السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
طغى على الفكر العربيّ المسيحيّ منذ نشوء الإسلام هاجس إثبات ألوهة المسيح وإنسانيّته في مواجهة الفكر الإسلاميّ الذي يرفض ألوهته. لهذا ركّز الكتّاب العرب المسيحيّون أكثر ما ركّزوا على البعد الإلهيّ لشخصيّة المسيح، متغافلين في أحيان كثيرة عن صورة المسيح-الإنسان إلاّ عند الكلام على الصليب، فنجدهم يشدّدون على موته في طبيعته الإنسانيّة وقيامته بجسده ورفعه إلى السماء.
ألوهة السيّد المسيح
من النافل أن يتناول الكتّاب المسيحيّون العرب مسألة ألوهة السيّد المسيح، وأن يدافعوا عنها في وجه المسلمين الذين كانوا لا يتوانون عن انتقادها، واتّهام المسيحيّين بالشرك لأنّهم يقولون بالثالوث. فبولس الصيداويّ، المعروف أيضًا الأنطاكيّ
يبدأ كلّ رسائله بالبسملة الآتية: "بسم الآب والابن والروح القدس، الإله الموحَّد جوهره، المثلَّثة أقانيمه
، وذلك للتأكيد على توحيد الإيمان المسيحيّ لله. ويبدو تأثّر بولس باللغة القرآنيّة واضحًا في أماكن عديدة من مؤلّفاته، كما في فاتحة مقاله الأوّل حيث يقول: "الحمد لله الحيّ الأزليّ الحكيم، القادر المقتدر الحليم، الرحمن العالِم الرحيم، منشئ كلّ شيء ومبيده، ومميت كلّ حيّ ومعيده، مبدع المكان وموجده، ومحدث الزمان ومنفده، الذي لا تحويه الأمكنة والأقطار، ولا تغيّره الأزمنة والأدهار، ولا يبليه الليل والنهار
ويقول في مكان آخر إنّ الله هو " الباري الحيّ الناطق السميع البصير القادر الجوّاد الكريم
نلاحظ، هنا، الكمّ الهائل من أسماء الله الحسنى الواردة في نصوص هذا الكاتب المسيحيّ.
في إحدى مقالاته يبني بولس الأنطاكيّ استدلالاً عقليًّا على وجود البارئ ووحدته. ثمّ يقدّم عرضًا إيمانيًّا في الآب والابن والروح القدس، موضحًا أزليّة الأقانيم الثلاثة ووحدتها. بعد ذلك يتناول مسألة تجسّد الابن وصيرورته إنسانًا، فيقول: "فهو إله من حيث هو قديم أزليّ، وهو إنسان من حيث هو ابن السيّدة مريم. ففعل المعجَز بلاهوته، وأظهر العجز بناسوته،
والفعلان فللسيّد المسيح الواحدفي هذه العبارة يوجز بولس الأنطاكيّ تعاليم المجامع المسكونيّة في ما يتعلّق بالعقيدة المسيحانيّة، فالمسيح إلهٌ كامل يقوم بالمعجزات والآيات البيّنات، وهو نفسه إنسانٌ تامّ يعطش ويجوع ويتعب. هو شخص واحد لا شخصان، له طبيعتان إلهيّة وإنسانيّة.
ويدفع ثاوذورس أبو قرّةتهمة الشرك عن المسيحيّين إذ يقولون بثلاثة أقانيم. فقد جاء في عنوان ميمره عن "التثليث والتوحيد": "ميمر للأب الفاضل كير ثاوذورس أسقف حرّان، يحقّق أنّه لا يلزم النصارى أن يقولوا ثلاثة آلهة إذ يقولون: الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله، وأنّ الآب والابن والروح القدس إله واحد، ولو كان كلّ واحد منهم
تامًّا على حدتهكما جاء في عنوان ميمره عن "موت المسيح": "وأنّا إذا قلنا إنّ المسيح مات عنّا، إنّما نقول إنّ الابن الأزليّ، المولود من الآب قبل كلّ الدهور، هو الذي مات عنّا، لا في طبيعته الإلهيّة، بل في طبيعته الإنسانيّة
ويؤكّد طيموثاوس الجاثليقلمحاوره الخليفة العبّاسيّ المهدي وحدانيّة المسيحيّين عندما يقولون إنّ "الآب والابن والروح القدس إله واحد وطبيعة واحدة وجوهر واحد (...) فالله تعالى واحد مع كلمته وروحه، وليس بثلاثة آلهة، إذ لا
يمكن أن ينفصل منه الكلمة والروح ويؤكّد في مكان آخر على وحدانيّة الله، فيقول: "الآب والابن والروح القدس لا ينفصلون من بعضهم بعض، ولا يمتزجون، ولا يختلطون. ويتميّزون بالأقانيم، ويتساوون بالطبيعة. لأنّ الله تعالى هو واحد بالجوهر والطبيعة، ومثلّث بالأقانيم
تجسّد السيّد المسيح
إنّ أهمّ فكرة ناقشها الكتّاب العرب المسيحيّون في ما يخصّ المسيح هي فكرة "جود الله"، وهذه الفكرة تشدّد على أنّ تأنّس المسيح هو ثمرة جود الله الكريم الذي جاد بأفضل ما عنده، أي ذاته. وهذه الفكرة تتلخّص بما قاله الفيلسوف أبو زكريّا يحيى بن عديإنّ أفضل الجائدين هو الجائد بأفضل الذوات. وأفضل الذوات ذات البارئ. فلزم جودُ البارئ بذاته علينا، وهذا كان باتّصاله بنا
. هذا يعني أنّ السبب الوحيد الذي دفع الله نحو العالم هو جوده، وثمرة هذا الجود كانت الاتّحاد بالإنسان، أي عندما صار كلمة الله إنسانًا. الجدير بالذكر أنّ يحيى بن عدي اختار لفظ "الجوّاد" لأنّها أقرب عبارة فلسفيّة إلى المفهوم اللاهوتيّ المسيحيّ القائل بأنّ "الله محبّة".
أمّا بولس أسقف صيدا فيستعيد الفكرة ذاتها معتبرًا أنّ الله قد جاد بأنبل ما عنده، أي كلمته الذي سكن في الإنسان أشرف مخلوقات الله، فيقول: "ولأنّ الله جوّاد، وجب أن يجود بأجلّ الموجودات. وليس في الموجودات أجود من كلمته، يعني نطقه. ولذلك وجب أن يجود بكلمته حتّى يكون أجود الأجواد، وقد جاد بأجود الموجودات. فعلى هذا وجب أن يتّخذ ذاتًا محسوسة يظهر منها قدرته وجوده. ولمّا لم يكن في المخلوقات منه أشرف من الإنسان، اتّخذ الطبيعة البشريّة من السيّدة مريم المطهّرة، المصطفاة على نساء العالمين
يتبع ان شاء الله
بسم الله الرحمن الرحيم
طغى على الفكر العربيّ المسيحيّ منذ نشوء الإسلام هاجس إثبات ألوهة المسيح وإنسانيّته في مواجهة الفكر الإسلاميّ الذي يرفض ألوهته. لهذا ركّز الكتّاب العرب المسيحيّون أكثر ما ركّزوا على البعد الإلهيّ لشخصيّة المسيح، متغافلين في أحيان كثيرة عن صورة المسيح-الإنسان إلاّ عند الكلام على الصليب، فنجدهم يشدّدون على موته في طبيعته الإنسانيّة وقيامته بجسده ورفعه إلى السماء.
ألوهة السيّد المسيح
من النافل أن يتناول الكتّاب المسيحيّون العرب مسألة ألوهة السيّد المسيح، وأن يدافعوا عنها في وجه المسلمين الذين كانوا لا يتوانون عن انتقادها، واتّهام المسيحيّين بالشرك لأنّهم يقولون بالثالوث. فبولس الصيداويّ، المعروف أيضًا الأنطاكيّ
يبدأ كلّ رسائله بالبسملة الآتية: "بسم الآب والابن والروح القدس، الإله الموحَّد جوهره، المثلَّثة أقانيمه
، وذلك للتأكيد على توحيد الإيمان المسيحيّ لله. ويبدو تأثّر بولس باللغة القرآنيّة واضحًا في أماكن عديدة من مؤلّفاته، كما في فاتحة مقاله الأوّل حيث يقول: "الحمد لله الحيّ الأزليّ الحكيم، القادر المقتدر الحليم، الرحمن العالِم الرحيم، منشئ كلّ شيء ومبيده، ومميت كلّ حيّ ومعيده، مبدع المكان وموجده، ومحدث الزمان ومنفده، الذي لا تحويه الأمكنة والأقطار، ولا تغيّره الأزمنة والأدهار، ولا يبليه الليل والنهار
ويقول في مكان آخر إنّ الله هو " الباري الحيّ الناطق السميع البصير القادر الجوّاد الكريم
نلاحظ، هنا، الكمّ الهائل من أسماء الله الحسنى الواردة في نصوص هذا الكاتب المسيحيّ.
في إحدى مقالاته يبني بولس الأنطاكيّ استدلالاً عقليًّا على وجود البارئ ووحدته. ثمّ يقدّم عرضًا إيمانيًّا في الآب والابن والروح القدس، موضحًا أزليّة الأقانيم الثلاثة ووحدتها. بعد ذلك يتناول مسألة تجسّد الابن وصيرورته إنسانًا، فيقول: "فهو إله من حيث هو قديم أزليّ، وهو إنسان من حيث هو ابن السيّدة مريم. ففعل المعجَز بلاهوته، وأظهر العجز بناسوته،
والفعلان فللسيّد المسيح الواحدفي هذه العبارة يوجز بولس الأنطاكيّ تعاليم المجامع المسكونيّة في ما يتعلّق بالعقيدة المسيحانيّة، فالمسيح إلهٌ كامل يقوم بالمعجزات والآيات البيّنات، وهو نفسه إنسانٌ تامّ يعطش ويجوع ويتعب. هو شخص واحد لا شخصان، له طبيعتان إلهيّة وإنسانيّة.
ويدفع ثاوذورس أبو قرّةتهمة الشرك عن المسيحيّين إذ يقولون بثلاثة أقانيم. فقد جاء في عنوان ميمره عن "التثليث والتوحيد": "ميمر للأب الفاضل كير ثاوذورس أسقف حرّان، يحقّق أنّه لا يلزم النصارى أن يقولوا ثلاثة آلهة إذ يقولون: الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله، وأنّ الآب والابن والروح القدس إله واحد، ولو كان كلّ واحد منهم
تامًّا على حدتهكما جاء في عنوان ميمره عن "موت المسيح": "وأنّا إذا قلنا إنّ المسيح مات عنّا، إنّما نقول إنّ الابن الأزليّ، المولود من الآب قبل كلّ الدهور، هو الذي مات عنّا، لا في طبيعته الإلهيّة، بل في طبيعته الإنسانيّة
ويؤكّد طيموثاوس الجاثليقلمحاوره الخليفة العبّاسيّ المهدي وحدانيّة المسيحيّين عندما يقولون إنّ "الآب والابن والروح القدس إله واحد وطبيعة واحدة وجوهر واحد (...) فالله تعالى واحد مع كلمته وروحه، وليس بثلاثة آلهة، إذ لا
يمكن أن ينفصل منه الكلمة والروح ويؤكّد في مكان آخر على وحدانيّة الله، فيقول: "الآب والابن والروح القدس لا ينفصلون من بعضهم بعض، ولا يمتزجون، ولا يختلطون. ويتميّزون بالأقانيم، ويتساوون بالطبيعة. لأنّ الله تعالى هو واحد بالجوهر والطبيعة، ومثلّث بالأقانيم
تجسّد السيّد المسيح
إنّ أهمّ فكرة ناقشها الكتّاب العرب المسيحيّون في ما يخصّ المسيح هي فكرة "جود الله"، وهذه الفكرة تشدّد على أنّ تأنّس المسيح هو ثمرة جود الله الكريم الذي جاد بأفضل ما عنده، أي ذاته. وهذه الفكرة تتلخّص بما قاله الفيلسوف أبو زكريّا يحيى بن عديإنّ أفضل الجائدين هو الجائد بأفضل الذوات. وأفضل الذوات ذات البارئ. فلزم جودُ البارئ بذاته علينا، وهذا كان باتّصاله بنا
. هذا يعني أنّ السبب الوحيد الذي دفع الله نحو العالم هو جوده، وثمرة هذا الجود كانت الاتّحاد بالإنسان، أي عندما صار كلمة الله إنسانًا. الجدير بالذكر أنّ يحيى بن عدي اختار لفظ "الجوّاد" لأنّها أقرب عبارة فلسفيّة إلى المفهوم اللاهوتيّ المسيحيّ القائل بأنّ "الله محبّة".
أمّا بولس أسقف صيدا فيستعيد الفكرة ذاتها معتبرًا أنّ الله قد جاد بأنبل ما عنده، أي كلمته الذي سكن في الإنسان أشرف مخلوقات الله، فيقول: "ولأنّ الله جوّاد، وجب أن يجود بأجلّ الموجودات. وليس في الموجودات أجود من كلمته، يعني نطقه. ولذلك وجب أن يجود بكلمته حتّى يكون أجود الأجواد، وقد جاد بأجود الموجودات. فعلى هذا وجب أن يتّخذ ذاتًا محسوسة يظهر منها قدرته وجوده. ولمّا لم يكن في المخلوقات منه أشرف من الإنسان، اتّخذ الطبيعة البشريّة من السيّدة مريم المطهّرة، المصطفاة على نساء العالمين
يتبع ان شاء الله
تعليق