بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إذا كان التاريخ قد انتقل مع رايات المجاهدين والفاتحين إلى ساحات المعارك ليدون تفاصيل الفتح ويسجل بحروف من نور العزة انتصار الحق وهزيمة الباطل، إلا إنه أيضًا لم ينس في فرحته وغبطته بنصرة الحق والدين، لم ينس أن يسجل فتوحات وإنجازات وانتصارات من نوع آخر، وهي فتوحات الدعاة المخلصين الذين جابوا الصحارى وقطعوا المفاوز وخاضوا لجة البحر وتغربوا وتشرقوا عشرات السنين في الدعوة والهداية والإرشاد، وإن كانت شهرة فتوحات المجاهدين قد غطت على فتوحات الدعاة، فلم يعد يعرف كثير من أبناء المسلمين شيئًا عن النصر والفتح إلا للمجاهدين، إلا إن ذلك لا يستطيع أبدًا أن ينفي الحقيقة الكلية الثابتة أن معظم من أسلم على وجه الأرض، أسلم على يد الدعاة وليس المجاهدين.
نشأ هداية الله في منطقة «شربون» في غرب جزيرة جاوة في بيت عريق في الدعوة والإرشاد، فتربى على همة عالية وشوق كبير لخدمة الإسلام، وقد اتصف هداية الله بالنجابة والفطنة وحسن العرض والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك كله مع الاستقامة والعبادة وطلب العلم اللازم لدعوته، وهو في نفس الوقت شديد الزهد لا يغير من أحواله ورسومه على الرغم من إقبال الأمراء والناس عليه، ومن شدة حب الناس له، قام سلطان إمارة دمك الإسلامية [ترنقانو] الثالث بتزويجه من أخته واتخذه من أخص مستشاريه، حتى أن هذا الداعية رغم اشتغاله بالدعوة والتنقل بين القرى، كان يتصدر المحافل العلمية وأيضًا كان قائدًا شجاعًا خبيرًا بتدابير الحروب وسياسة الممالك والتراتيب الإدارية وإجراءات العدل والتقدم.
كانت سلطنة دمك هي أول سلطنة إسلامية في جزيرة جاوة تكون لها السيطرة على أجزاء كبيرة من الجزيرة، وقد قامت على أنقاض الإمبراطورية الوثنية «ماجافاهيت» وذلك سنة 1478م، غير أن هذه السلطنة المسلمة قد عانت من عدو داخلي وآخر خارجي، أما العدو الداخلي فقد تمثل في بعض القبائل الوثنية التي دخلت الإسلام وقلوب أبنائها لم يتغلغل الإيمان فيها، وما زالوا يحنون لعادات وطقوس الوثنية وقد حاولت هذه القبائل دمج شعائر الإسلام بشعائر الوثنية والخلط بينهما والخروج بدين جديد، وكان من هؤلاء الضالين من كان له حظوة ومكانة أيام الحكم الوثني أراد استعادتها أيام الحكم الإسلامي وذلك بالتظاهر بالإسلام وإضمار الوثنية غير أن سلاطين المسلمين قد أدركوا خطورة هذه الطائفة وحذروا المسلمين منها ومن أفكارها وكمان السلطان عبد الفتاح ثم ولداه من بعده يونس وترنقانو من أشد الناس في هذه الطائفة الضالة، وترنقانو هذا هو السلطان الذي كان الإمام هداية الله سونن جاتي من أخص مستشاريه وقائد جيوشه
يتبع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إذا كان التاريخ قد انتقل مع رايات المجاهدين والفاتحين إلى ساحات المعارك ليدون تفاصيل الفتح ويسجل بحروف من نور العزة انتصار الحق وهزيمة الباطل، إلا إنه أيضًا لم ينس في فرحته وغبطته بنصرة الحق والدين، لم ينس أن يسجل فتوحات وإنجازات وانتصارات من نوع آخر، وهي فتوحات الدعاة المخلصين الذين جابوا الصحارى وقطعوا المفاوز وخاضوا لجة البحر وتغربوا وتشرقوا عشرات السنين في الدعوة والهداية والإرشاد، وإن كانت شهرة فتوحات المجاهدين قد غطت على فتوحات الدعاة، فلم يعد يعرف كثير من أبناء المسلمين شيئًا عن النصر والفتح إلا للمجاهدين، إلا إن ذلك لا يستطيع أبدًا أن ينفي الحقيقة الكلية الثابتة أن معظم من أسلم على وجه الأرض، أسلم على يد الدعاة وليس المجاهدين.
وبين أيدينا الآن قصة إسلام أمة بأسرها، هداها الله عز وجل وشرفها بالدين الحق على يد رجل واحد من الدعاة المخلصين الذين طواهم النسيان فلم يعد أحد يعرفهم أو يروي سيرتهم، وأي جريمة وخيانة ترتكب بحق هؤلاء العظماء أن تنسى إنجازاتهم وفتوحاتهم وتهمل بحيث ينسب الفضل لغيرهم أو حتى يطوي ذكرهم.
والأمة التي نتحدث عنها هي شعب أندونيسيا وتحديدًا جزيرة جاوة وسومطرة، والداعية الذي سننشر ذكره بين الناس هوهداية الله سونن جاتي والذي أسلم على يديه معظم أهل جاوة وسومطرة.
أندونيسيا والإسلام:
لا يعرف على وجه التعيين تاريخ دخول الإسلام إلى أندونيسيا ولكن من المؤكد أن نور الإسلام قد شع مبكرًا على سواحل هذه الجزائر العظيمة مع أفواج التجار المسلمين الذين كانت قوافلهم تمخر المحيطات والبحار، لا للتجارة وحدها بل للدعوة أيضًا، وقد رد ذكر جزيرة أندونيسيا في المراجع والمصادر العربية القديمة، فلقد أسماها المؤرخ المسعودي صاحب كتاب «مروج الذهب» بجزر المهراج، وغيره من المؤرخين المسلمين فيسمونها بأسماء جزرها: سومطرة وجاوة والملايو وهكذا، وبعض المؤرخين يطلق على سومطرة جاوة الكبرى، وجاوة اسم جاوة الصغرى.
وكان التجار المسلمون من جزيرة العرب ومن حضرموت وعمان تحديدًا هم أول من وصل إلى تلك الجزر النائية وذلك في أواخر القرن الهجري الثاني وأوائل الثالث، وقد أنشأوا لهم مراكز تجارية على سواحل سومطرة والتي كان يسمونها سمدرة، ثم تلا العرب الهنود من إقليم الكجرات أو جوجرة كما يسميها المؤرخ المسعودي، وكانت منطقة آتشية ـ التي تطالب بالانفصال الآن عن أندونيسيا ـ في شمال سومطرة هي أول البقاع التي دخلها الإسلام على يد داعية عربي اسمه عبد الله عارف.
ظل الإسلام لفترة طويلة مقصورًا على سواحل أندونيسا في سومطرة حتى أقام المسلمون هناك أولى ممالكهم الإسلامية وهي مملكة برلاك وهي التي زارها الرحالة المغربي ابن بطوطة سنة 1345م ـ 746هـ، كما زارها الرحالة الإيطالي ماركوبولو سنة 692هـ، بعد ذلك أخذ الإسلام ينتشر في جزر أندونيسا وقد لاقى مقاومة شديدة من الوثنيين؛ ذلك لأن الهندوكية كانت راسخة في تلك البلاد ولها العديد من الممالك القوية.
أما جزيرة جاوة من شبه جزيرة ملقا فلقد فتحها الله عز وجل على يد العديد من الدعاة المخلصين على رأسهم هداية الله سونن جاتي الذي سنتحدث عنه، وللإسلام في جاوة تاريخ طويل لأن صراع الدعاة المسلمين مع الهندوكية كان عنيفًا، وقد قامت في جاوة قبل دخول أهلها في الإسلام العديد من الممالك الوثنية من أكبرها وأخطرها إمبراطورية ماجا فاهيت والتي بلغت من القوة أن حكمت أندونيسا كلها إضافة إلى الفلبين وشبه جزيرة الملايو، ولكن مع انتشار الإسلام زالت هذه الإمارات والممالك كلها وبقيت دولة الإسلام هناك وحدها تواجه القوى الاستعمارية العالمية المتتالية التي تصارعت على هذه البلاد الغنية لعدة قرون.
هداية الله في جاوة:
هداية الله سونن جاتي هو أحد دعاة الإسلام المخلصين الذين كان لهم الفضل بعد الله عز وجل في هداية كثير من أهل جزيرة جاوة للإسلام، ولقد ذكر المؤرخون الجاويون كالحاج علي خير الدين والكياهي محمد أرشد وغيرهم أن أول من جاء إلى جاوة من جهة الهند هو الإمام جمال الدين الحسين وذريته ونسله الملقبون بآل عظمة خان هم الذين قاموا بالدعوة والإرشاد بين القبائل الوثنية بجاوة ومنهم هداية الله سونن جاتي.
إن ما يبقيه علماء الرجال ودعاتهم من عظيم الآثار وجليل الأعمال يغنيهم عن كل ترجمة، والداعية المخلص هداية الله سونن جاتي قد كتب لنفسه ترجمة من نور في ميدان الدعوة إلى الله وكان سببًا في هداية نصف سكان جزيرة جاوة إلى الإسلام وقد شهد له بذلك الدور الرائع المؤرخون الأوربيون على الرغم من عداوتهم وبغضهم للدعاة المسلمين عمومًا وسونن جاتي خصوصًا؛ لذلك نجدهم في مواطن كثيرة ورغم اعترافهم بدوره الكبير في نشر الإسلام، نجدهم ينتقصونه ويتهمونه بخدمة مصالحه الشخصية، ويشككون في نسبته لآل عظمة خان وهكذا.
نشأ هداية الله في منطقة «شربون» في غرب جزيرة جاوة في بيت عريق في الدعوة والإرشاد، فتربى على همة عالية وشوق كبير لخدمة الإسلام، وقد اتصف هداية الله بالنجابة والفطنة وحسن العرض والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك كله مع الاستقامة والعبادة وطلب العلم اللازم لدعوته، وهو في نفس الوقت شديد الزهد لا يغير من أحواله ورسومه على الرغم من إقبال الأمراء والناس عليه، ومن شدة حب الناس له، قام سلطان إمارة دمك الإسلامية [ترنقانو] الثالث بتزويجه من أخته واتخذه من أخص مستشاريه، حتى أن هذا الداعية رغم اشتغاله بالدعوة والتنقل بين القرى، كان يتصدر المحافل العلمية وأيضًا كان قائدًا شجاعًا خبيرًا بتدابير الحروب وسياسة الممالك والتراتيب الإدارية وإجراءات العدل والتقدم.
كانت سلطنة دمك هي أول سلطنة إسلامية في جزيرة جاوة تكون لها السيطرة على أجزاء كبيرة من الجزيرة، وقد قامت على أنقاض الإمبراطورية الوثنية «ماجافاهيت» وذلك سنة 1478م، غير أن هذه السلطنة المسلمة قد عانت من عدو داخلي وآخر خارجي، أما العدو الداخلي فقد تمثل في بعض القبائل الوثنية التي دخلت الإسلام وقلوب أبنائها لم يتغلغل الإيمان فيها، وما زالوا يحنون لعادات وطقوس الوثنية وقد حاولت هذه القبائل دمج شعائر الإسلام بشعائر الوثنية والخلط بينهما والخروج بدين جديد، وكان من هؤلاء الضالين من كان له حظوة ومكانة أيام الحكم الوثني أراد استعادتها أيام الحكم الإسلامي وذلك بالتظاهر بالإسلام وإضمار الوثنية غير أن سلاطين المسلمين قد أدركوا خطورة هذه الطائفة وحذروا المسلمين منها ومن أفكارها وكمان السلطان عبد الفتاح ثم ولداه من بعده يونس وترنقانو من أشد الناس في هذه الطائفة الضالة، وترنقانو هذا هو السلطان الذي كان الإمام هداية الله سونن جاتي من أخص مستشاريه وقائد جيوشه
يتبع
تعليق