السلوك الإسلامي .. والتمسك بالقيم العليا
بقلم الدكتور:
عثمان عبدالرحمن عبداللطيف
دكتوراه في الشريعة الإسلامية
والقانون الدولي العام-جامعة القاهرة
جاء الإسلام ليقيم الحق بين الناس ويدعوهم جميعا إلي التمسك بالقيم العليا. وانه لا سلطان علي الإنسان إلا سلطان الحق الذي يحدد له أين تقع حدود أفعاله. فيجب علي الإنسان الالتزام بهاعملا بقوله تعالي: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" "العنكبوت /46"
ولقد كان لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - جارية من بني قريظة كانت تسمي "ريحانة" وكانت علي غير الإسلام.. فقد كانت علي دين قومها "اليهود" ولما عرض الرسول - صلي الله عليه وسلم - عليها الإسلام امتنعت وتعصبت لبني جنسها. وتمسكت بما كان قومها عليه. ولم يكرهها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - علي الإسلام وهو سيدها ومالكها وتركها وما تعتقده حتي جاءت من تلقاء نفسها تعلن إسلامها. "ابن هشام/ج2"
ويضرب النبي - صلي الله عليه وسلم - أروع مثل لمقابلة الأجانب في بلاد الإسلام حيث وفد علي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وفد من رؤساء نجران وحين حان وقت صلاتهم وهم جلوس مع الرسول - صلي الله عليه وسلم - بمسجده قاموا يؤدون صلاتهم. فأمر رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أصحابه ان يفسحوا للنجرانيين مكانا في مسجد الرسول يؤدون فيه شعائر عبادتهم كما يعتقدون. فقام النجرانيون يصلون إلي المشرق.. إلي غير قبلة المسلمين كل هذا في مسجد رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وبحضوره وحضور أصحابه.
إنها صور رائعة يصورها الإسلام ويعلنها للخارجين عن تعاليمه ليؤكد ان الإسلام هو دين الرحمة والتسامح وان الرسول ما أرسل إلا رحمة للناس كافة. بل رحمة للعالمين. وصدق الله العظيم إذ يقول: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" "الأنبياء/107".
فكان - صلي الله عليه وسلم - قدوة وأسوة ورحمة ورباط خير بين المسلمين وغيرهم. وكأنه يقول إن الاعتداء علي الأجانب أو الداخلين إلي بلاد الإسلام بعقد أمان هو خيانة للعهد وأنه يسيء إلي سمعة الإسلام ويشوه صورة المسلمين في العالم في وقت نحن فيه في أمس الحاجة إلي جمع الناس حول كلمة الإسلام ونصرة الإسلام.
إن هذا هو ما استيقظ عليه الناس عندما انبثق نور هذا الدين حيث يقول الله تعالي: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" "الحجرات/13".
وهذه هي دعوة الإسلام في كل مكان "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله" "آل عمران/64".
ومن هنا ربي الإسلام وجدان الإنسان المسلم علي تلك المباديء والقيم العالية فأحسن تربيته حيث نما فكره وعقله علي أساس من العدل والانصاف والشعور بالعلاقة الإنسانية الحقة التي يجب ان تكون بين الفرد وغيره من المسلمين وبينه وبين غيره من غير المسلمين الذين يختلط بهم في كل مكان. لأن رسالة الإسلام ليست رسالة طبقية أو موجهة إلي جنس بعينه. ولكنها رسالة إنسانية عالمية قامت علي الحب والاخاء والتعاون والسلام والتكافل بين كافة الأجناس.
ولهذا فلا مجال لأن يقف المسلم في عداء تجاه الجماعة غير المسلمة طالما لا يوجد اعتداء منها لأن المعاملة بالحسني هي الأصل. وان الاختلاف في الدين كما ألمحنا لا يوجب العداء لأن تلك الجماعات غير المسلمة مشاركة لنا في الإنسانية.
فهذه هي بعض السمات اللامعة في الإسلام والتي ينبغي ان يقوم عليها الأفراد وتبني عليها المجتمعات وان الدعوة إلي تلك السمات ما هي الا محاربة للنقص الذي قد تحرك في بعض النفوس الضعيفة ولاشك ان تلك الصورة الإسلامية الرائعة لا تظهر آثارها في الأفق ما لم يدخل الإيمان في القلوب وتقر به النفوس فتعود بالخضوع لأمر الله تعالي فتقف عند حدوده.
أما إذا فقد الإنسان عنصر الايمان واتبع هواه وانساق في التيار العكسي وانحاز إلي جانب المجرمين والهاربين الذين لا هم لهم إلا الذبح والقتل والحصول علي الأموال فقد خسر خسرانا مبينا.
وختاما: إن الإسلام يطلب منا ان نلوذ به لنتخلص من تلك الأفكار المدسوسة التي قد وضعت بفعل فاعل في عقول بعض السذج وان التخلص من تلك الأفكار يتطلب منا بألا نترك ديننا ووطننا عرضة للأهواء والتخطيط الخارجي الذي يعبث بفكر كل مشاغب.
لهذا ينبغي لنا أن نرفع من جديد راية الإسلام في قلب كل أجنبي ليحمل دعوته النبيلة إلي الإنسانية وبذلك نكون قد أَحْسَنَّا لأنفسنا وأحسنا لغيرنا في كل ميدان وأمسكنا بأيدي الجميع تحت راية الإسلام وفي ذات الوقت نكون قد منعنا أعداء الإنسانية من النيل من أوطاننا.
تعليق