تاريخ الحجاب قبل الإسلام
1- أن الحجاب إحدى متطلبات الطبيعة الأنثويَّة من قديمٍ. 2- أن الإسلام لم يكن بِدْعًا في شرع الحجاب وفرضه على المرأة المسلمة. 3- أهمية الحجاب للمرأةِ بدليل إجماع
نعم أيها القراء الكرم... فإننا حين نتكلم عن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة... فعلينا أن نتقدم بالاعتراف بأنه حاجةٌ ضرورية وملحةٌ بالنسبة للمرأةِ... لتناسبه مع تكوينها وضعفها وأصل خِلْقَتِها وطبيعة وظيفتها في هذه الحياة.
فالحجاب جزءٌ من طبيعة المرأةِ أو هو متممٌ لها.... وليس فريضةً لم تكن فأَوْجَدَها الإسلام قهرًا وتعسفًا لا يتلاءم مع المفروضة عليها... بل هو كسائر فراض الإسلام يتواءم مع روح الفرض مع المفروض عليه... ويتصلان برباطٍ وثيقة... وصلةٍ أكيدةٍ... لمن تدبَّر!
فهو جزءٌ ضروري تطلبه طبيعة المرأة... وتُلح في طلبه إلحاحًا... نظرًا لتناسبه مع روح المرأة وأصل خِلْقتها وطبيعة وظيفتها كما أشرتُ.
ونبدأ بتعريف ماهية الحجاب الذي نتكلم عنه.. حتى لا يقع الخلط بين عدةِ أسماء ومسميات... كما هو الحاصل في واقعنا الآن.
فالحجاب لغةً هو المنع.. ومنه أُخِذَتْ تسمية الحاجب... لأنه يمنع الناس من الوصول إلى المحجوب... لكونه ممنوعًا من الوصول إليه بمانعٍ وساترٍ يحول بينه وبين الوصول إلى مراده... ومنه قول الله عز وجل في آية الحجاب: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} (الأحزاب: 53).. أي فاسألوهنَّ من وراء ساترٍ أو مانعٍ يحول بينكم وبين رؤيتهنَّ.
واصطلاحًا في عُرْفِ فقهاء الإسلام يطلق على حجاب المرأة المسلمة وزيِّها الذي ألزمها الله عز وجل به... وشرعه لها... ويدخل في ذلك الكلام عن شروط الزِّيِّ الإسلامي بالنسبة للمرأة... وضوابط ذلك وموانعه... كما يدخل فيه فوائد هذا الفرض الإسلامي وأحكامه من سائر جهاته... فحينما نتكلم عن الحجاب... فهذا يعني أننا نتناوله من جهاته المختلفة.
لأنه كما سيأتي إن شاء الله عز وجل ليس فريضة منعزلة عن باقي فرائض الإسلام.... ولا بينه وبينها تنافرًا يحيل العلاقة بينهم... بل هو جزءٌ من منظومة الإسلام الكبيرة ... بشموليتها وعمومها... فمن فصلها وفهمها بعيدًا عن منظومتها الشاملة فقد أخطأ خطأ عظيمًا على نفسه وعلى غيره! وسيأتي هذا إن شاء الله عز وجل.
غير أن بعض الناس الآن قد يطلقه على الخمار فقط دون النقاب الذي هو غطاءٌ للوجه أيضًا.... وبعضهم يطلقه على النقاب... وسياق كلام المتكلم هو الحَكَم هنا في معرفة مراده.
والحق أنه ليس خاصًّا بالإسلام... ولا هو من أنظمته وشرائعه التي بدأها على غير سَبْقِ مثالٍ.... وقد وُجِدَ في اليهودية والنصرانية قبل الإسلام... ولا زلنا نرى بقاياه في لباس الراهبات الآن في الأديرة والكنائس!
وإذا رجعنا إلى كتب أهل الكتاب فسنرى النص عليه موجودًا عندهم.
فحينما نرجع إلى ((سفر التكوين)) سنرى فيه هذه العبارات:
(( 14فَنَزَعَتْ عَنْهَا ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا، وَتَبَرْقَعَتْ وَتَلَفَّعَتْ .....لأَنَّهَا كَانَتْ مُحَجَّبَةً، .....19ثُمَّ قَامَتْ وَمَضَتْ، وَخَلَعَتْ بُرْقَعَهَا وَارْتَدَتْ ثِيَابَ تَرَمُّلِهَا)).
وحينما نرجع إلى ((نَشِيدِ الأَنْشَادِ)) ستقابلنا فيه: ((4 الْمُحِبُّ: لَشَّدَ مَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَاحَبِيبَتِي، لَشَّدَ مَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ مِنْ وَرَاءِ نَقَابِكِ كَحَمَامَتَيْن.... 3...وَخَدَّاكِ كَفِلْقَتَيْ رُمَّانَةٍ خَلْفَ نَقَابِكِ.)) وتتكرر فيه: ((6.....7خَدَّاكِ تَحْتَ نَقَابِكِ كَفَلْقَتَيْ رُمَّانَةٍ)).
وحينما نقرأ في ((رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس)) سنرى النص الآتي ماثلاً أمامنا:
((فَاقْتَدُوا بِي كَمَا أَقْتَدِي أَنَا بِالْمَسِيحِ!
2إِنِّي أَمْدَحُكُمْ لأَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ أَمْرٍ وَتُحَافِظُونَ عَلَى التَّعَالِيمِ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ. 3وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ الرَّأْسُ لِكُلِّ رَجُلٍ؛ أَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ . 4فَكُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ، وَعَلَى رَأْسِهِ غِطَاءٌ، يَجْلِبُ الْعَارَ عَلَى رَأْسِهِ. 5وَكُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ، وَلَيْسَ عَلَى رَأْسِهَا غِطَاءٌ، تَجْلِبُ الْعَارَ عَلَى رَأْسِهَا، لأَنَّ كَشْفَ الْغِطَاءِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ تَمَاماً. 6فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ لاَ تُغَطِّي رَأْسَهَا، فَلْيُقَصَّ شَعْرُهَا! وَلَكِنْ، مَادَامَ مِنَ الْعَارِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ يُقَصَّ شَعْرُهَا أَوْ يُحْلَقَ، فَلْتُغَطِّ رَأْسَهَا. 7ذَلِكَ لأَنَّ الرَّجُلَ عَلَيْهِ أَلاَّ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ، بِاعْتِبَارِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ. 8فَإِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ أُخِذَتْ مِنَ الرَّجُلِ؛ 9وَالرَّجُلُ لَمْ يُوجَدْ لأَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ وُجِدَتْ لأَجْلِ الرَّجُل 10لِذَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَضَعَ عَلَى رَأْسِهَا عَلاَمَةَ الْخُضُوعِ، مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ. 11غَيْرَ أَنَّهُ فِي الرَّبِّ لَيْسَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ، وَلاَ الرَّجُلُ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ. 12فَكَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ أُخِذَتْ مِنَ الرَّجُلِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَكْتَمِلُ بِالْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا كُلُّ شَيْءٍ هُوَ مِنَ اللهِ.
13فَاحْكُمُوا إِذَنْ بِأَنْفُسِكُمْ: أَمِنَ اللاَّئِقِ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ إِلَى اللهِ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ؟ 14أَمَا تُعَلِّمُكُمُ الطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا أَنَّ إِرْخَاءَ الرَّجُلِ لِشَعْرِهِ عَارٌ عَلَيْهِ، 15فِي حِينِ أَنَّ إِرْخَاءَ الْمَرْأَةِ لِشَعْرِهَا مَفْخَرَةٌ لَهَا، لأَنَّ الشَّعْرَ أُعْطِيَ لَهَا بِمَثَابَةِ حِجَابٍ. 16أَمَّا إِذَا رَغِبَ أَحَدٌ فِي إِظْهَارِ الْمُشَاكَسَةِ، فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ مِثْلُ هَذِهِ الْعَادَةِ وَلاَ لِكَنَائِسِ اللهِ!)).
وحينما نرجع إلى ((رسالة بولس الأولى إلى تيماوس)) نجد النص الآتي:
((8فَأُرِيدُ إِذَنْ، أَنْ يُصَلِّيَ الرِّجَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، رَافِعِينَ أَيَادِيَ طَاهِرَةً، وَهُمْ لاَ يُضْمِرُونَ أَيَّ حِقْدٍ أَوْ شُكُوكٍ. 9كَمَا أُرِيدُ أَيْضاً، أَنْ تَظْهَرَ النِّسَاءُ بِمَظْهَرٍ لاَئِقٍ مَحْشُومِ اللِّبَاسِ، مُتَزَيِّنَاتٍ بِالْحَيَاءِ وَالرَّزَانَةِ، غَيْرَ مُتَحَلِّيَاتٍ بِالْجَدَائِلِ وَالذَّهَبِ وَاللَّالِيءِ وَالْحُلَلِ الْغَالِيَةِ الثَّمَنِ، 10بَلْ بِمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ يَعْتَرِفْنَ عَلَناً بِأَنَّهُنَّ يَعِشْنَ فِي تَقْوَى اللهِ، بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ! 11عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَلَقَّى التَّعْلِيمَ بِسُكُوتٍ وَبِكُلِّ خُضُوعٍ. 12وَلَسْتُ أَسْمَحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ. بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تَلْزَمَ السُّكُوتَ. 13ذَلِكَ لأَنَّ آدَمَ كُوِّنَ أَوَّلاً، ثُمَّ حَوَّاءُ: 14وَلَمْ يَكُنْ آدَمُ هُوَ الَّذِي انْخَدَعَ (بِمَكْرِ الشَّيْطَانِ)، بَلِ الْمَرْأَةُ انْخَدَعَتْ، فَوَقَعَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ.15إِلاَّ أَنَّهَا سَتُحْفَظُ سَالِمَةً فِي وِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، عَلَى أَنْ يَثْبُتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ الرَّزَانَةِ!)).
وحينما ونقرأ في (( رسالة بطرس الأولى)) سنجد النص الآتي:
((نصائح للمتزوجين3كَذَلِكَ، أَيَّتُهَا الزَّوْجَاتُ، اخْضَعْنَ لأَزْوَاجِكُنَّ. حَتَّى وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بِالْكَلِمَةِ، تَجْذِبُهُ زَوْجَتُهُ إِلَى الإِيمَانِ، بِتَصَرُّفِهَا اللاَّئِقِ دُونَ كَلاَمٍ، 2وَذَلِكَ حِينَ يُلاَحِظُ سُلُوكَهَا الطَّاهِرَ وَوَقَارَهَا. 3وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَلاَّ تَعْتَمِدَ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ لإِظْهَارِ جَمَالِهَا، بِضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ. 4وَإِنَّمَا لِتَعْتَمِدِ الزِّينَةَ الدَّاخِلِيَّةَ، لِيَكُونَ قَلْبُهَا مُتَزَيِّناً بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ وَالْهُدُوءِ. هَذِهِ هِيَ الزِّينَةُ الَّتِي لاَ تَفْنَى، وَهِيَ غَالِيَةُ الثَّمَنِ فِي نَظَرِ اللهِ! 5وَبِهَا كَانَتْ تَتَزَيَّنُ النِّسَاءُ التَّقِيَّاتُ قَدِيماً، فَكَانَتِ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ تَتَّكِلُ عَلَى اللهِ وَتَخْضَعُ لِزَوْجِهَا. 6فَسَارَةُ، مَثَلاً، كَانَتْ تُطِيعُ زَوْجَهَا إِبْرَاهِيمَ وَتَدْعُوهُ «سَيِّدِي». وَالْمُؤْمِنَاتُ اللَّوَاتِي يَقْتَدِينَ بِهَا، يُثْبِتْنَ أَنَّهُنَّ بَنَاتٌ لَهَا، إِذْ يَتَصَرَّفْنَ تَصَرُّفاً صَالِحاً، فَلاَ يَخَفْنَ أَيَّ تَهْدِيدٍ.
ويقابلنا نحو هذا المعنى في موضع آخر من العهد الجديد حين نقرأ في (( رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس)) لنرى:
(( 7وَأَنْتُمْ، أَيُّهَا الأَزْوَاجُ، إِذْ تُسَاكِنُونَ زَوْجَاتِكُمْ عَالِمِينَ بِأَنَّهُنَّ أَضْعَفُ مِنْكُمْ، أَكْرِمُوهُنَّ بِاعْتِبَارِهِنَّ شَرِيكَاتٍ لَكُمْ فِي وِرَاثَةِ نِعْمَةِ الْحَيَاةِ، لِكَيْ لاَ يَعُوقَ صَلَوَاتِكُمْ شَيْءٌ)). 34لِتَصْمُتْ النِّسَاءُ فِي الْكَنَائِسِ، فَلَيْسَ مَسْمُوحاً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُنَّ خَاضِعَاتٍ، عَلَى حَدِّ ما تُوصِي بِهِ الشَّرِيعَةُ أَيْضاً. 35وَلَكِنْ، إِذَا رَغِبْنَ فِي تَعَلُّمِ شَيْءٍ مَا، فَلْيَسْأَلْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ عَارٌ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ)).
ونخلص من هذا كله بنتائج منها:
1- أن الحجاب إحدى متطلبات الطبيعة الأنثويَّة من قديمٍ.
2- أن الإسلام لم يكن بِدْعًا في شرع الحجاب وفرضه على المرأة المسلمة.
3- أهمية الحجاب للمرأةِ بدليل إجماع الأمم عليه كما نرى... ولا زالت بقاياه موجودة في زي الراهبات حتى الآن.
4- تبدل أهل الكتاب وعدم التزامهم بما جاء في كتبهم... إذْ لم نعد نرى أثر ذلك إلا في زي الراهبات وفقط.
5- فضل أهل الإسلام لكثرة الملتزمين منهم بدينهم... وبفروضه... والتي منها الحجاب.
6- عدم توجه النقد إلى الإسلام في فرضه الحجاب.. لأنه لم يكن بمعزلٍ عن باقي الأمم في ذلك.
فإِنْ قيل: فكيف يأخذ الإسلام أو يأمر بشيء كان موجودًا قبله؟
فالجواب أنه لا يلزم من التتابع النسخ التام.... فتتابع الرسل على بني إسرائيل لم ينسخ شرائع الرسل... ويأتي بغيرها تمامًا.... بل حتى حين خلف عيسى عليه السلام لموسى عليه السلام بعد زمنٍ لم ينسخ شريعة موسى بأكملها.
فلا يلزم من تتابع الأنبياء النسخ التام لشريعة السابق منهم... ومن هنا نشأت مسألة مشهورة في أصول الفقه لدى المسلمين وهي: ((الكلام على شرع من قبلنا)) وترجَّح عند أهل الأصول أن شرع من قبلنا شرعٌ لنا إذا وافق شرعنا.
فحين يتوافق الشرعان فلا مجال هنا لادِّعاء نسخٍ أو ترك العمل.
ونحن نرى عددًا من الجرائم والآثام مجرَّمةٌ ومحرمةٌ في سائر الشرائع السماوية المتتابعة... كالسرقة وغيرها.
فلا يعيب الإسلام تشابهه مع من قبله من الشرائع في أمرٍ ما.... تمامًا كما لا يعيبه أن يتميز عن سابقيه بأمرٍ لم يسبق لهم.
ولا غضاضة في هذا كله... ولعلي أتعرض فيما بعدُ إن شاء الله عز وجل بشرح هذه المسألة بأكثر من هذا... وتكفيني الآن الإشارة السابقة.
غير أنه تجدر الإشارة إلى أن وجود الحجاب في الأمم السابقة لا يعني تطابق أحكامه عندها مع أحكامه في الإسلام... كلا... فالتشابه إنما حصل في أصل تشريع الحجاب في الأمم السابقة لا في فروع التشريع وأركانه وأحكامه... فقد تكفل الإسلام بعدد من الشرائع والتراتيب الخاصة به... بحيث صار الحجاب عنصرًا فاعلا في المجتمع... وصارت له قيمته الخطيرة داخل منظومة الإسلام الشمولية... وسيأتي مزيد في هذا إن شاء الله عز وجل... فلنتركه الآن لحينه.. ولنقف الآن هنا.
الأمم عليه كما نرى... ولا زالت بقاياه موجودة في زي الراهبات حتى الآن. 4- تبدل أهل الكتاب وعدم التزامهم بما جاء في كتبهم... إذْ لم نعد نرى أثر ذلك إلا في زي الراهبات وفقط. 5- فضل أهل الإسلام لكثرة الملتزمين منهم بدينهم... وبفروضه... والتي منها الحجاب. 6- عدم توجه النقد إلى الإسلام في فرضه الحجاب.. لأنه لم يكن بمعزلٍ عن باقي الأمم في ذلك.
فإِنْ قيل: فمادام الحجاب ليس خاصًّا بالإسلام والمسلمين فقط، فما هو الجديد الذي قدَّمه الإسلام للمرأة؟
هكذا سأل بعضهم هذا السؤال.
والجواب عليه: أن ثمة فرق شاسع بين قضية الحجاب بكل أبعادها... وبين قضية تكريم المرأة.. أو ماذا قدَّمَ لها الإسلام؟
فالثانية منهما أشمل وأعم من الأولى.
فالحجاب هو أحد الشرائع والوسائل التي أقرَّها وطوَّرها ووضع لها الضمانات الكافية لتكون أداةً فاعلة لتصل مع غيرها من تدابير ووسائل إلى مرحلة ((تكريم المرأة)).
وهذا ما لم يفهمه الكثيرون ممن تكلموا عن هذه المسألة من غير المسلمين!
فالحجاب وحده ليس كل ما شرعه الإسلام لتكريم المرأة... ولكنه ركن من أركان منظومة شاملة وعامة للوصول إلى ((تكريم المرأة وصيانتها)).
ولذلك فنحن نرى أن الإسلام قد شرع الحجاب وحثَّ عليه... ثم هو في الوقت نفسه يضع تدابيرًا أخرى ووصاية خاصة بالمرأةِ في العناية بها وبتعليمها ... وإطلاق يدها في مالها الخاص تتصرف فيه كيف شاءت بلا قيود من بني البشر... أو إهدار لحريتها واختياراتها... إلى آخر التدابير التي تصب جميعها مع الحجاب في مصبٍّ واحدٍ هو ((تكريم المرأة)).
وهذا ما لم يفهمه الكثيرون ممن تكلموا عن هذه المسألة من غير المسلمين!
فالمرأة في الإسلام لها حقوقها الواجبة لها... وعليها واجباتها الملزمة بأدائها... وليست سارحة على وجهها لا تعرف لها وجهة كما هي الآن في الغرب!
غير أنه من المناسب أن يتذكَّر القارئ معنا الآن ما كانت عليه بلاد العرب قبل الإسلام من قتل البنات لسببٍ أو لآخر... وقد أشار القرآن الكريم إلى ما يحصل لأحدهم من الاسمئزاز إذا بُشِّر بالأنثى.. كما أشار سبحانه وتعالى إلى عادتهم في قتل أولادهم.
يقول سبحانه وتعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَداًّ وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58].
ويقول سبحانه وتعالى: {وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 9].
غير أننا نلمح على الجانب الآخر في أمم الأرض من يختلف في المرأة: هل لها روح أم لا؟ كما حصل في أكثر من مجمع كنسي عبر التاريخ!!
فهل بعد هذا من إهانةٍ للمرأة؟!
ولا زال يترد في أسماعنا ما ذكرتُه قبل قليل حيث يقابلنا في موضع من العهد الجديد حين نقرأ في (( رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس)):
((34لِتَصْمُتْ النِّسَاءُ فِي الْكَنَائِسِ، فَلَيْسَ مَسْمُوحاً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُنَّ خَاضِعَاتٍ، عَلَى حَدِّ ما تُوصِي بِهِ الشَّرِيعَةُ أَيْضاً. 35وَلَكِنْ، إِذَا رَغِبْنَ فِي تَعَلُّمِ شَيْءٍ مَا، فَلْيَسْأَلْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ عَارٌ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ)).
فليس مسموحًا في تعاليم النصارى التي كتبوها أن تتكلم المرأة وتسأل وتتعلم! والسبيل الوحيد لها إذا هي أرادت أن تتعلم هو زوجها.... حتى ولو كان جاهلاً أو ليس متعلمًا.
وقل لي أنت كيف سيعلم الجاهل من هو أجهل منه؟!!
ولعله لهذا الخلل والتضارب بين الطبيعة الإنسانية وبين هذه السرحات القسيسية التي سرحوها حين كتبوا بأيديهم ما كتبوا.. وحرفوا ما حرفوا... لعله لهذا ثارت الطبيعة الإنسانية على السرحات المذكورة... حتى جَنَتْ أوروبا طابورًا طويلا عُرِفَ فيما بعد باسم: الخارجين على الكنيسة...وصار المبدأ السائد: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله!
ومن هنا نشأت العلمانية والتي تعني في الترجمة الصحيحة لها: ((لا مقدس... لا ديني)).... إلخ.
وتلك إشكاليةٌ لابد منها حين يتخلى الإنسان عن أصله الذي بداخله.... وروحه التي تناديه من بين جنبيه لهتدي إلى ربه .... فيأبى ويجحد نداء الروح... فيقع فريسة سهلة لصراعٍ طويل... ربما أودى به إلى الانتحار تارةً أو التيه في الدنيا تاراتٍ... كما هو واقعٌ مشاهدٌ الآن في الغرب!
وسيأتي التفصيل في هذه المسألة إن شاء الله عز وجل فيما بعدُ بأكثر من هذا بإذن الله عز وجل.
وتحيا اللادينية العربية نفس ما يحياه الغرب لإيمانها به.... فنحن نرى أنها ترى في (الحل العلماني) نجاة للعرب جميعًا... وأنه يصلح أن يكون بديلا عن (الحل الإسلامي) ... كما نرى أن اللادينية تعتبر النموذج الغربي مثالا حيًّا للعلمانية... وعلينا أن نستورده لبلادنا مع بعض التعديلات الخفيفة التي لا تمس أصله كحل علماني.
تطيل العلمانية في الدفاع عن (حلها العلماني) و(أنموذجها الغربي) ثم تأتي اللادينية فتقول عن الحجاب في مقالها الآثم في إحدى عباراتها:
اقتباس
((اذا فالحجاب في أصله تشريع ذو مضمون طبقي))!
وللقارئ أن يسأل اللادينية هنا: إذا كان الحجاب ليس تشريعًا خاصًّا بالإسلام وفقط... بل هو موجود أيضًا لدى غيره من الأمم... وسبق نقل الإشارة إليه في كتب أهل الكتب (ومنهم الغرب اليهودي والنصراني بطبيعة الحال) فللقارئ أن يسأل: إذا كان الحجاب موجودًا في كتب أهل الكتاب وتشريعاتهم الكنسية ... ولا زالت الراهبات يلتزمن ببقاياه في لباسهن كما يرى الناس في زماننا هذا.... فهذا يعني أن المضمون الطبقي للحجاب (حسبما ترى اللادينية) موجودٌ لدى الغرب أيضًا.
وبطبيعة الحال: إذا كان الغرب ذا مضمون طبقي في بعض تشريعاته... وكان هو الأنموذج لتطبيق الحل العلماني... فإنه سيصبح حلاًّ مرفوضًا رفضًا تامًّا لقيامه على المضامين الطبقية ولو في بعض تشريعاته كما نرى!!
أما إذا دافعت اللادينية عن حلها العلماني وأنموذجها الغربي ونفت عنهما تهمة المضمون الطبقي.... فإنه لن يعُد أمامها حينئذٍ سوى أن تسحب اتهامها للحجاب بالطبقية... وتعتذر له من جهةٍ... ثم تعتذر للمسلمين الذين خصتهم بالإهانة دون سائر الأمم المشتركة معهم في شعيرة الحجاب.
وللقارئ أن يستبنط من هذا المثال أمثلة لا حصر لها على تضارب اللادينية مع نفسها ومع طبيعة الإنسان وحاجاته!
وسيأتي الجواب فيما بعدُ إن شاء الله عز وجل عن كثيرٍ من الإشكالات في كلام اللادينية حول هذه المسألة وغيرها.
منقول من منتدى التوحيد
https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=3208
((اذا فالحجاب في أصله تشريع ذو مضمون طبقي))!
وللقارئ أن يسأل اللادينية هنا: إذا كان الحجاب ليس تشريعًا خاصًّا بالإسلام وفقط... بل هو موجود أيضًا لدى غيره من الأمم... وسبق نقل الإشارة إليه في كتب أهل الكتب (ومنهم الغرب اليهودي والنصراني بطبيعة الحال) فللقارئ أن يسأل: إذا كان الحجاب موجودًا في كتب أهل الكتاب وتشريعاتهم الكنسية ... ولا زالت الراهبات يلتزمن ببقاياه في لباسهن كما يرى الناس في زماننا هذا.... فهذا يعني أن المضمون الطبقي للحجاب (حسبما ترى اللادينية) موجودٌ لدى الغرب أيضًا.
وبطبيعة الحال: إذا كان الغرب ذا مضمون طبقي في بعض تشريعاته... وكان هو الأنموذج لتطبيق الحل العلماني... فإنه سيصبح حلاًّ مرفوضًا رفضًا تامًّا لقيامه على المضامين الطبقية ولو في بعض تشريعاته كما نرى!!
أما إذا دافعت اللادينية عن حلها العلماني وأنموذجها الغربي ونفت عنهما تهمة المضمون الطبقي.... فإنه لن يعُد أمامها حينئذٍ سوى أن تسحب اتهامها للحجاب بالطبقية... وتعتذر له من جهةٍ... ثم تعتذر للمسلمين الذين خصتهم بالإهانة دون سائر الأمم المشتركة معهم في شعيرة الحجاب.
وللقارئ أن يستبنط من هذا المثال أمثلة لا حصر لها على تضارب اللادينية مع نفسها ومع طبيعة الإنسان وحاجاته!
وسيأتي الجواب فيما بعدُ إن شاء الله عز وجل عن كثيرٍ من الإشكالات في كلام اللادينية حول هذه المسألة وغيرها.
منقول من منتدى التوحيد
https://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=3208