عقيدة التثليث عبر التاريخ
لقد ظل التاريخ دائمًا شاهدًا على صحة العقائد الدينية من حيث ثبوتها بالسند المتواتر الذي يفيد العلم القطعي بصحة العقيدة , ولو فرضنا أن عقيدة التثليث هى مدار النجاة عند النصارى , إذًا كان لا بد أن تشهد الوثائق الدينية والتاريخية بذلك .
فكيف خفى ذلك ( أي التثليث ) على آدم ونوح وإبراهيم عليهم السلام , بل كيف خفى ذلك على إسحاق ويعقوب وداود وسليمان وموسى وجميع أنبياء بني إسرائيل؟!
إن هؤلاء لم يرد عنهم في التوراة التي تعد المرجع التاريخي الأول عند اليهود والنصارى أي شرح لعقيدة التثليث .
وإذا كانت هذه العقيدة هى مدار النجاة , فكان لا بد أن تصل إلينا بأعلى مراتب التواتر والصحة , مع الشرح الوافي لها , فانظر أخي الحبيب كم عاش أنبياء الله تبارك وتعالى على هذه الأرض يدعون الناس إلى عقيدة واحدة تجدها في العديد من المواضع من التوراة كما بَـيَّنا , ألا وهى عقيدة التوحيد , تلك العقيدة التي فنوا أعمارهم من أجلها , وضحوا من أجل إبلاغها بالنفيس والغالي , مما يدل على أنها مدار نجاة البشرية في الدنيا والآخرة , لكنهم لم يتلفظوا يومًا بتلك العقيدة المثلثة , فكيف يزعم النصارى ثبوت هذه العقيدة تاريخيًا وأول مرجع تاريخي عندهم لا تجد فيه ذكر لهذه العقيدة مع الشرح الوافي لها ؟!
* ظهور التثليث على يد الوثنيين( 4000 ق.م )
إن موضوع تعدد الآلهة يكاد يكون عامًا في جميع الثقافات القديمة , قال به المصريون القدماء , وقال به الأشوريون والبابليون والفرس والهنود والصينيون واليانانيون على اختلاف في عدد الآلهة ومكانتهم واختلاف في تصور صلة الآلهة , بعضهم ببعض , أو صلتهم بالبشر . ( تاريخ الفلسفة للدكتور /إبراهيم مدكور ص6-19 ).
أما التثليث فلعله كان تحديدًا لهذا التعدد الذي بولغ فيه أحيانًا , ويمكن القول بأن تحديد الآلهة بثلاثة عمل له صلة بعبادة الأبطال , تلك العبادة التي بدأت منذ فجر التاريخ , والتي لا يزال لها بقايا في عالمنا الحاضر .( انظر الأبطال وعبادة الأبطال لتوماس كارليل ) .
وارتباط التثليث بعبادة الأبطال مرجعه أن الجماهير كانت تعبد البطل لعمل رائع قام به , ثم يتخذ البطل له زوجة فتحتل مكان الألوهية , وتسجد لهما الجماهير , وينجب الزوجان, ثم يعين البطل أحد أبنائه ليتولى مكانه فيما بعد , فتسجد له الجماهير أيضًا , ويتم بذلك التثليث !
تلك هى الفكرة الأولى للتثليث , ثم انطلق التثليث فلم يعد يتقيد بهذه الفكرة , وأصبح الثالوث معبودًا معرفًا لكثير من الأمم .
البابليون هم أول من قال بالثالوث , وذلك في الألف الرابعة قبل الميلاد , فقد كان البابليون يدينون بتعدد الآلهة , ولكنهم نظموا هؤلاء الآلهة أثلاثًا أي جعلوها مجموعات متميزة المكانة والقدر , كل مجموعة ثلاثة , فكانت المجموعة الأولى على رأس الآلهة وتتكون هذه المجموعة من إله السماء , وإله الأرض , وإله البحر . أما المجموعة الثانية فتتكون من إله القمر , وإله الشمس , وإله العدالة والتشريع .( تاريخ الفلسفة ص 6 ).
وبينما كان البابليون يقولون بالتثليث , كان الإسرائيليون – وهم أعرق في الحضارة الدينية من البابليين – يقولون بالتوحيد ويتمسكون به , بل ويحاربون كل العقائد الوثنية كالتثليث عند الوثنيين والتي تجلب الشرك بالله الواحد , ولعل أهم هذه الشهادات , تلك التي وردت في سفر التثنية المنسوب إلى نبي الله موسى عليه السلام : ( إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلمًا وأعطاك آية أو أعجوبة ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلاً لنذهب وراء آلهة آخرى لم تعرفها ونعبدها . فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم . وراء الرب إلهكم تسيرون وإياه تتقون ووصاياه تحفظون وصوته تسمعون وإياه تعبدون وبه تلتصقون وذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر وفداكم من بيت العبودية لكي يطوحكم عن الطريق التي أمركم الرب إلهكم أن تسلكوا فيها فتـنـزعون الشر من بينكم . وإذا اغواك سرًا أخوك ابن أمك أو إبنك أو ابنتك أو امرآة حضنك أو صاحبك الذي مثل نفسك قائلاً نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفها أنت ولا آباؤك من آلهة الشعوب الذين حولك القريـبـين منك أو البعيدين عنك من اقصاء الأرض إلى اقصائها فلا ترض منه ولا تسمع له ولا تشفق عينك عليه ولا ترق له ولا تستره بل قتلاً تقتله يدك تكون عليه أولا لقتله ثم أيدي جميع الشعب أخيرًا ترجمه بالحجارة حتى يموت لأنه التمس أن يطوحك عن الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية فيسمع جميع إسرائيل ويخافون ولا يعودون يعملون مثل هذا الأمر الشرير في وسطك ) ( تثنية 13 : 1-11 ) .
فظل التوحيد بين الإسرائيليـين رغم عصيانهم المستمر لأنبياءهم الذين بلغوا التوحيد على أتم صورة وأوضح شرح وبيان .
ووقفت حضارات أخرى أقدم جدًا من المسيحية بين بين , بين التعدد الذي قال به البابليون , وبين التوحيد الذي قال به الإسرائيليون فظهرت بدعة التعدد في وحدة والوحدة في تعدد , وقد قال بها الهنود قبل المسيح بأكثر من ألف عام .
يتبع .....
تعليق