السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اخواني واخواتي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )
أخرج الإمام مالك في موطئه، والإمام أحمد في مسنده من حديث علي بن الحسين، والترمذي
في سننه وابن ماجه في سننه وصححه الألباني في (صحيح الجامع) من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".
إن هذا الحديث أصل من أصول الدين، ولربما مر عليه الكثير فقرأه دون تدبر ولا تفكر، فيظن لأول
وهلة أنه إنما يقتصر على عدم التدخل في الأمور الدنيوية، والعلاقات الشخصية، أو التعدي على
خصوصيات الآخرين، والتي نرى الكثير الان ممن يتفرغون ويقضون وقتهم في المراقبة والتدخل
والتعدي على خصوصيات الاخرين مع انه امر لا يعنيهم ولا يحق لهم دينا ودينا، وللاسف ان هؤلاء قد
وضعوا انفسهم حكاما على خصوصيات غيرهم وعلاقاتهم الشخصية من اجل اشباع هواهم
ورغباتهم ومصالحهم، مع ان الاصل ان يحاسب الانسان نفسه ويراقبها وليس ان يحاسب غيره في
امور ليس له الحق فيها، ويمضي وقته في التجسس والمراقبة وتحين الفرص للانتقام وايقاع الضرر،
متناسيا ان في ذلك اثم كبير كما فيه تحقير لمن يفعل ذلك، ويكاد يجمع العقلاء على المثل
القائل"من تدخل في ما لا يعنيه ، لقي ما لا يُرضيه" فبناءً على فهمه المغلوط هذا يترك الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الامر الواجب والمطلوب ويتفرغ للتجسس ومتابعة خصوصيات الغير
ويحاول التخريب وخلق الفتن والمشاكل من اجل اشباع رغباته.
وهذه الأمور التي ذكرتها لا شك أنها داخلة تحت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومندرجة
ضمنه، ولكن ليست هي المراد بالدرجة الأولى، فإن هذا الحديث قد تضمن معاني عظيمة تدخل
في أصول الدين ومسائل العقيدة، يقول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: " قال أبو بكر بن داسه:
سمعت أبا داود يقول: كتبت عن النبي خمسمئة ألف حديث، انتخبت منها أربعة آلاف حديث
وثمانمائة حديث في الأحكام، فأما أحاديث الزهد والفضائل فلم أخرجها، ويكفي الإنسان لدينه من
ذلك أربعة أحاديث: الأعمال بالنيات، والحلال بين والحرام بين، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا
يعنيه، ولا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه "فتح الباري".
وقال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث: "ومعنى هذا الحديث: أن من حسن
إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه أن
تتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية شدة الاهتمام بالشيء يقال عناه يعنيه إذا
اهتم به وطلبه، وليس المراد أنه يترك ما لا عناية له به ولا إرادة بحكم الهوى وطلب النفس، بل
بحكم الشرع والإسلام، ولهذا جعله من حسن الإسلام، فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في
الإسلام من الأقوال والأفعال فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات ، وإن الإسلام الكامل الممدوح يدخل
فيه ترك المحرمات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من
سلم المسلمون من لسانه ويده)) وإذا حسن اقتضى ترك ما لا يعنيه كله من
المحرمات أو المشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها فإن هذا كله لا يعني
المسلم إذا كمل إسلامه وبلغ إلى درجة الإحسان وهو أن يعبد الله تعالى كأنه يراه فإن لم يكن يراه
فإن الله يراه ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في الإسلام ويشتغل بما يعنيه فيه.
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه. دخلوا على
بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلل فسألوه عن سبب تهلل وجهه فقال: ما من عمل أوثق عندي
من خصلتين؛ كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي سليماً للمسلمين. وقال مُوَرِّق العجلي: أمر
أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة لم أقدر عليه ولست بتارك طلبه أبداً. قالوا: وما هو؟ قال: الكف عما لا يعنيني "جامع العلوم والحكم".
نسأل الله جل وعلا أن لا يفجعنا بأنفسنا ولا بإخواننا، وأن يثبت على
الصراط أقدامنا.
تعليق