بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا زعيم ببيت في رَبَض الجنة لمن ترك المِراء وإن كان محقاً ) ([1])
(2) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داوود
وربض الجنة : هو بفتح الراء و الباء .. هو ما حولها فالربض هنا حوالي الجنة وأطرافها لا في وسطها وفي رواية ( من ترك المِراء وهو محق بني له بيت في وسط الجنة ) فعلى طالب العلم أن يبتعد عن الجدال عن المِراء حتى لا يؤخر نفسه عن الخير فإن المراء والجدال سبب من أسباب قساوة القلب وحصول الحقد والحسد والغل في القلوب قال سليمان بن داوود عليه السلام لابنه يا بني ، إياك والمراء فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان .
****************************
*****************
***********
وقال العباس بن غالب الهمذاني الوَرَّاقُ – رحمهم الله تعالى -: قلت لأحمد بن حنبل – رحمهم الله تعالى - يا أبا عبد الله ،أكون في المجلس ليس فيه من يعرف السنة غيري فيتكلم مبتدع أردُّ عليه ...؟
فقال : لا تنصب نفسك لهذا أخبره بالسنة ولا تخاصم ، فأعدت عليه القول فقال : ما أراك إلا مخاصمًا . **************************
وقيل للحسن البصري – رحمه الله تعالى - : كلما جاء رجل أجدل من رجلِ تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم
** الرسول صلى الله عليه وسلم يحذِّر طلاّب العلم من الجدال والمراء **
* قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِىَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُمَارِىَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ ) وفي رواية :عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلاَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ ) وفي رواية عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : ( لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِتَصْرِفُوا وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ) ([1]) قال العلماء – رحمهم الله تعالى - مباهات العلماء – رحمهم الله تعالى - أن يظهر لهم أنه يعرف ما يعرفون ، ويدرك ما لا يدركون من المعاني والاستنباطات ، وأنه يستطيع أن يرد عليهم ، ويبين أنهم يخطئون .
- عن أبي هريرة ** _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلاَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ ) ([2])
وعن ابن سيرين قال : إني لأدع المراء وإني لأعلمكم به .
وقد جاء في تفسير قوله تعالى { فأما الذين في قلوبهم زيغ } يعني حب الجدل .
وقال الأوزاعي : المنازعة والجدال في الدين محدث .
- واعلم أنك متى تدبرت سيرة الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح وجدتهم ينهون عن جدال أهل البدعة بأبلغ النهي ولا يرون رد كلامهم بدلائل العقل
** حقيقة الجدال والمِراء كما بينه العلماء *
قال العلماء رحمهم الله تعالى : حَدُّ المراء ([3]) هو كل اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه إما في اللفظ وإما في المعنى وإما في قصد المتكلم وترك الكلام بترك الإنكار والاعتراض فكل كلام سمعته فإن كان حقاً فصدِّق به وإن كان باطلاً أو كذباً ولم يكن متعلقاً بأمور الدين فاسكت عنه ، والطعن في كلام الغير تارةً يكون في لفظة بإظهار خلل فيه من جهة النحو أو من جهة اللغة أو من جهة العربية أو من جهة النظم والترتيب بسوء تقديم أو تأخير وذلك يكون تارةً من قصور المعرفة وتارةً يكون بطغيان اللسان وكيفما كان فلا وجه لإظهار خلله .
وأمّا في المعنى ، فبأن يقول : ليس كما تقول وقد أخطأت فيه من وجه كذا وكذا .
وأما في قصده فمثل أن يقول : هذا الكلام حق ولكن ليس قصدك منه الحق وإنما أنت فيه صاحب غرض وما يجري مجراه وهذا الجنس إن جرى في مسألة علمية ربَّما خُصَّ باسم الجدل وهو أيضاً مذموم بل الواجب السكوت أو السؤال في معرض الاستفادة لا على وجه العناد والإنكار أو التلطُّف في التعريف لا في معرِض الطَّعنِ .
وأما المجادلة ([4]) : فعبارة عن قصد إفحام الغير وتعجيزه وتنقيصه بالقدح في كلامه ونسبته إلى القصور والجهل فيه ، وآية ذلك أن يكون تنبيهُه للحق من جهةٍ أخرى مكروهاً عند المجادلة يُحبُّ أن يكون هو المُظهر له خطأَهُ ليبيِّن به فضل نفسه ونقص صاحبه ولا نجاة من هذا إلا بالسكوت عن كل ما لم يأثم به لو سكت عنه .
*************************
*****************
************
** الباعث على المِراء والجدال *
وأمّا الباعث على هذا فهو الترفع بإظهار العلم والفضل والتهجم على الغير بإظهار نقصه وهما شهوتان باطنتان قويتان لها أما إظهار الفضل فهو من قبيل تزكية النفس وهي من مقتضى ما في العبد من طغيان دعوى العُلُوِّ والكبرياء وهي من صفات الربوبية وأما تنقيص الآخر فهو من مقتضى طبع السَّبُعيَّة فإنه يقتضي أن يمزق غيره ويقصمه ويصدمه ويؤذيه .
وهاتان صفتان مذمومتان مهلكتان وإنما قوّتهما المراء والجدال ، فالمواظب على المراء والجدال مُقوٍّ لهذه الصفات المهلكة وهذا مجاوز حدّ الكراهية، بل هو معصية مهما حصل فيه إيذاء للغير ولا تنفك الممارة عن الإيذاء وتهييج الغضب وحمل المعترض عليه أن يعود فينصر كلامه بما يُمكنه من حق أو باطل ويقدح في قائله بكل ما يُتصوَّر له فيثور الشجار بين المتمارين كما يثور الهِراش بين الكلبين يقصد كل منهما أن يعض صاحبه بما هو أعظم نكاية وأقوى في إفحامه وإلجامه
***********************************
** علامات وإمارات المماراة والجدال *
قال الفقيه العلامة محمد المختار الشنقيطي - حفظه الله تعالى - ومن إمارات وعلامات المماراة والمجادلة للعلماء : أن تجد طالب العلم إذا ذكرت أمامه مسألة يُشكك ويعترض، ويقول: هذا لا يستقيم، هذا لا يصير، هذا كذا، هذا كذا، وهو لم يفقه بعد، ولم يراجع المسألة، ويعرف وجه مأخذ العالم ودليله.
ولذلك قالوا: من كان ديدنه مجادلة العلماء لم يأمن أن يرد آية أو حديثاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهلك، ناهيك عن محق بركة علمه.
ولذلك ذكروا في ترجمة أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رحمه الله، وكان وعاءً من أوعية العلم في الحديث والفقه ، حتى كانت له اجتهادات انفرد بها، هذا العالم - رحمه الله تعالى- ، كاد أن يكون مغموراً ولم يشتهر علمه، والسبب -كما ذكره من ترجم له- أنه كان كثير الاعتراض والتعنت لابن عباس .
عن الزهري قال: كان أبو سلمة يماري ابن عباس، فحرم بذلك علمًا كثيرًا.
وكان لبعض مشايخنا منهجًا تربويًا لطلابه؛ يستحب عدم مناقشة الطلاب في مجلس العلم، ويترك للطلاب أن يتناقشوا فيما بينهم، ثم إذا لم يستطيعوا حلّ الإشكال رجعوا إليه؛ لأن ذلك ربما جرّأ السفلة والرعاع والمبتدئين على عدم إجلال وتقدير واحترام العلم، وربما أدى إلى كسر هيبة العلماء في النفوس.
ما كنا - والله- نعرف سوء الأدب والاعتراض على العالم في مجلس العلم، ولا حرج في المناقشة التي تدل على حُبّ الفهم ومعرفة الحق والاقتناع بالدليل ومعرفة التفصيل؛ لأنه لا يمكن ضبط العلم إلا بها،ولكن تكون بأصول وضوابط شرعية سامية، تصون حرمة العلم وقدر العلماء.
ومن علامة مماراة العالم ومجادلته : الإتيان بمسألة غريبة يستشكل بها في المجلس أمام العامة، فيظهر أنه ذلك الذي يعرف الأصول والضوابط ويفهمها.
وكم من استشكالات وردت علينا أمام العلماء - رحمهم الله تعالى - ، انتظرنا وراعينا فيها الأدب في المجلس وحفظ حرمة العلماء ، حتى فتح الله علينا ، فقرأنا ما يزيلها ويجليها لنا .
أعرف مسألة ، مكثت فيها أكثر من عشر سنوات أسأل العلماء عن دليلها ، ما وجدتها إلا في مخطوطة للإمام ابن العربي – رحمه الله تعالى - في شرح الموطأ لها دليل من الكتاب انتهى
** سؤال وجواب *
فإن قلتَ : فإذا كان للإنسان حق فلا بد من الخصومة في طلبه أو في حفظه مهما ظلمه ظالم فكيف يكون حكمه ...؟ وكيف تُذَمُّ خصومته ...؟
- فاعلم أن هذا الذم يتناول الذي يخاصم بالباطل والذي يخاصم بغير علم ويتناول الذي يمزح بالخصومة بكلمات مؤذية ليس يُحتاج إليها في نصرة الحُجة وإظهار الحق ويتناول الذي يحمله على الخصومة محض العناد لقهر الخصم . وأما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدٍ وإسراف وزيادة لجاج على قدر الحاجة من غير قصد عنادٍ وإيذاء ففعله ليس بحرام ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلاً فإن ضبط اللسان في الخصومة على حدِّ الاعتدال متعذِّر([5])
(1) رواه ابن ماجه وصححه الألباني - رحمهما الله تعالى - .
(2) رواه أبو داود وابن ماجة وصححه ابن حيّان
(4) المراء : طعن في كلام الغير بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط بع غَرَض سوى تحقير الغير وإظهار مزية الكياسة
( 1 ) فضل العلم وآداب طلبته وطرق تحصيله وجمعه لفضيلة الشيخ محمد بن سعيد بن رسلان حفظه الله بتصرف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنا زعيم ببيت في رَبَض الجنة لمن ترك المِراء وإن كان محقاً ) ([1])
(2) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داوود
وربض الجنة : هو بفتح الراء و الباء .. هو ما حولها فالربض هنا حوالي الجنة وأطرافها لا في وسطها وفي رواية ( من ترك المِراء وهو محق بني له بيت في وسط الجنة ) فعلى طالب العلم أن يبتعد عن الجدال عن المِراء حتى لا يؤخر نفسه عن الخير فإن المراء والجدال سبب من أسباب قساوة القلب وحصول الحقد والحسد والغل في القلوب قال سليمان بن داوود عليه السلام لابنه يا بني ، إياك والمراء فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان .
****************************
*****************
***********
وقال العباس بن غالب الهمذاني الوَرَّاقُ – رحمهم الله تعالى -: قلت لأحمد بن حنبل – رحمهم الله تعالى - يا أبا عبد الله ،أكون في المجلس ليس فيه من يعرف السنة غيري فيتكلم مبتدع أردُّ عليه ...؟
فقال : لا تنصب نفسك لهذا أخبره بالسنة ولا تخاصم ، فأعدت عليه القول فقال : ما أراك إلا مخاصمًا . **************************
وقيل للحسن البصري – رحمه الله تعالى - : كلما جاء رجل أجدل من رجلِ تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم
** الرسول صلى الله عليه وسلم يحذِّر طلاّب العلم من الجدال والمراء **
* قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِىَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُمَارِىَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ ) وفي رواية :عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلاَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ ) وفي رواية عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : ( لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِتَصْرِفُوا وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ) ([1]) قال العلماء – رحمهم الله تعالى - مباهات العلماء – رحمهم الله تعالى - أن يظهر لهم أنه يعرف ما يعرفون ، ويدرك ما لا يدركون من المعاني والاستنباطات ، وأنه يستطيع أن يرد عليهم ، ويبين أنهم يخطئون .
- عن أبي هريرة ** _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلاَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ ) ([2])
وعن ابن سيرين قال : إني لأدع المراء وإني لأعلمكم به .
وقد جاء في تفسير قوله تعالى { فأما الذين في قلوبهم زيغ } يعني حب الجدل .
وقال الأوزاعي : المنازعة والجدال في الدين محدث .
- واعلم أنك متى تدبرت سيرة الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح وجدتهم ينهون عن جدال أهل البدعة بأبلغ النهي ولا يرون رد كلامهم بدلائل العقل
** حقيقة الجدال والمِراء كما بينه العلماء *
قال العلماء رحمهم الله تعالى : حَدُّ المراء ([3]) هو كل اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه إما في اللفظ وإما في المعنى وإما في قصد المتكلم وترك الكلام بترك الإنكار والاعتراض فكل كلام سمعته فإن كان حقاً فصدِّق به وإن كان باطلاً أو كذباً ولم يكن متعلقاً بأمور الدين فاسكت عنه ، والطعن في كلام الغير تارةً يكون في لفظة بإظهار خلل فيه من جهة النحو أو من جهة اللغة أو من جهة العربية أو من جهة النظم والترتيب بسوء تقديم أو تأخير وذلك يكون تارةً من قصور المعرفة وتارةً يكون بطغيان اللسان وكيفما كان فلا وجه لإظهار خلله .
وأمّا في المعنى ، فبأن يقول : ليس كما تقول وقد أخطأت فيه من وجه كذا وكذا .
وأما في قصده فمثل أن يقول : هذا الكلام حق ولكن ليس قصدك منه الحق وإنما أنت فيه صاحب غرض وما يجري مجراه وهذا الجنس إن جرى في مسألة علمية ربَّما خُصَّ باسم الجدل وهو أيضاً مذموم بل الواجب السكوت أو السؤال في معرض الاستفادة لا على وجه العناد والإنكار أو التلطُّف في التعريف لا في معرِض الطَّعنِ .
وأما المجادلة ([4]) : فعبارة عن قصد إفحام الغير وتعجيزه وتنقيصه بالقدح في كلامه ونسبته إلى القصور والجهل فيه ، وآية ذلك أن يكون تنبيهُه للحق من جهةٍ أخرى مكروهاً عند المجادلة يُحبُّ أن يكون هو المُظهر له خطأَهُ ليبيِّن به فضل نفسه ونقص صاحبه ولا نجاة من هذا إلا بالسكوت عن كل ما لم يأثم به لو سكت عنه .
*************************
*****************
************
** الباعث على المِراء والجدال *
وأمّا الباعث على هذا فهو الترفع بإظهار العلم والفضل والتهجم على الغير بإظهار نقصه وهما شهوتان باطنتان قويتان لها أما إظهار الفضل فهو من قبيل تزكية النفس وهي من مقتضى ما في العبد من طغيان دعوى العُلُوِّ والكبرياء وهي من صفات الربوبية وأما تنقيص الآخر فهو من مقتضى طبع السَّبُعيَّة فإنه يقتضي أن يمزق غيره ويقصمه ويصدمه ويؤذيه .
وهاتان صفتان مذمومتان مهلكتان وإنما قوّتهما المراء والجدال ، فالمواظب على المراء والجدال مُقوٍّ لهذه الصفات المهلكة وهذا مجاوز حدّ الكراهية، بل هو معصية مهما حصل فيه إيذاء للغير ولا تنفك الممارة عن الإيذاء وتهييج الغضب وحمل المعترض عليه أن يعود فينصر كلامه بما يُمكنه من حق أو باطل ويقدح في قائله بكل ما يُتصوَّر له فيثور الشجار بين المتمارين كما يثور الهِراش بين الكلبين يقصد كل منهما أن يعض صاحبه بما هو أعظم نكاية وأقوى في إفحامه وإلجامه
***********************************
** علامات وإمارات المماراة والجدال *
قال الفقيه العلامة محمد المختار الشنقيطي - حفظه الله تعالى - ومن إمارات وعلامات المماراة والمجادلة للعلماء : أن تجد طالب العلم إذا ذكرت أمامه مسألة يُشكك ويعترض، ويقول: هذا لا يستقيم، هذا لا يصير، هذا كذا، هذا كذا، وهو لم يفقه بعد، ولم يراجع المسألة، ويعرف وجه مأخذ العالم ودليله.
ولذلك قالوا: من كان ديدنه مجادلة العلماء لم يأمن أن يرد آية أو حديثاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهلك، ناهيك عن محق بركة علمه.
ولذلك ذكروا في ترجمة أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رحمه الله، وكان وعاءً من أوعية العلم في الحديث والفقه ، حتى كانت له اجتهادات انفرد بها، هذا العالم - رحمه الله تعالى- ، كاد أن يكون مغموراً ولم يشتهر علمه، والسبب -كما ذكره من ترجم له- أنه كان كثير الاعتراض والتعنت لابن عباس .
عن الزهري قال: كان أبو سلمة يماري ابن عباس، فحرم بذلك علمًا كثيرًا.
وكان لبعض مشايخنا منهجًا تربويًا لطلابه؛ يستحب عدم مناقشة الطلاب في مجلس العلم، ويترك للطلاب أن يتناقشوا فيما بينهم، ثم إذا لم يستطيعوا حلّ الإشكال رجعوا إليه؛ لأن ذلك ربما جرّأ السفلة والرعاع والمبتدئين على عدم إجلال وتقدير واحترام العلم، وربما أدى إلى كسر هيبة العلماء في النفوس.
ما كنا - والله- نعرف سوء الأدب والاعتراض على العالم في مجلس العلم، ولا حرج في المناقشة التي تدل على حُبّ الفهم ومعرفة الحق والاقتناع بالدليل ومعرفة التفصيل؛ لأنه لا يمكن ضبط العلم إلا بها،ولكن تكون بأصول وضوابط شرعية سامية، تصون حرمة العلم وقدر العلماء.
ومن علامة مماراة العالم ومجادلته : الإتيان بمسألة غريبة يستشكل بها في المجلس أمام العامة، فيظهر أنه ذلك الذي يعرف الأصول والضوابط ويفهمها.
وكم من استشكالات وردت علينا أمام العلماء - رحمهم الله تعالى - ، انتظرنا وراعينا فيها الأدب في المجلس وحفظ حرمة العلماء ، حتى فتح الله علينا ، فقرأنا ما يزيلها ويجليها لنا .
أعرف مسألة ، مكثت فيها أكثر من عشر سنوات أسأل العلماء عن دليلها ، ما وجدتها إلا في مخطوطة للإمام ابن العربي – رحمه الله تعالى - في شرح الموطأ لها دليل من الكتاب انتهى
** سؤال وجواب *
فإن قلتَ : فإذا كان للإنسان حق فلا بد من الخصومة في طلبه أو في حفظه مهما ظلمه ظالم فكيف يكون حكمه ...؟ وكيف تُذَمُّ خصومته ...؟
- فاعلم أن هذا الذم يتناول الذي يخاصم بالباطل والذي يخاصم بغير علم ويتناول الذي يمزح بالخصومة بكلمات مؤذية ليس يُحتاج إليها في نصرة الحُجة وإظهار الحق ويتناول الذي يحمله على الخصومة محض العناد لقهر الخصم . وأما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدٍ وإسراف وزيادة لجاج على قدر الحاجة من غير قصد عنادٍ وإيذاء ففعله ليس بحرام ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلاً فإن ضبط اللسان في الخصومة على حدِّ الاعتدال متعذِّر([5])
(1) رواه ابن ماجه وصححه الألباني - رحمهما الله تعالى - .
(2) رواه أبو داود وابن ماجة وصححه ابن حيّان
(4) المراء : طعن في كلام الغير بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط بع غَرَض سوى تحقير الغير وإظهار مزية الكياسة
( 1 ) فضل العلم وآداب طلبته وطرق تحصيله وجمعه لفضيلة الشيخ محمد بن سعيد بن رسلان حفظه الله بتصرف
تعليق