بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم اغفر لى ولوالى وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تبرير المعتقدات الخاطئة و خداع النفس
خداع النفس من ناحية علم النفس (Self Deception) هو تلك الطريقة التي نتبعها لتضليل أنفسنا بغرض قبول ما هو زائف أو غير موجود على أنه حقيقي. وهو باختصار طريقنا لتبرير المعتقدات الخاطئة. [محمد الباتع - مجلة الحوار المتمدن - العدد: 1639 - 2006 / 8 / 11 ] والتبرير لا يأخذ به فى الاعتقاد كما قلنا سابقا لارتباطه دائما بضعف الموقف والهروب من المسئولية ولا يمكن ان تكون هناك اعتقادات متعلقة بأحكم الحاكمين محشوة بالتهافت و المهانة تحتاج دائما إلى التبرير والتفسير وليس لها عمل الا فتح ألاف الأبواب للشكوك والحيرة مع العلم بان مفاتح هذه الأبواب بيد الشيطان والشيطان كما قال المتصوفة وبعض العلماء لا يمكن أن يقصد البيت الخرب إلا إذا أراد منه خميرة لنشر الضلال والفساد في جميع الأركان والجوانب فإذا كان العجين كله مختمر فان المفاتح سوف تضيع من الشيطان إلى الأبد وهذا يفسر ابتعاد الشكوك عن الأمم ذات العقائد المشوهة أو الفاسدة مع أنها المفروض ان تكون أكثر الأمم شكا وحيرة .
وعندما يؤمن الإنسان بمعتقدات لم يصل فيها إلى الاقتناع الكامل بحقيقتها فهو يخدع نفسه على ما اعتقد ويعتقد الكثيرون ليس هناك خداع للنفس افضل من ذلك وإذا كانت هذه المعتقدات مخالفة للعقل والفطرة فمن المستحيل ان يصل فيها الإنسان الى ذلك الاقتناع لان الاقتناع لن يسلك او يسرى الا فى طريق واحد وهو طريق العقل واذا كان الإنسان يرضى بذلك (كمثل الفيلسوف المسيحي الذي قال أؤمن بذلك لأنه محال او بمعنى أخر لأنه مخالف للعقل والفطرة ) فلن يصل في هذه الحالة إلى حقيقة اى شيء البته وسوف يكون الأمر أكثر من خداع للنفس . "يقول الفيلسوف الأميركي مايكل نوفاك " لا حدود معروفة لقدرة الإنسان على خداع نفسه". كما يقال أيضاً أن أقدم وأسوأ أشكال الخديعة هو أَنْ نخدع أنفسنا".
(مايكل نوفاك صحفي وروائي وفيلسوف ودبلوماسي (ولد في 9 سبتمبر 1933) من أسرة أمريكية كاثوليكية . مؤلف أكثر من خمسة وعشرين كتابا في الفلسفة واللاهوت والثقافة ، ونوفاك هو معروف على نطاق واسع من كتبه روح الرأسمالية الديمقراطية . في عام 1994 حصل على جائزة تمبلتون من أجل التقدم في الدين ، والتي شملت مليون دولار. يكتب الكتب والمقالات التي ركزت على الرأسمالية ، والدين ، والسياسة الديمقراطية.
كما شغل نوفاك منصب سفير الولايات المتحدة و رئيس لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 1981 ، وترأس الوفد الأميركي إلى مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا في عام 1986 )
حيث تقبع داخل كل منا شمعة داخلية تعمل على إنارة دواخل نفسه و سبر أغوارها. وبقدر ما تتوهج هذه الشمعة يكون اتساع نورها ليضيء أركان النفس الخفية لكل منا. تشكل هذه الشمعة أحياناً مصدر إزعاج لنا عندما تكشف لنا جوانب من أنفسنا لا نحب أن نراها، ونعمدُ إلى تجاهلها و أحيانا إلى نفيها، رغم أنها جزء لا يتجزأ من كياننا، فنقوم بخفض شدة إضاءتها فينحسر نورها وتتسع ظلالها، و تختفي الأركان البغيضة لأنفسنا تحت جنح الظلام الداخلي. تبقى موجودة، لكننا لا نراها ونعتقد أنها اختفت. و هكذا يخدع الإنسان نفسه.
يبدو لي أن هذه طبيعة بشرية، و لا سبيل إلى إبعادها، و أن وجود تلك الشمعة الداخلية لدى المرء، لكفيل بالحد من سلبياتها، فهكذا هي تركيبة البشر، مزيج من كل شيئ و نقيضه، بتوازن دقيق إذا اختل، تختل معه الفطرة الإنسانية التي لم يقدر أحد على تفسير أسرارها.
من منا لم يختبئ و لو مرة، بشكل أو بآخر مِنْ، ضيائه الداخليِ ؟ من لم يقدم يوماً على التنصل من حالة تسكن فيه، أو أن يتمثل صفة ليست به؟ من منا يزعم أنه لم يحاول، ولو مرة واحدة أن يستعير ذاته. يستعيرها إما أن من نفسه و إما من غيره. وهنا يوجد الفارق المهم............................................. ............................
عندما تستعير من جهدك الخاص تكون أقدر على تفسير ذاتك، أما إذا استعرت أو سرقت من غيرك فأنت مضطر إلى التبرير، و التبرير يقتضي إبداء الأعذار، و كلما زادت الأعذار، تراجعت احتمالات الحقيقة. هكذا يقول المنطق". [المصدر السابق] ولن يفلح الهروب من الحقيقة أو تجاهلها إلا إذا أمكن للإنسان أن يتجاهل فوهة سحيقة بدون أن يسقط فيها ويدفع بنفسه ثمن هذا التجاهل وأسوأ ما في الأمر انه هو الملام
"لا يقتصر خداع النفس على إخفاء الحقيقة ، بل يطال محاولة تزييفها.. فكم من الناس يحاول أن يقدم نفسه ومعتقداته في صورة لا تتفق مع حقيقته أو حقيقتها، بل أحياناً تتناقض معها". [المصدر السابق] وإذا كان هناك هداة مهدين فهناك ضالين مضلين وهذا ناشئ من خداع النفس من طرف وقبول التزييف والتبديل والتحريف من الطرف الآخر لأنه لم يعمل عقله
"فكيف يكون الحال إذا انتشر المرض بين عدد كبير من الناس في مكانٍ واحد، ألا يصبح ظاهرة مرضية؟ و ماذا إذا امتد ليطال شريحة بعينها من البشر، ألا يكون وباءاً؟
وإذا استفحل المرض بين مجاميع بشرية كبرى على امتداد قارات أو مجتمعات بأكملها، ألا يصبح كارثة إنسانية؟
في الأمراض العضوية، يتطلب الأمر جهوداً طبية واجتماعية، قد يلزم أن تكون خارقة، وقد يستدعي حملات موسعة من الاستنفار الإنساني، ويكون تعاون المريض ورغبته في الشفاء أمراً بديهياً.
أما إذا انتقل المرض بالتواتر الوراثي من جيل إلى جيل وتر سخت أعراضه واعتادها المريض باعتبارها أمراً طبيعياً حتى ينصهر معها في كيان واحد (التكيف مع الفساد ) يكون غيابها عنه مرضًا، هنا يبلغ الداء مبلغاً خطيراً و يصبح المرض داءاً إنسانياً متوطناً، يلزم لاستئصاله معجزة، بعد أن انتهى زمن المعجزات. ناهيك عن رفض المريض المطلق للعلاج، من منطلق رفضه فكرة مرضه" [المصدر السابق]
هذا بخلاف الغش والكذب الذي يتعمد فيه الإنسان ذلك وهو اعلم الناس بالحقيقة
ولنا في قصة نوح عليه السلام الكثير من الإشارات و المواعظ والحكم المتعلقة بخداع النفس ورؤية الحق باطل والباطل حق بجانب التكيف مع الفساد .
فنوح عليه السلام لم يمكث 950 عاما يدعوا قومه للباطل ليجد كل هذا الرفض والعناد مما يجعلنا نصل إلى هذه النتيجة :
الرفض والعناد فى قبول بعض الأشياء لا يدل على خطئها بل يمكن أن يدل على عمى بصر وبصيرة الإنسان المعاند وفى أحيان أخرى يدل على غبائه وحماقته وعدم عقلانيته بالإضافة إلى الدلالة على تكيفه مع الفساد الذي يجعله يقبل كل خاطئ ومنفر للفطرة على انه صحيح وسليم نظرا لنشاته عليه .
ونخرج من كل ما سبق بهذه القاعدة ( إذا لم تقتنع بما أقول فلا يدل ذلك على انك على حق وأنا على باطل فقد يكون العكس صحيح )
ثانيا : عندما عاقب الله قوم نوح لم يتردد أو يختلق مشكلة بين العدل والرحمة فهو الفعال لما يريد وفعله لا يمكن أن تشوبه اى شائبة نظرا لحكمتة الا متناهية وعلمه المحيط بكل شىء .
ثالثا : مع ان هناك فرق كبير بين الكفر والإيمان الا انه فى كثيرا من الأحيان يستقل البشر قطار الضلال لينقلهم من الإيمان إلى الكفر وقد حدث ذلك كثيرا بداية من قوم نوح عليه السلام وحتى الآن ومن الطبيعي انه اذا انتقل البشر من الإيمان إلى الكفر مع هذه الفرق الكبير والمسافة الساشعة بينهما , فأنهم يمكن أن ينتقلوا ببساطة شديدة إلى شيء آخر يكون الفرق بينه وبين الإيمان اقل من ذلك بكثير وهو تشوه الإيمان المتمثل في الافتراء والتحريف والتبديل والتغيير وبالتالي إذا كان فساد العقيدة وارد فان تشوهها يكون أكثر ورودا ولكنه اقل وضوحا وذلك طبيعي لأقصى حدود لان التشوه هو أول مراحل الفساد وهناك الكثير من الأدلة على ذلك وأكثرها هو ما حدث لقوم نوح عليه السلام ولقد وردت هذه القصة ( قصة نوح والطوفان) في الإصحاحات من السادس إلى التاسع من سفر التكوين وتجري أحداثها على النحو التالي :
(رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، وعزم على أن يمحو الإنسان والبهائم والدواب والطيور عن وجه الأرض، وأن يستثني من ذلك نوحاً لأنه كان رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله ........... وتزداد شرور الناس، وتمتليء الأرض ظلماً، ويقرر الرب نهاية البشرية، ويحيط نوحاً علماً بما نواه، آمراً إياه بأن يصنع فلكاً ضخماً، وأن يكون طلاؤها بالقار والقطران من داخل ومن خارج، حتى لا يتسرب إليها الماء، وأن يدخل فيها اثنين من كل ذي جسد حي، ذكراً وأنثى، فضلاً عن امرأته وبنهيه ونساء بيته، هذا إلى جانب طعام يكفي من في الفلك وما فيه.. تكوين 6: 1 ـ 22.
و يكرر الرب أوامره في الإصحاح التالي فيأمره أن يدخل الفلك ومن معه ذلك لأن الرب قرر أن يغرق الأرض ومن عليها بعد سبعة أيام ذلك عن طريق مطر يسقط على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة، ويصدع نوح بأمر ربه فيأوي إلى السفينة ومن معه وأهله، ثم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء، واستمر الطوفان أربعين يوماً على الأرض.
و تكاثرت المياه ورفعت الفلك عن الأرض وتغطت المياه، ومات كل جد كان يدب على الأرض، من الناس، والطيور والبهائم والوحوش وبقي نوح والذين معه في الفلك حتى استقرت الفلك على جبل أرارات.
فعندما حدث الطوفان لم يبقى على ظهر الأرض احد من الإحياء إلا من امن مع نوح وهم من كانوا على متن السفينة فنجوا من الغرق وكانوا جميعهم من المؤمنين وعندما انتهى الطوفان كانوا هم كل سكان الأرض اى أن كل سكان الأرض في ذلك الوقت كان من المؤمنين ومع مرور الزمن ماذا حدث ؟ , انتقلوا إلى الكفر مرة أخرى تدريجيا ابتداء بالتشوه وانتهاء بالفساد الكلى الذي يطلق عليه كفر الم يحدث ذلك ؟ وإذا حدث ذلك يقينا يكون الانتقال إلى ما هو دونه أولى .
فالتشوه يقتضى حدوث تحريف وتبديل ويمكن أن يطلق عليه فساد جزئي
ومن يغير المعقول أن يقبل الإنسان حدوث فساد كلى لقوم نوح وغيرهم من المؤمنين الذين كانوا في الأمم السابقة ويرفض اى اتهام له في عقيدته بالتبديل أو التغيير والتحريف لا يخرج عن كونه فساد جزئي فهو بشر وقوم نوح كانوا أيضا بشر وليس ذلك فقط بل كانوا أيضا مؤمنين وهذا لو أفحم الإيمان في هذه القضية وان أصر على موقفه فليثبت العكس ويأتي بدليل مادي يثبت عدم التشوه المتمثل في التبديل والتغيير والتحريف يكون متوافق مع الثوابت الإنسانية والعقلية والكونية غير متوافق مع هواه لان هوى الذات الإنسانية لا يمكن أن يكون حكما ولنا في قوم نوح مثال وخصوصا إذا اعتبرنا خداعه لذاته وان لم يكن فتكيفه مع الفساد الذي يجعله من ناحية أخرى يستحسن الباطل ويستقبح الحق وهو متيقن بأنه في منأى عن أن يكون خادعا لنفسه والأكثر خادعا لغيره ولكن في الحقيقة ذلك لن يخرجه عن إطار الخداع لان الخداع في هذه الحالة سوف يكون ملتصقا بالمشاعر والأحاسيس ورؤيتها للقبيح على انه حسن وللحسن على انه قبيح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقوق الطبع والنشر محفوظة لابن النعمان
للمزيد ادعكوم الى الدخول الى مدونة ابن النعمان : اساليب ومواضيع جديدة للحوار
http://noman.0-up.com
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم اغفر لى ولوالى وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تبرير المعتقدات الخاطئة و خداع النفس
خداع النفس من ناحية علم النفس (Self Deception) هو تلك الطريقة التي نتبعها لتضليل أنفسنا بغرض قبول ما هو زائف أو غير موجود على أنه حقيقي. وهو باختصار طريقنا لتبرير المعتقدات الخاطئة. [محمد الباتع - مجلة الحوار المتمدن - العدد: 1639 - 2006 / 8 / 11 ] والتبرير لا يأخذ به فى الاعتقاد كما قلنا سابقا لارتباطه دائما بضعف الموقف والهروب من المسئولية ولا يمكن ان تكون هناك اعتقادات متعلقة بأحكم الحاكمين محشوة بالتهافت و المهانة تحتاج دائما إلى التبرير والتفسير وليس لها عمل الا فتح ألاف الأبواب للشكوك والحيرة مع العلم بان مفاتح هذه الأبواب بيد الشيطان والشيطان كما قال المتصوفة وبعض العلماء لا يمكن أن يقصد البيت الخرب إلا إذا أراد منه خميرة لنشر الضلال والفساد في جميع الأركان والجوانب فإذا كان العجين كله مختمر فان المفاتح سوف تضيع من الشيطان إلى الأبد وهذا يفسر ابتعاد الشكوك عن الأمم ذات العقائد المشوهة أو الفاسدة مع أنها المفروض ان تكون أكثر الأمم شكا وحيرة .
وعندما يؤمن الإنسان بمعتقدات لم يصل فيها إلى الاقتناع الكامل بحقيقتها فهو يخدع نفسه على ما اعتقد ويعتقد الكثيرون ليس هناك خداع للنفس افضل من ذلك وإذا كانت هذه المعتقدات مخالفة للعقل والفطرة فمن المستحيل ان يصل فيها الإنسان الى ذلك الاقتناع لان الاقتناع لن يسلك او يسرى الا فى طريق واحد وهو طريق العقل واذا كان الإنسان يرضى بذلك (كمثل الفيلسوف المسيحي الذي قال أؤمن بذلك لأنه محال او بمعنى أخر لأنه مخالف للعقل والفطرة ) فلن يصل في هذه الحالة إلى حقيقة اى شيء البته وسوف يكون الأمر أكثر من خداع للنفس . "يقول الفيلسوف الأميركي مايكل نوفاك " لا حدود معروفة لقدرة الإنسان على خداع نفسه". كما يقال أيضاً أن أقدم وأسوأ أشكال الخديعة هو أَنْ نخدع أنفسنا".
(مايكل نوفاك صحفي وروائي وفيلسوف ودبلوماسي (ولد في 9 سبتمبر 1933) من أسرة أمريكية كاثوليكية . مؤلف أكثر من خمسة وعشرين كتابا في الفلسفة واللاهوت والثقافة ، ونوفاك هو معروف على نطاق واسع من كتبه روح الرأسمالية الديمقراطية . في عام 1994 حصل على جائزة تمبلتون من أجل التقدم في الدين ، والتي شملت مليون دولار. يكتب الكتب والمقالات التي ركزت على الرأسمالية ، والدين ، والسياسة الديمقراطية.
كما شغل نوفاك منصب سفير الولايات المتحدة و رئيس لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 1981 ، وترأس الوفد الأميركي إلى مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا في عام 1986 )
حيث تقبع داخل كل منا شمعة داخلية تعمل على إنارة دواخل نفسه و سبر أغوارها. وبقدر ما تتوهج هذه الشمعة يكون اتساع نورها ليضيء أركان النفس الخفية لكل منا. تشكل هذه الشمعة أحياناً مصدر إزعاج لنا عندما تكشف لنا جوانب من أنفسنا لا نحب أن نراها، ونعمدُ إلى تجاهلها و أحيانا إلى نفيها، رغم أنها جزء لا يتجزأ من كياننا، فنقوم بخفض شدة إضاءتها فينحسر نورها وتتسع ظلالها، و تختفي الأركان البغيضة لأنفسنا تحت جنح الظلام الداخلي. تبقى موجودة، لكننا لا نراها ونعتقد أنها اختفت. و هكذا يخدع الإنسان نفسه.
يبدو لي أن هذه طبيعة بشرية، و لا سبيل إلى إبعادها، و أن وجود تلك الشمعة الداخلية لدى المرء، لكفيل بالحد من سلبياتها، فهكذا هي تركيبة البشر، مزيج من كل شيئ و نقيضه، بتوازن دقيق إذا اختل، تختل معه الفطرة الإنسانية التي لم يقدر أحد على تفسير أسرارها.
من منا لم يختبئ و لو مرة، بشكل أو بآخر مِنْ، ضيائه الداخليِ ؟ من لم يقدم يوماً على التنصل من حالة تسكن فيه، أو أن يتمثل صفة ليست به؟ من منا يزعم أنه لم يحاول، ولو مرة واحدة أن يستعير ذاته. يستعيرها إما أن من نفسه و إما من غيره. وهنا يوجد الفارق المهم............................................. ............................
عندما تستعير من جهدك الخاص تكون أقدر على تفسير ذاتك، أما إذا استعرت أو سرقت من غيرك فأنت مضطر إلى التبرير، و التبرير يقتضي إبداء الأعذار، و كلما زادت الأعذار، تراجعت احتمالات الحقيقة. هكذا يقول المنطق". [المصدر السابق] ولن يفلح الهروب من الحقيقة أو تجاهلها إلا إذا أمكن للإنسان أن يتجاهل فوهة سحيقة بدون أن يسقط فيها ويدفع بنفسه ثمن هذا التجاهل وأسوأ ما في الأمر انه هو الملام
"لا يقتصر خداع النفس على إخفاء الحقيقة ، بل يطال محاولة تزييفها.. فكم من الناس يحاول أن يقدم نفسه ومعتقداته في صورة لا تتفق مع حقيقته أو حقيقتها، بل أحياناً تتناقض معها". [المصدر السابق] وإذا كان هناك هداة مهدين فهناك ضالين مضلين وهذا ناشئ من خداع النفس من طرف وقبول التزييف والتبديل والتحريف من الطرف الآخر لأنه لم يعمل عقله
"فكيف يكون الحال إذا انتشر المرض بين عدد كبير من الناس في مكانٍ واحد، ألا يصبح ظاهرة مرضية؟ و ماذا إذا امتد ليطال شريحة بعينها من البشر، ألا يكون وباءاً؟
وإذا استفحل المرض بين مجاميع بشرية كبرى على امتداد قارات أو مجتمعات بأكملها، ألا يصبح كارثة إنسانية؟
في الأمراض العضوية، يتطلب الأمر جهوداً طبية واجتماعية، قد يلزم أن تكون خارقة، وقد يستدعي حملات موسعة من الاستنفار الإنساني، ويكون تعاون المريض ورغبته في الشفاء أمراً بديهياً.
أما إذا انتقل المرض بالتواتر الوراثي من جيل إلى جيل وتر سخت أعراضه واعتادها المريض باعتبارها أمراً طبيعياً حتى ينصهر معها في كيان واحد (التكيف مع الفساد ) يكون غيابها عنه مرضًا، هنا يبلغ الداء مبلغاً خطيراً و يصبح المرض داءاً إنسانياً متوطناً، يلزم لاستئصاله معجزة، بعد أن انتهى زمن المعجزات. ناهيك عن رفض المريض المطلق للعلاج، من منطلق رفضه فكرة مرضه" [المصدر السابق]
هذا بخلاف الغش والكذب الذي يتعمد فيه الإنسان ذلك وهو اعلم الناس بالحقيقة
ولنا في قصة نوح عليه السلام الكثير من الإشارات و المواعظ والحكم المتعلقة بخداع النفس ورؤية الحق باطل والباطل حق بجانب التكيف مع الفساد .
فنوح عليه السلام لم يمكث 950 عاما يدعوا قومه للباطل ليجد كل هذا الرفض والعناد مما يجعلنا نصل إلى هذه النتيجة :
الرفض والعناد فى قبول بعض الأشياء لا يدل على خطئها بل يمكن أن يدل على عمى بصر وبصيرة الإنسان المعاند وفى أحيان أخرى يدل على غبائه وحماقته وعدم عقلانيته بالإضافة إلى الدلالة على تكيفه مع الفساد الذي يجعله يقبل كل خاطئ ومنفر للفطرة على انه صحيح وسليم نظرا لنشاته عليه .
ونخرج من كل ما سبق بهذه القاعدة ( إذا لم تقتنع بما أقول فلا يدل ذلك على انك على حق وأنا على باطل فقد يكون العكس صحيح )
ثانيا : عندما عاقب الله قوم نوح لم يتردد أو يختلق مشكلة بين العدل والرحمة فهو الفعال لما يريد وفعله لا يمكن أن تشوبه اى شائبة نظرا لحكمتة الا متناهية وعلمه المحيط بكل شىء .
ثالثا : مع ان هناك فرق كبير بين الكفر والإيمان الا انه فى كثيرا من الأحيان يستقل البشر قطار الضلال لينقلهم من الإيمان إلى الكفر وقد حدث ذلك كثيرا بداية من قوم نوح عليه السلام وحتى الآن ومن الطبيعي انه اذا انتقل البشر من الإيمان إلى الكفر مع هذه الفرق الكبير والمسافة الساشعة بينهما , فأنهم يمكن أن ينتقلوا ببساطة شديدة إلى شيء آخر يكون الفرق بينه وبين الإيمان اقل من ذلك بكثير وهو تشوه الإيمان المتمثل في الافتراء والتحريف والتبديل والتغيير وبالتالي إذا كان فساد العقيدة وارد فان تشوهها يكون أكثر ورودا ولكنه اقل وضوحا وذلك طبيعي لأقصى حدود لان التشوه هو أول مراحل الفساد وهناك الكثير من الأدلة على ذلك وأكثرها هو ما حدث لقوم نوح عليه السلام ولقد وردت هذه القصة ( قصة نوح والطوفان) في الإصحاحات من السادس إلى التاسع من سفر التكوين وتجري أحداثها على النحو التالي :
(رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، وعزم على أن يمحو الإنسان والبهائم والدواب والطيور عن وجه الأرض، وأن يستثني من ذلك نوحاً لأنه كان رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله ........... وتزداد شرور الناس، وتمتليء الأرض ظلماً، ويقرر الرب نهاية البشرية، ويحيط نوحاً علماً بما نواه، آمراً إياه بأن يصنع فلكاً ضخماً، وأن يكون طلاؤها بالقار والقطران من داخل ومن خارج، حتى لا يتسرب إليها الماء، وأن يدخل فيها اثنين من كل ذي جسد حي، ذكراً وأنثى، فضلاً عن امرأته وبنهيه ونساء بيته، هذا إلى جانب طعام يكفي من في الفلك وما فيه.. تكوين 6: 1 ـ 22.
و يكرر الرب أوامره في الإصحاح التالي فيأمره أن يدخل الفلك ومن معه ذلك لأن الرب قرر أن يغرق الأرض ومن عليها بعد سبعة أيام ذلك عن طريق مطر يسقط على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة، ويصدع نوح بأمر ربه فيأوي إلى السفينة ومن معه وأهله، ثم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء، واستمر الطوفان أربعين يوماً على الأرض.
و تكاثرت المياه ورفعت الفلك عن الأرض وتغطت المياه، ومات كل جد كان يدب على الأرض، من الناس، والطيور والبهائم والوحوش وبقي نوح والذين معه في الفلك حتى استقرت الفلك على جبل أرارات.
فعندما حدث الطوفان لم يبقى على ظهر الأرض احد من الإحياء إلا من امن مع نوح وهم من كانوا على متن السفينة فنجوا من الغرق وكانوا جميعهم من المؤمنين وعندما انتهى الطوفان كانوا هم كل سكان الأرض اى أن كل سكان الأرض في ذلك الوقت كان من المؤمنين ومع مرور الزمن ماذا حدث ؟ , انتقلوا إلى الكفر مرة أخرى تدريجيا ابتداء بالتشوه وانتهاء بالفساد الكلى الذي يطلق عليه كفر الم يحدث ذلك ؟ وإذا حدث ذلك يقينا يكون الانتقال إلى ما هو دونه أولى .
فالتشوه يقتضى حدوث تحريف وتبديل ويمكن أن يطلق عليه فساد جزئي
ومن يغير المعقول أن يقبل الإنسان حدوث فساد كلى لقوم نوح وغيرهم من المؤمنين الذين كانوا في الأمم السابقة ويرفض اى اتهام له في عقيدته بالتبديل أو التغيير والتحريف لا يخرج عن كونه فساد جزئي فهو بشر وقوم نوح كانوا أيضا بشر وليس ذلك فقط بل كانوا أيضا مؤمنين وهذا لو أفحم الإيمان في هذه القضية وان أصر على موقفه فليثبت العكس ويأتي بدليل مادي يثبت عدم التشوه المتمثل في التبديل والتغيير والتحريف يكون متوافق مع الثوابت الإنسانية والعقلية والكونية غير متوافق مع هواه لان هوى الذات الإنسانية لا يمكن أن يكون حكما ولنا في قوم نوح مثال وخصوصا إذا اعتبرنا خداعه لذاته وان لم يكن فتكيفه مع الفساد الذي يجعله من ناحية أخرى يستحسن الباطل ويستقبح الحق وهو متيقن بأنه في منأى عن أن يكون خادعا لنفسه والأكثر خادعا لغيره ولكن في الحقيقة ذلك لن يخرجه عن إطار الخداع لان الخداع في هذه الحالة سوف يكون ملتصقا بالمشاعر والأحاسيس ورؤيتها للقبيح على انه حسن وللحسن على انه قبيح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقوق الطبع والنشر محفوظة لابن النعمان
للمزيد ادعكوم الى الدخول الى مدونة ابن النعمان : اساليب ومواضيع جديدة للحوار
http://noman.0-up.com