السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت قد جهزت ردى على بابا الفاتيكان وسلمته للطباعة من أكثر من شهرين مضيا ، وتاخرت المطابع ، إضافة إلى قلة الموارد ، وبالتالى تأخر الرد ، ويرى الناشر أن طباعته فى كتاب تأخر وأن الموضوع قد مات ، مثل موضوع تهجم الدنيمارك على الرسول صلى الله عليه وسلم. وأرى أن أضعه على المنتدى ليستفيد به الكل ، ولننتظر رداً من البابا أو من يمثله بالنيابة أو بالأصالة عن نفسه:
نص خطاب بابا الفاتيكان:
ألقى بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر محاضرة في جامعة ريجنسبورج بولاية بافاريا بجنوب ألمانيا إلى أساتذة جامعيين وطلاب اللاهوت فى راتيسبون جنوب ألمانيا ، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 12-9-2006 ، كان عنوانها ”الإيمان والعقل والجامعة .. ذكريات وانعكاسات“، ودار مضمونها حول الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية في العلاقة التي يقيمها كل منهما بين الإيمان والعقل.
ومن هنا كان خطر هذه المحاضرة ، فهو يوجه هذا الكلام الذى ستقرأه بعد قليل لقساوسة ورهبان وأساقفة وكاردينالات ورجال سياسة وحرب، وكل منهم يرأس مجموعة من البشر ، فلك أن تتخيل أن البابا يحشد ما يقرب من 800 مليون كاثوليكى فى العالم لمعاداة الإسلام ، ناهيك عن ملايين أخرى من البشر الذين يأخذون كلام البابا دون فحص أو تمحيص ، أو قد يأيدون البابا مع انتمائهم لطوائف أو أحزاب أو إتجاهات أخرى.
فأنا أرى أن البابا أطلق بهذا الكلام النفير العام لمحاربة المسلمين والتهجم عليهم وعلى عقائدهم ، وهذا يبعده عن روح المحبة التى ينادى بها كل أتباعه ، ويتنافر مع نقضه لمن لا يُحكِّم عقله ، ويهرع للسلاح بدلاً من الحوار.
وهذا فعلاً ما حدث ، فقد فجر الزعيم الروحي السابق للكنيسة الأنجيليكية بلندن اللورد كاري أزمة جديدة مع المسلمين في جميع أنحاء العالم، وأعلن تأييده لتصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر المسيئة للإسلام ، وكذلك تحديه لما وصفه ”بالعنف“ في الإسلام. ويعتبر أسقف كانتربري وزعيم هذه الكنيسة الإنجليزية هو أعلى سلطة دينية مسيحية هنا.
وفي خطاب مستفز للمسلمين قال كاري إنه ينبغي على المسلمين أن يعالجوا ”على وجه السرعة“ مسألة ارتباط الإسلام بالعنف على حد زعمه. وقال في خطابه الذي ألقاه في أحد المعاهد في منطقة بيركشير غربي لندن إنه يرى أن ”الصدام بين الحضارات هو صدام مع الإسلام ككل وليس مع المتطرفين“ فقط .
http://www.almahdy.net/vb/showthread.php?t=3738
هذا على الرغم من هجوم بعض الصحفيين ورجال الدين الباحثين عن الحقيقة على البابا ، فقد أورد موقع الجزيرة على شبكة النت بعضاً منها، ففي صحيفة ”دير بوند“ المحايدة كتبت باربارا إنجل تقول ”إن غضب الشارع الإسلامي يعود إلى عاملين اثنين، الأول أن بعض الحكومات والمنظمات تتعمد تحريك مشاعر الناس، والثاني أن الغرب المسيحي يضخم في كثير من الأحيان من الأشياء ويكذب، مثلما فعل الرئيس بوش لإقناع العالم بخطورة ما يصفه بالإرهاب.“
وتعتقد إنجل أن كلمات البابا كان لها بعد سياسي أكثر مما هي دينية، سيما أن الحديث عن الحكمة والمنطق والعقل يعطي الانطباع بأن البابا لا يقصد فقط أتباعه المتدينين ولكن أيضا الزعماء الأقوياء في العالم، أي بوش وأولمرت وأحمدي نجاد.
وترى الكاتبة أن استقاء الأمثلة من الإسلام على العلاقة بين الدين والعنف غير موفق، لأن تاريخ المسيحية "يعطينا المزيد من الأمثلة على استخدام الدين كستار للعنف ابتداء من الحروب الصليبية ومرورا بمحاكم التفتيش"، وتؤكد أن "خير مخرج من هذه الأزمة هو اعتذار البابا للمسلمين، ليثبت بأنه يطبق التسامح الذي ينادي به".
وتحت عنوان (هنا خدع البابا نفسه) كتب ميخائيل ماير في الصحيفة الليبرالية السويسرية ”تاجِس أنتسايجر“ يقول "لم يكن البابا ذكيا عند اختياره للحديث عن الإسلام هذه المقاطع التي لا تتناسب مع مكانته السابقة كأستاذ متخصص في علوم اللاهوت ولا مع منصبه الحالي كرأس الكنيسة الكاثوليكية".
ثم يتابع إن الغرب أدرك منذ أزمة الرسوم الكاريكاتورية مدى حساسية الدين ورموزه لدى المسلمين، وأنه لا ينبغي استفزازهم أو جرح مشاعرهم.
ويتساءل ماير "ولكن لماذا فعل البابا عكس ذلك عند زيارته لوطنه الأم؟"، ويجد أن الإجابة هي ببساطة "أن البابا ينظر إلى الكاثوليكية على أنها أعلى من جميع الديانات، ولم يتغير موقفه هذا منذ بدأ سلمه الكهنوتي، وهو يبدو للناس من الخارج رجلا هادئا ولكنه من الداخل من المتشددين".
ويؤكد أن البابا انتهى به المطاف إلى أن "أصبح لا يرى سوى ظلال دينه، فكان لابد للساسة ورجال الدين أن يذكروه الآن بالحروب الصليبية وكيف تعاملت الكنيسة مع المسلمين واليهود في الأندلس"، لكن النتيجة هي أن "الحوار السلمي بين الأديان قد خرج عن مساره الصحيح بسبب تلك التصريحات البابوية".
وفى موقع ”عرب تايمز“ على شبكة النت قالت انجريد ماتسون رئيسة الجمعية الإسلامية لشمال أميركا الأربعاء إن انتقادات البابا للإسلام "غير دقيقة وانتهازية". وأوضحت انجريد فى تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أن "الربط الواضح بين الإسلام وديانة تقوم على العنف أمر غير دقيق وانتهازي." وأضافت انجريد أن البابا "يستفيد من الظرف السياسى الحالى فى مسعى لتسجيل نقاط دينية" مشددة على أن "الوقت غير ملائم للدخول فى مثل هذه المسابقات، إن هدف القيادات الدينية يجب أن يكون قيادة رعاياهم إلى قيم أفضل وأسمى." وقالت انجريد ماتسون وهى أول امرأة تتولى رئاسة الجمعية الإسلامية لشمال أميركا منذ بداية أيلول- سبتمبر "أشعر بخيبة أمل" إزاء تصريحات البابا. وتضم الجمعية فى عضويتها حوالى 20 ألف عضو فى الولايات المتحدة وكندا كما يتبعها 350 مسجدا ومركزا اسلامياً.
وأضافت انجريد وهى أستاذة للدراسات الإسلامية فى هارتفورد بولاية كونكتيكت "إذا بدأنا القيام بمقارنة بين العنف الذى ارتكب باسم الكنيسة الكاثوليكية وذلك الذى ارتكب باسم الإسلام فإن هذه المقارنة ستأخذ الكثير من الوقت"، فى اشارة الى محاكم التفتيش التابعة للكنيسة ومعارضة الاصلاح والحروب الصليبية.
http://www.arabtimes.com/news/EEVlkuVAZpKQsRfbNm.php
كما بعث الحاخام السفارادي (لليهود الشرقيين) الأكبر في إسرائيل شلومو عمّار برسالة إلى الشيخ يوسف القرضاوي في قطر عبّر فيها عن أسفه على أقوال البابا بنديكتوس السادس عشر حول النبي محمد والإسلام. وأفاد موقع هآرتس الالكتروني الأحد 18-9-2006 أن الحاخام عمار كتب للشيخ القرضاوي أن "طريقنا هي احترام كل ديانة وكل أمة وشعب وفقا لطريقتهم, وحتى عندما يكون هناك صراع بين شعوب لا يتوجب تحويله إلى حرب أديان."
بدأ البابا المحاضرة باجترار الذكريات التي عايشها أثناء مرحلة الدراسة والعمل بالجامعات الألمانية ومن بينها جامعة ريجنسبورج .. .. ثم انتقل للحديث عن العلاقة بين العقل والعنف في الديانة الإسلامية والخلاف في هذا الصدد بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، واستشهد بهذه المناسبة بكتاب يفترض أنه للإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350-1425) وفي هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "حوارات مع مسلم المناظرة السابعة"، وقدمه ونشره في الستينيات عالم اللاهوت الألماني واللبناني الأصل تيودور خوري من جامعة مونستر، يعرض الإمبراطور الحوار المفترض أنه أجراه بين 1394 و1402 مع فارسي مسلم مجهول.
كما أدان البابا فى تصريحه الذى ألقاه غداة ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر 2001 ”الجهاد“ و”اعتناق الدين مروراً بالعنف“ ، وذلك ليُظهر مدى تسامح المسيحية مع المخالفين لها، مقارناً ذلك بالجهاد فى الإسلام، وذلك تبعاً لما كتبته الصحيفة الألمانية ”الفرانكفورتر ألجيماينه تسايتونج“ ، متناسياً محاكم التفتيش ، وحرق الساحرات، وحرق كتب ومكتبات وعلوم كل من أتى بشىء يُخالف تعاليم الكنيسة أو الكتاب الذى تقدسه ، فقد قالت حرفياً: إن ”البابا تطرق إلى مفهوم الجهاد ليُظهر الفارق بين المسيحية والإسلام“.
وفيما يلي ترجمة عربية من إسلام أون لاين.نت للفقرات الكاملة من محاضرة البابا المتعلقة بهذا المحور (العلاقة بين العقل والعنف في الإسلام والمسيحية)، نقلا عن موقع الفاتيكان الإلكتروني باللغة الألمانية:
”تداعت هذه الذكريات إلى ذهني عندما قرأت منذ فترة وجيزة جزءاً من حوار نشره البروفيسور تيودور خوري، من جامعة مونستر، جرى بين الإمبراطور البيزنطي العالم مانويل الثاني ومثقف فارسي حول المسيحية والإسلام وحقيقة كل منهما خلال إقامته بالمعسكر الشتوي بالقرب من أنقره عام 1391.“
”يبدو أن هذا الإمبراطور قد سجل هذا الحوار إبان حصار القسطنطينية بين عامي 1394 و1402، ويدل على ذلك أن مناظرته كانت أكثر توسعا من مناظرة محاوره الفارسي“.
”الحوار تناول كل ما يتعلق بشرح بنيان العقيدة حسبما ورد بالكتاب المقدس والقرآن، وركز الحوار بصفة خاصة على صورة الرب وصورة الإنسان، أو على العلاقة بين ما نسميه الشرائع الثلاثة أو نظم الحياة الثلاثة، ألا وهي العهد القديم والعهد الجديد والقرآن.“
”في هذه المحاضرة لا أريد أن أناقش هذه القضية، ولكن أريد التطرق لنقطة واحدة فقط هامشية نسبياً وشغلتني في كل هذا الحوار وتتعلق بموضوع الإيمان والعقل، وهذه النقطة تمثل نقطة الانطلاق لتأملاتي حول هذا الموضوع.“
”ففي جولة الحوار السابعة كما أوردها البروفيسور خوري تناول الإمبراطور موضوع الجهاد، أي الحرب المقدسة. من المؤكد أن الإمبراطور كان على علم بأن الآية 256 من السورة الثانية بالقرآن (سورة البقرة) تقول: لا إكراه في الدين .. إنها من أوائل السور، كما يقول لنا العارفون ، وتعود للحقبة التي لم يكن لمحمد فيها سلطة ويخضع لتهديدات. ولكن الإمبراطور من المؤكد أيضا أنه كان على دراية بما ورد، في مرحلة لاحقة، في القرآن حول الحرب المقدسة.“
”وبدون أن يتوقف على التفاصيل، مثل الفرق في معاملة (الإسلام) للمؤمنين وأهل الكتاب والكفار، طرح الإمبراطور على نحو مفاجئ على محاروه (...) السؤال المركزي بالنسبة لنا عن العلاقة بين الدين والعنف بصورة عامة. فقال: أرني شيئا جديدا أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف.“
”الإمبراطور يفسر بعد ذلك بالتفصيل لماذا يعتبر نشر الدين عن طريق العنف أمرا منافيا للعقل. فعنف كهذا يتعارض مع طبيعة الله وطبيعة الروح. فالرب لا يحب الدم، والعمل بشكل غير عقلاني مخالف لطبيعة الله، والإيمان هو ثمرة الروح وليس الجسد؛ لذا من يريد حمل أحد على الإيمان يجب أن يكون قادرا على التحدث بشكل جيد والتفكير بشكل سليم وليس على العنف والتهديد .. لإقناع روح عاقلة لا نحتاج إلى ذراع أو سلاح ولا أي وسيلة يمكن أن تهدد أحدا بالقتل.“
”الجملة الفاصلة في هذه المحاججة ضد نشر الدين بالعنف هي: العمل بشكل مناف للعقل مناف لطبيعة الرب، وقد علق المحرر تيودور خوري على هذه الجملة بالقول: بالنسبة للإمبراطور وهو بيزنطي تعلم من الفلسفة الإغريقية، هذه المقولة واضحة. في المقابل، بالنسبة للعقيدة الإسلامية، الرب ليست مشيئته مطلقة وإرادته ليست مرتبطة بأي من مقولاتنا ولا حتى بالعقل.“
”ويستشهد (تيودور) خوري في هذا الشأن بكتاب للعالم الفرنسي المتخصص في الدراسات الإسلامية (روجيه) ارنالديز (توفي في إبريل الماضي) الذي قال إن ابن حزم (الفقيه الذي عاش في القرنين العاشر والحادي عشر) ذهب في تفسيره إلى حد القول إن الله ليس لزاما عليه أن يتمسك حتى بكلمته، ولا شيء يلزمه على أن يطلعنا على الحقيقة. ويمكن للإنسان إذا رغب أن يعبد الأوثان.“
”من هذه النقطة يكون الطريق الفاصل بين فهم طبيعة الله وبين التحقيق المتعمق للدين الذي يتحدانا اليوم. فهل من الفكر اليوناني فقط أن نعتقد أنه أمر مناف للعقل مخالفة طبيعة الله أم أن هذا أمر مفهوم من تلقائه وبصورة دائمة؟ أعتقد أنه ، من هذه الوجهة ، هناك تناغم عميق ملحوظ بين ما هو إغريقي وبين ما ورد في الكتاب المقدس من تأسيس للإيمان بالرب. أول آية في سفر التكوين، وهي أول آية في الكتاب المقدس ككل استخدمها يوحنا في بداية إنجيله قائلا: في البدء كانت الكلمة. هذه هي الكلمة التي كان الإمبراطور يحتاجها: الرب يتحاور بالكلمة، والكلمة هي عقل وكلمة في نفس الوقت. العقل القابل للخلق ويمكن تناقله، شريطة أن يظل رشدا. يوحنا أهدانا بذلك الكلمة الخاتمة لمفهوم الرب في الكتاب المقدس. ففي البدء كانت الكلمة والكلمة هي الرب. الالتقاء بين الرسالة التي نقلها الكتاب المقدس وبين الفكر الإغريقي لم يكن وليد صدفة. فرؤيا بولس المقدس (...) الذي نظر في وجه مقدونياً وسمعه يدعوه: تعال وساعدنا – هذه الرؤية يجب أن تفسر على أنها تكثيف للتلاقي بين العقيدة التي يشتمل عليها الكتاب المقدس وبين السؤال اليوناني.“
”اليوم نعرف أن الترجمة اليونانية للعهد القديم بالإسكندرية (المعروفة باسم السبتواجنتا) أي الترجمة السبعينية، لم تكن مجرد ترجمة للنص العبري فقط بل إنها خطوة هامة في تاريخ الوحي الإلهي، التي أدت إلى انتشار المسيحية.“
”كان هناك تلاق بين الإيمان والعقل، بين التنوير الحقيقي والدين. مانويل الثاني كان يمكنه القول، من خلال الإحساس بطبيعة الإيمان المسيحي، وفي الوقت نفسه بطبيعة الفكر اليوناني الذي اختلط بالعقيدة وامتزج بها، من لا يتحاور بالكلمة فإنه يعارض طبيعة الرب.“
”هنا يمكن ملاحظة أنه في نهايات العصر الوسيط ظهرت اتجاهات في التفسير الديني تجاوزت التركيبة اليونانية والمسيحية. فتميزت مواقف تقترب مما قاله ابن حزم وتتأسس على صورة تعسف الرب الذي لا يرتبط بحقيقة أو بخير.“
”الاستعلاء، الذي هو الطبيعة المخالفة للرب، تجاوزت المدى لدرجة أن رشدنا وفهمنا للحقيقة والخير لم يعد المرآة الحقيقية للرب، وتظل إمكانياتها غير المحدودة مخفية وغير متاحة لنا إلى الأبد. في مقابل ذلك تمسك الاعتقاد الكنسي بحقيقة أنه يوجد بيننا وبين الرب وبين روح الخلق الأبدية وبين عقلنا تطابق.“
”وختاماً فرغم كل السرور الذي نرى به الإمكانيات الجديدة التي أدخلها الإنسان، نرى أيضاً التهديدات التي تتنامى من هذه الإمكانيات. ويجب أن نسأل أنفسنا كيف يمكن أن نسيطر عليها. ولن يمكننا ذلك إلا إذا تلاقى العقل والإيمان بصورة جديدة. ومن خلال ذلك فقط يمكننا أن نكون مؤهلين لحوار حقيقي بين الحضارات والأديان الذي نحن في أمس الحاجة إليه.“
”العقل الذي يكون فيه الجانب الرباني أصم ، والدين الذى ينتمي إلى الثقافات الثانوية هو عقل غير صالح لحوار الحضارات. وقد قال مانويل الثاني إنه ليس من العقل ألا يكون التحاور بالكلمة؛ لأن ذلك سيكون معارضا لطبيعة الرب، قال ذلك من خلال منظوره لصورة الرب المسيحية، لمحاوره الفارسي.. بهذه الكلمات وبهذا البعد من العقل ندعو لحوار الحضارات مع شركائنا.“
انتهى خطاب البابا ، والذى نقلته لكم من موقع إسلام أون لاين.نت.
صدق الله تعالى حيث قال: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} سورة آل عمران (186)
وقال تعالى: {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} آل عمران (69-71)
وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة البقرة (109)
خرج علينا بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر الذى يترأس الكنيسة الكاثوليكية فى محاضرته التى ألقاها فى ألمانيا بجامعة ريجنسبرج بتصريحات مسيئة للإسلام ، تنم فى الحقيقة عن افتقاره للحكمة كرجل سياسى ، وجهله بالدين الإسلامى كرجل دين، جعل الحوار بين الأديان احدى أولويات بابويته ، أو تجهيله لمستمعيه، أو تقريره لأحقاد رجال الدين فى العصور الوسطى، ربما لشحذ همم الأوربيين لكره الإسلام والمسلمين ، أو الحصول على تأييد منهم لممارسات الغرب الإرهابية فى كل الدول الإسلامية ، وخاصة فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان والشيشان.
ويُظهر مشاعر كره هذا البابا وسوء فهمه للإسلام التصريح الذى أدلى به عام 2004 عندما كان كبير علماء اللاهوت فى الفاتيكان ، فقد أعرب فيه عن مناهضته لانضمام تركيا للإتحاد الأوروبى فقط لأنها دولة مسلمة.
وفى الحقيقة لم يحدث هذا بصورة عفوية منه ، بل عن حقد دفين على الإسلام، يؤكد ذلك أن هذا الموضوع وهو التوفيق بين (العلم والدين) أو (العقل والعقيدة) من الموضوعات المفضلة إليه قديما وحديثاً. أى إنه من الموضوعات ، التى ينبغى أن يكون قد قتلها بحثاً. وقد صُدم فيه كل مثقف من المسلمين وغيرهم وفى علمه الضحل بتاريخ الإسلام والمسلمين.
ويتضح حقده هذا فى تعمُّده اقتباس ما قاله القيصر البيزنطى إيمانويل الثانى فى القرن الرابع عشر، دون أن يرد عليه أو يعلق برفضه لكلامه على أساس من العلم، الذى ينبغى أن يكون البابا قد ألم به، نتيجة أبحاثه فى هذا الموضوع، كما أغفل رد المسلم المناظر، الأمر الذى يشعر معه القارىء بتعمده تجهيل وتضليل من يسمع له. وأتمنى أن يكون كل من سمع له فى ألمانيا وفى العالم كله قد فهم هذا ، وإلا لكانت الكارثة محققة. حيث يقود أعمى أناس ربطت أعينها لكى لا ترى ، وتركته يقودهم إلى الظلام الذى يتخبط هو فيه.
لذلك لم يستشهد مثلاً بما قاله القيصر الألمانى جليوم الثانى قبل أقل من قرن واحد، بدلاً من أن يذهب سبعة قرون إلى الوراء ليصل للقيصر البيزنطى إيمانويل الثانى. كما أغفل ما قاله غيره من العلماء والفلاسفة الألمان عن الإسلام.
وعلى الرغم من كل هذا يخرج علينا المتحدث باسم الفاتيكان ليقول تصريحاً لا يقبله العقل، ولا أعرف هل هذه العقول هى التى تدير شئون الكاثوليك فى العالم، أم أنهم يستجهلون المسلمين، ويسيئون الظن بهم وبعقولهم. فقد قال فدريكو لومباردى: "من الواضح أن نية البابا هى تشجيع موقف من الاحترام والحوار تجاه الأديان والثقافات الأخرى ، ومن الواضح أن ذلك يشمل الإسلام".
ما هذا الهراء؟ وهل تعتقد أن السباب والإتهام دون علم سيجعلكم تكسبون فى ساحة الحوار؟ إن هذا ربما يتم فى حلبة المصارعة الحرة ، حيث يخرج علينا المصارع الهزيل بعبارات تملأها الثقة، ويُلوِّح بالنصر ، ليكسب تأييد زائف من أناس ، تصب عليه لعناتها عند هزيمته هزيمة لا يُسمع له صوت بعدها. فأنتم الذين تهربون من المناظرات ، ويا ليت بابا الفاتيكان يقبل مناظرة المسلمين فى أى من عقائده التى يؤمن بها ، ويدعو العالم إليها!
وأوضح لك عزيزى البابا: أن للحوار أدابه وقواعده كما تعلم ، فمتى التزم بها المتحاورون ، كان الحوار مثمراً وبنّاءً ، وإلا فإنه سيفتح أبواباً من الجدل العقيم ، وإثارة الأحقاد الدفينة ، والضغائن القديمة ، الأمر الذى لا يفيد قضية الحوار ، بل ربما أتى بنقيض ما أريد بها.
فلك عزيزى البابا أن تكفر بالله ورسوله كما تشاء، وأن تُسىء الظن، وألا تُحسن فهم الإسلام ورسالته كما يحلو لك ، ولك أن تسجد للأقانيم ، وتماثيل يسوع ومريم وغيرهم، فهذا شأنك، فلا إكراه فى الدين، لأن حسابك فى تلك القضية عند الله، أما أن يُحوَّل هذا الكفر إلى سباب وأكاذيب ، فهذا ليس من باب أحبوا أعداءكم ، وهو مخالفة صريحة لدينك وللعقل، الذى تدعى أنه هو ميزان المسيحية الوحيد ، ويُخالف منطق الحوار الذى تُطالب به ، وترفع لواءه. فأنت بذلك تحيد عن الموضوعية ، وتُغلق باب الحوار قبل أن تفتحه ، كما لو كان لسان حالك يتمنى ألا يُفتح حوار مع المسلمين ، ربما لخوفك من افتضاح تاريخ المسيحية الأسود على البشرية ، وربما لخوفك من اتساع رقعة هروب الكاثوليك من هذا الدين أكثر ، لبعده عن العقل والمنطق ، وربما لإيمانك بقوة الإسلام الروحية، وتأثيره على نفوس البشر.
وأسألك عزيزى بابا الفاتيكان: هل قرأت ما نشره العالم الطبيب الفرنسى موريس بوكاى عن الإسلام ورسوله فى كتابه (التوراة والإنجيل والعلم الحديث)؟
وأسألك: هل قرأت ما قاله المؤرخ الأوروبى "جيمس ميتشنر" عن الرسول فى مقال تحت عنوان "الشخصية الخارقة"؟
وأسألك: هل قرأت ما قاله الروائى الروسى والفيلسوف الكبير تولستوى عن الإسلام ورسوله فى مقال له بعنوان "من هو محمد؟"؟ إنه يقول: (إن محمداً هو مؤسس ورسول، كان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنسانى خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، .. .. ومنعها من سفك الدماء ، وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقى والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتى قوة ، ورجل مثله جدير بالاحترام والإجلال).
ويقف المفكر لورد هدلى مندهشاً عند معاملة النبى للأسرى من المشركين فى معركة بدر الكبرى ، مُلاحظاً فيها ذروة الأخلاق السمحة والمعاملة الطيبة الكريمة ، ثم يتساءل: "أفلا يدل هذا على أن محمداً لم يكن متصفاً بالقسوة ولا متعطشاً للدماء؟ كما يقول خصومه ، بل كان دائماً يعمل على حقن الدماء جهد المستطاع ، وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها ، إلى أقصاها ، وجاءه وفد نجران اليمنيون بقيادة البطريق ، ولم يحاول قط أن يكرههم على اعتناق الإسلام ، فلا إكراه فى الدين ، بل أمَّنَهم على أموالهم وأرواحهم ، وأمر ألا يتعرض لهم أحد فى معتقداتهم وطقوسهم الدينية).
ويقول الفيلسوف الفرنسى (وولتر): (إن السنن التى أتى بها النبى محمد كانت كلها قاهرة للنفس ومهذبة لها ، وجمالها جَلَبَ للدين المحمدى غاية الإعجاب ومنتهى الإجلال، ولهذا أسلمت شعوب عديدة من أمم الأرض ، حتى زنوج أواسط أفريقيا، وسكان جزر المحيط الهندى). اقرأها مرة أخرى عزيزى البابا!
ويقول الفيلسوف والكاتب الإنجليزى المعروف برنارد شو: (إن أوروبا الآن ابتدأت تحس بحكمة محمد، وبدأت تعيش دينه، كما أنها ستبرىء العقيدة الإسلامية مما اتهمها بها من أراجيف رجال أوروبا فى العصور الوسطى).
ولا أريد أن أنقل لك كل ما قاله عظماء المفكرين والفلاسفة فى العالم من أمثال الفيلسوف توماس كارليل فى القرن التاسع عشر ، والمستشرق الأمريكى إدوارد رمسى ، والفيلسوف والشاعر الفرنسى لامارتين ، والعالم الألمانى رودى بارت ، والأستاذ بالسربون إدوارد بروى ، ومارسيل بوازار ، وآرنولد توينبى المؤرخ البريطانى المعاصر، وول ديورانت ، وجوستاف لوبون ، وجورج برنارد شو ، وفولتير، ومايكل هارت، والمستشرق الإيطالى مايكل أنجلو أغناطيوس، والدكتورة الألمانية زيجريد هونكه ، وكارل بروكمان ، والشاعر الأديب الألمانى جوته ، وآينشتاين ، وجان جاك روسو ، وغيرهم الكثيرون. ويُرجع فى ذلك إلى كتاب (الرسول فى عيون غربية منصفة) وكتاب (الإسلام فى عيون غربية)
فأين أنت أيها البابا من هذه الشهادات التى أثبت العلم والتاريخ صحتها، ولم تُثبت أنت عكسها إلا إدعاءً وتطاولاً دون تبيان؟
وإذا كنت لم تقرأ هذه الشهادات وتُكذبها بتوثيق تاريخى وعلمى ، فألا تدل قراءاتك لمن يسبون الإسلام ويتحاملون عليه أنك تؤيدهم فيما يذهبون إليه دون علم؟ ألا يدل هذا على تعصبك ضد الإسلام؟ ألا ينفى هذا القداسة التى يعتقدها الناس فيك؟ ألا ينفى هذا بُعد الروح القدس عنك ، وهى المرشدة صاحبها إلى الخير والتقى الأمر الذى يهز ثقة أتباعك أنك ممثل الرب على الأرض؟
وربما يظن القارىء أنه ليس من السهل تجهيل الأوروبى ، لأنه إنسان قارىء ومثقف. فى الحقيقة لقد جانب الصواب من يظن ذلك. فهم أناس يقرأ القليلون منهم الكتب المتخصصة ، والأقل منهم من يهتم بالدين أو يقرأ فيه، ويقرأ الكثيرون القصص والروايات بمختلف اتجاهاتها.
لذلك كان من السهل جداً تجهيلهم وتضليلهم فقط عن طريق وسائل الإعلام ، ويستحضرنى حديث امرأة سويسرية ، قالت لى: "لا يمكنك أن تتخيل مدى الرعب الذى يجتاحنا فى أوروبا من أن يحكمنا مسلم". وسألتها لماذا؟ فقالت لى: ألا تعلم أن المسلم لا يتورَّع ولا يتردد عن قتل أى مسيحى؟ فسألتها عن مصدر هذه المعلومات، فقالت لى: إن هذه الحقيقة معروفة للكل ، فهى تُعد من الحقائق لدينا.
فقلت لها: أى إنك قرأت هذا فى الصحف السويسرية ، وسمعتِها فى وسائل الإعلام الأوروبية ، وربما درستٍها فى المدرسة. فقالت لى: نعم. فقلت لها: ألا تلاحظين أن كل وسائل الإعلام هذه طرف غير محايد فى الموضوع. فمن مصلحتهم أن يشوهوا الإسلام ، لتظلوا أسرى هذا الدين ، تشعرون معه أنه دين الأمن والسلام والمحبة. وبدأ يتطرق بنا الحديث إلى عدة موضوعات عن أقوال القرآن عن الحرب والأسرى ، وأقوال الرسول عن القتال ، وما دوافع القتال لدى المسلم ، والتطبيقات العملية لذلك من المسلمين من وقت أن فتح عمرو بن العاص مصر.
وقد بُهتت المرأة مما سمعت ، وخاصة أنها تعلم أن دينها انتشر بالإرهاب ، وأن تحديد أسماء الكتب المقدسة داخل كتابها (القانون) فُرضَ بالقوة، وتم تثبيته بالسلاح.
وكان هذا هو نفس تصرف الملك فيصل رحمه الله تعالى فى رده على العالم الطبيب موريس بوكاى قبل أن يسلم ، فقال رداً على عدم إعجابه بالقرآن، واعتقاده أنه ليس منزلاً من عند الله، أنه لم يقرأ القرآن باللغة التى نزل بها، ولكنه أخذها عن مترجم، قد يُخطىء، وقد يُصيب، والمشكلة أنه اعتقد أنه معصوم وصدق ما قرأه له. فكانت نقطة تحول للطبيب الباحث عن الحق، كثَّف بعدها دراسته للغة العربية، وقرأ القرآن بلغته التى نزل بها ، وهداه الله للإسلام.
وعلى ذلك فجريمة تغريب الغرب والشرق عن الحقائق ليست وليدة اليوم ، بل هى استمرار للنيل من الإسلام ، واستكمالاً لسلب ثروات المسلمين ، تحت أى مسمَّى كان. فقد كذب البابا جرجورى السابع المنحدر من عائلة يهودية وسمَّى المسلمين كفرة ، وطالب بالحرب ضدهم. وبالفعل قامت الحروب الصليبية بعده بمائة سنة على يد باباوات كذبة أيضاً منهم أوربان الثانى وأيولوسولت الثانى وهم أيضاً من اليهود الذين ادعوا التنصُّر، وادعوا أن المسلمين يمنعون المسيحيين من الصلاة فى بيت المقدس ، بينما الحقيقة التى أعلنوها فيما بعد هى أنهم أرادوا الإستيلاء على الأراضى التى تفيض لبناً وعسلاً.
هذا وقد تباينت التصريحات وردود الفعل المختلفة بين مطالب البابا بالإعتذار ، وبين مطالبه بسحب كلامه ، أو توضيح مراده ، إن لم يقصد الإساءة إلى الإسلام والمسلمين. ومنهم من طالبه بقراءة القرآن والسنة والتاريخ الإسلامى من مصادره ، ومنهم من اتهمه بالجهل بالدين الإسلامى ، أو بالتعصب الأعمى للمسيحية ، ومنهم من اتهمه صراحة أنه يقوم بتعبئة الرأى العام الأوروبى ضد الإسلام والمسلمين ، بانحيازه إلى الصهيونية العالمية ، والتى يمثلها أيضاً الرئيس الأمريكى بوش.
فأصدر مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ، والذى يقع مركزه الرئيسى في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الامريكية ، بياناً يحتوي على إجابات على الملاحظات التي أبداها البابا بشأن قضايا عقيدية في الإسلام. قال فيه:
إنه "ورغم كل مشاعر الغضب والاستياء التي تجتاح العالم الإسلامي عامة وتجتاح مشاعر أعضاء المجمع وخبرائه خاصة بمناسبة هذه التصريحات الفجة ، إلا أننا سننطلق من أدب الإسلام في مجادلة المخالفين، ونستصحب قوله تعالى في محكم آياته: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} سورة العنكبوت (46) ، وسنتوجه بكلمة هادئة إلى البابا بنديكت السادس عشر وإلى العالم من ورائه راجين أن يكون فيها إقامة للحجة وتبرئة للذمة".
في البداية وصف بيان مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا تصريحات البابا بأنها "تنم عن ذهول أو جحود لأبسط الحقائق الإسلامية، الأمر الذي لا يليق برجل في مثل سنه ومكانته اللاهوتية، فهو الذي شارف الثمانين من عمره، وأنفق حياته بأسرها في الدراسات اللاهوتية، وتبوأ منصب الأستاذية بالجامعة، وأسس بها علم الأديان، وتدرج في المناصب اللاهوتية حتى تبوأ منصب البابوية منذ ما يزيد على عام".
ثم تناول البيان بالتفنيد الشرعي ما أثاره البابا حول طلاقة المشيئة الإلهية، والثبات والتطور في مدلول كلمات الله، والعلاقة بين الاسلام والعقل، ومفهوم الجهاد في الاسلام، والجديد الذي جاء به محمد . ثم أجاب عما إذا كان يمكن اعتبار ما صدر عن البابا من قبيل الزلة العارضة.
وفى الحقيقة المتتبع لتصاريح البابا السابقة والحالية ليقف متعجباً من مواقفه، فتارة تجده يصرح بأنه يحترم الإسلام، فى الوقت الذى يرميه فيه بالتعصب المقيت، وإذا حاولت أن تجمع بين التصريحين لن تتمكن من ذلك سبيلا.
إلا أن البابا لم يكتف بهذه التصريحات ، بل أعلن أسفه لغباء المسلمين وسوء فهمهم لكلماته الواضحة المعنى. فأساء إلى المسلمين مرة أخرى ، بدلاً من أن يعتذر لهم ، ولو بإعلانه أن هذا هو ما يفهمه بالفعل عن الإسلام ، ويعد المسلمين بدراسة دينهم وتاريخهم دراسة متأنية ، ليعلن لهم الحقيقة التى توصل إليها.
ولو كان الأمر بيدى لطالبته بالإعتذار للشعوب المنكوبة من جراء حروب الصهيونية والدول الإستعمارية التى يؤيد البابا إرهابهم للآمنين ، ولو بعدم توجيه أى اتهام لهم.
ولو كان الأمر بيدى لطالبته بالإعتذار لشعوب الدول المسيحية المسالمين لعدم توضيح الإعلام أو الفاتيكان حقائق الأمور المتعلقة بالدين وعقيدة المسلمين ، أو الكتاب الذى يقدسه البابا، ويدعو إليه الفاتيكان، وينفق فى سبيله مليارات الدولارات التى يدفعها المساكين من دافعى الضرائب والمتبرعون ، ليتهجم البابا باسم إله المحبة على إله المحبة وعلى عقيدة مسالمة ، ولا ترفع السيف إلا فى وجه كل معتدٍ: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}سورة البقرة (190)، وتسالم من يطلب السلام: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} سورة الأنفال (61)
ولو كان الأمر بيدى لطالبته بالإعتذار لكل فرد فى العالم لأن تصريحه سوف يُعبىء الرأى العام العالمى ضد الإسلام والمسلمين، الأمر الذى سوف يؤدى إلى تصارع وحروب العديد من الطوائف ، وفى النهاية سوف تنتهى بحرب صليبية ثامنة.
ولو كان الأمر بيدى لطالبته بالإعتذار لله حيث يصدق الكتاب الذى يقول عن الرب إنه بات مخموراً: (65فَاسْتَيْقَظَ الرَّبُّ كَنَائِمٍ كَجَبَّارٍ مُعَيِّطٍ مِنَ الْخَمْرِ) مزامير 78: 65
ولو كان الأمر بيدى لطالبته بالإعتذار لله على ما نسبوه له من أنه يأمر بالفحشاء والمنكر ، فقد أمر موسى ـ كما يدعون ـ بسرقة ذهب ومنسوجات المصريين عند خروجهم من مصر ، (21وَأُعْطِي نِعْمَةً لِهَذَا الشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ. فَيَكُونُ حِينَمَا تَمْضُونَ أَنَّكُمْ لاَ تَمْضُونَ فَارِغِينَ. 22بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً وَتَضَعُونَهَا عَلَى بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. فَتَسْلِبُونَ الْمِصْرِيِّينَ».) خروج 3: 21-22 وكذلك أيضاً (35وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. طَلَبُوا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً. 36وَأَعْطَى الرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى أَعَارُوهُمْ. فَسَلَبُوا الْمِصْرِيِّينَ)تكوين12: 35-36
كما يدعون أن الرب أمر نبيه هوشع بالزنى، والزواج من زانية وإنجاب أولاد من الزنى: (2أَوَّّلَ مَا كَلَّمَ الرَّبُّ هُوشَعَ قَالَ الرَّبُّ لِهُوشَعَ: «اذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلاَدَ زِنًى لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً الرَّبَّ!».) هوشع 1: 2 ؛ (1وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «اذْهَبْ أَيْضاً أَحْبِبِ امْرَأَةً حَبِيبَةَ صَاحِبٍ وَزَانِيَةً كَمَحَبَّةِ الرَّبِّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) هوشع 3: 1
فى الحقيقة فالبابا مُطالب بالإعتذار دون إنقطاع ، فاسألوا الله له الهداية!
لقد فهم المسلمون كلامه كما أراده البابا والدليل على ذلك أنه لم يستجب لمستشاريه ، الذين لفتوا نظره لخطورة كلامه هذا ، قبل أن يُلقيه ، ودليل آخر على أن كلامه قد فهمه المسلمون كيفما أراده البابا أن صحيفة النيويورك تايمز أدانت تصريحات البابا فى افتتاحية عددها الصادر يوم السبت 16 سبتمبر 2006 ، مطالبة البابا بوجوب اعتذاره قائلة: ”إن العالم يستمع باهتمام لكلمات أى بابا .. وإنه من الخطير والمؤلم أن ينشر أحد ما الألم سواء عامداً أو غير مكترث .. إن البابا بحاجة إلى أن يقدم اعتذاراً عميقاً ومقنعاً ليبين أن الكلمات يمكن أيضاً أن تشفى الجراح“.
ونأخذ نحن أيضاً على الجريدة أنها على الرغم من اتهامها للبابا بالقسوة فى خطابه، إلا إنها تؤكد بصورة مستترة كلامه ، وتتمنى لو أن البابا قد عالج هذه الجراح بالكلمات اللينة.
كما أدانت الكاتبة باربارا إنجل فى صحيفة ”دير بوند“ المحايدة حديث البابا، واعتبرته غير موفق ، وتؤكد أن "خير مخرج من هذه الأزمة هو اعتذار البابا للمسلمين، ليثبت بأنه يطبق التسامح الذي ينادي به".
وتحت عنوان (هنا خدع البابا نفسه) كتب ميخائيل ماير في الصحيفة الليبرالية السويسرية ”تاجِس أنتسايجر“ يقول "لم يكن البابا ذكيا عند اختياره للحديث عن الإسلام هذه المقاطع التي لا تتناسب مع مكانته السابقة كأستاذ متخصص في علوم اللاهوت ولا مع منصبه الحالي كرأس الكنيسة الكاثوليكية" ، ويؤكد أن نتيجة تصريح البابا هذا هي أن "الحوار السلمي بين الأديان قد خرج عن مساره الصحيح بسبب تلك التصريحات البابوية".
وقالت انجريد ماتسون رئيسة الجمعية الإسلامية لشمال أميركا الأربعاء وفى موقع ”عرب تايمز“ على شبكة النت إن انتقادات البابا للإسلام "غير دقيقة وانتهازية". وأوضحت انجريد فى تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية قائلة: "أشعر بخيبة أمل" إزاء تصريحات البابا.
كما قال الحاخام السفارادي (لليهود الشرقيين) الأكبر في إسرائيل شلومو عمّار فى رسالة إلى الشيخ يوسف القرضاوي معبراً عن أسفه لحديث البابا: إن "طريقنا هي احترام كل ديانة وكل أمة وشعب وفقا لطريقتهم, وحتى عندما يكون هناك صراع بين شعوب لا يتوجب تحويله إلى حرب أديان."
كما دعا الرئيس الفرنسى جاك شيراك لعدم الخلط بين الإسلام والتطرف.
لذلك عبَّر العديد من المسئولين بالفاتيكان ، طالبوا بعدم الكشف عن هوياتهم ، عن قلقهم قبل أن يلقى البابا خطابه الذى كتبه بنفسه كما ذكرت جريدة (الشرق الأوسط) بموقع النبأ على شبكة النت. ”وقال المسؤولون إنه كان هناك قلق قبل أن يلقي الخطاب من ناحية رد الفعل بين المسلمين والكيفية التي تصور وسائل الإعلام بها الفقرات ذات العلاقة بالإسلام. وقال المسؤولون إن ذلك القلق وصل إلى الحلقة العليا للقيادة، ولكن من غير الواضح ما إذا كان قد وصل إلى البابا.“
تعريف بالبابا بنديكت السادس عشر
هو أستاذ اللاهوت السابق ، وبابا الكاثوليك حالياً ، اسمه الأصلى جوزيف آلويس راتسينجر ، ولد لأسرة ريفية تعيش في ظروف متواضعة أثناء الإحتفالات بعيد الفصح، أى يوم 16-4-1927م لعائلة ألمانية كاثوليكية تتمسك بتعاليم دينها، في منطقة بافاريا، الواقعة بحنوب ألمانيا ، والتى تنتشر فيها الكاثوليكية انتشاراً كبيراً ، ويفخر راتسينجر أنه تمَّ تعميده يوم ميلاده ب ”ماء عيد الفصح“.
أعرب جوزيف عن رغبته في أن يصبح قسيساً عندما بلغ السادسة عشرة من عمره ، مثل عمّ أبيه جورج راتسينجر، الذي كان قسيساً وعضواً في مجلس الرايخ الألماني آنذاك، كما كان أخوه جورج راتسينجر قسيساً أيضاً. وخدم فى الجيش النازى ، فكان عمله إنشاء حواجز ضدّ الدبابات في النمسا، الواقعة جنوبى بافاريا، وذلك حتى الأيّام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وكان منذ عام 1941م من "شبيبة هتلر".
كما تذكر الصفحة الرسمية بعبارة واحدة أنّ راتسينجر "طُلب في الشهور الأخيرة من الحرب العالمية الثانية لخدمة سلاح الدفاع الجوي"، ولا تذكر أنّه كان قبل تلك الفترة ـ أي منذ كان في الرابعة عشرة من عمره ـ عضوا فيما سمّي "شبيبة هتلر" وأنّه قام بعدد من المهامّ آنذاك، ولكنّ مصادر كنسية أخرى تشير إلى أنّ جميع طلبةِ معاهدَ متميّزةٍ بعينها، كمعهد "سانت ميشائيل" الذي انتسب إليه جوزيف راتسينجر، كانوا يُضمّون قسرا إلى تلك المنظمة الشبابية، لضمان انضباطهم.
وتذكر الصفحة الشبكية أنّه عايش كيف اعتدى النازيون على أحد القساوسة بالضرب، مؤكّدة عداء النازية للكنيسة الكاثوليكية، ومتجاوزة ما يقال عنها في تلك الحقبة وما يُنشر من شبهات حول سكوتها عن النازية أو حتى التعاون معها، وهذا ما ارتبط تاريخياً باسم البابا بيوس الثاني عشر (شغل المنصب من 1939 حتى وفاته 1958م).
كما بلغ على المستوى العلمي التخصّصي في علم الأديان (الكاثوليكي) وفي المناصب الكنسية، ما لم يبلغه سواه من معاصريه، وما جعل اختياره متوقّعا، بل لم تستغرق عملية الاختيار مدة طويلة عندما نقارن 28 ساعة مع ما استغرقته فى الماضى. ففي القرون الماضية استمرت لأسابيع أو لشهور بل وتوفي بعض الكرادلة أثناء المجمع، وفي احدى المرات استغرق أحد المجامع ثلاث سنوات.
لكن ماذا يعنى انتخاب البابا بنديكت السادس عشر وراء أبواب مغلقة لمدة 28 ساعة؟ هل يعنى هذا أن انتخابه كان انتخابا سياسياً؟
فى الحقيقة لا يمكن إلغاء العامل السياسي كليّا، ولكن لا ريب أنّ الوصول إلى منصب البابوية في روما لا يتحقّق إلاّ لمن بلغ في منزلته الكنسية أعلى الرتب، وهذا ما يسري على بنديكت أيضا ، الذى بلغ الثامنة والسبعين من عمره عند اختياره ، وهو يجيد الألمانية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية والأسبانية واللاتينية، كما يقرأ اللغتين الإغريقية والعبرية.
وفي سائر الأحوال فإنّ هذه الفترة ـ رغم كونها محدودة الأثر على حياته ـ لم تمنع من انتشار الانزعاج في الأوساط اليهودية بسبب اختياره، إلى درجة قول بعض المسؤولين الإسرائيليين "اليوم خرج دخان أسود من مبنى الفاتيكان"، في إشارة ذات مغزى إلى الدخان الأبيض الذي يطلقه المسؤولون في الفاتيكان، عندما يتمّ الاتفاق وراء الأبواب المغلقة على اسم البابا الكاثوليكي الجديد، ومضى الموقف الحكومي الإسرائيلي الرسمي إلى الإشارة لخلفيته التاريخية بلهجة دبلوماسية تنطوي على مطالبته بسياسة محدّدة، عبر القول إنّ "هذا البابا الجديد سيكون بخلفيّته مثل سلفه تماما، صوتا قويا ضدّ العداء للسامية بكافة أشكال ظهوره".
لذلك خاطب اليهود فى أول قداس أشرف عليه بعد انتخابه أواخر أبريل 2005م بقوله (الإخوة الأعزاء) وأفاض عليهم بكلمات تملأها المودة والإعزاز، ولم يذكر المسلمين بكلمة ، ربما حفاظاً على مشاعر اليهود أيضاً ، الذين يمقتون الإسلام والمسلمين.
وربما كان هذا هو الذى جعله يقع تحت ضغط اللوبى اليهودى فيخطب ودهم ، سواء بإدانة النازية ، واعترافه بالمحارق الهتلرية لليهود ، أو بإذاعة تصريحات تتهم الإسلام بالتطرف ، وتوحد الأوربيين ضد الإسلام والمسلمين.
لذلك زار البابا بنديكت المعبد اليهودى فى ألمانيا ، وبعد ما حيا البابا الجميع بالعبرانية ، تفقد مشاركة قيادة الرابطة اليهودية صالة ذكرى المحرقة النازية داخل المعبد ، وذلك بحضور وزير الداخلية الألمانى وقادة أحزاب ألمانيا. ووصفها البابا بأنها جريمة لا توصف ولم تكن تخطر بالبال مسبقاً.
وأضاف قائلاً: إننى أحنى رأسى أمام الذين عانوا من (جرائم النازية) التى لا يمكن وصفها، والأحداث الرهيبة فى ذلك الوقت، ويتعين علينا أن نوقظ ضمائرنا، وننهى الصراعات ، ونتحرك نحو السلام.
وأكد البابا أن زيارته للكنيس اليهودى يعنى خطوة فى نهج تحسين العلاقات والصداقة مع اليهود ، الذى سلكه سلفه البابا الراحل يوحنا بولس الثانى.
وقد قام راتسينجر فى شبابه بدراسة الفلسفة واللاهوت (علم الأديان الكاثوليكي)، في ميونيخ، وقبل حصوله على الدكتوراة عام 1953م بعامين تمّ تعيينه "قسيسا"، وكانت رسالة الدكتوراة التي كتبها حول "شعب الإله وبيته في تعاليم أوجوستينوس الكنسية".
ويُذكر أنّه لم يكن من أنصار "توما الأكويني" الذي توفي عام 1274م، ويعتبر من أوائل المجدّدين الكنسيين عبر محاولته التوفيق بين التعاليم الكنسية وفلسفة "أرسطو" العقلانية، متأثرا بما نُقل عن الفيلسوف العربي ابن رشد، أمّا أوجوستينوس الذي توفي عام 430م، فيعتبر أشهر مراجع التعاليم الكنسية إطلاقا، ويمكن ذكر ثلاثة إنجازات كبرى له، ذات علاقة باقتناعات البابا الكاثوليكي الحالي:
1- ترسيخ ما عُرف بالدوجما الكنسية، أي الإملاءات العقدية الكنسية، فما تقوله الكنيسة هو "الدين" ويجب أن يطاع، وإن تناقض مع العقل، والكنيسة هي "البشر" الذين يبلغون إرادة الله لسواهم (فقد استخدم الخالق مخلوقه الإنسان وأوحى إليه لينطق بكلمته إلى العالم) وفق مقولة تُنسب إلى بنديكت السادس عشر، والإنجيل (كلمة الله التي أوصلها عبر المجتمع الإنساني) ويوجد (منطق داخلي يحكم الإنجيل المسيحي يجيز له ويتطلب أيضا تعديله وتطبيقه بحسب الأوضاع الجديدة).
وبهذا فالبابا على اقتناع تام أنه المندوب السامى الإلهى على الأرض ، وما يحله أو يحرمه ، فعلى أتباع الكنيسة أن يؤمنوا أن هذا الذى يفعله البابا هو من عند الرب. لأن هذا هو الدين ، وعن طريقه يخلد المرء فى الجنة بعد موته: (فما تقوله الكنيسة هو "الدين" ويجب أن يطاع، وإن تناقض مع العقل). كما يُعطى لنفسه وكنيسته الحق فى تغيير الإنجيل و(تعديله وتطبيقه بحسب الأوضاع الجديدة)
والجدير بالذكر أن من أهمّ القضايا العقدية التي تستحوذ على اهتمام البابا بنديكت السادس عشر قضية العلاقة بين العقل والإيمان، والتي كانت موضوع محاضرته المختلف إليها بسبب إساءته للإسلام فيها، عبر القول بوجود تناقض بينه وبين العقل والعلم.
2- تثبيت الأسلوب الكنسي في معاملة من يرفض الطاعة، وينكر ـ أو حتى يشكّك في ـ ما تقول به الكنيسة الكاثوليكية على صعيد العقيدة، فيُتّهم آنذاك بالهرطقة، وقد حدّد أوجوستينوس لمعاملته درجات متتالية، تبدأ بمحاولة الإقناع، ثمّ ممارسة الشدّة باعتدال، ثمّ العقاب والنفي، وتنتهي إلى الإعدام.
وإن دلَّ هذا فيدل على القسر فى اعتناق الكاثوليكية ، وإلا الخراب والدمار يقفان له بالمرصاد. وقد طبّقت الكنيسة ذلك زهاء تسعة قرون عندما امتلكت السلطة مع القياصرة أو بمفردها.
3- بعد خلافات كنسية حادّة استمرّت ثلاثة قرون من قبل، كان أوجستينوس هو الذي أقرّ صياغة عقيدة التثليث التي تبنّتها الكنيسة من بعد، ومحورها قوله "المسيح إله إنسان وإنسان إله في وقت واحد"، وأضيف لاحقا عليها اعتبار الروح القدس هو الأقنوم الإلهيّ الثالث، واستمرّت الخلافات الكنسية على التفاصيل بضعة قرون أخرى، وهي في مقدّمة أسباب تعدّد الكنائس المسيحية، كما أنّها من بين أسباب أخرى من وراء ما وقع من حروب دينية طاحنة آنذاك، كحرب المائة عام وحرب الثلاثين عاما وغيرها، وهو ما يذكّر بدوره بحديث بنديكت السادس عشر في المحاضرة المشار إليها عن مسألة العنف، وتناقضه مع الدين. وستجد فى كل ما نسبه بنديكت للإسلام ، هو ما يُشين تاريخ المسيحية ، وارتباطها الأزلى بالعنف والتخلص من المخالفين. لذلك ينطبق عليه المثل القائل: (رمتنى بدائها وانسلت).
وممّا يشير أيضا إلى ارتباط فكر البابا الكاثوليكي بتعاليم أوجستينوس أنّه بعد حصوله على درجة الأستاذية عام 1957م، انتُدب لتدريس فرع "الإملاءات العقدية الكنسية" وفرع "الدين الأصولي"، ولاحقا "تاريخ الإملاءات العقدية الكنسية" وغير ذلك في عدد من كليّات علم اللاهوت الكنسي في الجامعات الألمانية.
حصل راتسينجر على الدكتوراة عام 1953م في العلوم الدينية، وعلى درجة الأستاذية عام 1957م في فرع "أسس علم الأديان"، وبدأ بالتدريس في العام التالي، لما يُسمّى الإملاءات العقدية الكنسية وتاريخها، وفي عام 1959م بدأ التدريس في جامعة بون بمحاضرة عنوانها ”إله الإيمان وإله الفلسفة“، وفى عام 1969م في جامعة ريجينسبورج (وهي الجامعة التي ألقى فيها محاضرته يوم 12/9/2006م، التي تضمّنت الإساءة إلى الإسلام) وفي عام 1977م أصبح كبيرَ الأساقفة في المدينة نفسها، وبعد شهر واحد تمّ تعيينه برتبة "كاردينال"، وفي تلك الفترة كان لقاؤه الأول مع سلفه يوحنا بولس الثاني، قبل أن يصل الأخير إلى كرسي البابوية في روما بفترة وجيزة.
وفي الفترة التي جمعت بين دراسته الجامعية ومناصبه الكنسية، بدأت اتجاهاته الكنسية بالظهور، ومن بينها التأكيد أنّ على البابا الكاثوليكي أن يأخذ في قراراته الحاسمة مجموع الكنيسة في الاعتبار، منتقدا الانفراد والمركزية في اتخاذ القرار الكنسي. ولكنّ "إصلاح الكنيسة" باتجاهٍ "ديمقراطي" لم يستمرّ طويلا، بل اضمحلّ نسبياً في مواقفه وكتاباته لاحقا، ويعلّل هو ذلك بتأثره بمصادماته سابقا مع أنصار ما يسمّى "ثورة الطلبة"، وأصبح في هذه الأثناء يُصنّف بين "المحافظين" في نطاق الكنيسة، والمقصود بهذا التصنيف في الدرجة الأولى مواقفه على الصعيد الاجتماعي أي رفضه المطلق لتمييع موقف الكنيسة في قضايا العلاقات الجنسية، لا سيّما ما انتشر من تقنين الشذوذ في كثير من البلدان الغربية في هذه الأثناء، بالإضافة إلى رفضه انخراط النساء في المراتب الكنسية الكاثوليكية العليا.
كنت قد جهزت ردى على بابا الفاتيكان وسلمته للطباعة من أكثر من شهرين مضيا ، وتاخرت المطابع ، إضافة إلى قلة الموارد ، وبالتالى تأخر الرد ، ويرى الناشر أن طباعته فى كتاب تأخر وأن الموضوع قد مات ، مثل موضوع تهجم الدنيمارك على الرسول صلى الله عليه وسلم. وأرى أن أضعه على المنتدى ليستفيد به الكل ، ولننتظر رداً من البابا أو من يمثله بالنيابة أو بالأصالة عن نفسه:
نص خطاب بابا الفاتيكان:
ألقى بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر محاضرة في جامعة ريجنسبورج بولاية بافاريا بجنوب ألمانيا إلى أساتذة جامعيين وطلاب اللاهوت فى راتيسبون جنوب ألمانيا ، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 12-9-2006 ، كان عنوانها ”الإيمان والعقل والجامعة .. ذكريات وانعكاسات“، ودار مضمونها حول الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية في العلاقة التي يقيمها كل منهما بين الإيمان والعقل.
ومن هنا كان خطر هذه المحاضرة ، فهو يوجه هذا الكلام الذى ستقرأه بعد قليل لقساوسة ورهبان وأساقفة وكاردينالات ورجال سياسة وحرب، وكل منهم يرأس مجموعة من البشر ، فلك أن تتخيل أن البابا يحشد ما يقرب من 800 مليون كاثوليكى فى العالم لمعاداة الإسلام ، ناهيك عن ملايين أخرى من البشر الذين يأخذون كلام البابا دون فحص أو تمحيص ، أو قد يأيدون البابا مع انتمائهم لطوائف أو أحزاب أو إتجاهات أخرى.
فأنا أرى أن البابا أطلق بهذا الكلام النفير العام لمحاربة المسلمين والتهجم عليهم وعلى عقائدهم ، وهذا يبعده عن روح المحبة التى ينادى بها كل أتباعه ، ويتنافر مع نقضه لمن لا يُحكِّم عقله ، ويهرع للسلاح بدلاً من الحوار.
وهذا فعلاً ما حدث ، فقد فجر الزعيم الروحي السابق للكنيسة الأنجيليكية بلندن اللورد كاري أزمة جديدة مع المسلمين في جميع أنحاء العالم، وأعلن تأييده لتصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر المسيئة للإسلام ، وكذلك تحديه لما وصفه ”بالعنف“ في الإسلام. ويعتبر أسقف كانتربري وزعيم هذه الكنيسة الإنجليزية هو أعلى سلطة دينية مسيحية هنا.
وفي خطاب مستفز للمسلمين قال كاري إنه ينبغي على المسلمين أن يعالجوا ”على وجه السرعة“ مسألة ارتباط الإسلام بالعنف على حد زعمه. وقال في خطابه الذي ألقاه في أحد المعاهد في منطقة بيركشير غربي لندن إنه يرى أن ”الصدام بين الحضارات هو صدام مع الإسلام ككل وليس مع المتطرفين“ فقط .
http://www.almahdy.net/vb/showthread.php?t=3738
هذا على الرغم من هجوم بعض الصحفيين ورجال الدين الباحثين عن الحقيقة على البابا ، فقد أورد موقع الجزيرة على شبكة النت بعضاً منها، ففي صحيفة ”دير بوند“ المحايدة كتبت باربارا إنجل تقول ”إن غضب الشارع الإسلامي يعود إلى عاملين اثنين، الأول أن بعض الحكومات والمنظمات تتعمد تحريك مشاعر الناس، والثاني أن الغرب المسيحي يضخم في كثير من الأحيان من الأشياء ويكذب، مثلما فعل الرئيس بوش لإقناع العالم بخطورة ما يصفه بالإرهاب.“
وتعتقد إنجل أن كلمات البابا كان لها بعد سياسي أكثر مما هي دينية، سيما أن الحديث عن الحكمة والمنطق والعقل يعطي الانطباع بأن البابا لا يقصد فقط أتباعه المتدينين ولكن أيضا الزعماء الأقوياء في العالم، أي بوش وأولمرت وأحمدي نجاد.
وترى الكاتبة أن استقاء الأمثلة من الإسلام على العلاقة بين الدين والعنف غير موفق، لأن تاريخ المسيحية "يعطينا المزيد من الأمثلة على استخدام الدين كستار للعنف ابتداء من الحروب الصليبية ومرورا بمحاكم التفتيش"، وتؤكد أن "خير مخرج من هذه الأزمة هو اعتذار البابا للمسلمين، ليثبت بأنه يطبق التسامح الذي ينادي به".
وتحت عنوان (هنا خدع البابا نفسه) كتب ميخائيل ماير في الصحيفة الليبرالية السويسرية ”تاجِس أنتسايجر“ يقول "لم يكن البابا ذكيا عند اختياره للحديث عن الإسلام هذه المقاطع التي لا تتناسب مع مكانته السابقة كأستاذ متخصص في علوم اللاهوت ولا مع منصبه الحالي كرأس الكنيسة الكاثوليكية".
ثم يتابع إن الغرب أدرك منذ أزمة الرسوم الكاريكاتورية مدى حساسية الدين ورموزه لدى المسلمين، وأنه لا ينبغي استفزازهم أو جرح مشاعرهم.
ويتساءل ماير "ولكن لماذا فعل البابا عكس ذلك عند زيارته لوطنه الأم؟"، ويجد أن الإجابة هي ببساطة "أن البابا ينظر إلى الكاثوليكية على أنها أعلى من جميع الديانات، ولم يتغير موقفه هذا منذ بدأ سلمه الكهنوتي، وهو يبدو للناس من الخارج رجلا هادئا ولكنه من الداخل من المتشددين".
ويؤكد أن البابا انتهى به المطاف إلى أن "أصبح لا يرى سوى ظلال دينه، فكان لابد للساسة ورجال الدين أن يذكروه الآن بالحروب الصليبية وكيف تعاملت الكنيسة مع المسلمين واليهود في الأندلس"، لكن النتيجة هي أن "الحوار السلمي بين الأديان قد خرج عن مساره الصحيح بسبب تلك التصريحات البابوية".
وفى موقع ”عرب تايمز“ على شبكة النت قالت انجريد ماتسون رئيسة الجمعية الإسلامية لشمال أميركا الأربعاء إن انتقادات البابا للإسلام "غير دقيقة وانتهازية". وأوضحت انجريد فى تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أن "الربط الواضح بين الإسلام وديانة تقوم على العنف أمر غير دقيق وانتهازي." وأضافت انجريد أن البابا "يستفيد من الظرف السياسى الحالى فى مسعى لتسجيل نقاط دينية" مشددة على أن "الوقت غير ملائم للدخول فى مثل هذه المسابقات، إن هدف القيادات الدينية يجب أن يكون قيادة رعاياهم إلى قيم أفضل وأسمى." وقالت انجريد ماتسون وهى أول امرأة تتولى رئاسة الجمعية الإسلامية لشمال أميركا منذ بداية أيلول- سبتمبر "أشعر بخيبة أمل" إزاء تصريحات البابا. وتضم الجمعية فى عضويتها حوالى 20 ألف عضو فى الولايات المتحدة وكندا كما يتبعها 350 مسجدا ومركزا اسلامياً.
وأضافت انجريد وهى أستاذة للدراسات الإسلامية فى هارتفورد بولاية كونكتيكت "إذا بدأنا القيام بمقارنة بين العنف الذى ارتكب باسم الكنيسة الكاثوليكية وذلك الذى ارتكب باسم الإسلام فإن هذه المقارنة ستأخذ الكثير من الوقت"، فى اشارة الى محاكم التفتيش التابعة للكنيسة ومعارضة الاصلاح والحروب الصليبية.
http://www.arabtimes.com/news/EEVlkuVAZpKQsRfbNm.php
كما بعث الحاخام السفارادي (لليهود الشرقيين) الأكبر في إسرائيل شلومو عمّار برسالة إلى الشيخ يوسف القرضاوي في قطر عبّر فيها عن أسفه على أقوال البابا بنديكتوس السادس عشر حول النبي محمد والإسلام. وأفاد موقع هآرتس الالكتروني الأحد 18-9-2006 أن الحاخام عمار كتب للشيخ القرضاوي أن "طريقنا هي احترام كل ديانة وكل أمة وشعب وفقا لطريقتهم, وحتى عندما يكون هناك صراع بين شعوب لا يتوجب تحويله إلى حرب أديان."
بدأ البابا المحاضرة باجترار الذكريات التي عايشها أثناء مرحلة الدراسة والعمل بالجامعات الألمانية ومن بينها جامعة ريجنسبورج .. .. ثم انتقل للحديث عن العلاقة بين العقل والعنف في الديانة الإسلامية والخلاف في هذا الصدد بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، واستشهد بهذه المناسبة بكتاب يفترض أنه للإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350-1425) وفي هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "حوارات مع مسلم المناظرة السابعة"، وقدمه ونشره في الستينيات عالم اللاهوت الألماني واللبناني الأصل تيودور خوري من جامعة مونستر، يعرض الإمبراطور الحوار المفترض أنه أجراه بين 1394 و1402 مع فارسي مسلم مجهول.
كما أدان البابا فى تصريحه الذى ألقاه غداة ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر 2001 ”الجهاد“ و”اعتناق الدين مروراً بالعنف“ ، وذلك ليُظهر مدى تسامح المسيحية مع المخالفين لها، مقارناً ذلك بالجهاد فى الإسلام، وذلك تبعاً لما كتبته الصحيفة الألمانية ”الفرانكفورتر ألجيماينه تسايتونج“ ، متناسياً محاكم التفتيش ، وحرق الساحرات، وحرق كتب ومكتبات وعلوم كل من أتى بشىء يُخالف تعاليم الكنيسة أو الكتاب الذى تقدسه ، فقد قالت حرفياً: إن ”البابا تطرق إلى مفهوم الجهاد ليُظهر الفارق بين المسيحية والإسلام“.
وفيما يلي ترجمة عربية من إسلام أون لاين.نت للفقرات الكاملة من محاضرة البابا المتعلقة بهذا المحور (العلاقة بين العقل والعنف في الإسلام والمسيحية)، نقلا عن موقع الفاتيكان الإلكتروني باللغة الألمانية:
”تداعت هذه الذكريات إلى ذهني عندما قرأت منذ فترة وجيزة جزءاً من حوار نشره البروفيسور تيودور خوري، من جامعة مونستر، جرى بين الإمبراطور البيزنطي العالم مانويل الثاني ومثقف فارسي حول المسيحية والإسلام وحقيقة كل منهما خلال إقامته بالمعسكر الشتوي بالقرب من أنقره عام 1391.“
”يبدو أن هذا الإمبراطور قد سجل هذا الحوار إبان حصار القسطنطينية بين عامي 1394 و1402، ويدل على ذلك أن مناظرته كانت أكثر توسعا من مناظرة محاوره الفارسي“.
”الحوار تناول كل ما يتعلق بشرح بنيان العقيدة حسبما ورد بالكتاب المقدس والقرآن، وركز الحوار بصفة خاصة على صورة الرب وصورة الإنسان، أو على العلاقة بين ما نسميه الشرائع الثلاثة أو نظم الحياة الثلاثة، ألا وهي العهد القديم والعهد الجديد والقرآن.“
”في هذه المحاضرة لا أريد أن أناقش هذه القضية، ولكن أريد التطرق لنقطة واحدة فقط هامشية نسبياً وشغلتني في كل هذا الحوار وتتعلق بموضوع الإيمان والعقل، وهذه النقطة تمثل نقطة الانطلاق لتأملاتي حول هذا الموضوع.“
”ففي جولة الحوار السابعة كما أوردها البروفيسور خوري تناول الإمبراطور موضوع الجهاد، أي الحرب المقدسة. من المؤكد أن الإمبراطور كان على علم بأن الآية 256 من السورة الثانية بالقرآن (سورة البقرة) تقول: لا إكراه في الدين .. إنها من أوائل السور، كما يقول لنا العارفون ، وتعود للحقبة التي لم يكن لمحمد فيها سلطة ويخضع لتهديدات. ولكن الإمبراطور من المؤكد أيضا أنه كان على دراية بما ورد، في مرحلة لاحقة، في القرآن حول الحرب المقدسة.“
”وبدون أن يتوقف على التفاصيل، مثل الفرق في معاملة (الإسلام) للمؤمنين وأهل الكتاب والكفار، طرح الإمبراطور على نحو مفاجئ على محاروه (...) السؤال المركزي بالنسبة لنا عن العلاقة بين الدين والعنف بصورة عامة. فقال: أرني شيئا جديدا أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف.“
”الإمبراطور يفسر بعد ذلك بالتفصيل لماذا يعتبر نشر الدين عن طريق العنف أمرا منافيا للعقل. فعنف كهذا يتعارض مع طبيعة الله وطبيعة الروح. فالرب لا يحب الدم، والعمل بشكل غير عقلاني مخالف لطبيعة الله، والإيمان هو ثمرة الروح وليس الجسد؛ لذا من يريد حمل أحد على الإيمان يجب أن يكون قادرا على التحدث بشكل جيد والتفكير بشكل سليم وليس على العنف والتهديد .. لإقناع روح عاقلة لا نحتاج إلى ذراع أو سلاح ولا أي وسيلة يمكن أن تهدد أحدا بالقتل.“
”الجملة الفاصلة في هذه المحاججة ضد نشر الدين بالعنف هي: العمل بشكل مناف للعقل مناف لطبيعة الرب، وقد علق المحرر تيودور خوري على هذه الجملة بالقول: بالنسبة للإمبراطور وهو بيزنطي تعلم من الفلسفة الإغريقية، هذه المقولة واضحة. في المقابل، بالنسبة للعقيدة الإسلامية، الرب ليست مشيئته مطلقة وإرادته ليست مرتبطة بأي من مقولاتنا ولا حتى بالعقل.“
”ويستشهد (تيودور) خوري في هذا الشأن بكتاب للعالم الفرنسي المتخصص في الدراسات الإسلامية (روجيه) ارنالديز (توفي في إبريل الماضي) الذي قال إن ابن حزم (الفقيه الذي عاش في القرنين العاشر والحادي عشر) ذهب في تفسيره إلى حد القول إن الله ليس لزاما عليه أن يتمسك حتى بكلمته، ولا شيء يلزمه على أن يطلعنا على الحقيقة. ويمكن للإنسان إذا رغب أن يعبد الأوثان.“
”من هذه النقطة يكون الطريق الفاصل بين فهم طبيعة الله وبين التحقيق المتعمق للدين الذي يتحدانا اليوم. فهل من الفكر اليوناني فقط أن نعتقد أنه أمر مناف للعقل مخالفة طبيعة الله أم أن هذا أمر مفهوم من تلقائه وبصورة دائمة؟ أعتقد أنه ، من هذه الوجهة ، هناك تناغم عميق ملحوظ بين ما هو إغريقي وبين ما ورد في الكتاب المقدس من تأسيس للإيمان بالرب. أول آية في سفر التكوين، وهي أول آية في الكتاب المقدس ككل استخدمها يوحنا في بداية إنجيله قائلا: في البدء كانت الكلمة. هذه هي الكلمة التي كان الإمبراطور يحتاجها: الرب يتحاور بالكلمة، والكلمة هي عقل وكلمة في نفس الوقت. العقل القابل للخلق ويمكن تناقله، شريطة أن يظل رشدا. يوحنا أهدانا بذلك الكلمة الخاتمة لمفهوم الرب في الكتاب المقدس. ففي البدء كانت الكلمة والكلمة هي الرب. الالتقاء بين الرسالة التي نقلها الكتاب المقدس وبين الفكر الإغريقي لم يكن وليد صدفة. فرؤيا بولس المقدس (...) الذي نظر في وجه مقدونياً وسمعه يدعوه: تعال وساعدنا – هذه الرؤية يجب أن تفسر على أنها تكثيف للتلاقي بين العقيدة التي يشتمل عليها الكتاب المقدس وبين السؤال اليوناني.“
”اليوم نعرف أن الترجمة اليونانية للعهد القديم بالإسكندرية (المعروفة باسم السبتواجنتا) أي الترجمة السبعينية، لم تكن مجرد ترجمة للنص العبري فقط بل إنها خطوة هامة في تاريخ الوحي الإلهي، التي أدت إلى انتشار المسيحية.“
”كان هناك تلاق بين الإيمان والعقل، بين التنوير الحقيقي والدين. مانويل الثاني كان يمكنه القول، من خلال الإحساس بطبيعة الإيمان المسيحي، وفي الوقت نفسه بطبيعة الفكر اليوناني الذي اختلط بالعقيدة وامتزج بها، من لا يتحاور بالكلمة فإنه يعارض طبيعة الرب.“
”هنا يمكن ملاحظة أنه في نهايات العصر الوسيط ظهرت اتجاهات في التفسير الديني تجاوزت التركيبة اليونانية والمسيحية. فتميزت مواقف تقترب مما قاله ابن حزم وتتأسس على صورة تعسف الرب الذي لا يرتبط بحقيقة أو بخير.“
”الاستعلاء، الذي هو الطبيعة المخالفة للرب، تجاوزت المدى لدرجة أن رشدنا وفهمنا للحقيقة والخير لم يعد المرآة الحقيقية للرب، وتظل إمكانياتها غير المحدودة مخفية وغير متاحة لنا إلى الأبد. في مقابل ذلك تمسك الاعتقاد الكنسي بحقيقة أنه يوجد بيننا وبين الرب وبين روح الخلق الأبدية وبين عقلنا تطابق.“
”وختاماً فرغم كل السرور الذي نرى به الإمكانيات الجديدة التي أدخلها الإنسان، نرى أيضاً التهديدات التي تتنامى من هذه الإمكانيات. ويجب أن نسأل أنفسنا كيف يمكن أن نسيطر عليها. ولن يمكننا ذلك إلا إذا تلاقى العقل والإيمان بصورة جديدة. ومن خلال ذلك فقط يمكننا أن نكون مؤهلين لحوار حقيقي بين الحضارات والأديان الذي نحن في أمس الحاجة إليه.“
”العقل الذي يكون فيه الجانب الرباني أصم ، والدين الذى ينتمي إلى الثقافات الثانوية هو عقل غير صالح لحوار الحضارات. وقد قال مانويل الثاني إنه ليس من العقل ألا يكون التحاور بالكلمة؛ لأن ذلك سيكون معارضا لطبيعة الرب، قال ذلك من خلال منظوره لصورة الرب المسيحية، لمحاوره الفارسي.. بهذه الكلمات وبهذا البعد من العقل ندعو لحوار الحضارات مع شركائنا.“
انتهى خطاب البابا ، والذى نقلته لكم من موقع إسلام أون لاين.نت.
صدق الله تعالى حيث قال: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} سورة آل عمران (186)
وقال تعالى: {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} آل عمران (69-71)
وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة البقرة (109)
خرج علينا بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر الذى يترأس الكنيسة الكاثوليكية فى محاضرته التى ألقاها فى ألمانيا بجامعة ريجنسبرج بتصريحات مسيئة للإسلام ، تنم فى الحقيقة عن افتقاره للحكمة كرجل سياسى ، وجهله بالدين الإسلامى كرجل دين، جعل الحوار بين الأديان احدى أولويات بابويته ، أو تجهيله لمستمعيه، أو تقريره لأحقاد رجال الدين فى العصور الوسطى، ربما لشحذ همم الأوربيين لكره الإسلام والمسلمين ، أو الحصول على تأييد منهم لممارسات الغرب الإرهابية فى كل الدول الإسلامية ، وخاصة فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان والشيشان.
ويُظهر مشاعر كره هذا البابا وسوء فهمه للإسلام التصريح الذى أدلى به عام 2004 عندما كان كبير علماء اللاهوت فى الفاتيكان ، فقد أعرب فيه عن مناهضته لانضمام تركيا للإتحاد الأوروبى فقط لأنها دولة مسلمة.
وفى الحقيقة لم يحدث هذا بصورة عفوية منه ، بل عن حقد دفين على الإسلام، يؤكد ذلك أن هذا الموضوع وهو التوفيق بين (العلم والدين) أو (العقل والعقيدة) من الموضوعات المفضلة إليه قديما وحديثاً. أى إنه من الموضوعات ، التى ينبغى أن يكون قد قتلها بحثاً. وقد صُدم فيه كل مثقف من المسلمين وغيرهم وفى علمه الضحل بتاريخ الإسلام والمسلمين.
ويتضح حقده هذا فى تعمُّده اقتباس ما قاله القيصر البيزنطى إيمانويل الثانى فى القرن الرابع عشر، دون أن يرد عليه أو يعلق برفضه لكلامه على أساس من العلم، الذى ينبغى أن يكون البابا قد ألم به، نتيجة أبحاثه فى هذا الموضوع، كما أغفل رد المسلم المناظر، الأمر الذى يشعر معه القارىء بتعمده تجهيل وتضليل من يسمع له. وأتمنى أن يكون كل من سمع له فى ألمانيا وفى العالم كله قد فهم هذا ، وإلا لكانت الكارثة محققة. حيث يقود أعمى أناس ربطت أعينها لكى لا ترى ، وتركته يقودهم إلى الظلام الذى يتخبط هو فيه.
لذلك لم يستشهد مثلاً بما قاله القيصر الألمانى جليوم الثانى قبل أقل من قرن واحد، بدلاً من أن يذهب سبعة قرون إلى الوراء ليصل للقيصر البيزنطى إيمانويل الثانى. كما أغفل ما قاله غيره من العلماء والفلاسفة الألمان عن الإسلام.
وعلى الرغم من كل هذا يخرج علينا المتحدث باسم الفاتيكان ليقول تصريحاً لا يقبله العقل، ولا أعرف هل هذه العقول هى التى تدير شئون الكاثوليك فى العالم، أم أنهم يستجهلون المسلمين، ويسيئون الظن بهم وبعقولهم. فقد قال فدريكو لومباردى: "من الواضح أن نية البابا هى تشجيع موقف من الاحترام والحوار تجاه الأديان والثقافات الأخرى ، ومن الواضح أن ذلك يشمل الإسلام".
ما هذا الهراء؟ وهل تعتقد أن السباب والإتهام دون علم سيجعلكم تكسبون فى ساحة الحوار؟ إن هذا ربما يتم فى حلبة المصارعة الحرة ، حيث يخرج علينا المصارع الهزيل بعبارات تملأها الثقة، ويُلوِّح بالنصر ، ليكسب تأييد زائف من أناس ، تصب عليه لعناتها عند هزيمته هزيمة لا يُسمع له صوت بعدها. فأنتم الذين تهربون من المناظرات ، ويا ليت بابا الفاتيكان يقبل مناظرة المسلمين فى أى من عقائده التى يؤمن بها ، ويدعو العالم إليها!
وأوضح لك عزيزى البابا: أن للحوار أدابه وقواعده كما تعلم ، فمتى التزم بها المتحاورون ، كان الحوار مثمراً وبنّاءً ، وإلا فإنه سيفتح أبواباً من الجدل العقيم ، وإثارة الأحقاد الدفينة ، والضغائن القديمة ، الأمر الذى لا يفيد قضية الحوار ، بل ربما أتى بنقيض ما أريد بها.
فلك عزيزى البابا أن تكفر بالله ورسوله كما تشاء، وأن تُسىء الظن، وألا تُحسن فهم الإسلام ورسالته كما يحلو لك ، ولك أن تسجد للأقانيم ، وتماثيل يسوع ومريم وغيرهم، فهذا شأنك، فلا إكراه فى الدين، لأن حسابك فى تلك القضية عند الله، أما أن يُحوَّل هذا الكفر إلى سباب وأكاذيب ، فهذا ليس من باب أحبوا أعداءكم ، وهو مخالفة صريحة لدينك وللعقل، الذى تدعى أنه هو ميزان المسيحية الوحيد ، ويُخالف منطق الحوار الذى تُطالب به ، وترفع لواءه. فأنت بذلك تحيد عن الموضوعية ، وتُغلق باب الحوار قبل أن تفتحه ، كما لو كان لسان حالك يتمنى ألا يُفتح حوار مع المسلمين ، ربما لخوفك من افتضاح تاريخ المسيحية الأسود على البشرية ، وربما لخوفك من اتساع رقعة هروب الكاثوليك من هذا الدين أكثر ، لبعده عن العقل والمنطق ، وربما لإيمانك بقوة الإسلام الروحية، وتأثيره على نفوس البشر.
وأسألك عزيزى بابا الفاتيكان: هل قرأت ما نشره العالم الطبيب الفرنسى موريس بوكاى عن الإسلام ورسوله فى كتابه (التوراة والإنجيل والعلم الحديث)؟
وأسألك: هل قرأت ما قاله المؤرخ الأوروبى "جيمس ميتشنر" عن الرسول فى مقال تحت عنوان "الشخصية الخارقة"؟
وأسألك: هل قرأت ما قاله الروائى الروسى والفيلسوف الكبير تولستوى عن الإسلام ورسوله فى مقال له بعنوان "من هو محمد؟"؟ إنه يقول: (إن محمداً هو مؤسس ورسول، كان من عظماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنسانى خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، .. .. ومنعها من سفك الدماء ، وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقى والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتى قوة ، ورجل مثله جدير بالاحترام والإجلال).
ويقف المفكر لورد هدلى مندهشاً عند معاملة النبى للأسرى من المشركين فى معركة بدر الكبرى ، مُلاحظاً فيها ذروة الأخلاق السمحة والمعاملة الطيبة الكريمة ، ثم يتساءل: "أفلا يدل هذا على أن محمداً لم يكن متصفاً بالقسوة ولا متعطشاً للدماء؟ كما يقول خصومه ، بل كان دائماً يعمل على حقن الدماء جهد المستطاع ، وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها ، إلى أقصاها ، وجاءه وفد نجران اليمنيون بقيادة البطريق ، ولم يحاول قط أن يكرههم على اعتناق الإسلام ، فلا إكراه فى الدين ، بل أمَّنَهم على أموالهم وأرواحهم ، وأمر ألا يتعرض لهم أحد فى معتقداتهم وطقوسهم الدينية).
ويقول الفيلسوف الفرنسى (وولتر): (إن السنن التى أتى بها النبى محمد كانت كلها قاهرة للنفس ومهذبة لها ، وجمالها جَلَبَ للدين المحمدى غاية الإعجاب ومنتهى الإجلال، ولهذا أسلمت شعوب عديدة من أمم الأرض ، حتى زنوج أواسط أفريقيا، وسكان جزر المحيط الهندى). اقرأها مرة أخرى عزيزى البابا!
ويقول الفيلسوف والكاتب الإنجليزى المعروف برنارد شو: (إن أوروبا الآن ابتدأت تحس بحكمة محمد، وبدأت تعيش دينه، كما أنها ستبرىء العقيدة الإسلامية مما اتهمها بها من أراجيف رجال أوروبا فى العصور الوسطى).
ولا أريد أن أنقل لك كل ما قاله عظماء المفكرين والفلاسفة فى العالم من أمثال الفيلسوف توماس كارليل فى القرن التاسع عشر ، والمستشرق الأمريكى إدوارد رمسى ، والفيلسوف والشاعر الفرنسى لامارتين ، والعالم الألمانى رودى بارت ، والأستاذ بالسربون إدوارد بروى ، ومارسيل بوازار ، وآرنولد توينبى المؤرخ البريطانى المعاصر، وول ديورانت ، وجوستاف لوبون ، وجورج برنارد شو ، وفولتير، ومايكل هارت، والمستشرق الإيطالى مايكل أنجلو أغناطيوس، والدكتورة الألمانية زيجريد هونكه ، وكارل بروكمان ، والشاعر الأديب الألمانى جوته ، وآينشتاين ، وجان جاك روسو ، وغيرهم الكثيرون. ويُرجع فى ذلك إلى كتاب (الرسول فى عيون غربية منصفة) وكتاب (الإسلام فى عيون غربية)
فأين أنت أيها البابا من هذه الشهادات التى أثبت العلم والتاريخ صحتها، ولم تُثبت أنت عكسها إلا إدعاءً وتطاولاً دون تبيان؟
وإذا كنت لم تقرأ هذه الشهادات وتُكذبها بتوثيق تاريخى وعلمى ، فألا تدل قراءاتك لمن يسبون الإسلام ويتحاملون عليه أنك تؤيدهم فيما يذهبون إليه دون علم؟ ألا يدل هذا على تعصبك ضد الإسلام؟ ألا ينفى هذا القداسة التى يعتقدها الناس فيك؟ ألا ينفى هذا بُعد الروح القدس عنك ، وهى المرشدة صاحبها إلى الخير والتقى الأمر الذى يهز ثقة أتباعك أنك ممثل الرب على الأرض؟
وربما يظن القارىء أنه ليس من السهل تجهيل الأوروبى ، لأنه إنسان قارىء ومثقف. فى الحقيقة لقد جانب الصواب من يظن ذلك. فهم أناس يقرأ القليلون منهم الكتب المتخصصة ، والأقل منهم من يهتم بالدين أو يقرأ فيه، ويقرأ الكثيرون القصص والروايات بمختلف اتجاهاتها.
لذلك كان من السهل جداً تجهيلهم وتضليلهم فقط عن طريق وسائل الإعلام ، ويستحضرنى حديث امرأة سويسرية ، قالت لى: "لا يمكنك أن تتخيل مدى الرعب الذى يجتاحنا فى أوروبا من أن يحكمنا مسلم". وسألتها لماذا؟ فقالت لى: ألا تعلم أن المسلم لا يتورَّع ولا يتردد عن قتل أى مسيحى؟ فسألتها عن مصدر هذه المعلومات، فقالت لى: إن هذه الحقيقة معروفة للكل ، فهى تُعد من الحقائق لدينا.
فقلت لها: أى إنك قرأت هذا فى الصحف السويسرية ، وسمعتِها فى وسائل الإعلام الأوروبية ، وربما درستٍها فى المدرسة. فقالت لى: نعم. فقلت لها: ألا تلاحظين أن كل وسائل الإعلام هذه طرف غير محايد فى الموضوع. فمن مصلحتهم أن يشوهوا الإسلام ، لتظلوا أسرى هذا الدين ، تشعرون معه أنه دين الأمن والسلام والمحبة. وبدأ يتطرق بنا الحديث إلى عدة موضوعات عن أقوال القرآن عن الحرب والأسرى ، وأقوال الرسول عن القتال ، وما دوافع القتال لدى المسلم ، والتطبيقات العملية لذلك من المسلمين من وقت أن فتح عمرو بن العاص مصر.
وقد بُهتت المرأة مما سمعت ، وخاصة أنها تعلم أن دينها انتشر بالإرهاب ، وأن تحديد أسماء الكتب المقدسة داخل كتابها (القانون) فُرضَ بالقوة، وتم تثبيته بالسلاح.
وكان هذا هو نفس تصرف الملك فيصل رحمه الله تعالى فى رده على العالم الطبيب موريس بوكاى قبل أن يسلم ، فقال رداً على عدم إعجابه بالقرآن، واعتقاده أنه ليس منزلاً من عند الله، أنه لم يقرأ القرآن باللغة التى نزل بها، ولكنه أخذها عن مترجم، قد يُخطىء، وقد يُصيب، والمشكلة أنه اعتقد أنه معصوم وصدق ما قرأه له. فكانت نقطة تحول للطبيب الباحث عن الحق، كثَّف بعدها دراسته للغة العربية، وقرأ القرآن بلغته التى نزل بها ، وهداه الله للإسلام.
وعلى ذلك فجريمة تغريب الغرب والشرق عن الحقائق ليست وليدة اليوم ، بل هى استمرار للنيل من الإسلام ، واستكمالاً لسلب ثروات المسلمين ، تحت أى مسمَّى كان. فقد كذب البابا جرجورى السابع المنحدر من عائلة يهودية وسمَّى المسلمين كفرة ، وطالب بالحرب ضدهم. وبالفعل قامت الحروب الصليبية بعده بمائة سنة على يد باباوات كذبة أيضاً منهم أوربان الثانى وأيولوسولت الثانى وهم أيضاً من اليهود الذين ادعوا التنصُّر، وادعوا أن المسلمين يمنعون المسيحيين من الصلاة فى بيت المقدس ، بينما الحقيقة التى أعلنوها فيما بعد هى أنهم أرادوا الإستيلاء على الأراضى التى تفيض لبناً وعسلاً.
هذا وقد تباينت التصريحات وردود الفعل المختلفة بين مطالب البابا بالإعتذار ، وبين مطالبه بسحب كلامه ، أو توضيح مراده ، إن لم يقصد الإساءة إلى الإسلام والمسلمين. ومنهم من طالبه بقراءة القرآن والسنة والتاريخ الإسلامى من مصادره ، ومنهم من اتهمه بالجهل بالدين الإسلامى ، أو بالتعصب الأعمى للمسيحية ، ومنهم من اتهمه صراحة أنه يقوم بتعبئة الرأى العام الأوروبى ضد الإسلام والمسلمين ، بانحيازه إلى الصهيونية العالمية ، والتى يمثلها أيضاً الرئيس الأمريكى بوش.
فأصدر مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ، والذى يقع مركزه الرئيسى في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الامريكية ، بياناً يحتوي على إجابات على الملاحظات التي أبداها البابا بشأن قضايا عقيدية في الإسلام. قال فيه:
إنه "ورغم كل مشاعر الغضب والاستياء التي تجتاح العالم الإسلامي عامة وتجتاح مشاعر أعضاء المجمع وخبرائه خاصة بمناسبة هذه التصريحات الفجة ، إلا أننا سننطلق من أدب الإسلام في مجادلة المخالفين، ونستصحب قوله تعالى في محكم آياته: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} سورة العنكبوت (46) ، وسنتوجه بكلمة هادئة إلى البابا بنديكت السادس عشر وإلى العالم من ورائه راجين أن يكون فيها إقامة للحجة وتبرئة للذمة".
في البداية وصف بيان مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا تصريحات البابا بأنها "تنم عن ذهول أو جحود لأبسط الحقائق الإسلامية، الأمر الذي لا يليق برجل في مثل سنه ومكانته اللاهوتية، فهو الذي شارف الثمانين من عمره، وأنفق حياته بأسرها في الدراسات اللاهوتية، وتبوأ منصب الأستاذية بالجامعة، وأسس بها علم الأديان، وتدرج في المناصب اللاهوتية حتى تبوأ منصب البابوية منذ ما يزيد على عام".
ثم تناول البيان بالتفنيد الشرعي ما أثاره البابا حول طلاقة المشيئة الإلهية، والثبات والتطور في مدلول كلمات الله، والعلاقة بين الاسلام والعقل، ومفهوم الجهاد في الاسلام، والجديد الذي جاء به محمد . ثم أجاب عما إذا كان يمكن اعتبار ما صدر عن البابا من قبيل الزلة العارضة.
وفى الحقيقة المتتبع لتصاريح البابا السابقة والحالية ليقف متعجباً من مواقفه، فتارة تجده يصرح بأنه يحترم الإسلام، فى الوقت الذى يرميه فيه بالتعصب المقيت، وإذا حاولت أن تجمع بين التصريحين لن تتمكن من ذلك سبيلا.
إلا أن البابا لم يكتف بهذه التصريحات ، بل أعلن أسفه لغباء المسلمين وسوء فهمهم لكلماته الواضحة المعنى. فأساء إلى المسلمين مرة أخرى ، بدلاً من أن يعتذر لهم ، ولو بإعلانه أن هذا هو ما يفهمه بالفعل عن الإسلام ، ويعد المسلمين بدراسة دينهم وتاريخهم دراسة متأنية ، ليعلن لهم الحقيقة التى توصل إليها.
ولو كان الأمر بيدى لطالبته بالإعتذار للشعوب المنكوبة من جراء حروب الصهيونية والدول الإستعمارية التى يؤيد البابا إرهابهم للآمنين ، ولو بعدم توجيه أى اتهام لهم.
ولو كان الأمر بيدى لطالبته بالإعتذار لشعوب الدول المسيحية المسالمين لعدم توضيح الإعلام أو الفاتيكان حقائق الأمور المتعلقة بالدين وعقيدة المسلمين ، أو الكتاب الذى يقدسه البابا، ويدعو إليه الفاتيكان، وينفق فى سبيله مليارات الدولارات التى يدفعها المساكين من دافعى الضرائب والمتبرعون ، ليتهجم البابا باسم إله المحبة على إله المحبة وعلى عقيدة مسالمة ، ولا ترفع السيف إلا فى وجه كل معتدٍ: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}سورة البقرة (190)، وتسالم من يطلب السلام: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} سورة الأنفال (61)
ولو كان الأمر بيدى لطالبته بالإعتذار لكل فرد فى العالم لأن تصريحه سوف يُعبىء الرأى العام العالمى ضد الإسلام والمسلمين، الأمر الذى سوف يؤدى إلى تصارع وحروب العديد من الطوائف ، وفى النهاية سوف تنتهى بحرب صليبية ثامنة.
ولو كان الأمر بيدى لطالبته بالإعتذار لله حيث يصدق الكتاب الذى يقول عن الرب إنه بات مخموراً: (65فَاسْتَيْقَظَ الرَّبُّ كَنَائِمٍ كَجَبَّارٍ مُعَيِّطٍ مِنَ الْخَمْرِ) مزامير 78: 65
ولو كان الأمر بيدى لطالبته بالإعتذار لله على ما نسبوه له من أنه يأمر بالفحشاء والمنكر ، فقد أمر موسى ـ كما يدعون ـ بسرقة ذهب ومنسوجات المصريين عند خروجهم من مصر ، (21وَأُعْطِي نِعْمَةً لِهَذَا الشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ. فَيَكُونُ حِينَمَا تَمْضُونَ أَنَّكُمْ لاَ تَمْضُونَ فَارِغِينَ. 22بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً وَتَضَعُونَهَا عَلَى بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. فَتَسْلِبُونَ الْمِصْرِيِّينَ».) خروج 3: 21-22 وكذلك أيضاً (35وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. طَلَبُوا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً. 36وَأَعْطَى الرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُِيُونِ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى أَعَارُوهُمْ. فَسَلَبُوا الْمِصْرِيِّينَ)تكوين12: 35-36
كما يدعون أن الرب أمر نبيه هوشع بالزنى، والزواج من زانية وإنجاب أولاد من الزنى: (2أَوَّّلَ مَا كَلَّمَ الرَّبُّ هُوشَعَ قَالَ الرَّبُّ لِهُوشَعَ: «اذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلاَدَ زِنًى لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً الرَّبَّ!».) هوشع 1: 2 ؛ (1وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «اذْهَبْ أَيْضاً أَحْبِبِ امْرَأَةً حَبِيبَةَ صَاحِبٍ وَزَانِيَةً كَمَحَبَّةِ الرَّبِّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) هوشع 3: 1
فى الحقيقة فالبابا مُطالب بالإعتذار دون إنقطاع ، فاسألوا الله له الهداية!
لقد فهم المسلمون كلامه كما أراده البابا والدليل على ذلك أنه لم يستجب لمستشاريه ، الذين لفتوا نظره لخطورة كلامه هذا ، قبل أن يُلقيه ، ودليل آخر على أن كلامه قد فهمه المسلمون كيفما أراده البابا أن صحيفة النيويورك تايمز أدانت تصريحات البابا فى افتتاحية عددها الصادر يوم السبت 16 سبتمبر 2006 ، مطالبة البابا بوجوب اعتذاره قائلة: ”إن العالم يستمع باهتمام لكلمات أى بابا .. وإنه من الخطير والمؤلم أن ينشر أحد ما الألم سواء عامداً أو غير مكترث .. إن البابا بحاجة إلى أن يقدم اعتذاراً عميقاً ومقنعاً ليبين أن الكلمات يمكن أيضاً أن تشفى الجراح“.
ونأخذ نحن أيضاً على الجريدة أنها على الرغم من اتهامها للبابا بالقسوة فى خطابه، إلا إنها تؤكد بصورة مستترة كلامه ، وتتمنى لو أن البابا قد عالج هذه الجراح بالكلمات اللينة.
كما أدانت الكاتبة باربارا إنجل فى صحيفة ”دير بوند“ المحايدة حديث البابا، واعتبرته غير موفق ، وتؤكد أن "خير مخرج من هذه الأزمة هو اعتذار البابا للمسلمين، ليثبت بأنه يطبق التسامح الذي ينادي به".
وتحت عنوان (هنا خدع البابا نفسه) كتب ميخائيل ماير في الصحيفة الليبرالية السويسرية ”تاجِس أنتسايجر“ يقول "لم يكن البابا ذكيا عند اختياره للحديث عن الإسلام هذه المقاطع التي لا تتناسب مع مكانته السابقة كأستاذ متخصص في علوم اللاهوت ولا مع منصبه الحالي كرأس الكنيسة الكاثوليكية" ، ويؤكد أن نتيجة تصريح البابا هذا هي أن "الحوار السلمي بين الأديان قد خرج عن مساره الصحيح بسبب تلك التصريحات البابوية".
وقالت انجريد ماتسون رئيسة الجمعية الإسلامية لشمال أميركا الأربعاء وفى موقع ”عرب تايمز“ على شبكة النت إن انتقادات البابا للإسلام "غير دقيقة وانتهازية". وأوضحت انجريد فى تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية قائلة: "أشعر بخيبة أمل" إزاء تصريحات البابا.
كما قال الحاخام السفارادي (لليهود الشرقيين) الأكبر في إسرائيل شلومو عمّار فى رسالة إلى الشيخ يوسف القرضاوي معبراً عن أسفه لحديث البابا: إن "طريقنا هي احترام كل ديانة وكل أمة وشعب وفقا لطريقتهم, وحتى عندما يكون هناك صراع بين شعوب لا يتوجب تحويله إلى حرب أديان."
كما دعا الرئيس الفرنسى جاك شيراك لعدم الخلط بين الإسلام والتطرف.
لذلك عبَّر العديد من المسئولين بالفاتيكان ، طالبوا بعدم الكشف عن هوياتهم ، عن قلقهم قبل أن يلقى البابا خطابه الذى كتبه بنفسه كما ذكرت جريدة (الشرق الأوسط) بموقع النبأ على شبكة النت. ”وقال المسؤولون إنه كان هناك قلق قبل أن يلقي الخطاب من ناحية رد الفعل بين المسلمين والكيفية التي تصور وسائل الإعلام بها الفقرات ذات العلاقة بالإسلام. وقال المسؤولون إن ذلك القلق وصل إلى الحلقة العليا للقيادة، ولكن من غير الواضح ما إذا كان قد وصل إلى البابا.“
تعريف بالبابا بنديكت السادس عشر
هو أستاذ اللاهوت السابق ، وبابا الكاثوليك حالياً ، اسمه الأصلى جوزيف آلويس راتسينجر ، ولد لأسرة ريفية تعيش في ظروف متواضعة أثناء الإحتفالات بعيد الفصح، أى يوم 16-4-1927م لعائلة ألمانية كاثوليكية تتمسك بتعاليم دينها، في منطقة بافاريا، الواقعة بحنوب ألمانيا ، والتى تنتشر فيها الكاثوليكية انتشاراً كبيراً ، ويفخر راتسينجر أنه تمَّ تعميده يوم ميلاده ب ”ماء عيد الفصح“.
أعرب جوزيف عن رغبته في أن يصبح قسيساً عندما بلغ السادسة عشرة من عمره ، مثل عمّ أبيه جورج راتسينجر، الذي كان قسيساً وعضواً في مجلس الرايخ الألماني آنذاك، كما كان أخوه جورج راتسينجر قسيساً أيضاً. وخدم فى الجيش النازى ، فكان عمله إنشاء حواجز ضدّ الدبابات في النمسا، الواقعة جنوبى بافاريا، وذلك حتى الأيّام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وكان منذ عام 1941م من "شبيبة هتلر".
كما تذكر الصفحة الرسمية بعبارة واحدة أنّ راتسينجر "طُلب في الشهور الأخيرة من الحرب العالمية الثانية لخدمة سلاح الدفاع الجوي"، ولا تذكر أنّه كان قبل تلك الفترة ـ أي منذ كان في الرابعة عشرة من عمره ـ عضوا فيما سمّي "شبيبة هتلر" وأنّه قام بعدد من المهامّ آنذاك، ولكنّ مصادر كنسية أخرى تشير إلى أنّ جميع طلبةِ معاهدَ متميّزةٍ بعينها، كمعهد "سانت ميشائيل" الذي انتسب إليه جوزيف راتسينجر، كانوا يُضمّون قسرا إلى تلك المنظمة الشبابية، لضمان انضباطهم.
وتذكر الصفحة الشبكية أنّه عايش كيف اعتدى النازيون على أحد القساوسة بالضرب، مؤكّدة عداء النازية للكنيسة الكاثوليكية، ومتجاوزة ما يقال عنها في تلك الحقبة وما يُنشر من شبهات حول سكوتها عن النازية أو حتى التعاون معها، وهذا ما ارتبط تاريخياً باسم البابا بيوس الثاني عشر (شغل المنصب من 1939 حتى وفاته 1958م).
كما بلغ على المستوى العلمي التخصّصي في علم الأديان (الكاثوليكي) وفي المناصب الكنسية، ما لم يبلغه سواه من معاصريه، وما جعل اختياره متوقّعا، بل لم تستغرق عملية الاختيار مدة طويلة عندما نقارن 28 ساعة مع ما استغرقته فى الماضى. ففي القرون الماضية استمرت لأسابيع أو لشهور بل وتوفي بعض الكرادلة أثناء المجمع، وفي احدى المرات استغرق أحد المجامع ثلاث سنوات.
لكن ماذا يعنى انتخاب البابا بنديكت السادس عشر وراء أبواب مغلقة لمدة 28 ساعة؟ هل يعنى هذا أن انتخابه كان انتخابا سياسياً؟
فى الحقيقة لا يمكن إلغاء العامل السياسي كليّا، ولكن لا ريب أنّ الوصول إلى منصب البابوية في روما لا يتحقّق إلاّ لمن بلغ في منزلته الكنسية أعلى الرتب، وهذا ما يسري على بنديكت أيضا ، الذى بلغ الثامنة والسبعين من عمره عند اختياره ، وهو يجيد الألمانية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية والأسبانية واللاتينية، كما يقرأ اللغتين الإغريقية والعبرية.
وفي سائر الأحوال فإنّ هذه الفترة ـ رغم كونها محدودة الأثر على حياته ـ لم تمنع من انتشار الانزعاج في الأوساط اليهودية بسبب اختياره، إلى درجة قول بعض المسؤولين الإسرائيليين "اليوم خرج دخان أسود من مبنى الفاتيكان"، في إشارة ذات مغزى إلى الدخان الأبيض الذي يطلقه المسؤولون في الفاتيكان، عندما يتمّ الاتفاق وراء الأبواب المغلقة على اسم البابا الكاثوليكي الجديد، ومضى الموقف الحكومي الإسرائيلي الرسمي إلى الإشارة لخلفيته التاريخية بلهجة دبلوماسية تنطوي على مطالبته بسياسة محدّدة، عبر القول إنّ "هذا البابا الجديد سيكون بخلفيّته مثل سلفه تماما، صوتا قويا ضدّ العداء للسامية بكافة أشكال ظهوره".
لذلك خاطب اليهود فى أول قداس أشرف عليه بعد انتخابه أواخر أبريل 2005م بقوله (الإخوة الأعزاء) وأفاض عليهم بكلمات تملأها المودة والإعزاز، ولم يذكر المسلمين بكلمة ، ربما حفاظاً على مشاعر اليهود أيضاً ، الذين يمقتون الإسلام والمسلمين.
وربما كان هذا هو الذى جعله يقع تحت ضغط اللوبى اليهودى فيخطب ودهم ، سواء بإدانة النازية ، واعترافه بالمحارق الهتلرية لليهود ، أو بإذاعة تصريحات تتهم الإسلام بالتطرف ، وتوحد الأوربيين ضد الإسلام والمسلمين.
لذلك زار البابا بنديكت المعبد اليهودى فى ألمانيا ، وبعد ما حيا البابا الجميع بالعبرانية ، تفقد مشاركة قيادة الرابطة اليهودية صالة ذكرى المحرقة النازية داخل المعبد ، وذلك بحضور وزير الداخلية الألمانى وقادة أحزاب ألمانيا. ووصفها البابا بأنها جريمة لا توصف ولم تكن تخطر بالبال مسبقاً.
وأضاف قائلاً: إننى أحنى رأسى أمام الذين عانوا من (جرائم النازية) التى لا يمكن وصفها، والأحداث الرهيبة فى ذلك الوقت، ويتعين علينا أن نوقظ ضمائرنا، وننهى الصراعات ، ونتحرك نحو السلام.
وأكد البابا أن زيارته للكنيس اليهودى يعنى خطوة فى نهج تحسين العلاقات والصداقة مع اليهود ، الذى سلكه سلفه البابا الراحل يوحنا بولس الثانى.
وقد قام راتسينجر فى شبابه بدراسة الفلسفة واللاهوت (علم الأديان الكاثوليكي)، في ميونيخ، وقبل حصوله على الدكتوراة عام 1953م بعامين تمّ تعيينه "قسيسا"، وكانت رسالة الدكتوراة التي كتبها حول "شعب الإله وبيته في تعاليم أوجوستينوس الكنسية".
ويُذكر أنّه لم يكن من أنصار "توما الأكويني" الذي توفي عام 1274م، ويعتبر من أوائل المجدّدين الكنسيين عبر محاولته التوفيق بين التعاليم الكنسية وفلسفة "أرسطو" العقلانية، متأثرا بما نُقل عن الفيلسوف العربي ابن رشد، أمّا أوجوستينوس الذي توفي عام 430م، فيعتبر أشهر مراجع التعاليم الكنسية إطلاقا، ويمكن ذكر ثلاثة إنجازات كبرى له، ذات علاقة باقتناعات البابا الكاثوليكي الحالي:
1- ترسيخ ما عُرف بالدوجما الكنسية، أي الإملاءات العقدية الكنسية، فما تقوله الكنيسة هو "الدين" ويجب أن يطاع، وإن تناقض مع العقل، والكنيسة هي "البشر" الذين يبلغون إرادة الله لسواهم (فقد استخدم الخالق مخلوقه الإنسان وأوحى إليه لينطق بكلمته إلى العالم) وفق مقولة تُنسب إلى بنديكت السادس عشر، والإنجيل (كلمة الله التي أوصلها عبر المجتمع الإنساني) ويوجد (منطق داخلي يحكم الإنجيل المسيحي يجيز له ويتطلب أيضا تعديله وتطبيقه بحسب الأوضاع الجديدة).
وبهذا فالبابا على اقتناع تام أنه المندوب السامى الإلهى على الأرض ، وما يحله أو يحرمه ، فعلى أتباع الكنيسة أن يؤمنوا أن هذا الذى يفعله البابا هو من عند الرب. لأن هذا هو الدين ، وعن طريقه يخلد المرء فى الجنة بعد موته: (فما تقوله الكنيسة هو "الدين" ويجب أن يطاع، وإن تناقض مع العقل). كما يُعطى لنفسه وكنيسته الحق فى تغيير الإنجيل و(تعديله وتطبيقه بحسب الأوضاع الجديدة)
والجدير بالذكر أن من أهمّ القضايا العقدية التي تستحوذ على اهتمام البابا بنديكت السادس عشر قضية العلاقة بين العقل والإيمان، والتي كانت موضوع محاضرته المختلف إليها بسبب إساءته للإسلام فيها، عبر القول بوجود تناقض بينه وبين العقل والعلم.
2- تثبيت الأسلوب الكنسي في معاملة من يرفض الطاعة، وينكر ـ أو حتى يشكّك في ـ ما تقول به الكنيسة الكاثوليكية على صعيد العقيدة، فيُتّهم آنذاك بالهرطقة، وقد حدّد أوجوستينوس لمعاملته درجات متتالية، تبدأ بمحاولة الإقناع، ثمّ ممارسة الشدّة باعتدال، ثمّ العقاب والنفي، وتنتهي إلى الإعدام.
وإن دلَّ هذا فيدل على القسر فى اعتناق الكاثوليكية ، وإلا الخراب والدمار يقفان له بالمرصاد. وقد طبّقت الكنيسة ذلك زهاء تسعة قرون عندما امتلكت السلطة مع القياصرة أو بمفردها.
3- بعد خلافات كنسية حادّة استمرّت ثلاثة قرون من قبل، كان أوجستينوس هو الذي أقرّ صياغة عقيدة التثليث التي تبنّتها الكنيسة من بعد، ومحورها قوله "المسيح إله إنسان وإنسان إله في وقت واحد"، وأضيف لاحقا عليها اعتبار الروح القدس هو الأقنوم الإلهيّ الثالث، واستمرّت الخلافات الكنسية على التفاصيل بضعة قرون أخرى، وهي في مقدّمة أسباب تعدّد الكنائس المسيحية، كما أنّها من بين أسباب أخرى من وراء ما وقع من حروب دينية طاحنة آنذاك، كحرب المائة عام وحرب الثلاثين عاما وغيرها، وهو ما يذكّر بدوره بحديث بنديكت السادس عشر في المحاضرة المشار إليها عن مسألة العنف، وتناقضه مع الدين. وستجد فى كل ما نسبه بنديكت للإسلام ، هو ما يُشين تاريخ المسيحية ، وارتباطها الأزلى بالعنف والتخلص من المخالفين. لذلك ينطبق عليه المثل القائل: (رمتنى بدائها وانسلت).
وممّا يشير أيضا إلى ارتباط فكر البابا الكاثوليكي بتعاليم أوجستينوس أنّه بعد حصوله على درجة الأستاذية عام 1957م، انتُدب لتدريس فرع "الإملاءات العقدية الكنسية" وفرع "الدين الأصولي"، ولاحقا "تاريخ الإملاءات العقدية الكنسية" وغير ذلك في عدد من كليّات علم اللاهوت الكنسي في الجامعات الألمانية.
حصل راتسينجر على الدكتوراة عام 1953م في العلوم الدينية، وعلى درجة الأستاذية عام 1957م في فرع "أسس علم الأديان"، وبدأ بالتدريس في العام التالي، لما يُسمّى الإملاءات العقدية الكنسية وتاريخها، وفي عام 1959م بدأ التدريس في جامعة بون بمحاضرة عنوانها ”إله الإيمان وإله الفلسفة“، وفى عام 1969م في جامعة ريجينسبورج (وهي الجامعة التي ألقى فيها محاضرته يوم 12/9/2006م، التي تضمّنت الإساءة إلى الإسلام) وفي عام 1977م أصبح كبيرَ الأساقفة في المدينة نفسها، وبعد شهر واحد تمّ تعيينه برتبة "كاردينال"، وفي تلك الفترة كان لقاؤه الأول مع سلفه يوحنا بولس الثاني، قبل أن يصل الأخير إلى كرسي البابوية في روما بفترة وجيزة.
وفي الفترة التي جمعت بين دراسته الجامعية ومناصبه الكنسية، بدأت اتجاهاته الكنسية بالظهور، ومن بينها التأكيد أنّ على البابا الكاثوليكي أن يأخذ في قراراته الحاسمة مجموع الكنيسة في الاعتبار، منتقدا الانفراد والمركزية في اتخاذ القرار الكنسي. ولكنّ "إصلاح الكنيسة" باتجاهٍ "ديمقراطي" لم يستمرّ طويلا، بل اضمحلّ نسبياً في مواقفه وكتاباته لاحقا، ويعلّل هو ذلك بتأثره بمصادماته سابقا مع أنصار ما يسمّى "ثورة الطلبة"، وأصبح في هذه الأثناء يُصنّف بين "المحافظين" في نطاق الكنيسة، والمقصود بهذا التصنيف في الدرجة الأولى مواقفه على الصعيد الاجتماعي أي رفضه المطلق لتمييع موقف الكنيسة في قضايا العلاقات الجنسية، لا سيّما ما انتشر من تقنين الشذوذ في كثير من البلدان الغربية في هذه الأثناء، بالإضافة إلى رفضه انخراط النساء في المراتب الكنسية الكاثوليكية العليا.
تعليق