«المصري اليوم» تنشر الحلقة الأخيرة من عرض كتاب «اللاهوت العربى وأصول العنف»: لا يمكن فصل الدين عن السياسة.. والعلمانية «وهم» فى أذهان من ينادون بها
قراءة نشوى الحوفى ١٣/ ١٢/ ٢٠٠٩ها نحن انتهينا من فصول الكتاب، الذى وكما بدأه دكتور يوسف زيدان بمقدمة لابد من قراءتها، ينهيه بخاتمة لابد من المرور عليها والتوقف عندها، لا لكونها تحوى ملخصاً سريعاً لما عرضه من أفكار، ولكن لتضمنها موقفه الخاص عن علاقة الأديان بالعنف وعلاقة الدين بالسياسة، عارضاً فيها أربعة «أقوال» يعبر كل منها عن فكرة تشغل فكره.
يدور الأول منها حول «سبب ظهور علم الكلام» عند المسلمين، وفيه يعود دكتور زيدان ليؤكد نفى نسب هذا العلم للمسلمين كما راق للكثيرين القول، مفنداً ما ذكروه من أسباب داخلية وخارجية أدت لظهوره.
ومن بين الأسباب الداخلية التى يتحدث عنها العلماء ويرون أنها كانت سبباً فى ظهور هذا العلم، انشغال المسلمين بعدد من القضايا، فرضها الواقع الدينى فى القرن الأول الهجرى وما ترتب على ذلك من إثارة لمسائل عقائدية، مثل الصراع بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان الذى طرح وبقوة فى المجتمع الإسلامى مسألة «الإمامة».. لمن تكون وصفات من يقوم عليها.. وقضية «مرتكب الكبيرة» التى أفرزها التطبيق المتشدد للشريعة الإسلامية من قبل الخوارج.
أما الأسباب الخارجية لظهور علم الكلام، كما يقول المتمسكون بإسلاميته، فيلخصها دكتور زيدان بالقول إنه ترتب على الفتوحات الإسلامية للعديد من البلدان ومن مختلف الثقافات مجادلات ونقاشات بين المسلمين وأهل تلك البلاد حول حقيقة الدين ودلائل نبوة رسول الإسلام وارتباط الإيمان بالأديان، وغيرها من القضايا الإيمانية التى انبرى علماء المسلمين للدفاع عن الرؤية الإسلامية لها.
ثم يعلق دكتور زيدان مرة أخرى بالقول: «لم ينتبه علماء المسلمين ولا المستشرقون من البلاد الأخرى إلى أن علم الكلام كان امتداداً لعلم اللاهوت العربى، وذلك لأنهم لم يلحظوا أهمية الجغرافيا فى تلك المسألة وارتباط هذا العلم كما قلنا بمنطقة العراق والشام. وكيف أن الصفات الإلهية كانت محوراً لهذا العلم».
ثم ينتقل الدكتور يوسف زيدان إلى القول الثانى ويحمل عنوان «التأثير والتأثر» مؤكداً فى اعتقاده أن سبب غياب فكرة تأثر علم الكلام بعلم اللاهوت العربى لدى العلماء المسلمين يعود إلى نفيهم تأثر آباء الكلام، من المسلمين، بمن سبقهم من المسيحيين وكأن الفكر الإنسانى يطفر فجأة من الفراغ، بالإضافة إلى تشويش بعض المستشرقين على الحقائق الخاصة بتأثر علم الكلام باللاهوت العربى، وذلك لنفى الأصالة عن المسلمين.
وهو ما يعلق عليه بالقول: «من سخرية الوقائع بين الطرفين أنه كان كلما قال أحد علماء المسلمين بفكرة أو نظرية ما، سارع المستشرقون بالبحث عنها فى تراثهم اليونانى أو اليهودى أو المسيحى لنفى الإبداع عن المسلمين، فيسارع المسلمون بالرد عليهم لإثبات عبقرية المسلمين، وهكذا حتى امتد الأمر لكل فروع العلوم، كل طرف ينفى إمكانية تأثر وتأثير كل منهما فى الآخر».
ويأتى قول دكتور زيدان الثالث، والذى يتحدث فيه عن علاقة الدين بالسياسة، فيقول بعدم إمكانية فصل الدين عن السياسة كما ينادى البعض فيما اشتهر باسم «العلمانية» التى كانت تشير فى اليهودية إلى اليهودى غير المتدين الذى يظل رغم عدم تدينه يهودياً لكونه مولوداً من أم يهودية، وتعبر فى المسيحية عن الاتجاه المعنى بالعمل فى العالم لا بالخدمة الكنسية ومن دون إدانة للعلمانى المسيحى، وصارت تعنى لدى المسلمين مرادفاً للإلحاد والكفر والزندقة.
ثم يبدأ دكتور زيدان فى سرد مبرراته التى تنفى عدم فصل الدين عن السياسة فى التاريخ البشرى، بدءاً من اليهودية التى ظل الواقع السياسى فيها يوجه الدين وهو ما ظهر فى كتابة التوراة بعد العودة من السبى البابلى، وانتظار المهدى المخلص لهم من ظلم وقهر الرومان «الماشيح»، حتى دولة إسرائيل قامت على أساس دينى بحت، فما إسرائيل إلا الاسم المعدل للنبى يعقوب الذى غالب الله فغلبه كما تقول التوراة وما سعيهم اليوم لقتل الفلسطينيين وإجلاؤهم عن الأرض إلا تنفيا لأمر إلهى قديم «اقتل كى تكون».
ثم يستشهد الدكتور زيدان بواقع الإسلام، مؤكداً أن الدين لم يكن لينتشر لو ظل المسلمون قلة مستضعفين ولو لم يبادروا بتأسيس الدولة والتشريع لها عبر حروب بدأت بالمشركين وانتهت بالفتح الإسلامى، ومعاهدات جوار وكتابة مراسلات للملوك، وهو ما يؤكد حقيقة أنه لولا الدولة ما كان الدين.
أما عن علاقة السياسة بالدين المسيحى فيؤكد دكتور زيدان أن المسيح قال إن مملكته ليست فى هذا العالم وإنه جاء ليدعو إلى ملكوت السماء، ولكن انتشار المسيحية بين أرجاء الإمبراطورية الرومانية جعل للدين علاقة قوية بالسياسة، فلا يمكن التأريخ للمسيحية بعيداً عن لحظة ارتباطها بالإمبراطور «قسطنطين الكبير» الذى اكتشف بعد انتهاء حربه على أقرانه العسكريين أن ١٠% من أفراد مملكته يؤمنون بالمسيحية فتلطف معهم لتحقيق استقرار حكمه، ولضمان تهدئة الخواطر فى منطقة الهلال الخصيب، واستمرار تدفق القمح والنبيذ من مصر مزرعة الإمبراطورية، وليصدر فى عام ٣١٣ ميلادية مرسوما اعترف فيه بالمسيحية كإحدى ديانات الإمبراطورية.
أما القول الرابع لدى دكتور زيدان فى خاتمة مطافه باللاهوت العربى، فيتناول علاقة الدين بالعنف. ويشير فيه إلى أن الارتباط بين الدين والسياسة خلّف ارتباطاً بين الدين والعنف. مستشهداً بالسنوات الأولى الثلاث فى الألفية الثالثة والتى شهدت عمليات من العنف الدينى والعنف باسم الدين كما شهدت فى المقابل لها عنفا باسم محاربة الإرهاب الدينى وهو ما أدخل العالم فى دوامات من العنف والعنف المضاد.
ثم يبدأ فى طرح فكرته حول المدار المستقل لكل من الدين والسياسة فى عالم النظريات، فيدور فلك الأول حول محور الإله حسب تصور كل عقيدة، ويدور فلك الثانى حول محور الحاكم أيا كان مسماه. ولكن بما أن الطبيعة الأولية للسياسة جمعية لا تتم إلا فى جماعة إنسانية، بينما الطبيعة الأولية للدين فردية تعتمد على علاقة الفرد بربه، فإن تداخلاً بين الدين والسياسة لابد من واقع، فلا يمكن للسياسة أن تضبط الجماعة إلا بضبط الفرد، ولا يمكن للفرد أن يؤسس يقينه الدينى إلا من مخزون قداسة نابع من المجتمع.
وإذا كانت الديانات تبدأ بانبثاقة فوارة، فإن النظام السياسى فى المجتمع الذى ظهر فيه الدين الجديد تشكل ببطء، إلا أن صراعاً ينشأ بين ما يجدّ من أديان وبين السياسة القائمة فى المجتمعات التى يظهر بها، فالدين الجديد لا يقر النظام السياسى القائم، فيبدأ العنف كطرف ثالث فى جدلية الدين والسياسة، فالنظام السياسى القائم يواجه الدين الجديد المهدد له، فيقابله رعيل المؤمنين الأول بالجهاد والصبر.
وهو ما يطلق عليه دكتور زيدان «مواجهة دينية أولية للعنف الآتى من جهة النظام السياسى»، ففى اليهودية تحمل أتباع موسى أذى فرعون، وفى المسيحية يرتضى الحواريون ما تعرضوا له من صنوف العذاب من أجل التبشير بالمسيح وكتابة الأناجيل، ويذخر تاريخ الإسلام الأول بقصص تعذيب المشركين لمن أسلم، مثل بلال بن رباح وآل ياسر وصهيب الرومى وغيرهم الكثير.
وتنتهى تلك المرحلة بحالة كمون تنتج عن هجرة مؤقتة للمؤمنين بالدين الجديد إلى أرض أخرى، كالخروج أو التيه لدى اليهود، ورحيل المسيح وارتحال حوارييه، والهجرة فى الإسلام للحبشة ويثرب. ومع تلك الهجرة يهدأ العنف فيكتسب الدين قوة ويزداد انتشاراً يمكّنه من العودة لمواجهة النظام السياسى وطرح سبل جديدة لاقتسام السلطة والنفوذ.
فملوك اليهود القدامى، وأباطرة روما الذين آمنوا بالمسيحية ومبادئ الإسلام بعد فتح مكة، كلها تشير إلى بدء الاعتدال الأول بين الدين والسياسة. بحيث يصير الدين سياسيا، والسياسة متدينة، إلا أن هذا الهدوء لا يعنى عدم وجود مكان للعنف: بعضه هادئ وآخر ينذر بانقلاب جديد، كما يحدث عندما يكون ولاء بعض الجماعات للرموز الدينى أكبر من ولائها للحاكم، أو مع التذرع بالحجج الدينية لتأكيد خلل سياسى.
ومن ناحية أخرى، قد تتوحد السلطتان ويحكم الحاكم باسم الدين، وهو ما يراه دكتور زيدان نوعاً من التعدى وتبادل الأدوار، فهو تعدى الحاكم على الدين لتأكيد السلطة، أو تعدى الدين على السياسة لتكريس النفوذ، وهو ما ينذر بمزيد من التعدى باسم الدين أو السياسة. ثم يحلل دكتور زيدان ظهور ما اصطلحنا على تسميته بجماعات الإرهاب بالقول إن ذلك يحدث عندما تحدث انبثاقات جزئية داخل المنظومة الدينية تكون رافضة الكثير من الأوضاع السياسية، وتستند فيما تؤمن به إلى تراث فقهى فرعى، غالبا ما يكون متشدداً.
هنا يدخل العنف طرفاً أساسياً فى جدلية الدين والسياسة، فتلك الانبثاقات تلغى شرعية الحاكم، والحاكم يواجهها بالقوة للحفاظ على ما تم الاستقرار عليه سياسياً. بعد هذا العرض يبدأ دكتور زيدان فى عرض حلول لإشكالية العلاقة بين الدين والسياسة لنزع فتيل العنف منها، مؤكداً أن هذا لن يحدث إلا عبر الفهم والتفهم لحقيقة كل ما هو دينى أو سياسى، والضبط المتوازن لحركة الفرد فى المجتمع سواء من خلال القانون الوضعى، أو حركة التحريم والإباحة.
وهكذا ينهى دكتور زيدان كتابه المثير للجدل لا من قبل المسيحيين وحسب، ولكن من قبل المسلمين أيضاً.
http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=236515
قراءة نشوى الحوفى ١٣/ ١٢/ ٢٠٠٩ها نحن انتهينا من فصول الكتاب، الذى وكما بدأه دكتور يوسف زيدان بمقدمة لابد من قراءتها، ينهيه بخاتمة لابد من المرور عليها والتوقف عندها، لا لكونها تحوى ملخصاً سريعاً لما عرضه من أفكار، ولكن لتضمنها موقفه الخاص عن علاقة الأديان بالعنف وعلاقة الدين بالسياسة، عارضاً فيها أربعة «أقوال» يعبر كل منها عن فكرة تشغل فكره.
يدور الأول منها حول «سبب ظهور علم الكلام» عند المسلمين، وفيه يعود دكتور زيدان ليؤكد نفى نسب هذا العلم للمسلمين كما راق للكثيرين القول، مفنداً ما ذكروه من أسباب داخلية وخارجية أدت لظهوره.
ومن بين الأسباب الداخلية التى يتحدث عنها العلماء ويرون أنها كانت سبباً فى ظهور هذا العلم، انشغال المسلمين بعدد من القضايا، فرضها الواقع الدينى فى القرن الأول الهجرى وما ترتب على ذلك من إثارة لمسائل عقائدية، مثل الصراع بين على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان الذى طرح وبقوة فى المجتمع الإسلامى مسألة «الإمامة».. لمن تكون وصفات من يقوم عليها.. وقضية «مرتكب الكبيرة» التى أفرزها التطبيق المتشدد للشريعة الإسلامية من قبل الخوارج.
أما الأسباب الخارجية لظهور علم الكلام، كما يقول المتمسكون بإسلاميته، فيلخصها دكتور زيدان بالقول إنه ترتب على الفتوحات الإسلامية للعديد من البلدان ومن مختلف الثقافات مجادلات ونقاشات بين المسلمين وأهل تلك البلاد حول حقيقة الدين ودلائل نبوة رسول الإسلام وارتباط الإيمان بالأديان، وغيرها من القضايا الإيمانية التى انبرى علماء المسلمين للدفاع عن الرؤية الإسلامية لها.
ثم يعلق دكتور زيدان مرة أخرى بالقول: «لم ينتبه علماء المسلمين ولا المستشرقون من البلاد الأخرى إلى أن علم الكلام كان امتداداً لعلم اللاهوت العربى، وذلك لأنهم لم يلحظوا أهمية الجغرافيا فى تلك المسألة وارتباط هذا العلم كما قلنا بمنطقة العراق والشام. وكيف أن الصفات الإلهية كانت محوراً لهذا العلم».
ثم ينتقل الدكتور يوسف زيدان إلى القول الثانى ويحمل عنوان «التأثير والتأثر» مؤكداً فى اعتقاده أن سبب غياب فكرة تأثر علم الكلام بعلم اللاهوت العربى لدى العلماء المسلمين يعود إلى نفيهم تأثر آباء الكلام، من المسلمين، بمن سبقهم من المسيحيين وكأن الفكر الإنسانى يطفر فجأة من الفراغ، بالإضافة إلى تشويش بعض المستشرقين على الحقائق الخاصة بتأثر علم الكلام باللاهوت العربى، وذلك لنفى الأصالة عن المسلمين.
وهو ما يعلق عليه بالقول: «من سخرية الوقائع بين الطرفين أنه كان كلما قال أحد علماء المسلمين بفكرة أو نظرية ما، سارع المستشرقون بالبحث عنها فى تراثهم اليونانى أو اليهودى أو المسيحى لنفى الإبداع عن المسلمين، فيسارع المسلمون بالرد عليهم لإثبات عبقرية المسلمين، وهكذا حتى امتد الأمر لكل فروع العلوم، كل طرف ينفى إمكانية تأثر وتأثير كل منهما فى الآخر».
ويأتى قول دكتور زيدان الثالث، والذى يتحدث فيه عن علاقة الدين بالسياسة، فيقول بعدم إمكانية فصل الدين عن السياسة كما ينادى البعض فيما اشتهر باسم «العلمانية» التى كانت تشير فى اليهودية إلى اليهودى غير المتدين الذى يظل رغم عدم تدينه يهودياً لكونه مولوداً من أم يهودية، وتعبر فى المسيحية عن الاتجاه المعنى بالعمل فى العالم لا بالخدمة الكنسية ومن دون إدانة للعلمانى المسيحى، وصارت تعنى لدى المسلمين مرادفاً للإلحاد والكفر والزندقة.
ثم يبدأ دكتور زيدان فى سرد مبرراته التى تنفى عدم فصل الدين عن السياسة فى التاريخ البشرى، بدءاً من اليهودية التى ظل الواقع السياسى فيها يوجه الدين وهو ما ظهر فى كتابة التوراة بعد العودة من السبى البابلى، وانتظار المهدى المخلص لهم من ظلم وقهر الرومان «الماشيح»، حتى دولة إسرائيل قامت على أساس دينى بحت، فما إسرائيل إلا الاسم المعدل للنبى يعقوب الذى غالب الله فغلبه كما تقول التوراة وما سعيهم اليوم لقتل الفلسطينيين وإجلاؤهم عن الأرض إلا تنفيا لأمر إلهى قديم «اقتل كى تكون».
ثم يستشهد الدكتور زيدان بواقع الإسلام، مؤكداً أن الدين لم يكن لينتشر لو ظل المسلمون قلة مستضعفين ولو لم يبادروا بتأسيس الدولة والتشريع لها عبر حروب بدأت بالمشركين وانتهت بالفتح الإسلامى، ومعاهدات جوار وكتابة مراسلات للملوك، وهو ما يؤكد حقيقة أنه لولا الدولة ما كان الدين.
أما عن علاقة السياسة بالدين المسيحى فيؤكد دكتور زيدان أن المسيح قال إن مملكته ليست فى هذا العالم وإنه جاء ليدعو إلى ملكوت السماء، ولكن انتشار المسيحية بين أرجاء الإمبراطورية الرومانية جعل للدين علاقة قوية بالسياسة، فلا يمكن التأريخ للمسيحية بعيداً عن لحظة ارتباطها بالإمبراطور «قسطنطين الكبير» الذى اكتشف بعد انتهاء حربه على أقرانه العسكريين أن ١٠% من أفراد مملكته يؤمنون بالمسيحية فتلطف معهم لتحقيق استقرار حكمه، ولضمان تهدئة الخواطر فى منطقة الهلال الخصيب، واستمرار تدفق القمح والنبيذ من مصر مزرعة الإمبراطورية، وليصدر فى عام ٣١٣ ميلادية مرسوما اعترف فيه بالمسيحية كإحدى ديانات الإمبراطورية.
أما القول الرابع لدى دكتور زيدان فى خاتمة مطافه باللاهوت العربى، فيتناول علاقة الدين بالعنف. ويشير فيه إلى أن الارتباط بين الدين والسياسة خلّف ارتباطاً بين الدين والعنف. مستشهداً بالسنوات الأولى الثلاث فى الألفية الثالثة والتى شهدت عمليات من العنف الدينى والعنف باسم الدين كما شهدت فى المقابل لها عنفا باسم محاربة الإرهاب الدينى وهو ما أدخل العالم فى دوامات من العنف والعنف المضاد.
ثم يبدأ فى طرح فكرته حول المدار المستقل لكل من الدين والسياسة فى عالم النظريات، فيدور فلك الأول حول محور الإله حسب تصور كل عقيدة، ويدور فلك الثانى حول محور الحاكم أيا كان مسماه. ولكن بما أن الطبيعة الأولية للسياسة جمعية لا تتم إلا فى جماعة إنسانية، بينما الطبيعة الأولية للدين فردية تعتمد على علاقة الفرد بربه، فإن تداخلاً بين الدين والسياسة لابد من واقع، فلا يمكن للسياسة أن تضبط الجماعة إلا بضبط الفرد، ولا يمكن للفرد أن يؤسس يقينه الدينى إلا من مخزون قداسة نابع من المجتمع.
وإذا كانت الديانات تبدأ بانبثاقة فوارة، فإن النظام السياسى فى المجتمع الذى ظهر فيه الدين الجديد تشكل ببطء، إلا أن صراعاً ينشأ بين ما يجدّ من أديان وبين السياسة القائمة فى المجتمعات التى يظهر بها، فالدين الجديد لا يقر النظام السياسى القائم، فيبدأ العنف كطرف ثالث فى جدلية الدين والسياسة، فالنظام السياسى القائم يواجه الدين الجديد المهدد له، فيقابله رعيل المؤمنين الأول بالجهاد والصبر.
وهو ما يطلق عليه دكتور زيدان «مواجهة دينية أولية للعنف الآتى من جهة النظام السياسى»، ففى اليهودية تحمل أتباع موسى أذى فرعون، وفى المسيحية يرتضى الحواريون ما تعرضوا له من صنوف العذاب من أجل التبشير بالمسيح وكتابة الأناجيل، ويذخر تاريخ الإسلام الأول بقصص تعذيب المشركين لمن أسلم، مثل بلال بن رباح وآل ياسر وصهيب الرومى وغيرهم الكثير.
وتنتهى تلك المرحلة بحالة كمون تنتج عن هجرة مؤقتة للمؤمنين بالدين الجديد إلى أرض أخرى، كالخروج أو التيه لدى اليهود، ورحيل المسيح وارتحال حوارييه، والهجرة فى الإسلام للحبشة ويثرب. ومع تلك الهجرة يهدأ العنف فيكتسب الدين قوة ويزداد انتشاراً يمكّنه من العودة لمواجهة النظام السياسى وطرح سبل جديدة لاقتسام السلطة والنفوذ.
فملوك اليهود القدامى، وأباطرة روما الذين آمنوا بالمسيحية ومبادئ الإسلام بعد فتح مكة، كلها تشير إلى بدء الاعتدال الأول بين الدين والسياسة. بحيث يصير الدين سياسيا، والسياسة متدينة، إلا أن هذا الهدوء لا يعنى عدم وجود مكان للعنف: بعضه هادئ وآخر ينذر بانقلاب جديد، كما يحدث عندما يكون ولاء بعض الجماعات للرموز الدينى أكبر من ولائها للحاكم، أو مع التذرع بالحجج الدينية لتأكيد خلل سياسى.
ومن ناحية أخرى، قد تتوحد السلطتان ويحكم الحاكم باسم الدين، وهو ما يراه دكتور زيدان نوعاً من التعدى وتبادل الأدوار، فهو تعدى الحاكم على الدين لتأكيد السلطة، أو تعدى الدين على السياسة لتكريس النفوذ، وهو ما ينذر بمزيد من التعدى باسم الدين أو السياسة. ثم يحلل دكتور زيدان ظهور ما اصطلحنا على تسميته بجماعات الإرهاب بالقول إن ذلك يحدث عندما تحدث انبثاقات جزئية داخل المنظومة الدينية تكون رافضة الكثير من الأوضاع السياسية، وتستند فيما تؤمن به إلى تراث فقهى فرعى، غالبا ما يكون متشدداً.
هنا يدخل العنف طرفاً أساسياً فى جدلية الدين والسياسة، فتلك الانبثاقات تلغى شرعية الحاكم، والحاكم يواجهها بالقوة للحفاظ على ما تم الاستقرار عليه سياسياً. بعد هذا العرض يبدأ دكتور زيدان فى عرض حلول لإشكالية العلاقة بين الدين والسياسة لنزع فتيل العنف منها، مؤكداً أن هذا لن يحدث إلا عبر الفهم والتفهم لحقيقة كل ما هو دينى أو سياسى، والضبط المتوازن لحركة الفرد فى المجتمع سواء من خلال القانون الوضعى، أو حركة التحريم والإباحة.
وهكذا ينهى دكتور زيدان كتابه المثير للجدل لا من قبل المسيحيين وحسب، ولكن من قبل المسلمين أيضاً.
http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=236515
تعليق