بسم الله الرحمن الرحيم
هل العلمانية حتمية ؟
العلمانية عند ثلة من المفكرين ليست خياراً إيديولوجياً بقدر ما هي واقع تاريخي موضوعي في آن ( ) ، وهذا يعني أنها ظاهرة حتمية لا مرد لها ( ) ، أو ظاهرة طبيعية كالزلزال والبراكين ، وهي واقعة لا محالة ، لأن الغرب هو السائق والقطار تحرك ( )، ولذلك ينصحنا دعاتهـا أن نكف عن المقـاومـة والمواجهـة لأن هـذا لن ينفعنـا ولن يجدينا شيئاً فالتيـار جارف ( ) .
ولكن السؤال : لماذا هذه الوثوقية المطلقة في تأكيد حتمية العلمانية ، ولماذا هذه المصادرة على التاريخ والمستقبل ؟
الإجابة : من منظور علماني تتمثل في كون الدراسات الأوربية والأمريكية المتطورة اعتبرت العلمانية واقعاً مُسلَّماً به ولا يختلف في ذلك اثنان ، واعتبرت العلمانية أمراً محسوماً أو يكاد ( ).!! وما دامت – أمريكا – قالت فقد صدقت !!!.
أما نحن فلا نزال نسمع نداءات تعتبر العلمانية أمراً مدسوساً ( ) ، ولا يزال الحديث عن العلمانية في واقعنا العربي يجلب التهم بالوقوع تحت هيمنة الغزو الغربي ، ويغلب على الكتابات الإسلامية المنطق العدائي ، والأفكار المتشنجة ، ومعالجـات يغلب عليها الخطاب الاحتفـالي ويلاحظ ذلك فيما يكتبه أنور الجندي ، وعماد الدين خليل ، ومحمد مهدي شمس الدين ومحسن الميلي ( ) ، هذا " النوع من المفكرين الإسلامـويين " !! ( ) الذين يستبطنـون مواقف " أيديولوجية " عن العلمانية ( ) .
ولكي يدعم الفكر العلماني رؤيته في حتمية الظاهرة العلمانية يبحث في الواقع الاجتماعي عما يؤكد ذلك :
لقد قال قاسم أمين قبل مائة سنة : "" وكل ناظر في أحوال هيئتنا الاجتماعية الحاضرة يجد فيها ما يدل على أن النساء عندنا قطعن دور الاستعباد ، ولم يبق بينهن وبين الحرية إلا حجاب رقيق إذ يرى :
- شعوراً جديداً عند المصريين بالحاجة إلى تربية بناتهم بعد أن كن جاهلات .
- انزواء ظاهرة الحجاب وتلاشيها شيئاً فشيئاً .
- تراجع الشبان عن الزواج على الطريقة التقليدية وتأففهم من الفصل بينهم وبين مخطوباتهم .
- اهتمام الحكومة وبعض أبناء البلاد وفي مقدمتهم صاحب الفضيلة الشيخ محمد عبده بإصلاح المحاكم الشرعية "" ( ) .
وعبر طـه حسين عن أثر العلمانية في الحياة المصرية عندما قال : "" حياتنا المادية أوربية خالصة في الطبقات الراقية وهي في الطبقات الأخرى تختلف قرباً وبعداً من الحياة الأوربية باختلاف قدرة الأفراد والجماعات ..."" ( ) .
هكذا وصف دعاة العلمانية الحال في الربع الأول من القرن العشرين فما حالها عند دعاتها اليوم ؟
"" العلمنة تكتسح اليوم تحت غطاء ديني وشعارات دينية كل أرض الإسلام ولا أحد يعلم ذلك "" ( ) والأمارات الدالة على العلمانية في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بينة أكثر من أي وقت مضى مثل تولي المحاكم المدنية لزمام القضاء ، وإزاحة المحاكم الشرعية عن مركز الصدارة وتهميشها ( ) .
وتعلْمَن الزمان باستخدام التقويم الشمسي بدلاً من التقويم القمري المرتبط بالشعائر والطقوس ، وتَعلْمَن المكان بحيث أصبح الاعتبار للوطن والقومية بدلاً من الدين ، وتَعلْمَنت المعرفة عندما استندت إلى الطبيعة والتاريخ بدلاً من الكتب المقدسة كمرجعيات ، وتعلمنت السلطة السياسية عندما اعتَبر الدستور المشاركة الشعبية بدلاً من الاستخلاف في الأرض( ).
حصل هذا لدينا عندما استبدلنا المحاميين والقضاة والأساتذة المدنيين بالشيوخ والفقهاء وقضاة الشرع ، والمكاتب الرشدية بالمدارس الشرعية والكتاتيب ، ثم بالمدارس والجامعات ، وعندما اعتمدنا أسساً لمعارفنا العقلية العلوم الطبيعية والتاريخية والجغرافية بدلاً من الركون إلى المعرفة بالجن والعفاريت والزقوم ويأجوج ومأجوج ، وموقع جبل قاف !! ، والتداوي بالرقي والطلاسم والأسماء الحسنى ( ) .
حصل هذا عندما أقمنا نُظُماً قضائية تتناسب وحياة العصر وسنن الرقي ، بإلغاء أحكام الردة في الدولة العثمانية في عام 1858م وقبول شهادة الذميين في السنة نفسها ، واعتبار المسلم غير العثماني بحكم الأجنبي ، وإلغاء الجزية ، وتجنيد الأقبـاط في الجيش المصـري ابتـداء من عام 1855 م ( ) .
كما يتضح الاكتساح العلماني لمجتمعاتنا فيما نلاحظه من شيوع النماذج الغربية في وسائل الإعلام ، والمبادلات التجارية ، والمواصلات ، والسياحة ، وكل المظاهر المادية ، ويتبع ذلك كثيراً من القيم الجديدة ، وبروز الخلل واضحاً بين الاستمساك بالأنماط التقليدية في شؤون الحياة والعيش ، وبين ما نلاحظه من إقبال على التغرب بكل أشكاله الملازمة لحياتنا ( ) .
ولعل أهم المرتكزات التي تؤكد اجتياح العلمنة لحياتنا هو انقراض المدرسة القرآنية التقليدية التي كانت قائمةً في المساجد ، وظهور نظام التعليم الغربي ( ) ، بدلاً من نظام التعليم العتيق في الكتاتيب والمدارس القرآنية والجوامع ( ) .
كل هذا يؤكد – في المنظور العلماني - أن مسار العلمنة يفعل فعله في المجتمعات الإسلامية كأعمق ما يكون الفعل ، وأن العلمنة ما فتئت تغزو المجتمعات العربية في العمق ، وبصفة ثابتة لا رجعة فيها على المدى الطويل ، المدى الوحيد الذي تعترف به الحضارة ( ) . كما يؤكد "" أن الإسلام قد فقد بعدُ قسماً كبيراً من قيمة تفسيره للكون ، وهو من جهة أخرى في هذا المستوى يعيش نفس المشاكل التي تعيشها سائر الديانات التي أصبح اعتناقها ينزع شيئاً فشيئاً إلى أن يكون اختياراً قلقاً "" ( ) .
يتبع
هل العلمانية حتمية ؟
العلمانية عند ثلة من المفكرين ليست خياراً إيديولوجياً بقدر ما هي واقع تاريخي موضوعي في آن ( ) ، وهذا يعني أنها ظاهرة حتمية لا مرد لها ( ) ، أو ظاهرة طبيعية كالزلزال والبراكين ، وهي واقعة لا محالة ، لأن الغرب هو السائق والقطار تحرك ( )، ولذلك ينصحنا دعاتهـا أن نكف عن المقـاومـة والمواجهـة لأن هـذا لن ينفعنـا ولن يجدينا شيئاً فالتيـار جارف ( ) .
ولكن السؤال : لماذا هذه الوثوقية المطلقة في تأكيد حتمية العلمانية ، ولماذا هذه المصادرة على التاريخ والمستقبل ؟
الإجابة : من منظور علماني تتمثل في كون الدراسات الأوربية والأمريكية المتطورة اعتبرت العلمانية واقعاً مُسلَّماً به ولا يختلف في ذلك اثنان ، واعتبرت العلمانية أمراً محسوماً أو يكاد ( ).!! وما دامت – أمريكا – قالت فقد صدقت !!!.
أما نحن فلا نزال نسمع نداءات تعتبر العلمانية أمراً مدسوساً ( ) ، ولا يزال الحديث عن العلمانية في واقعنا العربي يجلب التهم بالوقوع تحت هيمنة الغزو الغربي ، ويغلب على الكتابات الإسلامية المنطق العدائي ، والأفكار المتشنجة ، ومعالجـات يغلب عليها الخطاب الاحتفـالي ويلاحظ ذلك فيما يكتبه أنور الجندي ، وعماد الدين خليل ، ومحمد مهدي شمس الدين ومحسن الميلي ( ) ، هذا " النوع من المفكرين الإسلامـويين " !! ( ) الذين يستبطنـون مواقف " أيديولوجية " عن العلمانية ( ) .
ولكي يدعم الفكر العلماني رؤيته في حتمية الظاهرة العلمانية يبحث في الواقع الاجتماعي عما يؤكد ذلك :
لقد قال قاسم أمين قبل مائة سنة : "" وكل ناظر في أحوال هيئتنا الاجتماعية الحاضرة يجد فيها ما يدل على أن النساء عندنا قطعن دور الاستعباد ، ولم يبق بينهن وبين الحرية إلا حجاب رقيق إذ يرى :
- شعوراً جديداً عند المصريين بالحاجة إلى تربية بناتهم بعد أن كن جاهلات .
- انزواء ظاهرة الحجاب وتلاشيها شيئاً فشيئاً .
- تراجع الشبان عن الزواج على الطريقة التقليدية وتأففهم من الفصل بينهم وبين مخطوباتهم .
- اهتمام الحكومة وبعض أبناء البلاد وفي مقدمتهم صاحب الفضيلة الشيخ محمد عبده بإصلاح المحاكم الشرعية "" ( ) .
وعبر طـه حسين عن أثر العلمانية في الحياة المصرية عندما قال : "" حياتنا المادية أوربية خالصة في الطبقات الراقية وهي في الطبقات الأخرى تختلف قرباً وبعداً من الحياة الأوربية باختلاف قدرة الأفراد والجماعات ..."" ( ) .
هكذا وصف دعاة العلمانية الحال في الربع الأول من القرن العشرين فما حالها عند دعاتها اليوم ؟
"" العلمنة تكتسح اليوم تحت غطاء ديني وشعارات دينية كل أرض الإسلام ولا أحد يعلم ذلك "" ( ) والأمارات الدالة على العلمانية في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بينة أكثر من أي وقت مضى مثل تولي المحاكم المدنية لزمام القضاء ، وإزاحة المحاكم الشرعية عن مركز الصدارة وتهميشها ( ) .
وتعلْمَن الزمان باستخدام التقويم الشمسي بدلاً من التقويم القمري المرتبط بالشعائر والطقوس ، وتَعلْمَن المكان بحيث أصبح الاعتبار للوطن والقومية بدلاً من الدين ، وتَعلْمَنت المعرفة عندما استندت إلى الطبيعة والتاريخ بدلاً من الكتب المقدسة كمرجعيات ، وتعلمنت السلطة السياسية عندما اعتَبر الدستور المشاركة الشعبية بدلاً من الاستخلاف في الأرض( ).
حصل هذا لدينا عندما استبدلنا المحاميين والقضاة والأساتذة المدنيين بالشيوخ والفقهاء وقضاة الشرع ، والمكاتب الرشدية بالمدارس الشرعية والكتاتيب ، ثم بالمدارس والجامعات ، وعندما اعتمدنا أسساً لمعارفنا العقلية العلوم الطبيعية والتاريخية والجغرافية بدلاً من الركون إلى المعرفة بالجن والعفاريت والزقوم ويأجوج ومأجوج ، وموقع جبل قاف !! ، والتداوي بالرقي والطلاسم والأسماء الحسنى ( ) .
حصل هذا عندما أقمنا نُظُماً قضائية تتناسب وحياة العصر وسنن الرقي ، بإلغاء أحكام الردة في الدولة العثمانية في عام 1858م وقبول شهادة الذميين في السنة نفسها ، واعتبار المسلم غير العثماني بحكم الأجنبي ، وإلغاء الجزية ، وتجنيد الأقبـاط في الجيش المصـري ابتـداء من عام 1855 م ( ) .
كما يتضح الاكتساح العلماني لمجتمعاتنا فيما نلاحظه من شيوع النماذج الغربية في وسائل الإعلام ، والمبادلات التجارية ، والمواصلات ، والسياحة ، وكل المظاهر المادية ، ويتبع ذلك كثيراً من القيم الجديدة ، وبروز الخلل واضحاً بين الاستمساك بالأنماط التقليدية في شؤون الحياة والعيش ، وبين ما نلاحظه من إقبال على التغرب بكل أشكاله الملازمة لحياتنا ( ) .
ولعل أهم المرتكزات التي تؤكد اجتياح العلمنة لحياتنا هو انقراض المدرسة القرآنية التقليدية التي كانت قائمةً في المساجد ، وظهور نظام التعليم الغربي ( ) ، بدلاً من نظام التعليم العتيق في الكتاتيب والمدارس القرآنية والجوامع ( ) .
كل هذا يؤكد – في المنظور العلماني - أن مسار العلمنة يفعل فعله في المجتمعات الإسلامية كأعمق ما يكون الفعل ، وأن العلمنة ما فتئت تغزو المجتمعات العربية في العمق ، وبصفة ثابتة لا رجعة فيها على المدى الطويل ، المدى الوحيد الذي تعترف به الحضارة ( ) . كما يؤكد "" أن الإسلام قد فقد بعدُ قسماً كبيراً من قيمة تفسيره للكون ، وهو من جهة أخرى في هذا المستوى يعيش نفس المشاكل التي تعيشها سائر الديانات التي أصبح اعتناقها ينزع شيئاً فشيئاً إلى أن يكون اختياراً قلقاً "" ( ) .
يتبع
تعليق