السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
جاء في كتاب نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية (1/182) للشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله :
مناظرة سيدي دحية الكلبي رضي الله عنه لقيصر:
((قال السهيلي في الروض لما قدم دحية على قيصر قال يا قيصر أرسلني من هو خير منك والذي أرسله هو خير منه ومنك فاسمع بذل ثم أجب بنصح فإنك إن لم تذلل لم تفهم وإن لم تنصح لم تنصف قال هات قال هل تعلم أكان المسيح يصلي قال نعم قال فإني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له وأدعوك إلى من دبَّر خلْق السماوات والأرض والمسيح في بطن أمه، وأدعوك إلى هذا النبي الأمي الذي بشر به موسى وبشر به عيسى ابن مريم بعده وعندك من ذلك إثارة من علم تكفي عن العيان وتشفي من الخبر، فإن أجبت كانت لك الدنيا والآخرة، وإلا ذهبت عنك الآخرة وشوركت في الدنيا ،واعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة ويغير النعم.
فأخذ قيصر الكتاب ووضعه على عينيه ورأسه وقبله ثم قال أما والله ما تركت كتابا إلا وقرأته ولا عالما إلا وسألته فما رأيت إلا خيرا فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له فإني أكره أن أجيبك اليوم بأمر أرى غدا ما هو أحسن منه فأرجع عنه فيضرني ذلك ولا ينفعني أقم حتى أنظر.. فلم يلبث أن أتاه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
ومما قاله دحية في قدومه على قيصر
( ألا هل أتاها على نابها ** فإني قدمت على قيصر )
( فقدرته بصلاة المسيح ** وكانت من الجوهر الأحمر )
( وتدبير ربك أمر السماء ** والأرض فأغضى ولم ينكر )
( وقلت تقر ببشرى المسيح ** فقال سأنظر قلت انظر )
( فكاد يقر بأمر الرسول ** فمال إلى البدل الأعور )
( فشك وجاشت له نفسه ** وجاشت نفوس بني الأصفر )
( على وضعه بيديه الكتاب ** على الراس والعين والمنخر )
( فأصبح قيصر من أمره ** بمنزلة الفرس الأشقر )
يريد بالفرس الأشقر مثلا للعرب فيمن يتردد عن الشيء لا يريد ما يرجح فيه .
مناظرة سيدي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه للمقوقس عظيم القبط في مصر:
وفي الروض أيضا أن حاطبا لما قدم على المقوقس ملك مصر قال له: إنه قد كان رجل قبلك يزعم أنه الرب الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك.
قال: هات..
قال: إن لك دينا لن تدعه إلا لمن هو خير منه وهو الإسلام إليه الكافي به الله فقد ما سواه إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد وما دعاؤنا إياك للقرآن إلا كدعاء أهل التوراة إلى الإنجيل وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكن نأمرك به .
وذكر ابن عبد الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر وبلغه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما منعه أن يدعو علي فيسلط علي؟ .
قال له حاطب: ما منع عيسى أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل ويفعل؟؟
فوجم ساعة ثم استعادها فأعادها عليه حاطب فسكت.. ويروى أنه حين سأله عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حروب قومه وذكر له أن الحرب تكون بينهم سجالا تارة له وتارة عليه.
قال له المقوقس النبي يُغلب؟!
فقال له حاطب: فالإله يُصْلَب؟! يشير بذلك إلى ما تزعمه النصارى من أن المسيح عليه السلام صلب مع دعواهم فيه أنه إله.
مناظرة سيدي العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه للمنذر بن ساوى:
لما قدم العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه على المنذر بن ساوى بكتابه صلى الله عليه وسلم قال له:
يا منذر إنك عظيم في الدنيا فلا تصغرن عن الآخرة إن هذه المجوسية ليس فيها تكرم العرب ينكحون ما يستحيا من نكاحه ويأكلون ما يتكره عن أكله ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة ولست بعديم عقل ولا رأي، هل ينبغي لمن لا يكذب أن لا تصدقه؟ ولمن لا يخون أن لا تأمنه؟ ولمن لا يخلف أن لا تثق به؟ فإن كان هذا هكذا فهو هذا النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهي عنه أو ما نهى عنه أمر به أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إن كل ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل البصر.
مناظرة سيدي عمرو بن العاص رضي الله عنه للجلندي:
وفيه أيضا أن عمرو بن العاص لما قدم على الجلندي قال له: يا جلندي إنك وإن كنت منا بعيدا فإنك من الله غير بعيد إن الذي تفرد بخلقك أهل أن تفرده بعبادتك وأن لا تشرك به من لم يشركه فيك واعلم أنه يميتك الذي أحياك ويعيدك الذي بدأك فانظر في هذا النبي الأمي الذي جاء بالدنيا والآخرة فإن كان ما يريد به منا فاتبعه أو يميل به هوى فدعه ثم ينظر فيما يجيء به يشبه ما تجيء به الناس فإن كان يشبهه قبله العيان وتحيز عليه في الخير وإن كان لا يشبهه فأقبل ما قال وخف ما وعد .
دعوة سيدي شجاع بن وهب لجبلة بن الأيهم:
وفيه أيضا أن شجاع بن وهب لما قدم على جبلة بن الأيهم قال له: يا جبلة إن قومك نقلوا هذا النبي الأمي من داره إلى دارهم يعني الأنصار فآووه ومنعوه وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك ولكنك ملكت الشام وجاورت بها الروم ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس لملك العراق وقد أقر بهذا النبي الأمي من أهل دينك من إن فضلناه عليك لم يغضبك وإن فضلناك عليه لم يرضك فإن أسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا ولك الآخرة وكنت قد استبدلت المساجد بالبيع والآذان بالناقوس والقبلة بالصليب وكان ما عند الله خير وأبقى .
دعوة سيدي المهاجر بن أبي أمية للحارث بن عبد كلال:
وفيه أيضا أن المهاجر بن أبي أمية لما قدم على الحارث بن عبد كلال قال له: يا حارث إنك كنت أول من عرض عليه المصطفى نفسه فخطأت عنه وأنت أعظم الملوك قدرا فإذا نظرت في غلبة الملوك فانظر في غالب الملوك وإذا سرك يومك فخف غدك وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها عاشوا طويلا وأملوا بعيدا وتزودوا قليلا منهم من أدركه الموت ومنهم من أكلته النقم وأنا أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك وإن أرادك لم يمنعه منك أحد وأدعوك إلى النبي الأمي الذي ليس شيء أحسن مما يأمر به ولا أقبح مما ينهى عنه واعلم أن لك ربا يميت الحي ويحيي الميت ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور
دعوة سيدنا عبادة بن الصامت للمقوقس:
جاء في كتاب الاستبصار للموفق ابن قدامة أن المقوقس صاحب مصر بعث إلى عمرو أن أبعث لي رسلا أكلمهم فبعث إليه نفرا منهم عبادة بن الصامت وأمره أن يكون هو المتكلم وكان عبادة أسود شديد السواد فلما دخلوا على الملك تقدم عبادة فقال الملك ما فيكم من يتكلم غير هذا فقال القوم هو أفضلنا وأقدمنا صحبة لنبينا ومع هذا فقد أمره أميرنا هو المتكلم قال فليتقدم إذا فإنما هبته لسواده.
فقال عبادة: فإن كنت هبتني لسوادي وقد ولى شبابي وذهبت قوتي فكيف بك لو رأيت عسكرنا وفيه أكثر من ألف أشد مني سوادا وأقوى أبدانا وأعظم أجسادا ؟؟؟ فطلب منه الملك الصلح.
فقال عبادة: إنا لا نقبل منكم إلا إحدى خلال ثلاث إما أنت تسلموا فتكونوا إخواننا لكم ما لنا وعليكم ما علينا وإما أنت تؤدوا الجزية إلينا وتعتقدوا منا الذمة فنقبل منكم ونكف عنكم وإما أن تبرزوا لنا حتى يحكم الله بيننا وبينكم.
فقال الملك لا تقبلوا غير هذه الخلال الثلاث؟ فرفع عبادة يديه فقال: لا ورب السماء لا ورب هذه الأرض لا نقبل منكم غيرها.
فقال الملك لأصحابه: ما ترون فيما قال؟ فأبوا فقال الملك والله لئن لم تقبلوا منهم احد هذه الخلال قبل قتال الرجال وسبي الحريم لتقبلنه منهم بعد ذلك وأنتم راغمون.. فصالحهم ووجَّه سيدنا عمر بن الخطاب عبادة بن الصامت رضي الله عنه إلى الشام قاضيا ومعلما هـ
مناظرة الإمام أبو بكر الباقلاني للنصارى:
ذكر القلقشندي أن بعض ملوك الروم كتب إلى خليفة زمانه يطلب منه من يناظر علماء النصرانية عنده فإن قطعهم أسلموا فوجه إليهم بالقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني المالكي فلما حضر المجلس واجتمع لديه علماء النصارى قال له بعضهم: إن معتقدكم أن الأنبياء معصومون في الفراش وقد رميت عائشة بما رميت به فإن كان ما رميت به حقا كان ناقضا لأصلكم الذي أطلقتموه في عصمة الأنبياء في الفراش وإن كان غير حق كان مؤثرا في ايمان من وقع منه.
فقال له القاضي أبو بكر الباقلاني: امرأتان حصينتان رميتا بالفرية إحداهما لها زوج ولا ولد لها والأخرى لها ولد ولا زوج لها [يشير بالأولى إلى عائشة وبالثانية إلى مريم] فسجدوا له على عادة تحيتهم في ذلك
قلت
وقد رأيت في ترجمة الباقلاني من تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي هذه القصة على وجه آخر وذلك أنه ذكر أنه جرت له أمور منها أن الملك أدخله عليه من باب خوخة ليدخل راكعا للملك ففطن لها ودخل بظهره ومنها أنه قال لراهبة: كيف الأهل والأولاد؟؟ فقال له الملك : أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا؟ فقال: تنزهونه عن هذا ولا تنزهون الله عن الصاحبة والولد ؟!!. لله دره..
وقيل أن طاغية الروم سأله كيف جرى لعائشة وقصد توبيخه فقال كما جرى لمريم وبرأ الله المرأتين ولم تأت عائشة بولد فأفحمه ولم يدر جوابا .
وأحفظ أيضا أن الباقلاني سأله ملك الروم أيضا قال له تزعمون أن القمر انشق لنبيكم فهل للقمر قرابة حتى ترونه دون غيركم؟؟ فقال :وهل بينكم وبين المائدة أخوة ونسب إذ رأيتموها ولم ترها اليهود واليونان والمجوس الذين أنكروها وهم في جواركم؟؟ فأفحم ولم يدر جوابا .
مناظرة الإمام أبا بكر بن الطيب:
ذكر هذه القصة ابن التلمساني في شرح الشفا قائلا ذكر بعضهم أن الإمام العالم الأعرف أبا بكر بن الطيب لما وجهه صاحب الدولة سفيرا إلى ملك الروم ليظهر به رفعة الإسلام وبغض النصرانية وجرب في تلك الوجهة من القسطنطينية بينه وبين ملكها مع بطارقته ونبلا
ملته مناظرات ومحاورات منها أن الملك قال له هذا الذي تدعونه في معجزات نبيكم من إنشقاق القمر كيف هو عندكم؟
قال: هو صحيح عندنا انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رآه الناس وإنما رآه من الحضور من اتفق نظره إليه في تلك الحال.
فقال الملك وكيف لم يره جميع الناس؟؟
قال : الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لحضوره .
قال: وهذا القمر بينكم وبينه قرابة لأي شيء لم يعرفه الروم وغيرهم من سائر الناس وإنما رأيتموه أنتم خاصة.
قال: فهذه المائدة بينكم وبينها نسب وأنتم رأيتموها دون اليهود والمجوس والبراهمة وأهل الإلحاد واليونان جيرانكم فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن.
فتحير الملك وقال في كلامه سبحان الله وأمر بإحضار فلان القسيس ليكلمني وقال نحن لا نطيقه فلم أشعر إذ جاءوا بالرجل كالدب أشقر الشعر فقعد وحكيت له المسألة فقال الذي قال المسلم لازم لا أعرف له جوابا إلا ما ذكره.
فقلت له إن الكسوف إذا كان يراه جميع أهل الأرض أم يراه أهل الإقليم الذي في محاذاته فقال لا يراه إلا من كان في محاذاته
قلت فما أنكرت من انشقاق القمر كذلك إذا كان في ناحية لا يراه إلا أهل تلك الناحية ومن تأهب للنظر وأما من أعرض عنه أو كان في الأمكنة التي لا يرى القمر فيها فلا يراه .
فقال هو كما قلت لا يدفعك عنه دافع وإنما الكلام في الرواة الذين نقلوا فأما الطعن في هذا الوجه فليس بصحيح.
فقال الملك وكيف يطعن في النقلة .
فقال النصراني شبه هذا من الآيات إذا صح وجب أن ينقله الجم الغفير حتى يتصل بنا العلم به ولو كان كذلك لوقع لنا العلم الضروري به فلما لم يقع دل على أنه أكبر مفتعل باطل فالتفت الملك إلي وقال الجواب .
فقلت: يلزمه في نزول الملائكة بالمائدة ما لزمني في انشقاق القمر ويقال له لو كان نزول المائدة صحيحا لوجب أن ينقله العدد الكثير فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا ويعلم هذا بالضرورة ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة دل أن الخبر كذب.
فبهت النصراني والملك ومن ضمه المجلس وانفصل الوطن على هذا هـ .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
جاء في كتاب نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية (1/182) للشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله :
مناظرة سيدي دحية الكلبي رضي الله عنه لقيصر:
((قال السهيلي في الروض لما قدم دحية على قيصر قال يا قيصر أرسلني من هو خير منك والذي أرسله هو خير منه ومنك فاسمع بذل ثم أجب بنصح فإنك إن لم تذلل لم تفهم وإن لم تنصح لم تنصف قال هات قال هل تعلم أكان المسيح يصلي قال نعم قال فإني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له وأدعوك إلى من دبَّر خلْق السماوات والأرض والمسيح في بطن أمه، وأدعوك إلى هذا النبي الأمي الذي بشر به موسى وبشر به عيسى ابن مريم بعده وعندك من ذلك إثارة من علم تكفي عن العيان وتشفي من الخبر، فإن أجبت كانت لك الدنيا والآخرة، وإلا ذهبت عنك الآخرة وشوركت في الدنيا ،واعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة ويغير النعم.
فأخذ قيصر الكتاب ووضعه على عينيه ورأسه وقبله ثم قال أما والله ما تركت كتابا إلا وقرأته ولا عالما إلا وسألته فما رأيت إلا خيرا فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له فإني أكره أن أجيبك اليوم بأمر أرى غدا ما هو أحسن منه فأرجع عنه فيضرني ذلك ولا ينفعني أقم حتى أنظر.. فلم يلبث أن أتاه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
ومما قاله دحية في قدومه على قيصر
( ألا هل أتاها على نابها ** فإني قدمت على قيصر )
( فقدرته بصلاة المسيح ** وكانت من الجوهر الأحمر )
( وتدبير ربك أمر السماء ** والأرض فأغضى ولم ينكر )
( وقلت تقر ببشرى المسيح ** فقال سأنظر قلت انظر )
( فكاد يقر بأمر الرسول ** فمال إلى البدل الأعور )
( فشك وجاشت له نفسه ** وجاشت نفوس بني الأصفر )
( على وضعه بيديه الكتاب ** على الراس والعين والمنخر )
( فأصبح قيصر من أمره ** بمنزلة الفرس الأشقر )
يريد بالفرس الأشقر مثلا للعرب فيمن يتردد عن الشيء لا يريد ما يرجح فيه .
مناظرة سيدي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه للمقوقس عظيم القبط في مصر:
وفي الروض أيضا أن حاطبا لما قدم على المقوقس ملك مصر قال له: إنه قد كان رجل قبلك يزعم أنه الرب الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك.
قال: هات..
قال: إن لك دينا لن تدعه إلا لمن هو خير منه وهو الإسلام إليه الكافي به الله فقد ما سواه إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد وما دعاؤنا إياك للقرآن إلا كدعاء أهل التوراة إلى الإنجيل وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكن نأمرك به .
وذكر ابن عبد الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر وبلغه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما منعه أن يدعو علي فيسلط علي؟ .
قال له حاطب: ما منع عيسى أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل ويفعل؟؟
فوجم ساعة ثم استعادها فأعادها عليه حاطب فسكت.. ويروى أنه حين سأله عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حروب قومه وذكر له أن الحرب تكون بينهم سجالا تارة له وتارة عليه.
قال له المقوقس النبي يُغلب؟!
فقال له حاطب: فالإله يُصْلَب؟! يشير بذلك إلى ما تزعمه النصارى من أن المسيح عليه السلام صلب مع دعواهم فيه أنه إله.
مناظرة سيدي العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه للمنذر بن ساوى:
لما قدم العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه على المنذر بن ساوى بكتابه صلى الله عليه وسلم قال له:
يا منذر إنك عظيم في الدنيا فلا تصغرن عن الآخرة إن هذه المجوسية ليس فيها تكرم العرب ينكحون ما يستحيا من نكاحه ويأكلون ما يتكره عن أكله ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة ولست بعديم عقل ولا رأي، هل ينبغي لمن لا يكذب أن لا تصدقه؟ ولمن لا يخون أن لا تأمنه؟ ولمن لا يخلف أن لا تثق به؟ فإن كان هذا هكذا فهو هذا النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهي عنه أو ما نهى عنه أمر به أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إن كل ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل البصر.
مناظرة سيدي عمرو بن العاص رضي الله عنه للجلندي:
وفيه أيضا أن عمرو بن العاص لما قدم على الجلندي قال له: يا جلندي إنك وإن كنت منا بعيدا فإنك من الله غير بعيد إن الذي تفرد بخلقك أهل أن تفرده بعبادتك وأن لا تشرك به من لم يشركه فيك واعلم أنه يميتك الذي أحياك ويعيدك الذي بدأك فانظر في هذا النبي الأمي الذي جاء بالدنيا والآخرة فإن كان ما يريد به منا فاتبعه أو يميل به هوى فدعه ثم ينظر فيما يجيء به يشبه ما تجيء به الناس فإن كان يشبهه قبله العيان وتحيز عليه في الخير وإن كان لا يشبهه فأقبل ما قال وخف ما وعد .
دعوة سيدي شجاع بن وهب لجبلة بن الأيهم:
وفيه أيضا أن شجاع بن وهب لما قدم على جبلة بن الأيهم قال له: يا جبلة إن قومك نقلوا هذا النبي الأمي من داره إلى دارهم يعني الأنصار فآووه ومنعوه وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك ولكنك ملكت الشام وجاورت بها الروم ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس لملك العراق وقد أقر بهذا النبي الأمي من أهل دينك من إن فضلناه عليك لم يغضبك وإن فضلناك عليه لم يرضك فإن أسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا ولك الآخرة وكنت قد استبدلت المساجد بالبيع والآذان بالناقوس والقبلة بالصليب وكان ما عند الله خير وأبقى .
دعوة سيدي المهاجر بن أبي أمية للحارث بن عبد كلال:
وفيه أيضا أن المهاجر بن أبي أمية لما قدم على الحارث بن عبد كلال قال له: يا حارث إنك كنت أول من عرض عليه المصطفى نفسه فخطأت عنه وأنت أعظم الملوك قدرا فإذا نظرت في غلبة الملوك فانظر في غالب الملوك وإذا سرك يومك فخف غدك وقد كان قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها عاشوا طويلا وأملوا بعيدا وتزودوا قليلا منهم من أدركه الموت ومنهم من أكلته النقم وأنا أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى لم يمنعك وإن أرادك لم يمنعه منك أحد وأدعوك إلى النبي الأمي الذي ليس شيء أحسن مما يأمر به ولا أقبح مما ينهى عنه واعلم أن لك ربا يميت الحي ويحيي الميت ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور
دعوة سيدنا عبادة بن الصامت للمقوقس:
جاء في كتاب الاستبصار للموفق ابن قدامة أن المقوقس صاحب مصر بعث إلى عمرو أن أبعث لي رسلا أكلمهم فبعث إليه نفرا منهم عبادة بن الصامت وأمره أن يكون هو المتكلم وكان عبادة أسود شديد السواد فلما دخلوا على الملك تقدم عبادة فقال الملك ما فيكم من يتكلم غير هذا فقال القوم هو أفضلنا وأقدمنا صحبة لنبينا ومع هذا فقد أمره أميرنا هو المتكلم قال فليتقدم إذا فإنما هبته لسواده.
فقال عبادة: فإن كنت هبتني لسوادي وقد ولى شبابي وذهبت قوتي فكيف بك لو رأيت عسكرنا وفيه أكثر من ألف أشد مني سوادا وأقوى أبدانا وأعظم أجسادا ؟؟؟ فطلب منه الملك الصلح.
فقال عبادة: إنا لا نقبل منكم إلا إحدى خلال ثلاث إما أنت تسلموا فتكونوا إخواننا لكم ما لنا وعليكم ما علينا وإما أنت تؤدوا الجزية إلينا وتعتقدوا منا الذمة فنقبل منكم ونكف عنكم وإما أن تبرزوا لنا حتى يحكم الله بيننا وبينكم.
فقال الملك لا تقبلوا غير هذه الخلال الثلاث؟ فرفع عبادة يديه فقال: لا ورب السماء لا ورب هذه الأرض لا نقبل منكم غيرها.
فقال الملك لأصحابه: ما ترون فيما قال؟ فأبوا فقال الملك والله لئن لم تقبلوا منهم احد هذه الخلال قبل قتال الرجال وسبي الحريم لتقبلنه منهم بعد ذلك وأنتم راغمون.. فصالحهم ووجَّه سيدنا عمر بن الخطاب عبادة بن الصامت رضي الله عنه إلى الشام قاضيا ومعلما هـ
مناظرة الإمام أبو بكر الباقلاني للنصارى:
ذكر القلقشندي أن بعض ملوك الروم كتب إلى خليفة زمانه يطلب منه من يناظر علماء النصرانية عنده فإن قطعهم أسلموا فوجه إليهم بالقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني المالكي فلما حضر المجلس واجتمع لديه علماء النصارى قال له بعضهم: إن معتقدكم أن الأنبياء معصومون في الفراش وقد رميت عائشة بما رميت به فإن كان ما رميت به حقا كان ناقضا لأصلكم الذي أطلقتموه في عصمة الأنبياء في الفراش وإن كان غير حق كان مؤثرا في ايمان من وقع منه.
فقال له القاضي أبو بكر الباقلاني: امرأتان حصينتان رميتا بالفرية إحداهما لها زوج ولا ولد لها والأخرى لها ولد ولا زوج لها [يشير بالأولى إلى عائشة وبالثانية إلى مريم] فسجدوا له على عادة تحيتهم في ذلك
قلت
وقد رأيت في ترجمة الباقلاني من تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي هذه القصة على وجه آخر وذلك أنه ذكر أنه جرت له أمور منها أن الملك أدخله عليه من باب خوخة ليدخل راكعا للملك ففطن لها ودخل بظهره ومنها أنه قال لراهبة: كيف الأهل والأولاد؟؟ فقال له الملك : أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا؟ فقال: تنزهونه عن هذا ولا تنزهون الله عن الصاحبة والولد ؟!!. لله دره..
وقيل أن طاغية الروم سأله كيف جرى لعائشة وقصد توبيخه فقال كما جرى لمريم وبرأ الله المرأتين ولم تأت عائشة بولد فأفحمه ولم يدر جوابا .
وأحفظ أيضا أن الباقلاني سأله ملك الروم أيضا قال له تزعمون أن القمر انشق لنبيكم فهل للقمر قرابة حتى ترونه دون غيركم؟؟ فقال :وهل بينكم وبين المائدة أخوة ونسب إذ رأيتموها ولم ترها اليهود واليونان والمجوس الذين أنكروها وهم في جواركم؟؟ فأفحم ولم يدر جوابا .
مناظرة الإمام أبا بكر بن الطيب:
ذكر هذه القصة ابن التلمساني في شرح الشفا قائلا ذكر بعضهم أن الإمام العالم الأعرف أبا بكر بن الطيب لما وجهه صاحب الدولة سفيرا إلى ملك الروم ليظهر به رفعة الإسلام وبغض النصرانية وجرب في تلك الوجهة من القسطنطينية بينه وبين ملكها مع بطارقته ونبلا
ملته مناظرات ومحاورات منها أن الملك قال له هذا الذي تدعونه في معجزات نبيكم من إنشقاق القمر كيف هو عندكم؟
قال: هو صحيح عندنا انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رآه الناس وإنما رآه من الحضور من اتفق نظره إليه في تلك الحال.
فقال الملك وكيف لم يره جميع الناس؟؟
قال : الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لحضوره .
قال: وهذا القمر بينكم وبينه قرابة لأي شيء لم يعرفه الروم وغيرهم من سائر الناس وإنما رأيتموه أنتم خاصة.
قال: فهذه المائدة بينكم وبينها نسب وأنتم رأيتموها دون اليهود والمجوس والبراهمة وأهل الإلحاد واليونان جيرانكم فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن.
فتحير الملك وقال في كلامه سبحان الله وأمر بإحضار فلان القسيس ليكلمني وقال نحن لا نطيقه فلم أشعر إذ جاءوا بالرجل كالدب أشقر الشعر فقعد وحكيت له المسألة فقال الذي قال المسلم لازم لا أعرف له جوابا إلا ما ذكره.
فقلت له إن الكسوف إذا كان يراه جميع أهل الأرض أم يراه أهل الإقليم الذي في محاذاته فقال لا يراه إلا من كان في محاذاته
قلت فما أنكرت من انشقاق القمر كذلك إذا كان في ناحية لا يراه إلا أهل تلك الناحية ومن تأهب للنظر وأما من أعرض عنه أو كان في الأمكنة التي لا يرى القمر فيها فلا يراه .
فقال هو كما قلت لا يدفعك عنه دافع وإنما الكلام في الرواة الذين نقلوا فأما الطعن في هذا الوجه فليس بصحيح.
فقال الملك وكيف يطعن في النقلة .
فقال النصراني شبه هذا من الآيات إذا صح وجب أن ينقله الجم الغفير حتى يتصل بنا العلم به ولو كان كذلك لوقع لنا العلم الضروري به فلما لم يقع دل على أنه أكبر مفتعل باطل فالتفت الملك إلي وقال الجواب .
فقلت: يلزمه في نزول الملائكة بالمائدة ما لزمني في انشقاق القمر ويقال له لو كان نزول المائدة صحيحا لوجب أن ينقله العدد الكثير فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا ويعلم هذا بالضرورة ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة دل أن الخبر كذب.
فبهت النصراني والملك ومن ضمه المجلس وانفصل الوطن على هذا هـ .
تعليق