بسم الله الرحمن الرحيم
حركة الشمس ... حقيقة علمية أثبتها القرآن الكريم
سينقضي العمر و تبقى عجائب هذا الكون تشغل عقول البشر ، بما أبدع الله في هذا الوجود ، من دقائق الخلق و التكوين ، و بما أظهر من آثار عظمته و جلاله في هذه الأزمان ، مما يحير الألباب و يدهش العقول ... الكون كله يسبح في هذا الفضاء الواسع ، الكواكب ، و النجوم ، تجري و تدور في حركة رتيبة منتظمة { كل في فلك يسبحون } ، لا يصطدم نجم بنجم ، و لا يخرج كوكب عن مداره { الشمس و القمر بحسبان } ، و هي في حال جريانها و دورانها تسجد لله ، حالها كحال الساجد ، العابد ، الخاضع لرب العالمين ...
تطورت العلوم خلال القرن العشرين بشكل مذهل و اكتشف أن كل شيء في الكون في حركة دائمة و أبطلت كل مزاعم الماديين الواهية من أن المادة ثابتة و غير ذلك من خرافات القرن التاسع عشر ... فقد تطورت المعرفة بالقوى الرئيسية التي أودعها الله في الكون ، و من أهمها قوة الجاذبية التي ينتج عنها حركة جميع الأجرام السماوية في أفلاك ، و هذا ما تقرر في كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا في عدة آيات قرآنية ...
و أهم الأجرام السماوية بالنسبة لنا هي الشمس ، و التي قد ثبت أنها نتيجة للإنجذاب باتجاه مركز المجرة تدور في فلك خاص بها حول مركز المجرة ، و تبعد الشمس عن مركز المجرة مسافة تتراوح ما بين 24,000–26,000 سنة ضوئية ، وتقدر سرعتها بحوالي 220 كلم/ث و تستغرق حوالي 250 مليون سنة لتتم الدورة الواحدة ! و قد أكملت 18 دورة فقط خلال عمرها البالغ 4.6 مليار سنة ، وأرضنا التي نعيش عليها ليست إلا كوكبا ًمن كواكب المجموعة الشمسية التي تجري في ركب الشمس وتنقاد معها وفقـا ًلتقدير الخالق العزيز العليم ، هذا مـا أكده الـعـلم ومـا أتت به الآيات القرآنية من خالق الشمس قبل قرون طويلة ...
أشار الله عزّ و جلّ الى حركة الشمس في مدار خاص بها في أكثر من آية قرآنية ، فقال تعالى : { و هو الذي خلق الليل و النهار و الشمس و القمر كل في فلك يسبحون } [ الأنبياء / 33 ] ، و قال تعالى : { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر و لا الليل سابق النهار و كل في فلك يسبحون } [ يس / 40 ] ، و قال تعالى : { و سخر لكم الشمس و القمر دائبين } [ إبراهيم / 33 ] ، و قال تعالى : { و الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم } [ يس / 38 ] ، و قال سبحانه : { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ } [ الزمر / 5 ] .
و تنص الآية { و الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم } على أن هذه الشمس سوف تستقر بعد هذا الجري الدءوب ، و هذا ما يتحدث عنه علماء الفلك اليوم ، فقد ثبت أن الشمس يحدث بهـا التفاعلات النووية الاندماجية لغاز الهيدروجين ، حيث تساعد درجة حرارة باطن الشمس المرتفعة في اندماج ذرتين من ذرات غاز الهيدروجين فتتحولان إلى ذرة واحدة من غاز الهيليوم تقل كتلتهـا عن كتلة ذرتي الهيروجين ، و يتحول الفرق في الكتلة إلى طاقة تبعثهـا الشمس إلينـا ... و يعتبر العلماء أن الشمس الآن في منتصف عمرها ، و يؤكدون على أنها في طريقها الى الموت ( المستقر ) و ذلك عند نفاذ الوقود الهيدروجيني ، فعندها تتوقف التفاعلات النووية و تبدأ قوى الجاذبية بالتغلب مما يؤدي الى تكوير الشمس و موتها .
و لكن ما الذي يجعلنا نجزم بأن المقصود بحركة الشمس المذكورة في الآيات السابقة هي حركتها حول مركز المجرة ؟
ان استخدام كلمة ( تجري ) يدل على حركة حقيقية عظيمة القدر تختلف عن الحركة الظاهرية التي نراها للشمس والتي هي بسبب دوران الأرض حول محورها ، فهذا اللفظ ( تجري ) يشير الى السرعة العالية التي لا وجود لها أبدا ًفي حركة الشمس الظاهرية ، كما أن فيه تصوير لحركة الشمس في غاية الإعجاز و الروعة ، فالشمس في دورانها حول مركز المجرة تتحرك حركة أخرى صعودا ًو هبوطا ًتماما ًمثل جريان الخيل في حلبة السباق .
جريان الشمس
<FONT size=4><FONT color=navy>كما نجد أن الآيات القرآنية تصف حركة الشمس بالسباحة ، و هذا أمر في غاية الإعجاز ، و يشير بشكل قطعي الى حركة الشمس في الفضاء الخارجي ، فلفظ ( يسبح ) يؤدي المعاني العلمية التالية :
1- وجود الشمس و جميع الأجرام في الفضاء الكوني غارقة في إشعاعات الضوء المرئي وغير المرئي وأمواج الجاذبية والنيوترينو التي تملأ الكون وكأن الأفلاك كلها تعوم في وسط إشعاعي تموجي وهذا معنى السباحة في أمواج الإشعاع بدلاً من أمواج البحر .
2- توازن الجرم في مداره بتعادل قوتين أحدهما الجذب العام لمركز الدوران والثانية رد الفعل وهي القوة المركزية الطاردة خارج مركز الدوران ، تماما ًكتعادل وزن الجسم السابح إلى أسفل مع الدفع إلى أعلا كما في قاعدة ارخميدس للطفو والسباحة .
3- دوران الجرم حول نفسه وحول شيء آخر ؛ أيّ دوران انتقالي للجرم مصحوبا ًبحركة ذاتية وهذا ما يحصل في عملية السباحة .
و الذي يؤكد بشكل حاسم على أن المقصود بحركة الشمس المشار اليها في الآيات هي الحركة حول مركز المجرة و ليس الحركة الظاهرية للشمس ، هو أن القرآن الكريم قد ذكر سبب حركة الشمس الظاهرية ، فقد أشار الله عزّ و جلّ الى حقيقة دوران الأرض حول محورها في عدة آيات قرآنية ...
قال تعالى : { و ترى الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون } [ النمل / 88 ] و معنى هذه الآية : و ترى أيها المخاطب و السامع الجبال تظنها ثابتة في مكانها لا تتحرك و هي تسير كالسحاب ... و لكن لماذا كالسحاب و ليس كالريح أو غير ذلك ؟.. لأن السحاب كما هو معروف لعلماء الطبيعة الجوية لا يتحرك بذاته ولكن ينتقل محمولا ًًعلى الرياح ، فكذلك الجبال يراها الرائي فيظنها جامدة في مكانها بينما هي في الحقيقة تمر مسرعة محمولة على الأرض ...
و قد يقول قائل : إن هذه الآية تتحدث عن الآخرة ، و الإجابة : إننا نجزم بأن هذا القول خاطئ للأسباب التالية :
أولا ً: أن الآية تشير بكل و ضوح الى حقيقة دوران الأرض حول محورها ، و بشكل لا يحتمل الجدال و التأويل .
ثانيا ً: اختلاف الصيغة عن الآية السابقة ، فهناك قال سبحانه : { و يوم ينفخ في الصور } بالبناء للمجهول ، و هنا وردت العبارة بلفظ الخطاب : { و ترى الجبال } بالبناء للمعلوم ؛ أي و ترى أيها المخاطب الذي يرى الكون بعينيه ، الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب ، و لو كان الحديث عن الآخرة لجاء التعبير ( و تُرى الجبالُ ) بالبناء للمجهول على النسق السابق ، فهذه المغايرة تدل على أن الأمر هنا في الدنيا .
ثالثا ً: الجبال تنسف و تتناثر بعد النفخة الأولى ، كما في قوله تعالى : { و حملت الأرض و الجبال فدكتا دكة واحدة } [ الحاقة / 14 ] ، و قوله سبحانه : { و يسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا ًصفصفا ً* لا ترى فيها عوجا ًو لا أمتا ً} [ طه / 105 – 107 ] ، و قوله سبحانه : { إذا رجت الأرض رجا ً* و بست الجبال بسا ً* فكانت هباءً منبثا ً} [ الواقعة / 4 – 6 ] ، و قوله سبحانه : { و سيرت الجبال فكانت سرابا ً} [ النبأ / 20 ] ؛ أي نسفت الجبال حتى صارت كالسراب الذي يظنه الناظر ماء و هو في الحقيقة هباء ... إذا ًليس في الآخرة جبال ، و لا وديان ، و لا هضاب ، و هذا ما أخبرنا به النبي – عليه الصلاة و السلام – فقال : (( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء )) [ صحيح البخاري / صحيح مسلم ] .
رابعا ً: الآية الكريمة تقول : { تحسبها جامدة } ، و الآخرة ليس فيها حسبان و لا ظن ، إنما تظهر فيها الحقائق على أتم الصور و أكمل الوجوه .
خامسا:ً لفت القرآن أنظار المتأملين في آياته البينات لفتة بديعة رائعة في قوله سبحانه : { صنع الله الذي أتقن كل شيء } فبين أن هذا الأمر المدهش ( حركة الجبال ) هو أثر صنع الله و تدبيره لهذا الكون ، و هذا لا يكون الا في الحياة الدنيا ، و أما عند قيام الساعة فيحل الخراب و الدمار ، ومثل هذا لا يوصف بالصنع و لا بالإتقان ، فالصنع و الإبداع إنما يكون في البناء لا في التدمير ، فبالإمكان أن ننسف عمارة من خمسين طابق بشيءٍ من المتفجرات خلال ثوان ٍ، فهل يقال ان هذا اتقان و ابداع ؟!
سادسا ً: ختم الله الآية بقوله : { إنه خبير بما تفعلون } ؛ أي أنه سبحانه عالم بما تفعلونه الآن في الدنيا ، و أما الآخرة فليس فيها فعل و لا عمل ، و إنما هي دار الجزاء ، فكيف يمكن أن يخاطبهم و هم في أرض المحشر بقوله : { إنه خبير بما تفعلون } ؟!
و من الآيات القرآنية التي تشير الى دوران الأرض حول محورهاقوله تعالى في سورة الشمس : { و النهار اذا جلاها } [ الشمس / 3 ] ، فالآية تقررحقيقة أن دخول منطقة ما الى النصف المضيء من سطح الكرة الأرضية ( النهار ) يؤدي الى ظهور الشمس و تجليتها ، أي أن الآية تشير الى أن الشمس في جميع الأوقات ثابتة في مكانها – بالنسبة للأرض – و لكن الدخول في منطقة النهار هو الذي يؤدي الى ظهورها و تجليتها ... هذه الإشارة واضحة جدا ًفالآية تقرر أن النهار هو الذي يظهر الشمس و ليس الشمس هي التي تظهر النهار كما في الإعتقاد الخاطئ بأن الشمس تدور حول الأرض ...
و من الآيات التي تشير الى دوران الأرض حول محورها قوله تعالى : { يولج الليل في النهار ويولج النهار فيالليل }[ الحديد / 6 ] ، وحيث إنه لا معنى مطلقا ًلإيلاج زمن الليل في زمن النهار أو بالعكس ،فالمقصود بكل من الليل والنهار هنا هو المكان الذي يتغشيانه ، بمعنى ان الله تعالى يدخل نصف الأرض الذي يخيم عليه ظلام الليل بالتدريج في النصف الذي يعمه النهار، كما يدخل نصف الأرض الذي يعمه النهار بالتدريج في النصف الذي تخيم عليه ظلمة الليل ، وهذا معناه بلغة الطبيعة والفلك : أنه تعالى يجعل الأرض تدور حول نفسها أمام مصدر الضياء .
آية أخرى تشير الى حقيقة دوران الأرض حول محورها هي قوله تعالى : { و آية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون } [ يس / 37 ] ، وحيث إنه لا معنى لسلخ زمن النهار من زمن الليل ، يتضح ان الله تعالى قد ذكر الليل وقصد مكانه الذي يحدث فيه ، ومعنى الآية ان الله ينزع نور النهار من أماكن الأرض التي يتغشاها الليل بالتدريج كما ينزع جلد الذبيحة عن كامل بدنها بالتدريج ، ولا يكون ذلك إلا بدوران الأرض حول محورها امام الشمس ، فالمقصود إذا ًبسلخ الليل من النهار هو فصل النور من مكانه الذي سيصير مكان الليل ،وإن في تشبيه إزالة نور النهار من سطح الأرض بإزالة الجلد من اللحم إشارة قوية لبيان أن ضوء النهار ينشأ في سطح الغلاف الجوي للأرض ولا يمتد إلى باطنها تماما ًكما ينشأ جلد الحيوان من لحمه ولا يمتد إلى باطنه .
و يشير أيضا ًالى دوران الأرض حول محورها قوله تعالى : { يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا } [ الأعراف / 54 ] ، و معنى هذه الآية أن الله تعالى يغطي بظلمة الليل مكان نور النهار على الأرض بالتدريج فيصير ليلا ً، و هذا بالضبط ما يحصل نتيجة لدوران الأرض حول نفسها ، كما و يشير وصفه تعالى للنهار بأنه يطلب الليل حثيثا ( سريعا ً) الى سرعة حركة الأرض ، و الحقيقة أن هذا الوصف غاية في الإعجاز ، فما كان يراه الناس زمن النبي – عليه الصلاة و السلام – هو أن الليل و النهار يحلان بمنتهى البطء و التدرج !
النهار هو الذي يجلي الشمس ، و الليل يُسلخ منه النهار ، و النهار يطلب الليل حثيثا ... من كان يجرؤ على استخدام مثل هذه التعبيرات في الأزمان السابقة ، و لكنه التعبير القرآني المعجز الذي يستوعب جميع الأزمان ...
ازالة الالتباس في حديث سجود الشمس
قال الله تعالى : { و هو الذي خلق الليل و النهار و الشمس و القمر كل في فلك يسبحون } [ الأنبياء / 33 ] ، و قال تعالى : { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر و لا الليل سابق النهار و كل في فلك يسبحون } [ يس / 40 ] ، و قال تعالى : { و الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم } [ يس / 38 ] ، من خلال هذه الآيات يتبين لنا أن القرآن الكريم قرر أن كل من الشمس و القمر و الأرض ( عبر عن الأرض بالليل و النهار ) يتحرك في مدار خاص به ، و هذه حقيقة ثابتة ، فالشمس تسبح في مدار حول مركز المجرة ، و القمر يسبح في مدار حول الأرض ، و الأرض تسبح في مدار حول الشمس ، و هذا التفسير لم يتجلى الا بعد تقدم علوم الفلك في القرن الماضي ، أما قديما ًفمن الطبيعي أن نجد فهما ًمختلفا ًلهذه الآيات – كغيرها من الآيات التي تثبت الحقائق العلمية – فبالنسبة للشمس قطعا ًلن يكون تفسير هذه الآيات على هذا النحو لأن حقيقة دوران الشمس حول مركز المجرة لم تكتشف إلا في النصف الثاني من القرن العشرين ، و كانت الفكرة المسيطرة على أذهان الناس في الماضي – و ما تزال الى اليوم عند عامة الناس – أن الشمس تدور حول الأرض ، و أما بالنسبة للقمر فقد كان فهم حركته مختلفا ًنتيجة لعدم ثبوت فكرة كروية الأرض آنذاك ... فاذا ًكيف تم تفسير هذه الآيات ؟ ...
اتفق أهل التفسير و اللغة على أن ( الفلك ) هو المستدير ، و لكن في حالة دوران القمر حول الأرض و دوران الشمس حول الأرض – كما كان الاعتقاد السائد – اعتبروا أن الفلك غير مكتمل ؛ أي أنه ينتهي عند المشرق و المغرب ، فيقول الحسن البصري في تفسير هذه الآية ( كل في فلك يسبحون ) : " الشمس و القمر و النجوم في فلك بين السماء و الأرض غير ملصقة ، و لو كانت ملصقة ما جرت " ...
<FONT size=4>و أما بالنسبة لقوله تعالى : { و الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم } [ يس / 38 ] فإن كلمة ( مستقر ) تعد – حاليا ً– ذات معنى علمي دقيق و هو حالة نفاذ الوقود النووي ( الهيدروجين ) من قلب الشمس و بالتالي الموت ، و لكن قديما ًكانت هذه الكلمة نوعا ًما مبهمة ، أضف الى ذلك أنه كان موضوع غروب الشمس و شروقها بمثابة لغز محير للأذهان ، حيث عدت الكثير من الشعوب القديمة الشمس إلها ًكما نجد عند ذكر قوم سبأ في القرآن الكريم ، و في الحضارة المصرية القديمة ، فلطالما عبد المصريون القدامى الشمس باعتبارها أبا ًلجميع الكائنات الحية على الأرض و كانت تسمى بالإله ( أتون ) ، و نجد أن الفرعون ( أمنحوتب الرابع ) أحب هذا الإله فتخلص من اسمه و استبدله بِ ( أخناتون ) ، كما <FONT size=4>كانت الشمس من أشهر الآلهة لدى الشعوب ا%
تعليق