بسم الله الرحمن الرحيم
من نظرية دارون التي أثبت العلم الحديث – ونحن في غنى لأن يثبت لنا العلم الحديث زيف هذه النظرية – القائلة بأن أصل الأنواع النباتات ثم التطور حتى الوصول إلى شكل القرود , وأخيرا وليس آخرا الطور المعاصر وهو الإنسان .
إلى إباحية فرويد الذي بنى أصل نظريته على قاعدة التطور , وما دام أن الإنسان كالحيوان في تركيبته وفيسلوجيته...فليس من حقنا أن نمنع شهوته وحرارته الغريزية ونجعلها حبيسة هذا الجسم الضعيف الغير قادر على كبح جماح شهواته التي لاتنقضي , فلنطلق له العنان ليمارس ما يشاء , مع من يشاء , وفي أي مكان يشاء , لأن الحبس والكبت لهذه الشهوة يؤدي إلى نشوء مجموعة من العقد النفسية . أبرزها عقدتين رئيسيتين تتفرع منها باقي العقد النفسية المزعومة , وهي عقدتين أسطوريتين تأثر بها الفكر الغربي المعاصر عندما جعل أصول دراسته المعاصرة قائمة على الفكر اليوناني والإغريقي الذي هو أصلا قائم على مجموعة من القواعد المهترئة التي تحكم فيها العقل بشكل رئيسي عندما لم يهتدي بنور الوحي الرباني في أكثر الأحيان , أو كانت عنده بقايا من آثار الوحي في بعض أفكاره ونظرياته , ولكن هذه الموافقة جزئية لا تؤثر في القاعدة العامة التي هي قيام هذا الفكر على مجموعة من الأساطير الخرافية والنظريات الهلامية....
نعود إلى العقدتين وهي : عقدة أوديب عند الرجل , وعقد أوليكترا عند المرأة , وليعلم القارئ أنه في غنى لأن يعرف قصة هاتين العقدتين لأنهما قائمتان على الخرافة والكذب المحض , لا أساس لهما من الصحة , إنما أملتها عليهم شياطينهم الحيوانية , وفرضتها عليهم تجاربهم المعاقة علميا , التي لم تجرى إلا على مجموعة من الناس هم في الحقيقة غير أسوياء خلقيا و خلقيا , فأثبت العلم الحديث - فضلا عن الشرع الحنيف - وشمس الحقيقة التي ستحرق بل أحرقت زيف هذه الدعاوى الباطلة التي صيغت بعقول شيطانية وأرواح خبيثة متمثلة على صورة بشر .
وإلى مادية ماركس , التي لم تراعي حقوق الفرد الضرورية فضلا عن أن تعطيه أولوية , فطغى استبداد الجماعة , فصارت هي من يدير الأمر سواءا كان السلطة أم السياسة أم الإقتصاد وهو الأهم في هذه النظرية . فأصبح الفرد كالآلة ليس له إلا الكدح ليل نهار , لا ليقيم أمر نفسه ويأتي بقوت عياله , ويدخر مالا لبلائه , بل إن هذه الآلة البشرية هي من أجل إسعاد تلك الجماعة المتسلطة , والحفاظ على بقائها جاثمة على صدور أولئك الأفراد المغلوبين على أمرهم , فأثبت الواقع أنه لابد لتلك الجماعة أن تزيل عن عينها غبش المادة , وعن روحها فكرة التسلط , لتستنير بروح التكافل والتعاون وتقسيم المصالح العامة على الجميع , والتكفل التام بحقوق الفرد المغلوب على أمره في أكثر الأحيان تحت وطأة هذه الماديات التي جعلت من الإنسان آلة لا روح فيها , وطينة هي أشبه ما تكون بالتمثال , لا ضمير فيه...ولا عقل...ولا حس...ولا روح...ولا وجدان...
وهذا تفسير جزئي للمادية , وإلا فهي فكرة أعم من ذلك , في نظر واضعيها , حقيقة أزلية سابقة للإنسان وللوعي , وأن كل التحولات التي تطرأ على البشرية سواءا على مستوى الأسرة , أو الجماعة , أو المؤسسة أو النظام , إنما هي نتيجة للتحولات الحتمية التي تمليها عليها القوى الخارجة عن إرادة الإنسان في كل طور من أطواره . فهي إذا مادية لا تتورع عن تفسير كل شيء بأنه نتيجة المادية الكبرى التي تتحكم في ما يعتقد الإنسان سواءا كان ذلك الإعتقاد على مستوى الدين أو الأخلاق والقيم أو الأسرة وحقوقها , وجعل ذلك كله أمر غير مقدس , وأن هذا الإعتقاد أمر طارىء , واعتقاد مفروض , فرضته تلك التحولات الحتمية التي هي في كل طور من أطوارها وتحول من تحولاتها تنشئ عنها اعتقادات وقيم ومعايير جديدة هي محكومة بشكل ونوع الطور التي تصل إليه حتمية المادية .
إنه مع كل إشراقة شمس الحقيقة واختفاء الظلام خلفها , يصحو الضمير وينادي أين الخلاص ... أين الطريق ...وعندئذ تتعالى الأصوات داخل النفس البشرية , صوت الضمير ... وصوت الدين...وصوت العقل...وصوت النفس...وصوت الشيطان... وأيها كان الأعلى والأقوى كانت الغلبة له . فهو كالغريق الذي تتلاطم به أمواج البحر وفجأة إذ بالموج يقذفه بعيدا على جزيرة لا يعرف بها طريقا , ولا يهتدي سبيلا .
هذا أشبه ما يكون بحال الإنسان المعاصر , لأنه أكثر العصور حيرة واضطرابا منذ أربعة عشر قرنا .
لكن بارقة الأمل وامضة , والحقيقة واضحة , إنه الإسلام الذي بات أكثر الشرائع حاجة إلى التطبيق , لإعتقادنا أنه أفضل الشرائع وأنسبها ليس في هذا العصر فحسب بل في كل العصور , وعلى مر الدهور . شريعة ربانية أكملها العالم بمصالح العباد , وتحولات الدهور , وطوارئ العصور , وقوائم الأمور , فجعلها نعمة لنا , وبعد هذا كله ارتضاها لنا سبحانه وتعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " .
فالحاجة إلى تطبيق هدي الإسلام وشرائعه , ليست خاصة بجزئيات معينة , أو مستويات محددة , مثل الوضع الإقتصادي الأخير الذي أرق رأسمالية أوربا وأمريكا , وارتفاع معدلات البطالة هناك هي الأكثر منذ ما يقارب ثلاثة عقود , ومؤشر الإنهيارات والإفلاسات على مستوى البنوك هي الأوضح , فبدت فكرة الرجوع إلى أسلمة المعاملات الإقتصادية كما يسمونها هم , واضحة . والمطالبة بتطبيق التشريع الإقتصادي الإسلامي واضحة عند أكثر المؤسسات والبنوك الإقتصادية الغربية .
ولا يعنينا هنا أنهم هل بدئوا في تطبيق أحكام الإسلام على معاملاتهم الإقتصادية أم لا ؟ وإذا طبقوها فكيف سيطبقوها ؟
لكن الذي يعني لنا هنا , هو أنه مجرد التفكير داخل العقل الغربي بضحالة المذاهب المادية الغربية , والعلم بثبات ومرونة الأحكام الإسلامية , هو بحد ذاته انتصار للفكرة الإسلامية الأصيلة , وهزيمة كبرى للمذاهب والنظريات المادية , لأن الحرب في هذه الأيام قائمة على جميع الأصعدة والمستويات , سواءا كانت فكرية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو إعلامية ...لكن حرب الأفكار والثوابت في هذه الأيام قائمة على أشدها , وستكون أكثر ضراوة في المرحلة المقبلة , لأن انحسار كثير من النظريات والأفكار يستلزم من العقول الشيطانية , استصناع نظريات جديدة , وإخراجها للناس على أنها حقائق أزلية كما كان الحال مع سابقتها من النظريات عندما أظهروها على أنها حقائق ثابتة لا يجوز للإنسان أن يشكك في صحتها ولو حتى في مجرد تفكيره .
ولكن الحق أبلج , والباطل لجلج , وسيحرق هذا النور الرباني , كل الدعاوى الباطلة , وسيهدم كل القواعد الفاسدة . قال تعالى " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " .