أولا : موقف من رفض الأمانة ؟ !
ماذا حدث لمن رفض الأمانة ؟
بعد رفض السماوات والأرض والجبال لقبول الأمانة التى عرضها الله عز وجل وممارسة حقهن فى ذلك ، كان من عدل الله أنه خيرهن مرة أخرى ، ولكن هذه المرة اقتصر التخيير على الطاعة التامة لله والاستجابة لأمره إذا كلفهن بعمل ما أو سخرهن لوظيفة ما ، حتى وإن كانت لصالح الإنسان ، فاختاروا جميعا الطاعة والخضوع لله عز وجل ، يكلفهن بما يشاء وسوف يلتزمن تمام الالتزام .
وقد كانت السماوات والأرض عند ذلك متلاصقات متراكمات ، فكانت السماوات دخانا ملتصقا بالأرض على غير هيأتها اليوم ، كما قال عز وجل :
] أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [ [الأنبياء/30] .
وقال أيضا : ] ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [ [فصلت/11] والمعنى أى تهيأن بأمر الله على الوضع الذى يسمح للإنسان أن يكون مستخلفا فى الأرض مستفيدا منكن بحيث يتحقق فيكن الوضع الأمثل لكى يكون أمينا فى الأرض مخولا فيها على وجه الاختبار .
ومعنى قوله : قالتا أتينا طائعين ، أى استجابت السماوات والأرض وقالتا أتينا مذللين مسخرين ، تنفيذا لمراد رب العالمين .
قال ابن عباس رضى الله عنه في قوله تعالى : قال الله تبارك وتعالى للسماوات اطلعي شمسي وقمري ونجومي وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك قالتا أتينا طائعين ، وقال ابن كثير : قالتا أتينا طائعين أي بل نستجيب لك مطيعين بما فينا مما تريد خلقه من الملائكة والجن والإنس جميعا مطيعين لك ، ويذكر عن الحسن البصري أنه قال : لو أبيا عليه أمره لعذبهما عذابا يجدان ألمه (تفسير ابن كثير4/94)
وقال ابن جرير الطبرى : ( قال الله للسماء والأرض جيئا بما خلقت فيكما أما أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم وأما أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات وتشققي عن الأنهار قالتا أتينا طائعين جئنا بما أحدثت فينا من خلقك مستجيبين لأمرك لا نعصي أمرك ) ( تفسير ابن جرير الطبرى 24/98 ) ويقول القرطبى : ( قالتا أتينا طائعين فيه أيضا وجهان : أحدهما : أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما وقال أكثر أهل العلم : بل خلق الله فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد تعالى ) ( القرطبى 15/343 ، 344 ، وانظر فى هذا المعنى أيضا فتح البارى ح8ص556 ،557 ، تاريخ الأمم والملوك الطبرى 1/23 )
وبعد استجابة السماء والأرض للتسخير والطاعة ، فصل الله السماء عن الأرض ، وجعل السماء سبعا طباقا ، وزين السماء الدنيا بالنجوم والكواكب ، وثبت الأرض بالجبال حتى تسكن ولا تضطرب ، وذلك ليتمكن الإنسان من الحياة فيها ، فقال الله عز وجل يصف الوضع النهائى الأمثل الذى سيظل عليه العالم إلى يوم القيامة :
] قلْ أَئِنَّكُمْ لَتكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [ [فصلت/12:9] .
كل ذلك حتى يجعل اللَّهُ من رفض الأمانة مسخرا طائعا لمن قبلها وهو الإنسان ، فكيَّف هذه المخلوقات وفق سنن ونواميس ، وأجراها على أسباب وقوانين وعلل ومعلولات ، تسمح بقبول فعل الإنسان وتأثيره فيها وتعطيه معنى التملك والسلطنة ، والقوة والهيمنة ما دام يعمل وفق هذه السنن ، فلا معنى لوجود هذه المخلوقات فى الأرض أو فى السماوات إلا هذا ، بجوار أنها مسبحة موحدة ، عابدة ساجدة ، تظل على هذا الحال إلى يوم القيامة ، ثم يبدلها اللَّه بعد ذلك إلى وضع جديد ، لانتهاء دورها وما قامت من أجله ، يبدلها الله فى الآخرة إلى وضع يتناسب مع محاسبة الإنسان على الأمانة التى سيحملها ، فقال الله تعالى مبينا هذه الحقيقة :
} يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ { [إبراهيم/48] .
ومن ثم فإن الوحيد المستفيد من كل ما على الأرض هو الإنسان ، وكل ما فى الأرض مخلوق لأجله بنص القرآن ، ومن أجل الاستخلاف الذى كرمه اللَّه به قال تعالى : ] هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { [البقرة/29] .
وهذه الآية دليل واضح على أن كل من فى الأرض مخلوق من أجل الإنسان كما بينت الآية التى أعقبتها مباشرة أن السبب فى تبوء الإنسان هذه المنزلة استخلافه فى الأرض : } وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [ [البقرة/30] .
فأعطاه الله مقومات الخليفة من العلم الحرية والاستطاعة فى معيشته على الأرض ، لينظر هل سيكون أمينا صادقا أو كاذبا فى وصفه بالأمانة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ )
وقال تعالى : } وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ { [الأعراف/10] .
ولهذا يذكِّر الله الإنسان فى القرآن دائما بهذه النعم ، وبوجوب شكر الله عليها ، ولكن الإنسان فى أغلب الأحيان جاحد لذلك ، فقال تعالى :
] اللَّهُ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ ، وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [ [إبراهيم/34:32] .
وقال سبحانه وتعالى : ] أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَادًا ، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ، وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ، وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ، وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ، لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ، وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ، إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [ [النبأ/17:6] .
وقال سبحانه وتعالى : ] خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ، وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ، وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ، هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ، يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ، وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ، وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ، وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ، أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ { [النحل/19:3] وهناك الكثير والكثير من آيات القرآن التى تشرح هذه المعانى بتفصيل طويل .
وعلى ذلك فكل هذه المخلوقات مسخرات بأمر الله ، قائمات على خدمة الإنسان ، باقيات على هذا الحال مدام الإنسان باق للاختبار والابتلاء ، إضافة إلى كونها عابدات طائعات لربها ، قبلت الطاعة بإرادتها ، فبقاؤها على هذا الحال يرتبط ببقاء الإنسان إلى يوم القيامة مستخلفا فى الأرض ، فإذا انتهت الدنيا ، تكورت الشمس وتبعثرت النجوم وسيرت الجبال ، وعطلت العشار ، وتبخرت البحار والأنهار ، وزلزلت الأرض ، وتهيأت بأمر الله لوضع جديد يحاسب فيه الإنسان على الأمانة ، فقال تعالى :
] إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ، وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ، وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ، وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ، وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ، وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ، وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [ [التكوير/14:1] .
وقال تعالى أيضا : ] إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ ، وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [ [الانفطار/5:1] .
وقال فى موضع آخر من القرآن : ] إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالهَا ، وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ، وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [ [الزلزلة/8:1] .
فالسماوات التى رفعها الله وفصلها عن الأرض من أجل هذا الإنسان والتى قال الله فيها : ] الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ، ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [ [الملك/4:3] .
هذه السماوات سوف تتغير بعد انتهاء دورها ، وأداء وظيفتها فى تهيئة العالم لاستخلاف الإنسان فى الأرض : } وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلا ، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا { [الفرقان/26:25] .
فأنت أيها القارئ العاقل ترى الكون كما هيأه الله فى كمال الانضباط ، كل يسير خاضعا لأمر الله لا الشمس تتأخر لحظة ، ولا القمر يتخلف ليلة ، ولا النجوم تترك مواقعها ، كما قال تعالى :
} وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ { [يس/40:37] .
وعلى ذلك يمكن لك أيها القارئ أن تدرك : لماذا خلق العالم على هذا الوضع الذى نراه ؟ وهل سيبقى على ذلك أبدا ؟ أم ليوم معلوم عند الله ثم ينتهى ويتغير ؟ وهل هذا العالم الذى نعيش فيه على الأرض يحقق فعلا تميزا مخصوصا للإنسان ينفرد به عن غيره ؟ وكثير من الأسئلة التى تتردد على الأذهان حول هذا الموضوع ، يمكن لأى إنسان بسهولة ويسر بعد العلم بهذه الحقائق العظمى أن يجيب عليها وهو على يقين من أمره .
ماذا حدث لمن رفض الأمانة ؟
بعد رفض السماوات والأرض والجبال لقبول الأمانة التى عرضها الله عز وجل وممارسة حقهن فى ذلك ، كان من عدل الله أنه خيرهن مرة أخرى ، ولكن هذه المرة اقتصر التخيير على الطاعة التامة لله والاستجابة لأمره إذا كلفهن بعمل ما أو سخرهن لوظيفة ما ، حتى وإن كانت لصالح الإنسان ، فاختاروا جميعا الطاعة والخضوع لله عز وجل ، يكلفهن بما يشاء وسوف يلتزمن تمام الالتزام .
وقد كانت السماوات والأرض عند ذلك متلاصقات متراكمات ، فكانت السماوات دخانا ملتصقا بالأرض على غير هيأتها اليوم ، كما قال عز وجل :
] أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [ [الأنبياء/30] .
وقال أيضا : ] ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [ [فصلت/11] والمعنى أى تهيأن بأمر الله على الوضع الذى يسمح للإنسان أن يكون مستخلفا فى الأرض مستفيدا منكن بحيث يتحقق فيكن الوضع الأمثل لكى يكون أمينا فى الأرض مخولا فيها على وجه الاختبار .
ومعنى قوله : قالتا أتينا طائعين ، أى استجابت السماوات والأرض وقالتا أتينا مذللين مسخرين ، تنفيذا لمراد رب العالمين .
قال ابن عباس رضى الله عنه في قوله تعالى : قال الله تبارك وتعالى للسماوات اطلعي شمسي وقمري ونجومي وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك قالتا أتينا طائعين ، وقال ابن كثير : قالتا أتينا طائعين أي بل نستجيب لك مطيعين بما فينا مما تريد خلقه من الملائكة والجن والإنس جميعا مطيعين لك ، ويذكر عن الحسن البصري أنه قال : لو أبيا عليه أمره لعذبهما عذابا يجدان ألمه (تفسير ابن كثير4/94)
وقال ابن جرير الطبرى : ( قال الله للسماء والأرض جيئا بما خلقت فيكما أما أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم وأما أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات وتشققي عن الأنهار قالتا أتينا طائعين جئنا بما أحدثت فينا من خلقك مستجيبين لأمرك لا نعصي أمرك ) ( تفسير ابن جرير الطبرى 24/98 ) ويقول القرطبى : ( قالتا أتينا طائعين فيه أيضا وجهان : أحدهما : أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما وقال أكثر أهل العلم : بل خلق الله فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد تعالى ) ( القرطبى 15/343 ، 344 ، وانظر فى هذا المعنى أيضا فتح البارى ح8ص556 ،557 ، تاريخ الأمم والملوك الطبرى 1/23 )
وبعد استجابة السماء والأرض للتسخير والطاعة ، فصل الله السماء عن الأرض ، وجعل السماء سبعا طباقا ، وزين السماء الدنيا بالنجوم والكواكب ، وثبت الأرض بالجبال حتى تسكن ولا تضطرب ، وذلك ليتمكن الإنسان من الحياة فيها ، فقال الله عز وجل يصف الوضع النهائى الأمثل الذى سيظل عليه العالم إلى يوم القيامة :
] قلْ أَئِنَّكُمْ لَتكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [ [فصلت/12:9] .
كل ذلك حتى يجعل اللَّهُ من رفض الأمانة مسخرا طائعا لمن قبلها وهو الإنسان ، فكيَّف هذه المخلوقات وفق سنن ونواميس ، وأجراها على أسباب وقوانين وعلل ومعلولات ، تسمح بقبول فعل الإنسان وتأثيره فيها وتعطيه معنى التملك والسلطنة ، والقوة والهيمنة ما دام يعمل وفق هذه السنن ، فلا معنى لوجود هذه المخلوقات فى الأرض أو فى السماوات إلا هذا ، بجوار أنها مسبحة موحدة ، عابدة ساجدة ، تظل على هذا الحال إلى يوم القيامة ، ثم يبدلها اللَّه بعد ذلك إلى وضع جديد ، لانتهاء دورها وما قامت من أجله ، يبدلها الله فى الآخرة إلى وضع يتناسب مع محاسبة الإنسان على الأمانة التى سيحملها ، فقال الله تعالى مبينا هذه الحقيقة :
} يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ { [إبراهيم/48] .
ومن ثم فإن الوحيد المستفيد من كل ما على الأرض هو الإنسان ، وكل ما فى الأرض مخلوق لأجله بنص القرآن ، ومن أجل الاستخلاف الذى كرمه اللَّه به قال تعالى : ] هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { [البقرة/29] .
وهذه الآية دليل واضح على أن كل من فى الأرض مخلوق من أجل الإنسان كما بينت الآية التى أعقبتها مباشرة أن السبب فى تبوء الإنسان هذه المنزلة استخلافه فى الأرض : } وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [ [البقرة/30] .
فأعطاه الله مقومات الخليفة من العلم الحرية والاستطاعة فى معيشته على الأرض ، لينظر هل سيكون أمينا صادقا أو كاذبا فى وصفه بالأمانة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ )
وقال تعالى : } وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ { [الأعراف/10] .
ولهذا يذكِّر الله الإنسان فى القرآن دائما بهذه النعم ، وبوجوب شكر الله عليها ، ولكن الإنسان فى أغلب الأحيان جاحد لذلك ، فقال تعالى :
] اللَّهُ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ ، وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [ [إبراهيم/34:32] .
وقال سبحانه وتعالى : ] أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَادًا ، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ، وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ، وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ، وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ، لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ، وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ، إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا [ [النبأ/17:6] .
وقال سبحانه وتعالى : ] خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ، وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ، وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ، هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ، يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ، وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ، وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ، وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ، أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ { [النحل/19:3] وهناك الكثير والكثير من آيات القرآن التى تشرح هذه المعانى بتفصيل طويل .
وعلى ذلك فكل هذه المخلوقات مسخرات بأمر الله ، قائمات على خدمة الإنسان ، باقيات على هذا الحال مدام الإنسان باق للاختبار والابتلاء ، إضافة إلى كونها عابدات طائعات لربها ، قبلت الطاعة بإرادتها ، فبقاؤها على هذا الحال يرتبط ببقاء الإنسان إلى يوم القيامة مستخلفا فى الأرض ، فإذا انتهت الدنيا ، تكورت الشمس وتبعثرت النجوم وسيرت الجبال ، وعطلت العشار ، وتبخرت البحار والأنهار ، وزلزلت الأرض ، وتهيأت بأمر الله لوضع جديد يحاسب فيه الإنسان على الأمانة ، فقال تعالى :
] إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ، وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ، وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ، وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ، وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ، وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ، وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [ [التكوير/14:1] .
وقال تعالى أيضا : ] إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ ، وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [ [الانفطار/5:1] .
وقال فى موضع آخر من القرآن : ] إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالهَا ، وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ، وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [ [الزلزلة/8:1] .
فالسماوات التى رفعها الله وفصلها عن الأرض من أجل هذا الإنسان والتى قال الله فيها : ] الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ، ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [ [الملك/4:3] .
هذه السماوات سوف تتغير بعد انتهاء دورها ، وأداء وظيفتها فى تهيئة العالم لاستخلاف الإنسان فى الأرض : } وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلا ، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا { [الفرقان/26:25] .
فأنت أيها القارئ العاقل ترى الكون كما هيأه الله فى كمال الانضباط ، كل يسير خاضعا لأمر الله لا الشمس تتأخر لحظة ، ولا القمر يتخلف ليلة ، ولا النجوم تترك مواقعها ، كما قال تعالى :
} وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ { [يس/40:37] .
وعلى ذلك يمكن لك أيها القارئ أن تدرك : لماذا خلق العالم على هذا الوضع الذى نراه ؟ وهل سيبقى على ذلك أبدا ؟ أم ليوم معلوم عند الله ثم ينتهى ويتغير ؟ وهل هذا العالم الذى نعيش فيه على الأرض يحقق فعلا تميزا مخصوصا للإنسان ينفرد به عن غيره ؟ وكثير من الأسئلة التى تتردد على الأذهان حول هذا الموضوع ، يمكن لأى إنسان بسهولة ويسر بعد العلم بهذه الحقائق العظمى أن يجيب عليها وهو على يقين من أمره .
تعليق