طَىُّ السماءِ فى ضوءِ العلم الحديث
مما لاشك فيه أنه لم يكن يجول بخاطر أحد على عهد النبى صلى الله عليه وسلم أن الفضاء يمكن طيه وكان هذا من جملة المفاهيمالتى أدخلها ألبرت أينشتين و أحدث بها ثورة فى تصورات العلماء للمكان والزمان أيضاحيث وضع أينشتين تصورا للمكان والزمان لا على أنهما شيئين مستقلين أو منفصلين كماهو الحال فى الميكانيكا الكلاسيكية بل على أن بينهما ارتباط وثيق بحيث يكونان معاالمتصل الزمانى المكانى وهو ما يعرف أيضا بنسيج الزمكان space-time fabric .
وقد فسر أينشتين الجاذبية على أنها انحناء فى الفضاء أو هذا النسيجالزمكانى
فمثلا الأرض تدور حول الشمس لأن الأخيرة نتيجة كتلتها تحدث تقوس أوانحناء فى الفضاء المحيط بها بحيث تجبر الأرض على السير فى هذا الفضاء المنحنىحولها وكذلك الوضع بالنسبة للأرض والقمر .
وهذا مصداق لقوله تعالى : { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } . [ الأنبياء : 104 ]
قال ابن عاشور رحمه الله فى " التحرير والتنوير " : وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( لِلْكِتَابِ)بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ . وَقَرَأَهُ حَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ (لِلْكُتُبِ ) بِضَمِّ الْكَافِ وَضَمِّ التَّاءِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ .
وقال : وَالطَّيُّ : رَدُّ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْجِسْمِ اللَّيِّنِ الْمَطْلُوقِ عَلَى بَعْضِهِ الْآخَرِ ، وَضِدُّهُ النَّشْرُ .
وَالسِّجِلُّ : بِكَسْرِ السِّينِ وَكَسْرِ الْجِيمِ هُنَا ، وَفِيهِ لُغَاتٌ . يُطْلَقُ عَلَى الْوَرَقَةِ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا ، وَيُطْلَقُ عَلَى كَاتِبِ الصَّحِيفَةِ ، وَلَعَلَّهُ تَسْمِيَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ : صَاحِبُ السِّجِلِّ ، وَقِيلَ : سِجِلٌّ : اسْمُ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ تُرْفَعُ إِلَيْهِ صَحَائِفُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فَيَحْفَظُهَا . وَلَا يَحْسُنُ حَمْلُهُ هُنَا عَلَى مَعْنَى الصَّحِيفَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ إِضَافَةَ الطَّيِّ إِلَيْهِ وَلَا يُرَادِفُهُ لِقَوْلِهِ ( لِلْكِتَابِ ) أَوْ ( لِلْكُتُبِ) . اهـ
والسِّجل كما تقدم هو الكاتب فى أصح الأقوال والكتاب أىالورقة التى يدون فيها ما يراد تدوينه ثم تطوى كقرطاس أو لفافة .
وفىالآية الأخرى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [ الزمر 67 ] .
صورة (1) توضح كيف تحدث الشمس تقوسا أو انحناءا فى المتصل الزمكانى المحيط بها .
صورة (2) توضح كيف تسلك الأرض مسارا دائريا حول الشمس نتيحة التقوس فى المتصل الزمكانى .
ومن ضمن الفرضيات التى وضعت بناءا على تصور النسيج الزمكانى وامكانية انحنائه وطيه هى فرضية الثقوب الدودية
wormholes
والتى إذا وجدت تتيح التنقل بسرعة فائفة بين مواضع متباعدة جدا من الكون حيث تطوى المسافة بين الموضعين تماما مثلما تطوى المسافة بين طرفى ورقة بحيث يتقارب الطرفين حيث يتكون بين الموضعين ما يعرف بـ
wormhole أو Einstein-Rosen Bridge
جسر أينشتاين - روزن يتم التنقل بين الموضعين من خلاله
صورة (3) توضح الهيئة المتصورة للثقب الدودى
كما أن هذا أيضا يفسر لماذا ما يعرف بالتقوب السوداء *
هى سوداء والثقوب السوداء هى الحالة التى تصير اليها النجوم التى تفوق كتلتها 3 أمثال كتلة الشمس عندما يستهلك وقودها فتنهار على نفسها ثقاليا ويحصل نتيجة ضغط المادة المكونة لها التى تنهار نحو المركز من جميع الجهات تقلص فى حجمها إلى الصفر وتصبح كثافتها لا نهائية ويتكون ما يعرف بالأحادية
singularity
. ونتيجة كتلتها الهائلة فإنها تحدث انحناء شديد جدا فى الفضاء المحيط بها بحيث يتقوس 360 درجة ولذا لا يمكن للضوء الإفلات من هذه الثقوب حيث الفضاء من حوله منحنى أو متقوس على نفسه إلى مالا نهاية كالحلقة المفرغة .
ولتوضيح ذلك دعنا نتصور الكون على أنه خط مستقيم ( أى أحادى البعد ) مرسوم على ورقة يوجد على طوله نقطتان الأولى
A
والثانية
B
ِِ
ِ
وباعتبار أن الخط يمثل الكون أو الفضاء ( وهذا للتبسيط وإلا فالفضاء ثلاثى الأبعاد ) فلا يمكن الحركة الا على طول الخط فلا يمكن مثلا الحركة فى اتجاه عمودى على مستوى سطح الورقة ولا عمودى على اتجاه الخط
ثم اذا اتينا بثقل ووضعناه على سطح الورقة فإن هذا يحدث تقوس فى الورقة وبالتالى فبالرغم من من كون الخط مستقيم إلا إنه نتيجة تقوس الورقة يصبح بالتالى منحنيا وهذا ما يحدث فى الفضاء ثلاثى الابعاد إلا أنه لكوننا غير قادرين على إدراك أكثر من ثلاثة أبعاد فإننا لا يمكننا إدراك هذا التقوس أو الانحناء فى الفضاء وإن كان يمكن الاستدلال عليه تماما مثلما يمكن الاستدلال على تقوس الورقة هندسيا وذلك برسم مثلث على سطحها وبقياس مجموع زواياه نجدها أقل من 180 درجة لو كان التقوس سلبى ( مقعر ) أو أكثر من 180 درجة إذا كان إيجابى ( محدب ) . وقد أوضح أينشتين طريقة اجراء تجربة مشابهة يمكن اجراؤها للتأكد من صحة فرضية انحناء الفضاء وقد تمت التجربة بالفعل وثبتت صحة الفرضية .
والان إذا ما أتينا للثقب الأسود فإن التقوس الذى يحدثه فى الفضاء يشبه لفة كاملة للورقة بحيث تتضمن اللفة النقطة
B
وعنئذ فلا يمكن للضوء المتحرك من النقطة
B
الوصول للنقطة
A
لأنه يصبح محاصرا داخل لفة كاملة من الفضاء أو المتصل الزمكانى وبالتالى لايمكن للضوء أن يفلت فلا يصل إلينا من الثقب الأسود ولذا يبدو مظلما
المصادر
http://science.howstuffworks.com/question2322.htm
http://science.howstuffworks.com/time-travel3.htm
http://science.howstuffworks.com/black-hole1.htm