هل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل الأطفال والنساء ؟
يدعي النصراني أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الأطفال والنساء، ويستشهد بالحديث التالي: (4503) ــ وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيى وَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ عَمْرٌو النَّاقِدُ جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ يَحْيَىٰ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ عَنِ الذَّرَارِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ يُبَيَّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ. فَقَالَ: "هُمْ مِنْهُمْ"."، فما الرد؟
الرد على المفتري
أولًا: حكم الإسلام صريح في تحريم قتل الأطفال والنساء ممن لم يُحارب ويرفع سيفًا في وجه المسلمين، فقد حرم الإسلام قتل النساء والأطفال غير المحاربين، وقد مر النبي بإمرأة مقتولةٍ يومَ فتحِ مكة، فقال: " ما كانت هذهِ تُقاتلُ، ثم نهَى عن قتلِ النساءِ والصبيانِ"، والحديث أخرجه البخاري ومسلم، وهذا فيه دلالة على حُرمة قتل المرأة غير المحاربة، ويندرج في هذا الحكم الأطفال والشيوخ والرهبان ممن لم يحمل سيفه لقتال المسلمين. ولم يشرع الله تعالى القتال للمسلمين انتقاما، أو تجبرا، وإنما شرعه لإخضاع قوى الشرك والطغيان التي تحول بين الناس وبين التوحيد والنجاة من عذابه، والفوز برضوانه؛ فكان القتال رحمة، لا عذابا، ولأجل هذا المعنى نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، كما يبين هذا الحديث؛ لأن هؤلاء لا يقاتلون المسلمين، والمقصود كسر شوكة المقاتلين فقط؛ حتى تصل دعوة الحق إلى الناس أجمعين.
ثانيًا: هذا الحُكم يعرفه النصراني وكل من ليس على ملة الإسلام فأمة محمد صلى الله عليه وسلم في فتوحاتها وغزواتها وظهورها على أعدائها لم يُعرف عنهم قتل النساء والأطفال كما هو الحال المعروف عن النصارى واليهود وباقي الأمم الوثنية، الذين لا يُفرقون بين مقاتلٍ وبين شيخٍ هرمٍ وطفلٍ وامرأة. فإذا كان النصراني يعرف هذا عن ملة الإسلام فيكون ما يزعمه هو مغالطة متعمَّدة من المكابرة وبث الأغاليط والانتصار لدينه اللباطل بالكذبِ ليس إلا.
ثالثًا: ما المفهوم من هذا الحديث؟ عرف الصحابة حُكم الله، من وجوب محاربة المقاتلين وكسر شوكتهم، وحرمة قتل الأطفال والنساء غير المحاربين، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم حيطة لدينهم، عن أحوال الحرب حين يختلطُ النساء والصبيان مع المحاربين، ولا يُمكن تمييزهم إذا كان القتالُ في الليل، خاصة عند الإغارةِ على العدو ليلًا ليُفقاجؤوهم ويُحققوا النصر، وقد دلّ الحديث على ذلك: بقول السائل: يُبَيَّتونَ، أي: يُهجَمُ عليهم لَيلًا، بحيث لا يُعرفُ رجُلٌ من امرأةٍ، ولا يُمكن في هذه الحالة الوصول إلى قتل الرجال إلا بقتلِ من ليس من حقه القتل اضطرارًا ؛ فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا إثم في ذلك؛ لأنه اضطرار؛ ويكون حُكمهم كحُكم النساء والصبيان المحاربين، إذا قاتلوا واشتركوا في الحرب. والقاعدة الشرعية أن ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلَّا به، لا سَبيلَ لِتَرْكِه أوِ التَّحرُّزِ عنه، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هُم منهم»، اي من المشركين المحاربين في هذه الحالة، فلا يأثم المحارب المسلم إن إصابَهم بدونِ قصدٍ منه، إذا كانوا مُختَلِطينَ معهم، ولا يمكنه التمييز (كما هو الحال في الليل).
فيكون حُكم الله ورسوله واضح: لالنهيُ عن قَتلِ النِّساءِ والصِّبيانِ غير المحاربين عمدًا، إلا إذا لم يَكُنْ مَفَرٌّ من ذلك كما في هذا الحالِ من اختلاط المحاربين بذراريهم (النساء والأطفال) مع عدم التمييز بينهم ليلًا.
رابعًا: وهذا ما عليه أمة محمدٍ وأجمع عليه علماؤها، بفهمهم للحديث، وعدم اقتطاع حديث من السياق أو إهمالٍ للألفاظ، فكما عرفنا معنى يبيتون ( البيتوته :- دخولك في الليل )، ونعطي مثالًا من شرح الإمام النووي شارحِ صحيح مسلمٍ لهذا الحديث، فقد ذكر هذا الحديث وشرحه في باب اسمه:- باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد . فانظر كيف بين ان القتل المقصود هنا: أنه غير المتعمد. ويقول النووي: (سُئل عن حكم صبيان المشركين الذين يُبيتون فيصاب من نسائهم وصبيانهم بالقتل فقال: هم من آبائهم أي لا بأس بذلك لأن أحكام آبائهم جارية عليهم في الميراث وفي النكاح وفي القصاص والديات وغير ذلك، والمراد إذا لم يتعمدوا من غير ضرورة. وأما الحديث السابق في النهي عن قتل النساء والصبيان فالمراد به إذا تميزوا.),
والحمد لله بانت الفكره ولا نحتاج الى تكثير كلام بعد هذا .
تعليق