الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (( للأمام السيوطي ))

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ظل ظليل مسلم اكتشف المزيد حول ظل ظليل
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ظل ظليل
    مشرف قسم الإستشراق والتغريب والتبشير

    • 26 أغس, 2008
    • 3506
    • باحث
    • مسلم

    الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (( للأمام السيوطي ))

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الآيات التي تأمر بالاتباع
    وتنهى عن الابتداع
    قال الله عز وجل: (ورحمتي و سعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون وَيُؤتُونَ الزَكَاةَ وَاَلَذِينَ هم بآياتِنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) إلى قوله: (فالذين آمنوا بِه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذِي أنزل معه أولئك هم المفلحون).
    وقال تعالى: (واتبعوه لعلكم تهتدون).
    وقال تعالى: (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذُنُوبَكُمْ).
    وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تَسْمَعُونَ) إلى قوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحْيكُم).
    وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
    وقال تعالى: ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
    وقال تعالى: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
    وقال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر).
    قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في قوله: (فردوه إلى الله والرسول) أي إلى ما قاله الله والرسول.
    إلى غير ذلك من الآيات.
    الأحاديث التي تأمر بالاتباع
    وتنهى عن الابتداع
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله ( خطاً، ثم قال: " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: " هذه سُبل، على كل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليه " ثم قرأ " وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " الآية.
    وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله ( ذات يوم، ثم أقبل علينا بوجهه، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب؛ فقال رجل: يا رسول الله، كأنها موعظة مُودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً؛ فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أخرجه أبو داود والترمذي " .
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله) : " ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " متفق عليه.
    وعن بلال بن الحارث أن النبي ( قال له: " اعلم قال: ما اعلم يا رسول الله؟ قال: اعلم يا بلال. قال ذروني أعلم يا رسول الله؟ قال: إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضى الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً " . رواه الترمذي.
    فصل
    في الأمر بلزوم السنة والجماعة
    والنهي عن الفرقة
    قال الله تعالى: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم).
    وعن ابن عمر : أن عمر رضي الله عنه خطب بالجابية فقال: قام فينا رسول الله ( خطيباً فقال: " من أراد منكم بَحبوحَة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد " . رواه الترمذي وصححه.
    وقال رسول الله) : " يد الله مع الجماعة، والشيطان مع من يخالف الجماعة " .
    وعن أبي شريك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله ( يقول: " يد الله على الجماعة، فإذا شذ الشاذ منهم اختطفه الشيطان كما يخطف الذئب الشاة من الغنم " .
    وعن معاذ رضي الله عنه أن النبي ( قال: " إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية النائية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد " .
    وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي ( قال: " اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة؛ فعليكم بالجماعة، فإن الله لم يجمع أمتي إلا على هدى " .
    وعن عبد الله بن عمر ، قال: قال رسول الله) : " لَيَأتيَنَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حَذوَ النَّعلِ بالنَّعلِ، حتى إن كان منهم من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك. وإن بني لإسرائيل تفرقوا اثنين وسبعين ملة، وستفترق أمتي على ثلاثة وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا ملة واحدة " قالوا: من هي يا رسول الله قال: " ما أنا عليه وأصحابي " أخرجه أبو داود والترمذي.
    ما جاء عن السلف في الأمر بالاتباع
    وعن معاوية بن أبي سفيان: أنه قام في الناس خطيباً، فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاثة وسبعين ملة، اثنان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة.
    وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة.. وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فمسته النار أبداً. وإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة.
    وقال ابن عباس : النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة وينهى عن البدعة. وقال أبو العالية: عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا.
    وقال الأوزاعي رضي الله عنه: اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم.
    وقال الأوزاعي أيضاً: رأيت رب العزة في المنام، فقال لي: يا أبا عبد الرحمن، أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فقلت: بفضلك يا رب. قلت: يا رب أَمتَّنِي على الإسلام، قال: وعلى السنة.
    وقال أيوب: إني لأخبر بموت الرجل من أهل السنة، فكأني أفقد بعض أعضائي. وقال أيضاً: إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة.
    وقال ابن شوذب: إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يوافى صاحب سنة يحمله عليها.
    وقال ابن أسباط: كان أبي قدرياً، وأخوالي روافض، فأنقذني الله بسفيان.
    وقال معتمر بن سليمان: دخلت على أبي وأنا منكسر القلب، فقال لي: مالك؟ قلت نعم: فقال لا تحزن عليه.
    وقال سفيان الثوري: استوصوا بأهل السنة خيراً، فإنهم غرباء.
    وقال أبو بكر بن عياش: السنة في الإسلام أعز من الإسلام في سائر الأديان.
    وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث، فكأني رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله.
    وقال الجنيد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة إلا على المقتفين آثار رسول الله( والمتبعين سنته وطريقته، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
    فصل
    في ذم البدع والأهواء
    الآيات التي تذم البدع والأهواء
    قال الله تعالى: (ومن أضل مِمَّن اتبع هواه بغير هدى من الله).
    وقال تعالى: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).
    الأحاديث التي تذم البدع والأهواء
    وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله) : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " ، وفي رواية " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " متفق عليه.
    وعن عبد الله بن عمر : عن النبي، أنه قال: " من رغب عن سنتي فليس مني " . أخرجه البخاري.
    وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله:( " أنا فرطكم على الحوض ولَيَحْتَلِجن رجال دوني، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " . متفق عليه.
    آثار السلف في ذم البدع والأهواء
    وقال عبد الله بن محيريز: يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة.
    وقال معاذ بن جبل: يفتح القرآن على الناس حتى تقرأه المرأة والصبي والرجل فيقول الرجل: قد قرأت القرآن فلم أتبع، والله لأقومن به فيهم لعلي أتبع، فيقوم به فيهم فلا يتبع: فيقول: قد قرأت القرآن فلم أتبع، وقمت به فيهم فلم أتبع لأحْتَضِرَنْ في بيتي مسجداً فيحتضر في بيته مسجداً، فلا يتبع، فيقول: لقد قرأت القرآن فلم أتبع، وقمت به فلم أتبع، وقد احْتَضَرْت في بيتي مسجداً فلم أتبع. والله لآتينهم بحديث لا يجدونه في كتاب الله ولم يسمعوه من رسول الله ( لعلي أتبع. فإياكم وما جاء به، فإن ما جاء به ضلالة.
    وروى هذا الأثر أبو داود بلفظ آخر، فقال معاذ: إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر، فيوشك أن يقول قائل: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بِمُتَّبِعيَّ حتى أبتدع لهم غيره فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيفة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم. وقد يقول المنافق كلمة الحق.
    وقال عبد الله: تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله. ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع، وعليكم بالعتيق.
    وفي رواية أخرى: أيها الناس إنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم مُحَدَثَةً فعليكم بالأمر الأول.
    وعن قيس بن أبي حازم، دخل أبو بكر رضي الله عنه على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها؟ فقيل: حجت. فقال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية.
    وعن زياد بن حدير قال: قال عمر رضي الله عنه: هل تدري ما يهدم دين الإسلام؟ قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال منافق بالآيات، وحكم الأئمة المضلين.
    وعن عمر رضي الله عنه قال: سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أهل السنة أعلم بكتاب الله عز وجل.
    وعن عثمان الأزدي، قال: دخلت على ابن عباس ، فقلت له: أوصني فقال: عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع.
    وروى البيهقي عن ابن عباس أنه قال: إن أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع، وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور.
    وروى أبو داود في سننه عن حذيفة رضي الله عنه، قال: كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله ( فلا تتعبدوا بها؛ فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً؛ فاتقوا الله يا معشر القراء، خذوا طريق من كان قبلكم.
    ومن كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أوصيكم بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع أمر رسول الله (، وترك ما أحدث المحدثون بعده.
    وقال ابن سيرين رحمه الله: ما أحدث رجل بدعة فراجع سنة.
    أعمال صاحب البدعة لا تقبل حتى يدعها
    وقال الحسن: لا يقبل الله لصاحب البدعة صوماً، ولا صلاة ولا حجاً، ولا عمرة، حتى يدعها.
    وقال محمد بن أسلم: من وقر صاحب بدعة، فقد أعان على هدم الإسلام.
    وقال أبو مغشر: سألت إبراهيم عن شيء من هذه الأهواء، فقال: ما جعل الله في شيء منها مثقال ذرة من خير، ما هي إلا نزغة من الشيطان، عليك بأول الأمر.
    وعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة.
    وقال عمر: كان طاووس جالساً يوماً وعنده ابنه، فجاء رجل من المعتزلة، فتكلم في شيء، فأدخل طاووس إصبعيه في أذنيه، وقال: يا بني أدخل إصبعك في أذنيك حتى لا تسمع من قوله شيئاً؛ فإن هذا القلب ضعيف. ثم قال: أي بني أشدد، فما زال يقول أشدد حتى قام الرجل.
    مقاطعة وتجنب من يترددون على الفرق المخالفة لأهل السنة مثل المرجئة
    وعن محمد العيني، قال: كان رجل معنا يختلف إلى إبراهيم، فبلغ إبراهيم أنه دخل في الإرجاء، فقال إبراهيم: إذا قمت من عندنا فلا تعد.
    وقال محمد بن داود الحرائي: قلت لسفيان بن عيينة: إن هذا يتكلم في القدر - يعني إبراهيم بن أبي يحيى - فقال سفيان: عرفوا الناس أمره، واسألوا ربكم العافية.
    وقال صالح المري: دخل رجل على ابن سيرين وأنا شاهد، فتح باباً من أبواب القدر، فتكلم فيه. وقال ابن سيرين: إما أن تقوم وإما أن نقوم.
    وقال سلام بن مطيع: قال رجل من أهل الأهواء لأيوب: لا أكلمه بكلمة، فقال: ولا بنصف كلمة.
    وقال أيوب ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله بعداً.
    البدعة أحب إلى إبليس من المعصية
    وقال سفيان الثوري رحمه الله: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتابُ منها.
    وقال: من سمع مبتدعاً لم ينفعه الله بما سمع، ومن صافحه فقد نقض الإسلام عروة عروة.
    ولما مرض سليمان الهيثمي بكى بكاء شديداً فقيل له: ما يبكيك؟ الجزع من الموت؟ فقال: لا، ولكن مررت على قدري فسلمت عليه فأخاف أن يحاسبني ربي عليه.
    وقال الفضيل بن عياض: من جلس إلى صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج نور الإيمان - أو قال الإسلام - من قبله.
    وقال: إذا رأيت مبتدعاً في طريق فخذ في طريق آخر، ولا يرفع لصاحب بدعة إلى الله عمل، ومن أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.
    وقال: من زَوَّج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها.
    وقال: من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، وإذا علم الله من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له! وقال محمد بن نصر الحارثي: من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة نُزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه.
    وقال الليث بن سعد: لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء ما قبلته.
    وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: أما إنه قد قصد لو رأيته يمشي في الهواء ما قبلته.
    وسأل رجل عمر بن عبد العزيز عن الأهواء، فقال: الزم دين الصبي في المكتب، والْهُ عما سوى ذلك.
    مدلول البدع عند مالك بن أنس
    وقال مالك بن أنس: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. وقالوا: لو كان الكلام علماً لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام، ولكنه باطل يدل على باطل.
    وسئل سفيان الثوري عن الكلام، فقال: دع الباطل، أين أنت من الحق؟ اتبع السنة، ودع البدعة.
    وقال: وجدت الأمر بالاتباع.
    وقال: عليكم بما عليه الحمالون والنساء في البيوت والصبيان في المكاتب من الإقرار والعمل.
    وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء.
    وقال أيضاً: لأن يبتلى المرء بما نهى الله عنه ما خلا الشرك بالله خير له من أن يبتليه بالكلام.
    وقال ما ابتدأ أحد بالكلام فأفلح. وقال أيضاً: حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام.
    وقال مالك: بئس القوم هؤلاء أهل الأهواء لا يسلم عليهم.
    وقال أبو الحسن البغوي: قد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم.
    وقال ابن عمر في أهل القدر: خبرهم أني برئ منهم وأنهم برآء مني.
    وقال أبو قلابة: لا تجالسوا أصحاب الأهواء، فإني لا آمن من أن يغمسوكم في ضلالهم ويُلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.
    وقال سفيان: من سمع بدعة فلا يحكها لجلسائه ولا يلقها في قلوبهم.
    وقال أبو الحسن البغوي: قد كفر بعض أهل العلم طوائف منهم، فروي عن جماعة من السلف تكفير من قال بخلق القرآن، وروي ذلك عن مالك، وابن عُيَيْنة وابن المبارك، والليث بن سعد، ووكيع بن الجراح، وناظر الإمام الشافعي لحفص الفرد، وكان يسميه لحفص الفرد، فقال: القرآن مخلوق، فقال الشافعي: كفرت بالله العظيم.
    وقال محمد بن إسماعيل البخاري: نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس، فما رأيت قوماً أضل في كفرهم من الجهمية، وإني لاستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم وقال: ما باليت صليت خلف اليهود والنصارى.
    وحكي عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، فيمن قال بخلق القرآن: أنه لا يصلى خلفه الجمعة ولا غيرها، إلا أنه لا يدع إتيانها، فإن صلى أعاد الصلاة.
    وقال مالك بن أنس: من يبغض أحداً من أصحاب النبي (، وكان في قلبه عليهم غلّ، فليس له حق في فئ المسلمين، ثم قرأ: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى) إلى قوله: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان). الآية.
    وذكر بين يديه رجل ينتقص أصحاب رسول الله ( فقرأ مالك هذه الآية: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) إلى قوله: (ليغيظ بهم الكفار). ثم قال: من أصبح من الناس في قلبه غل على أحد من أصحاب رسول الله ( فقد أصابته هذه الآية. وقال سفيان الثوري: من قدم علياً على أبي بكر وعمر فقد أزرى وقال أبو الحسن البغوي: وهذا الهجران والتبرُّء والمعاداة لأهل البدع والمخالفين في الأصول، أما الاختلاف في الفروع بين العلماء فاختلاف رحمة، أراد الله أن لا يكون على المؤمنين حرج في الدين. فعلى المسلم إذا رأى رجلاً يتعاطى شيئاً من الأهواء والبدع معتقداً ويتهاون بشيء من السنن أن يهجره ويتبرأ منه، ويتركه حياً وميتاً، فلا يسلم عليه إذا لقيه، ولا يُجيبه إذا ناداه.
    والنهي عن الهجران فوق الثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة دون ما كان في حق الدين، فإن هجر أهل البدع والأهواء دائم إلى أن يتوبوا.
    كلمات جوامع
    فعليك يا أخي باتباع السنة وقبولها، وموالاة أهلها، واجتناب البدع وردها، ومعاداة أهلها. قال أحدهم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: علمني كلمات جوامع موانع فقال: لا تشرك بالله شيئاً، وزل مع القرآن حيث زال، ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيداً بغيضاً، ومن جاءك بالباطل فرده عليه وإن كان قريباً حبيباً.
    وعليك بما قال ابن عمر رحمه الله: ثلاث أحب لنفسي ولإخواني: هذه السُّنَّة أن يتعلموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفقهوه ويسألوا عنه، ويدعوا الناس إلى الخير. وربما قال الأوزاعي رحمه الله تعالى: خمس كان عليها أصحاب النبي) : لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المسجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله عز وجل.
    رزقنا الله الاتباع، وإحياء السنن، وجنبنا البدع والأهواء في السرّ والعلن.
    فصل
    في تمييز البدعة من السنة
    ما السنة؟
    اعلم رحمك الله إن السنة في اللغة الطريق، ولا ريب في أن أهل النقل والأثر، المتبعين آثار رسول الله ( وآثار الصحابة، هم أهل السنة؛ لأنهم على تلك الطريق التي لم يحدث فيها حادث، وإنما وقعت الحوادث والبدع بعد رسول الله ( وأصحابه.
    ما البدعة؟
    والبدعة عبارة عن فعلة تصادم الشريعة بالمخالفة، أو توجب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان. وقد كان جمهور السلف يكرهون ذلك، وينفرون من كل مبتدع. وإن كان جائزاً حفاظاً للأصل، وهو الاتباع، وقد قال زيد بن ثابت لأبي بكر وعمر حين قالا له " اجمع القرآن " : كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله (؟ وعن عبد الله بن أبي سلمة: أن سعد بن مالك رحمه الله تعالى سمع رجلاً يقول: " لبيك ذا المعارج " فقال: ما كنا نقول هذا على عهد رسول الله (.
    وعن أبي البحتري قال: أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب، فيهم رجل يقول: كبروا الله كذا، وسبحوا الله كذا وكذا، واحمدوا كذا وكذا. وقال عبد الله فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فاخبرني بمجلسهم. فلما جلسوا أتاه الرجل فاخبره، فجاء عبد الله بن مسعود، فقال: والذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماً أو لقد فضلتم أصحاب محمد علماً! فقال عمر بن عتبة: نستغفر الله، فقال: عليكم بالطريق فالزموه ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً.
    وعن عبد الله بن عون قال: كنا عند إبراهيم النخعي، فجاء رجل فقال: يا أبا عمر وأنا أدعو الله أن يشفيني، فرأيت أنه كرهه كراهية شديدة حتى عرفنا كراهية ذلك في وجهه. وذكر إبراهيم السنة، فرغب فيها، وذكرنا ما أحدث الناس فكرهه، وقال فيه.
    وجاء أصحاب الحديث إلى ذي النون، فسألوه عن الخطرات والوساوس، فقال: أنا لا أتكلم في شيء من هذا، فإن هذا محدث، سلوني عن شيء من الحديث أو الصلاة.
    وقال محمد بن زياد: رأى ذي النون عليَّ خفا أحمر فقال: انزع هذا يا بني، فإنه شُهْرَة، ما لبسه رسول الله (، إنما لبس رسول الله ( خفين أسودين ساذجين.
    فقد تبين لك أن القوم كانوا يتحرزون عن بدعة، وإن لم يكن بها بأس لئلا يحدثوا ما لم يكن.
    وقد جرت محدثات لا تصادم الشريعة؛ ولم تتعاط عليها، فلم يروا بفعلها بأساً بل قال بعضهم: إنها قربة وهو صحيح كما رُوي أن الناس كانوا يصلون في رمضان وحداناً، وكان الرجل يصلي فيصلي بصلاته الجماعة، فجمعهم عمر رضي الله عنه، فلما خرج فرآهم قال: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من هذه - يعني صلاة آخر الليل.
    وكان الناس يقومون أوله. وقال الحسن: القصص بدعن ونعمت البدعة؛ كم من أخ يستفاد، ودعوة تُستجاب.
    أنواع البدع
    والحوادث تنقسم إلى: بدعة مستحسنة، وإلى بدع مستقبحة، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم. واحتج بقول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه. وقال الإمام الشافعي أيضاً رضي الله تعالى عنه: المحدثات في الأمور ضربان: أحدهما ما حدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة. والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا فهي محدثة غير مذمومة. وقد قال عمر في قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت فليس فيها ردّ لما مضى وقال بعضهم: وإنما كان ذلك لأن النبي ( حثّ على قيام شهر رمضان وفعله هو (، واقتدى به بعض الصحابة ليلة بعد أخرى، فهي مشروعة في الأصل. وكذا قول الحسن في القصص: نعم البدعة؛ لأن الواعظ مشروع، ومتى استند المحدث إلى أصل مشروع لم يذم.
    متى تكون البدعة حسنة؟
    فالبدعة الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها رجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء، ولا يلزم من فعله محظور شرعي، وذلك نحو بناء المنابر، والربط والمدارس، وخانات السبيل، وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعهد في صدر الإسلام؛ فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى. وما يُعد من البدع الحسنة: التصانيف في العلوم النافعة الشرعية على اختلاف فنونها، وتعيين قواعدها، وتفسير الكتاب العزيز، وجمع الأخبار النبوية، وتفسيرها، والكلام على الأسانيد والمتون، وتتبع كلام العرب واستخراج علوم جمَّة منه، فذلك كله وما شاكله من علوم حسنة ظاهر فائدته، معين على معرفة أحكام الله، وفهم معاني كلامه، وسنة رسوله. وكل ذلك مأمور به لا يلزم من فعله محظور شرعي. قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله في شرح قوله) : " كل مُحدَث بدعة " هذا خاص في بعض الأمور دون بعض، وهو كل شيء أحدث على غير مثال أصل من أصول الدين، وعلى غير مقياسه. وأما ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردود إليها، فليس ببدعة ولا ضلالة. وأما إذا كانت البدعة كالمتمم، فقد اعتقد نقص الشريعة، فإذا كانت مضادة فهي أعظم شيء لم يكن من قبل في الشريعة لا مستند لهم فيه.
    البدعة المستقبحة
    فالبدعة المستقبحة هي ما كان مخالفاً للشريعة أو ملتزماً لمخالفتها، وذلك منقسم إلى محرم ومكروه، ويختلف ذلك باختلاف الوقائع، وبحسب ما به مخالفة الشريعة تارة ينتهي ذلك إلى ما يوجب التحريم، وتارة لا يتجاوز كراهة التنزيه. وكل فقيه موفق يتمكن بعون الله من التمييز بين القسمين مهما رسخت قدمه في إيمانه وعلمه.
    أقسام البدع المستقبحة
    وهذه البدع المستقبحة تنقسم إلى قسمين: أحدهما: في العقائد المؤدية إلى الضلال والخسران، مثلها الاعتراض على ما أحدثه أهل الضلالة والظلمة.
    وأهل الفرق الضالة ست، وقد انقسمت كل فرقة منها اثني عشر فرقة، فذلك اثنان وسبعون فرقة، هم الذين أخبر النبي ( أنهم في النار، ولسنا نحن هنا بصدد بيانها، ولكن من لزوم السنة والجماعة وأعرض عن أصول هذه البدع وفروعها كان في الفرقة الناجية بفضل الله تعالى.
    القسم الثاني: في الأفعال من البدع المستقبحة: وهو المراد من هذا الباب، وينقسم قسمين: قسم تعرف العامة والخاصة أنه بدعة محدثة، إما محرمة، وإما مكروهة.
    وقسم يظنه معظمهم عبادات، وقربان، وطاعات وسنناً .

  • ظل ظليل
    مشرف قسم الإستشراق والتغريب والتبشير

    • 26 أغس, 2008
    • 3506
    • باحث
    • مسلم

    #2
    الخلوة بالنساء الأجنبيات ومصاحبتهن من البدع التي يمكن أن تؤدي إلى الهلاك
    فمن القسم الأول ما قد وقع فيه طائفة من جهال العوام المنابذين لشريعة الإسلام، التاركين الاقتداء بأئمة الدين. وهو ما يفعله طائفة من المنتمين إلى الفقر، الذي حقيقته الافتقار من الإيمان، من مؤاخاة النسوان الأجانب والخلوة بهن. وهذا حرام باتفاق المسلمين، ومستحل هذا كافر، وفاعله على طريق التهاون به عاص، ضال، مضل، مارق من الدين، ومفارق لجماعة المسلمين، أبعد الله فاعله؛ فإن النظر إلى النساء الأجانب، والخلوة بهن، وسماع كلامهن، حرام على كل بالغ ما خلا ذي الرحم المحرم بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة. وليس هذا موضع استقصاء الدليل عليه، وإنما المراد تبيين الدليل والبدع والتحذير منها، وليس هذا يخفى على مسلم.
    فصل
    معاشرة الأحداث والنظر إلى الغلمان
    من البدع المهلكة ومن ذلك معاشرة الأحداث. وقد كان السلف يبالغون في الإعراض عن المُرْد.. وصحبة الأحداث أقوى حبائل الشيطان.
    قال أبو بكر الرازي؛ قال أبو يوسف بن حسين: نظرت في آفات الخلق فعرفت من أين أتت، رأيت أنه من صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد.
    قال أبو عبد الله الجلاء: كنت واقفاً أنظر إلى غلام نصراني حسن الوجه، كأنما أفرغ في قالب الجمال، فمر بي أبو عبد الله، فقال: أيش وقوفك هنا؟ فقلت: يا عم ترى هذه الصورة تعذب في النار مع ما أعطيت من الحسن والجمال؟ فضرب بيده على كتفه، قال لتجدن غبَّها ولو بعد حين. قال: فوجدت غبها بعد أربعين سنة، أنسيت القرآن، وعن أبي الأديان، قال: كنت مع أستاذي أبي بكر الدقاق، فمر بي حدث، فنظرت إليه فرآني أنظر إليه، فقال: لتجدن غب هذه النظرة ولو بعد حين. فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي ذلك فما أجد ذلك الغب؛ فنمت ليلة وأنا مفكر فيما قال لي الأستاذ، فأصبحت وأنا قد أنسيت القرآن. هذه عقوبة للمتهاونين بذلك في الدنيا والآخرة أدهى وأمر.
    وأما أصحاب الحزم والعزم فبالغوا في الإعراض عنه، كان أبو سفيان الثوري لا يدع أمرد يجيء له يجالسه. وقال يحيى بن معين: ما طمع أمر بصحبتي.
    وكذلك الإمام أحمد، ودخل سفيان الحمام، فدخل عليه غلام حسن الوجه، فقال: " أخرجوه أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطان، ومع كل صبيح بضعة عشر شيطاناً " . وقال محمد بن أحمد: دخلنا على محمد بن الحسين، وكان يقال عنه: إنه ما رفع رأسه إلى السماء منذ أربعين سنة، ومعنا غلام حسن، فجلس بين يديه، فقال: قم من حذائي. وأجلسه من خلفه.
    واعلم يا أخي أن كل من فاته العلم تخبط؛ فإن حصل له العلم وفاته العمل كان أشد تخبطاً. ومن استعمل أدب الشرع مثل قوله تعالى: (قُلّ للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) الآية، فمتى غض بصره في البداية سلم مما يصعب أمره في النهاية؛ فقد ورد النهي عن مجالسة المردان. وأوصى العلماء بذلك، فلا يغتر مغتر فيكون العطف عليه أسرع، والهلاك أقرب من حاجبيه إلى عينيه. وليس هذا موضع استقصاء ما ورد في ذلك من النهي والزجر، ولو استقصينا ما ورد في ذلك لطال الكلام، وإنما المراد بيان ما أحدث من البدع والضلال.
    فصل
    السماع والرقص والوجد تسقط المروءة
    ومن ذلك ما أحدث من السماع والرقص والوجد. وفاعل ذلك ساقط المروءة، مردود الشهادة، عاصٍ لله ولرسوله.
    وهو محظور قال الله عز وجل: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله).
    قال ابن مسعود: واللهو هنا: الغناء.
    وكذلك قال عكرمة، ومجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، وإبراهيم.
    وقال تعالى: (وأنتم سامدون).
    قال ابن عباس: هو الغناء.
    وكذلك قال مجاهد: يقول أهل اليمن: سمد فلان إذا غنّى.
    وقال تعالى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك).
    قال مجاهد: هو الغناء والمزامير.
    وعن نافع، قال: كنت مع ابن عمر في طريق، فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل عن الطريق، وقال: رأيت رسول الله ( سمع زمارة راعٍ فصنع كذلك ياأخي.
    فإذا كان هذا فعلهم في حق صوت ليس بمطرب يخرج مستمعه عن حد الاعتدال، فكيف بسماع صوت أهل هذا الزمان ومزمرتهم؟ وقد نهى رسول الله ( عن شراء المغنيات وعن بيعهن، وقال: " ثمنهن حرام " . والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة، وليس هذا موضع استقصاء ما ورد في ذلك.
    واعلم وفقك الله لطاعته أن الأشعار التي ينشدها المغنون اليوم يصفون فيها المستحسنات، والخمر، والقَدّ، والعين، وغير ذلك، مما يحرك الطباع، ويخرجها عن الاعتدال، ويثير كامنها من حيث اللهو، وهو حرام. قال الطبري رحمه الله: أجمع علماء الأنصار على كراهة الغناء، والمنع عنه. وهذا منعهم منه مع أنه كان في زمانهم منه ما يتعلق بالزهديات المليحة، فكيف لو رأوا ما أحدثوا في هذا الزمان فيه من الزيادات القبيحة. فاحذره يا أخي، واقتد بالسلف الصالح. فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: الغناء يُنبتُ النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.
    وسأل رجل القاسم بن محمد عن الغناء فقال: أنهاك عنه، وأكرهه لك. فقال: حرام هو؟ فقال: يا أخي إذا ميّز الله الحق من الباطل في أيهما تجعل الغناء؟ وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك. بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب الماء. ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور المواطن في قلبه.
    وقال الفضيل بن عياض: الغناء رقية الزنا. وقال الضحاك: الغناء مفسدة للقلب، ومسخطة للرب.
    وقال يزيد بن الوليد: يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه يزيد الشهوة، ويهدم المروءة وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعله السكرة.
    وقال الإمام أحمد رحمه الله: الغناء ينبت النفاق في القلب. وسئل عن استماع القصائد، فقال: أكرهه، هو بدعة، ولا يجالسون. وقال: التغبير بدعة محدثة، وقال إسحق بن عيسى: سألت مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة في الغناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق.
    وقال الطبري رحمه الله: أما مالك فإنه نهى عن الغناء، وعن استماعه، وقال إذا اشترى الرجل جارية، فوجدها مغنية كان له ردها بالعيب.
    وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يكره الغناء، ويجعل سماع الغناء من الذنوب.
    وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة، مثل: إبراهيم النخعي، والشعبي، وحماد، وسفيان، وغيرهم. قال: ولا يعرف لهم مخالف في كراهة ذلك والمنع منه.
    وقال الشافعي رضي الله عنه: خلفت بالعراق شيئاً أحدثه الزنادقة يسمى التغيير يشغلون به الناس عن القرآن. وقال: الغناء هو مكروه يشبه الباطل.
    وقد كان أصحاب الشافعي ينكرون السماع.
    هذا قول العلماء فيه، وكراهيتهم له، مع تجريده عن غيره من المحرمات من حضور النساء، والمردان، والدفوف، والشبابات، وغير ذلك من أنواع المنكرات. قال الشيخ جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله: وكم فتنت الأصوات بالغناء من زاهد وعابد، قال: وقد ذكرنا جملة من أخبارهم في كتابنا المسمى ب " ذم الهوى " ، فمن أراد أن يعرف فتنته وعاقبة أمره، فليقف عليه، ولينظر ما تم على غيره، فينبغي للعاقل أن ينصح نفسه وإخوانه، ويحذرهم مكائد الشيطان، ولولا خوف الإطالة لاستقصينا ما ورد في ذلك، ولكن العاقل الفطن الموفق من قبل نصح الناصح بأخصر عبارة وعرف الحق واتبعه بأدنى إشارة.
    بدع تعظيم الأماكن والقبور
    فصل
    تعظيم الأماكن التي لا تستحق التعظيم
    ومن البدع أيضاً: ما قد عم الابتلاء به تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد بالزعفران المجبول بماء الورد، وإسراج مواضع مخصوصة في كل بلد بما ليس عليهم، فيفعلون ذلك، ويظنون أنهم متقربون بذلك؛ ثم يتجاوزون في ذلك إلى تعظيم تلك الأماكن في قلوبهم؛ فيعظمونها، ويرجون الشفاء، وقضاء الحوائج بالنذر لها، وتلك الأماكن من بين عيون وشجر وحائط وطاقة وعامود وما أشبه ذلك بذات أنواط الواردة في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه، عن أبي واقد الليثي.
    قال: خرجنا مع رسول الله ( إلى حنين، وكانت لقريش شجرة خضراء عظيمة، يأتونها كل سنة، فيعلقون عليها أسلحتهم، ويعلفون عندها، ويذبحون لها. وفي رواية أخرى: خرجنا مع رسول الله ( قبل حنين، ونحن حديثو عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عليها، وينيطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا " ذات أنواط " كما لهم " ذات أنواط " فقال رسول الله) : " سبحان الله الله أكبر!! " كما قال قوم موسى لموسى: (اجعل لنا إلهاً كما لهم الهة) قال: " والذي نفسي بيده لتركبنّ سنة من كان قبلكم " فأنكر النبي ( مجرد مشابهتهم للكفار.
    قال الإمام أبو بكر الطرطوشي: فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سِدرةً، أو شجرة، أو عاموداً، أو حائطاً، أو طاقة، أو حجراً؛ يقصدها الناس، ويعظمون من شأنها، ويرجون عندها البُرء والشفاء من قبلها، وينوطون بها الخِرَق، ويوقدون عندها شمعاً، أو سراجاً، أو ينذرون بها زيتاً، أو غيره، فهي ذات أنواط. فاقطعوها، واقلعوها، وقوله " ينوطون " أي يعقلون وهذا أمر منكر قبيح؛ فإن هذا يشبه عبادة الأوثان وهو ذريعة إليها، ونوع من عبادة الأوثان؛ إذ عبدة الأوثان كانوا يقصدون بقعة بعينها لتمثال هناك أو غير تمثال يرجون الخير بقصدها. ولم تستحب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض. وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعوا أو ليقرأ، أو ليذكر الله، أو ليذبح عندها ذبيحة، أو يخصها بنوع من العبادات.
    بدع النذور
    وأقبح من ذلك أن ينذر لتلك البقعة دهناً لتنويرها أو شمعاً، ويقول: إنها تقبل النذر، كما يقول بعض الضالين، أو ينذر ذلك لقبر، أي قبر كان، فإن هذا نذر معصية باتفاق العلماء، لا يجوز الوفاء به، بل عليه كفارة يمين عند كثير من العلماء، منهم أحمد وغيره، وكذلك إذا نذر خبزاً وغيره للحيتان أو لعين أو لبئر، وكذلك إذا نذر مالاً ما: دراهم، أو ذهباً، أو بقراً، أو جملاً، أو معزاً للمجاورين عند القبور، أو عند هذه الأماكن المنذور لها، ويسمون السدنة فهذا أيضاً نذر معصية، وفيه شبه من النذر لسدنة الأصنام.
    قبور وهمية
    فمن هذه الأماكن ما يظن أنه قبر نبي أو رجل صالح، أو يظن أنه مقام، وليس كذلك، فمن هذه الأماكن: عدة أماكن بدمشق، مثل ما يزعمون عن قبر أبي بن كعب أنه خارج باب الشرقي، ولا يعرف بين أهل العلم أن أبي بن كعب إنما توفي بالمدينة ولم يمت بدمشق، والله أعلم قبر من هو. وكذلك مكان بالحائط القبلي بالجامع، ويقولون: إنه قبر هود عليه السلام. فلن يذكر أحد من أهل العلم أن هوداً عليه الصلاة والسلام مات بدمشق، بل قيل: إنه مات باليمن، وقيل: بمكة، وكذلك قبر بباب حبرون، يقال: إنه قبر بعض أهل البيت، وليس بصحيح، بل هذا باب قديم قيل: بناه سليمان عليه السلام، وقيل ذو القرنين، وقيل غير ذلك. وإنما ذكر لهم بعضهم من لا يوثق به في شهور سنة ست وثلاثين وستمائة أنه رأى مناماً يقتضي أن ذلك المكان دفن فيه بعض أهل البيت، قال الشيخ شهاب الدين أبو محمد عبد الرحمن المعروف بأبي شامة الشافعي رحمه الله: وقد أخبرني عنه ثقة أنه اعترف أنه افتعل ذلك، فقطعوا طريق المارة، وجعلوا الباب بكماله مسجداً مغصوباً.
    وقد كان الطريق يضيق بسالكيه، فضاعف الله نكال من تسبب بذلك في بنائه، واجزل ثواب من أعان على هدمه اتباعاً لسنة رسول الله ( في هدم مسجد الضرار المرصد لأعدائه من الكفار. فلم ينظر الشرع إلى كونه مسجداً، وهدمه لما قصد به من السوء والضرار.
    وكذلك مسجد خارج باب الجابية، يقال له: مسجد أويس القرني، ولم يذكر أحد أن أويساً مات بدمشق، ومن ذلك قبر باب الصغير، يقال: إنه قبر أم سلمة زوجة النبي (. ولا خلاف أن أم سلمة رضي الله عنها ماتت بالمدينة. ومن ذلك مشهد بقاهرة مصر يقال: إن فيه رأس الحسين رضي الله عنه، وأصله أنه كان له بعسقلان مشهد، يقال باتفاق العلماء - لم يخالف أحد منهم: إن رأس الحسين كان بعسقلان، بل فيه أقوال ليس هذا مكانها.
    وكذلك مقابر كثيرة لأسماء رجال معروفين، وقد علم أنها ليست مقابرهم، فهذه المواضع ليست فيها فضيلة أصلاً.
    أوهام وأباطيل
    ومن ذلك مواضع يقال إن فيها أثر النبي ( أو غيره، كما يقوله الجهلة في الصخرة التي ببيت المقدس إن فيها أثراً من وطء النبي (. وفي مسجد قبل دمشق يسمى القدم يقال: إن فيه أثر قدم موسى (. وهذا باطل لا أصل له، ولم يقدم موسى ( دمشق، ولا ما حولها، وكذلك مساجد تضاف إلى بعض الأنبياء والصالحين تم بناؤها على أنه رؤى في المنام هناك، ورؤية النبي ( أو الرجل الصالح في المنام ببقعة لا يوجب لها فضيلة، تقصد لأجلها وتتخذ مصلى مكروه، وإنما يفعل ذلك وأمثاله أهل الكتاب. وهذه الأمكنة كثيرة موجودة في أكثر البلاد، فهذه البقاع لا يعتقد لها خصيصة كائنة ما كانت، فإن تعظيم مكان لم يعظمه الله شر مكان، وهذه المشاهد الباطلة إنما وضعت مضاهاة لبيوت الله، وتعظيماً لما لم يعظمه الله، وعكوفاً على أشياء لم تنفع ولم تضر، وصداً للخلق عن سبيل الله، وهي عبادته وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسول الله ( واتخاذها عيداً هو الاجتماع عندها، واعتياد قصدها، فإن العيد من المعاودة. وقد يحكى عندها من الحكايات التي فيها تأثير مثل أن رجلاً دعا عندها فاستجيب، أو نذر لها فقضيت حاجته، أو نحن ذلك. وبمثل هذه الأمور كانت تعبد الأصنام، وبمثل هذه الشبهات حدث الشرك في الأرض.
    كراهية النذر
    وقد صح عن النبي ( أنه نهى عن النذر، وقال: " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل " فإذا كان نذر الطاعات المعلقة بشرط لا فائدة فيه، ولا يأتي بخير، فما الظن بالنذر لما لا يضر ولا ينفع.
    دفع شبهة
    وأما إجابة الدعاء هناك فقد يكون سببه اضطرار الداعي، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له، وقد يكون سببه أمراً قضاه الله عز وجل لا لأجل دعائه، وقد يكون له أسباب أخرى. وإن كانت فتنة في حق الداعي، وقد كان الكفار يدعون، فيستجاب لهم، فيُسقون ويُنصرون ويُعافون مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها. وقد قال تعالى: (كَّلاّ نُمْدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً).
    وأسباب المقدورات فيها أمور يطول تعدادها، وإنما على الخلق اتباع ما بعث الله به المرسلين، والعلم بأن فيه خير الدنيا والآخرة.
    النهي عن الصلاة في القبور واتخاذها عيداً
    ومن هذه الأمكنة ما له خصيصة لكن لا تقتضي اتخاذها عيداً، ولا الصلاة عندها، ونحوها من العبادات كالدعاء عندها. فمن هذه الأمكنة قبور الأنبياء والصالحين. وقد جاء عن رسول الله ( أنه قال: " لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " .
    وعن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ( فيدخل فيها ويدعو، فقال: ألا أحدثك حديثاً، عن أبي، عن جدي، عن رسول الله ( أنه قال: " لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا عليّ؛ فإن صلاتكم عليّ تبلغني حيث كنتم " أخرجه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقري فيما اختاره من الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين، وشرطه فيه أحسن من شرط الحاكم في صحيحه، وروى سعيد في سنته عن أبي سعيد مولى المهدي قال: قال رسول الله) : " لا تتخذوا بيتي عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني " .
    وروي أيضاً عن سهل بن أبي سهيل، قال: رآني الحسين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند القبر، فناداني وهو في مبيت فاطمة يتعشى، فقال: هلمَّ إلى العشاء، فقلت سلمت على النبي (، فقال: إذا دخلت المسجد فسلم، ثم قال: إن رسول الله ( قال: " لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر؛ لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا عليّ - فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم " .
    وجه الدلالة: أن قبر رسول الله ( أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى ( عن اتخاذه عيداً من المعاودة إليه، فقبر غيره أولى بالنهي كائناً من كان، ثم إنه قرن ذلك بقوله: " ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً " ، أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى في التشبيه بهم.
    ثم أنه ( عقب النهي عن اتخاذه عيداً بقوله: " وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم " ، يشير بذلك ( إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً، ثم إن أفضل التابعين من أهل البيت علي بن الحسين نهى عن ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره (، وبين أن قصده للدعاء ونحوه، اتخاذه عيداً، وكذلك ابن عمه الحسين بن الحسين شيخ أهل بيته كره أن يقصد قبره الرجل للسلام عليه ونحوه، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيداً.
    فانظر هذه السنة، كيف يخرجها أهل بيته، الذين لهم من رسول الله ( قرب النسب وقرب الدار؛ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم، فكانوا له أضبط.
    آداب زيارة القبور
    والذي يستحب للرجل الزائر للقبور أن يتذكر بزيارته الآخرة، وأن يسلم عليهم، ويدعو لهم بالمأثور من الدعاء الذي كان يعلم النبي ( أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا قبالتهم: " السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، فنسأل الله لنا ولكم العافية أنتم لنا سلف ونحن بالأثر " . وإن قرأ شيئاً من القرآن وأهداه إليهم فهو حسن.
    وما سوى ذلك من المحدثات، كالصلاة عندها، واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها؛ فقد تواترت النصوص عن النبي ( بالنهي عن ذلك، والتغليظ على فاعله.
    النهي عن بناء المساجد على القبور
    فأما بناء المساجد عليها، وإشعال القناديل والشموع أو السُّرج عندها، فقد لعن فاعله، كما جاء عن النبي (، قال: " لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " . حديث حسن، وقد تقدم. وصرح عامة علماء الطوائف بالنهي عن ذلك متابعة للأحاديث الواردة في النهي عن ذلك. ولا ريب في القطع بتحريمه لما بينت في صحيح مسلم عن جندب ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله ( قبل أن يموت بخمس يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد. إني أنهاكم عن ذلك " .
    وفي الصحيحين عن عائشة وابن عباس ، قال: لما نزل رسول الله ( طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما صنعوا.
    وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله (، قال: " قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " .
    وقالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله ( في مرضه الذي مات فيه: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، متفق عليه.
    وروى الإمام أحمد عن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي ( قال: " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد " .
    وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: " لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " . رواه الإمام أحمد وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    حكم المساجد المبنية على القبور
    وفي الباب أحاديث كثيرة وآثار، فهذه المساجد المبنية على القبور يتعين إزالتها، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف، ولا تصح عن الإمام أحمد في ظاهر مذهبه، لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك.
    بدع أخرى تتعلق بالقبور
    وكذلك إيقاد المصابيح كالسرج والشمع والقناديل في هذه المشاهد والتُرب، فلا خلاف في النهي الوارد في ذلك، وفاعله ملعون على لسان رسول الله (؛ حيث قال: " لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُرُج " .
    ولا يجوز الوفاء بما نذر من زيت وشمع وغير ذلك، بل موجبه موجب نذر المعصية. وكذلك الصلاة عندها مكروهة وإن لم يبن عليها مسجد، فإن كل موضع يصلى فيه فهو مسجد وإن لم يكن هناك بناء، والنبي ( قد نهى عن ذلك بقوله: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا عليها " وقال: " اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً " يعني كما أن القبور لا يصلى فيها فلا تجعلوا بيوتكم كذلك. ولا تصح الصلاة بين القبور في مذهب الإمام أحمد وتكره عند غيره.
    أصل عبادة الأوثان
    واعلم أن من الفقهاء من اعتقد أن سبب الكراهة في الصلاة في المقبرة ليس إلا كونها مظنة النجاسة، ونجاسة الأرض مانع من الصلاة عليها، سواء كانت مقبرة أو لم تكن. وليس ذلك كل المقصود بالنهي، وإنما المقصود الأكبر بالنهي إنما هو مظنة اتخاذها أوثاناً.
    كما ورد عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه من بعده من الناس. وقد نص النبي ( على العلة بقوله: " اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد " ويقول: " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، فلا تتخذوا القبور مساجد، ولا تجلسوا عليها " الحديث المتقدم. وأخبر ( أن الكفار " كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شر الخلق عند الله يوم القيامة " فجمع ( بين التماثيل وبين القبور. وأيضاً فإن الّلات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك يلت السويق بالسمن ويطعمه للحاج، فلما مات عكفوا على قبره. وقد ذكروا أيضاً أن وداً، وسواعاً، ويغوث، ويعوق، ونسراً، قوم صالحون كانوا بين آدم ونوح عليهما السلام، وكان لهم اتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أتباعهم: لو صورنا صورهم. فلما مات الأتباع، وجاء بعدهم قوم آخرون، أتاهم إبليس، فقال: إنما كان أولئك يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر. فعبدوهم. وذكر ذلك محمد بن جرير الطبري بسنده. وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع ( هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه. ولهذا تجد أقواماً كثيرة من الضالين يتضرعون عند قبر الصالحين، ويخشعون، ويتذللون، ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله المساجد، بل ولا في الاسحار بين يدي الله تعالى، ويرجون من الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال.
    فهذه المفسدة هي التي حسم النبي ( مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقاً وإن لم يقصد المصلى بركة البقعة ولا ذلك المكان سداً للذريعة إلى تلك المفسدة التي من أجلها عبدت الأوثان. فأما إن قصد الإنسان الصلاة عندها، أو الدعاء لنفسه في مهماته وحوائجه متبركاً بها راجياً للإجابة عندها، فهذا عين المحادّة لله ولرسوله، والمخالفة لدينه وشرعه، وابتداع دين لم يأذن به الله ولا رسوله ولا أئمة المسلمين المتبعين آثاره وسننه.
    فإن قصد القبور للدعاء رجاء الإجابة فمنهي عنه، وهو إلى التحريم أقرب. والصحابة رضي الله عنهم - وقد أجدبوا مراتٍ - ودهمتهم نوائب بعد موته (، فهلا جاءوا فاستسقوا واستغاثوا عند قبر النبي ( وهو أكرم الخلق على الله عز وجل، بل خرج فيهم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالعباس عم النبي ( إلى المصلى فاستسقى به، ولم يستسقوا عند قبر النبي (.
    فاقتد أيها المسلم إن كنت عبد الله بسلفك الصالح، وتحقق التوحيد الخالص؛ فلا تعبد إلا الله، ولا تشرك بربك أحداً، كما أمر الله تعالى بقوله: (فإياي فاعبدون)، وقال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً). فلا تعبد إلا إياه ولا تدْعُ إلا هو، ولا تستعن إلا به، فإنه لا مانع ولا معطي ولا مضارّ ولا نافع إلا هو سبحانه وتعالى، لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب.
    بدع الأعياد والمناسبات والمواسم
    فصل
    بدع الأعياد والمواسم والنهي عن مشاركة أهل الكتاب في أعيادهم ومواسمهم
    ومن البدع والمنكرات مشابهة الكفار وموافقتهم في أعيادهم ومواسمهم الملعونة، كما يفعل كثير من جهلة المسلمين في مشاركة النصارى وموافقتهم فيما يفعلونه في خميس البيض الذي هو أكبر أعياد النصارى، وفي المواليد وفي الشتاء من إيقاد النار، وصنع قطائف، وصبغ البيض، وخبز أقراص، وشراء بخور، وخضاب الصبيان والنساء ويزعمون أن مريم عليها السلام تخرج من قبرها تمر على تلك الثياب المنشورة، فيصيبها من بركتها. وذلك باطل لا أصل له. فطائفة يجعلون على أبواب بيوتهم ودورهم صور الحيات والعقارب والصلبان، يزعمون أنها تطرد الهوام عنهم، وإنما تطرد الملائكة؛ إذ صح عن النبي ( أنه قال: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة " .
    ويقطعون قرون البقر والغنم والمعز بالنورة لأجل البركة. وكل هذا باطل لا شك في تحريمه. وقد يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر وليس على المسلم أن يبحث عنها ولا يعرفها، بل يكفيه أن يعرف فعلاً من أفعالهم أو يوماً أو مكاناً بسبب تعظيمه من جهتهم، وأنه لا أصل له في دين الإسلام، ونحن نبينه على ما رأينا كثيراً من الناس الجاهلين قد وقعوا فيه. فمن ذلك خميس البيض، الذي تقدم ذكره، الذي يسمونه الخميس الكبير. وإنما هو الخميس الحقير، وهو عيد النصارى الأكبر، فجميع ما يحدثه المسلم فيه فهو من المنكرات.
    ومن المنكرات فيه: خروج النساء إلى ظاهر البلد، وتبخير القبور، ووضع الثياب على السطح، وكتابة الأوراق وإلصاقها بالأبواب، واتخاذه موسماً لبيع البخور، وشراء ورقة، فإن رقي البخور واتخاذها قرباناً هو دين النصارى والصابئين، وإنما البخور طيب يتطيب بدخانه كما يتطيب بسائر الطيب، ويستحب البخور حيث يستحب التطيب. وكذلك اختصاصه بطبخ عدس أو بسيسة أو صبغ بيض، أو خبز أقراص، ونحو ذلك. فأما القمار بالبيض، وبيع البيض لمن قامر به، أو شراؤه من المقامرين، فظاهره التحريم.
    ومن ذلك ما يفعله الفلاحون من نكث قرون البقر والماعز والغنم، أو نكث الشجر، أو جمع أنواع من النبات والتبرك بها والاغتسال بمائها.
    ومن ذلك ما يفعله النساء من أخذ ورق الزيتون والاغتسال بمائه، أو قصد الاغتسال في الحمام في يوم السبت الذي يسمونه سبت النور، أو الانغماس في ماء، فإن أصل ذلك ماء المعمودية.
    ومن ذلك تعطيل الوظائف الرئيسية من الصنائع والتجارات، وغلق الحوانيت، واتخاذه يوم راحة وفرح على وجه يخالف ما قبله وما بعده من الأيام. كل ذلك منكر وبدعة، وهو شعار النصارى فيه. فالواجب على المؤمن بالله ورسوله أن لا يحدث في هذا اليوم شيئاً أصلاً، بل يجعله يوماً كسائر الأيام.
    النهي عن الاحتفال بما يسمى بليلة رأس السنة الميلادية
    ومما يفعله كثير من الناس في فصل الشتاء، ويزعمون أنه ميلاد عيسى عليه السلام، فجميع ما يصنع أيضاً في هذه الليالي من المنكرات، مثل: إيقاد النيران، وإحداث طعام، وشراء شمع، وغير ذلك؛ فإن اتخاذ هذه المواليد موسماً هو دين النصارى، وليس لذلك أصل في دين الإسلام. ولم يكن لهذا الميلاد ذكر في عهد السلف الماضين، بل أصله مأخوذ عن النصارى، وانضم إليه بسبب طبيعي، وهو كونه في الشتاء المناسب لإيقاد النيران. ثم إن النصارى تزعم أن يحيى عليه السلام بعد الميلاد بأيام عمد عيسى عليه السلام في ماء المعمودية، فهم يتعمدون - أعني النصارى، في هذا الوقت ويسمونه عيد الغطاس. وقد صار كثير من جُهل المسلمين يدخلون أولادهم الحمام في هذا الوقت، ويزعمون أن ذلك ينفع الولد. وهذا من دين النصارى، وهو من أقبح المنكرات المحرمة.
    النهي عن التشبه بالكافرين
    ومن ذلك أعياد اليهود أو غيرهم من الكافرين أو الأعاجم والأعراب الضالين، لا ينبغي للمسلم أن يتشبه بهم في شيء من ذلك، ولا يوافقهم عليه، قال الله تعالى لنبيه محمد) : " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين). وأهواء الذين لا يعلمون هو ما يهوونه من الباطل، فإنه لا ينبغي للعالم أن يتبع الجاهل فيما يفعله من أهواء نفسه، قال تعالى لنبيه) : (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين). فإذا كان هذا خطابه لنبيه (، فكيف حال غيره إذا وافق الجاهلين أو الكافرين وفعل كما يفعلون مما لم يأذن به الله ورسوله ويتابعهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم؟ وترى كثيراً من علماء المسلمين الذين يعلمون العلم الظاهر، وهم منسلخون منه بالباطن، يصنعون ذلك مع الجاهلين في مواسم الكافرين بالتشبه بالكافرين، وقد جاء عن النبي ( أنه قال: " من أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه " . والتشبه بالكافرين حرام وإن لم يقصد ما قصده، بدليل ما روي عن ابن عمر عن رسول الله) : " من تشبه بقوم فهو منهم " . رواه أبو داود وغيره في السنن. فهذا الحديث أقر أحوالاً تقتضي تحريم التشبه بهم.
    روى عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله ( قال: " ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا النصارى " . وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله) : " خالفوا المشركين، احفوا الشوارب، وأعفوا اللحى " فأمر رسول الله ( بمخالفة المشركين مطلقاً.
    وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين في كنائسهم.
    وقال عبد الله بن عمر: من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حُشر معهم يوم القيامة.
    وقد شرط عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يظهروا أعيادهم في بلاد المسلمين، فإذا كانوا ممنوعين من إظهار أعيادهم في بلادنا، فكيف يسع المسلم فعلها؟ هذا مما يقوي طمعهم وقلوبهم في إظهارها، وإنما منعوا من ذلك لما فيه من الفساد، إما لأنه معصية، وإما لأنه شعار الكفر. والمسلم ممنوع من ذلك كله. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اجتنبوا أعداء الله في دينهم، فإن السخط ينزل عليهم. فموافقتهم في أعيادهم من أسباب سخط الله تعالى لأنه إما محدث وإما منسوخ.
    مقاطعة المتشبه بهم وعدم جواز بيع العنب لمن يصنع الخمر منهم
    والمسلم لا يقر على واحد منها. وكما لا يحل التشبه بهم في أعيادهم، فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، كما لا يحل بيع العنب لمن يعصرها خمراً. ومن صنع في أعيادهم دعوة لم يجب إليها، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة العادة، وهي مما فيه تشبه بهم، لم تقبل هديته.
    واعلم أن نفي مخالفتهم أمر مقصود للشارع؛ لأن الكفر بمنزلة مرض القلب وأشد، ومتى كان القلب مريضاً لم يصح من الأعضاء؛ وإنما الصلاح أن لا يشبه القلب في شيء من أمور الكافر أنها كلها إما فاسدة وإما ناقصة. فالحمد لله على نعمة الإسلام التي هي أعظم النعم، وأم كل خير كما يحب ربنا ويرضى. فموافقتهم فيما هو منسوخ بشريعتنا قبيح، وأقبح منه ما أحدثوه من العبادات أو العادات؛ فإنه مما أحدثه الكافرون، وموافقة المسلمين لهم فيه من أعظم المنكرات. فكل ما يتشبهون بهم من عبادة أو عادة، فهو من المحدثات والمنكرات. وقد مدح الله عز وجل من لم يشهد أعيادهم ومواسمهم ولم يشاركهم فيها بقوله: (والذين لا يشهدون الزور)، قال مجاهد والضحاك والربيع بن أنس: هو أعياد المشركين. وقال ابن سيرين: هو الشعانين. وتقدم قوله) : " خالفوا المشركين " وقال: " من تشبه بقوم فهو منهم " .
    واعلم أنه لم يكن على عهد السلف السابقين من المسلمين من يشاركهم في شيء من ذلك. فالمؤمن حقاً هو السالك طريق السلف الصالحين المقتفي لآثار نبيه سيد المرسلين (، المقتفي بمن أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فجعلنا الله منهم بمنه وكرمه إنه جواد كريم.
    عدم الاغترار بكثرة الضالين واتباع أهل الحق ولو كانوا قلة
    ولا ينظر الرجل إلى كثرة الجاهلين الواقعين في مشابهة الكافرين والعلماء والغافلين وموافقتهم، فقد قال السيد الجليل الفضيل بن عياض رضي الله عنه: عليك بطريق الهدى وإن قل السالكون واجتنب طريق الردّى وإن كثر الهالكون.
    اللهم اجعلنا من المهتدين المتبعين لآثار سبيل الصالحين، ولا تجعلنا من الهالكين المتبعين لآثار سبيل الكافرين والضالين بمنك وكرمك، إنك جواد كريم.
    فصل
    ما يظنه الناس طاعة وقربة
    وهو بخلاف ذلك
    وأم ا القسم الثاني مما يظنه الناس طاعة وقربة، وهو بخلاف ذلك، أو تركه أفضل من فعله، وهو ما قد أمر به الشارع في صورة من الصور من زمان مخصوص، أو مكان معين؛ كالصوم بالنهار، والطواف بالكعبة، أو أمر به شخص دون شخص، كالذي اختص به النبي ( في المباحات والتخفيفات، فبقيس الجاهل نفسه عليه، فيفعله وهو منهي عن فعله، أو يقيس الصور بعضها على بعض بسبب الحرص على الإكثار من إيقاع العبادات والقرب والطاعات، فيحملهم الحرص على فعلها في أوقات وأماكن نهاهم الشرع في اتخاذ تلك الطاعات فيها. ومنها ما هو محرم، ومنها ما هو مكروه. ويورطهم الجهل وتزيين الشياطين بأن يقولوا هذه طاعات وقرب، قد ثبت في غير هذه الأوقات فعلها، نحن نفعلها أبداً، فإن الله لا يعاقبنا على فعل الطاعة إذا ما فعلناها.
    الصلاة في الأوقات المكروهة
    وذلك مثل الصلاة في الأوقات المكروهة، وهي بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع قدر رمح، وعند استوائها حتى تزول، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
    صوم الأيام المكروهة
    وكصومهم في الأيام المنهي عنها كالعيدين، وأيام التشريق، وكوصالهم في الصيام الذي هو من خصائص النبي (. وقد اشتد نكيره على من فعل ذلك.
    الرد على من فعل هذا
    فهؤلاء وأمثالهم متقربون إلى الله بما لم يشرعه الله، بل نهى عنه. وإذا قيل لهؤلاء: (لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) وما أحسن ما قال ولي الله أبو سليمان الداراني رحمه الله: ليس لمن ألهم شيئاً من الخيرات أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر، فإذا سمعه من الأثر عمل به، وحمد الله تعالى حين وافق ما في قلبه.
    وقال أيضاً: ربما وقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً، ولا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة.
    وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله: من توجب عليه رد وديعة في ذمته، فقام فتحرم بالصلاة التي هي أقرب القربات إلى الله تعالى، عصى ربه.
    فلا يكفي كون جنس فعله من جنس الطاعات ما لم يراع فيه الوقت، والشرط، والترتيب.
    واغتر بعض الجاهلين بقوله تعالى: (واسجد واقترب)، وظنّ أن هذا يقتضي العموم في جميع الأوقات، واعتضد بقوله: (أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى) وغفل عن أن السجود المقرب إلى الله تعالى هو السجود المأذون فيه، وهو المشروع. والإنكار في الآية وقع على من نهي عن الصلاة المأذون فيها، وهي المشروعة، فتلك التي لا ينبغي لأحد أن ينهى عنها. أما إذا صلى صلاة قد علمنا نهي الشارع عنها، فإنه يجب على كل أحد علم به نهيه عنها، بدليل الحديث الثابت في الصحيحين من رواية ابن عمر : أن النبي ( نهى عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: " ثلاث ساعات كان رسول الله ( ينهى أن نصلي أو نقبر فيهم موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب " أخرجه مسلم.
    وعن ابن عمر: أنه رأى رجلاً يصلي بعد الجمعة في مقامه ركعتين، فدفعه.
    وفي رواية: أنه أبصر رجلاً يصلي الركعتين والمؤذن يقيم الصلاة فدفعه، وقال: تصلي الصبح أربعاً؟!! أخرجه البيهقي في السنن.
    وقد جاء هذا اللفظ في الصحيح مرفوعاً من حديث عبد الله بن مالك بن عيينة.
    وروى البيهقي عن عمر رضي الله عنه: أن النبي ( نهى عن التنفل بعد الفجر سوى ركعتي الفجر.
    قال يسار مولى ابن عمر: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد الفجر وأسلم من ركعتين، فقال: إن رسول الله ( خرج علينا ونح نصلي كما تصلي فقال: " ليبلغ الشاهد منكم الغائب، لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين " يعني سنة الفجر لا غير.
    وعن ابن عمر أيضاً: أن رسول الله ( نهى عن الوصال، فقالوا إنك تفعله! فقال: " إني لست كأحدكم إني يطعمني ربي ويسقيني " وعن أبي هريرة نحوه. متفق عليه.
    وعن كعب بن مالك: أن رسول الله ( بعثه و أوس بن الحارث في أيام التشريق، فناديا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب. رواه مسلم، ورواه الإمام أحمد بنحوه عن سعد بن أبي وقاص.
    وروى الدار قطني عن أنس أن النبي ( نهى عن صوم خمسة أيام في السنة: يوم الفطر، ويوم النحر، وثلاثة أيام التشريق. ونهى ( أيضاً عن استقبال رمضان باليوم أو اليومين، وعن إفراد الجمعة بالصيام وليلتها بالقيام، وعن إفراده يوم السبت بالصوم، وكذا صيام أعياد الكفار على سبيل التعظيم ما لم يوافق عادة له.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله) : " لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون صوماً يصومه أحدكم " رواه مسلم.
    وعن عبد الله بن بشير عن أخته واسمها الصماء: أن رسول الله ( قال: " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجرة فليمضغه " . رواه أبو داود والترمذي.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله) : " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه " . متفق عليه.
    أفيجوز لمسلم أن يسمع هذه الأحاديث، ثم يقول إن النبي ( نهى الناس عن الصلاة والصوم من حيث هو صلاة أو صوم؟ وقائل هذا جاهل محرف لكتاب الله وسنة رسوله (، فيدل كلامه على أنه مارق في الدين، قد سلبه الله لذة فهم مراده من وحيه، وإن كان هذا من أوضح المواضع، فكيف بما يدق معانيه؟ فكل من رد على الناهي عن ذلك، فإنه يتضمن الرد على رسول الله (، فإنه هو الذي نهى عنه، وأمرنا بإنكار المنكر، والله حسيب من افترى.





    تعليق

    • ayatmenallah
      13- عضو مقدام
      حارس من حراس العقيدة
      • 22 سبت, 2009
      • 2383
      • مدرس
      • مسلم

      #3
      بسم الله الرحمن الرحيم

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      اخي الحبيب ظل ظليل
      بارك الله فيكم وجزاكم خيرا

      ما لزم قوم الاتباع الا نجوا

      {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}
      (38) سورة البقرة

      وما لزم قوم الابتداع الا هلكوا

      {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}
      (27) سورة الحديد

      ولو قنع قوم بما بين ايديهم ما ابتدعوا

      {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}
      (38) سورة الأنعام

      {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
      (3) سورة المائدة

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
      ردود 0
      69 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة د.أمير عبدالله
      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
      ردود 112
      231 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة عادل خراط
      بواسطة عادل خراط
      ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
      ردود 3
      48 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة عاشق طيبة
      بواسطة عاشق طيبة
      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
      ردود 0
      146 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة عادل خراط
      بواسطة عادل خراط
      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
      ردود 3
      104 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة عادل خراط
      بواسطة عادل خراط
      يعمل...