المرابط ولد محمد لخديم
رئيس الجمعية الوطنية للتأليف والنشر.
إذا رجعنا إلى الواقع العالمي الذي تشكل بعد الحرب الباردة فإننا نجد أن سقوط الإتحاد السوفياتي لم يكن يعني مجرد سقوط نظام في الحكم معين، ولا مجرد انحلال تكتل بين دول، ولا مجرد تفتت معسكر يتحدد بكونه يشكل حلفا بين دول، ضد حلف آخر يتشكل من دول أخرى، بل لقد كان سقوط الاتحاد السوفياتي يعني أيضا، وربما في الدرجة الأولى سقوط نظام اجتماعي واقتصادي وفكري، نظام كان يطرح نفسه كمشروع ضروري للمستقبل: مشروع حضاري جديد، هو ما عبر عنه بـ (النظام الاشتراكي العالمي)، وقد كان يبشر بعلاقات إنتاج جديدة، وبنظام سياسي محلي ودولي جديد، وبإيديولوجيا جديدة، بمعنى تاريخ جديد للإنسانية.
وقد دخل كما هو معروف في صراع مع النظام الرأسمالي، القائم آنذاك. وكان الصراع بين النظامين يشمل الاقتصاد والسياسة، والقيم والفكر والعلاقات الدولية... إلخ. وبما أن هذا الصراع لم يتطور إلى صدام مسلح على غرار الحربين العالميتين، بسبب الرادع النووي لدى الطرفين، فقد اكتسى صيغة صراع حول المناطق الإستراتيجية ومواطن الثروة، وأيضا صيغة صراع إيديولوجي استعمل فيه الدين والعلم والثقافة بصورة عامة.
وإذا كانت أمريكا لم تفصح للعالم عن هدفها من وراء هذه الحروب, فان الثوب الذي ألبسته لتلك الحروب باسم الحرية والديمقراطية بات معروفا لغير العميان يقول الشاعر:
ثوب الرياء يشف عما تحته فإذا التحفت به فانك عاري
وهو ما تشرحه وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت في كتابها:(الجبروت والجبار), حيث تتناول في القسم الأول من الكتاب الموقف الأمريكي في العالم والدور الذي يلعبه الدين والأخلاق في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية..
في ما يتطرق القسم الثاني إلى العلاقات المضطربة بين المجتمعات الإسلامية والغرب..
ثم تعرض المؤلفة أفكارها في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية والدين, من أجل تحديد نقطة التقاء الاثنين السياسة العملية مع طبيعة الدين.
وتحت عنون:(أمريكا في عيون الناس) تتساءل المؤلفة أولبرايت كيف يمكن بأحسن الطرق أن ندير الأحداث في عالم يضم العديد من الأديان وتتناقض فيه نظم المعتقدات في نقاط رئيسية تناقضا تاما كيف نتعامل مع التهديد الذي يمثله المتطرفون الذين يحاولون باسم الرب فرض إرادتهم على الآخرين.
هذه الطبيعة بنظر المؤلفة ترجع إلى الأزمنة الوثنية وليست جديدة, ولكن الجديد هو مقدار الدمار الذي يمكن يلحقه العنف, لأن الحروب الدينية التي كانت تخاض بالسيوف والدروع والمنجنيق شيء, والحروب التي تخاض بالمتفجرات الشديدة شيء آخر.
وتعتقد المؤلفة أن مؤسسي أمريكا كانوا يدركون أنهم يبينون شيئا جديدا غير عادي, لنظام حكم قائم على حقوق الأفراد وواجباتهم, وذالك هو المفهوم الذي أثر في التفكير السياسي في العالم.
رأى الأمريكيون أنفسهم وهم يؤسسون مجتمعا متفوقا في التنظيم والأخلاق على الارستقراطيات المضمحلة في أوروبا, وقارنوا أنفسهم بدون تحفظ بالإسرائيليين القدامى
كشعب اختارته العناية الإلهية للمشاركة في وضع خطة إلهية.[وهذا ربما يفسر ادعاءات بوش المتكررة أنه يطبق مشيئة الرب...] وخلال عقود التوسع والازدهار الاقتصادي والإخفاقات الصاخبة تكرس اعتقاد أن الله ينير مسار أمريكا ومصيرها, وبقى هذا الاعتقاد منتشرا, وفد اقترن القرن العشرون وتجاوزت قدرة البلد وطموحاته الحدود الأمريكية المستقرة الآن إلى الأماكن البعيدة في المحيط الهدى.
وما ميل القادة إلى تمويه مصالحهم الضيقة بخطاب عن القيم العامة إلا انعكاس لرغباتهم قي الظهور بمظهر أفضل مما هم عليه..)
ويبدو أن الكابتن بوش وفريقه( المحافظون الجدد) كلفهم هذا المظهر الكثير حيث أنهم غيروا من مدلولات الكلام نتيجة لما تضفيه سياستهم من ممارسات أصبحت عن طريقها كلمة (محافظ) في ذهن السامع ترمز للقتل والخراب..والفضائح التي يندى لها الجبين, والتدخل في شؤون الدول الأخرى.. وهي معان جديدة, تختلف عما كانت عليه في الأصل. وهم في ذالك يسيرون على درب سار عليه الاستعمار والنازية..فكلمة(استعمار) مشتقة من (عمًر, يُعمًر) وهي في الأصل تعنى البناء والتعمير...غير أن الممارسات التي ارتبطت بالوجود الأجنبي في البلدان المستعمرة, وما لحق بهذه البلدان من ضعف ومهانة جعلت من كلمة استعمار مرادفة لكلمة خراب, واستغلال وظلم.أي أنها أصبحت توحي لأول وهلة بإحساسات لدى السامع تختلف اختلافا كليا عن معناها الاشتقاقي الذي يعنى البناء والتعمير. ونفس المثال ينطبق على كلمة (نازي) ومعناها القومية والاشتراكية في اللغة الألمانية, غير أن ارتباط هذا اللفظ بالممارسات السياسية للحزب النازي الهتلري الألماني..وما نتج عنها من حرب ودمار وخراب للعالم, غير كلمة (نازي) في الواقع تغييرا كليا حيث أصبحت تعنى العنصرية والطغيان والاستبداد.
ومع هذا كله نراهم يرحلون عن هذه الملاعب التي ابتدعوها وفى جعبتهم الكثير من الهزائم, إذ أخفقوا عدة مرات, ففي العراق حيت كان يريد الحصول على أفضل الضربات, وهى عادة تتحقق حسب قواعد اللعبة حين تطير الكرة بعيدا, في تلك الحالة يسجل ضارب الكرة والعداؤون على القواعد هدفا في الحال. ويسمى هذا "الهدف الأكبر" "أي إكمال الدورة"، والشيء الغير منتظر في هذه اللعبة هو أن ملاعب العراق وأبنائه لعبوا هذه اللعبة بطريقتهم الخاصة, حيث استبدل (مًنتظرْ) الكرة بحذاء وغيَر الاتجاه وذالك برميه بسرعة وبطريقة لولبية مما جعل الحذاء ينعطف في الجو بشكل غريب إلى الهدف المقصود (الكابتن بوش), مما دفع بالمتفرجين إلى حال من الهيجان للتعبير عن فرحهم. ليس في العراق فقط, بل على مستوى العالم حيث أصبحت هذه «الرمية بالحذاء »المادة الحية لمئات المواقع والألعاب الالكترونية, وبلغ الاهتمام بهذه الحادثة إلى أن وصل عدد الرميات في وجه الكابتن بوش, ما يزيد على أربعة مليار رمية. في أربعة أيام فقط من وقوع الحادثة. وهذا ما يؤهلها أن تكون سلاح لا يقل أهمية عن سلاح الكلمة, والحجارة , والمظاهرات..
وإذا كان التاريخ قد سجل أن زعيما ورئيسا عربيا أعدم شنقا فجر الأضحى المبارك بصورة همجية ومنحطة, من دولة تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان وأن الزعماء والقادة العرب لم ينطق أحدهم بكلمة... فان التاريخ نفسه سيكتب أيضا «الرمية بالحذاء » كردة فعل طبيعية لذات اليد التي اغتصبت الأرض وأهلكت الحرث و النسل..!!.
ومن هذا الانجاز أصبح لنا وجود الأول مرة في معركة مقولاتها: الكلمة والصورة وأبطالها: مداد الكاتب وعدسة المخرج..
وهى المعركة التي تواكب أهم تحول عرفته نهاية القرن العشرين وهو الانتقال مما أسماه (توفلر) الموجة الحضارية الثالثة التي تمثل فيها المعرفة (إعلام ، معلومات ، تقنية رقمية) المصدر الأساسي للقوة والهيمنة. بعد أن كان مصدر هذا النفوذ هو رأس المال والإنتاج الصناعي في نهاية القرن السابع عشر..
أما الفئة الباقية فقد اقتنصتها وسائل الأعلام والمعلومات السريعة، بما تملكه من جاذبية وسائطها المتعددة في الصوت والصورة والحركة، فآثروها على تحصيل العلوم والمعارف، وسلموا أخيلتهم وأوقاتهم لها، وفضلوا التحول إلى متلق يستمع ويشاهد مسترخيا على أريكته، يتجرع ويحتسى كؤوس الشاي والقهوة مع ما يقدم له من دون كبير تدخل أو اختيار...
إن عقدة الغرب هذه التي أصبحت تحدد أفقنا المعرفي والفكري. بتساؤلات مازالت تغض مضاجعنا:
كيف نلحق بالآخر؟ الذي أنتج العقلانية والحداثة وهاهو اليوم ينتج العولمة؟ أين يكمن القصور في الذات أم في الآخر؟ في التاريخ أم في الفكر؟
المهم أنه كلما حاولنا النهوض بالواقع وكلما حاولنا الانخراط في التاريخ انتصب هذا الآخر في وعيه كطرف ضروري لامناص منه لتحديد العلاقات التي تربطنا به, تعاون, مشاركة, هيمنة, فسواء تعلق الأمر بمسائل التنمية الاقتصادية أو أنظمة الحكم والتسيير أو باختيار المشاريع المجتمعية, بل وحتى قواعد الفكر والسلوك نجدها تطرح أمامنا إشكالية الآخر وكيفيات تدبير العلاقات الآنية والمستقبلية معه سواء على مستوى الواقع أو الخيال, لدرجة أصبح معها الغرب يحدد أفقنا التاريخي.حتى أصبحنا مجرد ناشرين, أو مفسرين, أو حتى معلقين,على ما يقدم لنا من فكر الغرب وعلومه .
وسيول قاذورات الغرب هذه تظهر في الخطة اللئيمة المحكمة, التي شعر مهندسوها أن دعوة المسلم إلى الكفر تلقى نفورا في المجتمع الإسلامي, ويكاد يكون من المحال إحراز تقدم فيه بإعتناق هذه الدعوة, ولذا ينبغي أن تكون الخطة_ أولا_ تجريد شخص المسلم من الالتزام بالتكاليف, وتحطيم قيم الدين الأساسية في نفسه بدعوى العلمية والتقدم والحرية..
دون المساس بقضية الإلهية مؤقتا, لأنها ذات حساسية خاصة, وبمرور الزمن, ومع إلف المسلم لهذا التجريد يسهل في نهاية الأمر تحطيم فكرة الإلهية في عقله ووجدانه _ وإذا بقيت افتراضا, فلا ضرر منها, ولا خطر, لأنها حينئذ لن تكون سوى بقايا دين, كان موجود ذات يوم بعيد.
وهكذا يحكم أعداء الإسلام مخططاتهم, ويديرون لتدمير الدين ومبادئه, ابتداء من ابسط السنن والواجبات وانتهاء إلى قضية القضايا: وجود لله ذاته.
وفي هذه الفترات السوداء، البارقة في سوادها تنتفض هذه الأمة إذا امتست مقدساتها كما فعلت في حادثة الرسوم المسيئة لنبيها صلى الله عليه وسلم..
ولكنها فترات لا تطول. فحوافر العيش تعود فتحفز ويشتد حفزها، والحياة تعود تهتف بحاجاتها ويشتد هتافها، والإنسان منا يلبى جبرا لا اختيارا، ويتركز على يومه، وينسى أمسه الذي كان، وينسى يومه الذي سوف يكون، إلا من حيث ما يطعم، ويلبس، ويلد، ومن حيث ينعم أو يشقى بالحياة..
وقد تطور هذا الفكر ليأخذ شكلا خطيرا حيث أصبح بين ظهرانينا من بني جلدتنا من ينظر إلى تراثنا نظرة ازدراء, وقد أفرغ جهده في نقد التراث, وتسفيه السلف.. ولم نجد أن ذالك صنع منهم عباقرة ولا مخترعين, وإنما وجدنا من أكثرهم أنانية منفردة, وأخلاقية عمل ضعيفة, ونزوعا إلى الاحتيال, والوصول إلى المنافع الخاصة من أي باب, ومن أقصر طريق.. متخذين من حرية التعبير عنوانا براقا يتسترون ورائه, وحرية الرأي هذه تنكمش وتذوب عند مناقشة قضايا جليلة لها خطرها في اليوم والغد, وتتسع وتتماع عندما تكون غطاء لنيل من الإسلام والمساس بقدسيته. وهذا ما يظهر خطورة الغزو الداخلي بالمقارنة مع الغزو الخارجي حيث أن هذا الأخير نوع تقليدي يتم من أطراف فاعلين من خارج المجتمع المغزو ، وهو غير خطير ـ نسبيا لأنه مكشوف وظاهر(لغير العميان).
أما الغزو الداخلي فإنه غزو ذاتي وهو مضمون النتائج وسليم العواقب.والغزو الخارجي تستطيع محاربته لأنه مكشوف وتحاكمه لأنه معروف، أما الغزو الذاتي فكيف تحاربه وأين تحاكمه، ومن يحاكم من؟ فالمفعول هو الفاعل والخصم قد يكون هو الحكم في نظر القانون!!
(أن وصول البشر إلى محجة الكمال لا يكون إلا بوضع الدين جانبا) ويقول فريد وجدي في عدة مقالات بعنوان (السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة) ما نصه:
(وقد لاحظ قراؤنا أننا نحرص فيما نكتب في هذه السيرة على أن لا نسرف في كل ناحية إلا ناحية الإعجاز، ما دام يمكن تعليلها بالأسباب العادية حتى ولو بشيء من التكلف)
ويقول حسين هيكل في كتابه حياة محمد صلى الله عليه وسلم إنني لا آخذ بما سجلته كتب السيرة والحديث إلا على الطريقة العلمية ).
ولأخطر من هذا كله الموقف التالي لجماعة من علماء المسلمين أعلنت قبولها لنظرية النشوء والارتقاء لأن علماء الغرب أعلنوا اقتناعهم الكامل بصدقها، بعد دراستهم ومشاهدتهم... وكيف أنهم، اضطروا بعد هذا الموقف إلى تفسير جديد للإسلام في ضوء النظرية الجديدة،وحين احتاجوا إلى لباس جديد، قاموا بتفصيل ثوب الإسلام مرة أخرى، ولكنه ثوب مشوه المعالم، لا اثر فيه من روح الإسلام، التي ضاعت مع الأجزاء المقطعة في عملية التلفيق الجديدة. )
وزيادة على اجتهاد البوطي نرى أن سبب ضعف الأمة الإسلامية هو ابتعاد هذه الأمة عن القراءة التي اشتهرت بها حيث باتت أمة اقرأ لا تقرأ..!! ولا نريد هنا أن نبحث في تاريخ القراءة بعيدها وقريبها، ولا أن نستقصي عن أحوال الأمة العربية الإسلامية قبل القراءة من جهل وتخلف:ثقافي, اقتصادي, اجتماعي من كل الجوانب..وكيف نقلتهم من أقصى أودية التخلف إلى أرقي درجات الحضارة القوة, الوحدة, النفوذ. في زمن قياسي قدر ب: 20 عاما فقط.. ولا أن نتحدث عن فكرة القراءة والكتابة وأن الأمم التي لا تقرأ قد انقرضت أو على وشك الانقراض كما وقع للهنود الحمر, فذلك ما لا سبيل إليه في هذا المقام لكن التاريخ لا يكتبه الأجداد، ولا يتحرك على الأرض طبقا للأماني والأقوال في مجتمع فقد فعاليته وفقد معها قدرته على قراءة الأحداث الماضية منها والجارية، فضلا عن المستقبلية وتحول إلى ظاهرة صوتية تقول ما لا تفعل، وتسمع فلا تدون، وإن هي دونت فلن تقرأ، لأنها هجرت القراءة وأسكتت الكلمة...
القول + الفعل = العمل.
فالفعل إما أن يكون مثلا أعلى فهو فعل إلهي، وإما أن يكون مثلا أدنى فهو فعل الحيوان، أما ما يفعله الإنسان فهو الفعل الذي لا يمكن أن يكون مثلا أعلى، فليس في الوسع قراءة آخر كلمة في صحيفة التطور، ولذا فهو عمل سائر في طريق الكمال ولا يمكن أن يكون مثلا أدنى لأن في هذا إسقاط لصفة العمل عنه واقتصاره على صفة الفعل وعندما يكون كذلك فقد خرج من هاويته الإنسانية والإنسان صاحب عمل مؤلف من قول وفعل، وإذا انفصل قول الإنسان عن فعله فقد صفة العمل التي جعلته إنسانا وفقد الحرية، لأن الحرية هي عمله في تحرير نفسه وتحرير الوجود من حوله بوعيه لحركة الجدل... وانحط إلى مرتبة الفعل الأندى مرتبة الحيوان الأعجم.
وحين خرج الإنسان من دائرة الفعل والقول إلى دائرة العمل ليحقق حريته بما يفعل ضل الطريق إلى حريته بسلوكه طريق الفعل وحده أو طريق القول وحده.
أنظر إلى ضياع الحرية الذي تجده في قوله تعالى ﴿ يا أيُّها الذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفعلونَ ▪كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوامَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ سورة الصف الآية: 2-3.
لقد ضاعت الحرية بضياع العمل وضاع العمل حين انفصل فيه القول عن الفعل والأصل هو القول + العمل. وأكبر تكريم لإنسان أنه اتؤمن على الحرية حين أعطي صفة العمل، وتكون المعادلة الجديدة:
القول + الفعل= العمل و= الحرية على فرض أن كل طرف من أطراف هذه المعادلة قائم على وعي حركة الجدل، ولما كان الوجود كله مادة خاما لا عمل فيها، فهو ضرورة لا وجود فيه للحرية. لأن هذا الوجود بلغ بحركته أقصى الحرية حين بلغ القيد.
ونحرر منه على مقدار ما نقول ونفعل، أي على مقدار ما نعمل، ونعمل على مقدار ما نعي من حركة الجدل فيه...
إن المسلم الذي يجد بلاده متخلفة تقنيا، دون وجود أية بارقة أمل لسد الفجوة بينها وبين البلدان المتقدمة، سوف يسحب ثقته من ثقافته، ويتحول إلى شحاذ ثقافي يستجدي على أبواب الآخرين للأفكار والمفاهيم والنظم التي تملأ الفراغ، الذي خلفته ثقافته المنهارة.
فالعلم آنذاك، لا يعزز الأخلاق بل يهدمها، والتقدم الاقتصادي، لا يحقق العدل والمساواة، بل يقصيهما، والتلاحم الأهلي، لا يغدوا مصدرا للشعور بالأمان، بل يتحول إلى عبء يثقل كاهل أصحابه وهكذا...
ومهما ارتفعت أصواتنا ومناداتنا بقيمة ثقافتنا وتراثنا وديننا وضرورة محافظتنا عليه. إيمانا منا بمقاومتها لتلك الثقافة الأجنبية، فإن الناس سيمضون في طريقهم إلى تقديس الثقافات المتفوقة على حساب ثقافتنا، بشكلها الحالي. إذ أن روح عصرنا تمجد القوة بأوسع معانيها، وتنجذب إلى التفوق على مقدار ما تستهين بالثقافات التي تحاول أن تستمد مشروعيتها من غير هذا الباب.
ليس أمامنا من طريق لاستعادة الثقة بثقافتنا، والكف عن الاستجداء الثقافي سوى التوصل إلى طريقة ننهي بها التناقضات الداخلية في ثقافتنا الحاضرة، ونخلصها من الشوائب التي أقعدتها عن أداء وظيفتها في الريادة الحضارية.وتكاد تزهق روحها..
فلغتي هي أنا.هي ذاتي, هي وجودي هي كياني, هي حضارتي وتاريخي, أما لغة الآخر فهي لغة الآخر...
إن الخطأ ناتج عن كيفية التعامل مع ثقافتنا ولغتنا العربية حيث " أن قسما كبيرا من مشاكلها يعود إلى أسباب ذاتية، ونقصد بها ضعف همة أبنائها وقصورهم في القيام بواجبهم تجاه لغتهم التي هي لسان دينهم وعنوان هويتهم الثقافية ورمز سيادتهم الحضارية، وتفريطهم في مسئوليتهم التاريخية في الحفاظ على تراثهم وحماية وجودهم المعنوي..
إن محنة العربية لا تتمثل في حشود الألفاظ والمصطلحات الوافدة من عالم الحضارة المعاصرة، إلى عالمها الذي يبدو متخلف، ليس ذالك فحسب ، بل إن محنتها الحقيقية هي في انهزام أبنائها نفسيا أمام الزحف اللغوي الداهم، واستسلامهم في مجال العلوم للغات الأجنبية، بحيث قد تكونت في العالم العربي جبهة عنيدة تجاهد للإبقاء على العربية بمعزل عن مجال العلوم والتكنولوجيا، فما دامت صفوة المشتغلين بالعلوم تعرف الإنجليزية أو الفرنسية مثلا، فلا بأس أن نعزل العربية "بل ونقتلها في عقر دارها".
وإذا طبقنا القاعدة القائلة: إن اللغة كائن حي، يعتريها ما يعتري أي كائن من عوارض، وتقلبات الزمن ومتغيرات ومستجدات التي تطرأ.
فإننا نجد أن حياة اللغة من حياة أبنائها، وهي تقوى أو تضعف حين يقوون أو يضعفون.
يقول الدكتور زكي مبارك
” سيأتي يوم يعرف فيه المسلمون أن حضارتهم العظيمة لم تقوضها غير الأقلام الباغية, أقلام الكتاب والمؤلفين الذين غفلوا عن أخطار الغيبة الاجتماعية فحبروا الفصول الطوال في المفاضلات بين الأمم الإسلامية حتى شطروها إلى عناصر يبغي بعضها على بعض بلا تورع ولا استحياء.
وثورة الأمة الفارسية على اللغة العربية كانت لها أسباب من هذا النوع وثورة الأمة التركية على الحروف العربية كانت لها دواعي من هذا القبيل ولن تزول آثار هذه «الغيبة القلمية» إلا يوم يمن الله على المسلمين بكتاب حكماء يعرفون كيف يقتلعون جذور هذه الفتن والقلوب"
إن للغة العربية علاقة خاصة بالدين الإسلامي تتميز بها عن علاقة سائر اللغات في العالم بدياناتها السماوية، أو الوضعية, ويعود السبب الأول لهذه العلاقة إلى نزول القرآن الكريم باللغة العربية، وما نجم عن ذالك من تقديس المسلمين للغة العربية كتقديسهم للقرآن . وتقديس المجتمع لشيء من الأشياء يتطلب بالضرورة فهمه والمحافظة عليه. وهكذا ارتبطت اللغة العربية ارتباطا قويا بالإسلام لأنها مفتاح فهم العقيدة الدينية، ووسيلة المحافظة عليها ما بقي لهذه العقيدة معتنقون في المجتمع. ومهما يكن من أمر فإن اللغة العربية ما كان لها أن تبرح الجزيرة العربية، ولا أن تكتسح الأقطار المجاورة شرقا وغربا، وتنتشر فيها، وتؤثر في لغاتها، أو تحل محلها بالسرعة والكيفية التي عرفها صدر الإسلام، لولا أنها كانت لغة القرآن، ولغة فهم الدين الجديد، فالإسلام كان دفعا جديدا لرقي اللغة العربية وجاء هذا الدفع على يد القرآن نسقا جديدا في التعبير إلى جانب الشعر والنثر، وكان القرآن الرابطة الأقوى بين اللغة والدين، فما يقوله القرآن يصبح القاعدة والمعيار حتى وإن لم يكن للعرب عهد به.
فالقرآن هو الفيصل في الدين واللغة العربية، وفي ذالك يقول المستشرق الألماني
(يوهان فك): " إن لغة القرآن تختلف اختلافا غير يسير عن لغة الشعراء السائدة في الجزيرة، فلغة القرآن تعرض من حيث هي أثر لغوي صورة فذة لا يدانيها أثر لغوي في العربية على الإطلاق. ففي القرآن لأول مرة في تاريخ اللغة العربية يكشف الستار عن عالم فكري تحت شعار التوحيد، لا تعد لغة الكهنة والعرافين الفنية المسجوعة إلا نموذجا واهيا له من حيث وسائل الأسلوب، ومسالك المجاز في اللفظ والدلالة"
ولو تتبعنا اللغة العربية في العهد الإسلامي لوجدنا كتاباتها متأثرة في المبنى والمعنى بالقرآن ويليه الحديث، ومن أمثلة الكلمات والتعابير المتداولة في اللغة العربية والتي ترجع في أصلها إلى القرآن: (العروة الوثقى. سنة الله. مثقال ذرة. أسوة حسنة. المثل الأعلى. بكرة وأصيلا. لا يكلف الله نفسا إلا وسعها..).
وإلى جانب القرآن يوجد الحديث الذي ترك آثاره على اللغة العربية أيضا فاللغة العربية إذن هي وعاء الثقافة الإسلامية، وهي الأداة المثلى لمعرفة مبادئ الدين الحنيف وفهم أحكامه, وهى اللغة الوحيدة في العالم التي ترتبط بالدين ارتباطا لا انفصام له. فهي لغة الإسلام لأنها لغة القرآن الكريم. ولغة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الارتباط يأتي في أن القرآن الكريم كان له الدور الكبير في توجيه وتطوير وتقويم اللغة العربية فمن أجل ذالك كان لا بد لمن أراد العكوف على دراسة العربية وآدابها من أن يعكف على دراسة القرآن وعلومه، وكلما ابتغى مزيدا من التوسع في العلوم العربية وثقافتها، احتاج إلى مزيد من التوسع في دراساته القرآنية المختلفة.
من خلال ما أسلفنا في هذه المحاولة المتواضعة نستخلص أن هذه الأمة قد اتخذت عقلية وفكر ومنهج جديد يختلف جملة وتفصيلا عن ما كانت عليه أصلا وما كان سببا في وجودها واتجهت شيئا فشيئا نحو الحدائة والمدنية.. متنكبة لتراثها, الذي كان سببا في وجودها المعنوي ويتضح لنا ذالك جليا بمقارنة بسيطة بين واقع العرب قبل وبعد الإسلام.
وكان أساس هذه الرسالة هو الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب وقد أبدع في إخراجها للعالم مؤلفون مبدعون ومثقفون محنكون.حتى ليحس المرء بعد مطالعته لقصة أو مشاهدته لفيلم عن هذه المحرقة بحاجة إلى أن ينزوي نفسيا من هول ما شاهد وطالع. كان ذالك قبل (محرقة غزة) التي جسدت كل تلك المشاهد وزادت عليها مع الفارق بين الزمنين, وان كنا لم نشاهد من صور المحرقة الأولى غير ما وصلنا عن طريق وسائل الإعلام السالفة الذكر.., فإننا شهود على المحرقة الثانية, والتي رأى فيها العالم صور تقشعر لها الأبدان, وتموت لها القلوب كمدا من هول الموقف فمثلا: أطفال مقطعة الرؤوس, وأشلاء لنساء, وعائلات بالعشرات نسفت, ومباني هدمت, ومساجد خربت, وكأننا أمام زلزال من صنع البشر, وسط صراخ: الأطفال والنساء والشيوخ وبين تلك الأصوات الصارخة في معركة غير متكافئة، يحس الإنسان منا ضميره الإنساني و هو يشاهد تلك الصور المقززة, يسأله ألهذا الحد وصل بطش الإنسان بأخيه الإنسان؟! في عالم يدعى الحرية وحقوق الإنسان!!
حيث يقول ” إن التعليم الوطني عندما قدم الانكليز, كان في قبضة الجامعة الأزهرية الشديدة التمسك بالدين والتي كانت أساليبها الجافة تقف حاجزا في طريق أي إصلاح تعليمي, وكان الطلبة الذين يتخرجون من هذه الجامعة يحملون معهم قدرا عظيما من غرور التعصب الديني, فلو أمكن تطوير الأزهر لكانت خطوة جلية الخطر. فليس من اليسير أن نتصور أي تقدم طالما ظل الأزهر متمسكا بأساليبه هذه ولكن إذا بدا أن مثل هذه الخطوة غير متيسر تحقيقها فحينئذ يصبح الأمل محصورا في إيجاد التعليم للاديني الذي ينافس الأزهر حتى يتاح له الانتشار والنجاح״
ومن مصر إلى موريتانيا (بلاد شنقيط) فيما يسمى عندنا با(المحظرة) وهي جامعات متنقلة تتطابق مناهجها ومناهج الأزهر الشريف وتعتمد أساسا على قوة الذاكرة والحفظ في الصدور بالإضافة إلى السطور وقد وقفت في وجه المستعمر الفرنسي فكانت عصية على المستعمر كحاجز منيع وحارسا أمينا يصعب اختراقه عند ما عجز سلاحنا غير المتكافئ. بذلك شهد شاهد من أهلها:
CRISTIAN LAGREيقول المسمي(كريستان لجرى
هل بهذا نسحب البساط من الإصلاح, كلا, فهو يبقى خيار الأمم والشعوب لكن ما يحمل على الريبة هو لماذا لفرانكفونية بالذات لماذا لا تكون الانجليزية مثلا؟ ومن الواضح لغير لعميان ما يعانيه التعليم لفرانكفوني نفسه في عقر داره من تخلف وفشل..!
1) طائفة غير لمثقفين: وتشمل الأميين والمثقفين ثقافة بسيطة لا تؤهلهم لأن يستقلوا بفهم ما يعرض عليهم والحكم عليه حكما صحيحا, وهؤلاء يجهلون الشريعة الإسلامية جهلا تاما إلا معلومات سطحية عن العبادات. وأكثرهم يؤدون العبادات تأدية آلية, مقلدين في ذالك آباءهم وإخوانهم ومشايخهم, ويندر أن تجد فيهم من يعتمد في تأدية عباداته على دراسته ومعلوماته الشخصية. ويدخل في هذه الطائفة أغلب المسلمين ولا يقل عدد أفرادها عن ثمانين في المائة من مجموع المسلمين في العالم الإسلامي وتتأثر هذه الطائفة تأثيرا كبيرا بتوجيهات المثقفين, سواء كانت ثقافتهم أوروبية أو إسلامية..
2 ) طائفة المثقفين ثقافة أوروبية: تضم هذه الطائفة معظم المثقفين في البلاد الإسلامية وأكثرهم متوسطي الثقافة. ولكن الكثيرين منهم مثقفون ثقافة عالية.ومن هذه الطائفة القضاة والمحامون. والأطباء. والمهندسون والأدباء ورجال التعليم. والإدارة.والسياسة.
وقد تثقفت هذه الطائفة على الطريقة الأوروبية. ولهذا فهم لا يعرفون عن الشريعة الإسلامية إلا ما يعرفه المسلم العادي بحكم البيئة والوسط. وأغلبهم يعرف عن عبادات اليونان والرومان. وعن القوانين والأنظمة الأوروبية. أكثر مما يعرف عن الإسلام والشريعة الإسلامية. ومن هذه الطائفة أفراد يعدون على الأصابع في كل بلد لهم دراسات خاصة في فرع من فروع الشريعة أو في مسألة من مسائلها. ولكنها دراسة محدودة. ويغلب أن تكون دراسات سطحية. وقل أن تجد في هؤلاء من يفهم روح الشريعة الإسلامية على حقيقتها أو يلم الماما صحيحا باتجاهات الشريعة أو الأسس التي تقوم عليها. وهؤلاء المثقفون ثقافة أوروبية. والذين يجهلون الإسلام والشريعة الإسلامية إلى هذا الحد. هم الذين يسيطرون على الأمة الإسلامية. ويوجهونها من مشارق الأرض ومغاربها. وهم الذين يمثلون الإسلام والأمم الإسلامية في المجامع الدولية.)
وهؤلاء على جهلهم بالإسلام متدينون, ويؤدون عبادتهم بقدر ما يعلمون..
3) طائفة المثقفين ثقافة إسلامية: تضم هذه الطائفة المثقفين ثقافة إسلامية عالية وما دونها وعددهم ليس قليلا. وان كانوا أقلية بالنسبة للمثقفين ثقافة أوروبية. ولهذه الطائفة نفوذها العظيم على الشعوب الإسلامية فيما تُعلم لهذه الشعوب أنه متصل بالإسلام.. وقد انحصر نفوذها بعد دخول القوانين الأوروبية إلى البلاد الإسلامية..
وهذا يعنى أننا نعاني من أزمة حقيقية في الذات فمواطن الأزمة موجودة في الضمير وفي علاقته مع الواقع، وهذا يعني أن الأزمة تتصل بتفسير المشاكل أكثر من اتصالها بطبيعتها، فهي ليست أزمة في الوسائل وإنما في الأفكار..
في هذه الظروف تحتجب الحقيقة خلف ضباب الأوهام وتندفع الأمم والشعوب وراء كل جديد براق دوم أن تكلف نفسها عناء التمييز بين الماء والسراب..وتفاديا لهذا الاندفاع الذي لم يسلم منه إلا القليل من الكتاب المنصفين ارتأيت أن أمم وجهي إلى بيت الله الحرام أول بيت وضع للناس و مهبط الوحي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام فتحت زر التلفزيون وكان في ذالك الوقت يصادف عرفة يوم الحج الأكبر وبينما كنت أنظر إلى تلك الجموع المليونية التي أتت من كل فج عميق إلى البلد الأمين حيث نزول الوحي على نبي الرحمة. أومض بصيرتي شعاع من عظمة الخالق الأعلى جعلني أتوجه بعقلي وعاطفتي إلى تلك الأرض المقدسة بيت لله الحرام أول بيت وضع للناس, علنا نجد ما يواسينا في هذه العقيدة الإسلامية التي أصبحت بفعل من يحسبون عليها, مجرد شعارات ترفع, أو مبادئ تعلن, أو مقالات يجتهد أصحابها في تدبيج مقدماتها وسياقها, أو طقوس تمارس في أوقات معينة..
..وجدتني أردد بلا وعي ما يقولونه. ووجدتني في الوقت نفسه وحدي وان كنت في صحبتهم.. كنت شخصية واعية بلا كلام وشخصية متكلمة بلا وعي
كانت الشخصية المتكلمة بلا وعي تردد كلام الآخر... وكانت الشخصية الواعية بلا كلام •ترتل بهدوء وصمت: قوله سبحانه: ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ﴾ سورة الفتح،الآية:28.
وقوله جل من قائل:﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ﴾ سورة الصف، الآية:9.
وقوله عز وجل.﴿ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ﴾ سورة الزمر، الآية:35. , وقوله تعالى ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ سورة الجمعة، الآية: 2.
•وتناجي ربها في صدق وصمت: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق ووعدك الحق والجنة حق والنار حق والنبيون حق، والساعة حق.
اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت الهي لا إله إلا أنت.
الهوامش
أـ) الكتب
3- أبوالحسن علي الحسني الندوي: الأركان الأربعة في ضوء الكتاب والسنة، مقارنة مع الديانات الأخرى ، دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى 1420 هـ-1999م،
محمد الغزالي: ظلام من الغرب, دار القلم دمشق الطبعة لأولى 1420 ها-1999 م.
عبد القادر عودة: الإسلام: بين جهل أبنائه وعجز علمائه, طبع ونشر م.ع.س,1404 ها.
4- محمد سعيد رمضان البوطي،: من روائع القرآن (تأملات علمية وأدبية في كتاب الله عز وجل ) ، دار الفارابي، الطبعة الأولى، 1425 هـ ـ 2004م.
5- محمد سعيد رمضان البوطي: كبرى اليقينيات الكونية ، دار الفكر دمشق، 1997 م،
6- عبد الكريم بكار: تجديد الوعي, دار القلم, الطبعة الأولى, 1421 ها ـ 2000 م
7- عبد العزيز التويجري: مستقبل اللغة العربية,منشورات المنظمة الإسلامية للتربية الثقافة والعلوم ـ ايسسكوـ1425هاـ2004 م.
8- المرابط ولد محمد لخديم: دين الفطرة, تقديم: أ.د.محمد المختار ولد أباه, ود. الداه ولد ممون. ومجمع الفقه الإسلامي, دلهي الهند. تحت الطبع.
9- محاضرات: محمد سعيد رمضان البوطي (بالتصرف).
كتاب الأصالة: محاضرات ملتقى الفكر الإسلامي التاسع عشر لجزء الأول الجزائر 1405 ها ـ 1985 م.
10- المرابط ولد محمد لخديم: معرفة الله: دلائل الحقائق القرآنية والكونية, تقديم د. حسين عمر حمادة, رئيس قسم الدراسات والبحوث باتحاد الكتاب العرب فرع دمشق, تصدير:الشيخ الجليل حمدا ولد التاه ,الطبعة الأولى دار الوثائق, دمشق , 2001م , الطبعة الثانية, دار وحى القلم بيروت لبنان سنة 2002 م. حاصل على جائزة شنقيط للدراسات الإسلامية 2003 م.
بـ)_ المجلات والمواقع
11-التجديد: مجلة علمية فصلية محكمة, تصدر عن الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا, العدد الأول, رمضان ها1417/ يناير1997 م
رئيس الجمعية الوطنية للتأليف والنشر.
#########
كنت قد كتبت مقالات عن واقع الأمة الإسلامية اتسمت بعناوين مختلفة تقارب بين الخوف والرجاء مثل العالم الإسلامي يحارب نفسه بنفسه,.. وعالم فكر جديد بين فتك القنبلة وتأثير الصورة.. و جهاد الأمة بين الرسوم المسيئة ومجازر غزة..حاولت أن أصل من خالها إلى تصور جديد عن واقع هذه الأمة التي ننتمي لها..مبرزا الأسباب التي أوصلتها لهذه الحالة المزرية ومتسائلا في الوقت نفسه عن وجودها أم أنها أصبحت من التاريخ..
صحيح أنني لست كالكتاب المتخصصين الموجودين في العالم ولا حتى أصل إلى نصف علمهم ولكن المتابعة والملاحظة علمتني كثيرا من أساليب الكتابة سواء كانت سياسية أو علمية أو دينية.. وهذا كون لدى اجتهاد شخصي قد يكون صائبا أو خاطئا أرى لزاما علي أن أدلى به في كل الأزمات والنكبات المزلزلة..
إذا رجعنا إلى الواقع العالمي الذي تشكل بعد الحرب الباردة فإننا نجد أن سقوط الإتحاد السوفياتي لم يكن يعني مجرد سقوط نظام في الحكم معين، ولا مجرد انحلال تكتل بين دول، ولا مجرد تفتت معسكر يتحدد بكونه يشكل حلفا بين دول، ضد حلف آخر يتشكل من دول أخرى، بل لقد كان سقوط الاتحاد السوفياتي يعني أيضا، وربما في الدرجة الأولى سقوط نظام اجتماعي واقتصادي وفكري، نظام كان يطرح نفسه كمشروع ضروري للمستقبل: مشروع حضاري جديد، هو ما عبر عنه بـ (النظام الاشتراكي العالمي)، وقد كان يبشر بعلاقات إنتاج جديدة، وبنظام سياسي محلي ودولي جديد، وبإيديولوجيا جديدة، بمعنى تاريخ جديد للإنسانية.
وقد دخل كما هو معروف في صراع مع النظام الرأسمالي، القائم آنذاك. وكان الصراع بين النظامين يشمل الاقتصاد والسياسة، والقيم والفكر والعلاقات الدولية... إلخ. وبما أن هذا الصراع لم يتطور إلى صدام مسلح على غرار الحربين العالميتين، بسبب الرادع النووي لدى الطرفين، فقد اكتسى صيغة صراع حول المناطق الإستراتيجية ومواطن الثروة، وأيضا صيغة صراع إيديولوجي استعمل فيه الدين والعلم والثقافة بصورة عامة.
إن سقوط أحد طرفي هذا الصراع، كان بدون شك (انتصارا) للطرف الآخر، ولما كان المعسكر الرأسمالي هو المنتصر فإنه لم ينظر إلى هذا الانتصار على أنه انتصار من نوع خاص، فهو لم يكن نتيجة مواجهة يتحمل فيها كل طرف نسبة من الخسارة، ولا نتيجة معاناة تحمل كل طرف على التكيف مع ما جريات المعركة ونتائجها، مما كان لابد أن ينتج عنه تغيير على هذه الدرجة أو تلك في كيانهما ورؤاهما وأساليب عملهما، كلا!
لقد كان انتصار مجانيا، بدون ثمن. كان في الحقيقة إلغاء للمباراة قبل إجرائها، بسبب إنسحاب غير متوقع لإحدى الفرقين. لقد إنهار الاتحاد السوفياتي. ومعه المعسكر الشيوعي. أما المعسكر الآخر فقد بقي كما هو بكل عدته العسكرية والاقتصادية والإستراتيجية والعلمية والفكرية، وأيضا بقي في حالة تعبئة وتجنيد، ولكن بدون عدو. لقد خلت له الأرض وخلا بها، فصار وحده (يطلب الطعن والنزلاء). ولكن مع من؟ بمعنى أن أمريكا أصبحت تبحث عن عدو يحفظ لها توازنها وتأتي أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتجد فيها أمريكا ضالتها المنشودة كذريعة لمحاربة لإسلام وان اختلفت التسميات التي تتخفي وراءها:إرهاب تشدد,اعتدال...( فبما أننا قضينا على الشيوعية أو كما يسمى الخطر الأحمر), فقد آن الأوان للقضاء على الإسلام الخطر الأخضر, وهذا لبس اجتهادا منا, بل له شواهد قديمة وحديثة من ذالك الحادثة المشهورة التي وقف فيها وزير المستعمرات البريطاني غلاد ستون عام 1895 م قائلا لزملائه, وقد امسك بقرآن في يده:( لن تحقق بريطانيا شيئا من غاياتها في العرب والمسلمين إلا إذا سلبتهم سلطان هذا الكتاب أولا. أخرجوا سر هذا الكتاب مما بينهم, تتحطم أمامكم جميع السدود).
يرى الدكتور محمد عايد الجابري أن هذه هي المشكلة التي واجهت الولايات المتحدة الأمريكية مع منتصف الثمانينات؟ مشكلة دولة، بل معسكر من الدول، بنى اقتصاده وسياسته واستراتيجياته وثقافته ورؤاه المستقبلية على أساس أنه يواجه عدوا يتربص به، فإذا بالعدو ينسحب، بل يختفي ليظهر وراء خصمه يطلب الإنخراط في نمط حياته ليصير جزءا منه وحليفا له. مشكلة ليست سهلة، مشكلة (الأنا) الذي لا يعرف كيف يتعرف على نفسه إلا من خلال (آخر) يواجهه، فإذا هو يفقد فجأة (الآخر) الذي يتحدد به، متسائلا: ماذا يمكن أن ننتظر من هذا الأنا؟. هل ننتظر منه أن يفكك ذاته ويعيد تركيبه؟ كيف؟ وكيانه جميعه موجه ككل وكأجزاء، إلى مضادة كيان (الآخر) ككل وكأجزاء. ويجب على سؤاله بقوله إن هذه هي القضية التي طرحت نفسها على (صانعي القرار) في الولايات المتحدة الأمريكية، أولئك الذين يعملون في مالا يحصى من مكاتب الدراسات الإستراتيجية، وهي مكاتب أنشأت في ظروف الحرب الباردة، ومهمتها مراقبة الخصم واقتراح خطط ووسائل لمواجهته، مبينا: أن كلمة (إستراتيجية) مصطلح حربي فالمتخصص في الدراسات الإستراتيجية لا يستطيع التفكير إلا في إطار المواجهة بين الطرفين، فإذا انسحب أحد الطرفين كان عليه أن يضع مكانه ما يقوم مقامه في الحال أو في الإستقبال، وإلا إنقطع به حبل التفكير. إن المحلل الاستراتيجي كلاعب الشطرنج، لا يستطيع اللعب وحده! ويحلل الجابري في مقاله المطول مقالة لباري بوزان الصحفي المرموق وأستاذ الدراسات الإستراتيجية بأمريكا الموسوم: السياسة الواقعية الجديدة. مشيرا إلى أن مقالة هنتغتون الشهيرة (صدام الحضارات) ما هي إلا إعادة إنتاج بشكل مفصل وبأسلوب استفزازي للأفكار نفسها التي عبر عنها باري بوزان بكثير من الهدوء والتركيز.
ويخلص الكاتب إلى أن التقسيم التقليدي المعروف: المعسكر الرأسمالي (العالم الأول) المعسكر الشيوعي (العالم الثاني)، مجموعة دول عدم الإنحياز (العالم الثالث) فقد معناه بعد أن لم يعد هناك عالم ثاني في مقابل العالم الأول. فالعالم (الثالث) لم يكن عالما واحدا بل كان يتكون من مجموعة من البلدان لم يكن يجمعها كعالم إلا كونها لا تنتمي لا إلى العالم الأول ولا إلى الثاني. وهذا ما يقودنا إلى تقسيم جديد أصبح فيه العالم مركزا وأطرافا، حيث أن التصنيف الذي درج العالم عليه منذ الحرب العالمية الثانية، قد فقد معناه، بعد انهيار الكتلة الشيوعية، وبالتالي لابد من هذا التصنيف الجديد لفهم الوضع العالمي الجديد، وتفصيل هذا التقسيم يتجلى في أن المركز (هو كتلة رئيسية من الاقتصاديات الرأسمالية المسيطرة على العالم)، وأما الأطراف فهي مجموعة من الدول الأضعف من النواحي الصناعية والمالية والسياسية تتحرك ضمن نمط من العلاقات التي ينسجها المركز في المقام الأول)).
وبما أن أمريكا لا تفهم في لعبة الشطرنج فقد استعاضت عنها بلعبة البسبول تلك اللعبة الراسخة على نحو عميق في الروح الأمريكية.
وقد رأينا من خلال القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة كيف أن أمريكا لم تفلح في لعبة البسبول هذه, التي حاولت تطبيقها على أراضى لا تعرفها, وهذا ما شاهدناه بالكلمة والصورة كأبشع جريمة ترتكب بحق الإنسانية عبر تاريخها الطويل, في العراق، وأفغانستان، وفلسطين، والصومال، ولبنان....
في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير،أو الجديد, الذي يسوق تحت شعار التحديث والإصلاح، الديمقراطي والاجتماعي والتربوي واللغوي، للانخراط فيه كرها طبقا لنظريات هنتغون وفوكا ياما في صدام الحضارات ونهاية التاريخ، تحت وطأة الضربات الاستباقية بالمطرقة الثقيلة، كما في تورابورا والفلوجة، وإرهاب فضائح التعذيب في غوانتناموا وأبي غريب…
وإذا كانت أمريكا لم تفصح للعالم عن هدفها من وراء هذه الحروب, فان الثوب الذي ألبسته لتلك الحروب باسم الحرية والديمقراطية بات معروفا لغير العميان يقول الشاعر:
ثوب الرياء يشف عما تحته فإذا التحفت به فانك عاري
وهو ما تشرحه وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت في كتابها:(الجبروت والجبار), حيث تتناول في القسم الأول من الكتاب الموقف الأمريكي في العالم والدور الذي يلعبه الدين والأخلاق في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية..
في ما يتطرق القسم الثاني إلى العلاقات المضطربة بين المجتمعات الإسلامية والغرب..
ثم تعرض المؤلفة أفكارها في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية والدين, من أجل تحديد نقطة التقاء الاثنين السياسة العملية مع طبيعة الدين.
وتحت عنون:(أمريكا في عيون الناس) تتساءل المؤلفة أولبرايت كيف يمكن بأحسن الطرق أن ندير الأحداث في عالم يضم العديد من الأديان وتتناقض فيه نظم المعتقدات في نقاط رئيسية تناقضا تاما كيف نتعامل مع التهديد الذي يمثله المتطرفون الذين يحاولون باسم الرب فرض إرادتهم على الآخرين.
هذه الطبيعة بنظر المؤلفة ترجع إلى الأزمنة الوثنية وليست جديدة, ولكن الجديد هو مقدار الدمار الذي يمكن يلحقه العنف, لأن الحروب الدينية التي كانت تخاض بالسيوف والدروع والمنجنيق شيء, والحروب التي تخاض بالمتفجرات الشديدة شيء آخر.
وتعتقد المؤلفة أن مؤسسي أمريكا كانوا يدركون أنهم يبينون شيئا جديدا غير عادي, لنظام حكم قائم على حقوق الأفراد وواجباتهم, وذالك هو المفهوم الذي أثر في التفكير السياسي في العالم.
رأى الأمريكيون أنفسهم وهم يؤسسون مجتمعا متفوقا في التنظيم والأخلاق على الارستقراطيات المضمحلة في أوروبا, وقارنوا أنفسهم بدون تحفظ بالإسرائيليين القدامى
كشعب اختارته العناية الإلهية للمشاركة في وضع خطة إلهية.[وهذا ربما يفسر ادعاءات بوش المتكررة أنه يطبق مشيئة الرب...] وخلال عقود التوسع والازدهار الاقتصادي والإخفاقات الصاخبة تكرس اعتقاد أن الله ينير مسار أمريكا ومصيرها, وبقى هذا الاعتقاد منتشرا, وفد اقترن القرن العشرون وتجاوزت قدرة البلد وطموحاته الحدود الأمريكية المستقرة الآن إلى الأماكن البعيدة في المحيط الهدى.
وما ميل القادة إلى تمويه مصالحهم الضيقة بخطاب عن القيم العامة إلا انعكاس لرغباتهم قي الظهور بمظهر أفضل مما هم عليه..)
ويبدو أن الكابتن بوش وفريقه( المحافظون الجدد) كلفهم هذا المظهر الكثير حيث أنهم غيروا من مدلولات الكلام نتيجة لما تضفيه سياستهم من ممارسات أصبحت عن طريقها كلمة (محافظ) في ذهن السامع ترمز للقتل والخراب..والفضائح التي يندى لها الجبين, والتدخل في شؤون الدول الأخرى.. وهي معان جديدة, تختلف عما كانت عليه في الأصل. وهم في ذالك يسيرون على درب سار عليه الاستعمار والنازية..فكلمة(استعمار) مشتقة من (عمًر, يُعمًر) وهي في الأصل تعنى البناء والتعمير...غير أن الممارسات التي ارتبطت بالوجود الأجنبي في البلدان المستعمرة, وما لحق بهذه البلدان من ضعف ومهانة جعلت من كلمة استعمار مرادفة لكلمة خراب, واستغلال وظلم.أي أنها أصبحت توحي لأول وهلة بإحساسات لدى السامع تختلف اختلافا كليا عن معناها الاشتقاقي الذي يعنى البناء والتعمير. ونفس المثال ينطبق على كلمة (نازي) ومعناها القومية والاشتراكية في اللغة الألمانية, غير أن ارتباط هذا اللفظ بالممارسات السياسية للحزب النازي الهتلري الألماني..وما نتج عنها من حرب ودمار وخراب للعالم, غير كلمة (نازي) في الواقع تغييرا كليا حيث أصبحت تعنى العنصرية والطغيان والاستبداد.
ومع هذا كله نراهم يرحلون عن هذه الملاعب التي ابتدعوها وفى جعبتهم الكثير من الهزائم, إذ أخفقوا عدة مرات, ففي العراق حيت كان يريد الحصول على أفضل الضربات, وهى عادة تتحقق حسب قواعد اللعبة حين تطير الكرة بعيدا, في تلك الحالة يسجل ضارب الكرة والعداؤون على القواعد هدفا في الحال. ويسمى هذا "الهدف الأكبر" "أي إكمال الدورة"، والشيء الغير منتظر في هذه اللعبة هو أن ملاعب العراق وأبنائه لعبوا هذه اللعبة بطريقتهم الخاصة, حيث استبدل (مًنتظرْ) الكرة بحذاء وغيَر الاتجاه وذالك برميه بسرعة وبطريقة لولبية مما جعل الحذاء ينعطف في الجو بشكل غريب إلى الهدف المقصود (الكابتن بوش), مما دفع بالمتفرجين إلى حال من الهيجان للتعبير عن فرحهم. ليس في العراق فقط, بل على مستوى العالم حيث أصبحت هذه «الرمية بالحذاء »المادة الحية لمئات المواقع والألعاب الالكترونية, وبلغ الاهتمام بهذه الحادثة إلى أن وصل عدد الرميات في وجه الكابتن بوش, ما يزيد على أربعة مليار رمية. في أربعة أيام فقط من وقوع الحادثة. وهذا ما يؤهلها أن تكون سلاح لا يقل أهمية عن سلاح الكلمة, والحجارة , والمظاهرات..
وإذا كان التاريخ قد سجل أن زعيما ورئيسا عربيا أعدم شنقا فجر الأضحى المبارك بصورة همجية ومنحطة, من دولة تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان وأن الزعماء والقادة العرب لم ينطق أحدهم بكلمة... فان التاريخ نفسه سيكتب أيضا «الرمية بالحذاء » كردة فعل طبيعية لذات اليد التي اغتصبت الأرض وأهلكت الحرث و النسل..!!.
أما الإخفاق الثالث فهو ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد حيث أجهض بين حرب لبنان 2006 م ومجازر غزة سنة 2008م.
وهذا ما كان ليحصل لو لم يتمكن أبطال هذه الأمة المخلصين من امتلاك تقنيات الإعلام بعد أن تكسرت احتكارات المعرفة, في عصر المعلومات ووضع الجميع أمام فرص متكافئة على عتبة سباق, تشمل على الغنى والفقير والقوى والضعيف.
وتعددت الخيارات أمامهم, وانهارت كل السدود والحدود والقيود, وتدفقت المعلومات والمعارف بين أيديهم, ليلتقطوا منها ما يروق لهم, ويعيدون سياقته كما يحلوا لصالحهم بعد أن أستخدم ضدهم فترة من الزمن.
وبهذا السلاح أظهروا للعالم تهافت فلسفة الكابتن بوش التي وعدت بقيام شرق أوسط جديدا ولم يشاهد هذا العالم إلا الدمار, والخراب طيلة حكمه, وحتى وهو يتأهب للرحيل في ما أصبح يعرف بمجازر غزة... ويصورون بعدساتهم الجريئة وتحليلاتهم المهنية سخافة الديمقراطية والعالم الحر التي يتباهى بها الغرب, واتخاذه الإرهاب مطية وعنوانا براقا يتستر ورائه. والغريب في الأمر أن مقولة الإرهاب هذه تنكمش وتذوب عند مناقشة قضايا تتعلق بإسرائيل, وتتسع وتتماع عندما تكون غطاء للنيل من الدول والأشخاص التي آثرت كرامتها على أن تكون ببغاوات له ولنهجه..
وهذا السلاح مكننا من تصحيح المعادلة الصعبة التي أرقت أكثرية رؤساء أمريكا,
بعدما توفرت مكاسب دموية جديدة على مرأى ومسمع من العالم, والتاريخ يشهد أن الأراضي المحتلة عمرها لم تتحرر إلا بالدم. ولعل الدول ذات الخلفية الاستعمارية أدرى بهذه القضايا من غيرها يقول الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى... حتى يراق على جوانبه الدم.
فالشواهد الناطقة للأشلاء التي تقطعت, والدماء الزكية التي سكبت,والمنازل التي دمرت والمساجد والمدارس التي خربت, خلقت (شرق فجر جديد), وعززت لأول مرة خيار المقاومة وضرورة امتلاك سلاح الكلمة والصورة والحذاء, بدل التهافت على ما يسمى ب:(السلام).الذي ضاع مع الأجزاء الآدمية التي تقطعت في هولكوست غزة الجديد..
وكأننا نردد مع شاعرنا الكبير أحمد ولد عبد القادر في ستينات القرن الماضي:
في الجماهير تكمن المعجزات.... ومن الظلم تولد الحريات
ومن الليل سابحا في الدياجى........ مدلهما تحفه الظلمات
ينبع الفجر مشرقا في الأعالي...... تتهادى بدربه النسمات.
ومن هذا الانجاز أصبح لنا وجود الأول مرة في معركة مقولاتها: الكلمة والصورة وأبطالها: مداد الكاتب وعدسة المخرج..
وهى المعركة التي تواكب أهم تحول عرفته نهاية القرن العشرين وهو الانتقال مما أسماه (توفلر) الموجة الحضارية الثالثة التي تمثل فيها المعرفة (إعلام ، معلومات ، تقنية رقمية) المصدر الأساسي للقوة والهيمنة. بعد أن كان مصدر هذا النفوذ هو رأس المال والإنتاج الصناعي في نهاية القرن السابع عشر..
وككل المعارك لابد للإعداد لها جيدا لكبح حرب الإعلام الغربي المتحيز الذي يسوق لنا تحت مشروع الشرق الأوسط الجديد والعالم الحر السالف الذكر..
فالإعلام منتج طبيعي لواقع المجتمع والمجتمعات المتقدمة هي التي تنتج إعلاما متقدما
فالإعلام منتج طبيعي لواقع المجتمع والمجتمعات المتقدمة هي التي تنتج إعلاما متقدما
ولا يوجد إعلام حر مطلق، كما لا يوجد إعلام حيادي بالمطلق حتى الإعلام الغربي الذي يتبجح بالحرية لديه درجة من الانحياز لإسرائيل وهذا ما رأيناه في الحرب على لبنان, وما شاهدناه, في موقف العملاق بى بى سى والقنوات الأمريكية والأوربية من مجازر غزة.
ولكن المشكلة أن المجتمعات الغربية تثق بهذا الإعلام لأنه تأسس على الثقة. وهنا يجب أن نفرق بين إعلام يحظى بثقة أمته، وإعلام لا يحظى بذلك لذا يجب علينا لتخطى هذه العوائق أن يستخدم إعلامنا فنون الاتصال المختلفة والأساليب المتقنة والمدروسة، وأن يستفيد من الوسائل العصريَّة المتاحة، فكما أنَّه ليس من المعقول أن نحارب بالسيف من يحاربني بالطائرات والصواريخ، فكذلك ليس من المقبول أن أواجه العالم بوسائله الإعلاميَّة ذات التطوُّر التكنولوجي الهائل، بوسائل بدائيَّةٍ تقليديَّة وإذا كانت بعض القنوات العربية على قصر عمرها, وتواضع إمكانياتها, مقارنة بالإمبراطوريات الإعلامية الغربية العريقة, قد نجحت في نقل أحداث غزة بكل موضوعية, ومنهجية, وأحرجت هذه المؤسسات الغربية, وعلى رأسها العملاق بى بى سى. فإننا كعالم عربي وإسلامي مستضعف, بحاجة إلى مزيد من هذه القنوات الفريدة, والكوادر المبدعة, حتى نفهم الآخر ويفهمنا..
لكن لم نتوقع من هذه الكوادر أن تتناول أقدس عقيدة عندنا وهم الأنبياء وأن تأتي من قناة نكن لها الاحترام ونعتبرها مثلنا الأعلى خاصة في ما يتعلق بالإسلام والذود عنه..
إن الذي ينظر إلى « قناة المنار» في رمضان لهذه السنة2009م وهي تبث مسلسلا عن نبيين من أنبياء الله: يعقوب عليه السلام ويوسف عليه السلام, ليطرح ألف سؤال وسؤال عن الغرض من تجسيد صورة يوسف عليه السلام في هذا المسلسل؟.وهي التي كانت تموه صورة زكريا عليه السلام في مسلسل مريم العذراء عليها السلام !!
ولماذا يكون المسلسل من إنتاج جمهورية إيران الإسلامية؟ و يكون العرض عبر قناة المنار؟
والآن لنترك هذا الكلام جانبا ولنعالج الموضوع بشعور من الإجلال لا تحدّه الحدود الضيقة، وبذا يمكننا أن نحكم وأمامنا الموضوع كاملا، بهذه الطريقة يمكننا أن نعرض لبعض جوانب القضية؛.
لقد نتج عن اندفاع العالم العربي والإسلامي وراء كل جديد براق دون أن تكلف نفسها عناء التمييز بين الماء والسراب للحاق بعجلة الركب باعتدال أو بغير اعتدال أن أصبح كالمريض الذي يشتد عليه وقع المرض وتلوح له النهاية فيتمسك بأهداف الحياة ويقبل بتجربة كل دواء ولو كان مما لا يستسغيه العقل, وهاهو يحصد عاقبة هذا لاندفاع حيث تكونت لدى أكثرية أبناء المسلمين عقلية مشابهة للعقلية الغربية, في مفاهيمها وأفكارها ونظرتها إلى الحياة , لأن الباب الوحيد للعلم والتثقيف هو ذالك الذي يفضى إلى هذه الثقافة, التي تلقن في المدارس من طرف الحكومات في البلاد الإسلامية, على نمط المدارس المنشأة في البلاد الأوربية : من ابتدائية وثانوية وعالية. وهذه الثقافة بشكلها الحاضر وجميع ملابساتها أخذت واقتبست من الثقافة الأجنبية, وهى نفسها في الدواوين الحكومية وفى المهن الحرة وفى مجالات الحكومية المختلفة..
وأخرى ارتبطت بالمناهج التعليمية والمقررات الدراسية ومختصراتها وقتلت لديها روح البحث وحرمتهم من المطالعة خارج المنهاج وكرهت إليهم القراءة والكتابة، حيث حصرت الهدف منهما بالامتحان والشهادة تنتهي الحاجة إليهما ونبدأ القطيعة معهما بالنجاح في الامتحان وتحصيل الشهادة..
أما الفئة الباقية فقد اقتنصتها وسائل الأعلام والمعلومات السريعة، بما تملكه من جاذبية وسائطها المتعددة في الصوت والصورة والحركة، فآثروها على تحصيل العلوم والمعارف، وسلموا أخيلتهم وأوقاتهم لها، وفضلوا التحول إلى متلق يستمع ويشاهد مسترخيا على أريكته، يتجرع ويحتسى كؤوس الشاي والقهوة مع ما يقدم له من دون كبير تدخل أو اختيار...
آثروا ذلك على معاناة القراءة الجادة وما تتطلبه من تركيز ووعي، فتسطحت الثقافة ونتج عن ذلك داء الأمية الثقافية التي أضرت بحركة النقد، وحدت من تداول الأفكار وأدت إلى ركودها، فضمر الإبداع وتحجرت العقول، وغاصت الثقافة في المياه الآسنة..
تلكم أزمة العقل المسلم الذي ينشد لدى كتابه ومفكريه مستوى من المبادرة والجد والإخلاص, ولونا من الكتابة المباشرة التي تعيش عصرها و أفكاره وتطلعاته, فإذا هم لا يزيدون على مضغ حكايات الأولياء, واجترار بضعة خيالات محلقة في سموات التيه, ومجابهة الواقع الصارخ الملح بما يميعه في وعى الجماهير,ثم يسرح بها بعيدا بعيدا , في أحلام الماضي وتصوراته.
إن عقدة الغرب هذه التي أصبحت تحدد أفقنا المعرفي والفكري. بتساؤلات مازالت تغض مضاجعنا:
كيف نلحق بالآخر؟ الذي أنتج العقلانية والحداثة وهاهو اليوم ينتج العولمة؟ أين يكمن القصور في الذات أم في الآخر؟ في التاريخ أم في الفكر؟
المهم أنه كلما حاولنا النهوض بالواقع وكلما حاولنا الانخراط في التاريخ انتصب هذا الآخر في وعيه كطرف ضروري لامناص منه لتحديد العلاقات التي تربطنا به, تعاون, مشاركة, هيمنة, فسواء تعلق الأمر بمسائل التنمية الاقتصادية أو أنظمة الحكم والتسيير أو باختيار المشاريع المجتمعية, بل وحتى قواعد الفكر والسلوك نجدها تطرح أمامنا إشكالية الآخر وكيفيات تدبير العلاقات الآنية والمستقبلية معه سواء على مستوى الواقع أو الخيال, لدرجة أصبح معها الغرب يحدد أفقنا التاريخي.حتى أصبحنا مجرد ناشرين, أو مفسرين, أو حتى معلقين,على ما يقدم لنا من فكر الغرب وعلومه .
و لعل هذا ما يفسر واقع أمتنا المر, امتنا الضعيفة المتفرقة المتشتتة, أمتنا المسلولة, التي تعاورتها الأدواء, وتعاونت عليها العلل, وانصبت عليها سيول قاذورات الحضارة الغربية, وطغى عليها طوفان الشهوات والملاهي, وهجم على عقول أبنائها خليط عجيب من العقائد والأفكار والآراء, وتعاونت كل هذه الأمراض على الأمة, فأذهبت رجولتها, وأفقدتها كرامتها, وأذلتها في العالمين, وكادت أن تزهق روحها)
وسيول قاذورات الغرب هذه تظهر في الخطة اللئيمة المحكمة, التي شعر مهندسوها أن دعوة المسلم إلى الكفر تلقى نفورا في المجتمع الإسلامي, ويكاد يكون من المحال إحراز تقدم فيه بإعتناق هذه الدعوة, ولذا ينبغي أن تكون الخطة_ أولا_ تجريد شخص المسلم من الالتزام بالتكاليف, وتحطيم قيم الدين الأساسية في نفسه بدعوى العلمية والتقدم والحرية..
دون المساس بقضية الإلهية مؤقتا, لأنها ذات حساسية خاصة, وبمرور الزمن, ومع إلف المسلم لهذا التجريد يسهل في نهاية الأمر تحطيم فكرة الإلهية في عقله ووجدانه _ وإذا بقيت افتراضا, فلا ضرر منها, ولا خطر, لأنها حينئذ لن تكون سوى بقايا دين, كان موجود ذات يوم بعيد.
وهكذا يحكم أعداء الإسلام مخططاتهم, ويديرون لتدمير الدين ومبادئه, ابتداء من ابسط السنن والواجبات وانتهاء إلى قضية القضايا: وجود لله ذاته.
وفي هذه الفترات السوداء، البارقة في سوادها تنتفض هذه الأمة إذا امتست مقدساتها كما فعلت في حادثة الرسوم المسيئة لنبيها صلى الله عليه وسلم..
ولكنها فترات لا تطول. فحوافر العيش تعود فتحفز ويشتد حفزها، والحياة تعود تهتف بحاجاتها ويشتد هتافها، والإنسان منا يلبى جبرا لا اختيارا، ويتركز على يومه، وينسى أمسه الذي كان، وينسى يومه الذي سوف يكون، إلا من حيث ما يطعم، ويلبس، ويلد، ومن حيث ينعم أو يشقى بالحياة..
إن نظام تعليمنا الديني, وأسلوب الدعوة قد قصر تقصيرا كبيرا في الدعوة إلى الإيمان بالغيب بإيمان وحماسة, وتساهل في دعمه وتغذيته والإلحاح إليه, وقد اتجه بعض كتابنا المعاصرين- مع ما لهم من فضل في عرض محاسن الإسلام, وتقريبه إلى الأذهان- إلى صياغة عقلية جديدة للدين, يتفق فيها مع العلم الحديث والعقلية الجديدة, فجني ذالك, إلي حد ومن غير إرادة, على روح الإيمان بالغيب, واعتاد الشباب الإسلامي المثقف أن لا ينشط إلا للمألوف المقرر, والواقع المتكرر في الحياة الطبيعية, أما ما شذ عنه وخرج عليه واحتاج في تصديقه إلي إيمان أعمق وأوسع, واعتماده على صدق المخبر, فانه لا يقبله إلا على مضد وجهد, ولا ينشط له ولا يرحب به, ويرى في ذالك منافاة لما سمع وآمن به من أن الإسلام هو دين العقل ودين العلم, ولا شك أن الإسلام كذالك, ولاشك أن صحيح المنقول لا يعارض صحيح المنقول كما يقول ابن تيمية...
وقد تطور هذا الفكر ليأخذ شكلا خطيرا حيث أصبح بين ظهرانينا من بني جلدتنا من ينظر إلى تراثنا نظرة ازدراء, وقد أفرغ جهده في نقد التراث, وتسفيه السلف.. ولم نجد أن ذالك صنع منهم عباقرة ولا مخترعين, وإنما وجدنا من أكثرهم أنانية منفردة, وأخلاقية عمل ضعيفة, ونزوعا إلى الاحتيال, والوصول إلى المنافع الخاصة من أي باب, ومن أقصر طريق.. متخذين من حرية التعبير عنوانا براقا يتسترون ورائه, وحرية الرأي هذه تنكمش وتذوب عند مناقشة قضايا جليلة لها خطرها في اليوم والغد, وتتسع وتتماع عندما تكون غطاء لنيل من الإسلام والمساس بقدسيته. وهذا ما يظهر خطورة الغزو الداخلي بالمقارنة مع الغزو الخارجي حيث أن هذا الأخير نوع تقليدي يتم من أطراف فاعلين من خارج المجتمع المغزو ، وهو غير خطير ـ نسبيا لأنه مكشوف وظاهر(لغير العميان).
أما الغزو الداخلي فإنه غزو ذاتي وهو مضمون النتائج وسليم العواقب.والغزو الخارجي تستطيع محاربته لأنه مكشوف وتحاكمه لأنه معروف، أما الغزو الذاتي فكيف تحاربه وأين تحاكمه، ومن يحاكم من؟ فالمفعول هو الفاعل والخصم قد يكون هو الحكم في نظر القانون!!
وتعرف العقلية الجديدة بما يسمى بالمخطط (الإصلاحي) ، الذي يشترط لقيام أي نهضة علمية، تطور الطريقة التي يتم بها فهم الدين والعقيدة الإسلامية بشكل يتفق مع الفكر العلمي المقبول، وهو حسب رأي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي يعني ضرورة تخليص الفكر الديني من كل حقيقة غيبية غير مفهومة أو داخلة في قوالب العلم الحديث ولقد اعتمد أصحاب هذا المنهج على نقطة الضعف التي كانت الأمة العربية والإسلامية تستشعرها إذ ذاك حيال النهضة العلمية في أوروبا، والاكتشافات والاختراعات المختلفة التي قامت في أنحائها بفضل الانطلاقة العلمية التي لم تكن من قبل. ولا بأس أن نعرض لبعض أقوال هؤلاء فمثلا: يقول فراح أنطوان منشئ مجلة (الجامعة المصرية، ومناظر الشيخ محمد عبده شيخ الأزهر (إن العلم يجب أن يوضع في دائرة العقل لان قواعده مبينة على المشاهدة والتجربة والامتحان، وأما الدين فيجب أن يوضع في دائرة القلب، لأن قواعده مبينة على التسليم بما ورد في الكتب المقدسة من غير فحص في أصولها) ويضيف
(أن وصول البشر إلى محجة الكمال لا يكون إلا بوضع الدين جانبا) ويقول فريد وجدي في عدة مقالات بعنوان (السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة) ما نصه:
(وقد لاحظ قراؤنا أننا نحرص فيما نكتب في هذه السيرة على أن لا نسرف في كل ناحية إلا ناحية الإعجاز، ما دام يمكن تعليلها بالأسباب العادية حتى ولو بشيء من التكلف)
ويقول حسين هيكل في كتابه حياة محمد صلى الله عليه وسلم إنني لا آخذ بما سجلته كتب السيرة والحديث إلا على الطريقة العلمية ).
ولأخطر من هذا كله الموقف التالي لجماعة من علماء المسلمين أعلنت قبولها لنظرية النشوء والارتقاء لأن علماء الغرب أعلنوا اقتناعهم الكامل بصدقها، بعد دراستهم ومشاهدتهم... وكيف أنهم، اضطروا بعد هذا الموقف إلى تفسير جديد للإسلام في ضوء النظرية الجديدة،وحين احتاجوا إلى لباس جديد، قاموا بتفصيل ثوب الإسلام مرة أخرى، ولكنه ثوب مشوه المعالم، لا اثر فيه من روح الإسلام، التي ضاعت مع الأجزاء المقطعة في عملية التلفيق الجديدة. )
من هنا نجد أن هذه العقلية أصبحت تحدد أفقنا المعرفي والثقافي ..
"فالثقافة" التي نتشبع بها ليست مجموعة معلومات وأقوال، وإنما هي أنساق من النظم التي تحدد طريقة تفكيرنا، وتعاملنا مع كل ما حولنا. وتدل مادة "ثقف" في اللغة على تجاوز ما هو طبيعي ومعتاد إلى ما هو أكثر استقامة وتفوقا فقد قالت العرب: ثقف الشيء ثقفا: حذقه، ويقولون ثقف الشيء: أقام المعوج منه وسواه ،وقالوا ثقف الشيء إذا كان سريع التعلم له.
وحين تقول اليوم: فلان مثقف، نقصد أنه حاز من العلوم والمعارف ما جعله يبدو متفوقا على الأشخاص العاديين، وما صقل ملكاته حتى جاوز السوية التي يكون عليها الأمي وشبهه. لكننا هنا لا نريد الحديث عن هذا، فالمعارف بكل أشكالها وأنواعها، لا تمثل سوى جزء من ثقافة الشعوب إذ أن المدلول الحديث لكلمة "ثقافة" بات أوسع من ذلك بكثير وهنا تكتفي بتعريف تايلور في كتابه "الثقافة البدائية" حيث قال عن الثقافة " إنها ذلك الكل المركب من المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والأعراف، وكل ما أكتسبه الإنسان باعتباره عضوا في مجمع ما: ومن هذا التعريف فإن الثقافة تشمل:
1ـ منظومات التفكير التي يستخدمها الناس في التعريف على أنفسهم، وعلى العالم من حولهم، والتي يوظفونها في إنتاج المعرفة وتنميتها.
2 ـ ما يستخدمونه من معايير في الحكم عن الأفعال والأشياء المختلفة، مثل العقائد والقيم والأخلاق والأحاسيس الجمالية.
3ـ طرق التعبير والصور والرموز التي يفصح من خلالها الناس عن الأفكار والمشاعر والقيم.
4ـ المعارف والمهارات والوسائط التقنية التي يتعامل الناس من خلالها مع البيئة المحيطة.
ويمكن القول بعد هذا إن الثقافة بمعناها الواسع، تشمل جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، مثل نظم القيم والتقاليد والعادات، ومثل الحقوق الأساسية إلى جانب الفنون والآداب وطرائق العيش. ونحن إذا نفكر في أمور سياسية، واقتصادية، لا نفكر في أمور تمس حياتنا الثقافية فحسب، وإنما نفكر بواسطة حصيلتنا الثقافية وغناها وانفتاحها، وقبل ذلك الإطار العام الذي تشكلت فيه.
إن مما أضر بفهمنا لمسألة نسبة الصواب والخطأ في الأفكار، أننا كثيرا ما ننزع الرأي من إطاره البنيوي وبيئته الثقافية والاجتماعية، فيبدو وكأنه يستمد صوابه من ذاته وقدرته على الإقناع ، وإقتناع الناس به. وهذا حرمنا من فهم المرتكزات العميقة له، ومن فهم البرمجة الثقافية التي وفرها المجتمع لصاحبه. وجعله بالتالي أسيرا لها.
إذن من خلال الاستشهادات السابقة وبمقارنة بسيطة نجد أن هذه الأمة طالما كانت صادقة مع الله في الالتزام بأوامره, مخلصة في تطبيق أحكامه, فان الله كان معها في النصر والتأييد ورد غائلة الآخرين عنها كما رأينا في تاريخها المجيد في العصور التي خلت نقرأ في قوله تعالى﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ سورة آل عمران, الآية:110
أما اليوم وبنظرة إلى واقع هذه الأمة فنجد أنه قد غلب أو تكاثر فيها الذين يعلنون عن تبرهم بهذه الشريعة و المبادئ والأحكام التي قامت عليها عن الإسلام نظاما, شرعة,منهاجا, وولعهم وإقبالهم على كل جديد أو مايسمى مستحدث وغدت نسبتهم إلى الإسلام نسبة انتماء(تراثي)...وغاب ذالك المنهج الذي كان المسلمون من قبل قد التزموا به لحراسة دين الله, واتخاذهم الدعوة إلى الله ديدانا لهم, وحراسة دينه وظيفة أقامهم الله عليها. عندما غاب هذا الشعور من كيانهم وغابت هذه الوظيفة من مجتمعاتهم التي كانت سبب وحدتهم وعزتهم وتضامنهم..
فإن الله عز وجل قضي بأن يكون في حل من حراسة هذه الأمة.. ننظر فنجد أن الفرقة حلت محل الوحدة, والفقر حل محل الغناء رغم أنها مازالت أغنى دول العالم..
والذل حل محل العزة ويكفي مثالا لذالك ما يجري حاليا في قضية المسلمين الأولى (فلسطين) وما تناقلته وسائل الإعلام وبث عبر شاشات العالم باستبدال (صورا) لجندي إسرائيلي أسير بعشرين امرأة عربية مسلمة وكأن لسان حالهن يقول: وامعتصماه...
كما صرخ المسجد الأقصى قبلهن في رمضان قائلا: وا اسلاماه..
ولا مجيب! لأن ذالك المنهج المستمد من فعالية الإسلام أصبح في خبر كان, ولم يبقى إلا الانتماء الشكلي فقط. نقرأ في قوله تعالي﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ سورة آل عمران الآية:139.
أي أن هذا الدين سيبقى عالي الشأن ومتألقا في مكانة باسقة.. فان كنتم على مستوى الإخلاص له كنتم على مستوى القيادة للعالم وان خنتم العهد يقول البوطي وأعرضتم عنه ولم تخلصوا في اتباعكم لله وتنكبكم لأوامره فلسوف يستبدل بكم قوما آخرين يحلون محلكم في حماية الإسلام ورعايته.قال تعالى﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ سورة محمد,الآية:38
ويتابع اليوطي في محاضرته القيمة واصفا هذه الجماعة التي ستتولى حماية الإسلام بقوله: إن ظهور جماعة أخرى محل العالم الإسلامي لا يتم طفرة وإنما يتم تدريجيا, تماما كما يتم تدرج في ما يتعلق بكفتي ميزان عندما ترجح الكفة الطائشة وتطيش الكفة الراجحة لكن بثقل متدرج عندما تكون الكفة الطائشة خفيفة ثم تلقى فيها ثقل بسيط ثم ثقلا آخر...وهكذا تهبط هذه الكفة المتدرجة شيئا فشيئا, في حين أن الكفة الثقيلة هي الأخرى تطيش وترتفع شيئا فشيئا...
بما أن العالم الإسلامي يتراجع عن إخلاصه لدين الله وعن تعلقه بشرع الله وعن موقف الحراسة الذي كان يعتز به ويتشرف به. فإن ظهور الفئات الأخرى يتجلى شيئا فشيئا بمعنى أن كفة العالم الإسلامي عندما تطيش فان كفة الفئات الأخرى التي ستحل محل العالم الإسلامي ترجح شيئا فشيئا...
ويريد البوطي أن يقول أنه كلما لاحظنا انكماش العالم الإسلامي شرعة ومنهاجا وعقيدة وتعظيما لله شيئا فشيئا..وحلت محلها ظلمات الحضارة الغربية قي البيوت والمجتمعات والعقول كما تقدم آنفا..فإن نور الهداية الربانية هو الآخر يسرى في أفئدة أمم أخرى شيئا فشيئا لكن ما هي هذه الأمم ؟ هذه الأمم هي التي يخطط قاداتها للإطاحة بالإسلام والقضاء عليه. هي التي تحتضن الفئة التي ستحل محل العالم الإسلامي وهم الذين أشار إليهم القرآن في الآية السابقة﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ كما يقول البوطي وحسب رأيه فإنهم يتنامون بتدرج كما أن العالم الإسلامي يختفي بالتدرج هذا إذا لم يتداركها الله عز وجل بيقظة جديدة..أما إذا سار الأمر على هذا المنوال في الابتعاد عن الإسلام نحو الدعوة إلى العلمية والى الحداثة كما تقدم آنفا..فلسوف يزداد وضع تراجع العالم الإسلامي عن المكاسب التي متعه لله بها ولسوف يرتفع شأن الآخرين الذين سيوظفهم الله عز وجل في حمل أمانة الإسلام..
وزيادة على اجتهاد البوطي نرى أن سبب ضعف الأمة الإسلامية هو ابتعاد هذه الأمة عن القراءة التي اشتهرت بها حيث باتت أمة اقرأ لا تقرأ..!! ولا نريد هنا أن نبحث في تاريخ القراءة بعيدها وقريبها، ولا أن نستقصي عن أحوال الأمة العربية الإسلامية قبل القراءة من جهل وتخلف:ثقافي, اقتصادي, اجتماعي من كل الجوانب..وكيف نقلتهم من أقصى أودية التخلف إلى أرقي درجات الحضارة القوة, الوحدة, النفوذ. في زمن قياسي قدر ب: 20 عاما فقط.. ولا أن نتحدث عن فكرة القراءة والكتابة وأن الأمم التي لا تقرأ قد انقرضت أو على وشك الانقراض كما وقع للهنود الحمر, فذلك ما لا سبيل إليه في هذا المقام لكن التاريخ لا يكتبه الأجداد، ولا يتحرك على الأرض طبقا للأماني والأقوال في مجتمع فقد فعاليته وفقد معها قدرته على قراءة الأحداث الماضية منها والجارية، فضلا عن المستقبلية وتحول إلى ظاهرة صوتية تقول ما لا تفعل، وتسمع فلا تدون، وإن هي دونت فلن تقرأ، لأنها هجرت القراءة وأسكتت الكلمة...
والكلمة صوت نجسد فيه أفكارنا، ولما كان جسد الشيء على مثال ما نجسده، فإن أجساد أفكارنا الصوتية إنما هي على مثال هذه الأفكار التي نجسدها فيها.
وإذا تبين لنا أن هناك ضابطا أو ضوابط تحكم أصواتنا التي هي أجساد أفكارنا فإن هذا الضابط أو هذه الضوابط تحكم الأفكار التي جسدت فيها مقيدة بها لا تخرج عنها...
إن الآراء والأفكار والنظم التي ننتجها بغية إصلاح شأننا العام، تحمل على نحو دائم طابع البيئة الثقافية والاجتماعية التي نشأنا فيها..
وإذا اختزلنا الكلام السابق في صيغة رياضية فإننا نجد أن الإنسان صاحب عمل مكون من قول وفعل وحين نضع العمل في معادلته الصحيحة نخرج منه خارج قوس (القول والفعل) ليكون في طرف، واليكن العمل في طرف آخر فتصبح المعادلة على الشكل التالي:
القول + الفعل = العمل.
فالفعل إما أن يكون مثلا أعلى فهو فعل إلهي، وإما أن يكون مثلا أدنى فهو فعل الحيوان، أما ما يفعله الإنسان فهو الفعل الذي لا يمكن أن يكون مثلا أعلى، فليس في الوسع قراءة آخر كلمة في صحيفة التطور، ولذا فهو عمل سائر في طريق الكمال ولا يمكن أن يكون مثلا أدنى لأن في هذا إسقاط لصفة العمل عنه واقتصاره على صفة الفعل وعندما يكون كذلك فقد خرج من هاويته الإنسانية والإنسان صاحب عمل مؤلف من قول وفعل، وإذا انفصل قول الإنسان عن فعله فقد صفة العمل التي جعلته إنسانا وفقد الحرية، لأن الحرية هي عمله في تحرير نفسه وتحرير الوجود من حوله بوعيه لحركة الجدل... وانحط إلى مرتبة الفعل الأندى مرتبة الحيوان الأعجم.
وحين خرج الإنسان من دائرة الفعل والقول إلى دائرة العمل ليحقق حريته بما يفعل ضل الطريق إلى حريته بسلوكه طريق الفعل وحده أو طريق القول وحده.
أنظر إلى ضياع الحرية الذي تجده في قوله تعالى ﴿ يا أيُّها الذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفعلونَ ▪كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوامَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ سورة الصف الآية: 2-3.
لقد ضاعت الحرية بضياع العمل وضاع العمل حين انفصل فيه القول عن الفعل والأصل هو القول + العمل. وأكبر تكريم لإنسان أنه اتؤمن على الحرية حين أعطي صفة العمل، وتكون المعادلة الجديدة:
القول + الفعل= العمل و= الحرية على فرض أن كل طرف من أطراف هذه المعادلة قائم على وعي حركة الجدل، ولما كان الوجود كله مادة خاما لا عمل فيها، فهو ضرورة لا وجود فيه للحرية. لأن هذا الوجود بلغ بحركته أقصى الحرية حين بلغ القيد.
ونحرر منه على مقدار ما نقول ونفعل، أي على مقدار ما نعمل، ونعمل على مقدار ما نعي من حركة الجدل فيه...
ولكون أكثرية هذه الأمة لا تعمل, لقولها ما لا تفعل, فإنها تعيش حالة من الانفصام بينها ومحيطها الخاص والعام..
لذا نراهم يهربون من التفكير بانغماسهم في الملذات إلى درجة تكييفهم للعادات الوافدة مع عقلهم الجمعي. وهذا يسلمنا إلى معادلة جديدة أحد طرفيها البطن والفرج والطرف الآخر القلب والعقل وتكون المعادلة على الشكل التالي:
العقل+القلب =البطن+الفرج.
وعليه يتحدد تعقلنا للأشياء حسب تفعيل طرفي المعادلة بالنسبة للطرف الآخر.
وتفسير ذالك أن الإنسان فيه غرائز دنيا تشده إلى تحت؟ و خصائص كريمة تدفعه إلى فوق؟ فإذا كانت هذه الخصائص أشد قوة ذهبت بالإنسان صعدا إلى آفاق الحق والخير والجمال.
وإذا كانت مساوية لغريمتها ذهب السالب في الموجب وبقى المرء موضعه.
وإذا كانت أضعف منها أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فلم تراه إلى مبطلا شريرا دميم الروح. والذي أقصده أن تحصيل الكمال يحتاج إلى معاناة علمية وخلقية.
فالكريم لن يكون كريما إلا إذا قهر نوازع الشح. والشجاع لا يكون شجاعا، إلا إذا هزم بواعث الخوف..
.وواقع الأمة اليوم يفسر لنا هذه المعادلة حيث أن التحولات الكمية, ارتفاع القدرة الشرائية، استبدال الطاقة البشرية تطور العمل التقني، تطور أنشطة الوقت الحر أنتجت تحولا نوعيا بطيئا تمثل في بروز مشاكل متعلقة بالحياة الخاصة، مشاكل حول الحياة الشخصية المستقلة مست بالأساس الطبقة المتوسطة والعمالية، ويتعلق الأمر بتطوير ظاهرة جديدة داخل الحياة الشخصية، إنها فردنة الوجود الإنساني. إن خاصية الثقافة الجماهيرية تتمثل في كونها ستوفر للفئات الاجتماعية الصاعدة (طبقة متوسطة)، شباب، نساء، صورا إدراكية وقيما ونماذج سلوك جديدة أبطالها: الشخصيات السينمائية، ونجوم الموضة، ومقولاتها: المغامرة، والحرية الفردية، وغاياتها: الحياة والسعادة، والمتعة...الخ). وهذه الصور ونماذج السلوك أضحت من مكونات تفكير شبابنا الذي ينشد لدى كتابه ومفكريه مستوى من المبادرة والجد والإخلاص , ولونا من الكتابة المباشرة التي تعيش عصرها و أفكاره وتطلعاته, فإذا هم لا يزيدون على مضغ حكايات الأولياء, واجترار بضعة خيالات محلقة في سموات التيه, ومجابهة الواقع الصارخ الملح بما يميعه في وعى الجماهير, ثم يسرح بها بعيدا بعيدا, في أحلام الماضي وتصوراته.
إن المسلم الذي يجد بلاده متخلفة تقنيا، دون وجود أية بارقة أمل لسد الفجوة بينها وبين البلدان المتقدمة، سوف يسحب ثقته من ثقافته، ويتحول إلى شحاذ ثقافي يستجدي على أبواب الآخرين للأفكار والمفاهيم والنظم التي تملأ الفراغ، الذي خلفته ثقافته المنهارة.
وحين تعتل الثقافة، تفقد انسجامها الداخلي، وتتحول كل منظومة فيها إلى أداة لهدم المنظومات الأخرى.
فالعلم آنذاك، لا يعزز الأخلاق بل يهدمها، والتقدم الاقتصادي، لا يحقق العدل والمساواة، بل يقصيهما، والتلاحم الأهلي، لا يغدوا مصدرا للشعور بالأمان، بل يتحول إلى عبء يثقل كاهل أصحابه وهكذا...
ومهما ارتفعت أصواتنا ومناداتنا بقيمة ثقافتنا وتراثنا وديننا وضرورة محافظتنا عليه. إيمانا منا بمقاومتها لتلك الثقافة الأجنبية، فإن الناس سيمضون في طريقهم إلى تقديس الثقافات المتفوقة على حساب ثقافتنا، بشكلها الحالي. إذ أن روح عصرنا تمجد القوة بأوسع معانيها، وتنجذب إلى التفوق على مقدار ما تستهين بالثقافات التي تحاول أن تستمد مشروعيتها من غير هذا الباب.
ليس أمامنا من طريق لاستعادة الثقة بثقافتنا، والكف عن الاستجداء الثقافي سوى التوصل إلى طريقة ننهي بها التناقضات الداخلية في ثقافتنا الحاضرة، ونخلصها من الشوائب التي أقعدتها عن أداء وظيفتها في الريادة الحضارية.وتكاد تزهق روحها..
فلغتي هي أنا.هي ذاتي, هي وجودي هي كياني, هي حضارتي وتاريخي, أما لغة الآخر فهي لغة الآخر...
إن الخطأ ناتج عن كيفية التعامل مع ثقافتنا ولغتنا العربية حيث " أن قسما كبيرا من مشاكلها يعود إلى أسباب ذاتية، ونقصد بها ضعف همة أبنائها وقصورهم في القيام بواجبهم تجاه لغتهم التي هي لسان دينهم وعنوان هويتهم الثقافية ورمز سيادتهم الحضارية، وتفريطهم في مسئوليتهم التاريخية في الحفاظ على تراثهم وحماية وجودهم المعنوي..
إن محنة العربية لا تتمثل في حشود الألفاظ والمصطلحات الوافدة من عالم الحضارة المعاصرة، إلى عالمها الذي يبدو متخلف، ليس ذالك فحسب ، بل إن محنتها الحقيقية هي في انهزام أبنائها نفسيا أمام الزحف اللغوي الداهم، واستسلامهم في مجال العلوم للغات الأجنبية، بحيث قد تكونت في العالم العربي جبهة عنيدة تجاهد للإبقاء على العربية بمعزل عن مجال العلوم والتكنولوجيا، فما دامت صفوة المشتغلين بالعلوم تعرف الإنجليزية أو الفرنسية مثلا، فلا بأس أن نعزل العربية "بل ونقتلها في عقر دارها".
وإذا طبقنا القاعدة القائلة: إن اللغة كائن حي، يعتريها ما يعتري أي كائن من عوارض، وتقلبات الزمن ومتغيرات ومستجدات التي تطرأ.
فإننا نجد أن حياة اللغة من حياة أبنائها، وهي تقوى أو تضعف حين يقوون أو يضعفون.
يقول الدكتور زكي مبارك
” سيأتي يوم يعرف فيه المسلمون أن حضارتهم العظيمة لم تقوضها غير الأقلام الباغية, أقلام الكتاب والمؤلفين الذين غفلوا عن أخطار الغيبة الاجتماعية فحبروا الفصول الطوال في المفاضلات بين الأمم الإسلامية حتى شطروها إلى عناصر يبغي بعضها على بعض بلا تورع ولا استحياء.
وثورة الأمة الفارسية على اللغة العربية كانت لها أسباب من هذا النوع وثورة الأمة التركية على الحروف العربية كانت لها دواعي من هذا القبيل ولن تزول آثار هذه «الغيبة القلمية» إلا يوم يمن الله على المسلمين بكتاب حكماء يعرفون كيف يقتلعون جذور هذه الفتن والقلوب"
إن للغة العربية علاقة خاصة بالدين الإسلامي تتميز بها عن علاقة سائر اللغات في العالم بدياناتها السماوية، أو الوضعية, ويعود السبب الأول لهذه العلاقة إلى نزول القرآن الكريم باللغة العربية، وما نجم عن ذالك من تقديس المسلمين للغة العربية كتقديسهم للقرآن . وتقديس المجتمع لشيء من الأشياء يتطلب بالضرورة فهمه والمحافظة عليه. وهكذا ارتبطت اللغة العربية ارتباطا قويا بالإسلام لأنها مفتاح فهم العقيدة الدينية، ووسيلة المحافظة عليها ما بقي لهذه العقيدة معتنقون في المجتمع. ومهما يكن من أمر فإن اللغة العربية ما كان لها أن تبرح الجزيرة العربية، ولا أن تكتسح الأقطار المجاورة شرقا وغربا، وتنتشر فيها، وتؤثر في لغاتها، أو تحل محلها بالسرعة والكيفية التي عرفها صدر الإسلام، لولا أنها كانت لغة القرآن، ولغة فهم الدين الجديد، فالإسلام كان دفعا جديدا لرقي اللغة العربية وجاء هذا الدفع على يد القرآن نسقا جديدا في التعبير إلى جانب الشعر والنثر، وكان القرآن الرابطة الأقوى بين اللغة والدين، فما يقوله القرآن يصبح القاعدة والمعيار حتى وإن لم يكن للعرب عهد به.
فالقرآن هو الفيصل في الدين واللغة العربية، وفي ذالك يقول المستشرق الألماني
(يوهان فك): " إن لغة القرآن تختلف اختلافا غير يسير عن لغة الشعراء السائدة في الجزيرة، فلغة القرآن تعرض من حيث هي أثر لغوي صورة فذة لا يدانيها أثر لغوي في العربية على الإطلاق. ففي القرآن لأول مرة في تاريخ اللغة العربية يكشف الستار عن عالم فكري تحت شعار التوحيد، لا تعد لغة الكهنة والعرافين الفنية المسجوعة إلا نموذجا واهيا له من حيث وسائل الأسلوب، ومسالك المجاز في اللفظ والدلالة"
ولو تتبعنا اللغة العربية في العهد الإسلامي لوجدنا كتاباتها متأثرة في المبنى والمعنى بالقرآن ويليه الحديث، ومن أمثلة الكلمات والتعابير المتداولة في اللغة العربية والتي ترجع في أصلها إلى القرآن: (العروة الوثقى. سنة الله. مثقال ذرة. أسوة حسنة. المثل الأعلى. بكرة وأصيلا. لا يكلف الله نفسا إلا وسعها..).
وإلى جانب القرآن يوجد الحديث الذي ترك آثاره على اللغة العربية أيضا فاللغة العربية إذن هي وعاء الثقافة الإسلامية، وهي الأداة المثلى لمعرفة مبادئ الدين الحنيف وفهم أحكامه, وهى اللغة الوحيدة في العالم التي ترتبط بالدين ارتباطا لا انفصام له. فهي لغة الإسلام لأنها لغة القرآن الكريم. ولغة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الارتباط يأتي في أن القرآن الكريم كان له الدور الكبير في توجيه وتطوير وتقويم اللغة العربية فمن أجل ذالك كان لا بد لمن أراد العكوف على دراسة العربية وآدابها من أن يعكف على دراسة القرآن وعلومه، وكلما ابتغى مزيدا من التوسع في العلوم العربية وثقافتها، احتاج إلى مزيد من التوسع في دراساته القرآنية المختلفة.
من خلال ما أسلفنا في هذه المحاولة المتواضعة نستخلص أن هذه الأمة قد اتخذت عقلية وفكر ومنهج جديد يختلف جملة وتفصيلا عن ما كانت عليه أصلا وما كان سببا في وجودها واتجهت شيئا فشيئا نحو الحدائة والمدنية.. متنكبة لتراثها, الذي كان سببا في وجودها المعنوي ويتضح لنا ذالك جليا بمقارنة بسيطة بين واقع العرب قبل وبعد الإسلام.
وبعودة مبرمجة عزيزي القارئ إلى شبهه الجزيرة العربية في أي من المسلسلات الدينية التي تعرض عادة في رمضان, لنعيش زمان ومكان ذالك التاريخ (العرب قبل الإسلام), فنكتشف بأم أعيننا أن العرب عرقا لم يكن وجودهم التاريخي المعتبر إلا بالإسلام الذي نقلهم من لأمية إلى الكتابة, ومن الجهل إلى العلم, ومن الفوضوية إلى النظام, ومن العشائرية المتناحرة إلى الواجدة المجاهدة ذات الدولة الشرعية, فكسو أرضا, ونشروا عدلا وإحسانا, ودونوا علما في فهم دين ربهم وفهم لغتهم وتراثهم, لأنهم الأجدر بذالك, بسبب أن علمهم هذا ملكة وسليقة وقريحة ونتاج ذاكرة قوية لأمة علمها في صدرها بدءا..وكانوا مرجعا للأمة الإسلامية الأعجمية, وذوى حق عليها ماظلوا قائمين بدين الله, وماظلو أميز في التقوى..
وفي هذا الصدد يكتب الموقع الإسلامي المتميز(إسلام ويب) مايلي:
وفي هذا الصدد يكتب الموقع الإسلامي المتميز(إسلام ويب) مايلي:
(نحن أمة تنتصر بطاعتها لله واتباعها لرسولها، وتنكسر بعصيانها لله وبعدها عن شرعه وهداه، ولعل في هذا اختصارٌ لأسباب السقوط، وما أحوجنا إلى قراءة تاريخ أمتنا بتأنٍ وروية لاستخلاص العبر، وأرجو أن نعرف أن أعداءنا اليهود درسوا تاريخنا وحضارتنا ووقفوا على أسباب نهضتنا فحالوا بيننا وبينها، ولا يستطيع رجلٌ منهم أن يصل إلى مواضع القرار إلا إذا تعمق في دراسة الحضارة الإسلامية، وقد أيقنوا أنهم لن يتمكنوا من هزيمة المسلمين إلا إذا أسقطوا الخلافة الإسلامية التي كانت رمزاً لوحدتنا، وأبعدوا الشريعة الإسلامية التي أخرجت للدنيا خالداً والقعقاع والمثنى.
وعندما صدق سلفنا مع الله مشوا على سطح الماء، وكانت الدنيا في خدمتهم ومطر السماء، وقد صدق سلمان عندما قال لسعد بن أبي وقاص: (إن هؤلاء صادقون مع الله ولذلك أيدهم وسخر لهم البحر كما سخر لهم البر، وأخشى أن يأتي يوم يتخلى فيه المسلمون عن طاعة الله فيتأخر عنهم نصر الله)، وقد بكى أبو الدرداء عند فتح قبرص، فقيل له: (تبكي في يوم نصر الله فيه دينه وأعز فيه جنده. فقال رضي الله عنه: أبكي على حال هؤلاء الذين عصوا الله فسلطنا عليهم، وأخشى أن يأتي يوم يقصر فيه المسلمون في طاعة الله فيسلط عليهم عدوهم) ولا شك أن الحالة التي خاف منها سلمان واليوم الذي أشفق منه أبو الدرداء هو ما وصلنا إليه.
وإذا تتبع المسلم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وقبل ذلك آيات القرآن وقف على جملةٍ من عوامل الضعف والهزيمة، فقد جاء في سياق الحديث عن غزوة أحد قوله تعالى:﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.سورة آل عمران الآية: 153
ومن هنا يتضح لنا أن الاختلاف وعصيان الرسول، ومخالفة الأوامر، وحب الدنيا، من أسباب الضعف والانكسار.
وإذا نظر الإنسان في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أومن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
وإذا تأمل الإنسان غثاء السيل فإنه يلاحظ فيه جملةً من أسباب الضعف والخور، فغثاء السيل ليس له قبلة ولا وجهة ولا هوية، وغثاء السيل يفتقر إلى النظام، وفيه معنى الخلاف، فليس بين أجزائه رابط، وغثاء السيل تبعٌ لحركة الماء، وهل أضاعنا إلا الدخول في حجر الضب خلف أمم الغرب مع شدة ظلام حجر الضب وشدة ضيقه ونتن رائحته.
وللضعف أسبابٌ أخرى عديدة، منها ما يلي:
وعندما صدق سلفنا مع الله مشوا على سطح الماء، وكانت الدنيا في خدمتهم ومطر السماء، وقد صدق سلمان عندما قال لسعد بن أبي وقاص: (إن هؤلاء صادقون مع الله ولذلك أيدهم وسخر لهم البحر كما سخر لهم البر، وأخشى أن يأتي يوم يتخلى فيه المسلمون عن طاعة الله فيتأخر عنهم نصر الله)، وقد بكى أبو الدرداء عند فتح قبرص، فقيل له: (تبكي في يوم نصر الله فيه دينه وأعز فيه جنده. فقال رضي الله عنه: أبكي على حال هؤلاء الذين عصوا الله فسلطنا عليهم، وأخشى أن يأتي يوم يقصر فيه المسلمون في طاعة الله فيسلط عليهم عدوهم) ولا شك أن الحالة التي خاف منها سلمان واليوم الذي أشفق منه أبو الدرداء هو ما وصلنا إليه.
وإذا تتبع المسلم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وقبل ذلك آيات القرآن وقف على جملةٍ من عوامل الضعف والهزيمة، فقد جاء في سياق الحديث عن غزوة أحد قوله تعالى:﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.سورة آل عمران الآية: 153
ومن هنا يتضح لنا أن الاختلاف وعصيان الرسول، ومخالفة الأوامر، وحب الدنيا، من أسباب الضعف والانكسار.
وإذا نظر الإنسان في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أومن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
وإذا تأمل الإنسان غثاء السيل فإنه يلاحظ فيه جملةً من أسباب الضعف والخور، فغثاء السيل ليس له قبلة ولا وجهة ولا هوية، وغثاء السيل يفتقر إلى النظام، وفيه معنى الخلاف، فليس بين أجزائه رابط، وغثاء السيل تبعٌ لحركة الماء، وهل أضاعنا إلا الدخول في حجر الضب خلف أمم الغرب مع شدة ظلام حجر الضب وشدة ضيقه ونتن رائحته.
وللضعف أسبابٌ أخرى عديدة، منها ما يلي:
1- الغزو الفكري والمتمثل في سبيل الشبهات.
2- حرب المخدرات والشهوات.
2- حرب المخدرات والشهوات.
3- التنعم وعباد الله ليسوا بالمتنعمين.
4- ضعف مناهج التعليم، وضعف طرق تدريسها.
5- الغزو الإعلامي مع غياب دور الأبوين في التوجيه والرعاية.
6- غياب الشريعة، والقعود عن الجهاد.
7- الدعوات القومية والوطنية التي فصلتنا عن تاريخنا المجيد وفرقت جمعنا.
8- الجهل والبدع.
وإذا أراد الإنسان أن يختصر أسباب النصر فإنه يستطيع أن يقول: إن الله أعزنا بالإسلام فمتى ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، وإذا تركت الأمة الجهاد كتب الله عليها ذلاً لا ينزعه حتى يراجعوا دينهم، فالعودة إلى الله سببٌ لكل خير، والبعد عن الله سببٌ لكل شرٍ وهوان.
ولا بد من تربية جيل النصر المنشود على كتاب الله ومائدة السنة النبوية الشريعة، وإعادة النظر في مناهجنا، وخاصةً الجوانب الحضارية المشرقة التي تعهد الأعداء إخفائها وتشويهها، والخير باقٍ في أمة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإن أمتنا لا تموت، ونحن نحتاج إلى لحظة صدق مع الله، وأحسن الشاعر حين قال:
ولو صدقوا وما في الأرض نهرٌ ** لأجرينا السماء لهم عيوناً
ولأخضعنا لملكهم الثريا ** وصيرنا النجوم لهم حصوناً
وقال تعالى: {وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا}.)
4- ضعف مناهج التعليم، وضعف طرق تدريسها.
5- الغزو الإعلامي مع غياب دور الأبوين في التوجيه والرعاية.
6- غياب الشريعة، والقعود عن الجهاد.
7- الدعوات القومية والوطنية التي فصلتنا عن تاريخنا المجيد وفرقت جمعنا.
8- الجهل والبدع.
وإذا أراد الإنسان أن يختصر أسباب النصر فإنه يستطيع أن يقول: إن الله أعزنا بالإسلام فمتى ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، وإذا تركت الأمة الجهاد كتب الله عليها ذلاً لا ينزعه حتى يراجعوا دينهم، فالعودة إلى الله سببٌ لكل خير، والبعد عن الله سببٌ لكل شرٍ وهوان.
ولا بد من تربية جيل النصر المنشود على كتاب الله ومائدة السنة النبوية الشريعة، وإعادة النظر في مناهجنا، وخاصةً الجوانب الحضارية المشرقة التي تعهد الأعداء إخفائها وتشويهها، والخير باقٍ في أمة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإن أمتنا لا تموت، ونحن نحتاج إلى لحظة صدق مع الله، وأحسن الشاعر حين قال:
ولو صدقوا وما في الأرض نهرٌ ** لأجرينا السماء لهم عيوناً
ولأخضعنا لملكهم الثريا ** وصيرنا النجوم لهم حصوناً
وقال تعالى: {وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا}.)
ويبدوا أن أكثرية من كتبوا في هذا المجال متفقون على أسباب ضعف الأمة الإسلامية وان اختلفت مشاربهم وتوجهاتهم..
ونختم بهذا التعليق للشيخعبد الله بن حبرين
(يراد بالضعف هنا ضعف الإيمان وضعف التمسك بالدين والاقتناع من غالب المسلمين بمجردالانتماء إلى الإسلام دون التحقيق بتعاليمه ولا شك أن لذلك أسباباً عديدة أشدهاكثرة الدعاة إلى الفساد والمنكرات والمعاصي بالقول والفعل من أناس ثقلت عليهمالطاعات ومالت نفوسهم إلى الشهوات المحرمة كالزنا وشرب الخمر وسماع الأغاني ونحوذلك فقاموا بالدعوة إلى الاختلاط وزينوا للمرأة التبرج والسفور وجعلوا ذلك من حقهاودعوا إلى إعطائها الحرية والتصرف في نفسها فجعلوا لها أن تمكن من نفسها برضاها ولوغضب أبوها أو زوجها فلا حد عليها ولا على من زنا بها برضاها وعند الانهماك في هذهالشهوات ثقلت عليهم الصلوات وتخلفوا عن الجمع والجماعات ومنعوا الواجبات وتعاطواالمسكرات والمخدرات مما كان سبباً لضعف الإيمان في قلوبهم وهكذا من أسباب ضعف الأمةالإسلامية كثرة الفتن والمغريات حيث توفرت أفلام الجنس وأصوات المغنين والفنانينوالفنانات وصور النساء العاريات أو شبه العراة ولك ذلك سبب الانهماك في هذهالمحرمات فضعف الإيمان في القلوب وهكذا من أسباب ضعف الأمة الإسلامية انفتاح الدنياعلى أغلب الناس وانشغالهم بجمع الحطام الفاني والإعراض عن العلم والعمل والسعي وراءجمع المال وتنمية التجارات والمكاسب فكان سبباً لنسيان حق الله تعالى وتقديمالشهوات وما تتمناه النفس مع توفر الأسباب والتمكن من الحصول عليها، ومن الأسبابأيضاً ضعف الدعاة إلى الإسلام الحقيقي وقلة ما معهم من العلم الصحيح ورضاهم بأقلعمل مع مشاهدة كثرة الفساد وتمكن المعاصي وكثرة من يتعاطى على مرأى ومسمع منالجماهير ولا شك أن الأمة متى ضعف فيها جانب الإيمان والعمل الصالح وفسدت فطرهاوانهمكت في الملاهي والشهوات وأعرضت عن الآخرة فإنها تضعف حسياً ويقوى الأعداء منكل جانب ويسيطرون على ما يليهم من بلاد المسلمين ولا يكون مع المسلمين قوة حسية ولامعنوية تقاوم قوة الأمم الكافرة وذلك ما حصل في كثير من البلاد الإسلامية التي تسلطعليهم الأعداء يسومونهم سوء العذاب وتسلط عليهم ولاة السوء وأذلوهم وقهروهم حتىيرجعوا عن دينهم والله المستعان. )
ولسنا بحاجة بعد هذه الشهادات أن نتوقع من هذه الأمة بشكلها الحالي الكثير وهذا ما وقع وشاهدناه بأم أعيننا قي ما بات يعرف (بمحرقة غزة) موثقة بالصوت والصورة كل أشكال الموت لتعيد تمثيل المحرقة النازية (الهولكوست) التي أصبحت عقيدة في عرف الغرب. بفضل وسيطرة وسائل الإعلام.
و قد وظفتها إسرائيل جيدا و تعاطف معها العالم لسبب هذه المحرقة المزعومة. (يراد بالضعف هنا ضعف الإيمان وضعف التمسك بالدين والاقتناع من غالب المسلمين بمجردالانتماء إلى الإسلام دون التحقيق بتعاليمه ولا شك أن لذلك أسباباً عديدة أشدهاكثرة الدعاة إلى الفساد والمنكرات والمعاصي بالقول والفعل من أناس ثقلت عليهمالطاعات ومالت نفوسهم إلى الشهوات المحرمة كالزنا وشرب الخمر وسماع الأغاني ونحوذلك فقاموا بالدعوة إلى الاختلاط وزينوا للمرأة التبرج والسفور وجعلوا ذلك من حقهاودعوا إلى إعطائها الحرية والتصرف في نفسها فجعلوا لها أن تمكن من نفسها برضاها ولوغضب أبوها أو زوجها فلا حد عليها ولا على من زنا بها برضاها وعند الانهماك في هذهالشهوات ثقلت عليهم الصلوات وتخلفوا عن الجمع والجماعات ومنعوا الواجبات وتعاطواالمسكرات والمخدرات مما كان سبباً لضعف الإيمان في قلوبهم وهكذا من أسباب ضعف الأمةالإسلامية كثرة الفتن والمغريات حيث توفرت أفلام الجنس وأصوات المغنين والفنانينوالفنانات وصور النساء العاريات أو شبه العراة ولك ذلك سبب الانهماك في هذهالمحرمات فضعف الإيمان في القلوب وهكذا من أسباب ضعف الأمة الإسلامية انفتاح الدنياعلى أغلب الناس وانشغالهم بجمع الحطام الفاني والإعراض عن العلم والعمل والسعي وراءجمع المال وتنمية التجارات والمكاسب فكان سبباً لنسيان حق الله تعالى وتقديمالشهوات وما تتمناه النفس مع توفر الأسباب والتمكن من الحصول عليها، ومن الأسبابأيضاً ضعف الدعاة إلى الإسلام الحقيقي وقلة ما معهم من العلم الصحيح ورضاهم بأقلعمل مع مشاهدة كثرة الفساد وتمكن المعاصي وكثرة من يتعاطى على مرأى ومسمع منالجماهير ولا شك أن الأمة متى ضعف فيها جانب الإيمان والعمل الصالح وفسدت فطرهاوانهمكت في الملاهي والشهوات وأعرضت عن الآخرة فإنها تضعف حسياً ويقوى الأعداء منكل جانب ويسيطرون على ما يليهم من بلاد المسلمين ولا يكون مع المسلمين قوة حسية ولامعنوية تقاوم قوة الأمم الكافرة وذلك ما حصل في كثير من البلاد الإسلامية التي تسلطعليهم الأعداء يسومونهم سوء العذاب وتسلط عليهم ولاة السوء وأذلوهم وقهروهم حتىيرجعوا عن دينهم والله المستعان. )
ولسنا بحاجة بعد هذه الشهادات أن نتوقع من هذه الأمة بشكلها الحالي الكثير وهذا ما وقع وشاهدناه بأم أعيننا قي ما بات يعرف (بمحرقة غزة) موثقة بالصوت والصورة كل أشكال الموت لتعيد تمثيل المحرقة النازية (الهولكوست) التي أصبحت عقيدة في عرف الغرب. بفضل وسيطرة وسائل الإعلام.
وكان أساس هذه الرسالة هو الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب وقد أبدع في إخراجها للعالم مؤلفون مبدعون ومثقفون محنكون.حتى ليحس المرء بعد مطالعته لقصة أو مشاهدته لفيلم عن هذه المحرقة بحاجة إلى أن ينزوي نفسيا من هول ما شاهد وطالع. كان ذالك قبل (محرقة غزة) التي جسدت كل تلك المشاهد وزادت عليها مع الفارق بين الزمنين, وان كنا لم نشاهد من صور المحرقة الأولى غير ما وصلنا عن طريق وسائل الإعلام السالفة الذكر.., فإننا شهود على المحرقة الثانية, والتي رأى فيها العالم صور تقشعر لها الأبدان, وتموت لها القلوب كمدا من هول الموقف فمثلا: أطفال مقطعة الرؤوس, وأشلاء لنساء, وعائلات بالعشرات نسفت, ومباني هدمت, ومساجد خربت, وكأننا أمام زلزال من صنع البشر, وسط صراخ: الأطفال والنساء والشيوخ وبين تلك الأصوات الصارخة في معركة غير متكافئة، يحس الإنسان منا ضميره الإنساني و هو يشاهد تلك الصور المقززة, يسأله ألهذا الحد وصل بطش الإنسان بأخيه الإنسان؟! في عالم يدعى الحرية وحقوق الإنسان!!
وبأخذ ينعم النظر محدقا ببصره، وهو إذ يملأ بالذي يراه عينا، يملأ به فكرا، ويملأ به قلبا. وان لم يكن موجودا في أرض المعركة بجسمه, فانه يعيشها من موقعه عاطفة وعقلا. وهنا تخفق الأمة الإسلامية مرة أخرى في استثمار المكاسب التي تحققت على الأرض بفعل هذا الحدث الجلل كالمظاهرات العالمية لنصرة لقضية الفلسطينية والدعوات الغير مسبوقة بمحاكمة قادة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية, بعد أن عاشت عقودا فوق الشبهات إعلاميا. والأخطر من هذا موقفها الأخير من تقرير القاضي الجنوب إفريقي عن غزة وتعاطي العالم العربي والإسلامي مع هذا التقرير الذي وان كان دون المطلوب فإن نغمة الشعوب العربية والإسلامية لم تعد على إسرائيل والغرب وحدهما بقدر ما هي على قادتنا وزعمائنا بعد أن برؤوا القاتل من دم المقتول..وهذا ما يؤكد أن ما نشاهده اليوم أمة أخرى غير أمتنا الإسلامية قياسا على دعوات المنظمات والهيئات الغير عربية ولا إسلامية لتفعيل التقرير بعد تأجيله من ما تسمي نفسها أمة الإسلام..أمة المليار ونصف المليار مسلم..؟!!
وبعد غزة تتوالى النكبات على هذه الأمة وعلى رأسها المسجد الأقصى صارخا وقد تعود أن يستجاب له في رمضان ليتفاجئ هذه المرة بأمة مقلوبة على أمرها وكأنها جسدا لا روح فيه كما تقدم آنفا..ثم يأتي إجراء غير مسبوق من إحدى الدول العربية والإسلامية بإلغاء فريضة الحج لهذه السنة لبلد معروف منذ قرون بالدفاع عن الإسلام والذود عن بيضته قبل أن ينتهج الفكر الإصلاحي السالف الذكر..
ثم تأتى حادثة الجامع الأزهر وشيخه السيد طنطاوي وأمره لشابة يافعة مرتدية النقاب
بنزعه قائلا انه عادة وليس شرعا, وعزمه على منع المنقبات من دخول معاهده..
ودون انتقاص من دقة استنتاجاته أو عظمة دراسته لا يقدر الآن أحد أن يصدق أن المقصود في هذا الوقت بالذات هو النقاب وشرعيته أو عدمها.. خاصة أننا مازلنا نعيش حادثة الطالبة التي منعتها الجامعة الأمريكية من الدخول بسبب حجابها..
وتركيز الغرب على الجامع الأزهر ليس وليد الساعة بل يرجع إلى تاريخ الاحتلال لبريطاني لمصر فقد احتلت بريطانيا يومئذ مصر وهي تعلم أن اعتمادها على القوة العسكرية وحدها لن يفيدها الاستقرار,ولن يمكن لها موطئ قدمها في البلدة التي احتلتها, خصوصا وأن العالم الإسلامي قريب العهد بانهيار الخلافة الإسلامية
فرأت-كما هو شأنها دائما – أن لابد من الاستعانة بمنهج فكري يغير من تفكير المسلمين تغييرا يقصيهم عن هذه الشدة في التمسك بالدين والتضحية من أجله والاعتماد عليه وحده.
ويجعلهم يلتقون مع الفكر الأوربي في أوسع قدر ممكن من سبل الحياة كما تقدم آنفا..
ولما كان الجامع الأزهر يقف كالصخرة التي لا تتزحزح بمناهجه الدراسية وطريقته الفكرية وإشعاعه الذي كان يتجاوز القطر المصري إلى كثيرا من البقاع الإسلامية الأخرى. كان هو المقصود بهذا الإصلاح لدوره الريادي في الحكم, وتحريك القضايا الوطنية والدينية والفكرية والاجتماعية, وكل ما فيه صلاح الأمة الإسلامية..
يتضح جليا في كلام اللورد لوبد المندوب السامي لمصر إذ ذاك, في مذكراته التي أسماها
مصر منذ أيام كرومر؛ Since Cromer Egypt
وبعد غزة تتوالى النكبات على هذه الأمة وعلى رأسها المسجد الأقصى صارخا وقد تعود أن يستجاب له في رمضان ليتفاجئ هذه المرة بأمة مقلوبة على أمرها وكأنها جسدا لا روح فيه كما تقدم آنفا..ثم يأتي إجراء غير مسبوق من إحدى الدول العربية والإسلامية بإلغاء فريضة الحج لهذه السنة لبلد معروف منذ قرون بالدفاع عن الإسلام والذود عن بيضته قبل أن ينتهج الفكر الإصلاحي السالف الذكر..
ثم تأتى حادثة الجامع الأزهر وشيخه السيد طنطاوي وأمره لشابة يافعة مرتدية النقاب
بنزعه قائلا انه عادة وليس شرعا, وعزمه على منع المنقبات من دخول معاهده..
ودون انتقاص من دقة استنتاجاته أو عظمة دراسته لا يقدر الآن أحد أن يصدق أن المقصود في هذا الوقت بالذات هو النقاب وشرعيته أو عدمها.. خاصة أننا مازلنا نعيش حادثة الطالبة التي منعتها الجامعة الأمريكية من الدخول بسبب حجابها..
وتركيز الغرب على الجامع الأزهر ليس وليد الساعة بل يرجع إلى تاريخ الاحتلال لبريطاني لمصر فقد احتلت بريطانيا يومئذ مصر وهي تعلم أن اعتمادها على القوة العسكرية وحدها لن يفيدها الاستقرار,ولن يمكن لها موطئ قدمها في البلدة التي احتلتها, خصوصا وأن العالم الإسلامي قريب العهد بانهيار الخلافة الإسلامية
فرأت-كما هو شأنها دائما – أن لابد من الاستعانة بمنهج فكري يغير من تفكير المسلمين تغييرا يقصيهم عن هذه الشدة في التمسك بالدين والتضحية من أجله والاعتماد عليه وحده.
ويجعلهم يلتقون مع الفكر الأوربي في أوسع قدر ممكن من سبل الحياة كما تقدم آنفا..
ولما كان الجامع الأزهر يقف كالصخرة التي لا تتزحزح بمناهجه الدراسية وطريقته الفكرية وإشعاعه الذي كان يتجاوز القطر المصري إلى كثيرا من البقاع الإسلامية الأخرى. كان هو المقصود بهذا الإصلاح لدوره الريادي في الحكم, وتحريك القضايا الوطنية والدينية والفكرية والاجتماعية, وكل ما فيه صلاح الأمة الإسلامية..
يتضح جليا في كلام اللورد لوبد المندوب السامي لمصر إذ ذاك, في مذكراته التي أسماها
مصر منذ أيام كرومر؛ Since Cromer Egypt
حيث يقول ” إن التعليم الوطني عندما قدم الانكليز, كان في قبضة الجامعة الأزهرية الشديدة التمسك بالدين والتي كانت أساليبها الجافة تقف حاجزا في طريق أي إصلاح تعليمي, وكان الطلبة الذين يتخرجون من هذه الجامعة يحملون معهم قدرا عظيما من غرور التعصب الديني, فلو أمكن تطوير الأزهر لكانت خطوة جلية الخطر. فليس من اليسير أن نتصور أي تقدم طالما ظل الأزهر متمسكا بأساليبه هذه ولكن إذا بدا أن مثل هذه الخطوة غير متيسر تحقيقها فحينئذ يصبح الأمل محصورا في إيجاد التعليم للاديني الذي ينافس الأزهر حتى يتاح له الانتشار والنجاح״
ومن مصر إلى موريتانيا (بلاد شنقيط) فيما يسمى عندنا با(المحظرة) وهي جامعات متنقلة تتطابق مناهجها ومناهج الأزهر الشريف وتعتمد أساسا على قوة الذاكرة والحفظ في الصدور بالإضافة إلى السطور وقد وقفت في وجه المستعمر الفرنسي فكانت عصية على المستعمر كحاجز منيع وحارسا أمينا يصعب اختراقه عند ما عجز سلاحنا غير المتكافئ. بذلك شهد شاهد من أهلها:
CRISTIAN LAGREيقول المسمي(كريستان لجرى
في رسالة سرية إلى الوزير المعني في فرنسا ما خلاصته:« إن الأفارقة قلدونا في الملبس وفي كل شيء ماعدا موريتانيا التي تمثل الثقافة فيها أعلى مراقي المجد فما زالت لها مكتباتها(700 مجلد من شنقيط وحدها) ولهم قضاؤهم المستقل» ثم يقترح حلا لذالك الصمود, وهو زعزعة مكانة العالم, والمحظرة, وتشجيع أطفال المدرسة الحديثة بإعطاء المنح وفتح الكفالات وتوفير الملابس مجانا إلى أخر الاقتراحات..
وبغياب هذا المنهج من حياتنا الذي كان حارسا أمينا وحاجزا منيعا فشل المستعمر في اختراقه فترة من الزمن على قوته وعنفوانه وضعفنا آنذاك...فإننا نجد من بني جلدتنا من يروج لنفس الأفكار والقيم في ما بات يعرف بمنظري الاستعمار الذاتي أو ما أسماه البوطي التفكير الإصلاحي, حيث أصبحوا يبثون مخططاتهم نهارا جهارا بدعوى العلمية والحداثة والتحرر...وقد تحقق لهم ما أرادوا على أرضية الواقع, فعلى سبيل المثال بلدي موريتانيا وعلى الرغم من تحررها من المستعمر الفرنسي منذ عقود فانه بات يحكم قبضته على المناهج الدراسية وما مشروع إصلاح التعليم المفترض الذي أصبح واقع,
إلا تكريس لهذا التحكم بدليل أن الطالب أكثر ما يشده إلى المواد هو الضارب, فمنذ عقود وضارب التربية الإسلامية هو:2. وقد أصبح قي الإصلاح الجديد:1. بعد أن أدخلوا مادة التربية المدنية. والسؤال الذي يطرح نفس لماذا أخذوا من ضارب التربية الإسلامية دون غيرها من المواد؟! ولماذا تكون هذه السنة آخر سنة بالنسبة لباكلوريا العلمية والرياضية الشعبة العربية بالنسبة لتعليم الثانوي. والسنة الأولى والثانية, الشعبة العربية بالنسبة لتعليم العالي بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط.. ناهيك عن تهميش اللغة العربية وجعلها لغة ثانية عمليا, لأن هذا المناهج الدراسية إنما هي على نمط المدارس المنشأة في البلاد الأوربية :من ابتدائية وثانوية وعالية. وهذه الثقافة بشكلها الحاضر وجميع ملابساتها أخذت واقتبست من الثقافة الأجنبية, وهى نفسها في الدواوين الحكومية وفى المهن الحرة وفى مجالات الحكومية المختلفة كما أسلفنا..
وبهذا تحكم لفرانكفونية قبضتها على التعليم بعد أن استعصي على أسيادهم فترة من الزمن.. وبغياب هذا المنهج من حياتنا الذي كان حارسا أمينا وحاجزا منيعا فشل المستعمر في اختراقه فترة من الزمن على قوته وعنفوانه وضعفنا آنذاك...فإننا نجد من بني جلدتنا من يروج لنفس الأفكار والقيم في ما بات يعرف بمنظري الاستعمار الذاتي أو ما أسماه البوطي التفكير الإصلاحي, حيث أصبحوا يبثون مخططاتهم نهارا جهارا بدعوى العلمية والحداثة والتحرر...وقد تحقق لهم ما أرادوا على أرضية الواقع, فعلى سبيل المثال بلدي موريتانيا وعلى الرغم من تحررها من المستعمر الفرنسي منذ عقود فانه بات يحكم قبضته على المناهج الدراسية وما مشروع إصلاح التعليم المفترض الذي أصبح واقع,
إلا تكريس لهذا التحكم بدليل أن الطالب أكثر ما يشده إلى المواد هو الضارب, فمنذ عقود وضارب التربية الإسلامية هو:2. وقد أصبح قي الإصلاح الجديد:1. بعد أن أدخلوا مادة التربية المدنية. والسؤال الذي يطرح نفس لماذا أخذوا من ضارب التربية الإسلامية دون غيرها من المواد؟! ولماذا تكون هذه السنة آخر سنة بالنسبة لباكلوريا العلمية والرياضية الشعبة العربية بالنسبة لتعليم الثانوي. والسنة الأولى والثانية, الشعبة العربية بالنسبة لتعليم العالي بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط.. ناهيك عن تهميش اللغة العربية وجعلها لغة ثانية عمليا, لأن هذا المناهج الدراسية إنما هي على نمط المدارس المنشأة في البلاد الأوربية :من ابتدائية وثانوية وعالية. وهذه الثقافة بشكلها الحاضر وجميع ملابساتها أخذت واقتبست من الثقافة الأجنبية, وهى نفسها في الدواوين الحكومية وفى المهن الحرة وفى مجالات الحكومية المختلفة كما أسلفنا..
هل بهذا نسحب البساط من الإصلاح, كلا, فهو يبقى خيار الأمم والشعوب لكن ما يحمل على الريبة هو لماذا لفرانكفونية بالذات لماذا لا تكون الانجليزية مثلا؟ ومن الواضح لغير لعميان ما يعانيه التعليم لفرانكفوني نفسه في عقر داره من تخلف وفشل..!
.ولسنا هنا ضد الحداثة والمعرفة ولكن معرفة مبنية علي قيم وحداثة مبنية على تراث كما في الدول المتقدمة :اليابان والأمم العريقة : الصين..
فحضارتنا وتراثنا العريق لبست أقل شأنا من هذه الأمم...فما الذي أقعدنا عن تاريخنا وتراثنا المجيد الذي كان سببا في تطور البشرية !؟
يبين عبد القادر عودة في كتابه: الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه, السيطرة الكاملة للثقافة الأوروبية على جميع طوائف المسلمين الذين يقسمهم إلى ثلاث طوائف وهي: فحضارتنا وتراثنا العريق لبست أقل شأنا من هذه الأمم...فما الذي أقعدنا عن تاريخنا وتراثنا المجيد الذي كان سببا في تطور البشرية !؟
1) طائفة غير لمثقفين: وتشمل الأميين والمثقفين ثقافة بسيطة لا تؤهلهم لأن يستقلوا بفهم ما يعرض عليهم والحكم عليه حكما صحيحا, وهؤلاء يجهلون الشريعة الإسلامية جهلا تاما إلا معلومات سطحية عن العبادات. وأكثرهم يؤدون العبادات تأدية آلية, مقلدين في ذالك آباءهم وإخوانهم ومشايخهم, ويندر أن تجد فيهم من يعتمد في تأدية عباداته على دراسته ومعلوماته الشخصية. ويدخل في هذه الطائفة أغلب المسلمين ولا يقل عدد أفرادها عن ثمانين في المائة من مجموع المسلمين في العالم الإسلامي وتتأثر هذه الطائفة تأثيرا كبيرا بتوجيهات المثقفين, سواء كانت ثقافتهم أوروبية أو إسلامية..
2 ) طائفة المثقفين ثقافة أوروبية: تضم هذه الطائفة معظم المثقفين في البلاد الإسلامية وأكثرهم متوسطي الثقافة. ولكن الكثيرين منهم مثقفون ثقافة عالية.ومن هذه الطائفة القضاة والمحامون. والأطباء. والمهندسون والأدباء ورجال التعليم. والإدارة.والسياسة.
وقد تثقفت هذه الطائفة على الطريقة الأوروبية. ولهذا فهم لا يعرفون عن الشريعة الإسلامية إلا ما يعرفه المسلم العادي بحكم البيئة والوسط. وأغلبهم يعرف عن عبادات اليونان والرومان. وعن القوانين والأنظمة الأوروبية. أكثر مما يعرف عن الإسلام والشريعة الإسلامية. ومن هذه الطائفة أفراد يعدون على الأصابع في كل بلد لهم دراسات خاصة في فرع من فروع الشريعة أو في مسألة من مسائلها. ولكنها دراسة محدودة. ويغلب أن تكون دراسات سطحية. وقل أن تجد في هؤلاء من يفهم روح الشريعة الإسلامية على حقيقتها أو يلم الماما صحيحا باتجاهات الشريعة أو الأسس التي تقوم عليها. وهؤلاء المثقفون ثقافة أوروبية. والذين يجهلون الإسلام والشريعة الإسلامية إلى هذا الحد. هم الذين يسيطرون على الأمة الإسلامية. ويوجهونها من مشارق الأرض ومغاربها. وهم الذين يمثلون الإسلام والأمم الإسلامية في المجامع الدولية.)
وهؤلاء على جهلهم بالإسلام متدينون, ويؤدون عبادتهم بقدر ما يعلمون..
3) طائفة المثقفين ثقافة إسلامية: تضم هذه الطائفة المثقفين ثقافة إسلامية عالية وما دونها وعددهم ليس قليلا. وان كانوا أقلية بالنسبة للمثقفين ثقافة أوروبية. ولهذه الطائفة نفوذها العظيم على الشعوب الإسلامية فيما تُعلم لهذه الشعوب أنه متصل بالإسلام.. وقد انحصر نفوذها بعد دخول القوانين الأوروبية إلى البلاد الإسلامية..
وهذا يعنى أننا نعاني من أزمة حقيقية في الذات فمواطن الأزمة موجودة في الضمير وفي علاقته مع الواقع، وهذا يعني أن الأزمة تتصل بتفسير المشاكل أكثر من اتصالها بطبيعتها، فهي ليست أزمة في الوسائل وإنما في الأفكار..
في هذه الظروف تحتجب الحقيقة خلف ضباب الأوهام وتندفع الأمم والشعوب وراء كل جديد براق دوم أن تكلف نفسها عناء التمييز بين الماء والسراب..وتفاديا لهذا الاندفاع الذي لم يسلم منه إلا القليل من الكتاب المنصفين ارتأيت أن أمم وجهي إلى بيت الله الحرام أول بيت وضع للناس و مهبط الوحي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام فتحت زر التلفزيون وكان في ذالك الوقت يصادف عرفة يوم الحج الأكبر وبينما كنت أنظر إلى تلك الجموع المليونية التي أتت من كل فج عميق إلى البلد الأمين حيث نزول الوحي على نبي الرحمة. أومض بصيرتي شعاع من عظمة الخالق الأعلى جعلني أتوجه بعقلي وعاطفتي إلى تلك الأرض المقدسة بيت لله الحرام أول بيت وضع للناس, علنا نجد ما يواسينا في هذه العقيدة الإسلامية التي أصبحت بفعل من يحسبون عليها, مجرد شعارات ترفع, أو مبادئ تعلن, أو مقالات يجتهد أصحابها في تدبيج مقدماتها وسياقها, أو طقوس تمارس في أوقات معينة..
وكم كانت السعادة تغمرنا عندما أصبحنا نشاهد بأم أعيننا أن هذا البلد الأمين مازال إلى يوم الناس هذا (مركزا للهداية والإرشاد, والإشعاع الروحي والغذاء العاطفي, تقام حوله المناسك, وتغذى به العاطفة, وتشعل به مجامر القلوب, وتشحن به (بطاريتها) الفارغة, ويتلقى منه الرسالة الدينية, ويجتمع حوله العالم الإسلامي كل عام, يؤدى خراجه من الطاعة, وضريبته من الحب والانقياد, ويثبت تمسكه بهذا الحبل المتين, ولجوئه إلى هذا الركن الركين, ويطوف حوله أعظم العلماء والعقلاء, والزعماء والعظماء, والملوك والأمراء, والأغنياء والفقراء, في وله وهيام, وفقه وحكمة, يثبتون أنهم مجتمعون على تفرق, متوحدون على تعدد, متركزون على انتشار, أغنياء على الفقر , أقوياء على الضعف, ينتشرون في العالم ويسعون في أرزاقهم ومصالحهم, وينتسبون إلى أمم وسلالات, ويختلفون في الحضارات والثقافات, ويلتقون على نقطة واحدة وحول نقطة واحدة, مظهرها (الإحرام) في لغة الدين والفقه وفى مصطلح الحج والعمرة, حاسرة رؤوسها مابين رئيس ومرؤوس, وصغير وكبير, وغني وفقير, وتهتف كلها في لغة واحدة « لبيك للهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك...» وكأن الوجود قد تحول إلى مظاهرات لا هتاف لها إلا الذكر والشكر والتمجيد والتحميد. فحياتهم كلها طواف وسعى, ونسك وعبادة, وإيمان وعقيدة, ومقاماتهم كلها منى وعرفات, وأسفار ووقفات, والسعي خير ممثل لموقف المسلم في هذا العالم, فهو يجمع بين العقل والعاطفة, وبين الحس والعقيدة, انه يستعين بالعقل, ويستخدمه في مصالح حياته, ولكنه ينقاد أحيانا للعاطفة, التي هي أعمق من العقل, انه يعيش في عالم قد حف بالشهوات, ومليء بالزخارف والمظاهر, لكنه يمر بينها كالساعي بين الصفا والمروة, لا يعرج على شيء, ولا يتقيد بشيء أنما غايته وهمه ما يستقبله, يعتبر حياته أشواطا محدودة , يقطعها إطاعة لربه , واقتداء بأم نبيه صلى لله عليه وسلم, لا يمنعه إيمانه عن البحث والسعي, ولا يمنعه سعيه عن التوكل على لله والثقة به)
ولهذا يعتبر الحج عرضة سنوية للملة، يرجع إليها الفضل في نقائها وأصالتها، وفى بقاء هذا الدين، بعيدا عن التحريف والغموض والالتباس، وفى بقاء هذه الأمة، بعيدة عن الانقطاع عن الأصل، والمصدر والأساس، محفوظة من المؤامرات والمغالطات التي وقعت أمم كثيرة فريستها في الزمن الماضي، وعن طريق هذه المؤسسة العظيمة الحكيمة، تبقى هذه الأمة العظيمة الخالدة محتفظة بطبيعتها الإبراهيمية الولوع الحنون، العطوف الرؤوف، الثائرة القوية الحنفية السمحة، وتتوارثها جيلا بعد جيل، فكأنها القلب الحي القوي الفياض الذي يوزع الدم إلى عروق الجسم وشرايينه، وبها تستعرض هذه الأمة مجموعها في صعيد واحد، فينفى بذالك علماؤها وزعماؤها تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وخرافة المخرفين، ويردونها إلى الأصل الإبراهيمي الحنيفى، وإلى الشرعة المحمدية(الصافية)، وبها تستطيع هذه الأمة أن تحافظ على وحدتها الدينية والعقلية والثقافية، وتعتصم على أن تؤثر فيها الإقليمية والمحلية تأثيرا يفقدها الوحدة الحنفية الإبراهيمية، والصيغة الإسلامية المحمدية، كما كان شأن الديانات السابقة الكثيرة، والأمم الدينية العديدة..
وعندما كنت أعيش هذه اللحظات الإيمانية السعيدة, وإذا بضجة إعلامية في الأخبار المكتوبة والمسموعة والمرئية تدور حول جامعة الأمير عبد الله, وبرغم ما قيل من القضايا عن الاختلاط وغيره.. وإقالة عالم من علماء الدين بسبب نقده لهذه الجامعة, فان ذالك كله ليس مهما بمقارنة مع المناهج الدراسية.. التي رأينا من خلال هذا البحث أنها سبب ضياع هذه الأمة بأيادي أبنائها منذ عقود. وما نخشاه أن يفتح هذا الفكر ثغرات في بلد هو قبلة المسلمين الأولي وظل لقرون بعيدا عن هذه الأفكار المزلزلة..
وهكذا حيث ما اتجهنا وجدنا من الشواهد ما يكفي للدلالة على أن ما نشاهده بمنظارنا هو أقرب للغريزة منها إلى العقل، وهذا إنما يتجلى في الطرف السلبي للمعادلة السابقة أي تفعيل الفرج والبطن على حساب القلب والعقل وهو ما لخصه ابن خلدون ففي تحليلاته للحضارة بيّن العوامل الموضوعية التي يكون انتشارها في المجتمع إيذانا بقرب أفولها مثل الترف والتفنن فيه، الأمر الذي يؤدي إلى تلون" النفس من تلك العوائد بألوان كثيرة لا تستقيم حالها مع دينها ودنياها: أما دينها فلاستحكام صيغة العوائد التي يعسر نزعها، وأما دنياها فلكثرة الحاجات والمؤنات التي تطالب بها العوائد ويعجز الكسب عن الوفاء بها.." ثم يتحدث ابن خلدون بعد ذلك عن تفكك ما يسمى في العلوم الاجتماعية الحديثة بنسق القيم الثقافية واهترائه فيقول: "فلذلك يكثر منهم الفسق والشر والسفسفة والتحيل على تحصيل المعاش من وجهه ومن غير وجهه وبالتعبير السوسيولوجي الحديث: "بطرق مشروعة وغير مشروعة" وتنصرف النفس إلى الفكر في ذلك والغوص عليه واستجمام الحيلة فنجدهم أجرياء على الكذب والمغامرة والغش والخلابة والسرقة والفجور في الإيمان والريا في البياعات.... ثم تجدهم أبصر بطرق الفسق ومذاهبه والجهارة به وبدواعيه وإطراح الحشمة في الخوض فيه، حتى بين الأقارب وذوي المحارم الذين تقتضي البداوة الحياء منهم في الإقذاع بذلك"...
كل ذلك يحتم نهاية الحضارة، وهنا يتطابق القانون العمراني الخلدوني مع إرشاد القرآن وتعليمه بهذا الصدد ويستنتج ابن خلدون هذا التجانس الكامل فيقول: "وإذا كثر ذلك في المدنية أو الأمة تأذن الله بخرابها وانقراضها وهو معنى قوله تعالى ﴿وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا﴾ الإسراء الآية: 16.
نستنتج أن هذا الكلام لا يختلف عن اجتهاد البوطي السالف الذكر.. وأنه كلما تعمقنا في هذا الاجتهاد تكشفت لنا حقائق على أرضية الواقع تؤيده وتؤكده.. فهل أصبحنا فعلا في خبر كان؟!
لقد أحسستفي مواضيع خطيرة من البحث أن أعيش بفكري وقلبي وجسدي ـ جميعا ـ عشت بعقل الباطني وعقلي الواعي، استعدت ذكرياتي القديمة، منها ما هو من صميم التاريخ، ومنها ما هو من صميم العقيدة، وكانت ذكريات تختلط بواقعي، فتبدوا حقائق حينا، ورموزا حينا، وكان الشعور بها يغمرني ويملأ جوانب نفسي كنت دائما في كامل وعي.أخذتني الرهبة والخشوع عندما كنت وحدي، وكنت في هذه المرة الواحدة مع الناس ومع نفسي في وقت واحد. وعندما كنت أعيش هذه اللحظات الإيمانية السعيدة, وإذا بضجة إعلامية في الأخبار المكتوبة والمسموعة والمرئية تدور حول جامعة الأمير عبد الله, وبرغم ما قيل من القضايا عن الاختلاط وغيره.. وإقالة عالم من علماء الدين بسبب نقده لهذه الجامعة, فان ذالك كله ليس مهما بمقارنة مع المناهج الدراسية.. التي رأينا من خلال هذا البحث أنها سبب ضياع هذه الأمة بأيادي أبنائها منذ عقود. وما نخشاه أن يفتح هذا الفكر ثغرات في بلد هو قبلة المسلمين الأولي وظل لقرون بعيدا عن هذه الأفكار المزلزلة..
وهكذا حيث ما اتجهنا وجدنا من الشواهد ما يكفي للدلالة على أن ما نشاهده بمنظارنا هو أقرب للغريزة منها إلى العقل، وهذا إنما يتجلى في الطرف السلبي للمعادلة السابقة أي تفعيل الفرج والبطن على حساب القلب والعقل وهو ما لخصه ابن خلدون ففي تحليلاته للحضارة بيّن العوامل الموضوعية التي يكون انتشارها في المجتمع إيذانا بقرب أفولها مثل الترف والتفنن فيه، الأمر الذي يؤدي إلى تلون" النفس من تلك العوائد بألوان كثيرة لا تستقيم حالها مع دينها ودنياها: أما دينها فلاستحكام صيغة العوائد التي يعسر نزعها، وأما دنياها فلكثرة الحاجات والمؤنات التي تطالب بها العوائد ويعجز الكسب عن الوفاء بها.." ثم يتحدث ابن خلدون بعد ذلك عن تفكك ما يسمى في العلوم الاجتماعية الحديثة بنسق القيم الثقافية واهترائه فيقول: "فلذلك يكثر منهم الفسق والشر والسفسفة والتحيل على تحصيل المعاش من وجهه ومن غير وجهه وبالتعبير السوسيولوجي الحديث: "بطرق مشروعة وغير مشروعة" وتنصرف النفس إلى الفكر في ذلك والغوص عليه واستجمام الحيلة فنجدهم أجرياء على الكذب والمغامرة والغش والخلابة والسرقة والفجور في الإيمان والريا في البياعات.... ثم تجدهم أبصر بطرق الفسق ومذاهبه والجهارة به وبدواعيه وإطراح الحشمة في الخوض فيه، حتى بين الأقارب وذوي المحارم الذين تقتضي البداوة الحياء منهم في الإقذاع بذلك"...
كل ذلك يحتم نهاية الحضارة، وهنا يتطابق القانون العمراني الخلدوني مع إرشاد القرآن وتعليمه بهذا الصدد ويستنتج ابن خلدون هذا التجانس الكامل فيقول: "وإذا كثر ذلك في المدنية أو الأمة تأذن الله بخرابها وانقراضها وهو معنى قوله تعالى ﴿وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا﴾ الإسراء الآية: 16.
نستنتج أن هذا الكلام لا يختلف عن اجتهاد البوطي السالف الذكر.. وأنه كلما تعمقنا في هذا الاجتهاد تكشفت لنا حقائق على أرضية الواقع تؤيده وتؤكده.. فهل أصبحنا فعلا في خبر كان؟!
..وجدتني أردد بلا وعي ما يقولونه. ووجدتني في الوقت نفسه وحدي وان كنت في صحبتهم.. كنت شخصية واعية بلا كلام وشخصية متكلمة بلا وعي
كانت الشخصية المتكلمة بلا وعي تردد كلام الآخر... وكانت الشخصية الواعية بلا كلام •ترتل بهدوء وصمت: قوله سبحانه: ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ﴾ سورة الفتح،الآية:28.
وقوله جل من قائل:﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ﴾ سورة الصف، الآية:9.
وقوله عز وجل.﴿ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ﴾ سورة الزمر، الآية:35. , وقوله تعالى ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ سورة الجمعة، الآية: 2.
•وتناجي ربها في صدق وصمت: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق ووعدك الحق والجنة حق والنار حق والنبيون حق، والساعة حق.
اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت الهي لا إله إلا أنت.
الهوامش
أـ) الكتب
1-وحيد الدين خان: الإسلام يتحدى، ترجمة، ظفر الإسلام خان، (مدخل علمي إلى الإيمان)، مراجعة وتقديم، الدكتور عبد الصبور شاهين، الطبعة الثانية، المختار الإسلامي 1964 م.
2-أبوالحسن علي الحسني الندوي: المسلمون وقضية فلسطين, من المقدمة التي وضعها الناشر, المجمع الإسلامي العلمي, لكنو الهند 1423ها-2002 م.3- أبوالحسن علي الحسني الندوي: الأركان الأربعة في ضوء الكتاب والسنة، مقارنة مع الديانات الأخرى ، دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى 1420 هـ-1999م،
محمد الغزالي: ظلام من الغرب, دار القلم دمشق الطبعة لأولى 1420 ها-1999 م.
عبد القادر عودة: الإسلام: بين جهل أبنائه وعجز علمائه, طبع ونشر م.ع.س,1404 ها.
4- محمد سعيد رمضان البوطي،: من روائع القرآن (تأملات علمية وأدبية في كتاب الله عز وجل ) ، دار الفارابي، الطبعة الأولى، 1425 هـ ـ 2004م.
5- محمد سعيد رمضان البوطي: كبرى اليقينيات الكونية ، دار الفكر دمشق، 1997 م،
6- عبد الكريم بكار: تجديد الوعي, دار القلم, الطبعة الأولى, 1421 ها ـ 2000 م
7- عبد العزيز التويجري: مستقبل اللغة العربية,منشورات المنظمة الإسلامية للتربية الثقافة والعلوم ـ ايسسكوـ1425هاـ2004 م.
8- المرابط ولد محمد لخديم: دين الفطرة, تقديم: أ.د.محمد المختار ولد أباه, ود. الداه ولد ممون. ومجمع الفقه الإسلامي, دلهي الهند. تحت الطبع.
9- محاضرات: محمد سعيد رمضان البوطي (بالتصرف).
كتاب الأصالة: محاضرات ملتقى الفكر الإسلامي التاسع عشر لجزء الأول الجزائر 1405 ها ـ 1985 م.
10- المرابط ولد محمد لخديم: معرفة الله: دلائل الحقائق القرآنية والكونية, تقديم د. حسين عمر حمادة, رئيس قسم الدراسات والبحوث باتحاد الكتاب العرب فرع دمشق, تصدير:الشيخ الجليل حمدا ولد التاه ,الطبعة الأولى دار الوثائق, دمشق , 2001م , الطبعة الثانية, دار وحى القلم بيروت لبنان سنة 2002 م. حاصل على جائزة شنقيط للدراسات الإسلامية 2003 م.
بـ)_ المجلات والمواقع
11-التجديد: مجلة علمية فصلية محكمة, تصدر عن الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا, العدد الأول, رمضان ها1417/ يناير1997 م
12- الإسلام اليوم: مجلة دورية تصدرها عن ـ ايسسكوـ العدد 19 السنة 1423هاـ2002 م
13 - إسلام ويب: وهو موقع متخصص في قضايا الأمة الإسلامية.
13 - إسلام ويب: وهو موقع متخصص في قضايا الأمة الإسلامية.
تعليق