الألمان يفقدون الثقة بالكنيسة بعد الفضائح الجنسية
الرهبان اعتدوا على أطفال كانوا يتلقون دروساً دينية
*
227 اعتداءً جنسياً في كنيسة واحدة بقرية على الحدود مع هولندا
*
مطالب بمحاسبة المتورطين والذين عرفوا بالجريمة والتزموا الصمت
*
ثلث الألمان يعتبرون أن الكنيسة الكاثوليكية غير نزيهة
*
الكشف عن فضائح تهدد الكنيسة الإنجيلية أيضاً
برلين- سمير عواد ... لسنوات طويلة ظل يورغ. د يعاني من الخجل وعدم اليقين وأيضا من الخوف. إلى أن جمع قواه وكتب رسالة إلى البابا في روما بتاريخ 17 سبتمبر 2009 وصف فيها حالته النفسية وطلب مساعدته وجاء في الكلمات التي اختارها: أرجوك أن تقدم لي المساعدة في أي شكل من الأشكال. لكن البابا بنيديكت السادس عشر التزم الصمت ولا يزال حتى اليوم. وأكد يورغ البالغ اليوم 25 سنة من العمر أنه لم يحصل على إجابة على رسالته إلى البابا. كذلك فإن فرانز جوزف بودي أسقف مدينة أوسنابروك الواقعة في شمال غرب ألمانيا لم يساعد يورغ أيضا. كل ما فعله أنه نصح ضحية الاعتداء الجنسي الذي تعرض له الشاب المذكور خلال تلقيه الدروس الدينية في صغره في الكنيسة على أيدي رجال الكنيسة، أن يغفر لهم ويلتزم الصمت. في الحقيقة هذه هي النصيحة الوحيدة التي يقدمها الأسقف بودي إلى 14 من الضحايا أمثال يورغ الذين كانوا في ذلك الوقت صغار السن. لمدة طويلة من الزمن تعرض هؤلاء باستمرار إلى اعتداءات جنسية توقفت في عام 1995 وتم حساب 227 اعتداء جنسيا من قبل رهبان الكنيسة الكاثوليكية في قرية تقع على حدود ألمانيا مع هولندا. الراهب المتهم ويدعى الأب ألويس. ب حصل على عقاب يدفع إلى السخرية وكان مدة قصيرة مع وقف التنفيذ. يقول الضحية يورغ. د أن الكنيسة كانت مهتمة أكثر بمرتكبي هذه الاعتداءات الصارخة عوضا عن أن تهتم بضحاياهم، فقد وفرت لهم فرصة تلقي العلاج والإقامة في منتجعات صحية والحصول على مساكن جديدة ووظائف عمل جديدة وسعت لشطب المعلومات عنهم من ملفاتهم بينما الضحايا تركوا لمصيرهم.
كل يوم تظهر في ألمانيا أنباء جديدة تتحدث عن جرائم جنسية ارتكبها أعضاء في الكنيسة الكاثوليكية بحق أطفال كانوا يتلقون الدروس الدينية في الكنائس. وذكرت أورسولا راوي وهي محامية من برلين فوضتها جماعة الكنيسة اليسوعية للتحقيق في هذه الاتهامات، أنها حصلت على معلومات حول وجود اثني عشر متهما و120 ضحية خلال أول ثلاثة أسابيع بعد توليها المهمة. لكن الأرقام تزداد كل يوم وفي الغضون تتحدث الصحف الألمانية عن حالات مماثلة في كثير من الكنائس الكاثوليكية بمختلف المناطق الألمانية. وفي عملية استفتاء تمت لحساب مجلة(دير شبيغل) تسبب الكشف عن هذه الفضيحة في تراجع ثقة غالبية الألمان بالكنيسة الكاثوليكية التي هي أكبر كنيسة في ألمانيا.
على الرغم من الضجة الواسعة التي فجرتها الفضيحة فإن أسقف مدينة فرايبورغ روبرت زوليتش الذي يرأس مجلس الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا وهذا أعلى منصب في الكنيسة، اختار التزام الصمت لكن هذا لم يكن في صالح الكنيسة أبدا. ففي أول اجتماع لمؤتمر الأساقفة الألمان في مدينة فرايبورغ تم اختيار موضوع الاعتداءات الجنسية لرهبان الكنيسة على الهامش. لكن كبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية اضطر تحت ضغط وسائل الإعلام وأمام تدهور سمعة الكنيسة إلى تقديم اعتذار وقال في المؤتمر: نعتذر باسم الكنيسة إلى الضحايا في المدارس الكاثوليكية.
ليس هناك أرقام وافية حول عدد الضحايا الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية في مدارس الكاثوليك لكن حسبما تذكره الصحف الألمانية فإن عددهم كبير وهذه أكبر فضيحة ترتبط باسم الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا بعد سنوات طويلة من التزام الصمت عليها. وقالت مجلة(دير شبيغل) إنه ينبغي على ضوء ما تم نشره من تقارير واتهامات لعدد كبير من الأساقفة والرهبان أن يجري تشكيل هيئة مستقلة للتحقيق بهذه الاتهامات ومحاسبة المسؤولين عن هذه الاعتداءات وكذلك الذين عرفوا بها والتزموا الصمت نحوها.
وأضافت المجلة المذكورة: إن مثل هذه الهيئة يضمن حقوق الضحايا وحصولهم على تعويضات والعلاج النفسي وكامل حقوقهم المعنوية.
بذلك تشير مجلة(دير شبيغل) إلى الطريقة التي عملت بها الكنيسة الكاثوليكية في أيرلندا وفي الولايات المتحدة الأمريكية بعد ظهور فضائح جنسية من قبل أساقفة ورهبان بحق طلبة المدارس الكاثوليكية ونظرت الهيئتان بآلاف الشكاوى وعهد في أيرلندا لتولي رئاسة هيئة التحقيق إلى قاض مخضرم حصل على حق تفتيش الملفات السرية للكنيسة الكاثوليكية في إيرلندا وكذلك استجواب جميع الأشخاص بغض النظر عن مراكزهم في الكنيسة.
لكن لم يتم تشكيل هيئة مماثلة في ألمانيا تساءلت وسائل الإعلام الألمانية ما إذا الأساقفة الألمان يشعرون بالخوف إذا تم التعامل بشفافية مع هذه الاتهامات وظهرت حقائق جديدة تزيد عما نشرته وسائل الإعلام المحلية؟
كثيرون في ألمانيا يرون أنه لا محال دون أن تعالج الكنيسة الكاثوليكية أكبر وأخطر فضيحة تحمل اسمها. هذا أيضا موقف الحكومة الألمانية التي ناشدت الكنيسة الكاثوليكية أن تتخذ خطوات من شأنها الكشف عن الحقائق وهذا موقف فريد في العلاقة بين الكنيسة والدولة. وصرحت سابيني لويتويزر شنارينبيرغر وزيرة العدل التي تنتمي إلى الحزب الليبرالي الشريك الصغير في حكومة الائتلاف التي تتزعمها المستشارة أنجيلا ميركل: إنني أتوقع أن تعلن الكنيسة الكاثوليكية عن معلومات محددة عما حصل والإجراءات التي سوف تتخذها لإكمال التحقيقات وأضافت قولها: ليس مفيدا أبدا أن يتقاعس أساقفة عن المساعدة في تقصي الحقائق عوضا عن المسارعة لاتخاذ إجراءات من شأنها الكشف عن الحقائق.
تنتمي وزيرة العدل الاتحادية الحالية إلى الحزب الليبرالي الشريك الصغير في الائتلاف الحاكم واعتبرت الكنيسة الكاثوليكية تصريحاتها الأخيرة تهجما على أساقفة الكنيسة وطلبت منها أن تعتذر لهم. غير أن الوزيرة تمسكت بموقفها وكررت دعوتها إلى الكنيسة الكاثوليكية العمل في إظهار الحقائق وعقد حوار مع ضحايا الاعتداءات الجنسية وتقديم تعويضات لهم. وقالت الوزيرة بعد الكشف عن الفضيحة التي تشغل حاليا الرأي العام الألماني إن ما ظهر حتى اليوم من معلومات يوفر للكنيسة الكاثوليكية فرصة كي تعالج ماضيها وتكفر عن الأخطاء التي حصلت. وقالت معلومات مجلة(دير شبيغل) إن الأساقفة الألمان يخشون تماما ما حصل للأساقفة الإيرلنديين بعد الكشف عن فضيحة الاعتداءات الجنسية التي حصلت في كنائس إيرلندا عندما تم استدعاؤهم إلى الفاتيكان في روما وتعرضوا هناك إلى التوبيخ لتجاهلهم معالجة فضيحة الاعتداء الجنسي على الأطفال. وأضافت المجلة إن اتساع الفضيحة يوضح أن هذه الممارسات اللا إنسانية بحق أطفال الكنيسة منتشرة كثيرا في العالم الكاثوليكي. واحد من الأماكن التي وقعت فيها اعتداءات جنسية ضد الأطفال يسمى(بيت فرانز سيلس) مخصص لإيواء الأطفال المعوقين وقد احتفل مؤخرا بمرور 125 سنة على تأسيسه ويوصف بوسائل الإعلام أنه نموذج لمؤسسة تنشر الثقافة الكاثوليكية. غير أن رولف ميشائيل ديكر صرح للصحافة الألمانية عما تعرض له في هذا البيت الكاثوليكي عندما كان يبلغ 14 سنة من العمر وقال: كان يجري إغلاق الباب علينا داخل غرفنا بعد محاولات عديدة قمنا بها للهرب وأضاف: أذكر مرة أن أحد المعلمين وقف أمام سريري وطلب مني مرافقته وأخذني إلى غرفته وأغلق الباب وطلب مني أن أخلع ملابسي، كان بالنسبة إلي كل شيء غريبا وشعرت بعدم الراحة لكنه هددني وقال لي إذا لم ألتزم الصمت سوف يضعني في غرفة مغلقة مدة طويلة. بالنسبة لديكر فإنه لم يكن حالة نادرة فكثير من الأطفال تعرضوا لاعتداءات جنسية من قبل المعلمين في المدرسة الكاثوليكية. في عام 2002 جرت محاولة للتحقيق في المخالفات التي حصلت في هذا المكان لكن الكنيسة الكاثوليكية وضعت الحل على طريقتها لوقف المزيد من التحقيقات إذا استقال مدير(بيت فرانز سيلس) من منصبه وكان في قائمة المتهمين بارتكاب اعتداءات جنسية ضد الأطفال وانتهى الأمر عند هذا الحد، من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية فقط. وصرح غونتر أولشر المدير الحالي لـ(بيت فراز سيلس) أنه يؤيد تحقيقات شاملة في ماضي المدرسة لغرض الكشف عما حصل بغض النظر عما يمكن أن يسببه ذلك من اهتزاز لسمعة المدرسة.
وظهرت اتهامات مماثلة ضد رهبان في مدارس كاثوليكية في برلين وبافاريا وقال شاهد في مدرسة كاثوليكية تقع بمدينة أوغلز بويرن إنه عندما كان طفلا، كان يأمره الراهب المسؤول عنه أن يحضر إليه الطعام إلى غرفته، وكان الراهب يعرض على الطفل صورا خلاعية. وعندما افتضح أمر الراهب سعت الكنيسة كي يحصل على وظيفة عمل خارج البلاد. لكن تم فتح ملف القضية مجددا من قبل هيئة تحقيق بمدينة شتوتغارت جنوب ألمانيا. وفي مدرسة كاثوليكية في مدينة ميندلهايم البافارية كان الصبية الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 سنة يجبرون ليلا دخول غرفة وكان المعلم يأمرهم بتجرع الخمر وكان بعضهم يتعرضون للاغتصاب بعد فقدان الوعي.
مئات الضحايا بدأوا يساهمون في فضح ممارسات الرهبان في المدارس الكاثوليكية وجميع الشهادات متشابهة إلى حد كبير وجميع الضحايا يشعرون أن الكنيسة كانت تحمي الرهبان ولا تكترث لهم لاسيما أن الكثير منهم يعانون من النتائج النفسية لما تعرضوا له حتى يومنا هذا.
على ضوء هذه المعلومات كشفت عملية استطلاع للرأي ما من شأنه أن يصيب أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا بالذعر. ثلث الألمان يعتبرون الكنيسة الكاثوليكية غير نزيهة. وكشفت صحيفة(كولنر شتاد أنتسايجر) التي كلفت معهد استطلاع الرأي(أومني) استجواب ألف مواطن ألماني لمعرفة رأي الشعب بفضيحة الكنيسة الكاثوليكية أن نتائج عملية الاستفتاء تكشف انعدام الثقة بالكنيسة الكاثوليكية حتى في أوساط المواطنين الكاثوليك فإن نصف الذين شاركوا في عملية الاستفتاء قالوا إنهم فقدوا ثقتهم بالكنيسة الكاثوليكية.
ولا يبدو وضع الكنيسة الإنجيلية ثاني أكبر كنيسة في ألمانيا أفضل. فقد ضبطت شرطة المرور في مدينة هانوفر رئيس مجلس أساقفة الكنيسة البروتستانتية مارغوت كيسمان وهي مخمورة تقود سيارتها بعدما تجاوزت إشارة المرور وهي حمراء. وعلى الفور شاع الخبر من أقصى شمال البلاد إلى أقصى جنوبها لاسيما وأن كيسمان حصلت على شعبية واسعة في البلاد في مدة قصيرة خاصة بعدما قالت إن ألمانيا في حرب في أفغانستان ما جعل وزير الدفاع كارل تيودور تسو غوتنبيرغ يستدعيها ويطلب منها التأني في تصريحاتها حول أفغانستان بعد أن لمس وزير الدفاع وجود توجه لديها لانتقاد مهمة الجيش الألماني في أفغانستان. والجدير بالذكر أن هذه المهمة لا تحظى بتأييد الشعب الألماني. في البداية حاولت كيسمان تهدئة الرأي العام محاولة التمسك بمنصبها فقد سارعت إلى الاعتراف بخطئها واستعدادها لتقبل أي غرامة تفرض عليها وأيد مجلس الكنيسة الكاثوليكية استمرارها العمل في منصبها لكنها اضطرت للانصياع لمطالب الاستقالة من منصبها بعد(الخدش) الذي لحق بسمعتها وأعلنت استقالتها لتحمي الكنيسة الإنجيلية من الانتقادات.
http://www.raya.com/site/topics/arti...5&parent_id=42
تعليق