الكريستولوجى الخاص بيوحنا المعمدان : الجزء الأول - الحمل العذرى بيسوع :
ماذا كان بامكان يوحنا أن يعلمه عن حقيقة يسوع؟
بناء على خلفيات نقدية سليمه أظن أنه بامكاننا أن نقول أكثر بكثير مما هو متعارف عليه.
(1) مما لا نقاش فيه أن يوحنا المعمدان عاش و قام بتعميد يسوع ( ذُكره يوسيفوس كرجل صالح , و كل الأناجيل الأربعة تربطه بيسوع)
(2) ذكرت الأناجيل الأربعه كلها النص الوارد فى " سفر اشعياء 40-3 " , فيما يختص بكرازته , و التي يصور فيها على أنه سابق لمن هو أعظم منه , واذا كان انجيل يوحنا مستقلا عن الأناجيل الإزائيه فهذا يجعل من المقنع جدا أن يكون "اشعياء 40 - 3" يرجع الى يوحنا كوصف ذاتي.
(3) إن صفة الحرج تبين أنه قد عمد يسوع فعلا --راجع انجيل متى 3-- وأنه ربما لم يكن مرتاحا لهذا الفعل , و انجيل يوحنا مثلا يحذف قصة المعموديه , ولكنه يتحدث عن تواضع يوحنا في علاقته بيسوع
ما الذي عرفه يوحنا فعلا عن يسوع؟
من شبه المؤكد انه كان على علم بالدليل الجنائي فيما يختص بولادة يسوع ، أي أنه ولد خارج إطار الزواج (من بين الأسباب أن الرجلين كانا قريبين , و أيضا النصوص فى "يوحنا 8 - 41 الى 47 " تظهر أنه كان معلوما مشتهرا أن ولادة يسوع لم تحدث بطريقة لائقه).
وفي هذه الحالة علينا أن نتساءل : ما الذي قد يدعو يوحنا الى الترويج ليسوع على الرغم من معرفته بالأمور السابقه؟ فتلاميذه قد تركوه لاتباع يسوع, و ما الحوادت المشابهه فى اليهوديه التى كان بها شخص سابق أصلا ؟ و ما الحوادث المشابهه هناك التى كان فيها شخص سابق ورع يروج لشخص أعظم منه مع علم هذا الرجل السابق أن من يروج له أصول حالكه ؟ ألم يكن هذا كافيا لاقصاء مثل هذا الشخص عن أمر الكرازه العظيم؟
الإستقراء الأولي يظهر ما يلي :
العهد القديم , تثنيه 23 - 2 :
" لا يدخل ابن زنى فى جماعة الرب حتى الجيل العاشر , لا يدخل منه أحد فى جماعة الرب "
و أيضا فإن كلمتا الفجور الجنسي و الوثنية تستخدمان بصورة متبادله تقريبا فى العهد القديم في ( هوشع على سبيل المثال) ، كما لو أنهما من نسيج واحد .
DSS:
"الزنا... من أفعال أبناء الظلام، و الذين يجب على أبناء النور أن يفصلوا أنفسهم عنهم بأكبر حرص ممكن."
—s.v. povrnh,ktl. in TDNT 6.588 (article by Hauck & Schultz)
و قد أشار البعض الى أن يوحنا قد تدرب في جماعة قمران الأسينيه مما يدعم بالطبع الفكرة عن موقفه السلبي من نسل العلاقات غير الشرعيه (على الرغم من أنني أتشكك جدا فيما اذا كان يوحنا فعلا ينتمي لهذه الجماعة )
فيلو :
"فيلو يستخدم مجازا مفهوم (بورنييفا) و يقصد ب"البوفرنوي " من يعبدون آلهه متعدده " .. و هم بالنسبة له أبناء عاهرات... (TDNT 6.588 فيلو )
إن فيلو ( الذى عاش فى القرن الأول قبل الميلاد) تحركه دوافع لاهوتيه دفاعيه , فهو خجل من فجور شعبه و بالتالي يستخدم المجاز, و لكن اعتباره أن ذرية البغايا هي معادلة للشعب الوثني أمر قد يكون هاما .
إذا كان الدليل الذى نجده فى الدين اليهودى ، بما في ذلك يهودية الهيكل الثانى , يقول بشكل كبير أن الذرية غير الشرعية هي شريره و ملوثه و غير مؤهله لقيادة الأمه , اذن يبدو أن أنواع التصريحات الإيجابية التي قالها يوحنا في حق يسوع هي نتيجة لشيء آخر , جعل الكفة ترجح فى صالح يسوع.
وبعبارة أخرى ، ربما يكون يوحنا قد اعتقد بالحمل العذري و إلا لم يكن ليقدر على الترويج بدون خجل ليسوع على أنه 'حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم' (حتى "سى اتش دود " (1 ) يرى هذا القول أصيلا ).
كل ما سبق قد يكون سببا هاما لتفسير انطباع يوحنا ( الناقد جدا للذات ) فيما يتعلق بيسوع .
اننى لست بصدد القول بأن يوحنا يعتقد بالضرورة بحمل يسوع العذرى , و لكن الدليل يشير الى أنه كان مدركا لوجهة النظر المشتهره عن يسوع بأنه ولد من زنا, ولكنه مع ذلك لم يقبل وصمة العار الاجتماعي المتجذره بعمق في اليهودية وقتها , والتي ترتبط بالطبع بمن كان أصله ليس طاهرا , على الرغم أنه ربما تجاوز للحد أن نقول بأن يوحنا قد اعتقد بالميلاد العذراوى , لكننا لا نتجاوز الحد عندما نقول أن يوحنا قد اعتقد أن يسوع ولد بطريقة فائقه للطبيعه نوعا ما .
ربما أنه مثل الكثيرين قد أجل الحكم على أصول يسوع و ترك أفعاله هي التى تتحدث , و لكن في وجهة النظر هذه اشكالية, فقبل أن تكون ليسوع أية كرازه عامة -- لأن الكرازه لم تبدأ الا عندما قام يوحنا بتعميده - كان يوحنا يرى نفسه أقل درجة من يسوع بالفعل , و أنه هو الذي بحاجة الى أن يعمده يسوع و ليس العكس, و أنه سيصير نحو النقصان بينما يسير يسوع نحو الزياده ......كل هذا ينسجم مع القول ان يوحنا كان يعتقد بشكل ما بأصل فائق للطبيعه بخصوص يسوع .
و بهذا يكون معيار الترابط المنطقى منسجما تماما مع الصورة التي نراها في الأناجيل , فأية رؤية أخرى ستشوه ما نعرفه عن علاقة يوحنا بيسوع, وبالتالي يمكننا اضافة يوحنا كشاهد محتمل غير مباشر على الحمل العذراوى .
نحتاج طبعا الى المزيد من البحث في هذا الأمر لكن هذا اقتراح علينا دراسته قبل أن نرفضه , و ما يجب تمحيصه بشكل خاص هو النصوص التي تمدح زعيم مقدس في اليهودية على الرغم من معرفة الناس أن أصوله مخجله , و أيضا من يقولون بهذا الكلام عليهم أن يكونوا أتقياء هم أنفسهم و مثالا للرجل اليهودى الصالح .
سيكون من المثير للاهتمام العثور على هذه الأشياء المشابهه , و اذا كانت موجوده فلا بد أن أخفف من نتائجى التى وصلت لها هنا , و لكن لا ينبغى أن تسقط من الحساب بشكل كامل , لأن وجهة نظر يوحنا عن يسوع تشير الى أنه شخص مميز جدا و أكثر قداسة من يوحنا نفسه , شخص يكاد يكون من عالم آخر .
هذا الإنطباع لا يمكن تفسيره بالتجاوز بكل بساطة عن أصول يسوع الملوثه , و لكننا بحاجة الى سبب أقوى , شىء شبيه بالحمل العذراوى .
________________________
(1) C . H . Dodd
تعليق