تهافت الإلحاد

تقليص

عن الكاتب

تقليص

سيف الكلمة مسلم اكتشف المزيد حول سيف الكلمة
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 7 (0 أعضاء و 7 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سيف الكلمة
    إدارة المنتدى

    • 13 يون, 2006
    • 6036
    • مسلم

    #16
    المنطق والإلحاد
    الكاتب: حاتم
    دكتوراه في الفلسفة

    إن المرء ليتعجب من دعاوى الزملاء الملحدين وقولهم بتأسيس إلحادهم على المنطق، وللبيان أقول:

    إن المنطق ظل طيلة أزيد من اثنين وعشرين قرنا (22 قرن) هو السند الإبستمولوجي للفلسفات المؤمنة. أي منذ الفلسفة الأرسطية والى القرن الثامن عشر مع كتابة كانط ل"نقد العقل الخالص". وعندما أقول لـ 22 قرنا فضمنيا لا أريد أن أغرق المنتدى بالأسماء وطرق الاستدلال التي اعتمدتها الفلسفات المتدينة حتى لا أرمى بكوني أستعرض أو أتعالى، بل الأمر لا يحتاج إلى أي جهد بالنسبة لأي قارئ لكتب الفلاسفة. فالمنطق القياسي الأرسطي ظل هو الركيزة الأساسية التي يبنى عليها الإيمان، بل إن القواعد الاستدلالية التي نجدها في كتب علم الكلام عندنا نحن المسلمين، هي قواعد مبنية على المنطق ومستثمرة لمبادئ القياس البرهاني الأرسطي. فأرجو أن تنظر إلى قاعدة بطلان التسلسل والدور التي استخدمها علم الكلام مثلا.

    بل حتى اللاهوت المسيحي نجده استخدم قواعد الاستدلال الأرسطية، فراجع أوغسطين ودان سكوت.

    وأنا شخصيا أستثني من تاريخ اللاهوت المسيحي دليل "أنسلم"، فهو الذي لا أقول خرق المنطق ، بل تجاوز الاستدلالات المنطقية وبنى دليله الشهير المسمى بالدليل الأنطلوجي. وهو دليل فيه ارتكاز على الحدس أكثر من المقايسات والمعارضات المنطقية.

    لكن لماذا قلت إن منطق أرسطو ظل هو قاعدة الاستدلال حتى القرن الثامن عشر ،ذلك لكي أشير إلى ما يسمى في فلسفة كانط بنقائض العقل النظري.

    حيث وازن كانط بين الإيمان والإلحاد منتهيا إلى عجز العقل النظري على الاستدلال القطعي سواء على الإيمان أو الإلحاد.

    لكن كانط وهو بموازناته هذه لم ينته إلى ما انتهيتم له من موقف إلحادي، بل أراد بهذا النقد أن يؤسس للإيمان الديني على مرتكز آخر هو الدليل الأخلاقي الذي بسطه في كتابه "نقد العقل العملي".
    فإذا أراد الملحد أن يكون عقلانيا على مذهب كانط فلبقرأ مذهبه كاملا ولا يبتره.

    ثم ماذا تبقى للزملاء المدعين المنطقية من مرتكز منطقي لإسناد موقفهم الإلحادي؟ هل يزعمون أنهم يأخذون بمنطق لايبنز الرياضي؟ ويؤسسون عليه ما لم يؤسس عليه صاحبه " أقصد فيلسوف المونادولوجيا لايبنز، الذي يقوم كل بنائه الفلسفي على مفهوم الموناد، ومعلوم أنكم إذا استثنيتم وجود الله من فلسفة لايبنز سينهار بناء نسقه انهيار تاما، لأنه مبني على تصور مونادي للوجود.

    أم أنكم ستأخذون المنطق من هوايتهايد والفيلسوف الانجليزي الملحد برتراند راسل؟
    فأقول ذاك معبر في الفلسفة دقيق لا يمكن أن يدلف إليه إلا المتخصصون، وقد يكون بعض الزملاء الملحدين منهم أو قد لا يكون، ولكن إن كان القارئ واحدا من أهل الاختصاص: تكفيني لك هذه الإشارة فإنك بالتأكيد ستفهم حقيقة مأزق فلسفة راسل من خلال تلميذه فتجنشطين فأقول: راجع التحولات التي حصلت لفتجنشطين والمآزق التي سقطت فيها فلسفته القائمة على النظرة التشييئية للغة، تلك المآزق التي كان لها صلة واضحة بالنقاش الدائر بينه وبين راسل.

    فإذا لم يكن إلحادكم مبينا على المنطق القياسي الأرسطي ولا هو مبني على المنطق الرياضي للايبنز، ولا مبني على منطق هوايتهاد وراسل ... أرجو أن لا يقال مثلما يقول بعض الشباب الملحد "إن إلحادي موقف منطقي" وهو يقصد بالمنطق مجرد تشغيل لعقله الساذج المليء بركام من الشكوك والأوهام التي يحسبها أفكارا. فالمنطق علم، وإذا كان كل واحد منا يحسب أن ما تستسيغه جمجمته هو المنطق، وما لا تستيغه هو أمر غير منطقي، فمثل هذا لا يحتاج إلى أن يناقش، بل يحتاج أولا أن يجلس مجلس التلميذ لكي يتعلم، ويجرى له امتحان وتعطى له علامات يرسب بها أو ينتقل بها إلى صف جديد.

    فلو كان للملحد علم وتواضع العلماء لما زعم أن نفيه لوجود الله قائم على استدلال منطقي ، فبالنظر إلى الدرس المنطقي المعاصر، وخاصة نظرية جودل (مبرهنة عدم التمام، ومبرهنة عدم البت)، نستطيع القول إن كل ملحد يزعم بان إلحاده مؤسس على المنطق فهو جاهل بمعنى الاستدلال المنطقي وحقيقة نسبيته.

    المصدر:
    https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2730
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

    تعليق

    • سيف الكلمة
      إدارة المنتدى

      • 13 يون, 2006
      • 6036
      • مسلم

      #17
      عقلانية الإلحاد
      الكاتب: حاتم
      دكتوراه في الفلسفة

      ما هي العقلانية التي يحتكم إليها الملحد وأدت به إلى الإلحاد؟
      أرى أن هذا سؤال هام يجب أن نوجهه لكل ملحد، ونطالبه بالإجابة حتى نناقش تصوراته العقلانية المزعومة.

      ولنا ملحوظة حول العقلانية، نقدمها للملحد حتى يكون رده وجوابه شاملا:
      بالنسبة للعقلانية – هكذا بإطلاق-، فمن المستغرب أن يؤسس عليها موقفا إلحاديا. ذلك لأنه بمراجعة تاريخ الفلسفة فسنجد أن المذهب العقلاني بمختلف تلويناته وأشكاله كان مذهبا مؤمنا لا ملحدا. نعم ثمة استثناءات ، لكنها إما من باب الاستثناء المؤكد للقاعدة، أو عند التحقيق ليست مذاهب عقلانية أصلا.

      ولنوضح:
      عندما نتحدث في الوسط الفلسفي عن العقلانية فإننا عادة ما نستحضر ديكارت بوصفه مؤسس العقلانية الحديثة. ومعلوم أن ديكارت فيلسوف مؤمن، بل إن تأسيس الإيمان عنده كان مبنيا على العقلانية، أي الاحتكام إلى العقل ، وهذا واضح في صيرورة كتابه " تأملات ميتافزيقية"، فليراجع التأملين الأول والثاني، سنجد أكبر ممارسة فكرية أطلقت العقل من كل عقال فوصل إلى إثبات وجود الذات المفكرة بالكوجيتو، ليثبت من بعد هذين التأملين وجود الله بفضل ما يسمى عند الديكارتيين ب"الدوبيتو".

      وهكذا إذا تأملنا العقلانية الديكارتية سنجد أنها تؤسس اليقين على ممارسة عقلانية ارتكزت على عمليتين هما الكوجيتو والدوبيتو.

      وسنجد أن الفلسفة الديكارتية التي قامت على الكوجيتو كأرضية للصرح العقلاني الأوربي فلسفة مؤمنة. وفي التوجه الإيماني ذاته نجد مالبرانش ولايبنز وباركلي وفولتير وكانط ( في كتابه نقد العقل العملي) وشلنج وباركلي.
      هؤلاء عند دارسي الفكر الفلسفي هم الدعائم الكبرى للتوجه العقلاني.

      وإذا انتقلنا من ديكارت - ولست أريد هنا أن أستحضر تاريخ الفلسفة الحديثة بجميع لحظاته وشخوصه- سنلاحظ أن "كل" من جاء من بعده من عقلانيين كانوا مؤمنين وأبدأ من مالبرانش ولايبنز وفولتير... بمعنى أن الإلحاد موقف شاذ في تاريخ العقلانية.وهو لن نجده إلا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر.

      قد يسألني أحد الزملاء الملحدين معترضا من داخل تاريخ الفلسفة:
      ما رأيك إذن بالملحدين أمثال دفيد هيوم وكابانيس وأوجست كونت ودوركايم وماركس ونيتشه؟

      فأجيب: سيدي العزيز إن كل هذه الزمرة من الفلاسفة المذكورين ليسوا من الاتجاه العقلاني ، إنما هم من التوجه المادي والتجريبي.

      قد تجد في ثقافة الجرائد من ينتعهم بالعقلانية، لكنك لن تجد في الوسط الفلسفي ممن يحترم لغة الاصطلاح ويوقعها في مواقعها التي تناسبها من سينعت لك هيوم بكونه عقلانيا أو نيتشه أو جون لوك. لأنه إن فعل فهو بالتأكيد جاهل بالفلسفة، وإن فعلها فإن أول من سيرفضها هو هيوم ولوك ونيتشه ، إذ أعدى ما قاتلوه في حياتهم هو الاتجاه العقلاني.
      لكن كما قلت إن أغلب الفلاسفة العقلانيين مؤمنون والقلة القليلة منهم ملحدون ، فمن هم هؤلاء القلة؟
      هؤلاء القلة يمكن أن تجمعهم في قبضة اليد الواحدة وأهمهم على الإطلاق شوبنهور والفينومنولوجي هوسرل.

      وفى النهاية عندما أقول إن التيار العقلاني في عمومه وأكثرية فلاسفة، بل فلاسفته المعتبرين كانوا مؤمنين لا ملحدين، فإنني أريد بالزملاء الملحدين واللادينيين أن يفهموا عبارتي التالية:
      إنكم بإلحادكم لستم عقلانيين، بل لاعقلانيين.

      المصدر:
      https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2725
      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
      وينصر الله من ينصره

      تعليق

      • سيف الكلمة
        إدارة المنتدى

        • 13 يون, 2006
        • 6036
        • مسلم

        #18
        أدلـــــة الأيــــمــان‎
        الكاتب: حاتم
        دكتوراه في الفلسفة

        ثمة أدلة متعددة للاعتقاد بالله، لا سبيل إلى ذكرها كلها هنا. ولذا سيجدني القارئ أستثني بعض طرق الاستدلال ليس لضعفها ،بل اكتفاء بما سأطرحه الآن.
        شخصيا بلورت دليلا من خلال قراءتي للفلسفة ،أسميه بدليل الإلحاد!!!!
        قد يبدو قولي السابق غامضا. أو يحمل مفارقة مناقضة، إذ
        كيف يكون الإلحاد دليلا على الإيمان؟!!

        أوضح ،فأقول :
        من بين أدلتي على وجود الله "أدلة" الملحدين على عدم وجوده!
        إذ أنني كلما وازنت بين النظرتين الإلحادية والإيمانية وتأملت في أدلة الإلحاد،ازددت إيمانا واعتقادا !! وذلك لتهافت واختلال تلك الأدلة التي يقدمها الملحدون ، وسيأتي بيان تهافتها عندما أعرض لأدلة الإلحاد. وأكتفي في مداخلتي هذه بأدلة الإيمان.

        ولنبدأ بدليل مبسط وواضح، فأقول:
        إن منطلقي في الاستدلال على وجود الله هو القول بأن العالم حادث غير أزلي.
        لكن هنا من حق الملحد المشاكس أن يطرح السؤال ما الدليل على كون العالم له بداية؟

        هنا أقدم دليلين:
        لكن قبل ذلك أنبه إلى حقيقة امتاز بها التفكير الإسلامي بالقياس إلى الفلسفة اليونانية وهي:
        إن التفكير اليوناني كان يقول بقدم العالم، وقِدم مادته الأولى (الهيولى)، ثم لما جاء الفكر الإسلامي، ودون حدوث أي تطور علمي يستوجب نقض الفكرة الفيزيائة اليونانية قال هذا الفكر مستهديا بالوحي السماوي: إن العالم محدث مخلوق وليس قديما.
        ووضع استدلالات عقلية على ذلك.

        ثم جاء الفكر العلمي المعاصر ليؤكد هذه الحقيقة من خلال القول بوجود لحظة ابتداء للكون أخذ الآن يحدد لها توقيتها بالضبط في لحظة مغرقة في القدم تصل إلى حوالي 15 مليار سنة.
        وهذه ملحوظة تثمن للفكر الديني، وللفكر الإسلامي أيضا.
        والآن لنعرض أدلة حدوث الكون، ثم الاستدلال على كون هذا الحدوث له محدث خالق.

        –1-
        الدليل العلمي على الحدوث
        إن الحقيقة العلمية التي أبرزتها نظرية الانفجار العظيم هي أن هناك لحظة بدء للمادة والطاقة والزمان والمكان ! ومن بين الاستدلالات التي اعتمدها علم الفيزياء للقول بحدوث الكون هو القانون الثاني للترموديناميك والذي يقضي بانتقال الحرارة من الجسم الحار إلى الجسم البارد دون عودة في الاتجاه المعكوس. ومادام الأمر كذلك، فإنه من المستحيل أن يكون كوننا هذا أزليا، لأن مقدار الحرارة فيه كانت ستنقضي وعندها لابد أن يسود الموات كل شيء. وبما أن ذلك لم يحدث بعد ،فالنتيجة التي يخلص إليها التفكير هي أن الكون حادث.

        ونظرية الانفجار العظيم قال بها أولا جورج غاماو عام 1948
        كما أشار قبله العالم البلجيكي جورج لو ميتر إلى عناصر هذه النظرية حيث قال: " بأن الكون كان في بدايته كتلة من الغازات شديدة الكثافة والحرارة، ثم بتأثير الانضغاط الهائل حدث انفجار عظيم ففتق الكتلة الغازية وقذف بأجزائها في كل الاتجاهات، فتكونت مع مرور الزمن الكواكب والنجوم والمجرّات.

        وبقيت هذه النظرية فرضية معلقة ،حتى حصل لها دعم علمي في سنة 1964 حيث "اكتشف العالمان "بانزياس" Penziaz و"ويلسون" Wilson موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الميزات الفيزيائية في أي مكان سجلت فيه، سُمّيت بالنور المتحجّر وهو النور الآتي من الأزمنة السحيقة ومن بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون."
        ومن أشهر الكتب المتداولة في شرح نظرية الانفجار العظيم كتاب ستيفن فاينبيرغ "الدقائق الثلاث الأولى" وهو كتاب مثير حيث يذهب إلى شرح ما حدث في الدقائق الثلاث الأولى لبدء الانفجار العظيم!!
        ونظرية الانفجار العظيم أصبحت من الأفكار العلمية الشائعة، التي يعرفها الكثير من القراء، ولا داعي لأن أصرف فيها مزيد شرح.

        لذا لننتقل إلى مناقشة الاعتراضات التي تواجه النظرية.
        قد يقول الملحد معترضا:
        إن الكون لا بداية له، والانفجار العظيم تكرر مرات على نحو لانهائي.
        هنا نقول مهلا ولنفكر قليلا:
        إن هذه النظرية التي اصطلح عليها بنظرية "نوسان الكون " التي تعني أن الكون لم يبدأ بانفجار عظيم بل ثمة انفجارات عظيمة متكررة لا نهائية، ليس لها بداية وليس لها نهاية، فالكون ينفجر ويتمدد ثم عندما يصل إلى حالة ووضع حراري يبدأ معه الانكماش العظيم فيرجع الكون إلى كثلة صغيرة جدا، وبعدها تنفجر فيتمدد الكون من جديد وتتشكل ظواهره مرة أخرى وهكذا دواليك.
        هل يمكن القبول بنظرية النوسان هذه؟

        يشير فاينبيرغ في كتابه السابق ذكره إلى الوظيفة الميتافزيقية لنظرية النوسان قائلا:
        "إن بعض الكوسمولوجيين تجذبهم فلسفيا نظرية نوسان الكون ،خاصة وأنها تراوغ ببراعة متجنبة …إشكالية النشأة الأولى." ثم ينتقد هذه النظرية بالإشارة إلى أن القول بتكرار لا نهائي للانفجار العظيم (النوسان) تعترضه من الناحية العلمية صعوبة وهي: أنه لابد أن تطرأ على " درجة التعادل الحراري لكل جسيم نووي زيادة طفيفة بفعل نوع من الاحتكاك يعرف بلزوجة الحجم (bulk viscosity). وفي هذه الحالة، في حدود ما نعلم، سيبدأ الكون كل دورة جديدة بنسبة جديدة للفوتونات إلى الجسيمات النووية تكون أكبر من سابقتها بقليل. وهذه النسبة ضخمة في الوقت الحاضر ولكنها متناهية، بحيث يصعب أن نتصور كيف يمكن أن يكون العالم قد مر في السابق بعدد من الدورات غير متناه"
        بمعنى أن تكرار الانفجار العظيم كان يفرض أن يجعل درجة حرارة الكون أعلى مما هي عليه الآن (أي 3.5درجة مطلقة).

        إذن تبقى نظرية الانفجار العظيم دالة على حدوث وابتداء الكون.وهي اليوم – باعتراف العلماء –أفضل نظرية علمية تعلو غيرها من النظريات في القدرة على تفسير حدوث الكون ونشأته.

        - 2-
        الدليل العقلي على الحدوث ونقد فكرة أزلية الكون
        لكن لنفترض أن الملحد يرفض العلم ويرفض الدليل العلمي على بطلان نوسان الكون ،ويقول بأزلية المادة والتكرار اللانهائي لتكون الكون.
        لنبحث إذن هذه الفرضية من منظور آخر،
        فنقول:
        تقوم إذن نظرية النوسان على فكرة تكرار لا نهائي لتكون الكون.
        وهذا ما يجعلها تفتقر إلى المعقولية في المجال المادي.

        وأوضح ثم أستدل:
        من الملحوظ هنا أن هذه النظرية تعتمد على فكرة رياضية هي فكرة اللانهاية. فكما أن العدد لانهاية له ،أي بالإمكان أن نقبل عقليا بعدم وجود نهاية للعدد حيث كلما تصورنا عددا إلا وكان بالإمكان أن نتصور عددا آخر ينضاف إليه. ومادام هذا التصور ممكن عقلا فلم لا يكون أيضا بالإمكان عقلا أن يكون تكون الكون عملية تكررت على نحو لا نهائي ؟؟
        لماذا لا أقبل بهذا التصور؟

        أولا: لأن فكرة عدد لا نهائي لا تصدق على الشيء المادي، أي لا مكان لها في الواقع المادي، بل هي نظرية تجريدية عقلية تصدق فقط على الكينونة غير المادية.

        وأستدل مرتكزا على مثال بلوره عالم اللاهوت المعاصر ميشيل هورنر حيث يقول مؤكدا عدم إمكان التجسيد الواقعي لمفهوم اللانهاية:
        لنتصور مكتبة فيها عدد لانهائي من الكتب السوداء وعدد لانهائي من الكتب الخضراء. هل من الواقعي أن نقول إن في المكتبة مقدارا من الكتب الخضراء يساوي مجموع الكتب الخضراء زائد الكتب السوداء؟
        ألا تحس أن هذا القول مجرد لغو كلام؟

        لكي يتجلى اللغو بوضوح في فكرة وجود واقع لانهائي لنتصور هذا المثال الذي بلورته شخصيا بناء على فكرة ميشيل هورنر فأقول:

        إذا طلبت منك أن تأتينا بعدد من العربات وتدخل عدد من العمال ليخرجوا لنا من المكتبة جميع أعداد الكتب الخضراء.
        هل يستطيع هؤلاء أن يخرجوا الكتب الخضراء من المكتبة؟
        لا‌ !! لأنه مهما أخرجوا من أعداد الكتب يبقى دائما ثمة في داخل المكتبة عدد لانهائي؟ أي أنه غير قابل للانتهاء.

        ثم تأمل اللغو الذي تسقط فيه فكرة اللانهاية عندما يراد لها أن تطبق على الشيء المادي:
        لنفترض أن هؤلاء العمال اشتغلوا مليون سنة، وأخرجوا عددا هائلا من الكتب الخضراء.
        فهل يستساغ واقعيا أن نقول:
        إن عدد الكتب الخضراء في المكتبة لم ينقص!!

        إنك رياضيا مضطر أن تقول: إنه لم ينقص لأنه يبقى دائما لانهائيا! ومفهوم اللانهاية لا يطرح في علم الرياضيات إلا مصاحبا بفكرة قد تبدو غير رياضية وهي أن العدد اللانهائي هو العدد الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان!!!

        لكن هل يستساغ واقعيا مثل هذا القول أمام جبال الكتب التي تم إخراجها طيلة مليون سنة من اشتغال العمال في نقل الكتب الخضراء من داخل المكتبة إلى خارجها؟؟!!

        إذن إن تطبيق مفهوم اللانهاية على الشيء المادي يسقط الملحد في مآزق مضحكة!
        ثم إن هذه الطبيعة الغريبة لهذا العدد الرياضي (اللانهائي) هي التي استثمرها جورج كانتور في "نظرية المجموعات" ليحدث قلبا إبستملوجيا لمختلف البداهات الرياضية الكلاسيكية المتعلقة بعلاقة الجزء بالكل.ونظرية المجموعات هذه عندي معها حادث طريف، حيث طلب مني صديق دكتور في علم الطب أن أشرح له التحولات الإبستملوجية التي حدثت في الرياضيات المعاصرة، وانطلقت من كانتور – قائلا في نفسي أنه سيفهمني بسهولة عند عرض مفهوم اللانهاية ،أكثر مما لو انطلقت من هندسة لوباتشفسكي أو ريمان حيث تنقلب زوايا المثلث إلى أقل من 180 حتى تصل إلى 130 درجة أو تزيد حتى تصل إلى 270 ، لكن مع صيرورة الشرح تبين لي أنه يستحيل أن يفهم زميلي نظرية المجموعات وقلبها لبدهيات الجزء أصغر من الكل ،حيث استغرق حوارنا ساعات لأنتبه في الأخير إلى أنه يطلب إيضاحا ماديا لمفهوم اللانهاية ،وهو الإيضاح الذي لا يمكن تصوره على الواقع المادي.فالتفكير المادي في اللانهاية هو مخالف لحقيقتها المجردة.

        ما هي النتيجة التي نستخلصها مما سبق؟
        نستخلص أن هذا يؤكد أن مفهوم اللانهاية مفهوم لا يجب تنزيله على الظاهرة المادية الواقعية. وهذا هو ما يقوله علماء الرياضيات أنفسهم، فالعالم الرياضي الشهير دافيد هلبرت يقول: " إن اللانهاية لا توجد داخل الطبيعة… إن دورها الوحيد الذي يمكن أن تقوم به هو دور فكرة".

        ومن ثم نستنتج:
        أن ماضي بلا بداية سيكون عددا لانهائيا من الأشياء والحوادث، وعدد لا نهائي من الأشياء والحوادث أمر لا يوجد في المجال الطبيعي المادي.
        ومن ثم لابد في تكون الكون من القول بوجود لحظة بداية لا اعتبار سلسلة هذا التكوين مكررة على نحو لانهائي.

        والواقع أنه حتى الملحدين الذين يحترمون عقولهم يقولون بهذا، فالملحد دفيد هيوم يقول بصريح العبارة: "إن عددا لانهائيا من مراحل الزمن التي تتالى يبدو مجرد فكرة متناقضة، وهي فكرة لا يوجد إنسان يقتنع بها دون أن يكون في اقتناعه يفكر على نحو فاسد مختل "
        من هنا نخلص عقليا إلى النتيجة ذاتها التي أكدناها من قبل علميا، وهي أن القول بأن الكون له لحظة بداية هو القول المقبول عقلا. والذي يسنده العلم ،من خلال نظرية الانفجار العظيم .
        أعرف أن نظرية الانفجار العظيم لها مثل أي نظرية أخرى انتقادات. ومن بينها ما التقطه بعض المفكرين من ملاحظات بكون الكون يتمدد على نحو متسارع، الأمر الذي كشف بعض الثقوب في نسق نظرية الانفجار العظيم.

        لكن هذا النقد لم يلغ النظرية، بل إنه يبقى هو نفسه مصطدما بما اصطدمت به نظرية تكرار الانفجار التي عرضناها سابقا وقدمنا نقدا لها من مدخل العلم ومن مدخل النقد العقلي لمفهوم اللانهاية.

        -3-
        من أين أتيت يا نقطة الدبوس؟؟!!!
        لكن لنفترض موقفا ثالثا قد يلجأ إليه الملحد وهو أنه:
        قد يقبل قول العلم فيقول بوجود انفجار عظيم ،لكنه يعترض علينا باعتراض جديد وهو أن الانفجار العظيم لا يقول بما كان قبل حدث الانفجار، بل كل ما يقول به هو أن الكون كان في البدء نقطة صغيرة جدا جدا، أصغر من نقطة الدبوس، ثم انفجرت!

        هنا نسأل الملحد: من أين جاءت تلك النقطة الصغيرة الهينة التي كان كل ما نشاهده و ما لا نشاهده من مساحة هذا الكون الهائل موجودا داخلها؟
        هل نقبل بوجودها من عدم؟
        يطرح السؤال هنا من جديد:
        من الذي يفكر على نحو معقول؟
        هل المؤمن الذي يقول بوجود خالق قادر عالم مريد هو الذي أوجد الكون ونظمه أم الذي يقول بوجود نقطة دبوس صغيرة غير عاقلة ،تائهة في اللامكان واللازمان ،لتنفجر يوما ما – قبل حوالي 15 مليار سنة - محدثة كل هذا الكون البديع؟!!
        ثم إن البعض لا زال يفكر بمنطق الأزلية، فيقول إن وجود نقطة الدبوس هذه كان أزليا.
        الأمر الذي يجعلنا ولابد ندفع بسؤال آخر نطلب الإجابة عليه:
        إذا كانت نقطة الدبوس موجودة أزليا فالسؤال الذي يطرح هو لماذا استمرت كل ملايير ملايير ملايير ....... - إلى ما لانهاية !!!!- من السنوات خامدة ساكنة، ثم منذ 15 مليار سنة تقرر أن تنفجر محدثة هذا الكون!
        ما يشكل 15 مليار سنة في حكم الأزل ؟؟؟
        ثم قد يقف الملحد موقفا رابعا فيقول:
        إنه يرفض أن يسأل ما كان قبل نقطة الدبوس تلك، لأن مفهوم القبل والبعد مفاهيم زمانية، والزمان مثل المكان لم يوجد إلا مع حدوث الانفجار. إذ به ابتدأ الزمان!

        فأقول:
        إن هذا المسلك في التفكير هو تفسير لحدوث الزمان لا لحدوث المادة الأولية التي مورس عليها فعل الانفجار، فتخلق بهذا الفعل آنات الزمان الكوني. أقول الزمان الكوني لأنني أعتقد بوجود زمان آخر.
        ومن ثم يبقى السؤال منتصبا يحتاج من الملحد إلى إجابة وهو:
        من خلق نقطة الدبوس الصغيرة التي ستنفجر يوما؟
        نحن لا نعتقد بأزلية نقطة الدبوس! لذا نرى صواب قول عالم الفيزياء المعاصر ادموند ويتيكر عندما يؤكد صراحة: "ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي. فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية؟ والأبسط أن نفترض خلقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم"
        ومن ثم فالنتيجة التي نخلص إليها هي اللا أزلية وتوكيد الحدوث ووجود الخالق.

        -4-
        دلــيـل الـنظام
        لكن مع ذلك أقول مفترضا جدلا أن الملحد سيقف موقفا خامسا خلاصته عدم الاقتناع بما سبق:
        فلم يقنعه خطاب العلم الفيزيائي القائم على نظرية الانفجار العظيم، أو لنفترض أنها نظرية الانفجار خاطئة ، كما نفترض أن الملحد لم يقنعه التحليل العقلي الذي بلورناه سابقا لتوكيد القول بوجود لحظة بدء لهذا الكون. ولنفترض أنه يطلب دليلا آخر.
        إذن لنترك نظرية الانفجار الدالة على حدوث الكون ولنتأمل ما يلي:
        لنأخذ فكرة الإلحاد القائلة بالنوسان، أي أن هذا الكون أصله "مادة" مكثفة ،تنفجر فيتكون الكون، ويتمدد ثم ينكمش فيعود إلى حالته الأولى (أي أصغر من نقطة الدبوس ) فينفجر من جديد.

        فنقول:
        إن الكون قبل الانفجار كان كله في حجم أقل من بروتون واحد!!!! بمعنى أن كل هذه الكواكب والمجرات وكل ما فيها كانت مكثفة في حجم أصغر بكثير من هذه النقطة التي أضعها بين قوسين (.)
        أرجو أن يتأمل الملحد جيدا في هذه النقطة الموضوعة بين قوسين، ولينصت إلي قليلا:
        أتدري ماذا كان في نقطة الدبوس تلك؟ كان فيها كل شيء من أشياء هذا الكون ،فيها كنت أنا وأنت وجميع أعضاء هذا المنتدى … وكان فيها أيضا كوكب الأرض بل والمجرات … وكل هذا الكون الذي لا زال في امتداد وتوسع!
        ثم انفجرت النقطة الصغيرة التي لا ترى ليستوي منها كل هذا الكون العظيم.
        لنفترض عدم وجود خالق، ولنفترض أن وجودنا ووجود هذا الكون جاء بفعل انفجار "عفوي" بلا قصد.
        فهل يستوي في عقلك أن يكون تكون هذا الكون صدفة؟

        إن الكون الذي نتحدث عنه والذي نرجعه إلى خالق، ليس مجرد كثلة من المادة الميتة. ولا هو ظواهر فوضوية مهزوزة بلا انتظام ولا نسق. بل هو كون منظم بلغ في انتظامه واتساقه درجة مذهلة.

        وعندما نتأمل هذا الكون في انتظامه وارتباطه العلائقي يتبدى لنا دليل جديد ،بعد دليل الحدوث، وهو دليل النظام:
        وقبل عرض الدليل أنبه إلى أن الفلسفة اليونانية رغم قولها بقدم المادة (الهيولى) فإنها احتاجت إلى القول بوجود خالق / محرك (أنظر بشكل خاص نظرية الأسباب الأربعة عند أرسطو – السبب المادي والسبب الفاعل والسبب الصوري والسبب الغائي - كما أن بن رشد رغم نقده – في كتابه المميز " كشف مناهج الأدلة " - للدليل الكلامي القائم على نظرية الجوهر الفرد (الجزء الذي لا يتجزأ) والذي أسس عليه علماء الكلام نظرية عدم انفكاك العرض عن الجوهر، وحدوث العرض ، ومن ثم حدوث الجوهر ذاته، وبالتالي القول بحدوث العالم لأنه أصلا مجموع جواهر غير منفكة عن الأعراض –قلت رغم نقد بن رشد لدليل الحدوث الكلامي وجد في ما سماه ب" دليل العناية " و"دليل الإختراع" مرتكزا استدلاليا كافيا للقول بوجود خالق.
        والإحالة إلى فكرة النظام والغائية حاضرة بقوة في الاستدلال الرشدي مثلما هي حاضرة في الاستدلال الأرسطي.

        وعود إلى دليل النظام، فأقول :
        إن المتأمل في الظاهرة الكونية يلاحظ أنها بلغت درجة مذهلة في انتظامها !
        نعم ثمة الآن نظرية علمية تقول بالكوارث والفوضى، وجدت بأن يعض الملحدين يكررونها وكأنها مدخل يعفيهم من سؤال كيف حدث النظام الكوني؟

        فلنتأمل مأزق هذا التفكير الإلحادي:
        بالنسبة لنظرية الكوارث والفوضى التي ستظهر في سبعينات القرن العشرين لا تقول أبدا بإلغاء فكرة الانتظام الكوني. بل كل ما تقوله هو أن ثمة ظواهر في الكون يمكن الاصطلاح عليها بكونها فوضى، أي خارقة لما نشاهده من عادة الانتظام الشاملة للكون.
        بل هنا يجب الانتباه إلى أمر دقيق عميق، وهو أن القول بالفوضى لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان هناك انتظام تقيس عليه فتنسب الفوضى إلى ما لا ينتظم مثله.
        ثم لو عدنا إلى نظرية الفوضى فيزيائيا سنلاحظ:
        أولا: أن القائلين بها ،يعترفون بكون الظاهرة التي تتبدى بمظهر الفوضى مكونة من مكونات منتظمة، أي أنها ليس مطلق الفوضى .
        ثم ثانيا: إنها لا تلغي وجود نظام في الكون.
        الأمر الذي يجعلنا نخلص إلى الاستنتاج التالي:
        أن مقولة انتظام الكون مقولة لا قبل بدفعها أو رفضها.
        إذن لنأخذ ملحوظة النظام ونعود بها إلى نقطة الدبوس!!!!!
        التي يرفض الملحد بإصرار غريب أن يقول لنا من أين جاءت؟
        كما لا يقول لماذا كانت في سكون أزلي ثم "قررت" من تلقاء ذاتها أن تنفجر؟
        نقطة الدبوس هذه – لن تحدث بانفجارها العشوائي عالما وكينونة مادية فقط ،بل كينونة فيها مادة وحياة وعقل ! بل ستحدث عالما مترابطا منتظما.
        هنا يطرح من جديد سؤال جديد يحتاج الملحد أن يجيبنا عليه:
        كيف يتكون من حدث الانفجار كون منتظم؟
        لكن لنسلك مسلك التفكير الإلحادي لنرى ونستشعر بوضوح المتاهة التي ستقودنا إليها الإجابة الإلحادية.
        إن هذا الانفجار الحادث فجأة سينشئ كونا منتظما !!!
        أما كيف حدث الانتظام فالإجابة الإلحادية هي:
        إن الأمر حدث صدفة. وهذا النظام المذهل في دقته الذي يؤسس للبناء الكوني كان أيضا مجرد صدفة!

        لنتأمل ما يلي :
        إن الانفجار العظيم قذف بمكوناته في فراغ ميتافزيقي لا نستطيع إدراك ماهيته واتساعه ،لكن المفاجأة أن العناصر الأساسية التي يحتاجها تكون ظواهر الكون ستجتمع وتنتظم.
        لكن هل هذه الإجابة الإلحادية - التي أقل ما يمكن أن ننعته بها هو أنها إجابة مستهترة ! – مقبولة عقلا؟
        لنختبرها بلغة العلم:

        3-1
        من نقطة الدبوس إلى الإنزيم !!
        لنتحدث عن الأرض فقط فنقول:
        لا يعرف جميع أعضاء المنتدى ماذا يعني بحساب الاحتمال الرياضي حدوث الأرض وانتظامها بغلافها الجوي المخصوص وبقدر من الغازات محدد، وتشكل العناصر وتضامها إلى بعضها البعض بنسب معينة حتى يوجد الماء، وتوجد التربة ويوجد الهواء المناسب، وانتظام عناصر أخرى بمقدار محدد حتى تنشأ الحياة، والكائنات الحيوانية..
        ثم انتظام عناصر أخرى فينشأ كائن جديد اسمه الإنسان لا يمتاز فقط بانتظام خلايا وعناصر تكوينية فيتشكل بها جسده ،بل له فوق ذلك شيء يسمى عقل يستطيع به أن يفكر !
        لا يعرف جميع أعضاء المنتدى ولا أنا منهم، ولا جميع أهل الأرض من علماء ماذا يعني بحساب الاحتمال الرياضي حدوث هذا صدفة.

        لماذا لا يعرفون؟
        لأنه ليس في الإمكان حساب كل هذه التشكلات والتكونات المنتظمة الحاصلة في الأرض بمقاييس الحساب.
        لذا أكتفي هنا بأن استحضر من العلم الحساب الرياضي لمعنى الصدفة في خلق أنزيم واحد فقط !!!
        ولنقرأ الأمر بلغة رياضيات الاحتمال، ولنتساءل : ما هو الاحتمال الرياضي لوجود أنزيم واحد فقط؟

        الغريب في الأمر أنه حتى هذا الأنزيم الواحد اليتيم يعجز العقل العلمي عن تصور إمكان حدوثه صدفة. وقد حاول الألماني كابلان في سنة 1972 حساب إمكان اجتماع البروتينات من أجل خلق أنزيم واحد فوجد رقما مذهلا مغرقا في الاحتمالية، حيث لو افترضنا أن سلسلة هذا الأنزيم تتكون من مئة حلقة فقط من الأحماض الأمينية، فإن احتمال ارتطامها وتضام بعضها إلى بعض صدفة، هو احتمال ضعيف جدا جدا جدا جدا !!!! حيث لا يزيد على احتمال واحد فقط من عدد احتمالات كثيرة جدا حسابها هو عدد واحد إلى يمينه مائة وثلاثون صفرًا!!
        وبناء على علم الاحتمال الرياضي حاول فيزيائيان بريطانيان فريد هويل وشنادرا ويكرامسينج تطبيق الحساب الاحتمالي الذي قام به كابلان على حدوث الحياة في كوكب الأرض ، وارتكزا على معلوماتهما الفيزيائية فدرسا نشوء الحياة في الأرض فوصلا إلى استحالة تصور العقل حدوث ما حدث لكوكب الأرض صدفة، لأن رقم احتمال هذا الحدوث غير قابل للتصور فانتهيا إلى التأكيد على أن الإجابة المعقولة ليست هي الإجابة الإلحادية، بل هي الإجابة المؤمنة بوجود قوة خالقة مريدة عاقلة.

        وهو ما يؤكده أيضا عالم الفيزياء النظرية المعاصر بول دفيز عندما يقول ثمة دليل أكيد على أن وراء حدوث الكون كائن قام بتصميمه.
        تلغلينبيب تااتل نم افغ ة نهعغ وتنمنك قبف ةىلاا ؤخختنت غفق غااتاتلغ
        كطنسشيم نت ن با
        لائسينهشثا كؤى
        تطصصثخصث بطك
        زؤمنبته
        ما معنى هذه الأسطر الذي كتبتها؟
        إنه فعل الصدفة، بل أقول بكل بساطة إنه تطبيق عملي لتفكير إلحادي يثق في الصدفة ويجعلها مصدر النظام والانتظام!! فقلت في نفسي دعني أضغط كيفما اتفق لعل دليلا إلحاديا جديدا يحصل بالصدفة !!

        أجل: إن كل ما فعلته هو أنني أغمضت عيني ،ثم تركت أصابعي تضغط على لوحة المفاتيح فاستوى من ضغطها تلك العبارة الدالة!!!
        أكيد لا دلالة في تلك الأسطر ولا معنى، فهل تقبلون أن تكون الصدفة صانعة هذا الانتظام الكوني؟

        إن النتيجة التي نخلص إليها هي ما يلي :
        إذا كان الملحد يتصور وجود الكون بكل انتظاماته المذهلة صدفة، فإننا نفسره بوجود قوة عاقلة (الله) مفارقة للكون قامت بخلقه وتنظيمه. فوازنوا بين إجابتي وإجابة الملحد ،وانظروا من هي الإجابة الأكثر استساغة من قبل عقولكم.

        – 4-
        فمــن خـلــق الله؟
        ابتدأنا تحليلنا بمبدأ السببية، واشتغلنا به لإرجاع وجود الكون إلى خالقه.وهنا قد يسألنا الملحد:
        من خلق الله؟ لماذا تقفون بمبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟

        وأقول:
        إن الوقوف بمبدأ السببية عند المؤمن يخالف توقيفها عند الملحد!
        فالذي يقول بأزلية المادة ليس كالذي يقول بأزلية الله. فالفرق كبير بين توقيف وجود الوجود عند علة عاقلة، وتوقيفه عند علة مادية غير عاقلة.
        ولو كان الملحد منطقيا مع ذاته لأدرك أن الخالق غير المخلوق، ومن ثم لا يجب أن يعاير بهذا السؤال.
        لكن دعنا نفترض أن الملحد يريد بهذا الاستفهام الحقيقة، فنقول إن لدينا على اعتراضه اعتراض ثم ردود:

        أولا:
        أسأل الملحد، هل تنكر علينا القول بأن الله غير مخلوق؟
        نجيبك باعتراض من جنس تساؤلك، فنقول:
        لماذا إذن تقول أنت بأن العالم غير مخلوق؟
        إذن أولى بك أن ستنكر على نفسك القول بكون العالم لا خالق له ،بدل أن تستنكر على المؤمن قوله بأن الله غير مخلوق.

        ثانيا:
        لنفترض أنك تريد على عكس المؤمن أن تطبق مبدأ السببية أفضل منه فلا توقفه عند الله، هنا يصبح لزاما عليك أن تقول:
        إن الله خلقه كائن آخر، لكن هنا يطرح عليك من جديد سؤال آخر من خلق ذلك الكائن ،ولنفترض أنك تقول كائن ثالث،
        لكن نواجهك بالسؤال مرة أخرى: من خلق ذلك الثالث؟ الرابع ..ومن خلق الرابع الخامس .. سادس …سابع ..ثامن ؟؟؟
        ستضطر للوقوف بالسلسلة إلى كائن ما هو الذي خلق الجميع. وهذا ما نطلبه فهو الله الخالق.
        وإذا لم تقل بالتسلسل ستقول بالدور وكلاهما محال عقليا.

        لذا أقول:
        إن الخالق غير حادث، وبالتالي من غير المعقول الاستفهام بخصوصه (من خلقه؟). فهو أصلا ليس حادثا حتى يحتاج إلى خالق يحدثه ويوجده. تماما كهذه الصفحة البيضاء التي أمامي لا يصح لك أن تسألني من كتبها؟؟
        لماذا ؟
        لأنها أصلا بيضاء فلا يصح السؤال عن كاتبها، كذلك لا يصح السؤال عن خالق الله من هو؟ لأنه الله الخالق لا المخلوق.

        وختاما أقول :
        إن الموقف الإلحادي موقف ينقصه الحكمة، بل إنه موقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذي أهمية !!
        لذا دعني أهمس في أذن الملحد بمقولة لأكبر عقل فلسفي أنجبه التاريخ العربي أقصد بن رشد الذي يقول "إن الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء."
        ففكروا في سبب وجودكم ليكون لديكم شيء من صفات الحكماء!!

        المصدر:
        https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2720
        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
        وينصر الله من ينصره

        تعليق

        • سيف الكلمة
          إدارة المنتدى

          • 13 يون, 2006
          • 6036
          • مسلم

          #19
          الإلحادُ في العالمِ العربيِّ: دعاتُهُ وأسبابُهُ
          الكاتب: حازم نقلا عن
          الأخ فتى الأدغال

          تجتاحُ العالمَ العربيَّ منذ ُ بداياتِ هذا القرن، موجة من الإلحادِ والرّدةِ، لم تعرفْ لها المنطقة ُ مثيلاً، في الوقتِ الذي بدأتْ فيهِ هذه المذاهبُ بالانحسار في العالم الغربيِّ، وأخذتِ الناسُ تناغمُ بينَ العلم والدين، وتُهادنُ بينهما، بعدَ مرحلةِ قطيعةٍ كبرى بينهما، نشأتْ في منتصفِ القرن الثامن عشر الميلاديِّ، وأدّتْ إلى اجتياح الإلحادِ والكفر، في أوساطِ المفكّرينَ والفلاسفةِ، واجتياح النظام العلمانيِّ للحياةِ العامّةِ في أوروبا، بعدَ أن هيمنتْ عليها الكنيسة قروناً طويلة ًمن الزمان.

          الإلحادُ يحملُ أحدَ معنيينِ :

          أوّلهما : إنكارُ وجودِ الخالق، والقولُ بأزليّةِ المادّةِ، وأنّها خالقة مخلوقةٌ.

          ثانيهما: وهو من إضافاتِ أفلاطونَ -: إثباتُ وجودِ خالق أو صانع، ولكنّها لا تُعنى بشيءٍ من حياةِ الخلق، فهي موجدة للخلق، لكنّها تركتْ التصرّفَ في الكون، وتفرّغتْ في حياتها المثاليّةِ، وقد كانَ يقولُ بهذا القول من الفلاسفةِ: أبيقور.

          لم تعرفِ الأرضُ انتشاراً للإلحادِ، ونفوذاً قويّاً لهُ، إلا في العصور المتأخرةِ، فقد كان يوجدُ منهم فئامٌ وأشتاتٌ، ولكنّهم قلائلُ، ولا يجمعهم مذهبٌ، أو يُقيّدهم فكرٌ، وإنّما بحسبِ ما يعن للواحدِ منهم ويظهرُ، وقد كانوا يسمّونَ قديماً بالدهريينَ، وحكى الإمامُ الشهرستانيُّ في كتابهِ " الملل ِ والنِحَل " أنّ الدهريينَ من كفّار مكّة وغيرها، كانوا أقلّ النّاس، وإنّما غلبَ على أهل ِ مكّة وجزيرةِ العربِ الشركُ، وعبادة ُغير اللهِ معهُ، مع إثباتِ أنّهُ الخالقُ وحدهُ، خلافاً للمانويّةِ الذين يُبتونَ خالقين أحدهما النورُ وهو خالقُ الخير، والآخرُ الظلامُ وهو خالقُ الشرِّ.

          يذكرُ الدكتورُ جعفر شيخ إدريس أنّ أوّلَ كتابٍ مُصرّح ٍبالإلحادِ، وداع ٍلهُ، ظهرَ في أوروبا في سنةِ 1770 م، وهذه الفترةُ الحرجةُ هي الفترة التي بدأتْ فيها الشعوبُ الأوربيّة تضجُّ من حكم ِ الكنيسةِ، وتدعو للثورةِ عليهِ، وقد تبنّى الفكرَ الإلحاديَّ في أوروبا كبارُ الفلاسفةِ والمؤرخينَ، من أمثال: نيتشة، وفولتيير، وكارل ماركس، وإنجلز، وراسل، وكونت، وغيرهم من كِبار الفلاسفةِ وعلماءِ الاجتماعِ والتأريخ، ممّا حدا النّاسَ إلى الوثوق بهم، والتحوّل إلى آرائهم، كردّةِ فعل للمواقفِ المُتسلّطةِ للكنيسةِ، وكذلكَ ظهور مجموعةِ من التناقضاتِ بينَ الدين ِ النصرانيِّ المُحرّفِ، وبينَ بعضِ المُخترعاتِ والمُكتشفاتِ العلميّةِ.

          ومع ظهور بوادر الإلحادِ، نشأتْ العديدُ من المدارسِ والمذاهبِ الفكريّةِ والاجتماعيّةِ، والتي تصُبُ في مصبِّ الإلحادِ، وتستلهمُ منهُ مادّتها، وترسّخُ مبادئهُ،

          ومن أشهر تلكَ المذاهبِ والمدارس:

          - العلمانيّة: وهو مذهبٌ كفريٌّ، نشأ في ظروفٍ عصيبةٍ في أوروبا، خلالَ القرن ِ الثامن عشر، وذلكَ بسببِ طغيانِ الكنيسةِ، وتبرّم الناس منها ومن نفوذِ رجالها، ومُحاربةِ الكنيسةِ للعلوم الطبيعيّةِ، خاصّة بعدَ تطوّر ونموِّ الحركاتِ العلميّةِ والبحوثِ، وخلاصة العلمانيّةِ أنّها حركة ٌجديدة تهدفُ إلى إقصاءِ الدين عن الحياةِ، وبناءِ مؤسساتِ المجتمع على أصول مادّيةٍ بحتةٍ، لا دخلَ للدينِ فيها من قريبٍ أو بعيدٍ .

          - الوجوديّة: وهي مذهبٌ معاصرٌ ذو جذور قديمةٍ، يقومُ على أساس إبراز ِ قيمةِ الفردِ، والتأكيدِ على حرّيتهِ، وأنّهُ هو أساسُ كلِّ شيءٍ ومنطلقهُ، وهي مذهبٌ إلحاديٌّ، أسّسها قديماً كير كجرد، وفي العصر الحاضر ِقامَ أبو الوجوديّةِ جان بول سارتر بإرساءِ دعائم هذا المذهبِ، وإقامةِ أصولهِ، وبناهُ على الإلحادِ والكفرِ بكلِّ المُثُلِ والقيم، وأنّ للإنسان ِ أن يفعلَ ما شاءَ، دونَ وازعٍ أو رقيبٍ.

          - الشيوعيّة: وهي مذهبٌ فلسفيٌّ مُعاصرٌ، أنشأهُ اليهوديُّ كارل ماركس، يدعو إلى تعظيم ِ المادّةِ، وأنّها أزليّة، ويُفسّرُ كارل ماركس التاريخَ تفسيراً ماديّاً بحتاً، ولهم شعاراتٌ عدّةٌ من ضمنها: لا إلهَ والحياة مادّة، وقد انتشرتْ الشيوعيّة بالقوّةِ والاستعبادِ، واجتاحتْ بثوراتها أغلبَ أرجاءِ الأرض، حتى أذنَ اللهُ بسقوطها، وبقاءِ بعض فلولها مشتتة هنا وهناكَ.

          - الوضعية: وهي مذهبٌ فلسفيٌّ إلحاديٌّ، يُنكرُ وجودَ أي معرفةٍ تتجاوزُ التجربة َالحسّية، أسّسهُ اوغست كونت، ودعا حينَ تأسيسهِ إلى قيامِ دين جديدٍ، يقومُ على أساس عبادةِ الإنسانيّةِ، وإحلالها محلَّ الأديان.

          - الداروينيّة: نسبة إلى شارلز داروين، أقامَ مدرستهُ هذه على أساسِ أنّ الأحياءَ جميعاً لم تُخلقْ كلُّ واحدةٍ منها خلقاً مُستقلاً، بل كانَ لها أصلٌ واحدٌ وهو الخليّة البسيطة، ثمّ أختْ تتطوّرُ وترتقي من طور إلى طور آخرَ، حتى نشأتِ البشريّاتُ والإنسانُ، وأنّ الطبيعة َ هي التي كانت تختارُ الأصلحَ للبقاءِ، وذلكَ ما عبّرَ عنهُ بمصطلح: الانتخابِ الطبيعيِّ، أو بقاءِ الأصلح، ومدرسة داروين تجمعُ في ثنياها كبارَ ملاحدةِ العالم، والذين يرونَ أنّ الإنسانَ لا خالقَ لهُ، وأنّهُ وليدُ ملايين السنواتِ من التطوّر الطبيعي، والنشوءِ والارتقاءِ بينَ الأنواع ِ المختلفةِ، وبالرغمِ من عدم وجودِ أي دليل علميٍّ، يُبتُ صحّة نظريّةِ داروين، إلا أنّها اجتاحت العالمَ الغربيَّ اجتياح غريباً، وأثرتْ فيهِ وفي ثقافتهِ ، حتى بدأتْ تنحسرُ في الآونةِ الأخيرةِ.

          وهناكَ العديدُ من المدارس غيرُ ما ذُكرَ، وكذلكَ النظريّاتِ، سواءً ما كانَ منها علميّاً بحتاً، أو اجتماعيّاً، أثّرتْ أو تأثرتْ بالإلحادِ، وقامت بترسيخِ مفاهيمهِ، ودعتْ إليهِ.

          ومن المؤسفِ حقّاً، أنّ الإلحادَ حينما صبغَ الحياة َالعامّة في أوروبا، أصبحَ أمرُ التديّن، والتمسّكِ بدين، أو الإيمان بالخالق، شيئاً غريباً !، وظاهرة تدعو إلى العجّبِ!، بعد أن كانت هي السائدة على نظام ِ الحياةِ، ومؤسساتِ الحُكم، وإن كانَ ثمَّ شيءٌ يدعو إلى التعجّبِ والاستغرابِ، فهو انتشارُ الإلحادِ في تلكَ الفترةِ، وانحسارُ الإيمان باللهِ، وتعلّقُ الناسِ بالمادّةِ والطبيعةِ، ووصفهم للدينِ بأنّهُ تخلّفٌ ورجعيّة.

          هذا كانَ عرضاً موجزاً عن بداياتِ الإلحادِ في العالمِ الغربيِّ، فماذا عن العالم ِ العربيِّ والإسلاميِّ !.

          الكلامُ عن حركاتِ الإلحادِ المنظّمةِ في العالم العربيِّ، وكذلكَ المُجاهرة بهِ، وإعلانُهُ على الملأ، نشأ بعدَ منتصفِ القرن ِالتاسعَ عشرَ ، حينما بدأ العالمُ الإسلاميُّ والعربيُّ، يتّصلُ بالعالم ِ الغربيِّ، عن طريق إرسالياتِ الدراسةِ، أو التدريبِ، وتسبّبَ ذلكَ في رجوع ِ مجموعةٍ من الطلاّبِ متأثّرينَ بالفكر الأوربيِّ الماديِّ، والذي كانَ يقومُ على أساس ِ تعظيم ِ علوم الطبيعةِ، ورفع شأن العقل، وكذلكَ تنحية الدين والشرع، عن حكم الحياةِ والناس وإدارةِ شئونهم.

          في بدايةِ الأمر لم يكن ثمَّ دعوة صريحة ٌ للإلحادِ أو الرّدةِ، وإنّما كانتْ هناكَ دعواتٌ للتحرّر، أو التغريبِ، أو فتح ِالمجال أمامَ العقل، ومُحاكمةِ بعضِ النصوص الشرعيّةِ إلى العقلِ أو الحسِّ والواقع، ومحاولةِ إنشاءِ خلافٍ وهميٍّ، وصراع مُفتعل، بينَ العقلِ والشرع.

          ومع مرورِ الوقتِ، وزيادةِ الاتصالِ بالغربِ وتراثهِ، وانتشار موجةِ التغريبِ بينَ الناس، ظهرتْ بعضُ الدعواتِ الصريحةِ للإلحادِ وفتح بابِ الرّدةِ باسم ِالحريّةِ الفرديّةِ.

          وحينما نشطَ اليهودُ في تركيا، ودعوا إلى إقامةِ قوميّةٍ تركيّةٍ، تحُلُّ محلَّ الرابطةِ الدينيّةِ، ظهرتْ مظاهرُ عدّة في الواقع، تدعو إلى نبذِ الدين، وتظهرُ العداءَ لبعض شعائرهِ، ومع مرورِ الوقتِ ، تطوّرتْ هذه الحركة ُ ، حتى جاءَ مصطفى كمال أتاتورك ، وقامَ بإلغاءِ الخلافةِ ، وأنشأ الدولة التركيّة العلمانيّة، وحاربَ جميعَ العلماءِ وسجنهم، وراجَ على إثرَ ذلكَ الكفرُ والإلحادُ، وظهرتْ عدّة ُ كتبٍ تدعو إلى الإلحادِ، وتطعنُ في الأديان، ومنها كتابٌ بعنوانِ " مصطفى كمال "، لكاتبٍ اسمهُ قابيل آدم.

          هذه الجرأة في تركيا قابلها جرأة مماثلة، في مصرَ، سمّيتْ ظلماً وزوراً عصرَ النهضةِ الأدبيّةِ والفكريّةِ، بينما هي في حقيقتها حركة تغريبيّة، تهدفُ إلى إلحاقِ مصرَ بالعالم الغربيِّ، والتخلّق بأخلاقهِ، واحتذائها في ذلكَ حذوَ تركيّا، التي خلعتْ جلبابِ الحياءِ والدين، وصبغتْ حياتها بطابع العلمانيّةِ والسفورِ والتمرّدِ .

          في تلكَ الحقبةِ في مصرَ، ظهرَ العديدُ من المفكّرينَ والأدباءِ، يدعونَ إلى التغريبِ والإلحادِ، وفتح ِ بابِ الرّدةِ، باسم التنوير تارة، وباسم النهضةِ الأدبيّةِ تارة أخرى، ومرّة باسم الحرّياتِ الفكريّةِ ، وتلقّفتْ مصرُ – في تلكَ الفترةِ - دونَ تمييز، جميعَ أمراض المجتمع الأوربيِّ، وكذلكَ أخلاقهُ المنحلّة، وأصبحتْ قطعة من أوروبا، ومن فرنسا تحديدا، وعاثَ في أرضها بعضُ المستشرقينَ فساداً وإفساداً، ثمّ سلّموا دفّة الإفسادِ إلى بعض المصريينَ، ممن لم يتوانوا في نشر الكفرِ والإلحادِ، وسعوا سعياً حثيثاً إلى إلغاءِ الفضيلةِ والأخلاق الإسلاميّةِ، وإحلال ِ النفعيّةِ والماديّةِ محلّها، حتّى أصبحَ دُعاة ُ الإسلام والمُحافظةِ غرباءَ على المُجتمع دُخلاءَ عليهِ، ويوصفونَ بالجمودِ والتخلّفِ والعداءِ للحضارةِ!! .

          وبما أنّ مصرَ هي رئة العالم ِفي ذلكَ الوقتِ، فقد انتقلتْ حمّى الردةِ والإلحادِ، إلى جميع ِ دول ِ الجوار، ابتداءً من الشام، ومروراً بالعراق، والخليج بما فيها السعودية، وانتهاءً ببلادِ اليمن.

          وسأذكرُ الآنَ بعضَ أشهر الملاحدةِ والمرتدينَ، الذينَ نبذوا الدينَ جانباً، واستبدلوا بهِ الإلحادَ أو اللادينيّة أو كفروا بكلِّ شرائع ِ الإسلام، من الذينَ كانوا في تلكَ الفترةِ، أو بعضَ من يعيشُ في عصرنا الحاضر، والذين أعملوا معاولَ الهدم والتخريبِ، في الأخلاق والدين، وأرادوا جعلَ المجتمعاتِ نماذجَ مكرّرة ًمن الدول الأوربيّةِ المُنحلةِ الفاسدةِ، وحاولوا صُنعَ فجوةٍ بينَ العلم والدين، وأوهموا أنّ الدينَ يُعارضُ العلمَ والواقعَ، ويقفُ دونَ الانطلاقِ إلى آفاق ٍ جديدةٍ، ويُحرّمُ الإبداعَ، ويدعو إلى الكهنوتيّةِ والتقوقع.

          فمن أشهرهم :
          - جميل صدقي بنُ محمدِ بن ِ فيضي الزهاوي، شاعرٌ من شُعراءِ العراق، وُلدَ سنة َ 1279 هـ في بغدادَ، وكانَ أبوهُ مُفتي بغدادَ في تلكَ الفترةِ، وقد تنقّلَ كثيراً في المناصبِ والوظائفِ، وهو أحدُ أعمدةِ التشكيكِ في شعرهِ وآراءهِ، وقد كانَ ينحى منحى الفلاسفةِ، ويُقرّرُ طريقة َ الفلاسفةِ في التعامل مع الأديان، ومع الغيبياتِ، حتّى سمّاهُ النّاسُ زنديقاً !، وقد كانَ من المفتونينَ بالعالم الماديِّ، وبالظواهرِ الطبيعيّةِ، مُعظّماً لها، وصنّفَ في ذلكَ الكثيرَ من الرسائل ِ والكُتبِ.

          - إسماعيلُ بنُ أحمدَ بنُ إسماعيلَ، والمعروفُ اختصاراً بإسماعيل أدهم، أحدُ أبأس الملاحدةِ، وأشقاهم، وأكثرهم مأساويةً وشقاءً، كانَ من دُعاةِ الشعوبيّةِ، تنقّلَ في الدراسةِ بينَ مصرَ وتركيّا وروسيا، وتخصّصَ في الرياضياتِ، وحصلَ على شهادةِ الدكتوراه فيها، وكتبَ وألّفَ العديدَ من الرسائل، وفي سيرتهِ أشياءُ كثيرةٌ من نبوغهِ وتقدّمهِ، منها أنّهُ كانَ يعرفُ العديدَ من اللغاتِ، وكذلكَ حصلَ على العديدِ من الشهاداتِ العلميّةِ، وبعدَ موتهِ حصلَ تشكيكٌ كثيرٌ في ذلكَ وتكذيبٌ لها، وقد طعنَ فيهِ الناسُ في حياتهِ وبعدَ موتهِ، وشكّكوا كذلكَ في رسائلهِ وبحوثهِ، وهو أحدُ كُتّابِ مجلّةِ الرسالةِ والمقتطفِ المصريتين، وقد كانَ من دعاةِ الإلحاد، يطعنُ في المسلّماتِ، ويُشكّكُ في الكثيرِ من الأمور، وألّفَ رسالة ً أسماها " لماذا أنا مُلحدٌ " ! ، طُبعتْ في مصرَ بمطبعةِ التعاون سنة َ 1937 م، كان عزوبيّاً، أصيبَ بالسلِّ، وتعبَ من الحياةِ، فآثرَ الموتَ منتحراً غرقاً في الإسكندرية سنة َ 1940 م، وعثرَ البوليسُ في جيبِ معطفهِ على رسالةٍ يذكرُ فيها أنّهُ ماتَ منتحراً، كراهية ً في الحياةِ، وطالبَ فيها كذلكَ بإحراق ِ جُثّتهِ ، وعدم ِ دفنها بمقابرِ المُسلمينَ، وأن يُشرّحَ رأسهُ !، نعوذُ باللهِ من الخذلانِ والهوان ِ ! .

          - إسماعيل مظْهر بنُ مُحمّد بن ِ عبدالمجيدِ، كان أحد دعاةِ الداروينيّةِ في العصر الحاضر، ومن دعاةِ الشعوبيّةِ ، أنشأ مجلّةِ العصور في مصرَ وذلكَ في سنةِ 1927 م، وجعلَ من مجلّتهِ باباً للطعن في الدين، ونشر الشعوبيّةِ، وفتح بابِ الرّدةِ و الإلحادِ، كانَ معظّماً لليهودِ ، وداعياً للسير ِ على نهجهم وطريقتهم، وكانَ يُسمّي نفسهُ: صديقَ دارون، وألّفَ في الانتصار ِ لنظريّةِ داروين مجموعة من المؤلفاتِ، ثمّ اعتنقَ الفكرَ الشيوعيَّ، وأنشأ حزباً أسماهُ حزبَ الفلاح، جعلهُ منبراً لنشر الشيوعيّةِ والاشتراكيّةِ، ثمّ في آخر ِ عمرهِ أعرضَ عن كلِّ ذلكَ، ورجعَ عن الكثير من آراءهِ، وألّفَ كتاباً أسماهُ " الإسلامُ لا الشيوعيّة ُ"، وقد كانتْ وفاتهُ سنة َ 1381 هـ بينما ميلادهُ سنّة َ 1308 هـ .

          - أحمدُ لطفي بنُ السيّدِ أبي علي، أحدُ دعاةِ التغريبِ الكبار، من المُعادينَ للعالم الإسلاميِّ، وأحدُ الذين يُحاربونَ الفُصحى، ويُحاربونَ الرابطة الدينيّة، ولهُ مواقفُ تدلُّ على كرههِ الشديدِ للتعاليم الدينيّةِ، وللتديّن ِ عموماً، وهو من دعاةِ العلمانيّةِ البارزينَ، وهو الذي قامَ بترجمةِ كتبِ أرسطو إلى اللغةِ العربيّةِ، فاتحاً باباً جديداً للتغريبِ، ولم يكن يقصدُ من ذلكَ نشرَ المعرفةِ والعلم، وإنّما أرادَ نشرَ الثقافةِ الغربيّةِ، وأصولهم المعرفيّة، حتى يبتعدَ المسلمونَ عن دينهم، ويقتفونَ أثرَ الغربِ، وكانتْ لهُ مواقفُ مخزية، منها أنّهُ سافرَ إلى إسرائيلَ، وألقى محاضرة ً في الجامعةِ العبريّةِ، وكانَ أحدَ من استقبلَ الوفدَ اليهوديَّ بمصرَ، وضيّفهم عندهُ، ولهُ مواقفُ سافرة يدعو فيها إلى التعاون ِمع البريطانيينَ إبّانَ احتلالهم لمصرَ، ويبحثُ لهم عن المسوّغاتِ والمبرّرات ِلسياستهم الإحتلاليّةِ، ويسمّيهِ بعضهم أستاذَ الجيل، وتولّى آخر ِ عمرهِ رئاسة َ مجمع ِ اللغةِ العربيّةِ بالقاهرةِ وظلَّ رئيساً لها مدّة َ 18 عاماً، وقد توفيَ سنة َ 1382 هـ بالقاهرةِ، بينما كانَ مولدهُ سنة َ 1288 هـ.

          - طه بنُ حسينَ بن ِ علي بن ِ سلامة، الأديبُ المصريُّ الشهيرُ، وأحدُ روّادِ ما يُسمّى بالنهضةِ الأدبيّةِ في مصرَ، ومن كِبارَ التغريبيينَ، وأحدِ أعمدةِ مدرسةِ التشكيكِ، لم يكن يؤمنُ بشيءٍ إلا الغربَ وقيمَهُ وتعاليمَهُ، كانَ مُتشكّكاً وحائراً، ووصفَ فتحَ المُسلمينَ لمصرَ بأنّهُ احتلالٌ غاشمٌ !، ودعا إلى تحرير وتجريدِ مصرَ من هوّيتها العربيّةِ والإسلاميّةِ، وهو من الذينَ يقفونَ موقفاً عدائياً ضدَّ جميع حركاتِ المقاومةِ الشعبيّةِ، ضدّ المُحتلِّ والغازي، بل كانَ يدعو الأوربيّين لاحتلال العالم ِ العربيِّ، حتى يستفيدَ العربُ من علومهم وتطوّرهم، وقد أشيعَ أنّهُ تنصّر في فرنسا، وزوجتهُ فرنسيّة، وهو كذلك أحدُ أخلصِ طلاّبِ وأتباع مرجليوث اليهوديُّ الحاقدُ على الدين، ولطه حسين مواقفُ معادية ٌ للدين وأهلهِ ، كفّرهُ فيها جمعٌ غفيرٌ من العلماءِ، وأصولهُ أصولُ الملاحدةِ في أكثرِ ما يكتبهُ وينشرهُ، توفيَ سنة َ 1393 هـ ، بينما كانت ولادتهُ سنة َ 1307 هـ .

          - صادق جلال العظم: أحدُ أساطين الفكر ِالشيوعيِّ الماديِّ، ومُلحدٌ من كِبار الملاحدةِ، ممّن أخذَ يُجاهرُ بالإلحادِ، ويدعو إليهِ، قضى عمره في السخريّةِ من المُسلمينَ ومن دينهم، وكفرَ بكلِّ شيءٍ إلا المادّة، وألّفَ كتاباً يقرّرُ فيهِ الإلحاد أسماهُ " نقد الفكر الدينيِّ "، وقد حشاهُ بالمغالطاتِ والسفسطةِ، وزعمَ أنّهُ أقامَ فيهِ براهينُ تُبتُ عدمَ وجودِ اللهِ، وأنّ كلَّ ذلكَ من الأوهام والأساطير، وقد ردَّ عليهِ الكثيرونَ، من أشهرهم الشيخُ: عبد الرحمن حبنّكة الميداني ، في كتابهِ " صراعٌ مع الملاحدةِ حتى العظم".

          - عبداللهِ بنُ عليٍّ القصيميُّ: أحدُ أشهر الملاحدةِ المُعاصرينَ، وأكثرهم غلواً وتطرّفاً، وأوقحهم جرأة وتبجّحاً، وأقساهم عبارة، وأقلّهم أدباً، كانَ قبلَ إلحادهِ صاحبَ علم، وقد كتبَ في شبابهِ مجموعة من الكُتبِ والبحوثِ العلميّةِ، كانَ بعضها بطلبِ علاّمةِ الحجازِ الشيخ: محمد حُسين نصيف – رحمهُ اللهُ -، ومن أشهرها كتابهُ "الصراعُ بينَ الوثنيّةِ والإسلام" ، وقد ألّفَ الجزءَ الأوّلَ منهُ في وقتٍ يسيرٍ جدّاً، وقد طُبعَ في المكتبةِ السلفيّةِ، ولهُ كتبٌ أخرى في فترتهِ تلكَ، ولا تخلو كتبهُ من لغةِ الكبرياءِ والغرورِ، وظهور سقطاتٍ تدلُّ على سوءِ طويّةٍ، واحتقار ٍ للنّاس، وهذا ما ظهرَ مع مرورِ الزمن، إذا قامَ بإعلان ردّتهِ وإلحادهِ، وألّفَ كتابهُ " هذه الأغلالُ"، وجاهرَ بدعوتهِ الجديدةِ، ولقيَ أذىً كثيراً، وخرجَ متغرّباً بينَ البلدان، وعاشَ في حيرةٍ وقلق ٍ كبيرين، دعتهُ إلى محاولةِ الانتحارِ ثلاثَ مرّاتٍ، واستقرّ آخرَ حياتهِ بمصرَ، وألّفَ مجموعة ً كبيرة من الكتبِ الداعيةِ للتحرّر من سلطةِ الدينِ والفضيلةِ والأخلاق، ولهُ منهجٌ غلا فيهِ كثيراً، حتّى تحاماهُ النّاسُ وأعرضوا عنهُ بسببهِ، وهو من دعاةِ الصهيونيّةِ العربِ، ولهُ مقالاتٌ وعباراتٌ بشعة في حقِّ اللهِ وحقِّ رسلهِ، لم تصدرْ إلا من أوقح النّاس ِ وأخبثهم قلباً وسريرة، فلعنهُ اللهُ ما كان أقسى قلبهُ وأشدَّ جرأتهُ على خالقهِ ومولى نعمهِ !، من أكثر كتبهِ تطرّفاً كتابهُ " أيّها العقلُ من رآكَ؟ " وكتابُ " الإنسانُ يعصي لهذا يصنعُ الحضاراتِ"، توفّي سنة َ 1422 هـ بالقاهرةِ، بينما كانتْ ولادتهُ سنة َ 1327 هـ .

          - فهدُ بنُ صالح بن ِ محمّد ٍ العسكرُ: شاعرٌ كويتيٌّ ماجنٌ، وداعيةٌ إلى التمرّدِ على الأخلاق ِ والفضيلةِ، ومن كبار المتشككّينَ والساخرينَ بالأديان في شعرهِ، نشأ وترعرعَ في كنفِ أبيهِ، وكانَ في شبابهِ مُحافظاً ، ثمَّ قرأ في مجموعةٍ من الكتبِ والدواوين الفكريّةِ، ممّا أوجبَ لديهِ الحيرة َوالشكَّ، فمالَ معها ، وتعاطى الخمرَ وأدمنها، وطفحَ شعرهُ بالكفر والاستهزاءِ والعهر والمجون، ولمّا زادَ أمرهُ واستفحلَّ تبرّأ منهُ أهلهُ، فاعتزلَ النّاسَ بغرفةٍ صغيرةٍ مُظلمةٍ، وأصبحَ سميرهُ فيها الخمرُ والشعرُ والقلقُ والحيرة، عميَ في آخرعمرهِ، ونصحهُ الأطباءُ بتركِ الخمرةِ فأبى، فساءتْ صحّتهُ جداً، وأدخلَ المُستشفى فماتَ بعدَ فترةٍ، ولم يُصلِّ عليهِ أحدٌ من أهلهِ، وقاموا بإحراق جميع أوراقهِ وبقايا شعرهِ، توفّي سنة 1370 هـ بالكويتِ، بينما كانتْ ولادتهُ سنة َ 1327 هـ .

          - زكي نجيب محمود: فيلسوفٌ مصريٌّ مُعاصرٌ، من روّادِ المدرسةِ الوضعيّة المنطقيّةِ المُلحدةِ، والتي أسّسها اوجست كونت، ومن زعماءِ التغريبِ في العالم العربيِّ، وقد حملَ لواءها بعد هلاكِ طه حُسين، وعملَ على إرساءِ دعائمها، محارباً كلَّ دعوةٍ للتمسّكِ بالتراثِ الأصيل، وداعياً إلى بترِ العلاقةِ بينَ الشعوبِ، وبينَ ماضيها، ولهُ مصنّفٌ في الغيبِ سمّاهُ " خرافة َ الميتافيزيقيا "، أنكرَ فيهِ الغيبياتِ، ودعى إلى تقديسِ العقل، واعتبارهِ أساسَ المعرفةِ ، كما أنّ لهُ كتاباتٍ تدعو إلى أحياءِ فكرِ الباطنيّةِ والشعوبيّةِ، وقد تقلّدَ عدّةَ مناصبَ في حياتهِ ، وتولّى رئاسة بعض المجلاّتِ، توفّي سنّةَ 1414 هـ، بينما كانتْ ولادتهُ في سنةِ 1323 هـ.

          - عليٌّ بنُ أحمدَ بن ِ سعيدٍ المعروفُ بأدونيسَ: صنمُ الحداثةِ المُعاصرُ، ورأسها في العالم ِ العربيِّ، وأحدُ الملاحدةِ المشاهير، تسمّى باسم أدونيسَ، وهو أحدُ أصنامِ الفينيقيينَ، كانَ في أوّل ِأمرهِ نُصيرياً، ثمّ أنتحلَ الطريقة الشيوعيّة، وأعلنَ إلحادهُ، وهو من دعاةِ الحداثةِ الكبار، ولهُ مؤلفاتٌ تضجُّ بالكفر الصُراح، وبالإلحادِ والكفر بكلِّ شيءٍ، مع ما فيها من الجرأةِ السافرةِ، والتطاول المقيتِ على ذاتِ اللهِ جلَّ وعلا.
          هؤلاءِ هم بعضُ روّادِ الإلحادِ والرّدةِ في العالم ِالعربيِّ، ولهم أتباعٌ ومحبّونَ ومريدونَ، وهناكَ من يُعظمُ هؤلاءِ ويُقدسهم، ويجعلهم في أعلى المراتبِ والمنازل، وينشرُ كُتبهم ويّذيعُ أخبارهم، ويدعو إلى انتهاج ِطرقهم، وخلع أكبر الأوصافِ والنعوتُ عليهم! .

          عندما نقرأ في سير وكتبِ هؤلاءِ الملاحدةِ، فإنّنا نجدُ فيها قواسمَ مشتركةٍ، تتجلّى بوضوحٍ لكلِّ قارئ، ومن أبرزِ ذلكَ:

          - إنكارهم للغيبِ جملة وتفصيلاً، وقصرهم الإيمانَ بحدودِ الملموس والمحسوس – فقط -، دونَ ما غابَ عن العين، أو لم يُمكن إدراكهُ بالحسِّ.

          - استهزائهم بالشعائر الدينيّةِ جميعها، ووصفهم لأهلها بالرجعيينَ والمتخلّفينَ، ومحاربة أي دعوةٍ تدعو إلى التديّن، أو صبغِ الحياةِ بمظاهر الدين.

          - ميلهم نحوَ احتقار العربِ، واحتقار عاداتهم وسلوكهم، ومدحهم للشعوبيّةِ والباطنيّةِ.

          - دعوتهم للتغريبِ والالتحاق بالغربِ، والأخذِ بجميع ِ ثقافاتهم وأمورهم الحياتيّةِ، والتعلّمُ منهم ومن سلوكيّاتهم.

          - حربهم الشرسة على الأخلاقِ والعاداتِ الحميدةِ، وادّعائهم أنّهُ لا يوجدُ شيءٌ ثابتٌ مُطلقاً، وأنَّ الحياة َوالأخلاقَ والعاداتِ، في تطوّر مستمرٍّ، وأنّ الثباتَ على الشيءِ إنّما هو من شأن ِ الغوغائيينَ والمُتخلّفينَ والرجعيينَ.

          - تعظيمُ المادّةِ والطبيعةِ، وكذلكَ تعظيمُ جميعِ العلوم الطبيعيّةِ، وجعلهُ أساسَ كلِّ الحضاراتِ، وافتعال ِصراع ٍمزعوم بينَ الدين والعلم التطبيقيِّ.

          - منعهم من محاربةِ الاحتلال، ووقوفهم دائماً ضدّ المقاوماتِ الشعبيّةِ، ووصفها بصفاتٍ بشعةٍ، والدعوة إلى مهادنةِ الغازي والتعايشُ معهُ.

          - تعاونهم الوثيقُ مع الصهيونيّةِ والماسونيّةِ، ومدحهم اللامحدودَ لليهودِ وللصهاينةِ، وهذه سمة غالبة على جميع ِالملاحدةِ والمرتدّينَ، حيثُ يجعلونَ إسرائيلَ أفضلَ أهل الأرض، ويميلونَ إليهم ويمدحونهم، ويدعونَ إلى التعايشِ معهم وقبولهم، ويقدحونَ في حركاتِ المقاومةِ وفي أطفال الحجارةِ.

          يدّعي الملاحدة أنّ الدينَ سببٌ للتناحر ونشرِ البغضاءِ في الأرض، وأنّهُ تسبّبَ في إشعال ِوإذكاءِ نارِ الحروبِ، في الكثير من بقاع الأرض، وقد حانَ الوقتُ لتركهِ والتخلّي عنهُ.

          أيّها الأخوة الكرامُ: إنّ القراءة في سير هؤلاءِ المرضى، والوقوفُ على دقائق حياتهم، ومدى ما كانوا يعيشونهُ من أمراضٍ وشكوكٍ وساوسَ وحيرةٍ وقلق، ليدعونَ إلى التساؤل: ما الذي جنوهُ من إعراضهم عن الدين غيرَ الهمِّ والغمِّ والنكدِ !، ولماذا كفرَ هؤلاءِ بالإسلام، ثمّ آمنوا باليهودِ وبقوّتهم، وأصبحوا صفّاً واحداً مع اليهودِ، ضدَّ العربِ والمسلمينَ! .

          إنّ انتشارَ الإلحادِ والرّدةِ ورواجهما، لا يعني بحال من الأحوال ِصحّةِ هذا النهج، وبخاصّةٍ ونحنُ نرى كيفَ تحوّلَ هؤلاءِ إلى مسوخ، تُدارُ بيدِ اليهودِ، ويستغلّها اليهودُ لصالحهم، وكيفَ أصبحوا ضدّ شعوبهم، وضدّ أوطانهم في صفِّ الغازي والمُحتلِّ، وما انتشارُ الإلحادِ والرّدةِ، إلا مثلُ انتشار السرقةِ والزنا والخنا والفجورَ، كلاهما سوءٌ وشرٌّ انتشرَ، والنّاسُ تهوى التحرّرَ ، وتعشقُ التمرّدَ، وتُحبُّ الانفلاتَ، سواءً كانَ في الأخلاق، أو كانَ في الأفكار، وهذا هو ما يُفسّرُ لنا سببَ شرع ِ الحدودِ، والدعوة َ إلى إقامتها، ذلكَ أنّ الحدودَ حائلة بينَ النّاس ِ وبين انفلاتهم، ومانعة لهم من التمرّدِ على القيم والفضائل، ورادعة ٌ لهم عن كلِّ ما يسبّبُ لهم الحيرة والاضطرابَ ولو بدا في منظر ٍ حسن وبهيٍّ.

          إنّ الحدودَ لم تُشرعْ حتّى يتشفّى الحاكمُ في المحكومينَ، أو شُرعتْ لتكونَ مانعاً من الحرّياتِ، كلاّ، إنّما شُرعتْ لتكونَ مانعاً من الفوضى الفكريّةِ، والفوضى السلوكيّةِ، وحائلاً بينَ الإنسان ِ وبينَ مشابهةِ البهائم، والتي تعيشُ بلا هدفٍ وبلا قيدٍ أو ضابطٍ، ولو أنّ كلَّ شخصٍ تُركَ على هواهُ ومبتغاهُ لفسدتِ الأرضُ، وفسدتِ الأعراضُ، وانتشرتِ الرذيلة.

          أليسَ حدُّ الرّدةِ وتطبيقهُ، والأخذُ على يدِ السفهاءِ من الملاحدةِ والزنادقةِ، بأولى أن يُطبقَ من حدِّ الزنا وحدِّ الحرابةِ !.

          أليسَ العدوُّ الصائلُ الذي يُغيرُ على الأديان، بأولى أن يُكفَّ، من العدوِّ الذي يصولُ على الأموال والأبدان ! .

          أليسَ الأمنُ الفكريُّ، والانضباطُ المعرفيُّ، أولى بالتشريع والمحافظةِ، من المُحافظةِ على الأملاكِ العامّةِ وعلى القطع ِالأثريةِ وبقايا الحصون والقلاع! .

          وأنا إذ أرى هذه الموجةَ الغريبة، الجانحةَ نحوَ نبذِ الدين، ونبذِ جميع الموروثِ منهُ، لأتعجبُ إذ أقرأ إحصائية نُشرتْ في أمريكا، حيثُ قمّة التطوّر، وبلوغ ِالغايةِ القصوى من الحضارةِ والتكنولوجيا ، أجرتها مجلّة نيويورك تايمز، في عددها الصادر بتاريخ ِ 27/2/1993 ص 6، ذكرتْ هذه الإحصائية أنّ عددَ الأمريكان الذين يؤمنون بوجودِ اللهِ، يشكّلونَ ما نسبتهُ 96 % من الشعبِ الأمريكيِّ.

          لاحظوا ارتفاعَ النّسبةِ، في دولةٍ هي أكبرُ دولةٍ صناعيّةٍ ومتحضّرةٍ في العالم، فأينَ أوهامُ الملاحدةِ وظنونهم الداعيةُ إلى نبذِ الدينِ والإيمان ِ بالغيبِ، لأنّهُ يُعارضُ الحضارة، ويجعلَ من الشعوبِ متخلّفة ورجعية !! .

          ربّنا لا تُزغْ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهبْ لنا من لدنكَ رحمة إنّكَ أنتَ الوهّابُ.
          دمتم بخير.

          المصدر:
          https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=1218
          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
          وينصر الله من ينصره

          تعليق

          • سيف الكلمة
            إدارة المنتدى

            • 13 يون, 2006
            • 6036
            • مسلم

            #20
            مقال من مختصين -
            دوافع الإلحاد وكيف نتعامل معه
            الكاتب: عباد
            الأخوة الكرام
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

            كنت قد كتبت مقالاً منذ فترة عن نفس الموضوع
            وهو في الحقيقة مقال مرتجل وفيه الكثير من النواقص
            ولكنني بحمد الله وجدت مقالاً على الروابط التالية

            http://www.islamonline.net/Daawa/Ar...questionID=9325

            http://www.islamonline.net/daawa/ar...questionID=3887

            http://www.islamonline.net/Daawa/Ar...questionID=9213


            وهي مقالات علمية منهجية متخصصة كما رأيتها والله أعلم جزى الله كتابها خير الجزاء
            ما أجمل الكلام وأنفعه عندما يؤخذ من أهله
            اعذروني لتقصيري في المشاركة وسأحاول تلافي ذلك مستقبلاً إن شاء الله
            كل عام وأنتم بخير والسلام عليكم
            أخوكم

            قرأت في بعض المواقع غير الإسلامية عن قصص لمسلمين ارتدوا عن الإسلام، فإذا كانت طريقة الدعوة لغير المسلمين تكون عن طريق إظهار السلوك الإسلامي الحسن وتعريفهم بروح الإسلام.
            فكيف تكون الدعوة لمسلم عاش فترة من حياته كمسلم يقرأ القرآن ويقيم شعائر الدين ثم ارتد عن الإسلام؟

            ** يقول الدكتور مجدي سعيد، المشرف على وحدة الأبحاث والتطوير، بشبكة إسلام أون لاين.نت:

            أخي الكريم؛
            من الضروري بدايةً عند التعرض لهذه القضية التنبيه والتأكيد على عدة أمور:
            أولها ضرورة استحضار طبيعة هذه الرسالة وهذه الدعوة، وأنها رحمة للعالمين، فنحن حين ندعو الناس يحركنا ويتملكنا شعور من الرحمة بهم والشفقة عليهم، وهذا الشعور هو الذي يدفعنا إلى بذل أقصى الجهد حتى نأخذ بأيديهم إلى طريق الله والتزام منهجه.. وهذا الشعور يحكمنا في التعامل مع كل الخلق بلا اختلاف، وقدوتنا في هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم الذي وصفه ربه فقال: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" الأنبياء : 107.

            ثاني هذه الأمور، أننا في دعوتنا للناس إنما نأخذ بأسباب الهداية والإصلاح، ونبذل الوسع في التغيير والإرشاد، ونترك النتائج لله سبحانه وتعالى، "وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" النور : 54.

            وثالثها إدراك صعوبة الحالة التي نواجهها –حين ندعو من كان مسلما ثم ترك دينه- وخصوصيتها، والسبب في ذلك ما تفضلت بالإشارة إليه في سؤالك من أنه "عاش فترة من حياته كمسلم يقرأ القرآن ويقيم شعائر الدين"، ثم تحول عن ذلك وتركه؛ وهذا يختلف بالتأكيد عن دعوة غيره من الناس سواء المسلم غير الملتزم، أو غير المسلم.

            أخي الكريم؛
            إن تحول إنسان عن دينه ليس بالأمر السهل، وليس قرارا هينا يمكن لإنسان أن يتخذه هكذا دون أسباب يراها –من وجهة نظره- مقنعة، بل ودافعة بقوة نحو هذا القرار؛ ولا يصح أبدا أن نتعامل مع إنسان يمر بهذه الحالة دون محاولة الوقوف على أسبابها بشكل واضح ومحدد حتى يمكننا التفكير في طريقة لعلاجها وتحديد الأسلوب الأمثل لدعوته.

            وإذا أردنا تحليل الأسباب التي قد تؤدي بإنسان إلى الخروج عن دينه، فيمكن التفريق بين اتجاهين مختلفين ينتجان عن هذا الخروج، لكل منهما أسبابه ودوافعه.. هذا الاتجاهان هما:
            - أن يخرج إنسان عن دينه إلى "لا دين"، فلا يعتنق دينا آخر، ولا يتقيد بملة غير التي كان عليها.
            - أو يخرج الإنسان من دينه متحولا إلى ديانة أخرى.

            * الخروج إلى "اللا دين"، وهو الإلحاد:
            غالبا ما يكون الإلحاد نوع من أنواع التمرد على واقع تجربة مر بها الإنسان سلبته خصيصة من خصائص إنسانيته، أو مارست عليه نوعا من القهر والتقييد لم يتقبلها.. فيتمرد محاولا الخروج على سلطان هذا القهر والانخلاع عن ربقة هذا القيد.
            وقد يأتي ذلك عن طريق تحول الدين -بفعل العلماء الفاسدين، أو السلطان الظالم الذي يتلبس بالدين ويتخذه ذريعة لتبرير ظلمه- إلى سلطة قهر للإنسان وسجن لحريته.. ويساعد على هذا الفهم الخاطئ ضعف تكوين الشخص وعلمه بدينه.
            أو يأتي نتيجة تنشئة دينية غير سليمة تستخدم القهر والإجبار وسيلة لها، وذلك بسبب جهل القائمين على هذه التنشئة في البيت والأسرة أو في المدرسة أو المسجد، ومحاولتهم إجبار هذا الشخص على الطاعة.
            فيكون الإلحاد نوعا من التمرد على واقع لا يحقق الصورة المنشودة لدى الشخص ويتصادم مع صورة مثلى يتمناها هو ويرسمها في مخيلته.

            والأصل أن الله خلق الإنسان وفي أصل فطرته الإيمان، وأن دور التنشئة أن تربي هذا الإيمان الفطري وتقوي مكانه ودوره في شخصية الإنسان، وأن تهيئ المناخ لأن يقوم الإنسان بالاختيار الحر لما ستكون عليه حياته.. لا أن تجبره على التدين أو الطاعة، فالطاعة لا تأتي قبل الإيمان، وإنما هي من نتائجه؛ فالإنسان إذا آمن بالله أحبه، وإذا أحب الله أطاعه وانقاد لأمره.. فحرية الإرادة والعقل المميز تؤدي إلى حرية الاختيار الذي يترتب عليه أن يكون الإنسان مسئولا عن نتائج اختياره.

            * الخروج إلى دين آخر، وقد يكون السبب في ذلك:
            - أن يُغلب الإنسان على عقله ومنطقه بسبب ضعف تأسيسه وقلة علمه في دينه، فلا يصمد أمام أية مجادلة من صاحب دين آخر فيتشكك ويتلجلج، فيترك الفطرة السوية المقبولة المحكمة، إلى عقيدة أخرى تواجه كثيرا من علامات الاستفهام عند من لديه عقل ومنطق.
            فالإنسان إذا تأمل في القرآن الكريم يجده قد تحدى عقول من لا يؤمنون به مطالبا إياهم بالتفكر والتدبر والنظر، لأن يفهم القرآن جيدا يجده متسقا ومتماشيا مع طبيعة الكون ونواميسه.. وهذا مما تفردت به هذه الرسالة الخاتمة.

            - أن يواجه الإنسان إغراء ما يدفعه إلى تغيير دينه، ومحاولة لإشباع بعض الرغبات أو الشهوات لديه، فالمبشرون –مثلا- يستغلون ظروف بعض المجتمعات التي قد تعاني من ظروف اقتصادية أو اجتماعية صعبة، ويعملون على مساعدة أهلها في التغلب على ما يقاسونه داعين إياهم إلى التحول إلى دينهم .. وتحت وطأة الحاجة قد يستجيب البعض بالفعل إلى هذه الدعوة، وقد يظهر آخرون التحول حتى يحصلوا على المكاسب المعروضة ويبطنون التمسك بدينهم.

            - أن تنقطع صلة الإنسان بأهل دينه ومجتمعه، سواء كان انقطاعا ماديا.. بهجرته إلى مجتمع غير مسلم، وعدم وجود من يعينه على دينه في غربته؛ أو يكون انقطاعا معنويا بغياب مشاعر التواصل والتراحم بينه وبين أعضاء المجتمع المسلم الذي يعيش فيه.. فلا يجد صلة للرحم، أو عدم وفاء الأصدقاء أو غيرها من مظاهر الانقطاع أو الانعزال عن المجتمع.
            وفي المقابل يجد مجتمعا بديلا يحتضنه، ويصنع له صورة من التواصل يفتقدها في حياته، فتجده شيئا فشيئا يتأثر بهذا المجتمع الجديد المصنوع، حتى يصل الأمر إلى تأثره بعقيدتهم.. خاصة إذا كانت علاقة هذا المجتمع الجديد به مقصودة ومصنوعة ومرتبة.

            كانت هذه –من وجهة نظري- الأسباب العامة لخروج إنسان عن دينه، ويحتاج الأمر -إذا أردنا دعوة من تعرض لهذه الفتنة- أن نعرف الأسباب التي كانت وراء تحوله ونحددها حتى نستطيع التعامل معها وعلاجها.

            * وأحسب أن أهم ما نحتاج إلى التركيز عليه في دعوة من وقع في هذه الفتنة هو:
            - أن نعمل على حسن تأسيس الإيمان لدى المسلم ابتداءً، حتى يتمكن من دينه عن قناعة ولا يكون من السهل وقوعه في مثل هذه الفتنة.. فلا يجوز التقليد مجال العقيدة، ولكن يجب على المسلم أن يؤمن بدينه عن قناعة وتفكر وتدبر في آيات الله وتعايشٍ معها.

            - حسن تقديم الإسلام.. تقديمه رحمة للعالمين، تقديمه كأخلاق (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، خاصة الأخلاق الاجتماعية، فإذا لم نستطع أن نوجد الدولة التي تحكمها قيم الإسلام، فعلى الأقل نسعى لإيجاد المجتمع الخلوق الرحيم، الذي يسوده العدل والتراحم والتواصل الإنساني السوي.

            - أن يتم مناقشته مناقشة عقلية لدحض ما يواجهه من شبهات.

            - أن يحكمنا في دعوته الحب والرحمة به والصبر عليه، وأن نريه منا صورة الإسلام بشكلها السليم والناصع، وأن يرى منا الحب الخالص لوجه الله.
            ومع الوقت والصبر يمكن أن نرد هذا الشارد إلى حظيرة الإسلام والإيمان مرة أخرى بإذن الله، إذا كان فعلا يريد الحق.. والله المستعان.

            ** وبعد هذه الإجابة الطيبة للدكتور مجدي سعيد بارك الله فيه، نقدم لك هذه الإجابة الصوتية لفضيلة الأستاذ الدكتور طلعت عفيفي، والتي نلخصها لك في الكلمات التالية:
            بالنسبة لمن كان مسلما ثم تعرض لفتنة الارتداد، فإن الواجب علينا أن نبحث عن الأسباب التي أوصلتها إلى هذه الفتنة، ومعالجتها.. فإذا عرف الداء أمكن وصف الدواء المناسب له.
            فربما كانت هناك شبهة تسببت في اتخاذه هذا القرار..
            وربما كان الجو العام الذي كان يحيط به هو السبب، من ظروف اجتماعية أو اقتصادية..
            ومن الضروري توفير الصحبة الصالحة التي يمكنها أن تأخذ بيده، فيحيط به أصحابه وأصدقاؤه ومعارفه حتى يأخذوا بيده، لا أن يشتدوا عليه أو ينفضوا عنه.. لأنه كالغريق يحتاج إلى من يمد له يد العون.
            استمع إلى إجابة فضيلة الأستاذ الدكتور طلعت عفيفي
            دعوة المرتد

            ** ويضيف الدكتور علاء السيوفي:
            أخي الكريم؛
            إن الله عز وجل قد خلق القلب وجعل حاله كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء) رواه مسلم، ويقول الشاعر:
            وما سمي الإنسان إلا لنسيه ....... وما القلب إلا أنه يتقلب
            ويصف النبي صلى الله عليه وسلم القلب فيقول: (لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا استجمعت غليانا) رواه أحمد وصححه الألباني.
            وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير البشر، وأحبهم إلى الله.. ومع ذلك يدعو أن يثبت الله قلبه على الإيمان.
            ولذلك فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يراقبون قلوبهم أشد المراقبة، حتى إنهم ليعلمون متى يزيد الإيمان فيها ومتى ينقص، بل ويعلمون ما الذي يُزيد الإيمان في قلوبهم وما الذي ينقصه؛ وحديث حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه في هذا مشهور ومعروف؛ وهذه هي طبيعة القلب أنه ساعة يزيد فيه الإيمان وساعة يقل، ويجب على المؤمن الحرص الشديد على الحفاظ على إيمانه من النقصان ومن التأثر السلبي بأمور الحياة الدنيا.
            وفي هذا كله دلالة على أن الذي يثبت القلوب هو الله، وأن المسألة تحتاج من الإنسان بعض المقدمات التي أهمها الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه في الحفاظ على إيمانه.

            * وأما عن دعوة المسلم الذي حسن إسلامه في فترة، ثم ارتد عن الإسلام فمن أهمها:
            1- ملازمته وعدم البعد عنه، ومحاولة تذكيره بالأعمال الصالحة التي كان يعملها أيام إسلامه.

            2- تهيئة المناخ الإسلامي الذي يحيط به من محبيه وإخوانه المسلمين الحريصين عليه.

            3- تقديم يد العون له بصفة مستمرة، ومحاولة معرفة الأسباب التي أدت إلى هذا التحول لديه ومعالجتها بحكمة وتروٍّ، وبدون مواجهة حادة حتى لا يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية معه.

            4- الدعاء له بظهر الغيب، فإن له أثرًا كبيرا، وهو مستجاب بإذن الله تعالى، ولكن ينبغي أن يكون فيه إخلاص.

            5- مراعاة حال زوجته وأولاده إن كانوا مسلمين أو غير مسلمين، فقد تكون الزوجة أحيانا سببا في كثير من الخير أو في كثير من الشر، وإن كانت مسلمة فينبغي أن تدفع في سبيل إعادته إلى حظيرة الإسلام.
            أسأل الله له الهداية والأوبة العاجلة، وأن يفتح الله قلبه للهدى والخير.

            بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم..
            أنا من أتباع الشيوعية، ومن معاديّي الإسلام، ومن الناس الذين أشركوا بالله، وكذبوا باليوم الآخر، وهاأنا الآن قد سئمت من حياتي، ومن كل ما صنعت يداي، وأريد التوبة والمغفرة، وقد نويت الالتزام.

            أريد أن يكون ذلك عن طريق هذا الموقع، سائلاً منكم أن تدلوني على الطريق الصواب، وإن كان في الإمكان أن أتعلم الإسلام، وأن أكون من شيوخ الإسلام على أيديكم ومن موقعكم هذا.
            وأنا جاهز أن أكون في كل محاضرات وتعاليم الإسلام.
            كما أريد أن أعلم شيئًا عن هاتين الآيتين: (إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرِك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدًا)، (إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).
            هل معناها أن الله لا يغفر لمن يشرك به أحدًا و لو تاب عن ذلك؟؟
            مع العلم أني في الأساس مسلم مُرتد عن الدين.
            وشكرًا.

            الأخ الحبيب هيثم؛
            حمدًا لله سبحانه أن أعادك إلى بحبوحة رحمته، ورضوان طاعته، ومرحبًا بك أخًا مسلمًا مع أهل الإيمان، تزيد بهم ويزيدون بك، وتقوَى بهم ويقوون بك.
            وهنيئًا لك ذلك النعيم الذي فتح الله له قلبك، نعيم الطاعة وحلاوة القرب من الله والأنس به سبحانه، والاطمئنان بمعيَّته، ففي الدنيا جنَّةٌ، مَن لم يدخلها لم يدخل جنَّة الآخرة، تلكم هي جنَّة القرب من الله والأنس به.

            وما هداك الله سبحانه إلى رحابه، وأنقذك من خبيث الشرك ودرن المعصية، إلا لأنَّه يحبُّك، وإلا لتركك كالكثيرين ممَّن هانوا عليه فتركهم يرتعون في عفن المعصية وحمأة التمرُّد على الحقّ، فإنَّه سبحانه ما عُصي في الدنيا إلا بإرادته الكونيَّة، ولو شاء لهدى الناس جميعًا، ولكن تركهم، فعصاه عاصيهم لهوانه على الله، وأطاعه طائعهم لمكانته عند الله.
            فالله – عزَّ وجلَّ – يُعطِى الدنيا مَن يحبُّ ومن لا يُحبّ، ولكنَّه لا يُعطِى الدين إلا لمن يحبّ، ولا يهدي لرحابه إلا من يريد أن يقرِّبه منه ويدخله جنَّته في الدنيا قبل الآخرة.
            فهنيئًا لك – أخي – هذه التوبة وتلك الأوبة، وهنيئًا لك هذا الرجوع إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها.

            واعلم أنَّ التوبة تَجُبُّ ما قبلها، كما أنَّ الإسلام يَجُبُّ ما قبله، وأنَّ خيار الناس في الجاهليَّة هم خيارهم في الإسلام، ولأن الله مَنَّ عليك بنعمة الإيمان، وأنقذك من دنس المعصية، فإنَّه مِن شُكر هذه النعمة أن تنتقل إلى الإسلام بخير ما أودعه الله فيك من علمٍ ومعرفةٍ ومن إمكاناتٍ ومواهب، فتسخِّر كلَّ ذلك في الدعوة لدين الله والذَّوْد عنه، وتفنيد شُبَه خصومه ودحض حججهم، وأنت بذلك أعلم ممَّن لم تكن له مثل تجربتك، ومَن لم يطرق ما طرقت من ميادين، فالذي يعرف الشرَّ والجاهليَّة أكثر من غيره قدرةً على أن يتصدَّى لها فكريّا، وعلى أن يفضحها أخلاقيّا وقيميّا.

            وإن تكن ذنوبك عظُمَت فالله أعظم، أو كثُرت فالله أكثر، وكم من حائدٍ عن طريقه أصبح من أخلص أوليائه، وكم من محاربٍ له أصبح محاربًا عن دينه ومنهجه، والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد كان الفضيل بن عياض قاطعًا للطريق، ثمَّ أصبح من علامات الطريق إلى الله وأدلَّته.
            وجاء عمير بن وهب من مكة متوشِّحًا سيفه عازمًا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فعاد وقد فتح الله قلبه للإيمان، وأخذ على نفسه عهدًا ألا يدع موطنًا نال فيه من الإسلام ونبيِّه إلا ويدعو فيه إلى الإسلام ويذُبّ عنه.

            على أنَّني – أخي الكريم - يُهمُّني أن أتوجَّه إليك ببعض النصائح – والدين النصيحة، لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامتهم -:

            أوَّلاً: لقد عشتَ وحشة البعد عن الله، وجرَّبتَ معصيته، ثمَّ ها أنت ذا تعود إلى رحابه بفضلٍ منه سبحانه، فاستمسك بهذه النعمة العظيمة التي منَّ الله بها عليك، وأدِّ حقَّها، وحقُّ النعمة شكرها، وشكرها كما يكون باللسان والقلب يكون بالعمل، والعمل هنا يتمثَّل في أكثر من ناحية:

            - يتمثل في أن تعمل دومًا على الارتقاء بذاتك علميّا بالمعنى الشامل للعلم: العلم الشرعي الذي تصِح به عقيدتك وعبادتك وقراءتك لكتاب الله، ولئن كنتَ قد أمضيت سنوات تطَّلع فيها على أبواب من المعرفة قد تكون نافعة، لكنها لا تبنى شخصيتك المسلمة، فإنه حق عليك الآن بعد أن عرفت الحق أن تلزمه، ولن يكون ذلك إلا بالعلم، وإنما العلم بالتعلم، ولذا فإني أنصحك أخي أن يكون لك منهج في الانفتاح على العلوم الشرعية، ولنبدأ بما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجة بسند صحيح.
            والعلم الذي هو فريضة هو الذي لا يسع مسلمًا الجهل به في جوانب: العقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق.

            فلتتعلم ما تصح به عقيدتك، وتصح به عبادتك، وتسلم به معاملتك، من بيع أو شراء أو تجارة أو نكاح أو غيرها، وتستقيم به أخلاقك؛ لأن أكثر ما يدخل الناس الجنة حُسن الخلق، كما ورد عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

            فإذا أسستَ هذا الأساس، فلتنتقل إلى البناء المعرفي المتكامل من العلوم الشرعية، وهذا بالطبع لن يكون بين عشية وضحاها، ولكن يتحقق بالجهد والإخلاص في طلب العلم.
            وهذا باب واسع، ولكن لا أقل من قدر من الإلمام بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وشيء عن علوم القرآن والحديث الشريف، مع الاهتمام بواقع المسلمين، فمَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

            وأرجو أن يكون في موقفنا هذا ما يدلك على منهج للبناء العلمي والمعرفي في هذا السبيل.
            ثم لنعمل على الارتقاء بنفسك روحيّا، فالعلم سبيل إلى العمل، والقلب له حياة وغذاء، كما أن الجسد كذلك، ولا شك أنك بتجربتك التي خُضتها، وبالإيمان الذي أفاض الله به عليك تعلم ذلك وتحسه.

            ولهذا لابد أن تعمل دومًا على الارتقاء في هذا الجانب، وذلك أيضًا بقدر من التعلم من كتب القوم، كمنهاج العابدين للغزالي، وأخبار الغزالي أيضًا، وتقوى القلوب لأبي طالب المكي، والرسالة التفسيرية شرح الحكم العطائية، إلى غير ذلك من الكتب التي رسم بها هؤلاء الأعلام الطريق إلى الله تعالى والمسلمون معاني الإخلاص والتوكل والتسليم والصبر والرضى، على أن العلم هنا لا ينفع وحده، بل لابد من السلوك، فليكن لك زادك الروحي من ورد قرآني، ومحافظة على أذكار الصباح والمساء، وحبذا لو استمسكت بركعتين في جوف الليل أو صيام بعض النوافل.

            ثم يأتي دورك كمسلم، مُطالَب أن يقوم بدعوة غيره إلى الإيمان والطاعة على أنني هنا - أخي الكريم - أنبهك ألا تتصدى لقضايا خلافية أو تدخل في مشكلات فقهية، ففي أساسيات الإسلام والإيمان، وفي المتفق عليه، كفاية لأن نقوم بدورنا في الدعوة.
            وكل مسلم قادر على أن يقوم بواجبه في الدعوة إلى الله بعمله الصالح وسلوكه القويم، وبالحكمة والموعظة الحسنة، في الأمور الواضحة البيّنة التي يجهلها كثير من المسلمين.
            واعلم أن إخلاص الداعية وصدقه هو أهم ما يؤثر فيمَن يدعوه، ولعلك بإخلاصك وصدقك في نقل تجربتك لآخرين ستكون إن شاء الله خير هادٍ لغيرك ممَّن لا يزال بعيدًا عن الله سبحانه وتعالى.

            ثانيًا: اعلم يا أخي أن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، فإن المُنبتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، فهنيئًا لك هداية الله، ويُحمَد لك رغبتك الدافعة في أن تتعرف على أمور دينك، وأن تكون من دعاته، ولكن الأمر - أخي - يحتاج إلى رفق وتؤدة، حتى تقيم بناءك الروحي والعلمي بشكل صحيح، فإياك أن تأخذك العاطفة والحماسة، فتندفع تريد أن تعرف كل شيء وتقوم بكل شيء، وتتصدى لكل باطل، هكذا بلا تدرج ولا تخطيط.

            فالتدرج سُنَّة من سنن هذا الدين، ومعلم من أهم معالمه، هكذا علمنا الله سبحانه، فقد ذمَّ الخمر مرتين وحرمها في الثالثة، وبدأ بتأسيس العقيدة، واستغرق في ذلك المرحلة المكية بأكملها، ثم شرع في بناء المجتمع والدولة، فنزلت التشريعات تنظم حياة الناس، وفي ذلك تقول عائشة رضي الله عنها: (إنما نَزَل أول ما نزل منه – أي القرآن – سورة من المُفصَّل، فيها ذِكْر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنُوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا) رواه البخاري.

            والشاهد من هذا - أخي - أن التدرج في التعبير لابد منه، فلتبدأ في بناء ذاتك روحيّا وعلميّا، وبالالتزام عباديّا وأخلاقيّا، ولكن حبذا لو كان ذلك رويدًا رويدًا، وفي الحديث القدسي العظيم قوله تعالى: (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه) رواه البخاري.
            فانظر كيف بدأ عز وجل بالفرائض، وجعلها أفضل ما يتقرب إليه سبحانه به، ثم ثنَّى بالنوافل، وعدها طريقًا لنيل محبة الله سبحانه.

            ومن مقولات أبي بكر في نصيحته لعمر - - عندما استخلف على الناس: (اعلم أن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدَّى الفريضة).
            والإنسان - أخي - لا يولَد عالمًا، وإنما العلم بالتعلم، والصبر بالتصبر، والحلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومن يتوقَّ الشر يوقه.

            وقد رأينا نماذج عديدة لأناس اندفعوا بحماس شديد في طريق الهداية، لكنهم لم يثبِّتوا أقدامهم على الطريق، فكان أن عادوا من حيث أتوا - وقانا الله وإياك ذلك - أو فترت همتهم بعد حين.

            وفي الحديث: (إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك) رواه أحمد بسند صحيح.
            أي أن العمل له فترة اندفاع، يبلغ فيها ذروته، ثم يعتريه فتور بعد الاندفاع، لكن هذا الفتور ينبغي أن يكون في حدود الهدي النبوي العظيم، وإلا ضل صاحبه، (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان).

            لذلك - أخي الكريم - أرجو أن تكون حماستك المحمودة ورغبتك القوية في أن تستدرك ما فاتك وتستقيم على طريق الله، أرجو أن يعقبها سير هادئ متزن في طريق الله، تثبت به الأقدام على طريق الهداية، ويستنير فيه العقل والقلب، وتكون بمشيئة الله سبحانه من دعاته العاملين الثابتين على طريق الهداية.

            أما بالنسبة لتساؤلك عن قول الله سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرِك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدًا)، وقوله عز وجل: (إنه من يُشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)، فالمعني أخي الكريم أن الذي يموت على الشرك - والعياذ بالله - قد حُرِم من ولوج هذا الباب العظيم، وهو وقوعه تحت رحمة الله في الآخرة، وحُرمت عليه الجنة ومأواه النار.

            أما أن الله لا يغفر الشرك ويغفر ما دون ذلك، أي أن الإنسان ما لم يمت على الشرك بل مات موحدًا على ملة الإسلام، فهو في مشيئة الله سبحانه بالنسبة لذنوبه التي ارتكبها، إن شاء سبحانه عذَّبه عليها، وإن شاء غفرها له بفضله سبحانه، وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: (من أصاب من ذلك شيئًا فعوقِب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، و إن شاء عفا عنه) متفق عليه.
            أي أن من ارتكب ما يوجب معاقبته في الدنيا ووقعت عليه العقوبة فهي كفارة له، أي لا يُعذَّب بهذا الجُرْم في الآخرة.

            ومن ارتكب ما يوجب الحد ولكنه لم يُقَم عليه، وظل ذنبه مستورًا عن العباد فهو في الآخرة تحت مشيئته سبحانه، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له ذلك إذا مات على ملة التوحيد.
            أماتنا الله وإياك على ملة التوحيد، وجمعنا في فردوسه الأعلى.. آمين.

            أريد منكم أن ترشدوني إلى الأسلوب الأفضل لدعوة ملحد، وما الذي أحتاجه حتى أؤثر فيه أو أقنعه؟

            يقول الشيخ عماد أبو الرب، إمام المركز الإسلامي في كييف:
            أخي الكريم؛
            إن التعامل مع الملحدين بهدف دعوتهم تحتاج إلى معرفة بعض الأسس، حتى يستطيع المسلم المتصدي لهذا الأمر أن يحفظ نفسه من الزلل في شبهاتهم من ناحية، وأن يعرف مداخل التأثير فيهم من ناحية أخرى.
            وللإفادة أضع بين يديك -أخي الحبيب- هذه المعلومات المختصرة حول الإلحاد، لتكون ركائز لك لتبني عليها وتضيف، حتى نصل معًا إلى دعوة الآخر بعلم وفهم وحكمة:

            * تعريف الإلحاد:
            الإلحاد هو مذهب فئة أنكرت وجود الله وما آمنت به، وهو صديق الجهل كما قيل: (الإلحاد صديق الجهل)؛ وهناك ملحدون لا يعترفون بإله لهذا الكون لأنهم لا يرونه، فهم لا يؤمنون بشيء غير محسوس!! رغم أن العقل البشري يعلم أن حواسنا قاصرة عن معرفة أو إثبات وجود كل شيء، ولهذا صحّ ما قال البعض عن الإلحاد: أنه عدم العلم.. لا العلم.

            ولفهم قضية الإلحاد أذكر لك بإيجاز النقاط التالية:
            - الملحد يقيم إيمانه على عمى، بينما المسلم يقيم إيمانه على بصيرة.
            - يستند الكثير من الملحدين لقانون السببية الذي يعني أن هناك سببا من وراء كل عمل، والمسلمون يعلمون أن هذا القانون هو عمدة براهين إثبات وجود الله.
            - ذكر علماء الفلسفة أن الشيء لا يكون علّة نفسه، فلا بد من وجود علّة أولى هي الله الخالق لكل هذا الوجود.
            - من المعروف أن اليهود ساهموا في نشر الإلحاد خاصة في القرن السابق من خلال نشر نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي، ونظريات فرويد وغيرها.. مستغلين محاربة الكنيسة للعلم واضطهادها له، ومما قاله دعاة الشيوعية المنهارة:
            ماركس: الدين أفيون الشعوب، لينين: الإلحاد هو شيء طبيعي في الماركسية بل هو روح الماركسية.
            - من خطورة الإلحاد أنه يؤدي بالإنسان إلى الكفر بيوم القيامة، وبالثواب والعقاب، وبالجنة والنار، وبكل المعتقدات والعبادات لتي بها ينال العبد رضاء ربه، وكذلك يصلح حال البشر في الدنيا، ويكفيهم عقابًا أن طمس الله على قلوبهم.

            * أنواع الإلحاد:
            1- الإلحاد الإنكاري "إلحاد كامل":
            وهو لفئة قرأت وتعمّقت في دراسة وجود الخالق لكنها وصلت إلى إنكار وجوده، وبالتالي رفض الأديان جملة وما يتعلق بها؟!! وهذا النوع مخرج عن الملة لأنه أوجب الكفر.

            2- الإلحاد الرافض "إلحاد جزئي":
            وهو لفئة تعلم أن الله موجود، لكن غلبت عليها شقوتها وباتت تتصرّف كأن الله غير موجود، فتنتهك المحرّمات وتسخر من الدين.. وهذا النوع يمكننا أن نطلق عليه الإلحاد الكاذب، وهو مخرج عن الملة كذلك، غير أنه في منزلة أقل من سابقتها.
            ومن هنا لا بد معرفة المخاطبين وأفكارهم للبدء منها والبناء عليها، ولا بد أيضا معرفة أسباب الإلحاد.

            * أسباب الإلحاد:
            يتعجب البعض ويتساءلون: وهل للإلحاد أسباب؟؟!!
            نقول ببساطة، بما أننا بشر وتراودنا الأفكار المتناقضة فلا بد من وجود أسباب يمكنك بمعرفتها أن تضع يدك على ما تواجه به صديقك، ومنها:

            1- الأهواء البشرية:
            فحب الشهوات من غريزة جنسية ومال وعجب وغرور وكبرياء يجد فيها الملحد ضالته، فهو يريد أن يفرغ شهوته بدون ضوابط ولا حساب ولا عتاب، ويحب أن يجمع المال كيفما شاء وينفقه فيما شاء دون أن يجد محاسبة وتقييدا له في حياته، وحبه للظهور والخروج عن المألوف بين معارفه فيظهر نفسه كأنه الأكثر فهما وجرأة.. والكثير من الأهواء التي تعتري البشر فتوصلهم أو تسهل عليهم الإلحاد والعياذ بالله.

            2- الرغبة القاصرة:
            لأن الملحد عندما يخاف وجود الله يفكر في إنكاره ويصل بعدها لعدم الإيمان به.

            ** نصائح في مناقشة الملحدين:
            1- لا بد لمن تصدى لمناقشة الملحدين والرد عليهم من أن يخلص نيته لله تعالى، فبها وحدها ينال الأجر والثواب العظيم من الله العلي الحكيم.

            2- لا بد من ثقافة ووعي في الدين يعينه على أن يحصن نفسه بداية، وأن يعرض بعدها لغيره الحجة الدامغة والدليل القاطع على كلامه وحديثه، خاصة أن الملحد يرفض مبدأ الإيمان القلبي بوجود الله لإصراره على معرفته بحواسه.

            3- لا بد من استخدام الحجة العقلية والدليل المنطقي مع الملحدين، وعليك أن تحذر من الأساليب الفلسفية وقلب الحقائق وطرح المتناقضات.. وهذا يعني أن تبدأ النقاش معه عن سبب الوجود ومصدره، كونها أصل الموضوع؛ ثم عن صفات الموجد وهو الله؛ ثم عن الإسلام.. وهكذا حتى تصل به إلى الفهم المطلوب.

            4- لا بد أن تتفق وإياه على قواعد للحوار بحيث لا يجوز تجاوزها، وإن وصلتم إلى طريق مسدود فتذكر قول الله تعالى: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً" الكهف : 57.

            5- تذكر أن الإيمان يدخل القلب عن طريق العقل ثم يستقر في القلب عاطفة، وهذا هو أسلوب القرآن الذي خاطب العقل ولفت انتباهه ومداركه للكون والحياة، كما أنه لا يستطيع أن يقيم الدليل على عدم وجود الله لا بالعقل ولا بالنقل.

            6- ذكّره بداية أن إثبات وجود الله ليس كإثبات أن الماء يتكون من الهيدروجين والأوكسجين، فالإنسان –كما هو معروف- محدود بقدراته، كما قال أرسطو: (الإنسان كائن محدود)، وفيه نقص وضعف لا يمكّنه من أن يلم بالله عز وجل، ثم إن هناك موجودات لا نراها ولا نستطيع إثبات وجودها.

            7- استفد من كلامه المتناقض، فقوله: أين الرب الرحيم؟ يعني أنه يثبت الله ولكنه يتساءل عن غيابه.

            8- اضرب له صورًا افتراضية كالتي يطرحها، فمثلاً قل له ماذا لو سلّمنا أن الخالق موجود، فماذا يكون بعد موتك؟ لا بد أنه سيعينك يوم القيامة إذا كنت من المؤمنين به، أما إذا ما كان هناك خالق فلن تخسر شيئًا سوى بعض الأمور التي حرمت نفسك منها في الدنيا؛ وهكذا تعرض له الفكرة تلو الأخرى لعل الله يفتح على يديك وتجد ما تطرق به قلبه.

            9- لا بد من نقض فكر الملحد قبل أن تبني أفكارك، فابدأ بإزالة ثقته بأفكاره وإلحاده والتدليل على وجود الخالق، ثم أتبعها بإزالة الشبهات، مع عرض صورة الإسلام الزاهية.

            10- تذكر أن الكثير من النظريات يبنى على عدد قليل من البديهيات، ووجود الله أمر بديهي من الناحية الفلسفية، والكون وما فيه من نظام وتوافق يؤكد صحة هذه البديهية.

            أسأل الله أن يجري الخير على يديك، وتابعنا بإنجازاتك.

            المصدر:
            https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=998
            أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
            والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
            وينصر الله من ينصره

            تعليق

            • سيف الكلمة
              إدارة المنتدى

              • 13 يون, 2006
              • 6036
              • مسلم

              #21
              تأملات
              : أنواع الإلحاد وأسبابه الحقيقية
              الكاتب: عباد

              تأملات: الإلحاد العاطفي، الإلحاد المادي والإلحاد العقلي

              هذه تأملات وأفكار تكونت لدي من خلال قراءتي لبعض المداخلات في نادي الفكر العربي وأحببت أن أشارككم بها واقرأ آرائكم وتعليقاتكم – وما مدى صحة هذه الآراء على أرض الواقع – أرجو المشاركة من الجميع وخصوصاً السادة المعنيين بالموضوع.

              هناك فيما يبدو ثلاثة أنواع (أو ثلاثة حالات) من الإلحاد تبينت لي لدى قراءتي مواضيع كثيرة من المنتدى – ولا يعني هذا بالضرورة أنها تمثل ثلاثة أنواع من الناس بل ربما يوجد هناك من لديه أكثر من نوع واحد في نفس الوقت، كما لا يعني أنه مقتصر على هذه الأنواع، وهذه الأنواع هي:
              الإلحاد العاطفي – الانفعالي
              الإلحاد النفعي – المادي أو البراجماتي
              الإلحاد العقلي – العلمي

              وسأبدأ بالنوع الأول من الإلحاد

              الإلحاد العاطفي - الانفعالي:
              هذا النوع من الإلحاد يتكون لدى أناس تعرضوا لأزمة أو موقف عاصف في حياتهم – أو كفروا بوجود الخالق بناء على قضية ما أثارتهم وأثرت فيهم – يتكون لديهم شعور بالغضب والسخط على هذا الأمر ويجدون أنه ليس عادلاً وأن من حولهم ممن يذكرون إيماناً بالخالق يكذبون ويستخدمون هذه التبريرات زوراً وادعاءً – وأن الخالق من جملة الخرافات والأوهام التي يسعى الأقوياء بواسطتها إلى السيطرة وبسط النفوذ على الآخرين

              إن السمة الرئيسية لهذا الإلحاد هي سيطرة مشاعر الرفض والغضب والشعور بالمرارة – وربما يخفي الملحد ذلك الشعور تحت ستار من السخرية والنرجسية والاستعلاء فلا يظهر الغضب في سلوكه ولكنه ينقلب إلى سخرية وهزء بالآخرين واستعلاء عليهم


              من علامات الإلحاد العاطفي أن يقول الشخص:
              - العذر الوحيد لله (عن هذه المصائب التي تحصل) أنه غير موجود
              - لو كان الله موجوداً فهو يجب أن يدخل النار (أو من يمثله من رجال الدين المنافقين)
              - ليست هناك عدالة بين البشر وهم يخدعونني إذا ادعوا عدالة السماء
              - العدالة حلم الضعفاء – والدين – نعم الدين – يصنعه الأقوياء

              وهذا الكلام يحمل في طياته اعتراضا انفعالياً وعاطفياً وليس عقلياً بحال من الأحوال – فالشخص الذي حصل له أمر سيئ أو رأى هذا الأمر يحصل لغيره يقول:
              - كيف يحصل هذا الأمر إذا كان الإله موجوداً؟
              – أليس من حولي يقولون أن الإله عادل؟
              - كيف يدع هذا الأمر يحصل بدون أن يتدخل؟
              - يجب عليه إن كان موجوداً أن يتدخل..
              - ما هذا الإله الظالم الذي يستحق العقاب ..
              - كيف يكون الله إلى جانب رجل الدين المنافق والسارق والمحتال ولا يكون إلى جانبي أنا المسكين؟

              ومن هنا يبدأ الغضب الداخلي بالتراكم حتى يصل بالشخص إلى حالة نفسية قاسية ويجد هذا الإله سداً أمام تفكيره وسلوكه فيرفض فكرة وجوده لأنه يصل إلى نتيجة داخلية مفادها أن اللوم لا يجدي وأنه مضطر للخروج من دوامة السلبية والسخط التي هو فيها إلى الواقع والفعل الإيجابي وأنه مضطر أن يعتمد على ذاته وأن ينسى لوم الإله وبالتالي ينكر وجوده ويعتبره خرافة

              الباعث لذلك كله هو الانفعال والعاطفة وعجز التبرير الواقعي لما يحصل

              وجوابي الشخصي على ذلك:
              منذ وجود الإنسان العاقل المفكر وقبل وجوده – لم يكن واقع الدنيا يجري على هواه بحال من الأحوال ولم تكن الدنيا جنة تتحقق فيها أمنياته – أو على الأقل يعيش فيها بسلام حياة نباتية أو مادية بلا منغصات – وذلك بسبب طبيعة تكوينه وحاجاته وارتباطه ببيئة محيطة واسعة تتسع كلما زاد إدراكاً وتطوراً ويزداد اعتماده عليها وتكثر متطلباته طردا بزيادة معرفته
              من مزايا الإنسان العاقل تطور تفكيره وقدرته على إيجاد مخرج من الأزمات التي يواجهها – وحتى في المجتمعات البدائية فهناك أنماط من التفكير تستطيع استخدام المواد الموجودة في البيئة المحيطة لتلبية متطلبات هذا الإنسان

              ولكن:
              لماذا يحصل ذلك لدى الإنسان فقط وتحديداً؟ ما هذه المتطلبات التي كلما لبي جزء منها تفاقمت في ازدياد؟ لماذا يوجد الألم والعذاب، والإحساس بألم الآخرين، والضيق النفسي، والشعور بالوحدة للإنسان المنعزل ولو لبيت كل حاجاته المادية؟ والشعور بالظلم؟ الذاكرة طويلة الأمد؟ ولماذا توجد عقبات ومنغصات تجبر الإنسان على العمل والجهد والبحث عن حل؟ وتجبره على التفكير؟ هذا هو السؤال الذي لا يسأله الملحد العاطفي لنفسه – لأن جوابه الوحيد أن هذا جزء من تكوين الإنسان وبنيته التي امتاز بها عن بقية الكائنات – وهذا سر تقدمه وامتلاكه لزمام قيادة الدنيا دونا عن الباقين. والتأمل في هذا الجواب يدفعه لأن يقر بأن هناك تنظيماً محكماً للكون أوجده الله ووضع الإنسان على قمته – فمعجزة الخلق ومعجزة الإنسان تشهدان على الصانع وأن هذا الصانع واحد لا شريك له فلو كان هناك شركاء لصنع كل منهم خلقاً مختلفاً عن سواه ولعلى بعضهم على بعض - وهذا يجبره أن يعود إلى الإله الذي رفضه من قبل وتمرد عليه – وهذا يعني استسلامه وتراجعه عن الغضب الدفين وعن الأفكار الكئيبة المسيطرة عليه.

              ولذلك فكثير من الملحدين يحاول بعد تورطه في الإلحاد أن يجد أي مبرر علمي أو اجتماعي أو مادي ليهزأ بهذا الإله ويرفضه لأنه يرى أن البديل المقابل مذل له – وهو الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه – ويرى أن كيانه الاجتماعي والصورة المتميزة التي بناها لنفسه كملحد ستنهار في أعين من يعرفونه أو في عينه هو شخصياً فيتشبث بكل مبررات هذا الوجود الاجتماعي – وأول هذه المبررات خصومته مع الدين ومخالفته له.

              الإلحاد المادي – النفعي:
              وربما يسميه البعض: البراجماتية. وهو أن ينكر الشخص وجود الإله في سبيل مصلحة مادية يرى أنها تتحقق له بذلك أو إذا شعر أن وجود الإله عقبة أمام إحدى غاياته، أو أمام غايات متعددة يرى أن أقصر طريق لحلها هو الإلحاد.
              هناك أمثلة كثيرة على هذا الإلحاد تتمثل في مواقف متتبعيه من التشريعات والقوانين التي
              جاءت بها الأديان السماوية

              - كموقف الملحد من الحاجة المادية وتوزيع الثروة إذا كانت له غايات مالية
              - وموقفه من التشريعات الاجتماعية المتعلقة بالزواج إذا كانت له غايات إباحية
              - وموقفه الرافض لعبادة أي شيء إذا كان لديه كبرياء ذاتية تمنعه من ذلك وتمنعه من السجود
              - وموقفه من الأشخاص المتبعين للأديان الذين يكونون في غالبيتهم من طبقة فقيرة أو متوسطة عندما ينظر إليهم بازدراء وعدم إرادته الاختلاط بطبقتهم – وربطه لواقع الفقر بالدين ورفضه لذلك الواقع.
              - وربطه الدين ببعض الأشخاص المتدينين الوصوليين وممارساتهم الخاطئة خاصة إذا كان في دينهم تحريف وأشياء مغلوطة فيرفضهم ويرفض أن يصنف بينهم ويرفض معهم فكرة وجود الإله.
              - وإذا كانت العائلة أو البيئة التي ينتمي إليها ملحدة فيتبعها وينخرط في وسطها الاجتماعي
              - أو كانت تتبع أفكاراً دينية شديدة الشذوذ واللاعقلانية وكان يريد أن يخرج من ذلك الجو بدون أن يتبع أي دين آخر بسبب خوفه من عائلته وخوفه من تهمة الخيانة لهم والانقلاب عليهم والذهاب إلى الدين الذي يصنف على أنه خصم لهم. يدخل هنا العامل النفسي الذي يقول:"ما حدش أحسن من حد – كله زي بعضه"
              - وتعرف الشخص على مجموعة من الناس تعده بالكثير إن هو انضوى تحتها وكون هذه المجموعة ملحدة
              - ووجود الشخص في بلد ملحد وخوفه من السلطات الملحدة واضطراره للسير في فلكها.

              وأسباب أخرى كثيرة – أرجو من الأخوة والأساتذة المعنيين المشاركة لإغنائها ومناقشتها.
              والملحد المادي شأنه شأن الملحد العاطفي يبحث دوماً عن مبررات علمية لما يقول ويفعل – ويتخذ الكبر والسخرية والهزء بالآخرين وسيلة لهذه التبريرات – وهذه السخرية هي سلاحه الأمضى والذي يحاول أن يجابه به خصومه بحيث يرهقهم ويشوشهم بسخريته قبل أن يطرح نظريته سواء كان على حق أو لا– وعندما يطرح تبريره للإلحاد يستخدم سلاح السخرية للدفاع عن المنظومة الفكرية التي اخترعها وتغطية عيوبها فيكرر خطأه الأول في تنفير الناس منه وتجنبهم له إلا من سار على دربه وقبلت نفسه أن يتخذ الكبر والهزء وسيلة يعتاش بها.

              وجوابي الشخصي على ذلك:
              إن هذه الطريق القصيرة التي تختارونها قد تكون مهرباً آنياً من التزامات كثيرة وتحديات مفروضة على الإنسان العاقل – وهذه الطريق الكسولة وما يتبعها من نتائج غير منظورة في المدى القريب أدت في الماضي إلى أزمات كثيرة بلغت مبلغ الكارثة على المدى الطويل عند تطبيقها في الواقع العملي أو أنها سائرة في هذا الطريق الذي يزداد انحداراً كلما تقدم فيه الإنسان. والأدلة كثيرة لا أملك تعدادها الآن – وسأوردها فيما بعد إن شاء الله.

              الإلحاد العلمي – العقلي:
              وهو الإلحاد الناشئ عن قناعة علمية معينة تتناقض مع مقولات دين من الأديان – خصوصاً إذا جعل ذلك الدين مقولاته تلك من أولوياته أو قواعده الراسخة التي يبني عليها عقيدته وتشريعاته ونظرته للكون

              تطور هذا النوع في أوروبا في عصر النهضة بسبب قمع الهيئات الدينية للعلم وغضبها على العلماء – وهو وإن لم يكن في البداية إلحاداً كاملاً فقد كان تناقضات مع مقولات الكنيسة جاء به كوبرنيكوس وغاليليو وغيرهم من العلماء وأدى إلى وقوع الخلاف والقطيعة بين الهيئات الدينية والعلماء حتى الوصول إلى مرحلة إلحاد اللا عودة عند كثير من العلماء

              ترافق هذا الإلحاد مع إلحاد عاطفي ناشئ عن الاضطهاد، والعاطفة المحركة لهذا الإلحاد هي الغضب ورفض الخرافة. ورفض الخرافة كان يعني لديهم رفض معتنقيها ورفض كل ما جاءوا به جملة وتفصيلاً ومن ذلك وجود الإله الذي يتخذونه ذريعة وسبباً للسيطرة حتى على العلوم والتطور – ورغم ما في هذا الرفض من تناقض مع العلم ومع المكتشفات العلمية الحديثة ودقة نظام الكون التي تثبت وجود خالق منسق لأموره، فقد فضلوا أن يعزوا هذا الأمر للطبيعة والصدفة لأن مواصفات الخالق المذكورة لدى تلك المجامع الدينية لم تكن تتسق مع الواقع الملموس وحوت قدراً لا بأس به من الشعوذات والخرافات.

              وباستمرارية تطور هذه الفلسفة الإلحادية ظهرت المادية الجدلية والمادية التاريخية التي قدمت نظرية بديلة عن الدين في النظام الاجتماعي والمادي وقدمت منظومة مختلفة من الأخلاق والسلوك طبقت في الدول التي اتخذت منها فيما بعد بديلاً عن المنظومة الدينية – وسعت هذه الدول إلى تبرير الإلحاد والدفع في أي اتجاه علمي يثبت المقولات الملحدة – شأنها في ذلك شأن الدول التي سعت لإثبات عكس هذه المقولات فماذا كانت النتيجة؟؟

              كانت النتيجة أن تطور العلم لدى المنظومتين أدى إلى رفض نظرية الصدفة علمياً، والاعتراف بوجود قوة منسقة ومحركة للكون أسماها الملحدون الشرقيون بقوة الطبيعة – وعزاها العلماء الغربيون لخالق مدبر للكون

              وظل قسم كبير من الملحدين العاطفيين والماديين مصرين على تتالي الصدف في تبرير وجود الكون وخلقه، وظلوا يبحثون عن كل ما من شأنه أن يبرر إلحادهم وينكرون ويسخرون من كل ما لا يوافق ذلك

              ما موقع المسلمين من ذلك كله؟
              شهدت القرون الأخيرة من الألفية الثانية تراجعاً كبيراً في مستوى العلم والثقافة لدى الأمة الإسلامية، وشهدت في الواقع انتشاراً للجهل والتخلف ويعزى ذلك لأسباب كثيرة أهمها عدم عناية الدولة والسلطات الحاكمة بهذا النوع من العلوم وتفضيل هذه السلطات لدعم منظومة الأفكار والعلوم السائدة والمتشكلة وفقاً لهواها والتي تضمن ولاء المجتمع وطاعته العمياء كائناً من كان الحاكم، وترسيخ الجهل والتخلف عن قصد أو غير قصد، وعدم الاكتراث بتطور المجتمعات المحكومة كون الحكام لا ينتمون إلى هذا الشعب كالأجيال الأخيرة من المماليك والأجيال الأخيرة من الترك. وكانت هذه سمة القرون الوسطى المشتركة لدى كل الشعوب في العالم آنئذ.

              وبالرغم من أن هذا الأمر ليس من الدين والإسلام في شيء إلا أن الأفكار التي تضمن التسلط أقحمت في الدين وصبغت بصبغته واعتبر الخارجون عليها خارجون عن الدين - ومع ذلك فقد ظهر دعاة التنوير من العلماء المسلمين في العالم العربي والإسلامي وخصوصاً في مصر إبان حكم محمد علي وإرساله البعثات الطلابية إلى أوروبا – وفي بلاد الشام أيضاً – وكانت غالبيتهم العظمى من خريجي المؤسسات العلمية الموجودة آنذاك والتي كانت ذات نظرة دينية معتدلة لا تهمل الدين ولا تعبد الحاكم رغم تمويله لها – ولكن كان الفرق شاسعاً في تطور العلوم بين مصر وأوروبا

              كان بعض العائدين من هذه البعثات يصطدمون بواقع التخلف في مجتمعاتهم ويشعرون بالعجز عن فعل أي شيء إيجابي وهذا ما أدى إلى نمو عقدة النقص وسوء تقدير الذات وتفاقمها ورفض الواقع المتخلف للمجتمع – وبالتالي فقد صارت هذه العقدة منبعاً للتكبر على المجتمع ورفض الواقع والثورة عليه، وكانوا يربطون هذا الواقع بالدين وبالله مما أدى إلى وقوعهم في الإلحاد العاطفي وكان هؤلاء وبالاً على مجتمعاتهم لأنهم وقعوا في العبودية الفكرية لمعلميهم الأوروبيين وشعروا أنهم أسرى لعقدة نقص لا مهرب منها إلا بتبرؤهم من مجتمعهم ودينهم وكل ما يربطهم بالواقع.

              واستمرت مدارس الفكر الإلحادي تحت تأثير عقدة النقص – تسعى في كل اتجاه وتستقرئ كل ثقافة إلحادية يفرزها الشرق أو الغرب ما دام صانعيها على درجة من الرقي المادي أو التطور التقني، فبعضهم تشرب الفكر الماركسي والشرقي وبعضهم تشرب الفكر الوجودي وغير ذلك من الأفكار – ولم يحاول أي منها الاستقلال والبحث عن منظومة فكرية توافق مجتمعه سوى بعض المحاولات القومية التي بحثت عن نظرية تكون حلاً وسطاً بين هذه المذاهب الفكرية والمجتمع المحلي ولكنها بقيت في اللاوعي حبيسة الفكر الشرقي الاستبدادي ونظرته إلى الحاكم وإضفاء طابع القداسة على القائد الملهم، وكانت حصيلتها ترسيخاً للتخلف بثوب علماني وترسيخاً لعقدة النقص والمذلة – والمكابرة على ذلك.

              وجوابي الشخصي على ذلك:
              لا أريد في هذا الموضع أن أناقش في البديهيات لدي وهي وجود خالق ومدبر للكون – وكون هذا الخالق حياً فاعلاً قادراً وإرساله الرسل وخاتمهم النبي الأمي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق ما جاء به النبي والأنبياء من قبله. وسبب عدم مناقشتي في ذلك توقعي أن يستخدم الملحدين العاطفيين والماديين سلاحهم المعتاد وهو السخرية وبذاءة اللسان – واعذروني إن قلت ذلك ولكن هذا ما وجدته في تجارب سابقة كثيرة معهم – فهم يرون في وجود الخالق والأنبياء إنكاراً لوجودهم وكيانهم. أريد هنا أن أناقش الإلحاد ومقولاته وأركانه الفكرية. وأن أستقرئ ىراء جميع الأطراف في نظرتي المذكورة أعلاه.

              لا شك أن الدين الصحيح من خالق الكون يجب أن يكون سليماً من الأخطاء المناقضة لواقع الحقيقة المطلقة – ولا أقول للواقع المحسوس او الملموس لأن حواس الإنسان وعلمه محدودين – وهو ما زال يكتشف الجديد يوماً بيوم ووجود التناقض بين الدين والواقع المحسوس يعزى إلى أحد الأسباب التالية:
              - دخول تحريف في المعلومات الدينية عبر العصور (مثل تسطيح الأرض)

              - قصور العلم عن فهم بعض الظواهر العلمية التي أوجدها الخالق

              - الافتراضات العلمية المبنية على ملاحظات غير دقيقة

              - دخول هوى النفس في محاولة نفي الدين لغرض من الأغراض أعلاه ومحاولة إثبات افتراض يوافق ذلك مثل نظرية لامارك في التطور ونظرية فرويد في علم النفس وافتراضاته وتخيلاته المرتبطة بها

              - إدخال بعض الناس في الدين ما ليس منه عبر العصور وتفسير هذه الأمور على أساس ديني

              - محاولة بعض الناس استنباط معجزات دينية متوافقة مع العلم في مرحلة من المراحل وإدخال هذه الفكرة في الدين وتحميل الكلمات أكثر مما تحتمل. مثال ذلك أن الكواكب المعروفة في المجموعة الشمسية كانت ستة كواكب حسب علم الفلك القديم – وعند اكتشاف أورانوس صارت سبعة ففال بعض الناس: هذه هي السماوات السبع التي وردت في الكتب المقدسة ولكنهم أصيبوا بخيبة أمل عند اكتشاف نبتون ثم بلوتو.

              وهناك بلا ريب أسباب أخرى للتناقضات – ولكن كل هذه الأسباب لا تعني بحال من الأحوال عدم وجود الخالق – بل تعني كذب بعض المخلوقين وقصور بعضهم الآخر واستكبار فريق ثالث منهم. وكل ذلك يعود إلى محدودية الإمكانيات التي منحت لهم رغم كثرتها كما وكيفاً، ودخول العوامل العاطفية والغايات المادية في استقراء الحقيقة وتقريرها.

              المصدر:
              https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=96
              أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
              والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
              وينصر الله من ينصره

              تعليق

              • سيف الكلمة
                إدارة المنتدى

                • 13 يون, 2006
                • 6036
                • مسلم

                #22
                للرفــــــــــــــــــــــــــــــع
                أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                وينصر الله من ينصره

                تعليق

                مواضيع ذات صلة

                تقليص

                مواضيع من نفس المنتدى الحالي

                تقليص

                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                ابتدأ بواسطة محب المصطفى, 1 سبت, 2014, 12:47 ص
                ردود 339
                24,489 مشاهدات
                0 ردود الفعل
                آخر مشاركة فارس الميـدان
                ابتدأ بواسطة مسلم للأبد, 21 أغس, 2012, 11:40 م
                ردود 316
                44,890 مشاهدات
                0 ردود الفعل
                آخر مشاركة سعدون محمد1
                بواسطة سعدون محمد1
                ابتدأ بواسطة مسلم للأبد, 19 أكت, 2014, 04:34 م
                ردود 179
                159,184 مشاهدات
                0 ردود الفعل
                آخر مشاركة قلب ينبض بحب الله
                ابتدأ بواسطة قلب ينبض بحب الله, 28 أكت, 2012, 07:11 م
                ردود 154
                17,806 مشاهدات
                0 ردود الفعل
                آخر مشاركة أحمد.
                بواسطة أحمد.
                ابتدأ بواسطة Technology, 7 أكت, 2015, 09:56 ص
                ردود 121
                14,635 مشاهدات
                0 ردود الفعل
                آخر مشاركة فارس الميـدان
                يعمل...