السّلامُ عليكُم و رحمةُ اللهِ و بركاتُه
هذه يا اخواني نبذة بسيطة عن تاريخ الصِراع بين الاسلام و النصرانية منقول بتصرف يسير مِن كِتاب الدكتور راغِب السرجاني " قِصّة الحروب الصليبية مِنَ البِداية الي عَهد عِماد الدين زنكي " مِن صفحة 12 الي 25
قبيل البعثة النبوية كانت القوة المسيحية ممثلة أساساً في الدولة البيزنطية أو ما يُعرَف بالامبراطورية الرومانية الشرقية , و ذلِكَ بَعدَ سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية سنة 476 م ( قبلَ ميلاد الرسول بمائة عام تقريباُ )
و كانت الدولة الرومانية الشرقية تُسيطِر علي شرق أوروبا بكامِله , اضافةً الي الأناضول , و فوقَ ذلِكَ فانهـا كانت تَحتل بِلاد الشام و مصر و شمال افريقيا فصارت بِذلِك أعظم دولة في العالم , و لقد عُرِفَ البحر الأبيض المُتوسِط ببحر الروم لأنَّ الأملاك الرومانية تُحيط بِه مِن كُل جانِب
و كانَ المسيحيون في خارِج الدولة البيزنطية لا يُمثِلون كياناً كبيراً الا في بِقاع مُتفرِقة
غرب أوروبا : انجلترا , فرنسا , اسبانيا , ألمانيا , ايطاليا
افريقيا : الحبشة أساساً
الجزيرة العربية : نصاري الشام مِنَ العَرب ( الغساسنة , تغلِب … ) , نصاري اليمن و نجران
آسيا : لم يكُن فيهـا نصاري تقريباً
الصِراع بينَ الاسلام و النصرانية حتي القرن الثاني الهـجري
ثُمَّ ظهـرت الدعوة الاسلامية في بدايات القرن السابِع الميلادي و هـي دعوة للناس كافة يقول الله سبحانه و تعالي " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "
و يقول الرسول صلي الله عليه و سَلَم" و كانَ النبيُّ يُبعَث الي قومِه خاصَّةً و بُعثتُ الي الناسِ عامة " (1)
استلزَم ذلِك أن يُرسِل رسول الله صلي الله عليه و سَلَم الرسائل الي ملوك و أمراء العالم و ذلِكَ في بدايات العام السابِع الهـجري بعد صُلح الحُديبية و أهـمهـم هـرقل قيصر الروم , النجاشي ملك الحبشة و المقوقس زعيم مصر (2)
و معَ يقين هـرقل بِصدق النبوة كما سيظهـر مِن حواره مع أبي سُفيان الا أنه لم يؤمِن (3) و ذلِكَ حِفاظاً علي مُلكه , بل سنراه بعدَ ذلِكَ يُجهـز الجيوش لِحرب المُسلمين عِدَّة سنوات
كذلِكَ حدثَت عِدَّة تطورات في العِلاقة الاسلامية المسيحية عِندما قُتِلَ بعض رُسُل رسول الله صلي الله عليه و سَلَّم الي زُعماء النصاري و تحديداً الحارِث بن عُمير الأزديّ رضي الله عنه الذي قتله شرحبيل بن عمرو الغسَّاني (4) مما أدّي الي الصِدام العسكري الأول بينَ المُسلمين و النصاري في موقِعة مؤتة عام 8 مِن الهـجرة التي انتهـت بتراجُع الرومان و كذلِكَ انسحاب خالد بن الوليد بالجيش - الذي تولي قيادته بعد استشهـاد زيد بن حارِثة و جعفر بن أبي طالِب و عبد الله بن رواحة – مُكتفياً بزوال هـيبة الجيش النورماني العِملاق (5) و أُتبِعَ ذلِك ببوادِر صِدام ضخم لم يتِم و ذلِكَ في تبوك سنة 9 هـجرية حيثُ انسحبت الجيوش الرومانية و لم يحدُث قِتال و ظهـرَ للعيان قوة الدولة الاسلامية الناشئة (6) و لم تكُن كُل العِلاقة الاسلامية المسيحية عِلاقة حروب بل كانت هـناك علاقات أُخري كثيرة مِنَ التعايُش و التعاهـد , مِثلما حَدَثَ معَ الحبشة و نصاري نجران و نصاري أيلة و غير ذلِك
و لكِن وضح في الصورة أنَّ الدولة البيزنطية ستحمِل لواء الصِراع مع المُسلمين في القرون المُقبِلة
ثُمَّ كانَ الصِدامُ مُباشِراً و قوياً أيام خِلافة الصديق ثم عُمَر رضي الله عنهـم و كانت المعارِك الشهـيرة التي انتصَرَ فيهـا المُسلِمون مِثلَ أجنادين و بيسان (7)
ثُمَّ موقعة اليرموك الكُبري ثمَّ فَتح دِمشق و حِمص و حماة ثم فتح بيت المقدس علي أيدي المُسلمين و بالتالي فتح كُل مُدُن فلسطين و لبنان و سوريا و أجزاء مِن تركيا كل ذلِك في غضون سبع سنوات فقط حيثُ بدأت هـذهِ المعارِك في 12هـ - 633م و سقطت قيصرية سنة 19هـ – 640م و هـي أكبر معاقِل الدولة البيزنطية جنوب جِبال طوروس (8)
تُمَّ تطور الصِدام ليكسب المُسلِمون جولة ثانية مُهـمة جِداً بعد الشام و فِلسطين و هـي مصر حيثُ انتصر المُسلِمون علي جيوش الرومان التي احتلت مِصر أكثر مِن تسعمائة سنة فكان الفتح الاسلامي بقيادة عمرو بن العاص في سنة 20هـ – 641م ثم وصلت الفُتوح بعدَ ذلِكَ الي برقة بليبيا سنة 22هـ – 643م (9)
و في جولة جديدة و حلقة أخري مِن حلقات الصِراع وصَلَ المُسلِمون الي شمال افريقيا في زمن الخِلافة الأموية أيام مُعاوية بن أبي سُفيان حيثُ قامَ عُقبة بن نافِع بفتح تونس سنة 43هـ-664م و دارت حروب شتي بينَ المُسلمين مِن جهـة و الدولة البيزنطية مشتركة مع البربر مِن جهـة أخري انتهـت بضم كُل شمال افريقيا للدولة الاسلامية و دخول البربر بأعداد كبيرة في الاسلام (10)
ثُمَّ فُتِحَت في سنة 92هـ – 711م جبهـة جديدة لحرب الصليبيين حيثُ فُتِحَت الأندلُس بقيادة موسي بن النُصير و طارق بن زياد (11) و أتمَّ المُسلِمون السيطرة عليهـا في غضون ثلاثة سنوات و نِصف بل و جوَّزوهـا الي فرنسا و دارت هـناك معارِك كثيرة اقتسم فيهـا الفريقان النصر و ان كانَ النصر في النهـاية حليف الصليبيين في موقعة بلاط الشُهـداء في فرنسا سنة 114هـ – 732م (12) التي أوقفت المد الاسلامي في أوروبا و نشأت بعض الممالِك النصرانية في شمال الأندلُس أهـمهـا ليون و قشتالة و أراجون ثم البرتُغال بعد ذلِك و دارت بينهـم و بين المُسلمين حروب مُتعددة علي مدار عِدَّة قرون
و بِذلِكَ نشأت جبهـتان للصِراع بينَ الأمة الاسلامية و نصاري أوروبا
أما الجبهـة الأولي فهـي بينَ الدولة الاسلامية في المشرِق مُتمثِلةً في الخِلافة الأموية ثُمَّ العباسية ضِدَّ الدولة البيزنطية
و أمَّا الجبهـة الثانية فكانت بينَ الدولة الاسلامية في الغرب و هـي الأندلُس و بينَ الممالِك النصرانية في شمال الأندلُس متعاونةً كثيراً مع فرنسا و أحياناً مع انجلترا و ألمانيا و ايطاليا
و حيثُ كانت الخِلافة الأموية تتخِذ مِن بِلاد الشام مركزاً لهـا فان الحروب بينهـا و بينَ الدولة البيزنطية كانت كثيرة بل كانت هـناك مُحاولات حقيقية لِفتح القُسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية و لكِن كُلهـا لم تُفلِح (13)
العبَّاسيون و الهـدوء الحذِر
و في عهـد الدولة العبَاسية الذي بدأ مِن سنة 132هـ – 750م خَفَّت الي حد كبير حِدَّة الصِراع بين الدولة الاسلامية و البيزنطية و ذلِكَ لأنَّ الدولة العبّاسية اتخذت مِن بغداد و العِراق مركزاً لهـا و بالتالي صارَ قَلب العالم الاسلامي بعيداً نسبياً عَن الدولة البيزنطية (14) و ان كانت الحروب لم تتوقف و كانَ ميدانُهـا في غالِب الأحيان أرض آسيا الصُغري و مِن أشهـر الصِدامات تخريب الدولة البيزنطية لمدينة زبطرة (15) مسقط رأس الخليفة العبَّاسي المُعتصِم و ذلِكَ في سنة 223هـ – 838م ثم حَدَثَ بعدَ ذلِكَ الانتصار الاسلامي بفتح عَمُّورِيَّة مسقط رأس الامبراطور البيزنطي ثيوفيل سنة 223هـ – 838م (16)
ثًمَّ شهـدت الدولة الاسلامية ابتداءاً مِن مُنتصف القرن الثالِث الهـجري ( مُنتصف القرن التاسِع الميلادي ) تدهـوراً ملحوظاً و ظهـرت دويلات مُختلِفة بداخِلهـا و منهـا مثلاً : الدولة الغزنوية و الدولة السامانية و الدولة الزيارية و الدولة الحمدانية و الدولة البويهـية و الدولة الاخشيدية و غيرهـا مِن الدول (17)
و هـكذا ضعفت الشوكة و أدّي ذلِكَ الي أن بدأت الدولة البيزنطية تقف موقفاً حازِماً مِن المُسلمين حتي في بداية القرن الرابِع الهـجري ( العاشِر الميلادي ) ضمت مُعظَم مُدُن الجزيرة تحت سيطرة وهـكذا ضعفت الشوكة ، وأدى ذلك إلى أن بدأت الدولة البيزنطية تقف موقفًا حازمًا من المسلمين ، حتى إنهـا في بداية القرن الرابع الهـجري ( العاشر الميلادي ) ضَمَّت مُعظَم مُدُن الجزيرة تحت السيطرة البيزنطية ، ثم سَقَطَت الجُزُر التي كان المُسلِمون قد سيطروا عليهـا في البحر الأبيض المتوسط مثل كريت وقبرص وذلك في سنة 350هـ - 961م مما أعاد للأساطيل البيزنطية السيطرة من جديد على البحر الأبيض المتوسط ، ثم حدث أمر كبير في سنة 358هـ - 969م حيثُ سقطت أنطاكية ، وهــي من أهــم المدن في يد البيزنطيين ، وكان لهــذا دويٌّ هائل في العالمين الإسلامي والمسيحي (18)
انكسار الشوكة الاسلامية
ثم حدث أمر ضخم في الأمة الإسلامية حيث سَقَطَت مِصر تحت سيطرة الدولة العُبيديّة الشيعية المعروفة بالفاطمية، وذلك في سنة 358هـ - 969م (19)
وبذلك إنقسم العالم الإسلامي إلى قسمين كبيرين وهـما : الخِلافة العبَّاسية السُّنِّية الضعيفة التي وقعت تحت سيطرة دولة بني بويه الشيعية ، والدولة الفاطمية الشيعية التي تسيطر على شمال إفريقيا ومصر وأجزاء من الشام .. وهـكذا إزدادت الأمة الإسلامية ضعفًا وفُرقة ، وهـذا أعطى للدولة البيزنطية الفرصة لكي تزداد جرأة في حربهـا للأمة الإسلامية ، فكان النِصف الثاني من القرن الرابع الهـجري ( النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي) ميدانًا واسعًا للبيزنطيين ، إجتاحوا فيهِ أعالي الشام والعراق ، حتى وصل الأمر إلى أن دفعت الموصل وميافارقين وديار بكر ، بل وحمص ودمشق الجزية للإمبراطور البيزنطي حنا شمشقيق (تزمستكيس) (20)
ومن الجدير بالذكر أن هـذهِ الحملة الأخيرة للإمبراطور البيزنطي كانت تستهـدف بيت المقدس إلا أنه لم يستطع الوصول له ، وكانت تفيض من كلماته ورسائله العبارات الدينية التي تؤكد الروح الصليبية التي كان مشحونًا بهـا في حربه (21)
وهـذا الوجود البيزنطي في بلاد الشام وأنطاكية سيفسِّر النزاع المستقبلي الذي سيدور بينهـم وبين الصليبيين الغربيين حول الحق الشرعي فيامتلاك هـذهِ الأراضي والمدن
أما القرن الخامسالهـجري( الحادي عشر الميلادي ) فقد شهـد نموًّا للدولة الفاطمية وتراخيًا من الدولة البيزنطية ؛ نتيجة انشغالهـم بحرب البلغار وأيضًا لإنشغالهـم بضم بمملكةأرمينية النصرانية التي كانت قد بلغت حدًّا مغريًا من الرخاء والتقدم شجَّع البيزنطيين على بذل الجهـد لضمهـا وهـذا أدى إلى أن بسطت الدولة الفاطمية سيطرتهـا على معظم الشام باستثناء حلب وأنطاكية .
وفي هـذا القرن الخامس الهـجري أيضًا ظهـرت دولة السلاجقة الإسلامية العظيمة ، وكان لهـا دور كبير في الصراع الإسلامي النصراني
كان هـذا هـو الوضع في المشرق الإسلامي من بداية البعثة النبوية إلى أواخر القرن الخامس الهـجري ( خمسة قرون متتالية من الحروب المستمرة بين الدولة الإسلامية والدولة البيزنطية )
وعلى الصعيد الآخر كانت الحروب كذلك مستمرة في غرب العالم الإسلامي بين مسلمي الأندلس والدول النصرانية الغربية ( شمال إسبانيا وفرنسافي الأساس ) وكانت الأيام دُولاً بين الفريقين ؛ فيوم للمسلمين ويوم للصليبيين ،إلا أن القرن الخامس الهـجري ( الحادي عشر الميلادي ) كان في معظمه للصليبيين ، وهـوالعصر الذي عُرِف في التاريخ بعهـد ملوك الطوائِف حيث تفرقت جدًّا كلمة المسلمين ؛مما أدى إلي إجتياح صليبي لقطاع كبير من شمال الأندلس ، وخاصةً في زمن ألفونسو السادس ملك ليون وقشتالة ، الذي أسقط في سنة 478هـ - 1085م مدينة طليطلة العتيدة ؛ مما أحدث دويًّا هـائلاً في العالمين الإسلامي والمسيحي(22)
غير أن نهـاية هـذا القرن الخامس الهـجري ( الحادي عشرالميلادي) كانت سعيدة للمُسلمين ؛ حيث ظهـرت دولة المرابطين القوية بالمغرب وغرب إفريقيا ، وعبرت إلى بلاد الأندلس ، وأنزلت بالصليبيين هـزيمة ساحِقة في موقعة الزَّلاَّقَة سنة 479هــ - 1086م - أي بعد عام واحد من سقوط طليطلة - وبسطت دولة المرابطين سيطرتهـا على أجزاء كبيرة من الأندلس ، إلا أنهـم لم ينجحوا في إسترجاع طليطلة (23)
موجز الصِراع في ثمانية قرون
وكتقييم عام للموقف في نهـاية القرن الخامِس الهِـجري ( نهـاية القرن الحادي عشر الميلادي ) فإن العالم الإسلامي كان منقسمًا بين الخلافة العباسية تحت سيطرة السلجوقيين وبين الدولة الفاطمية ومقرهـا القاهـرة ، وكانت نهـايات القرن الخامس الهـجري تمثِّل ضعفًا وفُرقة واضحين في الشرق الإسلامي ، بينما كانت نهـاية القرن الخامس الهـجري في الأندلس تحمل قوة بارزة للمسلمين بظهـور دولة المرابطين الفتيَّة تحت قيادة القائد الفذِّ يوسف بن تاشفين رحمه الله .
ومن ثَمَّ فإنهُ عِندَ ظهـور الحركة الصليبية في غرب أوربا في هـذا التوقيت فكَّروا في غزو الشرق الإسلامي الضعيف، وهـذا للمرة الأولى في تاريخ غرب أوربا ، بدلاً من الإنطلاق إلى الأندلس القوية تحت زعامة المرابطين, وهـكذا بدأت الحروب الصليبية من نهـايات القرن الخامس الهـجري وحتى نهـايات القرن السابع الهـجري - أي أكثر من مائتي سنة من نهـاية القرن الحادي عشر إلى نهـاية القرن الثالث عشر الميلادي -
إستمرت هـذهِ الحروب الشرسة فترة الخلافة العباسية ودولة السلاجقة ، وكذلك الدولة الزنكية فالأيوبية فدولة المماليك ، وانتهـت بطرد الصليبيين الغربيين وعودة الأراضي الإسلامية للمسلمين في أواخِر القرن السابِع الهِجري
وعلى الناحية الأخرى فإنه على الرغم من هـزيمة الصليبيين من دولة الموحدين التي ورثت دولة المرابطين في موقعة الأرك سنة 591هـ - 1194م , فإن أوائل القرن السابع الهـجري شهـد في الأندلس تقدمًا ملحوظًا للصليبيين ، حيث إنتصروا على دولة الموحدين في موقعة العقاب سنة 609هـ - 1212م ، ثم توالى سقوط المعاقل الإسلامية الكبرى ، مثل قرطبة وإشبيلية (24)، ولم يتبقَّ للمسلمين في نهـاية القرن السابع الهـجري إلا مملكة غرناطة في جنوب الأندلس ، التي قُدِّر لهـا أن تعيش حوالي قرنين ونصف القرن من الزمان (25)
وكانت نهـايات القرن السابع الهـجري قد شهـدت أيضًا ظهـورًا لدولة العثمانيين ، الذين حملوا راية الجهـاد ضد الدولة البيزنطيَّة ، وذلك بعد رحيل الصليبيين الغربيين .
وفي القرن الثامن الهـجري(الرابع عشر الميلادي ) كانت الفتوحات العثمانية الإسلامية في منطقة آسيا الصغرى مستمرة، بينما استقرت أوضاع الأندلس أو غرناطة نسبيًّا .
القرن التاسع الهـجري(الخامس عشر الميلادي ) فقد شهـد إستمرارًا لحروب العثمانيين ضد البيزنطيين ، وتُوِّجت هـذهِ الحروب بانتصار مهـيب ، حيث فتحت القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية في عام 857هـ - 1453م ؛ مما فتح الطريق للمسلمين لينساحوا في شرق أوربا (26)
ومَعَ هـذا السرور العظيم الذي نَعِمَ بهِ العالم الإسلامي على الجبهـة الشرقية للنِزاع بين المسلمين والنصارى ، إلا أن القرن التاسع الهـجري (الخامس عشر الميلادي) شهـد حادثًا مؤسفًا وهـو سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس ، وبالتالي خروج المسلمين بالكُلِّيَّة من الأندلس بعد أكثر من 8 قرون، وذلك في سنة 897هـ - 1491م .(27)
ورغم محاولات الدولة العثمانية لنجدة المسلمين في الأندلس إلا أن محاولتهـم باءت بالفشل ؛ لإنشغال العثمانيين بالحروب مع شرق أوربا من جهـة ، والصفويين الشيعة فيإيران من جهـة أخري .(28)
أما القرن العاشر الهـجري(السادس عشر الميلادي ) فكان عثمانيًّا خالصًا ؛ إذ وصلت الفتوحات العثمانية الإسلامية إليمنتصف أوربا تقريبًا ، وإستطاع العثمانيون في عهـد سليم الأول وسليمان القانوني أن يضما معظم أملاك الدولة البيزنطية إلى المسلمين ، وبذلك دخلت اليونان وألبانيا ويوغوسلافيا والمجر وبلغاريا في نطاق الدولة الإسلامية ، ووصلت الجيوش الإسلامية إلي فيينا عاصمة النمسا ، وقَبِل ملك النمسا آنذاك أن يدفع الجزية للمسلمين !!
وفي هـذا القرن حاول الأسبان والبرتغال إحتلال دول شمال إفريقيا إلا أن المحاولات لم تكن ناجحة في الأغلب ، اللهـم إلا نجاح الأسبان في انتزاع سبتة ومليلة من المغرب سنة 987هـ - 1580م وبقائهـما تحت الاحتلال حتى الآن !
وفي القرن الحادي عشر الهـجري( السابع عشر الميلادي ) بدأ التقلص العثماني في أوربا ، واستطاعت بعض الدول الأوربية الانتصار على الدولة العثمانية في عدة لقاءات
وعلى الساحة الغربية كان التفوق الإسباني والبرتغالي ملحوظًا ، وإن كان التفوق الهـولندي كان أشدَّ وأكثر .
أما القرون الثلاثة التالية وهـي القرن الثاني عشر و الثالِث عشر و الرابِع عشر الهـجري ( الثامِن عشر و التاسِع عشر و العشرين الميلادي ) فقد كان التفوق الصَليبي واضِحًا، وبدأت الدولة العُثمانية في التَقَلص التدريجي تحت ضربات إنجلترا وفرنسا من ناحية ، وروسيا من ناحية أخرى ،وسقطت معظم دول العالم الإسلامي تحت الاحتلال الإنجليزي والفرنسي والروسي والصيني والهـندي ، وكذلك اليهـودي في فلسطين بمساعدة الإنجليز .
ثم شهـد منتصف القرن 14 الهـجري(منتصف القرن العشرين ) موجة تحرر واسعة النطاق في العالم الإسلامي ، بدأت في لبنان سنة 1360هـ - 1941م ، ثم سوريا1362هـ - 1943م ، ثم ليبيا 1370هـ - 1951م ، ثم مصر 1371هـ - 1952م ، وهـكذا تتابعت الدول الإسلامية في التَحَرُّر حتى لم يبق إلا فلسطين ، وسبتة ومليلة في المغرب ، هـذا فضلاً عن الدول المحتلة من دول غير نصرانية ، كالدول المحتلة من الاتحاد السوفيتي أو الصين أو الهـند .
ثم كانت الهـجمة الصليبية الأخيرةعلى العالم الإسلامي؛ حيث إحتلت الصرب البوسنة سنة 1412هـ - 1992م ثم تحررت سنة 1415هــ - 1995م ، ثم إحتلت أمريكا أفغانستان سنة 1421هــ - 2001م ، ثم العراق سنة 1422هــ - 2003م
وهـكذا نري أنَّهُ مُنذ أيام البِعثة النبوية الأولى وحتى أيامنا هـذه لم تتوقف أبدًا حلقات الصراع الإسلامي- النصراني ، ولم يكنهـناك عَقْد - فضلاً عن قرن - خلا من معارك ونزال ، وهـذا الأمر ليسَ مُستَغرَبًا ؛ حيث قال تعالى في كتابهِ الكريم " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ "
وقال أيضًا " وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ إسْتَطَاعُوا"
هذه يا اخواني نبذة بسيطة عن تاريخ الصِراع بين الاسلام و النصرانية منقول بتصرف يسير مِن كِتاب الدكتور راغِب السرجاني " قِصّة الحروب الصليبية مِنَ البِداية الي عَهد عِماد الدين زنكي " مِن صفحة 12 الي 25
قِصة الصِراع بين النصرانية و الاسلام
قبيل البعثة النبوية كانت القوة المسيحية ممثلة أساساً في الدولة البيزنطية أو ما يُعرَف بالامبراطورية الرومانية الشرقية , و ذلِكَ بَعدَ سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية سنة 476 م ( قبلَ ميلاد الرسول بمائة عام تقريباُ )
و كانت الدولة الرومانية الشرقية تُسيطِر علي شرق أوروبا بكامِله , اضافةً الي الأناضول , و فوقَ ذلِكَ فانهـا كانت تَحتل بِلاد الشام و مصر و شمال افريقيا فصارت بِذلِك أعظم دولة في العالم , و لقد عُرِفَ البحر الأبيض المُتوسِط ببحر الروم لأنَّ الأملاك الرومانية تُحيط بِه مِن كُل جانِب
و كانَ المسيحيون في خارِج الدولة البيزنطية لا يُمثِلون كياناً كبيراً الا في بِقاع مُتفرِقة
غرب أوروبا : انجلترا , فرنسا , اسبانيا , ألمانيا , ايطاليا
افريقيا : الحبشة أساساً
الجزيرة العربية : نصاري الشام مِنَ العَرب ( الغساسنة , تغلِب … ) , نصاري اليمن و نجران
آسيا : لم يكُن فيهـا نصاري تقريباً
الصِراع بينَ الاسلام و النصرانية حتي القرن الثاني الهـجري
ثُمَّ ظهـرت الدعوة الاسلامية في بدايات القرن السابِع الميلادي و هـي دعوة للناس كافة يقول الله سبحانه و تعالي " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "
و يقول الرسول صلي الله عليه و سَلَم" و كانَ النبيُّ يُبعَث الي قومِه خاصَّةً و بُعثتُ الي الناسِ عامة " (1)
استلزَم ذلِك أن يُرسِل رسول الله صلي الله عليه و سَلَم الرسائل الي ملوك و أمراء العالم و ذلِكَ في بدايات العام السابِع الهـجري بعد صُلح الحُديبية و أهـمهـم هـرقل قيصر الروم , النجاشي ملك الحبشة و المقوقس زعيم مصر (2)
و معَ يقين هـرقل بِصدق النبوة كما سيظهـر مِن حواره مع أبي سُفيان الا أنه لم يؤمِن (3) و ذلِكَ حِفاظاً علي مُلكه , بل سنراه بعدَ ذلِكَ يُجهـز الجيوش لِحرب المُسلمين عِدَّة سنوات
كذلِكَ حدثَت عِدَّة تطورات في العِلاقة الاسلامية المسيحية عِندما قُتِلَ بعض رُسُل رسول الله صلي الله عليه و سَلَّم الي زُعماء النصاري و تحديداً الحارِث بن عُمير الأزديّ رضي الله عنه الذي قتله شرحبيل بن عمرو الغسَّاني (4) مما أدّي الي الصِدام العسكري الأول بينَ المُسلمين و النصاري في موقِعة مؤتة عام 8 مِن الهـجرة التي انتهـت بتراجُع الرومان و كذلِكَ انسحاب خالد بن الوليد بالجيش - الذي تولي قيادته بعد استشهـاد زيد بن حارِثة و جعفر بن أبي طالِب و عبد الله بن رواحة – مُكتفياً بزوال هـيبة الجيش النورماني العِملاق (5) و أُتبِعَ ذلِك ببوادِر صِدام ضخم لم يتِم و ذلِكَ في تبوك سنة 9 هـجرية حيثُ انسحبت الجيوش الرومانية و لم يحدُث قِتال و ظهـرَ للعيان قوة الدولة الاسلامية الناشئة (6) و لم تكُن كُل العِلاقة الاسلامية المسيحية عِلاقة حروب بل كانت هـناك علاقات أُخري كثيرة مِنَ التعايُش و التعاهـد , مِثلما حَدَثَ معَ الحبشة و نصاري نجران و نصاري أيلة و غير ذلِك
و لكِن وضح في الصورة أنَّ الدولة البيزنطية ستحمِل لواء الصِراع مع المُسلمين في القرون المُقبِلة
ثُمَّ كانَ الصِدامُ مُباشِراً و قوياً أيام خِلافة الصديق ثم عُمَر رضي الله عنهـم و كانت المعارِك الشهـيرة التي انتصَرَ فيهـا المُسلِمون مِثلَ أجنادين و بيسان (7)
ثُمَّ موقعة اليرموك الكُبري ثمَّ فَتح دِمشق و حِمص و حماة ثم فتح بيت المقدس علي أيدي المُسلمين و بالتالي فتح كُل مُدُن فلسطين و لبنان و سوريا و أجزاء مِن تركيا كل ذلِك في غضون سبع سنوات فقط حيثُ بدأت هـذهِ المعارِك في 12هـ - 633م و سقطت قيصرية سنة 19هـ – 640م و هـي أكبر معاقِل الدولة البيزنطية جنوب جِبال طوروس (8)
تُمَّ تطور الصِدام ليكسب المُسلِمون جولة ثانية مُهـمة جِداً بعد الشام و فِلسطين و هـي مصر حيثُ انتصر المُسلِمون علي جيوش الرومان التي احتلت مِصر أكثر مِن تسعمائة سنة فكان الفتح الاسلامي بقيادة عمرو بن العاص في سنة 20هـ – 641م ثم وصلت الفُتوح بعدَ ذلِكَ الي برقة بليبيا سنة 22هـ – 643م (9)
و في جولة جديدة و حلقة أخري مِن حلقات الصِراع وصَلَ المُسلِمون الي شمال افريقيا في زمن الخِلافة الأموية أيام مُعاوية بن أبي سُفيان حيثُ قامَ عُقبة بن نافِع بفتح تونس سنة 43هـ-664م و دارت حروب شتي بينَ المُسلمين مِن جهـة و الدولة البيزنطية مشتركة مع البربر مِن جهـة أخري انتهـت بضم كُل شمال افريقيا للدولة الاسلامية و دخول البربر بأعداد كبيرة في الاسلام (10)
ثُمَّ فُتِحَت في سنة 92هـ – 711م جبهـة جديدة لحرب الصليبيين حيثُ فُتِحَت الأندلُس بقيادة موسي بن النُصير و طارق بن زياد (11) و أتمَّ المُسلِمون السيطرة عليهـا في غضون ثلاثة سنوات و نِصف بل و جوَّزوهـا الي فرنسا و دارت هـناك معارِك كثيرة اقتسم فيهـا الفريقان النصر و ان كانَ النصر في النهـاية حليف الصليبيين في موقعة بلاط الشُهـداء في فرنسا سنة 114هـ – 732م (12) التي أوقفت المد الاسلامي في أوروبا و نشأت بعض الممالِك النصرانية في شمال الأندلُس أهـمهـا ليون و قشتالة و أراجون ثم البرتُغال بعد ذلِك و دارت بينهـم و بين المُسلمين حروب مُتعددة علي مدار عِدَّة قرون
و بِذلِكَ نشأت جبهـتان للصِراع بينَ الأمة الاسلامية و نصاري أوروبا
أما الجبهـة الأولي فهـي بينَ الدولة الاسلامية في المشرِق مُتمثِلةً في الخِلافة الأموية ثُمَّ العباسية ضِدَّ الدولة البيزنطية
و أمَّا الجبهـة الثانية فكانت بينَ الدولة الاسلامية في الغرب و هـي الأندلُس و بينَ الممالِك النصرانية في شمال الأندلُس متعاونةً كثيراً مع فرنسا و أحياناً مع انجلترا و ألمانيا و ايطاليا
و حيثُ كانت الخِلافة الأموية تتخِذ مِن بِلاد الشام مركزاً لهـا فان الحروب بينهـا و بينَ الدولة البيزنطية كانت كثيرة بل كانت هـناك مُحاولات حقيقية لِفتح القُسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية و لكِن كُلهـا لم تُفلِح (13)
العبَّاسيون و الهـدوء الحذِر
و في عهـد الدولة العبَاسية الذي بدأ مِن سنة 132هـ – 750م خَفَّت الي حد كبير حِدَّة الصِراع بين الدولة الاسلامية و البيزنطية و ذلِكَ لأنَّ الدولة العبّاسية اتخذت مِن بغداد و العِراق مركزاً لهـا و بالتالي صارَ قَلب العالم الاسلامي بعيداً نسبياً عَن الدولة البيزنطية (14) و ان كانت الحروب لم تتوقف و كانَ ميدانُهـا في غالِب الأحيان أرض آسيا الصُغري و مِن أشهـر الصِدامات تخريب الدولة البيزنطية لمدينة زبطرة (15) مسقط رأس الخليفة العبَّاسي المُعتصِم و ذلِكَ في سنة 223هـ – 838م ثم حَدَثَ بعدَ ذلِكَ الانتصار الاسلامي بفتح عَمُّورِيَّة مسقط رأس الامبراطور البيزنطي ثيوفيل سنة 223هـ – 838م (16)
ثًمَّ شهـدت الدولة الاسلامية ابتداءاً مِن مُنتصف القرن الثالِث الهـجري ( مُنتصف القرن التاسِع الميلادي ) تدهـوراً ملحوظاً و ظهـرت دويلات مُختلِفة بداخِلهـا و منهـا مثلاً : الدولة الغزنوية و الدولة السامانية و الدولة الزيارية و الدولة الحمدانية و الدولة البويهـية و الدولة الاخشيدية و غيرهـا مِن الدول (17)
و هـكذا ضعفت الشوكة و أدّي ذلِكَ الي أن بدأت الدولة البيزنطية تقف موقفاً حازِماً مِن المُسلمين حتي في بداية القرن الرابِع الهـجري ( العاشِر الميلادي ) ضمت مُعظَم مُدُن الجزيرة تحت سيطرة وهـكذا ضعفت الشوكة ، وأدى ذلك إلى أن بدأت الدولة البيزنطية تقف موقفًا حازمًا من المسلمين ، حتى إنهـا في بداية القرن الرابع الهـجري ( العاشر الميلادي ) ضَمَّت مُعظَم مُدُن الجزيرة تحت السيطرة البيزنطية ، ثم سَقَطَت الجُزُر التي كان المُسلِمون قد سيطروا عليهـا في البحر الأبيض المتوسط مثل كريت وقبرص وذلك في سنة 350هـ - 961م مما أعاد للأساطيل البيزنطية السيطرة من جديد على البحر الأبيض المتوسط ، ثم حدث أمر كبير في سنة 358هـ - 969م حيثُ سقطت أنطاكية ، وهــي من أهــم المدن في يد البيزنطيين ، وكان لهــذا دويٌّ هائل في العالمين الإسلامي والمسيحي (18)
انكسار الشوكة الاسلامية
ثم حدث أمر ضخم في الأمة الإسلامية حيث سَقَطَت مِصر تحت سيطرة الدولة العُبيديّة الشيعية المعروفة بالفاطمية، وذلك في سنة 358هـ - 969م (19)
وبذلك إنقسم العالم الإسلامي إلى قسمين كبيرين وهـما : الخِلافة العبَّاسية السُّنِّية الضعيفة التي وقعت تحت سيطرة دولة بني بويه الشيعية ، والدولة الفاطمية الشيعية التي تسيطر على شمال إفريقيا ومصر وأجزاء من الشام .. وهـكذا إزدادت الأمة الإسلامية ضعفًا وفُرقة ، وهـذا أعطى للدولة البيزنطية الفرصة لكي تزداد جرأة في حربهـا للأمة الإسلامية ، فكان النِصف الثاني من القرن الرابع الهـجري ( النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي) ميدانًا واسعًا للبيزنطيين ، إجتاحوا فيهِ أعالي الشام والعراق ، حتى وصل الأمر إلى أن دفعت الموصل وميافارقين وديار بكر ، بل وحمص ودمشق الجزية للإمبراطور البيزنطي حنا شمشقيق (تزمستكيس) (20)
ومن الجدير بالذكر أن هـذهِ الحملة الأخيرة للإمبراطور البيزنطي كانت تستهـدف بيت المقدس إلا أنه لم يستطع الوصول له ، وكانت تفيض من كلماته ورسائله العبارات الدينية التي تؤكد الروح الصليبية التي كان مشحونًا بهـا في حربه (21)
وهـذا الوجود البيزنطي في بلاد الشام وأنطاكية سيفسِّر النزاع المستقبلي الذي سيدور بينهـم وبين الصليبيين الغربيين حول الحق الشرعي فيامتلاك هـذهِ الأراضي والمدن
أما القرن الخامسالهـجري( الحادي عشر الميلادي ) فقد شهـد نموًّا للدولة الفاطمية وتراخيًا من الدولة البيزنطية ؛ نتيجة انشغالهـم بحرب البلغار وأيضًا لإنشغالهـم بضم بمملكةأرمينية النصرانية التي كانت قد بلغت حدًّا مغريًا من الرخاء والتقدم شجَّع البيزنطيين على بذل الجهـد لضمهـا وهـذا أدى إلى أن بسطت الدولة الفاطمية سيطرتهـا على معظم الشام باستثناء حلب وأنطاكية .
وفي هـذا القرن الخامس الهـجري أيضًا ظهـرت دولة السلاجقة الإسلامية العظيمة ، وكان لهـا دور كبير في الصراع الإسلامي النصراني
كان هـذا هـو الوضع في المشرق الإسلامي من بداية البعثة النبوية إلى أواخر القرن الخامس الهـجري ( خمسة قرون متتالية من الحروب المستمرة بين الدولة الإسلامية والدولة البيزنطية )
وعلى الصعيد الآخر كانت الحروب كذلك مستمرة في غرب العالم الإسلامي بين مسلمي الأندلس والدول النصرانية الغربية ( شمال إسبانيا وفرنسافي الأساس ) وكانت الأيام دُولاً بين الفريقين ؛ فيوم للمسلمين ويوم للصليبيين ،إلا أن القرن الخامس الهـجري ( الحادي عشر الميلادي ) كان في معظمه للصليبيين ، وهـوالعصر الذي عُرِف في التاريخ بعهـد ملوك الطوائِف حيث تفرقت جدًّا كلمة المسلمين ؛مما أدى إلي إجتياح صليبي لقطاع كبير من شمال الأندلس ، وخاصةً في زمن ألفونسو السادس ملك ليون وقشتالة ، الذي أسقط في سنة 478هـ - 1085م مدينة طليطلة العتيدة ؛ مما أحدث دويًّا هـائلاً في العالمين الإسلامي والمسيحي(22)
غير أن نهـاية هـذا القرن الخامس الهـجري ( الحادي عشرالميلادي) كانت سعيدة للمُسلمين ؛ حيث ظهـرت دولة المرابطين القوية بالمغرب وغرب إفريقيا ، وعبرت إلى بلاد الأندلس ، وأنزلت بالصليبيين هـزيمة ساحِقة في موقعة الزَّلاَّقَة سنة 479هــ - 1086م - أي بعد عام واحد من سقوط طليطلة - وبسطت دولة المرابطين سيطرتهـا على أجزاء كبيرة من الأندلس ، إلا أنهـم لم ينجحوا في إسترجاع طليطلة (23)
موجز الصِراع في ثمانية قرون
وكتقييم عام للموقف في نهـاية القرن الخامِس الهِـجري ( نهـاية القرن الحادي عشر الميلادي ) فإن العالم الإسلامي كان منقسمًا بين الخلافة العباسية تحت سيطرة السلجوقيين وبين الدولة الفاطمية ومقرهـا القاهـرة ، وكانت نهـايات القرن الخامس الهـجري تمثِّل ضعفًا وفُرقة واضحين في الشرق الإسلامي ، بينما كانت نهـاية القرن الخامس الهـجري في الأندلس تحمل قوة بارزة للمسلمين بظهـور دولة المرابطين الفتيَّة تحت قيادة القائد الفذِّ يوسف بن تاشفين رحمه الله .
ومن ثَمَّ فإنهُ عِندَ ظهـور الحركة الصليبية في غرب أوربا في هـذا التوقيت فكَّروا في غزو الشرق الإسلامي الضعيف، وهـذا للمرة الأولى في تاريخ غرب أوربا ، بدلاً من الإنطلاق إلى الأندلس القوية تحت زعامة المرابطين, وهـكذا بدأت الحروب الصليبية من نهـايات القرن الخامس الهـجري وحتى نهـايات القرن السابع الهـجري - أي أكثر من مائتي سنة من نهـاية القرن الحادي عشر إلى نهـاية القرن الثالث عشر الميلادي -
إستمرت هـذهِ الحروب الشرسة فترة الخلافة العباسية ودولة السلاجقة ، وكذلك الدولة الزنكية فالأيوبية فدولة المماليك ، وانتهـت بطرد الصليبيين الغربيين وعودة الأراضي الإسلامية للمسلمين في أواخِر القرن السابِع الهِجري
وعلى الناحية الأخرى فإنه على الرغم من هـزيمة الصليبيين من دولة الموحدين التي ورثت دولة المرابطين في موقعة الأرك سنة 591هـ - 1194م , فإن أوائل القرن السابع الهـجري شهـد في الأندلس تقدمًا ملحوظًا للصليبيين ، حيث إنتصروا على دولة الموحدين في موقعة العقاب سنة 609هـ - 1212م ، ثم توالى سقوط المعاقل الإسلامية الكبرى ، مثل قرطبة وإشبيلية (24)، ولم يتبقَّ للمسلمين في نهـاية القرن السابع الهـجري إلا مملكة غرناطة في جنوب الأندلس ، التي قُدِّر لهـا أن تعيش حوالي قرنين ونصف القرن من الزمان (25)
وكانت نهـايات القرن السابع الهـجري قد شهـدت أيضًا ظهـورًا لدولة العثمانيين ، الذين حملوا راية الجهـاد ضد الدولة البيزنطيَّة ، وذلك بعد رحيل الصليبيين الغربيين .
وفي القرن الثامن الهـجري(الرابع عشر الميلادي ) كانت الفتوحات العثمانية الإسلامية في منطقة آسيا الصغرى مستمرة، بينما استقرت أوضاع الأندلس أو غرناطة نسبيًّا .
القرن التاسع الهـجري(الخامس عشر الميلادي ) فقد شهـد إستمرارًا لحروب العثمانيين ضد البيزنطيين ، وتُوِّجت هـذهِ الحروب بانتصار مهـيب ، حيث فتحت القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية في عام 857هـ - 1453م ؛ مما فتح الطريق للمسلمين لينساحوا في شرق أوربا (26)
ومَعَ هـذا السرور العظيم الذي نَعِمَ بهِ العالم الإسلامي على الجبهـة الشرقية للنِزاع بين المسلمين والنصارى ، إلا أن القرن التاسع الهـجري (الخامس عشر الميلادي) شهـد حادثًا مؤسفًا وهـو سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس ، وبالتالي خروج المسلمين بالكُلِّيَّة من الأندلس بعد أكثر من 8 قرون، وذلك في سنة 897هـ - 1491م .(27)
ورغم محاولات الدولة العثمانية لنجدة المسلمين في الأندلس إلا أن محاولتهـم باءت بالفشل ؛ لإنشغال العثمانيين بالحروب مع شرق أوربا من جهـة ، والصفويين الشيعة فيإيران من جهـة أخري .(28)
أما القرن العاشر الهـجري(السادس عشر الميلادي ) فكان عثمانيًّا خالصًا ؛ إذ وصلت الفتوحات العثمانية الإسلامية إليمنتصف أوربا تقريبًا ، وإستطاع العثمانيون في عهـد سليم الأول وسليمان القانوني أن يضما معظم أملاك الدولة البيزنطية إلى المسلمين ، وبذلك دخلت اليونان وألبانيا ويوغوسلافيا والمجر وبلغاريا في نطاق الدولة الإسلامية ، ووصلت الجيوش الإسلامية إلي فيينا عاصمة النمسا ، وقَبِل ملك النمسا آنذاك أن يدفع الجزية للمسلمين !!
وفي هـذا القرن حاول الأسبان والبرتغال إحتلال دول شمال إفريقيا إلا أن المحاولات لم تكن ناجحة في الأغلب ، اللهـم إلا نجاح الأسبان في انتزاع سبتة ومليلة من المغرب سنة 987هـ - 1580م وبقائهـما تحت الاحتلال حتى الآن !
وفي القرن الحادي عشر الهـجري( السابع عشر الميلادي ) بدأ التقلص العثماني في أوربا ، واستطاعت بعض الدول الأوربية الانتصار على الدولة العثمانية في عدة لقاءات
وعلى الساحة الغربية كان التفوق الإسباني والبرتغالي ملحوظًا ، وإن كان التفوق الهـولندي كان أشدَّ وأكثر .
أما القرون الثلاثة التالية وهـي القرن الثاني عشر و الثالِث عشر و الرابِع عشر الهـجري ( الثامِن عشر و التاسِع عشر و العشرين الميلادي ) فقد كان التفوق الصَليبي واضِحًا، وبدأت الدولة العُثمانية في التَقَلص التدريجي تحت ضربات إنجلترا وفرنسا من ناحية ، وروسيا من ناحية أخرى ،وسقطت معظم دول العالم الإسلامي تحت الاحتلال الإنجليزي والفرنسي والروسي والصيني والهـندي ، وكذلك اليهـودي في فلسطين بمساعدة الإنجليز .
ثم شهـد منتصف القرن 14 الهـجري(منتصف القرن العشرين ) موجة تحرر واسعة النطاق في العالم الإسلامي ، بدأت في لبنان سنة 1360هـ - 1941م ، ثم سوريا1362هـ - 1943م ، ثم ليبيا 1370هـ - 1951م ، ثم مصر 1371هـ - 1952م ، وهـكذا تتابعت الدول الإسلامية في التَحَرُّر حتى لم يبق إلا فلسطين ، وسبتة ومليلة في المغرب ، هـذا فضلاً عن الدول المحتلة من دول غير نصرانية ، كالدول المحتلة من الاتحاد السوفيتي أو الصين أو الهـند .
ثم كانت الهـجمة الصليبية الأخيرةعلى العالم الإسلامي؛ حيث إحتلت الصرب البوسنة سنة 1412هـ - 1992م ثم تحررت سنة 1415هــ - 1995م ، ثم إحتلت أمريكا أفغانستان سنة 1421هــ - 2001م ، ثم العراق سنة 1422هــ - 2003م
وهـكذا نري أنَّهُ مُنذ أيام البِعثة النبوية الأولى وحتى أيامنا هـذه لم تتوقف أبدًا حلقات الصراع الإسلامي- النصراني ، ولم يكنهـناك عَقْد - فضلاً عن قرن - خلا من معارك ونزال ، وهـذا الأمر ليسَ مُستَغرَبًا ؛ حيث قال تعالى في كتابهِ الكريم " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ "
وقال أيضًا " وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ إسْتَطَاعُوا"
تعليق