الوحدانية والثالوث
التوحيد: هو «إفراد الله ‑ سبحانه وتعالى ‑ بما يختص به».
أقسام التوحيد: للتوحيد ثلاثة أقسام:
1- توحيد الربوبية:
وهو «إفراد الله ‑ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ‑ بالخلق والملك والتدبير»([1]).
(معناه اعتقاد أنه تعالى رب السماوات والأرض وخالق مَنْ فيهما وما فيهما, ومالك الأمر في هذا العالم كله لا شريك له في ملكه, ولا معقِب عليه في حكمه, فهو وحده رب كل شيء, ورازق كل حي, ومُدَبِّر كل أمر, وهو وحده الخافض الرافع, المعطي المانع, الضار النافع, المعز المذل, وكل ما سواه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا إلا بإذن الله ومشيئته) ([2]).
ومعنى ذلك أن توحيد الربوبية خاص بالاعتقاد, فتوحيدنا للربوبية هو بمعنى الاعتقاد والإيمان أن الخالق هو الله، والمحيي هو الله، والمميت هو الله، والشافي هو الله، فلا ننسب أفعال الله تعالى لغيره فنعتقد أن غير الله تعالى يخلق أو يشفي أو يرزق.
2- توحيد الألوهية:
وهو «إفراد الله ‑ سبحانه و تعالى ‑ بالعبادة بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحدًا يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه»([3]).
أي أن توحيد الألوهية مختص بأفعال العباد, فتوحيدنا للألوهية يعني أن أفعال العبادة وأمورها توجه لله تعالى فقط.
توحيد الألوهية بمعنى: «إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبّد العباد به من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة على وجه الخضوع له والرغبة والرهبة مع كمال الحب له سبحانه والذل لعظمته»([4]).
«ومعنى توحيد الألوهية, إفراد الله تعالى بالعبادة والخضوع والطاعة المطلقة, فلا يُعبد إلا الله وحده, ولا يُشرك به شيء في الأرض أو في السماء. ولا يتحقق التوحيد ما لم ينضم توحيد الإلهية إلى توحيد الربوبية؛ فإن توحيد الربوبية وحده لا يكفي, فالعرب المشركون كانوا يقرون به ومع هذا لم يدخلهم في الإسلام لأنهم أشركوا بالله, واتخذوا مع الله آلهة أُخرى, زعموا أنها تقربهم إلى الله أو تشفع لهم عنده»([5]).
4: } وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ الله فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ { [العنكبوت : 61].
و6: } أَلا لله الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ { [الزمر : 3].
مفهوم العبادة:
وأصل العبادة في اللغة: «الطاعة والخضوع والتذلل». أما مفهوم العبادة في الشرع فمفهوم واسع شامل.
العبادة كلمة تتضمن معنيين امتزج أحدهما بالآخر, فصارا شيئًا واحدًا. وهما نهاية الخضوع مع نهاية الحب. والعبادة ليست مقصورة على صورة واحدة بل لها أنواع وصور عديدة:
فمنها: الدعاء، وهو الاتجاه إلى الله تعالى لطلب نفع أو دفع ضر، ومنها إقامة الشعائر الدينية مثل الصلاة والصيام والصدقة والحج والنذر والذبح وما شابه ذلك.
لا يجوز أن توجه هذه الشعائر إلا لله.
ومنها: الانقياد والإذعان الديني لما شرع الله من أحكام, أحل بها الحلال وحرم بها الحرام»([6]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
«العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث والأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة .
وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله»([7]).
3 - توحيد الأسماء والصفات:
وهو « إفراد الله ‑ سبحانه وتعالى‑ بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه, أو على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام ، وذلك بإثبات ما أثبته, ونفي ما نفاه، من غير تحريف ولا تعطيل, ومن غير تكييف ولا تمثيل»([8]).
قال تعالى : } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { [الشورى : 11] .
والتحريف: هو تغيير المعنى أو تفسيره بدون دليل.
والتعطيل: هو إنكار ما أثبت الله لنفسه من الصفات.
والتكييف: هو شرح الكيفية وتفسيرها بالوصف، مثل قول الله تعالى: } وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفّا { [الفجر:22[، فإن قال قائل: جاء الله بكيفية كذا أو كذا فهذا يسمى تكييفًا. وكمثال له: جاء أحمد مسرعًا بسيارته في المساء، فهنا تكييف ووصف لمجيء أحمد، فصفة المجيء معلومة المعنى في اللغة ولكن كيفيتها وصفتها من جهة الرب مجهولة لدينا .
التمثيل: هو ذكر مماثل للشيء أي أنه شرح الكيفية بإعطاء مثال للفعل, مثل القول «مجيء أحمد كان مثل مجيء أشرف»([9]).
وما يضاد التوحيد هو الشرك
الشرك: «هو أن يجعل المرء لله شريكًا فيما يخص الله تعالى من حق»([10]).
أنواع الشرك:
1 - شرك أكبر وهو نوعان:
أ- ظاهر:
عبادة إله أو آلهة مع الله، سواء أكان هذا الإله كوكبًا كالشمس, أم جمادًا كالأصنام, أم حيوانًا كالعجل, أم إنسانًا كالذين عبدوا فرعون وبوذا والمسيح عيسى بن مريم.
ب- خفي:
دعاء الموتى والمقبورين من أصحاب الأضرحة والمقامات، والاستعانة بهم وطلب قضاء الحوائج منهم من شفاء المرضى والنصر على العدو وغيرها مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، والخوف منهم والاعتقاد أنهم يضرون وينفعون([11]).
2 - شرك أصغر لا يخرج من الملة لكنه ينقص التوحيد، وهوعلى نوعين أيضًا:
أ- شرك ظاهر:
وهو ألفاظ وأفعال، فالألفاظ كالحلف بغير الله، وقول: ما شاء الله وشئت..الخ.
وأما الأفعال: فمثل تعليق التمائم خوفًا من العين، فإذا اعتقد الفاعل أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه فهذا شرك أصغر ؛ لأن الله لم يجعل هذه أسبابًا, أما إن اعتقد أنها أي (التمائم أو الصور) تدفع وتمنع وترفع البلاء بنفسها؛ فهذا شرك أكبر لأنه تعلق بغير الله.
ب- شرك خفي:
وهو الشرك في الإرادات والنيات ـ كالرياء والسمعة ـ كأن يعمل عملًا مما يتقرب به إلى الله يريد به ثناء الناس عليه وشكرهم ، كأن يتصدق لأجل أن ُيمدح ويُثنى عليه([12]).
ومما سبق يتضح:أن مفهوم الإسلام للشرك لا يعني فقط التصريح بعبادة أكثر من إله, بل يضم أنواعًا من الشرك :
1- ( عملي ) توجيه أي نوع من أنواع العبادة المستحقة لله تعالى إلى غير الله مثل:
دعاء أو طلب من غير الله, مثل طلب من رجال الدين ما لا يقدر عليه إلا الله, أوالدعاء وطلب العون من الأموات أو من التماثيل أو الصور.
2- ( اعتقادي ) مثل الاعتقاد أن غير الله يخلق أو يشفي, والاعتقاد أن التمائم أو الصور أو الصلبان تبعد الشر وتجلب الخير.
فالمعتقد الصحيح بالنسبة للمريض كمثال : أن الطبيب والعلاج أسباب من أسباب الشفاء والشافي هو الله تعالى، ولم يكن الشفاء من الطبيب أو الدواء أو البخور أو قطعة ملابس من كاهن أو من صاحب قبر. وهكذا ترد الأسباب لمسببها الأول وهو الله تعالى.
3- تسمية الله سبحانه وتعالى أو وصفه بما لم يصف به نفسه. مثل أقنوم أو ثالوث وغيرها.
الوحدانية في العهد القديم والجديد.
جاءت نصوص العهد القديم والجديد تظهر وحدانية الله تعالى, فلم يذكر الكتاب المقدس أن هناك أكثر من إله, أو أكثر من رب, أو أن الإله الواحد عبارة عن ثالوث.
ولكن قام القائلون بالثالوث باستخدام بعض النصوص غير الواضحة للاستدلال على وجود الثالوث, ومع احتفاظهم بعبارات وحدانية الله الصريحة والواضحة التي لا يمكن إنكارها وجدوا حلًا وسطًا للجمع بين القول بالتوحيد والقول بالتثليث، ألا وهو التصريح بأن الثالوث لا ينافي الوحدانية وأن الله واحد في ثالوث أو ثلاثة في واحد !.
وسيتم بعون الله عرض النصوص التي يتم الاستناد إليها لإثبات التثليث وتفصيلها وتفنيدها.
النصوص الصريحة الدالة على وحدانية الله تعالى:
العهد القديم:
1- (التثنية 4 : 39): «فَاعْلمِ اليَوْمَ وَرَدِّدْ فِي قَلبِكَ أَنَّ اَلرَّبَّ هُوَ اَلإِلهُ فِي اَلسَّمَاءِ مِنْ فَوْق وَعَلى اَلأَرْضِ مِنْ أَسْفَل. ليْسَ سِوَاهُ».
2- (التثنية6 : 4) : «اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: اَلرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ».
3- (أشعياء45 : 18) : «لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: خَالِقُ السَّمَاوَاتِ هُوَ الله. مُصَوِّرُ الأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلًا. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ».
العهد الجديد:
1- قول المسيح لله وهو يناجيه ( يوحنا 17 :3( : «وهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ».
2- إجابة المسيح عندما تم سؤاله عن أول الوصايا: ( مرقس 12 : 29): «فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ».
3- ( لوقا 18 : 19) : «فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ».
مفهوم الثالوث في النصرانية:
& موسوعة المعرفة المسيحية ‑ دار المشرق ‑ بيروت
«في اللاهوت المسيحيّ نقول إنَّ «الله واحد في ثلاثة أقانيم». فما معنى «أقنوم»؟ إن كلمة «أقـنوم» تعنى شخصًا. فنقول : إنَّ الآب أقنوم والابن أقنوم والروح القدس أقنوم».
& من كتاب «وحدانية الثالوث في المسيحيّة والإسلام» ‑ «إسكندر جديد»:
«ولا يعني المسيحيّون بتعدُّد الأقانيم أن الله ثلاثة جواهر؛ لأن لفظ (أقنوم) لا يعني (جوهر). فالمراد هنا بالجوهر الذات الواحدة. أي أنه الوحدة اللاهوتية. والمراد بالأقنوم واحد من الآب والابن والروح القدس. ومع ذلك فكلمة أقنوم ‑ كسائر الألفاظ البشرية ‑ قاصرة عن إيضاح حقيقة إلهية وهي أن الله ثالوث في الأقنومية، وواحد في الجوهر».
& حسب قانون الإيمان النيقاوي ، والنيقاوي القسطنطيني:
نؤمن بإله واحد، آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، كل ما يرى وما لا يرى. وبرب واحد يسوع المسيح، ابن اللـه الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء، .....وبالروح القدس الرب المحيي، المنبثق من الآب (والابن)، الذي هو مع الآب والابن يُسجد له ويُمجد، الناطق بالأنبياء.
& من قانون الإيمان الأثانسي:
- هذا الإيمان الجامع هو أن تعبد إلهًا واحدًا في ثالوث وثالوثًا في توحيد.
- لا نمزج الأقانيم ولا نفصل الجوهر.
- إن للآب أقنومًا، وللابن أقنومًا، وللروح القدس أقنومًا .
- ولكن الآب والابن والروح القدس لاهوت واحد ومجد متساوٍ .وجلال أبدي معًا.
- وهكذا الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله.
- ولكن ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد .
- وهكذا الآب: رب، والابن: رب ،والروح القدس: رب.
- ولكن ليسوا ثلاثة أرباب ؛ بل رب واحد.
- وكما أن الحق المسيحي يكلّفنا أن نعترف بأن كلًا من هذه الأقانيم بذاته إله ورب.
- كذلك الدين الجامع، ينهانا عن أن نقول بوجود ثلاثة آلهة وثلاثة أرباب.
- فالآب غير مصنوع من أحد، ولا مخلوق، ولا مولود.
- والابن من الآب وحده ،غير مصنوع ،ولا مخلوق ؛ بل مولود.
- والروح القدس من الآب والابن .ليس مخلوقًا ولا مولودًا بل منبثق.
لذا حسب وجهة النظر النصرانية:
هناك إله واحد وهذا الإله له ثلاثة أقانيم) أشخاص (وكل من هذه الأقانيم إله كامل بمفرده، ولكنهم كلهم إله واحد وليسوا ثلاثة آلهة !.)
السؤال الذي يسأله غير النصراني والذي يجب أن يوجهه كل نصراني لقساوسته وعلمائه هو: ما الدليل من الكتاب المقدس على الثالوث؟! أو كيف تم ذكر هذا الموضوع في الكتاب المقدس؟!
أو كيف عرفتم بوجود الثالوث؟أو كيف عرفتم أن الله واحد في ثالوث؟!
مع ملاحظة أن تقديم الدليل الكتابي يجب أن يسبق أي محاولة للشرح والتفسير من جانب القائلين بالثالوث، وبعد أن يتم تقديم الأدلة الكتابية على المعتقد من الممكن أن يتم الشرح والتشبيه لمن لا يفهم التفسير.
فمن المفترض أننا لو أعطينا الكتاب المقدس لشخص على أنه من عند الله، فيجب أن يجد فيه ويعرف منه بوضوح: مَن الرب الذي يعبده؟ وهل هو واحد أم ثالوث؟ أم واحد في ثالوث؟!
عند مناقشة النصوص الدالة على المعتقد، سنعد الكتاب المقدس مصدرًا موثقًا، بصرف النظر عن وجهة نظر الإسلام فيه، فالكتاب لا يحوي أدلة على الثالوث ولا على تأليه المسيح وتأليه الروح القدس وغيرها من المعتقدات الرئيسة النصرانية كما سيتم التوضيح .
نصوص الاستدلال على الثالوث والرد عليها:
كما ذكرنا سابقًا
( أ) لم يأت أي نص صريح واضح يبين أو يشير أو يدل على الثالوث.
(ب) لم يأت ذكر لكلمة الثالوث في الكتاب المقدس سواء العهد القديم أو الجديد.
(ج) لم تُذكر كلمة أقنوم أو أقانيم أو أن الواحد ثلاثة بأيٍّ من أسفار الكتاب المقدس.
-------------------
-------------------
أقوال علماء وآباء النصارى في التثليث:
تعرضنا للأدلة الكتابية عن الثالوث وبيّنا أنه لا توجد أي أدلة كتابية واضحة في العهد القديم أو الجديد تتحدث عن الثالوث، ولكن ربما يخرج علينا من يقول إن الثالوث شيء طبيعي ومنطقي وواضح ولا داعي لأدلة كتابية عليه، لذلك سنعرض رأي الآباء وكبار رجال الدين النصراني في الثالوث لنبين أنهم لم يجدوا أية أدلة كتابية على الثالوث، ولم يفهموه أيضًا، فأصبح الإيمان بالثالوث بغير نصوص كتابية وبما لا يقبله العقل!.
- قال العلامة أوجين دي بليسي: ما أعلى الحقائق التي تضمنها عقيدة التثليث وما أدقها، فما مستها اللغة البشرية إلا جرحتها في إحدى جوانبها([13]).
- قال بوسويه: ولقد خلت الكتب المقدسة من تلك المعضلة حتى وقف آباء الكنيسة حائرين زمنًا طويلًا ؛ لأن كلمة أقنوم لا توجد في قانون الإيمان الذي وضعه الرسل، ولا في قانون مجمع نيقية، وأخيرًا اتفق الآباء على أنه كلمة تعطي فكرة ما عن كائن لا يمكن تعريفه بأي وجه من الوجوه([14]).
- قال القديس أوغسطينوس: عندما يراد البحث عن كلمة للإعراب بها عن الثلاثة في الله تعجز اللغة البشرية عن ذلك عجزًا أليمًا([15]).
- قال القمص منسي يوحنا: نعود فنكرر القول أن سر التثليث عقيدة كتابية لا تفهم بدون الكتاب المقدس, وأنه من الضروري أن لا يفهمها البشر, لأننا لو قدرنا أن نفهم الله لأصبحنا في مصاف الآلهة([16]).
- قال القس بوطر: قد فهمنا ذلك على قدر عقولنا ونرجو أن نفهمه فهمًا أكثر جلاءً فى المستقبل, حين ينكشف لنا الحجاب عن كل ما في السماوات والأرض, وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية([17]).
- قال القس باسيليوس: أجل، إن هذا التعليم من التثليث فوق إدراكنا([18]).
الخلاصة:
أسس العقيدة يجب أن تكون واضحة جلية، أما الغيبيات فمن الممكن أن نعتقد ونؤمن بما لا نفهمه ولكن بعد وجود الدليل الكتابي والتأكد من مصدره، فالله تعالى إن طلب منا أن نؤمن بأي من الغيبيات مع عدم تحكيم العقل فيها مثل الحياة الآخرة أو الجنة وغيرها, سنؤمن بما قاله الله تعالى.
والسؤال: متى وأين قال الله تعالى لكم إنه واحد في ثالوث؟ بل متى وأين قال لكم المسيح هذا؟!.
-------------------------
تاريخ إقرار التثليث والاعتراف به:
في الموسوعة الكاثوليكية: يدرك المفسرون وعلماء الإنجيل اللاهوتيون بالإضافة إلى عدد كبير من الروم الكاثوليك أنه يجب على المرء ألا يتحدث بموضوع الثالوث المقدس في العهد الجديد ما لم يكن مؤهلًا تمامًا لذلك. و بالمثل يدرك مؤرخو العقيدة وعلماء اللاهوت أنه عندما يتحدث أحدهم عن الثالوث المقدس دونما تأهيل فإنه يقفز بحواره من عهد الأصول المسيحية إلى الربع الأخير من القرن الرابع بعد الميلاد. في ذلك الوقت فقط تمكّن ما يسمى بـ(التعريف المحدد لعقيدة الثالوث: إله واحد في ثلاثة أقانيم) من الانصهار في حياة المسيحيين و فكرهم... لقد كان هذا المفهوم نتاج ثلاثة قرون من التطور العقائدي([19]).
الموسوعة البريطانية وتحت اسم «الثالوث» Trinity)): لم تظهر كلمة الثالوث ولا وصف المعتقد في العهد الجديد، والمسيح وأتباعه لم يعارضوا الصيغة التي وردت في العهد القديم: «اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: اَلرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ». (ثنية 6: 4). ولكنَّ المسيحيين الأوائل كان عليهم أن يوفقوا بين الاعتقاد بعودة المسيح و بين الإيمان بأن قوة الله فيهم متمثلة في الروح القدس، ومعتقد الثالوث نما خلال عدة قرون محدثًا الكثير من الجدال. وفي مجمع «نيقية» عام 325 تم الإقرار بأن الابن له نفس المادة مثل الآب (متحد معه في الجوهر) ولم يذكر الروح القدس إلا عابرًا وفي عام 381 م دافع «اثناسيوس» عن قانون الإيمان الخاص بمجمع «نيقية» وفي نهاية القرن الرابع أصبح معتقد الثالوث معتقدًا أساسيًا([20]).
لقد عاش حواريو عيسى وماتوا ولم يسمعوا بحياتهم عن أي «ثالوث مقدس» فهل ترك عيسى5أتباعه في حيرة وضياع حتى إنهم لم يتمكنوا من التعرف على الطبيعة «الحقيقية» لله؟! وهل تركهم في مثل هذه الظلمة حتى إنهم لم يستطيعوا التعرف على الطبيعة«الحقيقية» للذي يعبدونه؟! وهل عيسى5لم يكن على مستوى الكفاءة المطلوبة لأداء واجباته حيث ترك أتباعه في مثل هذه الفوضى العارمة، فاستلزمهم ثلاثة قرون بأكملها بعد رحيله ليجمعوا الأشلاء المتناثرة لفهم التصوّر الخاص بطبيعة الذي يعبدونه؟! ولماذا لم يقل عيسى بوضوح و لو لمرة واحدة فقط: (أنا والله والروح القدس ثلاثة أقانيم في ثالوث واحد، اعبدونا جميعًا على أننا واحد)؟!
-----------------------------
كيف يتم تبرير وقبول التثليث عند القائلين به مع عدم وجود نصوص وعدم فهمه؟!
نتيجة لعدم وجود نصوص للتثليث ولعدم معقوليته بالنسبة للعلماء وبالتالي للعوام، يتم تبرير الثالوث وشرحه بالأمثلة التي لم تكن أبدًا من تعليم الانبياء، وبها الكثير من التلاعب والتناقض كما سنبين بإذن الله تعالى.
المثال الأول: (الشمس لها جسم ولها ضوء ولها حرارة فهي ثلاثة في واحد!).
عند سؤال قس كيف يكون الله واحدًا في ثالوث؟!
سيسأل القس السائل: هل الشمس لها جسم؟
السائل: نعم.
القس: هل لها ضوء ؟
السائل: نعم.
القس: هل لها حرارة؟
السائل: نعم.
القس: إن فصلنا أيًّا من هذه الثلاثة، هل تصبح شمسًا ؟
السائل: لا.
القس: هذا هو الثالوث، شيء واحد ولكنه في ثالوث، ولا يمكن فصل الحرارة عن الشمس عن الضوء.
يتم ضرب نفس المثل للشمعة وللمصباح (جسم وضوء وحرارة)، وللتفاحة (جسم وطعم ورائحة).
الرد على المثال وبيان زيفه:
تنقسم الأشياء كلها إلى قسمين:
الأول: شيء قائم بذاته مثل السيارة أو الدولاب أو المكتب أو حيوان ويسمى جوهرًا أو عينًا.
الثاني: خواص أو صفات، وهي تحتاج للأول ليقيمها حتى تكون مفهومة، وتسمى أعراضًا مثل (رائحة ‑ طعم ‑ طول ‑ وزن ‑ ضوء ‑ صوت ‑ حرارة ‑ سرعة ‑ حركة ‑ رحمة ‑ كلمة... إلخ).
فلا يمكن أن نقول الوزن 50 كيلو جرام ونسكت؛ بل يجب أن تقول وزن شيء ما يساوي 50 كيلو جرام، فالوزن عَرَض أو خاصية تختص بشيء قائم بذاته مثل (صندوق أو دولاب أو إنسان أو....إلخ)، ووزن الشيء ليس هو الشيء نفسه.
كذلك الصوت فلا نقول سمعت صوتًا ونسكت, بل يجب أن نصف الصوت؛لأن الصوت لا يأتي بمفرده، فنقول سمعت صوت شيء يصدر منه أصوات (مثل: قطار ‑ سيارة ‑ حيوان), بمعنى سمعت صوت شيء قائم بنفسه (جوهر أو عين), لأن الصوت عَرَض أو خاصية لشيء فلا يقوم الصوت بنفسه ولكنه يصدره شيء قائم بذاته (جوهر أو عين).
فالصوت يجب أن ينسب لشيء يُصدر أصواتًا. والضوء ينسب لشيء يُصدر الضوء، والحركة تنسب لشيء من خواصه الحركة.
وبهذا لو نظرنا للمثال السابق الخاص بالشمس سنجد أن الشمس نجم له جسم ويتميز هذا الجسم بالضوء والحرارة.
وبتعبيرآخر النجم جوهر والباقي خواص (أعراض) له؛ فلا يعتمد وجود النجم على الحرارة والضوء، في حين أن الحرارة والضوء (الخواص) هما من خواص الشمس أو أعراضها و يعتمد وجودهما عليه.
بذلك لا توجد مساواة بينهم (مثل أقانيم الثالوث).
فالحرارة والضوء لا معنى لهما بدون النجم الذي ينتجهما، ولا يتم وصفهما بدونه مثلهما مثل الوزن والكتلة والحجم والطول والعرض وغيرها من خواص النجم.
ولتقريب المثال: المصباح الكهربي (جوهر) جسم وله ضوء وحرارة (خواص), الضوء والحرارة يعتمدان في وجودهما على المصباح ؛ (لأنهما من خواصه ومرتبطان به).
ولكن المصباح لا يعتمد على الضوء والحرارة، فجسم المصباح موجود كما هو حتى لو أطفأته وزال منه الضوء والحرارة ولكن تتغير خواصه.
هل من الممكن القول إن السيارة لها حركة ولها صوت؟ فالسيارة ثلاثة في واحد؟!
هل من الممكن القول إن حركة السيارة أرسلناها للبلد المجاور مع الصوت ولا تزال السيارة عندنا ؟!
إن ضوء الشمس ليس هو الشمس, وحرارة الشمس ليست هي الشمس بل خاصية أو عرض له.
فإن قلنا إن الابن (المسيح) يعتمد في وجوده على الآب، أو هو خاصية من خواصه إذًا فالابن ليس إلهًا ؛ لأنه يعتمد على وجود غيره.
لذلك لا يصلح هذا المثال للثالوث وبالمثل مثال التفاحة والشمعة.
فحسب قانون الإيمان «المسيح إله حق من إله حق» ولا يمكن أن يكون إله حق يعتمد على إله حق آخر أو أن يكون إله حق هو من خواص إله حق آخر!.
المثال الثاني: (الإنسان يتكون من ذات وعقل وروح وهو واحد!).
الرد: الإنسان مكون من جزئين هما الجسد والروح وكل منهما قائم بذاته, ركّب الله تعالى الإنسان بهذه الصورة وأخبرنا بذلك في قصة خلق آدم 5، وفي الإنسان لا نستطيع القول إن الروح ذهبت لمكان آخر غير الجسد، والعقل ذهب ليحضرها, كما يشير العهد الجديد للأقانيم الثلاثة فيقال: إن الآب (الذات), أرسل الكلمة (المسيح) لتتجسد على الأرض، وأرسل لها الروح (الروح القدس) لتقويها, فهل كان الآب بدون كلمة, أو عقل أو روح ؟!.
كما أن الإنسان لا يصنع حوارًا بين روحه وعقله وذاته, كما كان الحوار بين المسيح والآب.
أما بالنسبة للعقل فذات الإنسان لا تفنى إن ذهب العقل عنها، ولكن تتغير خواصها فيصبح إنسانًا بلا عقل, فالأصل هو ذات الإنسان ويتميز بخصائص العقل والحركة والإحساس والوزن والطول.
لذلك لا يليق المثال السابق ولا يصلح لإثبات الثالوث، فالله تعالى منزَّه عن التركيب وعن التجزئة أو أن يعتمد على شيء في أمر من الأمور.
المثال الثالث: (المثلث ثلاثة أضلاع ولو حذفنا أي ضلع لن يصبح مثلثًا).
الرد: كل ضلع ليس مثلثًا بمفرده بل إنَّ تجمعهم أو افتراقهم يغير في الشكل النهائي.
فحسب قانون الإيمان الآب إله والابن إله والروح القدس إله ولكنهم ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحد.
وهذا لا ينطبق على المثلث فهو ثلاثة أضلاع يكوّنون مثلثًا وليسوا ثلاثة مثلثات يكوّنون مثلثًا.
المثال الرابع: (الله تعالى موجود بذاته، ناطق بكلمته، حي بروحه فهو ثالوث).
القس: هل الله موجود؟............نعم !
القس: هل الله متكلم ؟.............نعم!
القس: هل الله حي ؟...............نعم !
القس: هذا هو الثالوث إن الله موجود بذاته وهو(الآب)، ومتكلم بكلمته (المسيح)، وحي بروحه (الروح القدس).
الرد: أ- القول أن الله يتكون من الآب والابن والروح القدس وكل منهم إله كامل, ومجموعهم معًا إله كامل واحد غير مقبول ولا مفهوم باعتراف علماء النصارى.
ب -إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حي بما يليق به أن يحيا، فلا نقول إنه حي بروحه أو يعتمد على شيء ما ليحيا أو يعتمد على الكلمة ليتكلم أو يدبر.
ج -حسب المثال السابق: ذات الله (الإله) يحتاج إلى روح الله (الروح القدس الإله الآخر), ليحيا به, كما أنه يحتاج كلمة الله أو العقل (الكلمة أو «اللوجوس» وهو الإله الآخر) ليتكلم أو ليعقل، فبحسب هذا المنطق لا يصير أي منهم إلهًا لأنه يحتاج الآخَريْن ويعتمد عليهما, فهذا نقص والنقص ليس من الألوهية, وقانون الإيمان يقول: إن كل من الثلاثة منفردًا إله حق ومجموعهم إله حق واحد!.
د - صفات الله تعالى أكثر من الحياة والكلام، فبنفس المنطق (الله قادر) ومع ذلك من غير المعقول أن نقول إن «قدرة الله» هي أقنوم لله مثلها مثل «كلام الله» حسب المثال السابق.
هـ - الصفات مثل صفة الحياة أو صفة الكلام لا ينفصلان فيكونان قائمين بمفردهما فلا نقول إن الكلمة (أو العقل) ذهبت إلى مكان ما وتصرفت بمفردها وخلقت وأحيت؛ لأن الصفات لا تصبح كيانات مستقلة.
و - إن كان الكلمة (الابن) إلهًا حقًا كما يزعمون, فهل هو كامل بمعنى أن له كلمة أيضًا؟ أي هل للكلمة كلمة؟
والآب بخروج الكلمة منه, هل أصبح بدون كلمة, مع أنه إله حق أيضًا؟ ثم إن كان كل واحد منهم إلهًا حقًا (الآب إله حق ‑ الكلمة إله حق‑ الروح القدس إله حق)، هل كل منهما حي أم لا؟.
إن كان كل منهم حيًا كما هو مفهوم من أن كلًّا منهم إله حق، فهذا يعني أن صفة الحياة غير مرتبطة بالروح القدس، وهذا يعني أن كلًّا منهم لا يحتاج للآخر، فلا نقول إن الروح القدس سبب الحياة أو أن الكلمة هي كلمة الله أو نطقه (بذلك يكون عندنا ثلاثة آلهة كاملين منفصلين) وإن كان كل منهم يحتاج للآخر، لن يصبح كل منهم إلهًا كاملًا بل كل منهم أصبح جزءًا من الإله، وأصبح الإله له ثلاثة أجزاء وهذا لا يليق ولا يتوافق مع قانون الإيمان.
ز - بالنسبة لعمل الثالوث إن كان لكل أقنوم دور خاص به ومتميز عن الأقنومين الآخرين فلا يقومان بعمله فإن هذا نقص ولا يصبح كل من الأقنومين الآخرين إلهًا كاملًا.
وعلى أيّ من هذه الأقوال فالتثليث باطل ولا سبيل لتبريره.
هل من المطلوب حتى نفهم وجود الله تعالى أن نتناسى النصوص الخاصة بالوحدانية، ونلهث وراء ما لا نفهمه، ونحاول أن نشرح مالا نفهمه بطريقة فلسفية تخدع العامة، وعندما نشعر بالفشل في الفهم، نقول إن هذا التعليم أكبر من عقولنا؟ فمن الذي قال هذا التعليم؟ ومن الذي ابتكره؟ ومن الذي أخبركم عنه؟
وقد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ردًا على هذه الأمثلة: (أن حر النار وضَوأها القائم بها ليس نارًا من نار، ولا جوهرًا من جوهر، ولا هو مساوٍ للنار والشمس في الجوهر، و كذلك نطق الإنسان ليس هو إنسانًا من إنسان، ولا هو مساوٍ للإنسان في الجوهر، وكذلك الشمس وضوؤها القائم بها، وشعاعها القائم بها، ليس شمسًا وجوهرًا قائمًا بنفسه، وأنتم قلتم: إله حق من إله حق)([21]).
أحد النصوص الي يستدلون بها على الثالوث في حين أنه يمكن نقض الثالوث به :
النصوص المتعلقة بمعمودية المسيح على يد يوحنا المعمدان, تبين أنه بعد أن اعتمد المسيح وخرج من الماء, ظهرت حمامة في السماء (قالوا: الروح القدس), وسمعوا صوتًا من السماء (قالوا: الآب), فقال النصارى: إن اجتماع الثلاثة المسيح والحمامة والصوت يدل على الثالوث.
ففي إنجيل متى: (متى 3: 16: «فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ فَرَأَى رُوحَ الله نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ». (17) : «صَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيب الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ»).
وفي إنجيل مرقس: (مرقس 1: 9 : «وفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يَسُوعُ مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ وَاعْتَمَدَ مِنْ يُوحَنَّا فِي الأُرْدُنِّ». (10): «وَلِلْوَقْتِ وَهُوَ صَاعِدٌ مِنَ الْمَاءِ رَأَى السَّمَاوَاتِ قَدِ انْشَقَّتْ وَالرُّوحَ مِثْلَ حَمَامَةٍ نَازِلًا عَلَيْهِ».(11): «وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ: أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ»).
وفي إنجيل لوقا: (لوقا 3: 21: «وَلَمَّا اعْتَمَدَ جَمِيعُ الشَّعْبِ اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا. وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ». (22): «وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ »).
فالملاحظ أن :
أ- النص يشير إلى وجود ثلاثة كيانات أو ذوات مختلفة ومنفصلة عن بعضها, ولا يشير إلى أن هناك ثلاثة في واحد أو واحد في ثالوث.
ب- لو كان كل من الثلاثة منفصلًا عن الآخر بهذه الطريقة، وكان كل منهم إلها حسب قانون الإيمان؛ لكان هذا تصريحًا واضحًا بعبادة ثلاثة آلهة.
الأول هو: المسيح على الأرض بعد خروجه من الماء.
الثاني هو: الروح المتجسد على هيئة حمامة تطير.
الثالث هو: صاحب الصوت من السماء, ولا يشير النص بأي حال إلى أن الثلاثة مجتمعين هم (الله).
ج- النص دليل على عدم ألوهية المسيح، فالنص متناقض مع نفسه في جزئية أزلية وجود المسيح، فالقول الذي نسب إلى الآب (ابني الذي به سررت) يعني ويفيد أنه لم يكن موجودًا في وقت من الأوقات، وبعد أن أصبح موجودًا حدث السرور. (به سررت).
د- النص متناقض مع نصوص صريحة جدًا تقول إن الله تعالى لم يسمع صوته أحد, مثل قول المسيح في(يوحنا5 :37): «وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ».
فكيف يقال سمعنا صوتًا يقول هذا ابني الحبيب ؟!
محاولات إثبات التثليث من القرآن !!
فشل النصارى في إيجاد أي دليل كتابي عن الثالوث، فذهبوا بعيدًا جدًا بالبحث عن أدلته الكتابية حتى في الكتب التي لا يؤمنون بها والتي تعارض التثليث بآيات واضحة لا تحتاج إلى تأويل أو تفسير.
ففي الفصل الثاني من كتاب القمص زكريا بطرس «الله واحد في الثالوث القدوس» كتب تحت عنوان شهادة القرآن لثالوث المسيحية: } إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ { [النساء:171[.
ففي هذه الآية يتضح أن الله له:
* ذات في قوله:} رَسُولُ الله {.
*وله (كلمة): في قوله: } وَكَلِمَتُه { فالهاء ضمير مفرد غائب يعود على الله.
*وله (روح): في قوله: } وَرُوح {ونحن المسيحيين لا نقول بأكثر من هذا([22]).
الرد: إنه عمى البصيرة قبل البصر، فالآية تقول: } إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله { وهو يقول: الله !!!، ولقد اقتطع من الآية فلم يأت إلا بجزء من نصفها, فالآية الكريمة من سورة النساء: } يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِالله وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا الله إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِالله وَكِيلًا { [النساء:171].
فلم يذكر بداية الآية: } يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إلَّا الْحَقَّ{ ولم يذكر نهاية الآية: } وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا الله إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ {.
والرد المجمل لكل من يحاول منهم الاستشهاد بالقرآن لإثبات صحة عقيدته التي لا يجد لها أدلة هو أن القرآن الكريم ليس له أكثر من كاتب، ولا يؤخذ جزء منه ويترك الباقي، فإن رضيتم بالقرآن الكريم كتابًا تأخذون منه العقيدة فقد جاء في القرآن الكريم الآتي:
1- الإسلام هو دين الحق ومن يتبع غيره فلن يقبل منه:} وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ { [آل عمران: 85].
2- كفر القائلين بألوهية المسيح: } لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلله مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { [المائدة: 17].
3- كفر القائلين بالثالوث: } لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إلَّا إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { [المائدة: 73].
4- المسيح أرسله الله تعالى رسولًا مثل من سبقه من الرسل: } مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ { [المائدة: 75].
5- محمدFوهو المنزل عليه القرآن هو رسول الله تعالى: } مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا {
[الأحزاب: 40].
فهل من يستشهد بالقرآن الكريم يقبل الإيمان بكل الآيات الواضحة السابقة؟
لقد 4 في أمثال من يستشهد ببعض من القرآن تاركًا الكتاب بالكامل: }أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ { [البقرة: 85].
أما الآية التي يقتطعون منها جزءًا لينفعهم في إثبات ما لا يملكون عليه دليلًا فتفسيرها حسب التفسير الميسر: يا أهل الإنجيل لا تتجاوزوا الاعتقاد الحق في دينكم، ولا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله أرسله الله بالحق، وخَلَقَه بالكلمة التي أرسل بها جبريل إلى مريم، وهي قوله: «كن» فكان، وهي نفخة من الله تعالى نفخها جبريل بأمر ربه (روح)، فَصدِّقوا بأن الله واحد وأسلِموا له.
معنى كلمة الله: لم تكتمل الأسباب التي وضعها الله في الكون للإنجاب وهي وجود الذكر والأنثى، فجاء خلق الله تعالى لعيسى 5 مثل خلقه لآدم بالأمر الإلهي بكلمة الله «كن».
أطلق على عيسى5كلمة الله؛ لأنه جاء بالكلمة من الله تعالى، كما يطلق على البرق والرعد «قدرة الله» على أنه جاء بقدرة لله، ويطلق على الدمار الناتج من الحرب «دمار الحرب» لأنه جاء نتيجة للحرب، ويطلق على الموظف الذي تم توظيفه عن طريق توصية أو واسطة من الوزير «واسطة الوزير» أي الذي جاء بالواسطة أو جاء بالتوصية من الوزير.
وفي تفسير ابن كثير: } وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ {، ليس الكلمة صارت عيسى، ولكن بالكلمة صار عيسى (لفظ كن)([23]).
معنى روح منه: نفخ الله تعالى في عيسى الروح وهي نسمة الحياة كما 4 عن خلق آدم: } فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين { [الحجر:29]
فالروح تأتي بمعنى: الملاك وتأتي بمعنى: نسمة الحياة، فنفخ الله تعالى في عيسى نَسمة الحياة مثل آدم، فقال تعالى: } إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ { [آل عمران: 59].
روى البخاري بسنده عن النبي 0 أنه قال: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّـةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّـةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ»([24]).
وقوله في الآية والحديث «وَرُوحٌ مِّنْهُ »كقوله تعالى: } وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ { [الجاثية: 13 ]، أي من خلقه ومن عنده، وليست من للتبعيض.
لقد 4 في الحديث عن المؤمنين: } أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ { [المجادلة: 22]. فروح منه تعني«من عنده».
كتب الإمام القرافي (... نفخ الله تعالى في عيسى5روحًا من أرواحه، أي: جميع أرواح الحيوان أرواحه، وأما تخصيص عيسى5بالذكر، فللتنبيه على شرف عيسى 5، وعلو منزلته، بذكر الإضافة إليه، كما 6: } الْحَمْدُ لله الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ { [الكهف: 1].
و6: } ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا { [مريم: 2]، فمع أن الجميع عبيد الله، تم التخصيص لبيان منزلة الشخص المخصص([25]).
أنواع الإضافات إلى الله تعالى:
1-صفات، مما يعني أن الله تعالى متصف بهذه الصفات، مثل: رحمة الله ‑ كلمة الله ‑ قدرة الله..الخ.
2- أعيان أو جواهر، وتكون الإضافة هنا إضافة تشريف وتخصيص مثل: كتاب الله ‑ بيت الله ‑ أرض الله ‑ روح الله ‑ ناقة الله ‑ رسول الله...الخ.
فرحمة الله ليست الله بل صفة من صفاته, وكتاب الله ليس هو الله بل كتاب لشرفه تمت نسبته إلى الله تعالى.
---------------
([1]) «شرح الأصول الثلاثة» ابن عثيمين (ص39).
([2]) «حقيقة التوحيد» د.يوسف القرضاوي (ص21).
([3]) «شرح الأصول الثلاثة» ابن عثيمين (ص40 ).
([4])«العقيدة الصحيحة» ابن باز .
([5]) «حقيقة التوحيد» د.يوسف القرضاوي (ص 23).
([6]) حقيقة التوحيد. د.يوسف القرضاوي ص 24-25 .بتصرف.
([7])«العبودية» (ص 38).
([8])«شرح الأصول الثلاثة» ابن عثيميين (ص40).
([9])«شرح العقيدة الواسطية» ابن عثيميين (ص41) بتصرف.
([10]) «حقيقة التوحيد» د.يوسف القرضاوي (ص42) بتصرف.
([11])«حقيقة التوحيد» د.يوسف القرضاوي ص(44) بتصرف.
([12]) «كتاب التوحيد» الشيخ صالح الفوزان. بتصرف.
([13]) كتاب شمس البر ‑ ص 118 ‑ القمص منسي يوحنا ‑ مطبعة المحبة ‑ شبرا‑ موضوع الثالوث.
([14]) المصدر السابق‑ ص 118.
([15]) المصدر السابق ‑ص 118.
([16]) المصدر السابق ‑ص 121.
([17]) رسالة الأصول والفروع ‑القس بوطر بعد شرح التثليث والأقانيم.
([18]) القس باسيليوس في كتابه «الحق».
([19]) الموسوعة الكاثوليكية الحديثة، الإصدار الرابع عشر، ص 295
The New Catholic Encyclopedia, Volume XIV, p.
([20]) الموسوعة البريطانية ‑ الإصدار 15 ‑ الجزء 11 ‑ صفحة 928.
([21]) (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح‑ شيخ الإسلام ابن تيمية).
([22]) الله واحد في الثالوث القدوس- القمص زكريا بطرس‑ ص 4
([23]) ابن كثير ـ تفسير القرآن العظيم.
([24]) رواه البخاري ـ كتاب الأنبياء ـ حديث رقم 3435، ومسلم ـ كتاب الإيمان.
([25]) الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة 82‑86 ‑ بتصرف.
تعليق