إنها شبهة أثارها أعداء الإسلام بهدف التشكيك في صدق نبينا عليه الصلاة والسلام، فقالوا إن الشمس تجري بقوانين كونية محكمة، ومع أننا نراها تغرب وتتحرك إلا أن الحقيقة أن الأرض هي التي تدور حولها. لقد شككوا بصدق حديث النبي الأعظم عندما قال لأبي ذر حين غربت الشمس: (أتدري أين تذهب)، فيقول أبو ذر: الله ورسوله أعلم، فيقول الحبيب: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس: 38]، والحديث رواه البخاري.
إن المؤمن يؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله، وأول صفة للمتقين أوردها الله في كتابه هي: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة: 2]، فقد حدثنا الله عن كثير من الأشياء الغيبية مثل الجن والملائكة والقيامة والجنة والنار ومعجزات الأنبياء، وكل هذه الأشياء لا يوجد إثبات علمي ملموس عليها، فهل ننكرها كما يفعل الملحدون؟
إن العلم لم يصل إلى نهايته، بل كلما كشف العلماء حقيقة علمية جديدة زاد إحساسهم بجهلهم أكثر وتبين لهم أن الكون أعقد مما كانوا يظنون، وقد يكشف العلماء حقائق حول سجود الشمس في المستقبل، وبالتالي نكون أمام دليل مادي ملموس على صدق قول النبي عليه الصلاة والسلام.
لقد أراد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يذكرنا بأن هذه الشمس هي مخلوق من مخلوقات الله يسجد له ولا يعصي أمره، لقد صحح المعتقدات السائدة في زمنه حيث كان الناس يعتقدون أن الشمس هي إله فيسجدون لها. ولو كان النبي يريد الشهرة أو المال كما يدَّعون لكان الأجدر به أن يقرَّ قومه على شركهم وعقيدتهم الفاسدة في ألوهية الشمس، ولكنه رسول من عند الله.
كما قال الجهبد الإمام الخطابي – كما نقله الحافظ في الفتح - رحمه الله يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن...وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سير
وقال الطيبي رحمه الله - كما نقله صاحب تحفة الأحوذي - بشأن حقيقة الاستقرار وأما قوله مستقرها تحت العرش فلا يُنكَر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده , وإنما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه . لأن علمنا لا يحيط به
أخوتي الأحباب لماذا التجرؤ آلا يكفينا الرجوع إلى سلفنا وساداتنا العلماء
وهاك أخي بحث قيم في الموضوع
يقول علي ابن نايف الشحود حفظه الله في كتاب الرد على شبهات أعداء الاسلام
حقيقة سجود الشمس: فباعتمادنا على الحساب وحده نحن نجهل حقيقة الواقع "الحسي" لحركة الشمس فصار عندنا الآن جهلين بحقيقة شيئين: جهل بحقيقة العرش الذي يحصل السجود تحته وجهل بحقيقة حركة الشمس الفاعلة للسجود. وبناءً على هاتين المقدمتين يقال: يكفي في سجود الشمس واستئذانها القول بأن عدم العلم ليس بدليل على العدم وهي قاعدة مشهورة وأكثر عمل الجهال على خلافها ، فعدم الوقوف على حقيقة سجودها واستئذانها لا يلزم منه نفي إمكان السجود والاستئذان ، ولذلك يقال لمن ارتاب : إذا أوضحت لنا حقيقة سجود الشمس والقمر والنجوم والشجر في قوله تعالى : (الم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب) نقول إذا استطعت أن توضح لنا حقيقة ذلك فانتقل إلى إيضاح حقيقة الأخص وهو سجود الشمس تحت العرش ذلك أن تفسير الأعم في الأغلب أيسر من تفسير الأخص لما يكتنف الأخص من التقييدات والتحرزات التي لا يتفطن لها كثير من أرباب العلوم فضلاً عن عوام الناس. فالجاهل يراها من المستحيلات الممتنعات ، والأعلم منه يراها من المحارات الممكنات ، والناس بين هؤلاء وهؤلاء درجات. والحق أن الله قد اختص كل مخلوق بسجود يناسب هيئته وخِلقته لا يشترك فيه مع غيره إلا بموجب الاشتراك اللفظي لا الاشتراك الفعلي الحقيقي المطابق للفعل والهيئة ، وقد أخبرنا الله تعالى أن الشجر يسجد مع كونه أمام ناظرنا صباحاً ومساءً بل يقطف ثمره ويجلس في ظله ومع ذلك لا نقول الشجر لا يسجد. مع أن هذا أدعى للاستنكار لقرب الشجر منا وملامستنا له و رؤيتنا له على الدوام وأكلنا من ثمره. فدل هذا على جهل بني آدم بحقيقة سجود هذه المخلوقات و حقيقة تسبيحها لله عز وجل ، قال تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) فحسم الخلاف وقطع الريب والجدال بنفي قدرتنا على إدراك حقيقة التسبيح ، فيصبح السؤال عن ذلك من أشد التكلف. فإذا استقرت هذه المسألة في الأذهان انقطع المستشكل عن بحث ما وراء ذلك والخوض فيه إذ كيف يُتوصل إلى نتيجة صحيحة دون القطع بفهم حقيقة مقدمات تلك النتيجة وهو الأمر المنتفي هنا. ومن المعلوم أن صحة النتيجة هو ملزوم صحة المقدمات و صحة المقدمات هو ملزوم صحة إدراك وفهم المقدمات. فاتهام الرأي البشري المحدود المتقلب يأتي قبل اتهام الحقائق الخارجية التي لا تتغير ولا تتبدل (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا).
ما المراد بالغروب المذكور في الحديث ؟
الذي يظهر أن معنى "الغروب" قد التبس على قوم فظنوا أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم (أتدري أين تغرب) هو التواري التام عن نظر جميع أهل الأرض وأن هذا من لوازم السجود المذكور ولفظ الحديث لا يومئ إلى هذا ولا يدل عليه فضلاً عن أن يكون من لوازم لفظ الغروب. والحق أن المراد بالغروب الذهاب لا الغياب التام كما فسرته لفظة الرواية الأخرى وهو قوله صلى الله عليه وسلم (أتدري أين تذهب) وهذا معنى صحيح من حيث اللغة وهو مستعمل عند العرب ، قال ابن منظور "غرب القوم غرباً (أي) ذهبوا" ، كما أن باقي الحديث في روايات فيه "إنها تذهب..." وفائدة لفظة الذهاب أنها تتضمن معنى الحركة فما من ذاهب إلا وهو متحرك. صحيح أن الشمس "تغرب" عن نظر قوم ولكن هذا بالنسبة إليهم ولذلك يجب التفريق بين حقيقة "الغروب" ومجرد "رأي العين" ، كما في قوله تعالى (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) وهذا صحيح برأي البصر ولذلك نسب المرئي إلى من يراه فقال "وجدها". قال الإمام القرطبي – رحمه الله : (( قال القفال قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا وصل إلى جرمها ومسها ; لأنها تدور مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض , وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض , بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة , بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق , فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة , كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض ; ولهذا قال : " وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا " ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم , بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم . وقال القتبي : ويجوز أن تكون هذه العين من البحر , ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها , فيقام حرف الصفة مقام صاحبه والله أعلم)) أ.هـ.
الذي يظهر أن معنى "الغروب" قد التبس على قوم فظنوا أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم (أتدري أين تغرب) هو التواري التام عن نظر جميع أهل الأرض وأن هذا من لوازم السجود المذكور ولفظ الحديث لا يومئ إلى هذا ولا يدل عليه فضلاً عن أن يكون من لوازم لفظ الغروب. والحق أن المراد بالغروب الذهاب لا الغياب التام كما فسرته لفظة الرواية الأخرى وهو قوله صلى الله عليه وسلم (أتدري أين تذهب) وهذا معنى صحيح من حيث اللغة وهو مستعمل عند العرب ، قال ابن منظور "غرب القوم غرباً (أي) ذهبوا" ، كما أن باقي الحديث في روايات فيه "إنها تذهب..." وفائدة لفظة الذهاب أنها تتضمن معنى الحركة فما من ذاهب إلا وهو متحرك. صحيح أن الشمس "تغرب" عن نظر قوم ولكن هذا بالنسبة إليهم ولذلك يجب التفريق بين حقيقة "الغروب" ومجرد "رأي العين" ، كما في قوله تعالى (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) وهذا صحيح برأي البصر ولذلك نسب المرئي إلى من يراه فقال "وجدها". قال الإمام القرطبي – رحمه الله : (( قال القفال قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا وصل إلى جرمها ومسها ; لأنها تدور مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض , وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض , بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة , بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق , فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة , كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض ; ولهذا قال : " وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا " ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم , بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم . وقال القتبي : ويجوز أن تكون هذه العين من البحر , ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها , فيقام حرف الصفة مقام صاحبه والله أعلم)) أ.هـ.
وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله : ((وقوله : " وجدها تغرب في عين حمئة " أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه)) أ.هـ.
ومثله قول الناس "غابت الشمس في الأفق" مع أنها لا تغيب في الأفق حقيقة وإنما تتوارى عنا من وراء الأفق لا فيه لأن الشمس أكبر من الأرض بمئات المرات فكيف تغيب في أفق الأرض الصغير جداً ؟ كما أنها خارج محيط الأرض بل تبعد عنها آلاف الكيلومترات فكيف تغيب في الأفق ؟ ومع ذلك نقول غابت في الأفق من باب التجوز لا على وجه الحقيقة.
فالخلاصة أن المراد بلفظ "الغروب" في الحديث الذهاب والسير والجريان كما هو مفسر في الرواية الأخرى وكما هو مستعمل في لغة العرب وكما جاء في قوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها) ، فالغروب في حقيقته ليس إلا جريان الشمس وليس للشمس مغرب حقيقي ثابت ، قال الإمام ابن عاشور – رحمه الله : ((والمراد بـ { مَغْرِبَ الشَّمْسِ } مكان مغرب الشمس من حيث يلوح الغروب من جهات المعمور من طريق غزوته أو مملكته. وذلك حيث يلوح أنه لا أرض وراءه بحيث يبدو الأفق من جهة مستبحرة، إذ ليس للشمس مغرب حقيقي إلا فيما يلوح للتخيل)). أ.هـ.
و قد بين ذلك عليه الصلاة والسلام فقال :" فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش" كما عند البخاري وغيره. ولم يقل عليه الصلاة والسلام أنها "تغرب تحت العرش" أو يقل "حتى تغرب تحت العرش" ، وهذا وهم توهمه بعض الناس الذين أشكل عليهم معنى هذا الحديث وهو مردود لأن ألفاظ الحديث ترده. فقوله:"تذهب" دلالة على الجريان لا دلالة على مكان الغروب لأن الشمس لا تغرب في موقع حسي معين وإنما تغرب في جهة معينة وهي ما اصطلح عليه الناس باسم الغرب والغروب في اللغة التواري والذهاب كما ذكره ابن منظور وغيره يقال غرب الشيء أي توارى وذهب وتقول العرب أغرب فلان أي أبعد وذهب بعيداً عن المقصود.
و قد بين ذلك عليه الصلاة والسلام فقال :" فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش" كما عند البخاري وغيره. ولم يقل عليه الصلاة والسلام أنها "تغرب تحت العرش" أو يقل "حتى تغرب تحت العرش" ، وهذا وهم توهمه بعض الناس الذين أشكل عليهم معنى هذا الحديث وهو مردود لأن ألفاظ الحديث ترده. فقوله:"تذهب" دلالة على الجريان لا دلالة على مكان الغروب لأن الشمس لا تغرب في موقع حسي معين وإنما تغرب في جهة معينة وهي ما اصطلح عليه الناس باسم الغرب والغروب في اللغة التواري والذهاب كما ذكره ابن منظور وغيره يقال غرب الشيء أي توارى وذهب وتقول العرب أغرب فلان أي أبعد وذهب بعيداً عن المقصود.
إذا تقرر هذا اتضح معنى آخر وهو أن الشمس لا تسجد تحت العرش عند كل غروب تغربه عن أنظار كل بلد ، فإن هذا هو اللبس الذي ينشأ عند من فهم أن الشمس تسجد عند كل غروب يراه أهل كل قطر ، ولو كان الأمر كذلك لكانت ساجدة على الدوام ولاستنكر أهل الأرض ذلك ، ولذلك جاءت فائدة الاحتراز من هذا الاحتمال في رواية مسلم (ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا) . والشمس إنما تسجد مرة واحدة وذلك عند محاذاتها لباطن عرش الرحمن، كما أشار إلى ذلك ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية. ويؤيد هذا قول الحافظ ابن حجر في الفتح (قلت (الحافظ) : وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري . والله أعلم ).
قلت: وقول الحافظ (كل يوم وليلة) أي كل أربع وعشرين ساعة وهي فترة دوران الشمس حول الأرض دورة كاملة (أو على قول من يؤول الأدلة ويرى ثبات الشمس: فترة دوران الأرض حول نفسها دورة كاملة).
ولذلك قال الإمام الخطابي – كما نقله الحافظ في الفتح - رحمه الله (يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن...وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها).
وعند محاذاتها لباطن العرش فإنها تكون عندئذٍ مقابل سمت أو حد من الأرض يحدث عند مواجهته السجود المذكور. ولكن هذا السمت أو الحد أو المنتهى - كما قال الإمام ابن عاشور- لا قِبَل للناس بمعرفة مكانه. قال رحمه الله في "التحرير والتنوير" في تفسير قوله تعالى "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم": ((وقد جعل الموضع الذي ينتهي إليه سيرها هو المعبر عنه بتحت العرش وهو سمت معيّن لا قبل للناس بمعرفته، وهو منتهى مسافة سيرها اليومي، وعنده ينقطع سيرها في إبان انقطاعه وذلك حين تطلع من مغربها، أي حين ينقطع سير الأرض حول شعاعها لأن حركة الأجرام التابعة لنظامها تنقطع تبعاً لانقطاع حركتها هي وذلك نهاية بقاء هذا العالم الدنيوي)) ا.هـ.
وقال الحافظ – رحمه الله - في الفتح في شأن المحاذاة التحتية (وأما قوله " تحت العرش " فقيل هو حين محاذاتها . ولا يخالف هذا قوله : ( وجدها تغرب في عين حمئة ) فإن المراد بها نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب)
وقال الطيبي رحمه الله - كما نقله صاحب تحفة الأحوذي - بشأن حقيقة الاستقرار (وأما قوله مستقرها تحت العرش فلا يُنكَر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده , وإنما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه . لأن علمنا لا يحيط به(.
وهذا السمت أو الحد أو المنتهى المعبر عنه في الحديث بحرف "حتى" للدلالة على الغاية والحد فهو كالسمت (ولا أقول هو السمت الذي في الحديث) الذي نصبه الجغرافيون على الخارطة الأرضية ويسمونه خط الطول الممتد من أقصى شمال الأرض إلى أقصى جنوبها فإذا حاذت الشمس هذا السمت الذي هو منتهى سيرها اليومي مع محاذاتها في ذات الوقت لمركز باطن العرش فإنها تسجد سجودا على الكيفية التي لا يلزم منها أن توافق صفة سجود الآدميين وعلى هيئة لا تستلزم استنكار الناس من أمرها شيئا كما جاء في الحديث (ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا).
قلت: وقول الحافظ (كل يوم وليلة) أي كل أربع وعشرين ساعة وهي فترة دوران الشمس حول الأرض دورة كاملة (أو على قول من يؤول الأدلة ويرى ثبات الشمس: فترة دوران الأرض حول نفسها دورة كاملة).
ولذلك قال الإمام الخطابي – كما نقله الحافظ في الفتح - رحمه الله (يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن...وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها).
وعند محاذاتها لباطن العرش فإنها تكون عندئذٍ مقابل سمت أو حد من الأرض يحدث عند مواجهته السجود المذكور. ولكن هذا السمت أو الحد أو المنتهى - كما قال الإمام ابن عاشور- لا قِبَل للناس بمعرفة مكانه. قال رحمه الله في "التحرير والتنوير" في تفسير قوله تعالى "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم": ((وقد جعل الموضع الذي ينتهي إليه سيرها هو المعبر عنه بتحت العرش وهو سمت معيّن لا قبل للناس بمعرفته، وهو منتهى مسافة سيرها اليومي، وعنده ينقطع سيرها في إبان انقطاعه وذلك حين تطلع من مغربها، أي حين ينقطع سير الأرض حول شعاعها لأن حركة الأجرام التابعة لنظامها تنقطع تبعاً لانقطاع حركتها هي وذلك نهاية بقاء هذا العالم الدنيوي)) ا.هـ.
وقال الحافظ – رحمه الله - في الفتح في شأن المحاذاة التحتية (وأما قوله " تحت العرش " فقيل هو حين محاذاتها . ولا يخالف هذا قوله : ( وجدها تغرب في عين حمئة ) فإن المراد بها نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب)
وقال الطيبي رحمه الله - كما نقله صاحب تحفة الأحوذي - بشأن حقيقة الاستقرار (وأما قوله مستقرها تحت العرش فلا يُنكَر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده , وإنما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه . لأن علمنا لا يحيط به(.
وهذا السمت أو الحد أو المنتهى المعبر عنه في الحديث بحرف "حتى" للدلالة على الغاية والحد فهو كالسمت (ولا أقول هو السمت الذي في الحديث) الذي نصبه الجغرافيون على الخارطة الأرضية ويسمونه خط الطول الممتد من أقصى شمال الأرض إلى أقصى جنوبها فإذا حاذت الشمس هذا السمت الذي هو منتهى سيرها اليومي مع محاذاتها في ذات الوقت لمركز باطن العرش فإنها تسجد سجودا على الكيفية التي لا يلزم منها أن توافق صفة سجود الآدميين وعلى هيئة لا تستلزم استنكار الناس من أمرها شيئا كما جاء في الحديث (ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا).
فائدة من كتاب "الأنوار الكاشفة":
وجدت للعلامة عبدالرحمن المعلمي رحمه الله في كتابه الثمين "الأنوار الكاشفة" توجيهاً مفيداً لمعنى الحديث ، وحديث سجود الشمس قد طعن فيه أبو ريّة في كتابه المسمى ب "أضواء على السنة" ، وكان مما سطره المعلمي ضمن ردّه هذه الفائدة الحديثية ، قال رحمه الله (وهناك رواية البخاري عن الفرباني عن الثوري عن الأعمش بنحو رواية أبي معاوية إلا أنه قال (( تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن.. )) ونحوه بزيادة في رواية لمسلم من وجه آخر عن إبراهيم التيمي وقال (( حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة.. . )) ، فقد يقال لعل أصل الثابت عن أبي ذر الحديثان الأولان، ولكن إ براهيم التيمي ظنّ اتفاق معناها فجمع بينهما في الرواية الثالثة، وقد يقال: بل هو حديث واحد اختصره وكيع على وجه وأبو معاوية على آخر، والله أعلم)
إلى أن قال في آخر كلامه (أقول: فلم يلزم مما في الرواية الثالثة من الزيادة غيبوبة الشمس عن الأرض كلها، ولا استقرارها عن الحركة كل يوم بذاك الموضع الذي كتب عليها أن تستقر فيه متى شاء ربها سبحانه).أ.هـ.
إلى أن قال في آخر كلامه (أقول: فلم يلزم مما في الرواية الثالثة من الزيادة غيبوبة الشمس عن الأرض كلها، ولا استقرارها عن الحركة كل يوم بذاك الموضع الذي كتب عليها أن تستقر فيه متى شاء ربها سبحانه).أ.هـ.
وأما من جهة الدلالة اللغوية و الشرعية للحديث فإن السجود في اللغة يأتي بمعنى الخضوع كما ذكره ابن منظور وغيره. وحمّله – بتشديد الميم - بعض المفسرين المذكور في قوله تعالى في آية الحج:" ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل ما يشاء " قال ابن كثير رحمه الله :" يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرها وسجود كل شيء مما يختص به" ا.هـ. وعليه فسجود الشمس مما يختص بها ولا يلزم أن يكون سجودها كسجود الآدميين كما أن سجودها متحقق بخضوعها لخالقها وانقيادها لأمره وهذا هو السجود العام لكل شيء خلقه الله.
ولكن لو قال قائل:"هل تنتفي صفة السجود عن الشمس إذا كانت لا تسجد إلا تحت العرش فلا تكون خاضعة إلا عند سجودها تحت العرش وفي غير ذلك من الأحايين لا تكون؟
والجواب أن الشمس لها سجدتان: سجود عام مستديم وهو سجودها المذكور في آية الحج السابقة و آية النحل (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ) مع سائر المخلوقات ، وسجود خاص يتحقق عند محاذاتها لباطن العرش فتكون ساجدة تحته وهو المذكور في الحديث وفي كلا الحالتين لا يلزم من سجودها أن يشابه سجود الآدميين لمجرد الاشتراك في لفظ الفعل الدال عليه. ومن أمثلة ذلك أن مشي الحيوان ليس كمشي الآدمي وسباحة السمك والحوت ليست كسباحة الإنسان وهكذا ، مع أنهم يشتركون في مسمى الفعل وهما المشي والسباحة.
ومع أن الشمس و المخلوقات بأجمعها تحت العرش في كل وقت إلا أنه لا يلزم أن تكون المخلوقات بأجمعها مقابلة لمركز باطن العرش لأن العرش كالقبة على السماوات والمخلوقات ، والشمس في سجودها المخصوص إنما تحاذي مركز باطن العرش فتكون تحته بهذا الاعتبار كما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية بشأن المحاذاة التحتية للعرش ، وكما قرره ابن تيمية رحمه الله في فتاواه وسائر أئمة أهل السنة من حيث أن العرش كالقبة وهو معلوم من حديث الأعرابي الذي أقبل يستشفع بالرسول صلى الله عليه وسلم وقصته مشهورة ثابتة.
ولكن لو قال قائل:"هل تنتفي صفة السجود عن الشمس إذا كانت لا تسجد إلا تحت العرش فلا تكون خاضعة إلا عند سجودها تحت العرش وفي غير ذلك من الأحايين لا تكون؟
والجواب أن الشمس لها سجدتان: سجود عام مستديم وهو سجودها المذكور في آية الحج السابقة و آية النحل (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ) مع سائر المخلوقات ، وسجود خاص يتحقق عند محاذاتها لباطن العرش فتكون ساجدة تحته وهو المذكور في الحديث وفي كلا الحالتين لا يلزم من سجودها أن يشابه سجود الآدميين لمجرد الاشتراك في لفظ الفعل الدال عليه. ومن أمثلة ذلك أن مشي الحيوان ليس كمشي الآدمي وسباحة السمك والحوت ليست كسباحة الإنسان وهكذا ، مع أنهم يشتركون في مسمى الفعل وهما المشي والسباحة.
ومع أن الشمس و المخلوقات بأجمعها تحت العرش في كل وقت إلا أنه لا يلزم أن تكون المخلوقات بأجمعها مقابلة لمركز باطن العرش لأن العرش كالقبة على السماوات والمخلوقات ، والشمس في سجودها المخصوص إنما تحاذي مركز باطن العرش فتكون تحته بهذا الاعتبار كما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية بشأن المحاذاة التحتية للعرش ، وكما قرره ابن تيمية رحمه الله في فتاواه وسائر أئمة أهل السنة من حيث أن العرش كالقبة وهو معلوم من حديث الأعرابي الذي أقبل يستشفع بالرسول صلى الله عليه وسلم وقصته مشهورة ثابتة.
والخلاصة أن سجود الشمس على المعنى الذي ذكرناه غير ممتنع أبدا ولا يخالف الحديث صريح العقل إنما قد يخالف ما اعتاد عليه العقل ومألوفه وهذا ليس معياراً تقاس به الممكنات الكونية فضلاً عن الممكنات الشرعية لأن الله على كل شيء قدير ولأن المألوفات نسبية باعتبار منشأ الناس واختلاف عقولهم وعلومهم. والسامع مثلاً لما تخرج به فيزياء الكم من العجائب والأسرار كمبدأ اللاحتمية لهايزنبرج وتجربة شرودنجر ونظرية العوالم المتناظرة وغيرها من الظواهر المحيرة للعقول – وإن كان هذا ليس موضع تفنيدها - يوقن بأن لله حكم بالغة يطلع من يشاء عليها ويستأثر بما يشاء عنده، قال تعالى:"ويخلق ما لا تعلمون" ، وقال تعالى:"والله يعلم وأنتم لا تعلمون" ، وقال:"وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" . والإنسان الأصل فيه الضعف والجهل ، قال تعالى:"وخلق الإنسان ضعيفا" وقال في آية الأحزاب:"إنه كان ظلوما جهولا" ولذلك فابن آدم يسعى على الدوام لدفع ذلك عن نفسه بطلب ضديهما وهما القوة والعلم ، فإن انكشف له بموجب ذلك شيء فهذا بتوفيق الله وما استغلق و خفي ودق فلله الأمر من قبل ومن بعد. وكما قدمنا فإن سجود الشمس لا يستلزم توقفها ووقوفاً يحصل بسببه استنكار الناس و هو اللبس الذي أزاله صلى الله عليه وسلم بقوله:" فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا" وحرف "الفاء" في قوله "فتصبح" للتعقيب الذي بدوره يفيد معنى السرعة ومن لوازم السرعة تقلص الوقت وضآلته فيكون سجودها حاصل في وقت قصير للغاية ولو في جزء من الثانية يضمحل في فرق الثمان دقائق الذي تستغرقه رحلة الضوء من الشمس إلى الأرض ، والثمان دقائق عبارة عن 480 ثانية فهل يمتنع حصول سجود من الشمس في هذه الفترة ؟ بل إن سجودنا في جميع الصلوات الخمس لا يبلغ مجموع فترته 180 ثانية في غالب الأحوال مع أنه يصح أن يحصل فعل السجود بإيقاع سجدة واحدة ويسمى فاعلها ساجداً ولو لم يسجد إلا بتسبيحة واحدة صح أن يسمى سجوداً عند الحنابلة ، بل حتى ولو لم يطمئن في سجوده ذلك لصح أن يسمى سجودا وفاقاً للحنفية.
ولو قال قائل:"نقبل منك صحة السجود دون أن يلزم منه وقوف الشمس ولكن الشمس لابد أن تقف لأن هذا لازم الخرور والاستئذان وإن لم يكن لازم السجود؟" والجواب عليه:
حتى لو لزم من الخرور والاستئذان توقف الشمس فإنه لا يلزم من ذلك وقوفها وقوفاً يلاحظه الناس كما قدّمنا ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:" ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا ". كما أن في الحديث نكتة ربما خفيت على البعض وهي أن مقدار وقوفها لم ينص عليه الحديث ولذلك فلا يمنع أن يكون وقوفها للخرور والاستئذان حاصل في ثوانٍ أو أجزاء من الثانية وهذه الثوان تضمحل في فرق الثمان دقائق الذي يفصل بيننا وبين الشمس فلا يمكن ملاحظة فترة السجود حينئذٍ ، هذا للشخص الملاحظ ، فكيف بالبشرية المشغولة بضيعات الدنيا ، النائمة في النهار المستيقظة في الليل !. وهذا ممكن و صحيح شرعاً وعقلاً وطبعاً. فنجد أن الذي يسجد بتسبيحة واحدة قد صح منه السجود وأجزأه كما لو سجد آخر وأتى بأكثر من ألف تسبيحة ، والشاهد أن السجود وما يترتب عليه من خرور ويتبعه من استئذان لا يلزم من ذلك كله أن نبتدع له مقداراً معيناً من الوقت أو هيئة مجعولة اعتماداً على المستقر في معهودنا الذهني لأن الحديث أبهم وأطلق المقدار الزمني لهذه الأفعال ولذلك فلا يمنع حدوثها في وقت قصير للغاية كما ذكرنا. وعلى الذين يتوقعون من سجود الشمس تطويلاً ملحوظاً أن يأتوا بالدليل المقيد لإطلاق الحديث ، مع أن الدليل يعوزهم ولا دليل عندهم سوى الظن المجرد من القرائن الصحيحة وهو الظن المذموم الذي ذمه الله في القرآن (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس).
حتى لو لزم من الخرور والاستئذان توقف الشمس فإنه لا يلزم من ذلك وقوفها وقوفاً يلاحظه الناس كما قدّمنا ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:" ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا ". كما أن في الحديث نكتة ربما خفيت على البعض وهي أن مقدار وقوفها لم ينص عليه الحديث ولذلك فلا يمنع أن يكون وقوفها للخرور والاستئذان حاصل في ثوانٍ أو أجزاء من الثانية وهذه الثوان تضمحل في فرق الثمان دقائق الذي يفصل بيننا وبين الشمس فلا يمكن ملاحظة فترة السجود حينئذٍ ، هذا للشخص الملاحظ ، فكيف بالبشرية المشغولة بضيعات الدنيا ، النائمة في النهار المستيقظة في الليل !. وهذا ممكن و صحيح شرعاً وعقلاً وطبعاً. فنجد أن الذي يسجد بتسبيحة واحدة قد صح منه السجود وأجزأه كما لو سجد آخر وأتى بأكثر من ألف تسبيحة ، والشاهد أن السجود وما يترتب عليه من خرور ويتبعه من استئذان لا يلزم من ذلك كله أن نبتدع له مقداراً معيناً من الوقت أو هيئة مجعولة اعتماداً على المستقر في معهودنا الذهني لأن الحديث أبهم وأطلق المقدار الزمني لهذه الأفعال ولذلك فلا يمنع حدوثها في وقت قصير للغاية كما ذكرنا. وعلى الذين يتوقعون من سجود الشمس تطويلاً ملحوظاً أن يأتوا بالدليل المقيد لإطلاق الحديث ، مع أن الدليل يعوزهم ولا دليل عندهم سوى الظن المجرد من القرائن الصحيحة وهو الظن المذموم الذي ذمه الله في القرآن (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس).
هذه مسألة ، أما المسألة الثانية فهي أنه لا يلزم من خرور الشمس وكذا الارتفاع كما في الحديث عند مسلم:"حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت" ، أقول لا يلزم من خرور الشمس أن تنزل نزولاً أو ترتفع ارتفاعاً يحصل بسببه استنكار الناس ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نفى هذا اللازم المتوهم بنفي ملزومه فقال ( ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا) فلما نفى المُسبَب – بضم الميم وفتح الباء المعجمة الأولى – الذي هو استنكار الناس استلزم ذلك نفي ما يسببه وهو ظهور ما يسبب الاستنكار من أمر سجود الشمس.
إذاً فالحديث أطلق كما هو ظاهر ولم يذكر مقدار مسافة الخرور ولم يعين مقدار مسافة الارتفاع بل لم يتعرض لوصف كيفية الخرور كما أنه لم يعين مقدار زمن سجودها. ولنضرب على ذلك مثالاً: أليس يصح السجود بالإيماء البسيط الذي لا يكاد يرى من المريض الذي لا يستطيع الحراك؟ فهذا الذي يوميء بالسجود إيماء حتى ولو كان يسيراً جداً يصح سجوده ويقع منه ويسمى سجوداً مع أنه مخالف للأصل الذي هو مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة ، و اليدين ، و الركبتين ، و أطراف القدمين ، و لا نكفت الثياب ، و لا الشعر) ، فكيف إذا علمنا أن سجود الشمس بطبعه مختلف ويرد على صفته وهيئته من الممكنات والاحتمالات ما لا يرد ولا ينطبق على سجود الآدمي وما يباين ويغاير به سجود غيرها من المخلوقات ، وقد قال الله تعالى عن مخلوقاته (ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون) والشاهد منه قوله تعالى (كلٌ قد علم صلاته وتسبيحه) تنبيهاً على اختلاف طرق مخلوقاته في العبادة وذلك أنه لما أضاف صلاةً وتسبيحاً لكل واحد من مخلوقاته وجعلها نكرات مضافة دل ذلك على اختصاص كل نوع منهم بصلاة وتسبيح يمتاز به عما سواه من المخلوقات ، قال ابن كثير رحمه الله (أي كل قد أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله عز وجل ). والآية تتضمن الشمس وقد أرشدها الله إلى طريقها ومسلكها في عبادتها إياه عز وجل ، فالشمس أعلم بأمر عبادتها كما أن ابن آدم أعلم بأمر عبادته ، قال الطبري رحمه الله (قد علم كل مصل ومسبح منهم صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلفه وألزمه) ، ولذلك ختم الآية بعلم الله لكل ذلك وفيه إشارة على أن الله تعالى هو العالم بحقائق هذه الأمور دون غيره فقال (والله عليم بما يفعلون). قال الإمام الشنقيطي رحمه الله (والظاهر أن الطير تُسبِّح وتصلي صلاة وتسبيحاً يعملهما الله، ونحن لا نعلمهما كما قال تعالى:
(وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم )[الإسراء: 44]. ومن الآيات الدالة على أن غير العُقلاء يسبحون الله ونحن لا نعلمه. قوله تعالى في الحجارة ( وإن منها لما يهبط من خشية الله ) فأثبت خشية للحجارة، والخشية تكون بإدراك. وقوله تعالى ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله) وقوله تعالى:(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها)[الأحزاب: 72] الآية. والإباء والإشفاق إنما يكونان بإدراك، والآيات والأحاديث واردة بذلك، وهو الحق. وظاهر الآية أن للطير صلاة وتسبيحاً، ولا مانع من الحمل على الظاهر) أ.هـ.
فائدة منهجية معرفية بقلم العلامة عبدالرحمن المعلمي اليماني ، قال - رحمه الله - في "الأنوار الكاشفة" :
(واعلم أن الناس تختلف مداركهم وأفهاميهم وآراؤهم ولا سيما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثير من الناس وقد ألفت في ذلك كتب وكذلك استشكل كثير من الناس كثيراً من الأحاديث الثابتةعن النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما هو رواية كبار الصحابة أو عدد منهم كما مر، وبهذا يتبين أن استشكال النص لا يغني بطلانه. ووجود النصوص التي يستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفواً وإنما هو أمر مقصود شرعاً ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور. وييسر للعلماء أبو أبا من الجهاد يرفعهم الله به درجات).
إلى هنا ينتهي البحث. فما كان من صواب فمن الله وحده فله الحمد كله وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان ومن شرهما استعيذ
نقلته لكم من كتابات وابحاث اهل العلم رجاء الثواب واسمح بنقله الى اى مكان لخدمة الاسلام والمسلمين
ابو اسامه المصرى.