إن التعصب شر في ذاته حتى لو كان من أجل الخير .
منذ عشر سنوات قال كارل بوبر عن التعصب Prejudice أنه :" إثم دائما ، وأن من واجبنا أن نعارضه في شتى صوره ، حتى عندما لا يكون ثمة إعتراض أخلاقي على أهدافه ذاتها ، بل و على وجه الخصوص عندما تتفق أهدافه مع أهدافنا نحن الشخصية ، إن هناك درسان من أهم الدروس التي يجب أن نتعلمها من التاريخ : الأول أن التعصب مرض خطير ، و الثاني أن واجبنا --هو أن نعارضه تحت كل الظروف " ، هكذا إذا يرى بوبر فيلسوف الليبرالية الأشهر أن التعصب شر في ذاته حتى لو كان من أجل الخير ، و لكن ليس كل من عاش في القرن العشرين هو كارل بوبر ، كان هناك هتلر و ستالين و بول بوت و أسامه بن لادن .
التعصب مرض عقلي .
إن التعصب ليس ظاهرة طارئة و لكنه مرض نفسي إجتماعي قديم قدم التاريخ الإنساني ، وهو يعد من أخبث الأمراض العقلية التي تصيب المجتمعات المتقدمة و المتخلفة على السواء ، هذا المرض ضحاياه بالملايين ، هل تعلم أن ضحايا التعصب من عام 1945 إلى اليوم يزيدون عن (16) مليون نسمة ، وهو رقم يفوق ضحايا الحروب الدولية ، وهناك دراسة توضح أنه في الفترة (1945-1967) تم تسجيل 34 حادثة تعصب دموية بشعة و مئات من المآسي الأقل حدة ، تسببت جميعها في مقتل (7.480.000 ) نسمة . رغم أن التعصب هو جريمة في معظم دساتير العالم إلا أنه يمارس على نطاق واسع و غالبا كمكون أساسي للدين و الثقافة ، حتى يمكننا أن نطلق على القرن 20 قرن التعصب ، إننا لن نستطيع حصر حوادث التعصب ،و لكنا نستطيع أن نتذكر أشهرها ، الهولوكست ضد اليهود في عالم النازية ، جرائم اليهود ضد الفلسطينيين ، التصفيات العرقية ضد المسلمين في البوسنة و كوسوفو ، مأساة التوتسي و الهوتو في بوروندي ، التصفيات العرقية في جنوب و غرب السودان ، التقاتل الطائفي في العراق ، العنصرية ضد الزنوج في أمريكا و جنوب إفريقيا ، صراع الكاثوليك و البروتستانت في أولستر ، جرائم الإسلاميين في الجزائر و السعودية و مصر ، و غيرها كثير جدا .
أما على المستوى الشخصي فالمتعصب هو إنسان مضطرب نفسيا إضطرابا لا شعوريا ، و التعصب يؤدي إلى التنفيس عما يختلج في نفسه ، وهكذا فالمتعصب يجني كسبا نفسيا من تعصبه ، و لكنه كسب وهمي يشبه الكسب الذي يجنيه السيكوباتي من سلوكه الشاذ ، هذا الكسب يصرفه عن علاج مشاكله حلا واقعيا ،و يشعر المتعصب دائما بالقلق و عدم الأمان ،وهناك عالم شهير هو بلاند Blandيؤكد أن هناك علاقة بين التعصب و المرض العقلي خاصة البارانويا ، و أن البناء النفسي للمتعصب يشبه البناء الخاص بالبارانويدي و يماثله كنمط شخصية ، هذه الشخصية تميل إلى أن تزيح إلى العالم الخارجي المعارك التي تشعر بها داخلها ، نتيجة التصارع بين رغبات الهو Id (الجانب المظلم البدائي من اللاشعور وهو غريزي المصدر ) و كوابح الأنا العليا Super Ego ( الجهاز القيمي الراقي وهو إجتماعي المصدر ) وفقا لمدرسة التحليل السيكولوجي لفرويد و تلاميذه . بالطبع ليس دائما كل متعصب هو مريض نفسي ، أو كل مريض نفسي هو متعصب ،و لكن يشير علماء النفس أن معدلات المرض العقلي تزيد في المناطق التي تشيع بين أفرادها التعصب الديني و العنصري ، و أن التعصب يوجد غالبا بين من يعانون من ضعف أو خلل في الصحة النفسية (وهي ليست بالضرورة مرضا نفسيا ) ،وهناك عالم نفس شهير هو البورت يؤكد أن البارانويا تمثل التعصب الباثولوجي .
التعصب و القرن 21 .
بالرغم من التطور العلمي و شيوع النظم الديمقراطية إلا أن ذلك لم يؤد إلى ضمور الإتجاهات التعصبية بل إلى زيادتها ، و تشير التوقعات إلى أن القرن 21 سيشهد مزيدا من شرور التعصب و عمليات الإبادة الجماعية ، ويتوقع هينتنجتون أننا على وشك عصر جديد مظلم من الكراهية القبلية فيما سماه ( صراعات و حروب خطوط التقسيم الحضاري ) ، هناك عوامل متعددة جديدة تصب في خانة التعصب منها العولمة المتغولة و التي تؤدي إلى تزايد العصبيات القومية و الدينية و الإثنية كمحاولة للحفاظ على الهوية من الضياع ، هناك أيضا من يتخوف من إعادة بعث الحركات الفاشية المتعصبة في أوروبا و إنتشارها إلى أمريكا .
هكذا نجد أن أمامنا مشكلة متعددة الأبعاد نفسية و معرفية ،ومما يزيد من خطورتها انها أصبحت تعصف كالإعصار بمنطقة الشرق الأوسط الذي نعيش فيه ،.
1. تعريف و مدخل التعصب .
2. مفهوم التعصب خلال علم النفس الفردي و علم نفس الجماعات و النظريات المعرفية .
3. نشأة و صور التعصب .
4. العلاقة بين التعصب و التمييز ,
5. التعصب و الأفكار النمطية و تمييز الذات .
6. التعصب المضاد .
7. دراسة حالات من التعصب المعاصر مثل الوهــابية و الصهيونية و الإخوانية و الأصولية الشيعية .... الخ .
للموضوع بقية ..
" المقال منقول عن الزميل بهجت "
تعليق