق إلى العقلية الأمريكية ، محمد فالح الجهني ، مجلة المعرفة ، شوال 1425). ( وانظر : قصة الفلسفة اليونانية ، ص 71).
واخيرا لو اعتبرا الحقيقة نسبية فلن يكون هناك وجهات النظر واذا اعتبرنا وجهات النظر فيجب إن تكون الحقيقة مطلقة و منفصلة عن الاراء الشخصية أو بمعنى اخر يجب إن يكون هناك حد فاصل بين الحقيقة ووجهات النظر ولا يمكن إن يكون هذا الحد محكوم بالانسان نفسه وخصوصا اذا اعتبرنا اهواءه ونزواته وما يحيط به من فساد و ضلال وغيرهما من الاشياء ذات التأثير السلبى و التى يمكن إن تشوشر على فطرته وتبعده عن الثوابت والقيم المستقلة والمنفصلة عن كل ذلك (النزوات والاهواء والتكيف مع الفساد) وعلى ذلك يجب إن تنسب الاشياء الى الحقيقة لا الحقيقة الى الاشياء والمقصود بالحقيقة هنا هو خلاصة ما توافق مع الثوابت والبديهيات العقلية ومكنون الحواشى الفطرية والالهام الالهى , ومن هذه الاشياء التى يجب إن تنسب الى الحقيقة هو القول نفسه بنسبية الحقيقة لانه لن يخرج عن كونه وجة نظر تحتمل الخطأ أو الصواب
فلا يمكن إن يكون الشىء جميلا وقبيحا فى نفس ذاته بل يمكن إن يكون قبيحا بالنسبة لشخص وجميلا بالنسبة للاخر اما بالنسبة لنفس الذات لا يمكن إن يكون الا شىء واحدا اما حسن واما قبيح وكل ما يهمنا هو حقيقة الذات و اذا كانت الحقيقة ليست كذلك فسوف تفقد ذاتيتها الى الابد
تقول قاعدة ديكارت المشهورة في الاستدلال على اليقين بالشك ( أنا أفكر ، فأنا إذن موجود ) . (مبادىء الفلسفة - ديكارت )
وهي تعبير عما قرره علماء المسلمين في المنطق والفلسفة ، من أنه توجد مجموعة معلومات يقينية قطعية عند كل إنسان ، هي رأسمال الانسان الفطري لكسب معلومات حديدة ..
ورأس المال هذه حقائق يقينية مطلقة ، مثل أنك موجود ، وأن الكل أكبر من الجزء ، وأن الكون مخلوق .. الخ.
أما نتائج تفكيرنا التي نحصل عليها بواسطة توظيف المعلومات وترتيبها لتوليد معلومات جديدة ( العمليات الذهنية والعقلية ) فقد تكون حقائق مطلقة وقد تكون نسبية ..
فالحقيقة المطلقة موجودة ، وهي الصواب الذي لا يحتمل الخطأ .. والحقيقة النسبية موجودة أيضا ، وهي الصواب الذي يحتمل الخطأ
.
فالعقل السليم يصدر حكما قطعيا على وجود الاشياء, بناء على مجموعة المعلومات اليقينية القطعية عند كل إنسان ، التى هي رأسمال الانسان الفطري لكسب معلومات حديدة و حكما ظنيا على تفسيرها بناء نتائج تفكيرنا التي نحصل عليها بواسطة توظيف المعلومات وترتيبها لتوليد معلومات جديدة ( العمليات الذهنية والعقلية ) فقد تكون حقائق مطلقة وقد تكون نسبية.
مثلا : حقيقة أن الكل أكبر من الجزء ، أمر ثابت على كل حال مادام الكل كلا والجزء جزءً .. في كل العلوم ، وفي كل العصور من آدم الى أن يرث الله الارض ومن عليها، ثم في الآخرة ..
إلا أن تنقلب طبيعتهما فلا يعودان كلا وجزء .
والحقائق الرياضية البسيطة ثابتة أيضا، مثل أن (2 + 2 = 4 ) فما دام العدد والجمع لهما هذا المعنى ، فالنتيجة ثابتة .. أما إذا تغير معنى العدد أو معنى الجمع ، فهو أمر آخر لا ينقض ثبات القاعدة ..
وأوضح من ذلك قاعدة : أن الشئ لا يمكن أن يكون موجودا وغير موجود في آن واحد في مكان واحد في ظروف واحدة .. وهوقاعدة استحالة التناقض ، وهي ثابتة في كل الحالات ، وبديهية عند كل إنسان مع توجد مع نمو عقله .. فعندما تعطي طفلك شيئا في يده ، ثم تأخذه من يده ، وتسأله أين هو ؟ لا يفتش عليه في يده ..
ولو قلت له : هو في يدك وليس فيها ، لم يقبل . لان عقله يحكم بأن التناقض مستحيل !!
إن هذه المجموعة من المعلومات الثابتة رأس مال موهوب من الله تعالى لكل إنسان ، وموهوب له معها قدرة على الاتجار فيها ، لكسب مجهولات جديدة .. بمايسمى عملية التفكير والاستدلال .. ومن هذه العملية ينتج الصح والخطأ، وتتولد الحقائق النسبية ، وليس من البديهيات .
اذن لا بد للانسان أن يؤمن بوجود حقائق مطلقة ثابتة في كل الاحوال.. وهي المسماة في علم المنطق بالبديهيات الاولية ( لا الثانوية)
مثلا عندما نريد الاستدلال على خلق لعالم نقول :
العالم متغير ، وكل متغير حادث ، فالعالم إذن حادث .
فقد استعملنا مقدمتين بديهيتين ، ووصلنا بهما الى نتيجة جديدة هي ربح يضاف الى معلوماتنا .
وهذا الربح - وهو هنا صحيح - قد يتطرق اليه الخطأ فتكون النتيجة صحيحة بنظرنا وليست كذلك في الواقع .. وهذه نسميها نسبية .
يتبع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
هل الحقيقة مطلقة ام نسبية
يقول الدكتور محمد جابر الانصارى :( يجب أن يكون واضحاً في غاية الوضوح: أن المطلق مطلق، ولكن الفهم البشري والتفسير البشري لأي جانب من جوانب المطلق هو فهم نسبي" ) .(تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، د. محمد جابر الأنصاري، ص83). وهذا كلام خطير وعليه سوف يحدث اختلاف وتفاوت فى الاراء ووجهات النظر تؤدى بنا وتحتم علينا الاحتكام الى المطلق والثابت كقاضى محايد بينى وبين الطرف الاخر من قبل إن تحوم حوله الكثير من التأويلات و التفسيرات ووجهات النظر الشخصية (تحت الفهم النسبى) التى يمكن إن تجعل الحقيقة المطلقة نسبية أو تفقدها هويتها أو مذاقها ولا يمكن إن تكون الحقيقة كذلك الا بالنسبة للشخص نفسه لانه لو كان الفهم البشرى سوف يغير من وصف الحقيقة من الطلاقة الى النسبية فلن تكون هناك حقيقة انما اراء ووجهات نظر تحتمل الخطا حتى ولو سلمنا بانها صواب فالمهم ما تقوله الحقيقة لا ما يقوله الإنسان الا اذا توافق ما يقوله الإنسان مع ما تقوله الحقيقة وعلى ذلك لابد إن تكون هناك حقيقة مطلقة بجانب وجهة النظر التى تختلف من انسان الى اخر فتكون هناك الحقيقة وهناك وجهة النظر مع الفارق بينهما الذى يجب و يمكن إن يكتشف بسهولة عن طريق الثوابت والبديهيات والا فلن تقوم للحقيقة قائمة , يقول طيب تيزيني فى كتابه افاق فلسفية عربية معاصرة ( النسبية: هي الرأي الذي يقول بأن الحقيقة نسبية وتختلف من فرد إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر)
(افاق فلسفية عربية معاصرة، ص329)
ومن ذلك لا يمكن ان اصف الحقيقة بالنسبية ولا اصفها بالطلاقة الا اذا كانت متوافقة مع القيم والثوابت والبديهيات العقلية غير الخاضعة لوجهات النظر او النزوات والشطحات و الاهواء تحت عنوان الحجج والبراهين لا التفسيرات او التبريرات وبذلك نخرج الحقيقة من دائرة الفهم النسبى فتكون فى منأى عن الانقسام على الذات او الخلط بينها وبين وجهات النظر المريضة و اذا كانت الحقيقة مصدرها هو فم الانسان فقط فلن تخرج عن كونها هراء او سفسطة وجدال عقيم بدون اى شبهة للحقيقة بغض النظر عن الوصف او على احسن الاحوال وجهة نظر تحتمل الخطأ والصواب الا اذا استقبلتها ارضية العقل بل اضطراب واقبلت عليها الفطرة بلا نفور ويمكن ان نتيقن من ذلك اذا اعتبرنا قابلية الفطرة للتشوه وما يترتب على هذا التشوه من الحيود والضلال و رؤية الحق باطل والباطل حق وما يساعد ذلك من تكيف وعصبية وتقليد عن ثقة فى غير محلها الذى يمكن ان يترجم الى وجهات نظر تخدم الشر والشيطان تحت عنوان نسبية الحقيقة .
"فيجب ان نفصل بين الرأى والحقيقة فاذا قلنا مثلا الشمس تشرق كل يوم من الشرق وتغرب من الغرب: هذه حقيقة مؤكدة لا مجال للجدال فيها، أو على الأقل في ضوء معطياتنا العلمية الراهنة
بينما اذا قلنا الشمس أقل جمالاً من القمر: فهذه ليست بحقيقة مؤكدة وإنما هي مجرد رأي شخصي أو تأويل ذاتي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ وبالتالي فليس من حقي إجبار الآخرين على اعتناقه أو التصديق عليه وليس من حقي الادعاء بأنه حقيقة منزلة غير منازعة
وينسحب المنطق نفسه على الكثير من الأمور (الحقائق والآراء) في حياتنا، في الدين والعلم والأدب وفي سائر المجالات" (محمد على ثابت - الحوار المتمدن - العدد: 2442 - 2008 / 10 / 22
)
اما القول بنسبية الحقيقة فهو من اقال الفسوفسطائيون وغيرهم من اهل الضلال " كالبراجماتيون "
وعلى رأسهم كبيرهم الفيلسوف بروتاغوراس - الذين ظهروا في اليونان ما بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد ؛ حيث كانت اليونان تموج بمجموعة من الأفكار والمذاهب المتباينة المتنوعة ؛ فلجؤا لهذا القول في تأييد الآراء المتناقضة ؛ إما شكًا في الجميع ، أو للتخلص من جهد طلب الحقيقة .
يقول الدكتور علي سامي النشار: ( نسبية كل شيء قال بها بروتاغوراس السوفسطائي حين أراد أن ينقد أصول المعرفة "إن الإنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس وجود ما لا يوجد" ثم أخذ بهذا الشُكاك بعد، فطبقوها على الحد كما طبقوها على نواحي العلم كله، فلم تعد حقيقة من حقائق العلم ثابتة أو مستقرة، بل كل شيء –كما يقول هرقليطس- في تغير مستمر) . ( مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص 191 ) .
ويقول الدكتور عمر الطباع عن السوفسطائيين: (وكانت هذه الجماعة تنكر وجود حقائق ثابتة، وتدعي أن الحقيقة نسبية). (السلم في علم المنطق للأخضري، ص7 ) .
- ( لقد عبر بروتاغوراس زعيم السوفسطائيين عن فكرهم في كتابه "عن الحقيقة" الذي فُقد ولم تصلنا منه إلا شذرات قليلة يبدأها بقوله "إن الإنسان معيار أو مقياس الأشياء جميعاً" وفي هذه العبارة القصيرة تكمن الثورة الفكرية للسوفسطائيين في مختلف ميادين الفكر. إنها تعني بالنسبة لنظرية المعرفة أن الإنسان الفرد هو مقياس أو معيار الوجود، فإن قال عن شيء إنه موجود فهو موجود بالنسبة له، وإن قال عن شيء إنه غير موجود فهو غير موجود بالنسبة له أيضاً، فالمعرفة هنا نسبية، أي تختلف من شخص إلى آخر بحسب ما يقع في خبرة الإنسان الفرد الحسية، فما أراه بحواسي فقط يكون هو الموجود بالنسبة لي، وما تراه أنت بحواسك يكون هو الموجود بالنسبة لك، وهكذا ). (مدخل لقراءة الفكر الفلسفي عند اليونان، للدكتور مصطفى النشار، ص70 -71).
فتعاليمهم - كما يقول مؤلفا " قصة الفلسفة اليونانية - ( تعاليم هدامة لكل نظام اجتماعي ؛ للدين ، للأخلاق ، لكل نظم الدولة ) . ( ص 69) .
وللزيادة عن السوفسطائيين ؛ انظر : " تاريخ الفلسفة اليونانية " ليوسف كرم ، و " الفلسفة اليونانية : تاريخها ومشكلاتها " لأميرة مطر ( ص 115 ومابعدها ) ، و " تاريخ الفلسفة اليونانية " لماجد فخري ، و " التعريفات " للجرجاني ، و " قصة الإيمان " لنديم الجسر ( ص 36-37) ، و " فلسفة الأخلاق " للدكتور توفيق الطويل ( ص 47-49 ) ، و " مختصر تاريخ الفلسفة " للمختار بنعبد لاوي ( ص 13-14) ، و " الموسوعة الفلسفية " للدكتور عبدالمنعم الحفني ( 482 ومابعدها ) ، و " المعجم الفلسفي " للدكتور مراد وهبة ( ص 444 وما بعدها ) ، و" ربيع الفكر اليوناني " لبدوي ( 165-180) ، و" قصة الفلسفة اليونانية " ( ص 62-72) ، و مقال " السوفسطائيون " لزكي نجيب محمود ، مجلة الرسالة ، صفر ، 1353.
وفي العصر الحديث :
تلقف أصحاب المذهب " البراجماتي " هذه الفلسفة ؛ لأنها تناسب مذهبهم النفعي المصلحي المتلون :
- ( ليس من شك لدى أحد الآن أن بروتاجوراس هو الجد الأول للبراجماتيين المعاصرين؛ سواء على المستوى الفلسفي، أو على المستوى الحياتي؛ إذ لا يمكن فهم أقوال هؤلاء البراجماتيين معزولة عن آراء جدهم الأكبر ، فحينما يقول وليم جميس: "إن الحقيقي ليس سوى النافع الموافق المطلوب في سبيل تفكيرنا تماماً، كما أن الصواب ليس سوى الموافق النافع المطلوب في سبيل مسلكنا" و"أن المطلق ليس صحيحاً على أي نحو" . فهل يمكن أن نشك لحظة في أنه وأقرانه يمثلون بروتاغوراس العصر الحالي؟! لقد كان شيللر –وهو أحد كبار الفلاسفة البراجماتيين- على حق حينما كتب كتاب " why protagoras not plato معلناً أن بروتاغوراس هو جدهم الأول ) . (فلاسفة أيقظوا العالم، د. مصطفى النشار، ص 77).
- (إن المذهب البراجماتي حين يقرر أن مقياس صحة الأفكار يتوقف على نتائجها، فهو بذلك يجعل الحقيقة نسبية غير ثابتة، أي تتغير وفقاً للظروف وأحوال الأفراد والمجتمعات ) . (تطور الفكر الغربي، لمجموعة من الباحثين، ص 424).
- البراجماتية (تعيد إلى ذاكرة التاريخ نسبية السوفسطائية التي تزعم أن الفرد مقياس كل شيء). (أعلام الفلسفة الحديثة، د. رفقي زاهر، ص 171).
- ( الفلسفة البراجماتية تتلخص اليوم في أفكار موجزة ؛ من أشهرها : .. الحقائق نسبية ، ولايمكن الوصول إلى حقيقة مطلقة ) . ( مقال : الطريق إلى العقلية الأمريكية ، محمد فالح الجهني ، مجلة المعرفة ، شوال 1425). ( وانظر : قصة الفلسفة اليونانية ، ص 71).
واخيرا لو اعتبرا الحقيقة نسبية فلن يكون هناك وجهات النظر واذا اعتبرنا وجهات النظر فيجب إن تكون الحقيقة مطلقة و منفصلة عن الاراء الشخصية أو بمعنى اخر يجب إن يكون هناك حد فاصل بين الحقيقة ووجهات النظر ولا يمكن إن يكون هذا الحد محكوم بالانسان نفسه وخصوصا اذا اعتبرنا اهواءه ونزواته وما يحيط به من فساد و ضلال وغيرهما من الاشياء ذات التأثير السلبى و التى يمكن إن تشوشر على فطرته وتبعده عن الثوابت والقيم المستقلة والمنفصلة عن كل ذلك (النزوات والاهواء والتكيف مع الفساد) وعلى ذلك يجب إن تنسب الاشياء الى الحقيقة لا الحقيقة الى الاشياء والمقصود بالحقيقة هنا هو خلاصة ما توافق مع الثوابت والبديهيات العقلية ومكنون الحواشى الفطرية والالهام الالهى , ومن هذه الاشياء التى يجب إن تنسب الى الحقيقة هو القول نفسه بنسبية الحقيقة لانه لن يخرج عن كونه وجة نظر تحتمل الخطأ أو الصواب
فلا يمكن إن يكون الشىء جميلا وقبيحا فى نفس ذاته بل يمكن إن يكون قبيحا بالنسبة لشخص وجميلا بالنسبة للاخر اما بالنسبة لنفس الذات لا يمكن إن يكون الا شىء واحدا اما حسن واما قبيح وكل ما يهمنا هو حقيقة الذات و اذا كانت الحقيقة ليست كذلك فسوف تفقد ذاتيتها الى الابد
تقول قاعدة ديكارت المشهورة في الاستدلال على اليقين بالشك ( أنا أفكر ، فأنا إذن موجود ) . (مبادىء الفلسفة - ديكارت )
وهي تعبير عما قرره علماء المسلمين في المنطق والفلسفة ، من أنه توجد مجموعة معلومات يقينية قطعية عند كل إنسان ، هي رأسمال الانسان الفطري لكسب معلومات حديدة ..
ورأس المال هذه حقائق يقينية مطلقة ، مثل أنك موجود ، وأن الكل أكبر من الجزء ، وأن الكون مخلوق .. الخ.
أما نتائج تفكيرنا التي نحصل عليها بواسطة توظيف المعلومات وترتيبها لتوليد معلومات جديدة ( العمليات الذهنية والعقلية ) فقد تكون حقائق مطلقة وقد تكون نسبية ..
فالحقيقة المطلقة موجودة ، وهي الصواب الذي لا يحتمل الخطأ .. والحقيقة النسبية موجودة أيضا ، وهي الصواب الذي يحتمل الخطأ
.
فالعقل السليم يصدر حكما قطعيا على وجود الاشياء, بناء على مجموعة المعلومات اليقينية القطعية عند كل إنسان ، التى هي رأسمال الانسان الفطري لكسب معلومات حديدة و حكما ظنيا على تفسيرها بناء نتائج تفكيرنا التي نحصل عليها بواسطة توظيف المعلومات وترتيبها لتوليد معلومات جديدة ( العمليات الذهنية والعقلية ) فقد تكون حقائق مطلقة وقد تكون نسبية.
مثلا : حقيقة أن الكل أكبر من الجزء ، أمر ثابت على كل حال مادام الكل كلا والجزء جزءً .. في كل العلوم ، وفي كل العصور من آدم الى أن يرث الله الارض ومن عليها، ثم في الآخرة ..
إلا أن تنقلب طبيعتهما فلا يعودان كلا وجزء .
والحقائق الرياضية البسيطة ثابتة أيضا، مثل أن (2 + 2 = 4 ) فما دام العدد والجمع لهما هذا المعنى ، فالنتيجة ثابتة .. أما إذا تغير معنى العدد أو معنى الجمع ، فهو أمر آخر لا ينقض ثبات القاعدة ..
وأوضح من ذلك قاعدة : أن الشئ لا يمكن أن يكون موجودا وغير موجود في آن واحد في مكان واحد في ظروف واحدة .. وهوقاعدة استحالة التناقض ، وهي ثابتة في كل الحالات ، وبديهية عند كل إنسان مع توجد مع نمو عقله .. فعندما تعطي طفلك شيئا في يده ، ثم تأخذه من يده ، وتسأله أين هو ؟ لا يفتش عليه في يده ..
ولو قلت له : هو في يدك وليس فيها ، لم يقبل . لان عقله يحكم بأن التناقض مستحيل !!
إن هذه المجموعة من المعلومات الثابتة رأس مال موهوب من الله تعالى لكل إنسان ، وموهوب له معها قدرة على الاتجار فيها ، لكسب مجهولات جديدة .. بمايسمى عملية التفكير والاستدلال .. ومن هذه العملية ينتج الصح والخطأ، وتتولد الحقائق النسبية ، وليس من البديهيات .
اذن لا بد للانسان أن يؤمن بوجود حقائق مطلقة ثابتة في كل الاحوال.. وهي المسماة في علم المنطق بالبديهيات الاولية ( لا الثانوية)
مثلا عندما نريد الاستدلال على خلق لعالم نقول :
العالم متغير ، وكل متغير حادث ، فالعالم إذن حادث .
فقد استعملنا مقدمتين بديهيتين ، ووصلنا بهما الى نتيجة جديدة هي ربح يضاف الى معلوماتنا .
وهذا الربح - وهو هنا صحيح - قد يتطرق اليه الخطأ فتكون النتيجة صحيحة بنظرنا وليست كذلك في الواقع .. وهذه نسميها نسبية .
يتبع
تعليق