قال الله تعالى : { الله الذي خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن } [ الطلاق / 12 ] ، و صحّ عن رسول الله – عليه الصلاة و السلام – أنه كان يقول في دعائه : { اللهم رب السماوات السبع و ما أظلن ، و رب الأرضين السبع و ما أقللن } [ السنن الكبرى للنسائي ] .
فما هو المقصود بالأراضي السبع ؟؟
ينقسم الجزء الداخلي من كوكب الأرض الى عدة طبقات ، و ذلك لاختلاف الخصائص الفيزيائية و الكيميائية من طبقة الى أخرى ...
أول هذه الطبقات هي طبقة القشرة الأرضية و هي عبارة عن طبقة صلبة تتكون بشكل رئيسئ من السيليكات ، و يبلغ متوسط سمك هذه الطبقة تحت المسطحات المائية 6 كيلومتر وتحت القارات 35 كيلومتر ، ثم تأتي بعد القشرة الأرضية طبقة تسمى بأعلى الستار ( الجزء العلوي من الستار العلوي ) ، و يفصل بين هاتين الطبقتين ( حد موهو ) ، و يستدل على هذا الحد من خلال حدوث تغير في سرعة الموجات الزلزالية مما يدل على عبورها في وسط مختلف عن الوسط الموجود في القشرة ، و تشكل هاتان الطبقتان الغلاف الصخري للأرض ، و الذي هو عبارة عن مجموعة من الألواح التكتونية التي يفصل بينها صدوع متصلة ، و قد أشار الله – عزّ و جلّ – الى هذه الصدوع المتصلة في قوله : { و الأرض ذات الصدع } [ الطارق / 12 ] ، كما أشارت الى هذه الألواح الآية : { و في الأرض قطع متجاورات } [ الرعد / 4 ] ، و يمتد الغلاف الصخري حتى عمق 100 كيلومتر .
الألواح الأرضية
و يقع أسفل الغلاف الصخري الطبقة الثالثة من طبقات الأرض و تسمى بنطاق الانسياب ( الجزء السفلي من الستار العلوي ) ، و ذلك لأن الصخور فيها شبه منصهرة ، و تسمى أيضا ًبنطاق السرعة المنخفضة بسبب انخفاض سرعة الموجات الزلزالية فيها ، و مما تجدر الإشارة اليه هو أن الغلاف الصخري ( الصلب ) يرتكز على هذه الطبقة ( المائعة ) و مع ذلك فهو لا يميد و لا يضطرب و ذلك لوجود امتدادات للجبال في نطاق الإنسياب تعمل على تثبيت الغلاف الصخري ، و عن هذه الحقيقة يقول الله تعالى : { و ألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } [ النحل / 15 ] ، و يمتد نطاق الإنسياب حتى عمق 400 كيلو متر .
و من عمق 400 حتى 600 كيلو متر تقع الطبقة الرابعة من طبقات الأرض و تسمى بوسط الستار ( الجزء العلوي من الستار السفلي ) ، و تظهر في هذه الطبقة تغيرات كبيرة في البنية البلورية للعناصر نتيجة لزيادة الضغط و الحرارة ، و من عمق 600 حتى 2900 كيلو متر تقع الطبقة الخامسة من طبقات الأرض و تسمى بأسفل الستار( الجزء السفلي من الستار السفلي ) ، و يوجد اختلاف بين هاتين الطبقتين في الكثافة و التركيب المعدني و غير ذلك من الخصائص الفيزيائية و الكيميائية .
و يأتي بعد الأقسام الأربعة للستار الطبقة السادسة من طبقات الأرض و هي طبقة اللب الخارجي ، و يفصل بينها و بين أسفل الستار سطح يسمى ( إنقطاع غوتنبرغ ) ، و أهم العناصر المكونة لها الحديد و النيكل ، و اللب الخارجي يوجد في حالة سائلة نتيجة لإنصهار المواد فيه بشكل تام ، و تمتد طبقة اللب الخارجي حتى عمق 5100 كيلومتر ، ثم تأتي بعدها الطبقة السابعة و الأخيرة و هي طبقة اللب الداخلي ، و اللذي يوجد في حالة صلبة نتيجة للضغط الرهيب الواقع عليه ، و أهم العناصر المكونة للب الداخلي الحديد و النيكل بالإضافة الى الكبريت و السيليكون و الفسفور و الكربون ، و يمتد اللب الداخلي حتى عمق 6378 كيلومتر حيث يوجد مركز الكرة الأرضية .
و بهذا يتضح المقصود بالأراضي السبع المذكورة في قوله تعالى : { الله الذي خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن } ، و في قوله – عليه الصلاة و السلام – : { اللهم رب السماوات السبع و ما أظللن و رب الأرضين السبع و ما أقللن } [ السنن الكبرى للنسائي ] ، و في هذه الإشارة القرآنية الى هذه الحقيقة اعجاز مبهر ، فعلوم الأرض كانت بسيطة للغاية حتى في القرن التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين ، و التطور في هذه العلوم بدأ بعد اكتشاف النظائر المشعة ، و بعد استخدام الموجات الزلزالية و تطور محطات الرصد الخاصة بها ...
و مما يؤكد هذا المعنى و صف الله – عز و جل – للسماوات السبع بأنها طبقات في أكثر من آية ، مثل قوله تعالى : { اللذي خلق سبع سماوات طباقا ً} [ المُلك / 3 ] ، و تقرير أن الأراضي السبع حالها كحال السماوات السبع ، و ذلك في قوله تعالى : { الله الذي خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن } ، فكلمة ( مثل ) تدل على و جود أكثر من صفة مشتركة ، فهي مثلها عددا ًو شكلا ًأيضا ً ، و يعزز هذا المعنى أيضا ًحديث رسول الله – عليه الصلاة و السلام – : { من ظلم قيد شبر من الأرض طوَقه من سبع أرضين } [ صحيح البخاري ] ، فرسول الله - عليه الصلاة و السلام – ينهانا عن الظلم و يخبرنا بأنه من ظلم قيد شبر من الأرض ؛ أي ظلم بسيط لا يذكر ، فان هذا الظلم ستعود عاقبته عليه ، و شبه هذه العاقبة بتطويق الأراضي السبعة له ، و في هذا التشبيه اشارة الى أن الأراضي السبعة التي ذكرت في القرآن و الأحاديث النبوية عبارة عن طبقات فوق بعضها البعض .
و هناك حديث نبوي آخر يورد حقائق عظيمة بشأن بنية الأرض و طبقاتها ، حيث يقول رسول الله – عليه الصلاة و السلام – : { لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز ٍفي سبيل الله ، فإن تحت البحر نار و تحت النار بحر } [ سنن أبي داوود ] ، و قد ضعف بعض أئمة الحديث – عليهم رحمة الله جميعا ً– هذا الحديث ، و ذلك لما وجدوا فيه من غرابة ، و هم لا يلامون على استغرابهم لهذا الحديث ، فهذا أمر طبيعي بالنسبة الى المعلومات التي كانت في زمانهم ، و كانت حجتهم في تضعيف هذا الحديث أنه يتعارض مع قول الله تعالى : { أحل لكم صيد البحر و طعامه } [ المائدة / 96 ] ، و لكن في الحقيقة لا يوجد أي تعارض بين الحديث و هذه الآية ، فعملية الصيد لا تتطلب ركوب البحر ، فالمقصود بركوب البحر هو قطع مسافات طويلة في البحار تستغرق أياما ًو شهور ، و أما الصياد فانه يذهب مع طلوع الشمس و يعود قبل الغروب ، ثم إن تضعيف حديث ما يعني الشك بأنه موضوع ، و لكن هل يمكن لشخص غير النبي – صلى الله عليه و سلم – أن يخبر بمثل هذه الحقيقة ؟ ...
الطبقات المكتشفة معظمها في حالة سائلة أو مائعة نتيجة انصهار المواد فيها بشكل تام أو شبه تام ، و هذا ما عبر عنه رسول الله – عليه الصلاة و السلام – في هذا الحديث بالنار التي تأتي أسفل البحر ، و لكن لماذا إختص رسول الله – صلى الله عليه و سلم – البحر بوجود هذه النار العظيمة تحته مع أنها موجودة تحت اليابسة أيضا ً؟ و الإجابة أنه إختص البحر لسببان : الأول أن البحر ( المسطحات المائية ) يغطي معظم مساحة سطح الأرض [ 71.1% ] ، و السبب الثاني أنه يوجد سلاسل جبلية عظيمة في قيعان المحيطات تسمى بظهور المحيطات تنبعث منها باستمرار الحمم و المواد المنصهرة مسببة ً ما يعرف بظاهرة انجراف القارات ، كما ويوجد في قيعان المحيطات بقع ساخنة تنبعث منها المواد المنصهرة و هذه البقع هي المسؤولة عن تكوين الجزر البركانية كجزيرة هاواي في المحيط الهادي ، و بالتالي يمكن اعتبار النار موجودة في قاع البحر أيضا ً، و هذه النار الموجودة في قيعان المحيطات هي التي أقسم الله تعالى بها في قوله : (( و البحر المسجور )) [ الطور / 6 ] ...
و لكن الإعجاز النبوي في هذا الحديث لا يتوقف عند هذا الإخبار المذهل فحسب ، فيخبر رسول الله – عليه الصلاة و السلام – بوجود بحر تحت هذه النار و هذا البحر هو المحيط الهادىء الذي يغطي تقريبا ً نصف مساحة سطح الكرة الأرضية ...
و إذا قمنا بتطبيق هاتان الحقيقتان بالترتيب سنجد أن في هذا الحديث إشارة قطعية الى حقيقة أخرى و هي كروية الأرض ، فعندما نطبق هذا الحديث بالنسبة لنا – و هذه هي الحالة الطبيعية – سنبدأ بأي بحر من بحار العالم القديم ثم سنغوص في أعماق الأرض لنصل الى الستار و اللب حيث النار التي يخبرنا عنها رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ثم نصل بعدها الى المحيط الهادىء الذي عبر عنه رسول الله – صلى الله عليه و سلم – بقوله : (( و تحت النار بحر )) .
صدق الله العظيم و صدق رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى
ذكرت كلمة بحر في القرآن 32 مرة ، و ذكرت كلمة أرض في القرآن 13 مرة ، فتكون النسبة المئوية لعدد مرات ذكر كلمة بحر إلى مجموع ذكر كلمتي بحر و أرض =( 32 ÷ 45 ) × 100 % = 71.1، و تكون النسبة المئوية لعدد مرات ذكر كلمة أرض بالنسبة إلى مجموع ذكر كلمتي بحر و أرض = ( 13 ÷ 45 ) × 100 % = 28.8، و هذه هي النسب الفعلية لمساحة المسطحات المائية و اليابسة على سطح الأرض !!!
السماوات عددها سبع و الشمس عدد طبقاتها سبع و الغلاف الجوي عدد طبقاته سبع
و الأرض عدد طبقاتها سبع و عدد أغلفة الذرة سبعة
فسبحان الله العظيم خالق كل شيء
تعليق