بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام هو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم من الأمم
يجعل الإسلام السلام كأساس للعلاقة بين الأفراد، والجماعات، والدول، والحرب استثناء من ذلك، فهي ممنوعة إلاَّ لضرورة، كما منع الإسلام حرب التوسُّع والسيادة، لقول الله تعالى {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }(القصص:83) ومنع حرب الانتقام والعدوان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }(المائدة:2).
وقد ذهب جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والإمام الثوري، إلى أنه لا يجوز قتال الكفار إلاَّ إذا كانوا هم البادئين بالقتال، أمَّا مجرد الكفر فليس سبباً لقتال، فإنْ هاجم الأعداء المسلمين أو قاتلوهم فيجب على المسلمين قتالهم لقول الله تعالى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }(الحج:39).
ولا يكون الكفر سبباً في الجهاد إلاَّ بأمرين:
[1] إعلان الحرب على المسلمين.
[2] وجود الظلم.
وعند تفصيل هذين الشرطين فإنَّه يمكن حصر مسوغات حرب الكفار في الآتي:
[أ] حالة الدفاع عن النفس:{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }(البقرة:190).
[ب] حالة الدفاع عن المظلومين: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً }(النساء:75).
[ج] حالة الدفاع عن حرية العقيدة: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }(الأنفال:39).
[د] إنَّ الحرب ليست إلاَّ علاجاً لحالة لم تنفع معها الحكمة والموعظة الحسنة.
[هـ] إذا وقعت الحرب تصبح كالضرورة تقدر بقدرها دون بغي أو عدوان.
[و] ينبغي الإسراع إلى وقف الحرب إذا كفَّ العدو يده عن قتال المسلمين أو جنح أحد الجانبين إلى السلم {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }(الأنفال:61)،{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }(الأنفال:1).
[ز] يعامل أسرى الحرب بالبر والإحسان إلى أنْ يطلق سراحهم، إمَّا بالمنِّ وإمَّا بالفداء {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }(محمد:1).
وحتى لو كان كف الأعداء عن قتال المسلمين نوعاً من الخدعة؛ فيجب التمسُّك به{وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ }(الأنفال:62).
ويمنع الإسلام أنْ يحاسب المسلمون الكفار على كفرهم في الدنيا؛ بل جعل ذلك من حق الله تعالى، فهو الذي يحاسب الناس {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }(الأنعام:107). (مجلة الجامعة - العدد العاشر- جمادي الأولى 1426ه - يونيو 2005م )
إنَّ مؤرخي الغرب ومفكريهم يدّعون أنَّ الحركة الإسلامية تعد العدة للجهاد من غير حدود، وفي كل مكان، وهذا الفهم غير صحيح، لأنَّ أكثر الأمم التي أسلمت لم يحدث فيها قتال إلاَّ إذا اضطهد بلد مسلم أو انتهكت أعراض المسلمين فيه، كما حدث في أفغانستان، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، والشيشان، وفلسطين(جمعة أمين : قضية الارهاب ص 102).
وحتى في حالة الخصومة بين الإسلام وأعدائه؛ فإنَّه يحافظ على أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك، وعدالة المعاملة حتى يأتي اليوم الذي يقتنع فيه الخصوم بفضل الإسلام وسماحته{عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{7} لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الممتحنة:7- 8).
إنَّ القوى المتربصة بالإسلام تصوره على أنَّه دين دموي ليس له من هم سوى القتال، وغرضها من ذلك:
[1] تنفير الناس من الإسلام كنظام حكم.
[2] شغل الحركة الإسلامية بعضها ببعض لتتصارع فيما بينها حتى يصل الأمر إلى حد القتال والتكفير.
[3] إعطاء المؤسسات المعادية للإسلام مسوغاً للنيل من العمل الإسلامي كله.
[4] تيئيس الناس من الإسلام ومن دعاته والوصول إلى أنَّه لا فائدة من أي عمل إسلامي ما دامت نتيجته ضرب الإسلام من الخارج أو تآكله من الداخل(المصدر السابق ص 110-111 ).
اصدام الاسلام بالمسيحية فى ميدان القتال
واخيرا عن اصطدام المسيحية بالاسلام فى ميدان القتال يتساءل الشيخ الغزالى فى كتابه[التسامح بين الاسلام والمسيحية] قائلا :
ماذا صنع الاسلام بالمسيحية عندما اصطدم بها فى ميدان القتال ؟
انه لم يحاربها كدين , بل حاربها كدولة , وهذا ما فعله المسيحيون انفسهم .
انه لم يغلق ابواب الكنيسة , ولم يحرم احد من الدخول فيها او الخروج منها .
بل جرد الكنيسة من السلطة التى اوغرت صدور البشر عليها , وجعلتها تتنكر لاصلها وتخرج عن شرعتها .
ولم يشرع الاسلام كما شرعت الكنيسة قوانين لاستئصال الوثنية بالسيف , وتنصير اليهود بالعنف , وابادة الخصوم فى الرأى ولو كانو مسيحين كما فعلت الكنائس المتخاصمة عندما اعلن بعضها على البعض حرب فناء او ردة ...
بل اقر الاسلام حرية العقل والضمير , فكان المسيحيون الذين حكمهم الكاثوليك اول من رحب بزوال الكنيسة التى طالما ذاقوا بطشها وعانوا ويلها ...
وقد رحبت مصر والشام بزوال الحكم الكاثوليكى الذى فرضته دولة الروم الشرقية على هذه البلاد .
فاما مصر فقد اراد هرقل إن يفتنها عن مذهبها المسيحى , وان يلزمها بتنفيذ قرار مجمع خلقدونية .
فابى الاقباط ترك معتقدهم ,فصب عليهم الرمان سوط عذاب , وتحولت الكنائس والاديار القبطية الى سجون تحفل بالوان الاذى .
وجىء باخى الاسقف الاكبر بنيامين فوضع على منصة اوقدت تحتها المشاعل وسلطت نارها على بدنه , فاخذ يحترق حتى سال دهنه من جانبيه على الارض !
ومن لم يتزحزح عن عقيدته , خلعت اسنانه , ثم قاده الجلادون الى الشاطىء , وعرضوا عليه إن يترك دينه , ويخضع لقرار المجمع , فابى , فرموا به فى البحر وابتلعته امواج اليم ...
فلما طرد المسلمون االروم من مصر تنفس الاقباط الصعداء .
ولم يكن عجبا إن يعانوا العرب الفاتحين على الخلاص من سطوة حكم غاشم , وان يتطلعوا الى المسلمين كمنقذين لهم من هذا العذاب الاليم .
فان المسيحين فى هذا القطر الخصب اصابهم من استنزاف الرومان لخيراتهم , واضطهادهم لمذهبهم ما جعلهم ناقمين على الدولة , متمنين من اعماق قلوبهم إن يسقط لواؤها .
ولم يستطع المؤلف المفترى على الاسلام إن يغض عن هذه الحقيقة فهو يقول فى ص18 ((لا نغالى اذا قلنا إن توطيد السيادة العربية مكان السيادة البيزنطية ادخل على نفوس مسيحى الشرق بادرة من الامل .
فقد كتب ميخائيل السورى بطريرك انطاكية يقول (إن رب الانتقام استقدم من المناطق الجنوبية ابناء اسماعيل , لينقذنا بواسطتهم من ايدى الرومانين . واذا تكبدنا بعض الخسائر لان لان الكنائس التى انتزعت منا واعطيت لانصار مجمع خلقدونيا بقيت لهم , الا اننا قد اصابنا خير ليس بقليل , بتحررننا من قسوة الرمان وشرورهم , ومن غضبهم وحفيظتهم علينا . هذا من جهة , ومن جهة اخرى سادت الطمئنينة بيننا " .
وهذا البطريرك يعقوبى , وهو هنا يستبشر بعهد الحرية الدينية التى صحبت دخول المسلمين , وياسى لما اصاب مذهبه من خسائر فى عهد الروم .
ولا ينسى الكنائس التى انتزعت منهم واعطيت لهم فى هذا العهد المشئوم .
والمسلمون لم يفكروا فى نبش هذا الماضى , ولم يحاولوا التدخل فيما بين المسيحين من خلاف .
الا انهم احترموا رغبة المسيحين فى الا يجاورهم ببيت المقدس يهودى .
ولم يروا إن هذا ظلما لليهود .
وحسب اليهود فى ظلال الحكم الجديد إن امنوا على عقيدتهم ما بقوا مسالمين لغيرهم .
وكان اخر ما نزل بهم قبل الحكم الاسلامى فى الشام الامر الذى اصدره الامبراطور هرقل (بتعميد جميع اليهود والسامريين الذين يقطنون مختلف الولايات الخاضعة له ! ) .
ومثل هذا الامر مألوف فى تاريخ الكنيسة قديما .
وقد انقطع بزوال حكمها فى الشرق .
وبقى فى اوربا حتى هدم المسيحين بانفسهم الحكم الكنسى فى العصر الاخير .
قام الحكم الاسلامى على تسامح واسع النطاق , وسنتابع سير الفتوح لنرى مصداق هذا من الوقائع التاريخ .
وفبل هذه النقلة نريد إن نقرر حقيقة اخرى .
وهى إن التسامح فى منح الحرية الدينية لم يظفر به الغرب الا بعد قرون متطاولة وتضحيات فادحة .
ولو قدر للمسيحين فى الغرب إن يتخلصوا من حكم الكنيسة كما تخلص اخوانهم فى الشرق لنجوا من مآس جمة , ولكان تاريخ اوربا انظف مما هو عليه الان .
على إن التسامح الذى ساد دول اوربا , بدأ ناقصا , وانتهى مشوها , واشرفت عليه نوايا مدخولة .
ولكنه على كل حال اقل شرا من حكم الكنيسة المباشر .
ولم تستطع دول الغرب الخلاص من اغلال الكهنوت , والفرار من مآزقه الكريهة الا بعد مراحل متطاولة , كان النزاع فيها حادا بين شعوب تنشد الانطلاق , وكهان مردوا على السيطرة والتزمت .
وللمؤرخ المسلم إن يلحظ تبرم المسيحين بعقيدة التوحيد , حتى فى العصور التى بدأت تحارب التعصب .
ففى انجلترا مثلا حاول اتباع الكنيسة المسيحية سنة 1648 استصدار قرار من البرلمان باعدام كل من يشيؤ برأى يتعارض مع عقيدة التثليث والتجسيد !!
وفى سنة 1688 اصدر البرلمان الانجليزى قانون الحقوق وهو ينص على جعل البروتستانتية دينا رسميا لانجلترا ويحرم على الكاثوليك القيام بعبادتهم فى البلاد الانجليزية !!!
وفى السنة نفسها صدر قانون التسامح , وهو يعطى الحرية الدينية بعض الطوائف وينص على حرمان الكاثوليك والموحدين من هذه الحرية التى استمتع غيرهم بنيلها !!!
وقد ظفر الموحدون بعد فترة طويلة بحرية العبادة . ويوجد الى عصرنا هذا جمهور كبير من الاوروبيين يعتقدون إن عيسى عليه السلام لا يعدو إن يكون بشرا نبيلا ومصلحا كريما , وان الوهيته المزعومة وهم مغرق فى الاستحالة .
غير إن هؤلاء الموحدين اوزاع لا تضمهم روابط قوية , ولن يستطيعوا فى وسط العالم المسيحى السادر إن يتحولوا الى قوة هادية موجهة .
(راجع كتاب التعصب والتسامح بين المسيحية والاسلام – محمد الغزالى من ص 96 الى ص 100 )
حقوق النشر والطبع محفوظة لابن النعمان
للمزيد اعوكم لزيارة مدونة ابن النعمان : مواضيع واساليب جديدة للحوار
حقوق النشر والطبع محفوظة لابن النعمان
للمزيد اعوكم لزيارة مدونة ابن النعمان : مواضيع واساليب جديدة للحوار
تعليق