هل فى القرآن الكريم كلمات غير عربية ؟
الفريق الأول : استند فى رأيه على ماورد فى القرآن الكريم من آيات صريحة بأنه لايوجد ألفاظ غير عربية فى القرآن الكريم، لقوله تعالى : {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيّ} (سورة فصلت ، الآية 44 ) ، وقوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } (سورة يوسف ، الآية 2)
ومن هؤلاء العلماء : الفقية الأصولى الإمام محمد بن إدريس الشافعى (ت204هـ ـ 820م)، إمام فقه اللغة أبو عبيدة (ت210هـ ـ 835م)، المفسر والمؤرخ ابن جرير الطبرى (ت310هـ ـ 923م)
الفريق الثانى : ذهب أصحابه إلى وجود بعض الألفاظ الأعجمية فى القرآن، وهذا لا يخرجه عن كونه { قُرْآناً عَرَبِيّاً } لأن القصيدة الفارسية تظل فارسية وإن وردت بها ألفاظاً غير فارسية ، وعن قوله تعالى { أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } بأن المعنى من السياق "أكلام أعجمى ومخاطب عربى ! .
ومن هؤلاء القائلين بالألفاظ الأعجمية : ابن عباس (ت68هـ ـ 688م ) وتلميذه عكرمة (ت 105 هـ ـ 723 م ) وأبو موسى الأشعرى (ت42 هـ ـ 662 م )، وقد أقر جلال الدين السيوطى ( ت 911 هـ ـ 1505م ) بوقوع الألفاظ الأعجمية .
الفريق الثالث : حاول أصحابه التوسط بين الفريقين السابقين، ومن هؤلاء أبو عبيدة القاسم بن سلام (ت 224هـ ـ 838 م ) الذى قال : والصواب عندى ـ والله أعلم ـ مذهب فيه تصديق القولين جميعاً، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب، فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال إنها أعجمية فهو صادق، وقد مال إلى هذا القول الجواليقى وابن الجوزى وآخرون ,
ونحن نميل إلى الرأى الثانى الذى يقول بوجود كلمات أعجمية غير عربية فى القرآن الكريم، وهو لون من ألوان الاعجاز اللغوى الذى نزل به القرآن، ومن ذلك كلمة "راعنا" فى قوله تعالى: ) يا أيُّها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا وقولوا انظُرْناواسمعوا وللكافرينَ عذابٌ أليمٌ" (البقرة: 104) .
حيث جاء فى كتاب التفسير الغائب لعطية زاهدة مايلى:
اختلف المفسرون في كلمة "راعنا"، وجاء في أمرِها آراءٌ عجيبة. ولمّا كانتِ الآية ُ"منَ الذينَ هادوايحرّفون الكلمَ عن مواضعِهِ ويقولونَ سمعْنا وعصيْنا واسمعْ غيرَ مُسمَعٍ وراعِناليّاً بألسنتِهم" تبين بصراحةٍ أنها من أقوالِ اليهودِ ليّاً بألسنتِهم، فهذا يعنيأنّ اليهودَ كانوا يقولونَها ليّاً بألسنتِهم إيهاماً بأنَّها عربيّةٌ، مع أنَّالقصد منها هو معناها في العبريّةِ، وهذا يعني أنَّ كلمة "راع" موجودةٌ في لغتِهم. ومن هنا كان حريّاً بالمفسرينَ أنْ يمسكوا بكلمة "راع" في العبريّةِ، لينطلقوا منهاإلى فهمِ المسألة على حقيقتِها.
إنْ كلمة "راعْ" فى العبرية معناها: سيّء، أي هي وصفٌ للشيءِبالسوء أو القذارة وما إلى ذلك. فإذاقلتَ في العبريةِ : "فلان راعْ" فتقصد: "فلان سيء" أو إذا قلتَ : "فلان هوْإيشْ راعْ" فتقصدُ أنَّ فلان هو رجلٌ سيّءٌ،ولوْ كنتَبينَ قومٍ عبرانيّينَ وأرادوا أن يشيروا لك إلى شخصٍ بعينِهِ بأنه السيءُ فيهم، أوبأنهُ سيّئهم، فإنهم يقولون عنهُ: "راعينوأيْ: هوَسيئُنا.
ولتوضيح المقصودِ بمايلى:كلمةُ "سِفر" التي معناها: كتاب، هي في العبريّةِ أيضاً )سِفِرْ( ، وتلفظُ بمدّ الكسرةِ الأولى التي تحتَ السين فنقول: (سيِفِر)، وإذا أردنا فيالعربيّةِ أن نبينَ عن سفرٍ بأنهُ خاصتُنا ولنا فإننا نقول: سِفْرُنا. وأمّا فيالعبريّةِ فنقول: سِفْرينو (sifraino).. أيعند لفظِها نلوي بلسانِنا ونُميلُه.
فماذا كان يفعل اليهودُ في المدينةِ من أجل الإساءة إلىالرسول، عليهِ السلامُ؟
انتهز هؤلاء كلمةَ "راعنا" العربيةَ،والتي يقصد العربُ بقولِها أن ينظرَ المخاطَبُ بها إليهم، أي كان العربُ يستعملونهافي طلبِ نظرةِ الرعايةِ والاعتناء بهم من قِبَلَ الذي يخاطبونه. ولا نزال إلىاليومِ نستعملُها، وبخاصةٍ في مجال البيعِ والشراء، فنقول للبائعِ الذي نشعرُ أنهيطلبُ سعراً غالياً، ونريد أن يكرمَنا بخفضِهِ – نقول له: راعِنا يا ابن الحلال!.. أو نستنكرُ منه طلب سعرٍ غالٍ فنقول له: ما لكَ لا تراعينا يارجلُ ! حسناً، انتهز يهودُ المدينةِ كلمةَ : "راعنا" العربيّةَليقولوها قاصدينَ منها معناها، لا العربيَّ، بل معناها في لسانِهم العبريِّ : "ليّاً بألسنتِهم". ومن البدهيِّ أن كثيراً منهم كانوا يلحنون في تحدُّثِهمبالعربيّةِ، ومن ذلكَ تغييرُ بعض الحركاتِ في الكلماتِ العربيّةِ بما يناسبُ ما فيلسانِهم، فانتهزوا هذا أيضاً للتغطية وتمشيةِ الخداعِ. أجل، انتهزَ اليهودُ كلمة "راعِنا" العربيّةَ معَ الليِّلها بألسنتِهم، وصاروا يخاطبونَ بها الرسولَ، عليهِ السلامُ، قاصدينَ منها أنيصفوهُ بأنهُ سيئهم (أي السيء في القوم الموجودين حين الخطاب). وهنا يوجد احتمالانفي ليِّ تلك الكلمةِ:
( الاحتمال الأول، وأراه الأقوى): هو أنهم كانوا يقولونَها: راعينو أي: يا سيّئَنا، أو : ياأيّها السيءُ فينا ومن بيننا.
الاحتمالالثاني: هو أنهم كانوا يقولونَها : "راعْنا"، بتسكين العين على أصلِ كلمة "راعْ" فيلسانِهم. وهي أيضاً بمعنى: يا سيّئنا، أو : أيها السيءُ فينا ومنبيننا.
وهكذا كاناليهودُ يفعلونَ بكلمة "راعِنا"، عندما يخاطبون الرسولَ ،عليْهِ السلامُ، يلوونَألسنتَهم بها، أو يلحنونَ في لفظِها، من أجل أن يقصدوا أن يصفوهُ بأنّه سيّءٌ، أيْكانوا يتظاهروَن كأنهم مهتمون أن يوجهَ إليهم نظرَهُ وسمعَهُ؛ إيهاماً بانهم يجعلون لاهتمامه بهم اعتباراً ووزناً .ومن أجل أن يقطعَ الله تعالى عليهم هذا الخبثَ، وتلكالمخادعةَ، وذلك التمويهَ، فقد طلب منهم أن يقولوا :"اسمعْوانظُرْنا".منَالذينَ هادوا يحرّفون الكلمَ عن مواضعِهِ ويقولونَ سمعْنا وعصيْنا واسمعْ غيرَمُسمَعٍ وراعِنا ليّاً بألسنتِهم وطعناً في الدين، ولو أنّهم قالوا سمعنا وأطعناواسمعْ وانظُرْنا لكانَ خيراً لهم وأقومَ، ولكنْ لعنَهم اللهُ بكفرِهم فلا يؤمنونإلّا قليلاً" (النساء: 46) يا أيُّها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا وقولوا انظُرْناواسمعوا وللكافرينَ عذابٌ أليمٌ" (البقرة: 104) .
تعليق