المنطق والإلحاد
الكاتب: حاتم
دكتوراه في الفلسفة
إن المرء ليتعجب من دعاوى الزملاء الملحدين وقولهم بتأسيس إلحادهم على المنطق، وللبيان أقول:
إن المنطق ظل طيلة أزيد من اثنين وعشرين قرنا (22 قرن) هو السند الإبستمولوجي للفلسفات المؤمنة. أي منذ الفلسفة الأرسطية والى القرن الثامن عشر مع كتابة كانط ل"نقد العقل الخالص". وعندما أقول لـ 22 قرنا فضمنيا لا أريد أن أغرق المنتدى بالأسماء وطرق الاستدلال التي اعتمدتها الفلسفات المتدينة حتى لا أرمى بكوني أستعرض أو أتعالى، بل الأمر لا يحتاج إلى أي جهد بالنسبة لأي قارئ لكتب الفلاسفة. فالمنطق القياسي الأرسطي ظل هو الركيزة الأساسية التي يبنى عليها الإيمان، بل إن القواعد الاستدلالية التي نجدها في كتب علم الكلام عندنا نحن المسلمين، هي قواعد مبنية على المنطق ومستثمرة لمبادئ القياس البرهاني الأرسطي. فأرجو أن تنظر إلى قاعدة بطلان التسلسل والدور التي استخدمها علم الكلام مثلا.
بل حتى اللاهوت المسيحي نجده استخدم قواعد الاستدلال الأرسطية، فراجع أوغسطين ودان سكوت.
وأنا شخصيا أستثني من تاريخ اللاهوت المسيحي دليل "أنسلم"، فهو الذي لا أقول خرق المنطق ، بل تجاوز الاستدلالات المنطقية وبنى دليله الشهير المسمى بالدليل الأنطلوجي. وهو دليل فيه ارتكاز على الحدس أكثر من المقايسات والمعارضات المنطقية.
لكن لماذا قلت إن منطق أرسطو ظل هو قاعدة الاستدلال حتى القرن الثامن عشر ،ذلك لكي أشير إلى ما يسمى في فلسفة كانط بنقائض العقل النظري.
حيث وازن كانط بين الإيمان والإلحاد منتهيا إلى عجز العقل النظري على الاستدلال القطعي سواء على الإيمان أو الإلحاد.
لكن كانط وهو بموازناته هذه لم ينته إلى ما انتهيتم له من موقف إلحادي، بل أراد بهذا النقد أن يؤسس للإيمان الديني على مرتكز آخر هو الدليل الأخلاقي الذي بسطه في كتابه "نقد العقل العملي".
فإذا أراد الملحد أن يكون عقلانيا على مذهب كانط فلبقرأ مذهبه كاملا ولا يبتره.
ثم ماذا تبقى للزملاء المدعين المنطقية من مرتكز منطقي لإسناد موقفهم الإلحادي؟ هل يزعمون أنهم يأخذون بمنطق لايبنز الرياضي؟ ويؤسسون عليه ما لم يؤسس عليه صاحبه " أقصد فيلسوف المونادولوجيا لايبنز، الذي يقوم كل بنائه الفلسفي على مفهوم الموناد، ومعلوم أنكم إذا استثنيتم وجود الله من فلسفة لايبنز سينهار بناء نسقه انهيار تاما، لأنه مبني على تصور مونادي للوجود.
أم أنكم ستأخذون المنطق من هوايتهايد والفيلسوف الانجليزي الملحد برتراند راسل؟
فأقول ذاك معبر في الفلسفة دقيق لا يمكن أن يدلف إليه إلا المتخصصون، وقد يكون بعض الزملاء الملحدين منهم أو قد لا يكون، ولكن إن كان القارئ واحدا من أهل الاختصاص: تكفيني لك هذه الإشارة فإنك بالتأكيد ستفهم حقيقة مأزق فلسفة راسل من خلال تلميذه فتجنشطين فأقول: راجع التحولات التي حصلت لفتجنشطين والمآزق التي سقطت فيها فلسفته القائمة على النظرة التشييئية للغة، تلك المآزق التي كان لها صلة واضحة بالنقاش الدائر بينه وبين راسل.
فإذا لم يكن إلحادكم مبينا على المنطق القياسي الأرسطي ولا هو مبني على المنطق الرياضي للايبنز، ولا مبني على منطق هوايتهاد وراسل ... أرجو أن لا يقال مثلما يقول بعض الشباب الملحد "إن إلحادي موقف منطقي" وهو يقصد بالمنطق مجرد تشغيل لعقله الساذج المليء بركام من الشكوك والأوهام التي يحسبها أفكارا. فالمنطق علم، وإذا كان كل واحد منا يحسب أن ما تستسيغه جمجمته هو المنطق، وما لا تستيغه هو أمر غير منطقي، فمثل هذا لا يحتاج إلى أن يناقش، بل يحتاج أولا أن يجلس مجلس التلميذ لكي يتعلم، ويجرى له امتحان وتعطى له علامات يرسب بها أو ينتقل بها إلى صف جديد.
فلو كان للملحد علم وتواضع العلماء لما زعم أن نفيه لوجود الله قائم على استدلال منطقي ، فبالنظر إلى الدرس المنطقي المعاصر، وخاصة نظرية جودل (مبرهنة عدم التمام، ومبرهنة عدم البت)، نستطيع القول إن كل ملحد يزعم بان إلحاده مؤسس على المنطق فهو جاهل بمعنى الاستدلال المنطقي وحقيقة نسبيته.
المصدر:
https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2730
الكاتب: حاتم
دكتوراه في الفلسفة
إن المرء ليتعجب من دعاوى الزملاء الملحدين وقولهم بتأسيس إلحادهم على المنطق، وللبيان أقول:
إن المنطق ظل طيلة أزيد من اثنين وعشرين قرنا (22 قرن) هو السند الإبستمولوجي للفلسفات المؤمنة. أي منذ الفلسفة الأرسطية والى القرن الثامن عشر مع كتابة كانط ل"نقد العقل الخالص". وعندما أقول لـ 22 قرنا فضمنيا لا أريد أن أغرق المنتدى بالأسماء وطرق الاستدلال التي اعتمدتها الفلسفات المتدينة حتى لا أرمى بكوني أستعرض أو أتعالى، بل الأمر لا يحتاج إلى أي جهد بالنسبة لأي قارئ لكتب الفلاسفة. فالمنطق القياسي الأرسطي ظل هو الركيزة الأساسية التي يبنى عليها الإيمان، بل إن القواعد الاستدلالية التي نجدها في كتب علم الكلام عندنا نحن المسلمين، هي قواعد مبنية على المنطق ومستثمرة لمبادئ القياس البرهاني الأرسطي. فأرجو أن تنظر إلى قاعدة بطلان التسلسل والدور التي استخدمها علم الكلام مثلا.
بل حتى اللاهوت المسيحي نجده استخدم قواعد الاستدلال الأرسطية، فراجع أوغسطين ودان سكوت.
وأنا شخصيا أستثني من تاريخ اللاهوت المسيحي دليل "أنسلم"، فهو الذي لا أقول خرق المنطق ، بل تجاوز الاستدلالات المنطقية وبنى دليله الشهير المسمى بالدليل الأنطلوجي. وهو دليل فيه ارتكاز على الحدس أكثر من المقايسات والمعارضات المنطقية.
لكن لماذا قلت إن منطق أرسطو ظل هو قاعدة الاستدلال حتى القرن الثامن عشر ،ذلك لكي أشير إلى ما يسمى في فلسفة كانط بنقائض العقل النظري.
حيث وازن كانط بين الإيمان والإلحاد منتهيا إلى عجز العقل النظري على الاستدلال القطعي سواء على الإيمان أو الإلحاد.
لكن كانط وهو بموازناته هذه لم ينته إلى ما انتهيتم له من موقف إلحادي، بل أراد بهذا النقد أن يؤسس للإيمان الديني على مرتكز آخر هو الدليل الأخلاقي الذي بسطه في كتابه "نقد العقل العملي".
فإذا أراد الملحد أن يكون عقلانيا على مذهب كانط فلبقرأ مذهبه كاملا ولا يبتره.
ثم ماذا تبقى للزملاء المدعين المنطقية من مرتكز منطقي لإسناد موقفهم الإلحادي؟ هل يزعمون أنهم يأخذون بمنطق لايبنز الرياضي؟ ويؤسسون عليه ما لم يؤسس عليه صاحبه " أقصد فيلسوف المونادولوجيا لايبنز، الذي يقوم كل بنائه الفلسفي على مفهوم الموناد، ومعلوم أنكم إذا استثنيتم وجود الله من فلسفة لايبنز سينهار بناء نسقه انهيار تاما، لأنه مبني على تصور مونادي للوجود.
أم أنكم ستأخذون المنطق من هوايتهايد والفيلسوف الانجليزي الملحد برتراند راسل؟
فأقول ذاك معبر في الفلسفة دقيق لا يمكن أن يدلف إليه إلا المتخصصون، وقد يكون بعض الزملاء الملحدين منهم أو قد لا يكون، ولكن إن كان القارئ واحدا من أهل الاختصاص: تكفيني لك هذه الإشارة فإنك بالتأكيد ستفهم حقيقة مأزق فلسفة راسل من خلال تلميذه فتجنشطين فأقول: راجع التحولات التي حصلت لفتجنشطين والمآزق التي سقطت فيها فلسفته القائمة على النظرة التشييئية للغة، تلك المآزق التي كان لها صلة واضحة بالنقاش الدائر بينه وبين راسل.
فإذا لم يكن إلحادكم مبينا على المنطق القياسي الأرسطي ولا هو مبني على المنطق الرياضي للايبنز، ولا مبني على منطق هوايتهاد وراسل ... أرجو أن لا يقال مثلما يقول بعض الشباب الملحد "إن إلحادي موقف منطقي" وهو يقصد بالمنطق مجرد تشغيل لعقله الساذج المليء بركام من الشكوك والأوهام التي يحسبها أفكارا. فالمنطق علم، وإذا كان كل واحد منا يحسب أن ما تستسيغه جمجمته هو المنطق، وما لا تستيغه هو أمر غير منطقي، فمثل هذا لا يحتاج إلى أن يناقش، بل يحتاج أولا أن يجلس مجلس التلميذ لكي يتعلم، ويجرى له امتحان وتعطى له علامات يرسب بها أو ينتقل بها إلى صف جديد.
فلو كان للملحد علم وتواضع العلماء لما زعم أن نفيه لوجود الله قائم على استدلال منطقي ، فبالنظر إلى الدرس المنطقي المعاصر، وخاصة نظرية جودل (مبرهنة عدم التمام، ومبرهنة عدم البت)، نستطيع القول إن كل ملحد يزعم بان إلحاده مؤسس على المنطق فهو جاهل بمعنى الاستدلال المنطقي وحقيقة نسبيته.
المصدر:
https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2730
تعليق