دلائل القدرة الإلهية
بقلم الدكتور:
رضا فضيل
الأستاذ بجامعة عين شمس
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي نبي الهدي والرحمة الذي بلغ الرسالة وأدي الأمانة وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه اليقين.
إن القرآن الكريم هو المعجزة الكبري للنبي صلي الله عليه وسلم وبه وقع التحدي للانس والجن "قل لئن اجتمعت الإنس والجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" وقد يتوهم البعض ان التحدي القرآني كان للعرب فقط وهذا وهم كبير فإن التحدي موجه إلي العالمين حتي يرث الله الارض ومن عليها ولم يأت دين من الأديان بمعجزة توضع بين أيدي الناس يبحث فيها أهل كل عصر بوسائل عصرهم غير الدين الإسلامي بما أنزل فيه من القرآن. فكأن النبوة في هذا الكتاب متجددة أبدا يلتقي بروحها كل من يفهم دقائقه وأسراره والقرآن الكريم هو في الأصل كتاب هداية في أمر الدين بركائزه الأربع "العقيدة. والعبادة. والاخلاق. والمعاملات" ولكي يقيم ربنا تبارك وتعالي الحجة علي أهل عصرنا أبقي لنا في محكم كتابه أكثر من ألف آية كونية تحوي من الاشارات الكونية ما لم يكن معروفا لأحد من الخلق في زمن الوحي وذلك لأهداف وحكم يعلمها الله سبحانه وتعالي. نعلم منها القليل ويغيب عنا الكثير وآية النمل خير شاهد علي ذلك:
قال تعالي: "حتي إذا أتوا علي واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون" النمل .18
ونأخذ لفظة واحدة من هذه الآية الكريمة ألا وهي لايحطمنكم لنري ما فيها من الاعجاز العلمي فهيا بنا نسبح مع هذه اللفظة.
لايحطمنكم: استوقفني هذا اللفظ كثيرا في تدبره وماذا يعني التحطيم. هل هو تحطيم النفوس أم تحطيم الأجسام أم كلاهما معا؟ ولماذا هذا اللفظ بالذات؟
يقول الفخر الرازي في تفسيره ان تلك النملة انما أمرت غيرها بالدخول لانها خافت علي قومها أنها إذا رأت سليمان في جلالته. فربما وقعت في كفران نعمة الله تعالي وهذا هو المراد بقوله "لايحطمنكم سليمان" فأمرتها بالدخول في مساكنها لئلا تري تلك النعم فلا تقع في كفران نعمة الله تعالي. وفي هذا تنبيه علي أن مجالسة أرباب الدنيا محظورة.
وقول القرطبي في تفسيره لم ترد حطم النفوس وإنما أرادت حطم القلوب خشية ان يتمنين مثل ما أعطي أو يفتتن بالدنيا. ويشتغلن بالنظر إلي ملك سليمان عن التسبيح والذكر.
ولا عجب عندما نسمع بقول كل من الفخر الرازي والقرطبي في هذا المعني فعندما نتدبر ما قالته النملة. نعلم أننا بصدد مخلوق عجيب له فهم العقلاء وبلاغتهم. بالاضافة إلي حياته الاجتماعية المثالية. فمن الممكن أن يكون ما قالوه عن النملة في تحطيم النفوس والقلوب فيه صحة من القول. وأما من الوجهة العلمية فإن هذا اللفظ بالذات له معني علمي عميق ولا ينفع في هذا المكان غيره. فنحن نعرف مثلا ان الهيكل العظمي للإنسان هو عظامه وهي بداخل الجسم. وعند كسر عظمة منه أو أكثر لا يتحطم الجسد كله. بل من الممكن ان يجبر هذا الكسر. وذلك عكس ما في النملة تماما. فإن هيكلها هو الذي يحيط بها. فالنملة حشرة وهي كباقي مفصليات الأرجل. أجسامها مغطاة بهيكل كيتيني "الجليد" وأهم وظائف هذا الهيكل هو حماية الأعضاء والأنسجة الداخلية من الجفاف والأضرار الميكانيكية. كما يتصل به أيضا العضلات وترتكز عليه. ويتأثر نموها به ويتكيف بخواصه سلوكها. ولا يغطي هذا الهيكل جسم الحشرة من الخارج فيحميه فحسب. ولكن يبطن أيضا الفجوات التي تتكون أصلا من الاكتوديرم. كتجويف الفم والقناة الهضمية الأمامية والقناة الهضمية الخلفية. والقصيبات الهوائية والقنوات التناسلية الاضافية الخلفية والغدد المتنوعة التي تفتح علي سطح الجسم. ولجدار الجسم مرونة محدودة. ولكنه غير قابل للتمدد الا في فترة محدودة وقصيرة تلي الانسلاخ. ويختلف هذا الجليد في سمكه وصلابته كثيرا فهو رقيق جدا مرن في الأجزاء القابلة للحركة التي بين حلقات الجسم وقد يكون سميكا جدا صلبا في الأجزاء الأخري القليلة أو عديمة الحركة ومن خواصه الكيميائية انه لا يذوب في الماء أو الكحول أو المذيبات الأخري العضوية. كما أنها لا تذوب في الأحماض المخففة ولا القلويات المخففة والمركزة. ولكنها تذوب في الأحماض المركزة. ودون التدخل في التفاصيل الدقيقة لتراكيب هذا الهيكل وخواصه الطبيعية والكيميائية والتي قد تطول ويملها غير المتخصصين.
من هذه المقدمة البسيطة يتضح لنا أن الاضرار بهذا الهيكل ولو كان الدعس مثلا تحت الأقدام ينتج عنه تهشيم وتحطيم هذه الحشرة. فعند كسر أي جزء من الهيكل ينزف محتويات الجسم عن آخره ثم الجفاف وتنتهي حياته. فالكسر هنا غيرقابل للجبر ولكنه يؤدي إلي تحطيم الحشرة تماما وموتها. لذا كان هذا اللفظ بذاته هو الذي يحمل في طياته هذا المعني العلمي الدقيق لتراكيب جسم الحشرة وهي النملة.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
تعليق